|
ثانياً: الموقفان الإقليمي والدولي
1. الموقف الإقليمي
أ. جامعة الدول العربية
طالبت جامعة الدول العربية في ختام اجتماع المندوبين الدائمين، الذي عُقد بالقاهرة، في 14 يوليه 2001، كافة الأطراف، الإقليمية والدولية، الامتناع عن التدخلات، التي من شأنها عرقلة الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والوحدة الوطنية في السودان. وجددت الجامعة، في بيان لها، الدعوة إلى ضرورة الاستجابة إلى نداءات المجتمع الدولي، الرامية إلى الوقف الشامل لإطلاق النار، في جنوب السودان؛ وعودة جميع الأطراف إلى المفاوضات؛ وتمكين المساعدات الإنسانية الملحة من الوصول إلى المناطق المتضررة، في الجنوب.
وأكدت الجامعة تضامنها الكامل مع السودان. ودعت كافة الأطراف المعنية إلى التعاون مع الجهود المبذولة في إطار المبادرة المصرية ـ الليبية، التي قبلتها القوى السياسية السودانية، وتدعمها جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية ومبادرة الإيقاد. وقال الأمين العام للجامعة: إن عودة الأعمال العسكرية في بعض مناطق السودان تُشكل ردة مؤسفة، ونكسة لعملية السلام. وأكد أمين الجامعة على أهمية الوقوف بجانب السودان، بمواجهة كل ما يهدد سيادته واستقراره ووحدة أراضيه وسلامتها.
كما التقى الأمين العام للجامعة العربية، في23 يوليه 2001، أمين اللجنة الشعبية العامة للوحدة الأفريقية الليبي، بهدف تنسيق المواقف والتشاور حول المرحلة المقبلة، على صعيد المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة. وقال أمين الجامعة إنه يحبذ أن تؤدي الجامعة دوراً أكبر في المصالحة السودانية، وإنهاء النزاع بين الحكومة ومعارضيها؛ على الرغم من أن الأطراف المعنية بتفعيل المبادرة، لم تعلن صراحة ورسمياً رغبتهاً في إعطاء دور سياسي للجامعة العربية، في هذا الشأن.
وقالت مصادر بالجامعة العربية إنها لا تمانع من المشاركة، باستضافة أعمال مؤتمر المصالحة السودانية، المتوقع عقده في القاهرة خلال شهر أغسطس 2001، وأنّ دخول الجامعة خط الوساطة بين أطراف الأزمة السودانية، مرهون بموافقة جميع الأطراف، حرصاً على تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.
ب. مصر
في إطار تفعيل المبادرة المصرية ـ الليبية، وصل وزير الخارجية المصري إلى السودان، في 9 يناير 2001، وقال في تصريحات له، إن لقاءه الرئيس السوداني كان إيجابياً وبناء، وتناول قضايا عدة مهمة، في مقدمتها المبادرة المصرية ـ الليبية. وتحدث عن مسائل معقدة ومشكلات كبيرة، تحاول المبادرة التغلب عليها، وأن المبادرة تتحرك إلى الأمام، وقد حققت نقلة نوعية في التعامل مع المشكلات السودانية، وفتحت الباب لمناقشة موسعة مع جيران السودان؛ لأنها تطرح موضوع المصالحة الشاملة في السودان، وليس ما يجري في الجنوب فقط، وفقاً لمبادرة الإيقاد؛ مؤكداً أن المبادرتين ليستا على طرفي نقيض.
وفي 12 فبراير 2001، عقد وزراء خارجية السودان ومصر وليبيا، لقاءً، في الخرطوم، لبحث مساعي التسوية السياسية، التي تقودها القاهرة وطرابلس. وفي الاجتماع، قدّم الوزير المصري نتائج حصيلة اتصالاته مع المعارضين خلال الفترة الماضية، ووصف المساعي بأنها مشجعة، وأشار إلى تقدم في الطرح، وتقارب في وجهات النظر سيؤديان إلى تضييق شقة الخلاف. ولكن على الرغم من ذلك، فإن المبادرة لم تصل بعد إلى المحطة النهائية. موضحاً انه لمس روحاً إيجابية من زعيم التجمع المعارض، محمد عثمان الميرغني. كما وصف موقف رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، جون قرنق، بأنه غير واضح، تجاه الحل السياسي. مشيراً إلى أن المبادرة المشتركة تهدف إلى تنظيم اجتماعات خلال المرحلة المقبلة، تجمع كافة الأطراف، بما يحقق الحل الشامل للشمال والجنوب، غير أن الظروف لعقد مثل هذه اللقاءات، لم تتوافر بعد.
كما نقل الوزير الليبي للاجتماع، نتائج اجتماعات القيادة الليبية مع قادة المعارضة في طرابلس.
وفي 27 فبراير 2001، عقد وزير الخارجية المصري اجتماعاً مع زعيم حزب الأمة السوداني المعارض، ناقش آليات تحريك المبادرة. وعقب الاجتماع أعلن الوزير المصري أنه سيلتقي في طرابلس نظيره السوداني، ومسؤولين ليبيين.
كما استقبل وزير الخارجية المصري، في 19 يونيه 20001، الصادق المهدي، الذي أبلغ الوزير المصري نتائج مباحثاته في واشنطن. وتناول اللقاء التطورات في الموقف السوداني، من حيث التصعيد العسكري، وإمكانية استئناف العمل لتحقيق الحل السياسي الشامل في السودان، إضافة إلى الاتهامات الموجهة إلى التجمع الوطني المعارض، بتلقي الدعم المالي من الولايات المتحدة. وفي اللقاء قال المهدي: إن المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة لا تزال حجر الزاوية، في الجهود المبذولة لإحلال السلام في السودان.
وفي الأول من يوليه 2001، قالت مصادر مصرية: إن الرئيس المصري هاتف الزعيم الليبي؛ بهدف تفعيل دور البلدين، في ضوء قبول المعارضة السودانية للمبادرة، وذلك بعد إضافة بعض البنود إليها. وأشارت المصادر إلى أن الرئيسين اتفقا على خطة مكثفة للتحرك، من أجل سرعة جمع الفرقاء السودانيين، على طاولة الحوار.
وقد أعلن زير الخارجية المصري، في الخامس من يوليه 2001، أن مصر ستباشر اتصالاتها لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية في السودان، بعد موافقة الحكومة والمعارضة على ورقة إعلان المبادئ، التي قدمتها دولتا المبادرة، وأن مصر ستُجري مشاورات مع كافة الأطراف السودانية والحكومة الليبية، لبحث الترتيبات الخاصة بعقد المؤتمر. ووصف موقف الحكومة السودانية بأنه إيجابي ويمثل تقدماً ملحوظاً.
في 20 أغسطس 2001، التقى وزير الخارجية المصري نظيره السوداني، في القاهرة. واتفق الجانبان على أهمية اتخاذ خطوات لتحريك المبادرة، وبحثا الخطوات المقبلة التي ستتخذها مصر وليبيا بشأن المبادرة. واتفق الوزيران على ضرورة وجود حد أدنى من الاتفاق والوفاق في القضايا، التي تتعلق بالسودان في المؤتمرات المختلفة، وكذلك ضرورة تهيئة الأجواء لقبول المبادرة.
وشدد الوزير السوداني على أن عقد مؤتمر القمة الرباعية العربية ـ الأفريقية، خيار غير مطروح الآن. وقال: إن أية قمة من دون مصر لا يمكن أن تنعقد. والمطروح الآن هو مزيد من التشاور والتنسيق. وقال إنه لا يرى غضاضة في مشاركة دول الإيقاد في محادثات طرابلس المقبلة، مع وجود إمكان للتنسيق بين المبادرتين.
وفي الإطار نفسه، التقى نائب رئيس الوزراء المصري، في 18 سبتمبر 2001، محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع الوطني الديموقراطي السوداني، الذي أشاد بجهود مصر المخلصة، من أجل إحلال الوفاق والمصالحة الوطنية في السودان، ودعا إلى ضرورة توحيد المبادرة القائمة لتحقيق الاستقرار في السودان.
ج. ليبيا
في 24 يناير 2001، سلّم مسؤول الشؤون الخارجية، في مؤتمر الشعب العام في ليبيا، رسالة إلى الرئيس السوداني من العقيد القذافي، تتعلق بجهود تحريك المبادرة المصرية ـ الليبية. كما أطلعه على نتائج لقائه في أسمرا مع السيد عثمان الميرغني، والرئيس الإريتري. وأعلن المبعوث الليبي أن بلاده وجهت دعوتين منفصلتين، إلى زعيم التجمع المعارض، ورئيس حزب الأمة، لزيارة طرابلس في مطلع شهر فبراير 2001، وعقد لقاءات مع العقيد القذافي، لتحريك الجمود في المبادرة المصرية ـ الليبية.
وخلال زيارة قام بها الزعيم الليبي معمر القذافي، إلى الخرطوم، عقد يوم 12 فبراير 2001، لقاء مع الرئيس السوداني، وزعيم حزب الأمة ونائبه؛ بهدف السعّي إلى تقريب الشقة بين الجانبين، والعمل على التسوية السياسية. ونفى نائب رئيس حزب الأمة موافقة حزبه على المشاركة في الحكومة المقبلة، وقال: إن حزب الأمة اتفق مع الحكومة على الإطار العام لقضايا الحكم والسّلام والفيدرالية، ولكنه لم يبحث أمر مشاركة في السلطة، حتى الآن.
وعقب انتهاء قمة دول الساحل والصحراء، عقد الرئيس الليبي مؤتمراً صحفياً، يوم 13 فبراير 2001، في الخرطوم، عقب انتهاء قمة الساحل "دول والصحراء"، وأكد فيه تمسك قيادات حزب الأمة والتجمع الوطني الديموقراطي، بالحل السلمي. كما أكد أن جون قرنق لا يدعو للانفصال، وهو يتحدث عن سودان جديد موحد، وأن مشكلة الجنوب هي مشكلة القارة الأفريقية كلها، ويظل الاندماج الأفريقي هو الحل لهذه المسألة. كما أعلن الرئيس الليبي أن الفرقاء السودانيين يضعون الآن اللمسات الأخيرة للمصالحة الوفاق. وأنه لا خلاف جوهري بين كل الأطراف السودانية، وكلهم يرديون مصلحة السودان، وبرامجهم تستهدف ذلك.
وخلال الزيارة نفسها، اجتمع الزعيم الليبي بنظيره السوداني، وأطلعه على نتائج لقاءات مع قادة المعارضة السودانية في طرابلس. ونقل إليه مطالب زعيم حزب الاتحادي الديموقراطي، المتعلقة بإجراءات ترتيبات تهيئة مناخ الحوار وتقرير الثقة بين الحكومة والمعارضة، واقتراحات حزب الأمة، لإقرار تسوية شاملة.
وفي اجتماع آخر، التقى الزعيم الليبي الرئيس السوداني، وزعيم حزب الأمة، في اجتماع مغلق، استمر حوالي ساعتين؛ قال الرئيس السوداني عقبه، إنه توصل إلى اتفاق مع زعيم حزب الأمة، على معظم البنود المتعلقة بالشأن العام، ولكن حزب الأمة لم يحسم أمر مشاركته في السلطة بعد. وأن الحكومة في انتظار ما يسفر عنه اجتماع المكتب القيادي للحزب. كما وصف المهدي زعيم الحزب اللقاء بأنه خطوة جيدة إلى الأمام، مشيراً إلى أن مشاركة حزبه في الحكومة الجديدة لا تزال محل بحث ودراسة داخل مؤسسات الحزب.
وقد عقدت أحزاب المعارضة السودانية سلسلة من الاجتماعات في العاصمة الليبية، في 17 فبراير 2001، بهدف تحريك جهود المبادرة. وشارك في الاجتماعات مسؤول العلاقات الخارجية في ليبيا، ووفود من حزبي الأمة، والاتحادي الديموقراطي، والحركة الشعبية لتحرير السودان، وتنظيم الأسود الحرة.
كما اجتمع زعيم حزب الأمة بممثلي الحركة الشعبية، واتفق الطرفان على إجراء حوار بينهما، بهدف التعاون من أجل تحقيق الحل السياسي الشامل، وتجاوز الخلافات بينهما. كما أجرى زعيم محادثات مع زعيم التجمع، بهدف تفعيل المبادرة، وتحسين العلاقات بين الحزبين.
ووصف نائب رئيس حزب الأمة لقاءات طرابلس، بين القيادة الليبية والمعارضة، بأنها أنعشت مساعي الحل السلمي مجددا وتوقع نتائج إيجابية قريباً.
وفي العاصمة الأوغندية كمبالا، التقى الزعيم الليبي يوم 13 مايو 2001، جون قرنق، في إطار المساعي والمبادرات المبذولة لإيجاد الحل السلمي للقضية السودانية. وقد طالب قرنق، خلال اللقاء، بالمساعدة على الوصول لمنبر موحد للتفاوض، مشيراً إلى أن حركته يتعذر عليها التفاوض في مبادرة الإيقاد والتفاوض في المنابر الأخرى حول القضية نفسها في آن واحد، في حين لا يمكنها التخلي عن مبادرة الإيقاد.
كما أوضح قرنق وجهة نظر حركته في المستجدات، التي تشهدها الساحة السياسية، خصوصاً عدم تخلي النظام عن "مشروعه الحضاري" وعن إعلان الجهاد، حتى الآن، مما يُعَدُّ عقبة أساسية في الوصول إلى حل سلمي، وتوحيد السودان على أسس جديدة. وقال قرنق إن حركته ترى أن الأمر المطلوب، حالياً، هو التفاوض بين أطراف النزاع، وليس حول مؤتمر أو لقاء جامع، لأن المؤتمر الجامع، الذي اتفق عليه بين أطراف الحركة السياسية في السودان هو المؤتمر الدستوري، الذي لا يمكن عقده إلاّ في ظل مناخ ديموقراطي.
وبعد شهر من هذا للقاء، ذكرت وكالات الأنباء أن الزعيم الليبي، بحث مرة أخرى، في اتصال هاتفي، مع جون قرنق، تطورات الوضع في جنوب السودان. وقد أعرب عن رغبته في السلام، وحرصه على تأييد دعوة الرئيس الليبي لتحقيق المصالحة.
وفي 16 يوليه 2001، وصل الزعيم الليبي إلى الخرطوم، قادماً من العاصمة الأوغندية كمبالا، حيث التقى جون قرنق، وبحث معه ملاحظات التجمع الوطني الديموقراطي السوداني المعارض، على المبادرة الليبية ـ المصرية المشتركة. وقال القذافي إنه بحث المبادرة مع عدد من القادة الأفارقة في القمة الأفريقية، التي عقدت في العاصمة الزامبية لوساكا، وأوضح أن هناك تأييداً لها، مؤكداً ان لقاء سيعقد بين أطراف الأزمة السودانية، لتتويج جهود الحل السلمي. وقال إنّ القادة الأفارقة شددوا على ضرورة عقد لقاء، يضم المعنيين بالأمر في جنوب السودان؛ إضافة إلى مصر وليبيا.
وقد أصدرت الحركة الشعبة بيانا؛ أكدت فيه استعداد التجمع الوطني لبذل كافة الجهود للدفع بخطوات الحل السلمي الشامل، إلى الأمام. وشدد قرنق على أهمية العمل المشترك، بين أطراف النزاع كافة والوسطاء، لا سيما دولتي المبادرة، لمعالجة ملاحظات التجمع، وهي: فصل الدين عن الدولة، وحق تقرير المصير للجنوب.
وفي الخرطوم شن الزعيم الليبي هجوماً عنيفاً على الخطاب السياسي للحكومة السودانية ووصفه بأنه يعود إلى عصور سحيقة، كما انتقد سياسات الحكومة إزاء الجنوب. وقال: إن الشعارات الاستفزازية المعلنة، مثل الجهاد، والتوجه الحضاري، وفتح الجنوب، شعارات ينبغي ألاّ يكون لها مكان في السودان، لأنه بلد للجميع، مسلمين وغير مسلمين. وأنّ الخطاب السياسي الحكومي يجب أن يكون موجهاً لوحدة السودان. وحذّر من استخدام القوة في إدخال الإسلام في السودان أو تعليم اللغة العربية في الجنوب بالقوة. واتهم الزعيم الليبي جهات خارجية لم يسمها، بأنها تحاول تدمير العالم الثالث بدعم الحرب وتأجيج الصراع. ووصف قضية جنوب السودان بأنها "هزلية مفتعلة"، وتحركها أيدي خارجية.
كما اتهم الأحزاب الشمالية والجنوبية بعد الجدية. وتساءل: كيف تفسر تحالف الأحزاب السودانية مع قرنق، بينما كانت تخوض حربا شرسة ضده في الثمانينيات، وقبل قيام حكومة الرئيس عمر البشير في 1989م؟!
وأكد القذافي استعداد ليبياً للاستثمار في جنوب السودان، وإنشاء صندوق لإعمار الجنوب وممارسة نشاط فيه، سلماً لا حرباً. وقال في ختام زيارته: "بحثت مع الفصائل المختلفة مشكلة الجنوب وسنعمل من أجل تحقيق السلام لأن استمرار الحرب يخدم أعداء القارة الأفريقية"، وأنه لم يجد اضطهاداً ولا تفرقة عنصرية في السودان. كما قبل عقب لقائه عدداً من السياسيين الجنوبيين، وقيادات حزب الأمة: "إن تقرير المصير مؤامرة ضد الاتحاد الأفريقي، وتستهدف تفتيت أفريقيا". ونصح القادة الجنوبيين بالمحافظة على وحدة قوية، بدلاً من الانفصال وقيام دولة قزمية فقيرة، في الجنوب تعتمد على المعونات الخارجية ومساعدات المخابرات الأمريكية.
وقد وصف الرئيس السوداني زيادة القذافي بأنها مهمة، لأنها أعطت المبادرة المشتركة زخماً، وشكلت فرصة للقاء كل الفصائل، خاصة الجنوبية.
وفي أول رد سوداني رسمي، على تصريحات الزعيم الليبي التي انتقد فيها النظام السوداني، قال الرئيس عمر البشير: "إن تحقيق السلام لا يعني تراجع الإنقاذ عن ثوابتها.ز ودعا إلى قراءة صحيحة في بنود المبادرة المصرية ـ الليبية التسعة، وقال: إن الدستور السوداني احتوى على سبعة منها، والحديث عن البند الثامن (الحكومة الانتقالية) يستهدف تنفيذ البرامج، التي يتم الاتفاق عليها. أما البند التاسع (وقف إطلاق النار) فيجمل أفكاراً مقبولة. كما أكد على هذا الموقف، في مناسبة أخرى، قال فيها: "واهم من ظن أن السلام يعني تفكيك الإنقاذ وتراجعها عن مشروعها الحضاري، الذي قدمت الشهداء ثمناً له.
وفي خطوة لتهدئة الخواطر بعد خطاب البشير، أعلن وزير الخارجية السوداني أن الخرطوم تأخذ المبادرة المشتركة مأخذ الجد، وأنها قبلت بها من دون تعديل أو إضافة أو ملاحظة، منعاً للتشويش أو التفريق. وأن الحكومة ستكون مرنة جداً أثناء التفاوض، وستعرض رؤيتها حول الحكومة الانتقالية، وستقبل وتلتزم بأي اتفاق شامل من الجميع. ذلك أن الرئيس البشير سبق وأعلن، أنه لا مشكلة لديه في خوض أي انتخابات قادمة، كما أعلن قبوله للحكومة الانتقالية المرتقبة، وقبول المبادرة، من دون تحفظ.
إلا أن الرئيس البشير، في يوليه 2001، أعلن في ردٍ على محاولة وزير خارجيته تخفيف وقع تصريحاته: إن قبولنا مبادئ المبادرة لا يعني، بأي حال، التراجع عن التوجه الإسلامي، وتفكيك الإنقاذ". ثم أكد على موقفه، قائلاً: "نقولها ونكرره للمرة الثانية والثالثة والرابعة: نحن جئنا لإقامة الشريعة الإسلامية، واهم من يظن أن قبول المبادرة يعني تفكيك الإنقاذ، أو التراجع عن الثوابت، التي قدمنا فيها ثمنا غالياً، وشهداء من الطلاب والمسؤولين، على رأسهم الفريق الزبير محمد صالح (نائبه الأول السابق).
وعُدّت تصريحات البشير رداً على حديث الزعيم القذافي، الذي حثّ فيه الحكومة التخلي عن برنامجها الإسلامي. ورداً على تصريحات البشير، هاجم عدد من القيادات السياسية السودانية، تلميحاً وتصريحاً، تأكيدات البشير في التمسك بثوابت الإنقاذ. فقال رئيس حزب الأمة: على القوى السياسية أن تميز بين الثوابت الوطنية، والبرامج الحزبية وأن تكتب الثوابت في ميثاق يلتزم به الجميع. أما البرامج، فتُعرض على الشعب، لكي يقرر على ضوئها اختيار الحزب، الذي يراه مناسباً.
وجدد المهدي، وهو يتحدث في ندوة مساء 25 يوليه 2001، بدار حزبه، حول المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة، التحذير من أن القوى الدولية في قمة استعدادها لفرض الحل، الذي تراه على السودان، إذا فشل أهله في الوصول إلى اتفاق يحقق الأجندة الوطنية؛ وأن الحل الدولي لن يكون اختيارياً، وسيفرض فوق رؤوس السودانيين. وقال إن الثوابت هي: السلام، والديموقراطية، والتنمية، وأن البدائل للأجندة الوطنية، هي الأجندة الاستئصالية الحربية والشمولية، وكلها مرفوضة. وقال مخاطباً الحكومة: "إنكم بموافقتكم على المبادرة، خاصة إذا ارتبطتم بالجدية، يمكن أن تحققوا إجماعاً شعبيا حولها، وأسوأ ما يكون هو النكوص، وحدوث إجماع شعبي ضدكم".
وأعلن الصادق تحفظه على الدعوات المطالبة، بفصل الدين عن الدولة. وقال: إن أمريكا الدولة العلمانية الكبرى، لم تفصل الدين عن الدولة. فالدولار، مثلاً، أكبر ممثل للمادية، يحمل عبارة تقول "وثِق بالله"، وإن الفصل، الذي يتحدث عنه البعض، مستحيل؛ فالدولة مطلوب منها أن تسن القوانين، التي تضبط عقائد الناس، أيا كانت هذه العقائد. والمسؤولون يؤدون القسم على الكتب المقدسة وفقا لدينهم".
وتحدث في الندوة معارضون آخرون، كانو جميعهم يؤيدون: قيام سودان جديد قائم على التعدد الديني والثقافي، ويقضي على الظلم، ويؤسس للعدالة والمساواة.
وفي 16 أغسطس 2001، دعت ليبيا إلى لقاء يعقد في طرابلس، في 28 أغسطس 2001، للاتفاق على الخطوة المقبلة. وقد وجهت الدعوة إلى زعماء كل الأحزاب السودانية. وفي هذا الإطار، زار أمين اللجنة الشعبية العامة للوحدة الأفريقية بليبيا، كلاًّ من القاهرة والخرطوم ونيروبي وكمبالا، داعياً قادتها إلى حضور لقاء طرابلس. أما كينيا، التي ترأس اللجنة الخماسية في المنظمة الحكومة للتنمية في شرق أفريقيا (الإيقاد)، المعنية بملف السلام في السودان، فكانت تعارض، بشدة، انتقال الملف إلى القاهرة أو طرابلس، كما تعارض فكرة توسيع مبادرة (الايقاد)، لتشمل أطرافاً أخرى من خارجها.
وقد قبلت الحكومة السودانية وحزب الأمة الدعوة، للمشاركة في اللقاء. وتوقعت مصادر مطلعة مشاركة الحركة الشعبية لتحرير السودان، على مستوى الكوادر الوسيطة. وكذلك، مشاركة التجمع الوطني المعارض، بوفد يرأسه الفريق عبدالرحمن سعيد، الذي كُلِّف متابعة ملف المبادرة.
ويتوقع أن يحضر اللقاء الرؤساء: الكيني، والأوغندي، والنيجيري، ووزير الخارجية المصري، نيابة عن الرئيس حسني مبارك.
وتميل مصر إلى إنجاز مشروع التسوية السياسية في السودان، من دون الحاجة إلى إشراك أطراف أخرى غير عربية، أو أفريقية أو دولية. في حين ترى القيادة الليبية أن ملف الجنوب السوداني يحتاج إلى ذراع أفريقية غير عربية تساعد في تسويته.
وبمناسبة ذكرى ثورة الفاتح من سبتمبر، أكد الزعيم الليبي، في خطابه، يوم 2/9/2001، أن الدول الأفريقية تعترف بوحدة السودان، وحذّر المتمردين من إصرارهم على المطالبة بحق تقرير المصير، واصفا ذلك بأنه "شيء خطير". وقال: "إذا تم قبول مسألة تقسيم السودان، فهذا يعني قبول إعادة النظر في خريطة القارة الأفريقية". وأكد أن تقسيم أي دولة يفتح الباب للنزاعات، ويؤدي إلى مأزق.
ويُذكر أن ليبيا رأت أن تستثمر فرصة احتفالات الفاتح من سبتمبر، التي دعت إليها العديد من الرؤساء الأفارقة، لتكون مناسبة لعقد قمة مصغرة، حول الشأن السوداني. فدعت أطراف المعارضة المختلفة. بينما رأت مصر غير ذلك، إذ لابد من الوصول إلى وفاق مبدئي، بين أطراف النزاع، وتفاهم مسبق معقول، مع دول الجوار الأفريقي، قبل انعقاد قمة، كالتي تدعو إليها ليبيا. وانعكس هذا الخلاف على الصعيد العملي؛ فبينما ذهب زعيم حزب الأمة إلى الجماهيرية، اعتذر زعيم التجمع، وتخلف قرنق، ولم يشارك الرئيس المصري في الاحتفالات. واقتصرت الاجتماعات على القذافي والبشير والمهدي، ولم تنعقد القمة المصغرة، التي رأت ليبيا انعقادها.
وهكذا بدا الشرخ واضحاً، بحيث ألقى بظلال كثيفة على مستقبل المبادرة المشتركة. وقد ذكر لاحقاً أن دولتي المبادرة أعدتا تصوراً خلال اجتماعات عقدت في طرابلس، مما يبعث الأمل في مستقبل المبادة مجدداً.
|