الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

المبحث السابع: الموقف الدولي من مشكلة الجنوب

        شهدت علاقات السودان على الصعيد الخارجي، منذ استيلاء ثورة الإنقاذ عام 1989 على السلطة، العديد من التحولات والمتغيرات، التي أفرزت في مجملها حالة من التوتر وعدم الاستقرار مع معظم الأطراف الدولية. وبدأ السودان يعاني من عزلة سياسية، نبعت من اتهامه بتعارض سياساته مع مطالب الإجماع الدولي، الذي يرفض التطرف والإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول.

        اختلف الموقف الدولي في المنطقة في فترة ما قبل عام 1985، وظهور سياسة البريستورويكا، عن الفترة التي سبقت عام 1985. ومع تنافس القوتين العظمتين على اقتسام العالم، برزت القارة الأفريقية على السطح كمجال لتنافس القوتين، لمد مناطق نفوذهما وسيطرتهما، خاصة في منطقة القرن الأفريقي، لأهميتها الإستراتيجية والجيوبولوتيكية.

        وعندما أُعلن عن تأسيس التكامل المصري السوداني، كان المأمول أن يصبح التكامل مصدر قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية للدولتين. وهذا يتعارض مع مصالح كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وأهدافهم، التي التقت نحو عدم إتمام التقارب المصري السوداني، وإن تصارعت الدولتان العظمتان على السيطرة على المنطقة. لذا، عملت كل منهما على إحباط هذا التقارب، وإِن اختلفت الأدوات والأساليب.

الولايات المتحدة الأمريكية

        تُولي الولايات المتحدة المنطقة اهتماماً، وقد أوضح "لافون ووكر"، مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية ، اهتمام الولايات المتحدة بالسودان، ومنطقة القرن الأفريقي، إذ قال: إِنها أقطار ذات قيمة إستراتيجية للولايات المتحدة، في سعيها للحفاظ على مصالحها في مسرح الخليج وجنوب غرب آسيا.

        إنّ للولايات المتحدة الأمريكية مصالحها، التي تتعلق بتوازن القوى العالمي، وهي تسعى ـ دائماً ـ لأن يكون ميزان القوى، راجحاً لمصلحتها. كما أنها تقيم علاقاتها مع دول المنطقة، بما يُدعم أمن إسرائيل؛ فضلاً عن أنها تساند الدول العربية المحافظة في المنطقة. انطلاقاً من تلك الإستراتيجية ساعدت الولايات المتحدة السودان في أواخر السـبعينات للتغلب على مشاكله الاقتصادية، وسمحت لشركة شيفرون القيام بأعمال التنقيب عن النفط. وبإعلان الشريعة الإسلامية في السودان، وتخوف الولايات المتحدة من مدّ إسلامي يهدد الدول المسيحية المحيطة بالسودان، تحول موقف الولايات المتحدة نحو مساندة حركات التمرد في جنوب السودان، مع الاقتناع بعدم تقديم الأسلحة والمعدات إلى السودان. ثم أوقفت شركة شيفرون أعمال التنقيب عن النفط .

        بدأت الولايات المتحدة التحرك، من أجل إيجاد تسوية سلمية للحرب الأهلية في السودان. ورفعت مستوى الاتصال مع زعيم الحركة الشـعبية لتحرير السودان، "جون قرنق"، الذي زار الولايات المتحدة، في 4 يونيه 1989، للاجتماع مع الرئيس الأمريكي السابق، "جيمي كارتر". واجتمع، في 8 يونيه، مع مسؤولين من وزارة الخارجـية الأمريكية، وأعضاء الكونجرس الأمريكي.

        تجاوبت الحكومة السودانية مع جهود الوساطة الأمريكية، ووافقت على الدخول في محادثات سلام مع الجنوب، بدأت في 19 أغسطس 1989، في أديس أبابا، ثم في نيروبي، في 3 ديسمبر 1989. وأعلن "جيمي كارتر"، موافقة السودان على استئناف الرحلات الجوية، لتقديم المعونات الغذائية لجنوب السودان. ولكن انهارت المحادثات بعد يومين، لتمسّك الحكومة السودانية بتطبيق الشريعة الإسلامية . وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة والخرطوم، نتيجة لفشل المحادثات. وبعد اللقاء، الذي عقد بين الرئيس السوداني والمستر "هيرمان كوهين"، مساعد وزير الخارجية الأمريكية، في 8 مارس 1990، في الخرطوم، أوقفت الحكومة الأمريكية المساعدات العسكرية والاقتصادية للسودان. ومع انحياز النظام السوداني للرئيس صدام حسين في عدوانه على الكويت، زادت حدة التوتر. ورحلت الولايات المتحدة مائتين من الرعايا الأمريكيين، من الخرطوم، قبل بدء حرب الخليج .

        تُولي الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أوائل التسعينات، اهتماماً أكبر بالأوضاع في السودان، بحكم اتجاهها إلى إعطاء قدر أكبر من الاهتمام إلى منطقة البحيرات العظمى، ومحاولة النظام السوداني القيام بدور إقليمي أوسع، في اتجاهات تعدّها دول كبرى مهددة لمصالحها. وتصاعد دور جماعات حقوق الإنسان، والجماعات الكنسية والإعلام في التأثير على السياسة الأمريكية في اتجاه التدخل في الشؤون السودانية، إضافة إلى صراعات وضغوط شركات النفط الدولية . ركّز التدخل الأمريكي على محاولة عزل النظام السياسي السوداني دولياً، والضغط عليه لإعادته داخل حدوده، وحلّ مشكلة جنوب السودان مع تولي العملية تيار متشدد من قسم أفريقيا بوزارة الخارجية، وجهاز الاستخبارات المركزية، وبعض دوائر الكونجرس، لزيادة الضغط على الحكومة السودانية.

        وفي إطار ذلك تبلور اتجاهان رئيسيان للتعامل مع المشكلة، يرتبط أولهما بتبني المعارضة السودانية خيار العمل المسلح، لإسقاط النظام الحاكم في الخرطوم. بينما يرى الاتجاه الثاني ممارسة خط سياسي، بفرض حظر دولي شامل على صادرات السلاح إلى السودان، وتقديم المساعدات المالية لدول الجوار لمواجهة التحديات السودانية.

        وظلت الأزمة حتى نهاية 1997، تراوح مكانها بين الموقفين، وسط مؤشرات توحي بأن أيّاً منهما بوضعه الراهن، لن يكون السبيل لحل الصراع داخل السودان. فالخيار العسكري لا يؤدي لنتائج حاسمة، كما يواجه الحل السياسي مشكلات مختلفة في ظل المواقف المعلنة لأطرافه . وهناك تباين في الموقف الأمريكي من السودان ككل، بما في ذلك مشكلة جنوب السودان. وظهر تيار يدعو إلى ضرورة الإبقاء على النظام السوداني الحالي، باعتبار أن سقوطه سيؤدى إلى تقسيم السودان إلى عدة دويلات. ويدعو هذا التيار إلى تبنى سياسة الحوار مع النظام، بهدف ترشيد سلوكه وإصلاح مساره .

        أعلنت صحيفة "واشنطن بوست"، في عددها الصادر في 10 نوفمبر 1996، أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات عسكرية إلى ثلاث دول مجاورة للسودان لإضعاف النظام الإسلامي في الخرطوم. وأن تجهيزات عسكرية أمريكية، تبلغ قيمتها نحو 20 مليون دولار، ستنقل إلى إثيوبيا وإريتريا وأوغندا، حيث تُعدّ مجموعات سودانية معارضة هجوماً مشتركاً، للإطاحة بالحكومة. وتشمل التجهيزات أجهزة اتصال لاسلكي، وملابس عسكرية وخيام. وأن هذه المساعدات يمكن أن تضم، في وقت لاحق، بنادق وأسلحة أخرى .

        وأعلن "نيقولاس بيرنز"، الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في 22 يناير 1997، أن الولايات المتحدة قلقة للقتال الدائر في السودان. وطلب من الحكومة والمتمردين، وأي طرف متورط في هذه المعارك، الاعتدال والتفاوض. ورفض أن ينفي أو يؤكد تقديم إثيوبيا وإريتريا وأوغندا مساعدات إلى المتمردين، إلاّ أنه من الواضح أن واشنطن لم تقدم أي مساعدة عسكرية إلى هذه البلدان، وأن المساعدة المدنية المقررة لها عام 1996، ومقدارها 15 مليون دولار، لم تُسلم بعد. وكرر نيقولاس بيرنز أن منظمة الوحدة الأفريقية، أفضل وسيط لإنهاء النزاع.

        أصدرت السفارة الأمريكية في الخرطوم، في الثالث والعشرين من يناير 1997، البيان الآتي: "إن مزاعم السودان عن تورط أجنبي في حربه الأهلية، هي محاولة لتحويل انتباه الشعب السوداني والمجتمع الدولي، عمّا هو أزمة سياسية محليه في جوهره". وأشار البيان إلى اعتقال بعض السياسيين السودانيين، وقال: "إِن هذه الأعمال لا تعالج المشاكل السياسية للحكومة، وتثير مخاوف في شأن حقوق الإنسان، وندعو الحكومة السودانية إلى الاحترام الكامل لحقوق المواطنين كافة، وندعو إلى الإفراج عن المحتجزين". وفي مجال التسوية السلمية للمشكلة، قال البيان: "لا نؤيد الإطاحة بالحكومة العسكرية، ونجدد دعوتنا لكل الأطراف المنخرطين في الحرب الأهلية في السودان، إنهاء هذا الصراع المأساوي من خلال مفاوضات سلمية، ويجب أن تشترك جميع عناصر المجتمع السوداني في حوار المصالحة الوطنية، إذا قُدّر للسودان أن يضع قدمه على طريق السلام والتنمية". وأعلن البيان أن الإدارة الأمريكية، وافقت على تقديم معونة إضافية قدرها 75 ,4 مليون دولار عام 1997، وتهدف هذه المعونة إلى مساعدة إريتريا وإثيوبيا وأوغندا في الدفاع عن أراضيها ضد غارات المتمردين، الذين يرعاهم السودان .

        وفي 6 أبريل 1997، أعلنت صحيفة "ألوان" السودانية، أن وزيرة الخارجية الأمريكية، "مادلين أولبرايت"، اجتمعت مع "جون قرنق" في لندن سراً، في الفترة من 18 إلى 20 مارس. وأطلع قرنق وزيرة الخارجية الأمريكية، على أوضاع قواته واحتياجاته العسكرية وخططه المستقبلية.

        وفي 20 أبريل 1997، اجتمع الرئيس الأمريكي السابق، "جيمي كارتر"، مع الرئيس السوداني، لمناقشة عملية السلام، واحتمالات التوسع لضم جماعات أخرى للبحث في مسألة السلام بين السودان وجيرانه. وكان كارتر يسعى لجمع ممثلين عن الخرطوم والجيش الشعبي لتحرير السودان، الذي يتزعمه قرنق. ولم تتوصل المحادثات إلى حل.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة