|
ج. الولايات المتحدة الأمريكية
في 27 فبراير 2001، عقدت في واشنطن ندوة حور افتتحها السناتور ويليام فيرست وعضو الكونجرس الأمريكي فرانك وولف، وفي الندوة دعت مجموعة محللين دولية إلى تحرك دبلوماسي لوضع حدٍ للحرب الأهلية في السودان، مقترحة رعاية دولية لتسوية النزاع الذي يدور بين شمال السودان وجنوب، عبر التفاوض.
ووزع فريق عمل خاص، يشرف عليه مركز الدراسات الاستراتيجية المتقدمة، في واشنطن، تقريرا عن الوضع في السودان يقدم تصورا للإدارة الأمريكية في شأن سبل إنهاء الحرب الأهلية في السودان، ويطالب الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس بوش بإعطاء الموضوع السوداني أولوية في سياستها. ووجه التقرير انتقادات حادة للحكومة السودانية، خصوصا لضربها أعمال توزيع الإغاثة، وعدم سعيها لوقف تجارة الرقيق.
وطلبت المجموعة من الإدارة الأمريكية الجديدة تشكيل ائتلاف دولي يشرف على مفاوضات السلام بين الأطراف المتناحرة في السودان. وتقترح المجموعة أن تشارك بريطانيا والنرويج والدول المجاورة للسودان في هذا الائتلاف، إلى جانب الولايات المتحدة.
وقد ضمت المجموعة ممثلين عن الحكومة الأمريكية، والأمم المتحدة، والنرويج، ومنظمات غير حكومية، وباحثين أفارقة.
وتقول المجموعة: إن هذه المبادرة ترمي إلى الحفاظ على وحدة السودان، وضمان حقوق الشمال والجنوب. واقترحت المجموعة تشجع صيغة "دولة واحدة ونظامان" وترى أن هذه الصيغة ستحافظ على وحدة السودان، إذا طبقت بالشكل المناسب واقترنت بضمانات دولية.
وانتقدت المجموعة سياسة الإدارة الأمريكية السباقة في شأن هذا الملف حيث أحرزت تقدما محدودا لوضع حد لهذه الحرب، وإصلاح سياسة الخرطوم أو الحد من الأزمة الإنسانية.
وأوصى التقرير الرئيس بوش بتعجيل استئناف نشاط السفارة الأمريكية في الخرطوم، وتعيين سفير جديد في السودان.
وأكدت المجموعة أهمية السودان، الذي اصبح في عام 1988 دولة منتجة للنفط.
وفي 9 مارس 2001، التقى وزير الخارجية الأمريكية كولن باول، بكبار مسؤولي وزارته للتباحث حول مبادرة أمريكية لإنهاء الحرب في السودان.
وقد أثارت مبادرة واشنطن ردود فعل متباينة في أوساط حكومة الخرطوم، إذا أعلن وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية شول دينق: أن الحكومة على استعداد للاستجابة لأي جهد أو مبادرة للسلام، في أي مكان وزمان، بشرط ألا يتم ذلك على حساب وحدة السودان وأمنه واستقراره.
ونقلت وكالات الأنباء العالمية أن خبراء في الشؤون الأمريكية السودانية قالوا: إن الإدارة الأمريكية الجديدة ستشهد في الأيام المقبلة شدا وجذبا بين تيارين: تيار الجمعيات المسيحية وبعض رجال الكونجرس الذي يضغطون عليها في اتجاه التدخل فعليا في الجنوب. وبين أعضاء اللجنة الخاصة الذين يعولون على الضغط الدبلوماسي لا يريدون ممارسته، عن طريق الولايات المتحدة، ولكن عن طريق كندا، لأنها شريك فاعل في استخراج النفط السوداني.
ورأى الخبراء السودانيون أن تركيبة اللجنة الخاصة ربما تكون الأقدر على إقناع الرئيس بوش الذي شكلها، وإذا صح التوقع بقبول توصيات هذه اللجنة، فستظهر آثارها في الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة خلال اجتماعات شركاء الإيقاد في شهر مارس 2001.
وتساءل مراقبون آخرون عن الجديد الذي ستأتي به المبادرة الأمريكية الجديدة. ولم يكن ممكنا أن تتحقق في جهود شركاء الإيقاد وأمريكا بينهم؟ ورأوا أنه، في حالة طرح المبادرة الأمريكية، فأن ذلك سيؤدي، من جهة، إلى تحجيم الدور الأوروبي في حل المشكلة، ومن جهة أخرى إلى سد الطريق أمام المبادرة العربية المشتركة بقيادة مصر وليبيا.
وشكك هؤلاء المراقبون في النيات الأمريكية تجاه القضية السودانية، وأعادوا إلى الأذهان اتفاق جون قرنق ورياك مشار في واشنطن عام 1993، وما تبعه من مأزق تقرير المصير.
ومن جانب آخر، أبدى رئيس الوزراء السودان السابق الصادق المهدي تفاؤله في أن يشهد عهد الإدارة الأمريكية الجديدة تغييرات في السياسات المتبعة نحو السودان.
وقال المستشار السياسي لرئاسة الجمهورية، السفير السوداني السابق لدى واشنطن، مهدي إبراهيم: إن الخرطوم تؤكد رغبتها في فتح صفحة جديدة مع واشنطن، وأن الحوار المستند إلى الاحترام المتبادل هو الأجدى لمصلحة الشعبين.
ويقول مراقبون: إن توسط الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في السودان يتطلب وجود دبلوماسييها في الخرطوم، وقد كانت الإدارة الأمريكية السابقة قد أخلت السفارة في الخرطوم عام 1996، ووزعت طاقمها على سفارتيها في القاهرة ونيروبي، بحجة الحفاظ على العاملين فيهما.
ومن جانب آخر، ذكرت تقارير، نسبت إلى مصادر مسؤولة، أن الإدارة الأمريكية الجديدة اتخذت قرارا بإعادة طاقم سفارتها في السودان في أقرب فرصة. وقالت: إن القائم بالأعمال الأمريكي يتوقع وصوله قريبا حاملاً رسالة من الخارجية الأمريكية إلى الخارجية السودانية بهذا المعنى.
وأفاد تقرير آخر، أن الصادق المهدي، رئيس وزراء السابق، اجتمع بالسفير الأمريكي في القاهرة، وأن الاجتماع كشف عن اتجاه أمريكي جديد داعم للحل السياسي، مع التسليم انتهاج الوسائل السلمية كافة، ونبذ الأجندة الحربية والمتطرفة في السودان.
وفي 28 مارس 2001، نقلت وكالات الأنباء العالمية أن أعضاء من الحزبيين الأمريكيين في الكونجرس شكلوا لجنة خاصة بالسودان لإحلال السلام والحرية لدى كافة قطاعات الشعب السوداني.
وأصدرت الخارجية الأمريكية نشرة ذكر فيه: أن الحزبين يبذلان مجهودا حقيقيا لوضع نهاية للحرب وحذر رئيس هذه اللجنة، أنه يجب على الولايات المتحدة أن تدرس ثانية سياسات وخيارات مختلفة بشأن السودان. وحث الرئيس بوش على الإبقاء على العقوبات التي كان الرئيس السابق بيل كلينتون قد فرضها على الحكومة السودانية، إلى أن يتم التوصل إلى تسوية سلمية لأزمة الحرب السودانية.
وأشار رئيس اللجنة إلى أن الحكومة السودانية تسخّر عائدات النفط، التي تقدر بحوالي 4500 مليون دولار سنويا، لشراء الأسلحة التي تفتك بالناس. وأوضح انه سيطرح على الكونجرس مشروعي قرار حول السودان، أحدهما يدين تصدير (نفط الدماء) وآخر يدين ممارس الرق.
ودعت اللجنة حكومة الرئيس بوش إلى تسمية مبعوث خاص إلى السودان رفيع المستوى، يتمتع بثقة الرئيس؛ من أجل أن يكون له أبعد أثر ممكن، ليس في السودان فحسب، بل لدى حلفاء أمريكا في المنطقة كذلك.
وفي 13 أبريل 2001، اعتقلت سلطات الأمن ثلاثة أمريكيين، ربطوا أيديهم بالقيود بمدخل السفارة السودانية في واشنطن، احتجاجاً على استمرار الحكومة السودانية في الحرب في جنوب السودان، وفشلها في إنهاء تجارة الرقيق على حدّ قولهم. وقال الثلاثة، وهم قس، وإذاعي، ومسؤول من معهد هدسون في واشنطن: إن الهدف مما قاموا به هو، أن تجعل إدارة الرئيس بوش وقف الحرب في السودان في قمة أولويات سياستها الخارجية. وقالوا: إن احتجاجهم بهذه الطريقة أمام السفارة السودانية، واعتقالهم، هو بداية لحملة احتجاجات مماثلة لتلك التي نظمت خلال الثمانينيات، أمام سفارة جنوب أفريقيا ضد سياسة التمييز العنصري.
وفي 26 أبريل 2001، أعلن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أن إدارة الرئيس بوش تولي اهتمام كبيرا للمأساة الدائرة في السودان، وأنها قامت بمراجعة كاملة للوضع في السودان من مختلف جوانبه.
جاء ذلك في مستهل شهادة الوزير باول أمام لجنة فرعية للمخصصات في مجلس النواب الأمريكي. وقال الوزير باول: إن الإدارة وضعت نهجا لكيفية التعامل مع المسؤولين في الخرطوم. وأنه اختار مساعدا له في الشؤون الأفريقية ذا كفاءات استثنائية، وخبرة واسعة في المنطقة؛ ليؤدي دوراً نشيطاً في وضع سياستنا وتنفيذها هناك.
وأعلن أن تحسن علاقات الإدارة الأمريكية مع السودان مشروطة بالاستجابة لثلاثة شروط أو مطالب، وهي: أولا وقف القصف، وثانياً: العمل الجاد لإيصال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، وثالثاً: القيام بالعمل الجاد للتخلص من أي بقايا وجود لمنظمات إرهابية في البلاد.
وقال باول: إن الإدارة تدرس خيارات أو وسائل لتحقيق التقدم، وبدء العلمية السياسية بعد تنفيذ الشروط، ومن تلك الخيارات مستوى التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في الخرطوم وتعيين مبعوث خاص.
وفي 1 مايو 2001، خاطب الرئيس بوش حفل عشاء أقامته في واشنطن اللجنة الأمريكي اليهودية وفي كلمته وصف الرئيس الأمريكي الوضع في السودان بأنه مأساوي وترتكب فيه السلطات السودانية،ن ابشع الجرائم والفظائع، مما يستلزم توجيه أنظار العالم ولفتها إلى هناك والعمل من أجل وقف المأساة.
وقال: إنه عين اليوم أندرو تانسوس مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، منسقاً خاصاً للشؤون الإنسانية في السودان، لضمان وصول المساعدات الأمريكية إلى مستحقيها ومحتاجيها، لا أولئك الذين يستمرون في نهب الأرض المنكوبة وتخريبها وتدميرها.
وتابع قائلا: إن هذه الخطوة الأولى، وتليها خطوات أكثر، وإن أعمالنا تبدأ اليوم، وإن إدارتي ستستمر في القول والعمل ما دامت المأساة والجرائم والفظائع في السودان.
وردا على تصريحات بوش انتقد السودان قراراه تعيين منسق خاص للشؤون الإنسانية في السودان. وقال وزير الخارجية السوداني: إن السودان يسعى لتأهيل حقوق الإنسان، والحريات الدينية، والتعايش السلمي بين سكانه وتطورها، ولا يحتاج لمن يعطيه دروسا في هذا المجال، إنما يحتاج لمن يعينه ويساعده.
وقال الوزير: إن السودان يرحب كل من يريد مساعدته، بما في ذلك المنسق الأمريكي، ولكن بعيدا عن الاجندة الخفية، وألا يكون هدفه اتخاذ القضية مظلة لإنفاذ أجندة أخرى. وطالب المسؤول السوداني الإدارة الأمريكية بمراجعة موقفها تجاه السودان.
ومن جهة أخرى، اتهم مكي على بلايل مستشار رئيس الجمهورية لشون السلام، الإدارة الأمريكية بأنها تدعم الحركة الشعبية التي تسطو على الإغاثة، وتحولها للاستخدامات العسكرية. وأضاف إن الحكومة قادرة على تقديم المساعدات لمواطنيها، ولكن السبب في هذه المأساة هي الحرب التي تساعد واشنطن في إشعالها بدعمها المتواصل لحركة التمرد.
وفي 23 مايو 2001، بدا وزير الخارجية الأمريكي كولن باول جولة في أفريقيا وأعلن ان الرئيس بوش سيعين في القريب العاجل منسقاً أمريكيا خاصاً جديداً للشؤون السودانية. وقال الوزير في تصريحات للصحافيين: عن مهمة المنسق الخاص ستكون الإشراف الشامل على سياسة أمريكا وجهودها ومحاولاتها الرامية إلى إحلال بعض السلام في ذلك البلد المضطرب جداً، ولنرى إن كان من الممكن مساعدتهم في تحقيق ذلك.
وأضاف: إن اهتمامنا بالسودان سيظل كبيراً جداً، وسنزيد ونضاعف جهودنا الهادفة إلى حل مشكلات السودان السياسية والاقتصادية والإنسانية.
وقد ردت الخرطوم على تصريحات باول باتخاذ قرار بوقف عمليات القصف الجوي على مناطق في جنوب البلاد ووسطها بدءاً من يوم الجمعة 25 مايو 2001.
وفي 25 مايو 2001، أكد وزير الخارجية الأمريكي كولن باول قلق الولايات المتحدة العميق من الأحداث الجارية في السودان الذي يشهد أطول حرب أهلية أفريقية وأكثرها دموية.
وقال في كلمة له في إحدى جامعات جنوب أفريقيا اليوم التي يزورها في إطار جولته الأفريقية أن إدارة الرئيس جورج بوش تعطي اهتماما كبيرا للمساعدات الإنسانية التي يحتاجها ضحايا هذه الحرب، كما تعمل لوقف انتهاك حقوق الإنسان هناك وكذلك دعم السودان للإرهاب الدولي.
وأضاف مؤكدا اهتمام الإدارة بالوضع هناك إنه لا بد من معالجة هذه المشكلات. ودعا كل الأطراف إلى العمل معا، وقال: إن جميع الأطراف في حاجة إلى العمل معاً لإيجاد علمية سلام قابل للتطبيق. ومن أجل وضع نهاية لهذه المشكلات، ودفع السودان للتحرك في اتجاه إيجابي وأعلن: أن الولايات المتحدة، من جانبها، تخطط للقيام، بالمزيد من العمل فيما يتعلق بالوضع الإنساني في السودان. وقال إن الولايات المتحدة ستكون صديقة لجميع الأفارقة الذين يسعون إلى السلام.
وقد أعلن التجمع الوطني الديموقراطي المعارض ترحيبه باهتمام الإدارة الأمريكية بالأزمة السودانية مشيدا بتأكيد وزير الخارجية الأمريكي باستعداد بلاده لبذل جهود حثيثة لإنهاء الحرب وإحلال السلام في السودان.
وفي 26 مايو 2001، بدأت الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة الرئيس جورج بوش تنفيذ قرار اتخذته إدارة الرئيس بيل كلينتون السابقة بتقديم ثلاثة ملايين دولار للتجمع الوطني الديموقراطي الذي يضم جماعات المعارضة السودانية، ومن بينها الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي يتزعمها العقيد جون قرنق. وسينفق المبلغ على تزويد المعارضة بوسائل دعم لوجستي مثل؛ المكاتب وتجهيزاتها من راديو وفاكس وتليفونات، وعربات نقل مدنية، وبرامج تدريب.
ويعمل المهتمون بالوضع في السودان - خصوصا في الجنوب - سواء كانوا أعضاء في الكونجرس أم خارجه، على تنفيذ قرار آخر مماثل، تم اتخاذه العام الماضي، أيضاً، ويقضي بتقديم مساعدات للمعارضة السودانية بعشرة ملايين دولار.
وفي 8 يونيه 2001، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها العميق من الغارات الجوية التي شنتها الحكومة السودانية ضد أهداف مدنية في جنوب البلاد خلال الأيام القليلة الماضية.
وجاء في بيان أعلنه ريتشارد باوتشر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن ذلك يعدّ خرقاً وتراجعاً عن التعهد الذي أعلنته الخرطوم في الخامس والعشرين من مايو 2001، بوقف قصف الأهداف المدنية، وقال المتحدث: إنه بناء على التقارير التي وردت، فإن القصف الجوي الذي نفذته الحكومة في السادس من يونيه 2001، أدى إلى مقتل أربعة مدنيين سودانيين عندما كان موظفو برنامج الغذاء الدولي يلقون بالأغذية في ولاية بحر الغزال. وتابع المتحدث قائلا: إن بلدتين أخريين في بحر الغزال وهما (مايلابي) و(مابل) قصفتا بغارات جوية خلال الأيام القليلة الماضية. وأن مطار (مابل) يعد حيويا لإيصال الغذاء والمواد الإنسانية إلى هناك. ووصفت عمليات القصف والغارات على المدنيين والأهداف المدنية بأنها عمل وحشي وتهدد حياة الكثيرين من الأبرياء الذين هم بحاجة إلى الغذاء و أضاف: أنه إذا تأكدت هذه التقارير، فإن أسئلة عديدة تثار حول التأكيدات والضمانات التي سمعناها من الحكومة السودانية إشارة إلى عدم مصداقيتها. وختم بيانه بالقول: إن وزير الخارجية الأمريكية، كولن باول، طالما أكد مرات أهمية الالتزام بالتعهد الذي قطعته الحكومة السودانية على نفسها بعدم قصف المدنيين والأهداف المدنية، كما أن الاستمرار بالتزام التعهد بعد القصف يعد حيويا للتحرك قدما. وقال: لقد طلبنا من الحكومة السودانية تفسيراً وافياً، وننتظر أن نسمع ذلك منها.
وفي 13 يونيه 2001، نقلت وكالات الأنباء أن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أصدر مقترحات لوزير الخارجية الأمريكية للاستفادة منها في سياسته الجديدة تجاه السودان.
وصاحب الفكرة الدكتور ستيفن مورلسون مدير الدراسات الأفريقية بالمركز، واختير الدكتور فرانسيس دنيق الخبير في معهد برووكنجز رئيسا مشاركا في اللجنة الأمريكية التي كتبت المقترحات. ويذكر أن الدكتور دينق ينتمي إلى قبيل الدينكا في جنوب السودان، وكان وزيرا للخارجية في حكومة نميري.
وفي التقرير فالت اللجنة: عن سياسة الرئيس السباق كلينتون نحو السودان أنها فشلت في تحقيق نتائج بناءة، كما فشل العداء الكلامي ضد الحكومة والتأييد الكلامي للمعارضة، بدون أي عمل إيجابي وبدون حشد أي إمكانية لدعم ذلك. وأوصلت اللجنة بالانتقال من العزل والاحتواء إلى الارتباط والبناء والتركيز على وقف الحرب في الجنوب.
ويرى التقرير؛ أن الأحزاب الشمالية تدعو لأجندة ذات طابع عربي إسلامي لكل السودان. أما الجنوب فيريد حكومة علمانية تعتمد على ثقافته الأفريقية وعلى معتقداته الدينية. والهدف هو التوفيق بين الجانبين، لذا كان اقتراح التقرير (سودان واحد ونظامين) الذي يعطي الوحدة فرصة بدون مساومة في المبادئ الأساسية لكل جانب.
وقال التقرير: إن الحكومة المركزية يجب أن تكون شراكة بين جانبين متساويين.
ويقترح التقرير أن تكون للجنوب علاقة مباشرة مع البنك الدولي والأمم المتحدة. كما أن هناك اقتراحا بتقسيم المياه وعائدات البترول بين الجانبين، ومن اقتراحات التقرير وضع قوات دولية ومراقبين دوليين وقنصليات أجنبية في السودان لضمان تنفيذ الاتفاقيات.
وقال التقرير: إن الأمين العام للأمم المتحدة سوف يشترك في مفاوضات علمية السلام المقترح.
واقترح التقرير رفع عقوبات الأمم المتحدة على السودان متى ما زالت الأسباب التي دعت إلى ذلك وهي مساندة السودان للإرهاب، وخرق حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية.
وتناقلت وكالات الأنباء العالمية يوم 15 يونيه 2001، أن الكونجرس الأمريكي تبنى قانوناً يدين عمليات الرق وخرق حقوق الإنسان في السودان. ويحظر أحد بنود المشروع الشركات العاملة في السودان من عدم إمكانية طرح أسهمها في البورصة الأمريكية إلا إذا أبلغت لجنة علميات البوصة عن نشاطاتها في هذا البلد. بالإضافة إلى ذلك، طلب النواب من إدارة بوش، تمويل مساعدة إنسانية للتحالف الوطني الديموقراطي، الذي يضم حركات المعارضة في الشمال والمتمردين الجنوبيين الذين يعارضون حكومة الخرطوم. وكانت واشنطن قد أعلنت أخيرا عن منح مساعدة بقيمة ثلاثة ملايين دولار للتحالف الوطني الديموقراطي وقد انتقدت الحكومة السودانية هذا القرار بشدة.
وفي 16 يونيه 2001، قدمت مؤسسة هيريتاج اليمينية في الولايات المتحدة دراسة إلى إدارة الرئيس جورج بوش عن السودان. وأشارت الدارسة إلى أن الحرب الأهلية في السودان تعد أطول نزاع داخلي في العالم اليوم، كما أشارت إلى تزايد الاهتمام بقضية السودان لدى المسؤولين الأمريكيين منذ وصول إدارة بوش إلى البيت الأبيض في يناير 2001. وتقول الدراسة: إن هدف الولايات المتحدة تجاه هذا البلد لا ينحصر في إنهاء الحرب الأهلية، وإنما في المساعدة على تحويل السودان إلى بلد مسالم لا يستخدم الإرهاب. ولتحقيق هذه الهدف يجب على إدارة الرئيس بوش اتباع نقاط رئيسية هي:
|
|
1.
|
معارضة توجهات الحكم في السودان بشدة، وتقول التوصية: إن على الولايات المتحدة أن تعارض أي نظام يستمر في تقديم الدعم للإرهابيين، ويميز ضد غير المسلمين في الجنوب.
|
|
|
2.
|
مساندة المعارضة السودانية بقوة، وتطالب التوصية واشنطن؛ بتكثيف مساعداتها الاقتصادية والإنسانية لحركة التمرد في الجنوب.
|
|
|
3.
|
تعيين مبعوث خاص لينسق السياسة الأمريكية تجاه السودان، وتقترح أن يكون هذا المبعوث مسؤولا رفيعا قادراً على العمل عن قرب مع المعارضة السودانية والكونجرس الأمريكي والناشطين في مجال حقوق الإنسان. وتكون مهمته تنسيق كل جوانب السياسة الأمريكية وليس القضايا الإنسانية والخيرية فحسب.
|
|
|
4.
|
إطلاق حملة دبلوماسية واسعة للضغط دوليا على نظام الخرطوم وتوضيح سياساته. كما تطالب هذه التوصية المبعوث المحتمل ووزير الخارجية كولن باول، وقبلهما الرئيس بوش ذاته، باستغلال كل فرصة ممكنة في المحافل الدولية للتحدث عن قصف القوات الحكومية السودانية للمدنيين، وتشجيعها على الرق، إضافة إلى انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
|
|
|
5.
|
تغيير طريقة توزيع الغذاء المقدم في إطار المساعدات الإنسانية داخل السودان، بهدف سحب (سلاح الغذاء) من أيدي نظام الخرطوم، وتقول التوصية في هذا الصدد: "إن على واشنطن ان تسحب من الحكومة حق توزيع مساعدات الأمم المتحدة، وتسعى لإيصال هذه المواد الإغاثية مباشرة إلى مناطق الجنوب، عبر منظمات تعمل خارج إطار برنامج الأمم المتحدة.
|
|
|
6.
|
وأخيراً تقترح الدراسة أن تمارس الولايات المتحدة وغيرها من الدول ضغوطاً اقتصادية قوية ضد نظام الخرطوم وتشير في هذا الصدد إلى أن إضعاف السودان اقتصادياً، يمثل نقطة الضعف الرئيسة لنظامه. ويقول الاقتراح أيضاً: إن على واشنطن أن تعمل، مع حلفائها ومع الجهات المانحة، للحد من تمكين السودان من تطوير إيراداته النفطية.
|
وفي 14 يوليه 2001، أعلنت الخارجية الأمريكية أن أندريه ناتسيوس المنسق الأمريكي الخاص لشؤون الإغاثة الإنسانية للسودان يصل إلى الخرطوم غدا الموافق 15 يوليه 2001، في نطاق جولة يزور خلالها شمال السودان، وجنوبه وتستغرق سبعة أيام للإطلاع على الوضع وتقويم الحاجات المطلوبة لتخفيف المأساة الإنسانية الناجمة هناك عن استمرار الحرب وما خلفته من لاجئين ومشردين.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: إن المنسق الأمريكي سيلتقي خلال جولته المسؤولين في الحكومة السودانية، ومسؤولين في منظمات الإغاثة الحكومية وغير الحكومية، وممثلي الأمم المتحدة هناك، كما سيزور مخيمات اللاجئين والمناطق التي تضررت نتيجة الحرب.
وأضاف المتحدث: في ضوء ذلك سيقدم المبعوث الأمريكي تقريرا عما يمكن عمله لتحسين إرسال مواد الإغاثة الإنسانية وإيصالها، وتحسين أداء عمليات الإغاثة.
وتأتي هذه الجولة في إطار القرار الذي اتخذته الإدارة الأمريكية أثناء جولة الوزير كولن باول الأفريقية لزيادة معونات الإغاثة الإنسانية، وتحسين وسائل إيصالها للاجئين والمنكوبين في السودان.
وفي 20 يوليه 2001 بدأ وفد أمريكي يقوده مدير إدارة جنوب أفريقيا وشرقها في وزارة الخارجية الأمريكية "جيف ميلتون" محادثات مع المسؤولين السودانيين في الخرطوم وصفتها الدوائر الرسمية بأنها تحّول في موقف من الحكومة السودانية، بعد التوتر الذي بدأ بين البلدين منذ تولي الرئيس عمر البشير الحكم في عام 1989م.
وجاءت زيارة الوفد بعد يومين من وصول المنسق الأمريكي للشؤون الإنسانية "أندرويو ناتسيوس" إلى الخرطوم، في مهمة تهدف إلى الوقوف على الأوضاع الإنسانية في مناطق الجفاف في شرق السودان وغربه. ومناطق الحرب في الجنوب.
وقال مستشار الرئيس السوداني لشؤون السياسية، الدكتور قطبي المهدي، الذي اجتمع مع الوفد الأمريكي: إن المسؤول الأمريكي نقل إليه رغبة واشنطن في التعامل مع الحكومة، والتدخل الإيجابي لوقف الحرب.
وذكر المهدي أنه ابلغ الوفد الأمريكي أن الحكومة السودانية ترغب في التعاون مع الإدارة الأمريكية وليس مع جماعات الضغط ذات الأجندة الخاصة مثل الكنائس المتطرفة، وجماعات اللوبي السياسي التي لها مصالح لا تمثل، بالضرورة، مصالح أمريكا.
وقال وزير الإعلام السوداني مهدي إبراهيم للصحافيين: إن الوفد الأمريكي بدأ حوارات واسعة في مجالات العلاقات بين البلدين. وأعرب عن اعتقاده بأن هناك مؤشرات على أن الأمور تسير إلى أفضل مما كانت عليه في السابق.
وفي 22 يوليه 2001 اختتم أندرو ناسيوس مبعوث الرئيس الأمريكي جورج بوش للشؤون الإنسانية زيارته للخرطوم، وفي ختام الزيارة، عبر الوفد الأمريكي عن اهتمامه بالشأن الإنساني وإيقاف القصف الجوي للمدنيين، والوصول إلى مناطق احتياج الإغاثة، وألا يمثل الوصول إلى المواقع المحتاجة للمساعدات أي خطر.
وقد اتفق الجانبان السوداني والأمريكي على فتح قنوات الاتصال لمواصلة الحوار لتنفيذ برامج ميدانية، وأن تنظم الطرفان حضور منظمات حقوق الإنسان الأمريكية المهتمة بالشأن السوداني. والوصول إلى موقف موحد، وتنفيذ برامج إنسانية تتعلق بحقوق الإنسان.
كما اتفق الجانبان على معالجة القضايا الخلافية في المجال الإنساني، بعيداً عن التدخلات السياسية بالشفافية والحياد الكامل. وأن يكون التعامل بالمثل، وصولاً إلى رؤية مشتركة لمعالجة القضايا الخلافية في مجال العون الإنساني.
وقد عبر الجانب السوداني عن اهتمامه بمناشدة الحكومة لدعم برنامج السلام، ودعم اقتراح الوقف الشامل لإطلاق النار، والتوازن في الدعم المقترح لمناطق التمرد والحكومة.
وأكد الدكتور سلاف الدين صالح مفوض العون الإنساني في السودان: أن دعم أمريكا لحركة قرنق يؤثر سلبا في العمليات الإنسانية، وأن تنفيذ البرامج الإنسانية بين البلدين وتنشيطها من شأنهما الإسهام في تطوير العلاقات السياسية.
وفي 22 أغسطس 2001، قال دبلوماسيون، في نيويورك: إن مسؤولي مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة توصلوا إلى أن السودان أوقف دعمه للجماعة الإرهابية المتورطة في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك عام 1995م، الأمر الذي يزيد احتمالات رفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على السودان.
الجدير بالذكر أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان قد فرض حظر سفر المسؤولين السودانيين إلى الخارج، ولم يطبق ذلك بشكل حازم، وظلت العقوبات رمزية، ولم يقرر البيت الأبيض بعد، ما إذا كان ستلغى عقوبة حظر السفر عند فترة تجديدها في سبتمبر 2001، في المجلس، الذي تتمتع فيه الولايات المتحدة بحق النقض، وطبقاً لما ذكره مسؤولون في واشنطن والأمم المتحدة، فإن بعض مسؤولي مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية يفضلون مكافأة السودان على تعاونه، وأكد مسؤولون أمريكيون أن واشنطن لا تعتزم رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، بسبب ما يسمونه سجل البلاد السيئ في تاريخ حقوق الإنسان والصلات المحتملة ببعض المجموعات الإرهابية.
ويقول جون برندو غارست، وهو مسؤول سابق بوزارة الخارجية ساعد في صياغة السياسة الأمريكية تجاه السودان خلال إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون، وإبان الفترة الأولى لإدارة الرئيس جورج بوش الحالية، إن تأييد رفع عقوبات الأمم المتحدة على السودان في ازدياد مستمر داخل الإدارة الأمريكية وسط احتمال أن تؤدي واشنطن دور الوسيط في إنهاء الحرب الأهلية في السودان. إذ من المتوقع أن يعين وزير الخارجية الأمريكي، كولن باول، مبعوثاً خاصاً للسودان في سبتمبر المقبل. وأضاف برندرغاست: إن الإدارة الأمريكية الحالية ستركز على المشاركة في محاولة إنهاء الحرب في السودان. ويعتقد أن ثمة أصواتا مهمة داخلها تنادي بضرورة فعل شيء لكسب حسن النية.
غير أن أي تحرك على السودان في الأمم المتحدة ربما يجد اعتراضاً من الائتلاف القائم بين المسيحيين والمحافظين في الدوائر التشريعية إلى جانب المجموعات المناهضة للشرق.
وذكرت مصادر وزارة الخارجية الأمريكية، في آخر تقرير سنوي لها حول الإرهاب، أن سلوك الخرطوم قد تحسن إلا أن السودان لا يزال يستخدم ملاذاً آمناً لأعداد من أعضاء العديد من المجموعات، بمن في ذلك أعضاء منظمة القاعدة التي يتزعمها أسامة بن لادن، والجماعة الإسلامية، وتنظيم الجهاد المصري، وتنظيم الجهاد الفلسطيني، وحركة حماس.
وكان فريق من المتخصصين في مكافحة الإرهاب، بمن في ذلك ممثلو وزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة الاستخبارات المركزية، ومكتب التحقيق الفيدرالي، قد زاروا السودان عدة مرات منذ مارس 2000. وقال مسؤول له صلة بهذه الترتيبات: إن الجهات المسؤولة في السودان زوّدت الفريق بمعلومات حول عمليات الجماعات الإرهابية، وأوجدت علاقات استخبارية رسمية ورفض دبلوماسيون أمريكيون التعليق علنا حول الحوار مع السودان حول الإرهاب. غير أن خبراء أكاديميين قال: إن الولايات المتحدة كانت تسعى إلى الحصول على ضمانات تؤكد على عدم استئناف السودان مساندته للإرهاب.
وفي 28 أغسطس 2001، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الحملة التي يقودها بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي لفرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع الحكومة السودانية، أثارت جدلاً حول ما إذا كان يجب تقديم مسألة حقوق الإنسان على أهمية الإبقاء على أسواق راس المال الأمريكية أمام الأجانب.
|