|
الجدير بالذكر أن الأسواق المالية الأمريكية كانت مفتوحة في السابق أمام عدد محدود من الشركات الأجنبية التابعة للدول الغنية، غير أن الولايات المتحدة تتنافس اليوم مع مراكز مالية أخرى في مختلف أنحاء العالم.
وأشارت الصحيفة إلى أن ما أثار الجدل في اثنين من الأحكام الخاصة بصيغة مجلس النواب لقانون "السلام في السودان" الذي ينص على حظر الشركات التي تعمل في مجال النفط والغاز في السودان، من توفير التمويل اللازم لمشاريعها من داخل الولايات المتحدة، والمتاجرة في سنداتها في الأسواق الأمريكية. الجدير بالذكر أن الصيغة التي أجازها مجلس الشيوخ لا تتضمن الحكمين المشار إليهما. وتمضي الصحيفة قائلة: إن من ضمن المجموعات التي تقف وراء التشريع "مؤتمر النواب السود بالكونجرس ومركز الحرية الدينية.
وذكرت الصحيفة: أن بعض الجهات في سوق المالي الأمريكي تسعى إلى هزيمة هذه الأحكام، من خلال التأييد الرسمي لرئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (آلان غرينسبان) وإدارة الرئيس الحالي جورج بوش. وفي جلسة استماع، عقدت بمجلس الشيوخ، قال غرينسبان "رداً على واحد من الأسلة التي طرحت في المجلس "إن الحظر الممكن في التشريع المذكور يمكن أن يلحق أضراراً مباشرة بالاقتصاد الأمريكي" بسبب احتمال خروج كميات هائلة من التمويل من السوق الأمريكية باتجاه لندن وفرانكفورت وطوكيو.
وأشارت الصحيفة إلى أن تطبيق التشريع المذكور، بعد إجازته، يعني حظر شركتي "بتروتشانيا" الصينية، وتالسيمان إنرجي" الكندية من التعامل في الأسواق المالية الأمريكية، علما بأن قانونا فيدرالياً صدر في وقت سابق كان قد حظر الشركات الأمريكية من العمل في السودان.
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن ويليما دينسك، رئيس مجلس التجارة الخارجية الوطني الأمريكي، الذي يمثل حوالي 500 من المصدرين الأمريكيين، ذكر ان التهديد بتطبيق تشريع حظر بعض الشركات في سوق الأسهم والسندات الأمريكية حمل شركة "أو آي أو لوكاويل) الروسية للنفط على تسجيل نفسها في بورصة لندن بدلا من نيويورك.
وتقود رابطة قطاع الأسهم، وهي مجموعة تجارية في وول ستريت (حي المال في نيويورك) الحملة الحالية ضد تشريعات مجلس الشيوخ التي تنص على حرمان الشركات، التي تعمل في مجال النفط والغاز في السودان، من التعامل في الأسواق المالية الأمريكية أو الحصول على تمويل مصرفي أمريكي لمشاريعها.
وفي 6 سبتمبر 2001 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش عزمه وضع حد نهائي للنزاع السودان. وقال في كلمة خصصها لهذا الموضوع في حديقة الورد بالبيت الأبيض، وإلى جانبه وزير الخارجية كولن باول، ومبعوثه الجديد للسودان دانفورث: "إن المهمة ستكون صعبة للغاية، وإن درجة الصعوبة فيها عالية، لكنني مصمم على وضع حد لآلام السودانيين".
وحثّ بوش العالم للقيام بدوره قائلاً: "إن واشنطن ستواصل التزامها بالعمل الجاد لإعادة الاستقرار إلى السودان، ومهم جدا للعالم أن يعيد بعض العقلانية للسودان".
وتطرق بوش، في كلمته، إلى الوضع في السودان قائلاً: إنه يحظى باهتمام بالغ وبأولوية من قبل إدارته. وانتقد الحكومة السودانية قائلاً: "إن الحكومة السودانية، ولعقدين من الزمن، شنّت حرباً وحشية ومخجلة ضد شعبها، وهذا شيء غير صحيح ويجب أن يتوقف، واستهدفت المدنيين بعنفها وإرهابها، وسمحت بالرق وشجعت عليه".
وحمل الحكومة السودانية مسؤولية إنهاء الحرب، فقال: "إن مسؤولية إنهاء الحرب تقع على عاتقها، ويجب عليها السعي إلى السلام والبحث عنه، ونحن نريد المساعدة. وأضاف: "إن المأساة في السودان اليوم تسيطر على اهتمام العالم وانتباهه، ونحن من جانبنا ملتزمون بالسعي من أجل سلام عادل، وسنجنب البلاد المزيد من الأسى، والحزن. وكرر تأكيده التزام بلاده بإحلال السلام في السودان. فقال "إننا ملتزمون بالعمل لجلب الاستقرار إلى السودان؛ مما يمكن الكثير من الأمريكيين والمنظمات غير الحكومية، من القيام بواجبهم داخل البلد من دون خوف.
وأشار في كلمته إلى تعيين السيناتور السباق لانفورث، الذي يحظى بالاحترام والتقدير، مبعوثاً للولايات المتحدة للسلام في السودان.
ومن جهته قال المبعوث دانفورث: إنه والرئيس، يعتقدان بأنه يجب استكشاف أية فرصة مهما كانت ممكنة تستطيع الولايات المتحدة القيام بها.
وأعلن أنه رغم عدم خبرته بالشأن السوداني، إلاّ أنه يتطلع إلى العمل مع عدد آخر للحصول والإطلاع على وجهات نظر الخبراء في الشأن السوداني عند الحاجة.
وأعلن عن بعض ما يعتقده من أفكار، فقال أولاً: إن إمكانية السالم تعتمد على إرادة المتقاتلين، وليس على أعمال الآخرين من الخارج، مهما كانت، ومن هؤلاء الولايات المتحدة. وإن أمريكا تستطيع الحث على السلام والتشجيع عليه لا صنعه.
ثانياً: إن إرادة المتقاتلين في إحلال السلام لا تعتمد على أقوالهم بل أفعالهم.
ثالثاً: إن عمل مبعوث السلام هو السعي نحو السلام، وانه مستعد للعمل مع طرفي النزاع، وهما الحكومة السودانية الجيش الشعبي لتحرير السودان.
رابعاً: إن تأثير جهود الولايات المتحدة وفعاليتها لإحلال السلام يعتمدان على اتصالاتنا مع الدول الأخرى المهتمة بالوضع، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، والدول المجاورة للسودان، خصوصاً مصر وليبيا.
وختم دانفورث حديثه بقوله: "إن هذا الموضوع مهم جداً، وأنه لا يعمل بمفرده، أو بصفته متعاقداً مستقلاً. وأن الولايات المتحدة تتحدث بصوت واحد، عندما تتحدث عن السياسة الخارجية، وأن المبعوث الخاص ليس شخصاً مستقلاً، وذلك في إشارة إلى عدم تعارض عمله مع وزير الخارجية كولن باول.
ورحبت الخرطوم بالتغيير الذي طرأ على موقف واشنطن، وقال وزير خارجية السودان مصطفى عثمان إسماعيل: إن بلادي ترحيب بأية مبادرة أمريكية تؤدي إلى المصالحة بين الرئيس عمر البشير والمتمردين، بشرط أن تكون قائمة على الحياد.
كما رحبت الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمبادرة الأمريكية، وقال ممثل الحركة في القاهرة جور كوج بارانتش: "إذا كانت الولايات المتحدة تريد بذل جهود لتحقيق السلام، فبإمكانها تحقيق تقدم؛ لأنها القوة الوحيدة العظمى في العالم".
وأوضح نائب مدير الشركة إدوارد بوغل: "أن الشركة مغتبطة جداً؛ لأن الأمريكيين سيصبحون جزءاً من عملية تحقيق السلام في السودان، لأن لواشنطن وزن كبير جداً في العالم. وأضاف: قلنا باستمرار: إن مجرد التصريحات أو تجاهل المشكلة السودانية لن يقود إلى حل إيجابي".
ومن جهة أخرى، أعلن رئيس مؤتمر الأساقفة الكاثوليك السودانيين، الأسقف باولينو لوكواد لورو ترحيبه بتعيين دانفورث، وقال، في تصريحات في ممبسا في كينيا: نرحب بأي تحرك باتجاه تحقيق السلام، وندعو من أجل نجاحه، وذلك يشمل التحرك الأمريكي الجديد.
وقال لورو وهو أسقف مدينا جوبا كبرى مجدن جنوب السودان هذه خطوة جيدة لإنهاء الحرب.
وأعلنت الحكومة الأمريكية أن حجم المبالغ المرصودة للمساعدات الإنسانية في السودان ستصل إلى مائة مليون دولار بحلول عام 2002، بزيادة تتراوح بين 25 و30 مليون دولار.
وفي 10 سبتمبر 2001، أصدرت السفارة الأمريكية في الخرطوم بيانا ـ يعد الأول من نوعه منذ مطلع هذه العام ـ قالت فيه: "إن وكالة المساعدات الأمريكية ستطلق مبادرة لإنجاز مشروعين، أحدهما إقليمي، والآخر زراعي في جنوب السودان.
ونقل البيانات عن أندرو تاتسيوس المنسق الخاص للشؤون الإنسانية في السودان؛ أنه سيعمل بتعاون وثيق مع السناتور جون دانفورث، الذي عينه الرئيس جورج بوش مبعوثا خاص للسلام في السودان وقال: "إنني أتطلع لنعمل سويا على تحقيق أهداف الإدارة الأمريكية في السودان، وإننا خلال الأشهر الأربعة الماضية حققنا تقدماً ملموساً على الجبهة الإنسانية".
وكشف البيان النقاب عن أن الحكومة الأمريكية نظمت جسراً جوياً الأسبوع الماضي في جبال النوبة. ووصف البيان هذه الخطوة بأنها المرة الأولى التي تسمح فيها الحكومة بنقل مواد إغاثة إلى مناطق تسيطر عليها حركة قرنق، وأضاف نقلاً عن ناتيسيو: "نأمل أن يؤكد الجانبان المتصارعان إيمانهما بتقديم مثل هذه المساعدات، ونحن بدورنا، نؤكد لشعب السودان أن برنامج المعونات الإنسانية سيكون محايداً، ولن يستند إلى أسس سياسية.
وأضاف البيان أن برنامج المساعدات الأمريكية احتوى على تخصيص أربعة ملايين دولار، إضافة إلى 65 ألف طن طعام لضحايا الجفاف والحروب، وخطط لدعم اليونيسيف بملغ مليون دولار، لتنفيذ برامج تأهيل الأطفال الذين سرحتهم الحركة الشعبية من صفوفها، والاتفاق مع الحكومة السودانية على تبسيط إجراءات منح التأشيرات للأمريكيين العاملين في منظمات الإغاثة في المناطق التي تسيطر على الحكومة.
وبالرغم من أن الولايات المتحدة لم تعترض في مجلس الأمن عن رفع العقوبات المفروضة على السودان منذ خمس سنوات في 28/9/2001 إلاّ أنها جددت يوم 5/10/2001 تحذيرها المتعلق بالسفر إلى السودان، وطلبت من الأمريكيين عدم التوجه إلى هذا البلد.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الأمريكية أن الوضع بالمعنى الأمني عبر السودان غير مستقر. بسبب الحرب الأهلية في جنوب البلاد، وعدم إحكام الخرطوم مراقبتها على الأعمال التي تقوم بها الشرطة السودانية والعسكريون السودانيون.
وأضاف البيان: "إن الأحداث التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، ووجود مجموعات طائفية ومقاتلين زادت من القلق حيال أمن الأمريكيين الموجودين هناك". ولكنه لم يعط المزيد من التفاصيل.
ويذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية تدرج اسم السودان على لائحة الدول التي تدعم الإرهاب. إلاّ أن الخرطوم قبلت التعاون مع الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، بعد الاعتداءات التي وقعت في نيويورك وواشنطن، وأودت بحياة الآلاف من الأمريكيين.
وانتقدت الولايات المتحدة ـ على لسان المتحدث باسم الخارجية ـ السودان بشدة يوم 10/10/2001 لما وصفته بقصف (أخرق) لمناطق في جنوب البلاد أثناء جهود تبذلها الأمم المتحدة لتوزيع أغذية على النازحين من الحرب الأهلية.
ويأتي ذلك ضمن أيام من نجاح الإدارة الأمريكية في تجنيد حكومة الخرطوم ضمن التحالف الدولي الذي تقوده ضد الإرهاب.
وقال الناطق باسم الخارجية الأمريكية: "إن ذلك لن يوقف واشنطن عن طلب عون الخرطوم في الحرب. وأضاف: لن نقول الحكومة السودانية لن تقبل معلوماتكم عن الإرهاب ما لم توقفوا قصف المدنيين".
وقال الناطق باسم الخارجية: جزء من سعياً لسلام في السودان، يشمل القلق العميق الذي أعربنا عنه مراراً بشأن هذا القصف الأخرق للأهداف المدنية.
ولكنه أضاف ـ في الوقت نفسه: بأننا نقدر الجهود التي يبذلها أولئك الناس، وحقيقة أن السودان خطا خطوات ضد الإرهاب. ووجود عدد أقل من الإرهاب مطلقي السراح هو أمر طيب.
وتمهيداً للطريق أمام زيارة المبعوث الأمريكي للسلام الجديد جون دانفورث الذي عين في السادس من سبتمبر 2001 بدأ وفد من وزارة الخارجية الأمريكية محادثات مع مسؤولين سودانيين بالخرطوم يوم 26/10/2001 وتناولت المحادثات التحضيرية ثلاثة ملفات أساسية هي: السلام، والعلاقات الثنائية، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من الحرب والجفاف. ويتوقع وصول دانفورث للخرطوم في نوفمبر 2001.
وتعدّ زيارة دانفورث واحدة من عدّة إشارات على أن العلاقات بين واشنطن والخرطوم تتجه للتحسن، بعد أن تعرضت لتوترات لفترة طويلة بسبب حقوق الإنسان، والاتهامات الأمريكية بأن السودان يرعى الإرهاب.
ومواصلة للجهود الأمريكية زار وفد أمريكي برئاسة ممثل المبعوث الأمريكي للسودان السفير روبرت أوكلي القاهرة، والتقى يوم 30/10/2001 برئيس تحالف المعارضة السودانية، محمد عثمان الميرغني بحضور هيئة قيادة التجمع بمصر. واستمع الوفد إلى وجهة نظر التجمع السوداني حول التطورات السياسية ومسار الحل السياسيّ الشامل من خلال المبادرة المشتركة وكذلك موقف التجمع الوطني من مبادرة الإيقاد.
وقال بيان صدر يوم 1/11/2001 من مكتب رئيس التجمع الوطني الديمقراطي؛ أن اللقاء استعرض الأوضاع الراهنة في السودان على ضوء المبادرات المطروحة لحل الأزمة السودانية سلميّاً. وأن المسؤول الأمريكي عرض نتائج مباحثات الوفد الأمريكي بالسودان، والأفكار التي طرحت بهدف تشجيع الأطراف التي لديها مبادرات للعمل سوياً من أجل وقف الحرب واستعادة الديمقراطية، كما أكدّ رغبة الولايات المتحدة في إحراز تقدم نحو الديمقراطية والسلام.
وأضاف البيان: إن الميرغني أعرب عن تقدير التجمع لاهتمام الإدارة الأمريكية بالشأن السوداني، خاصة في ظل الظروف والأوضاع الحالية، كما رحّب الميرغني بجهود الولايات المتحدة لإحلال السلام، وإنهاء المشكلة السودانية، داعياً الإدارة الأمريكية للقيام بدور يساعد في توحيد المبادرات المطروحة وتشجيع طرفي النزاع للوصول إلى اتفاق سياسيّ شامل.
وواصل الوفد تحركاته في المنطقة حيث التقى في العاصمة الكينية نيروبي يوم 1/11/2001 جون قرنق ومساعديه. وقال المتحدث الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان: إن اللقاء كان بغرض تقصي الحقائق حول أوضاع السودان، واستكشاف رؤى أطراف النزاع. وقد اتفق الجانبان على ترتيبات زيارة المبعوث الأمريكي للسودان وللمنطقة المرتقبة في منتصف نوفمبر 2001.
ورغم إشارات تحسن العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش في 2/11/2001 تمديد العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان سنة إضافية، معللاً قراره بقلقه المستمر على حقوق الإنسان ودعم الإرهاب في السودان.
وذكر البيان الرئاسي: أن الرئيس بيل كلينتون قرر هذه العقوبات في نوفمبر 1997، بسبب سوابق تتعلق بالإرهاب والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي تصل حدّ العبودية، وتقييد الحريات الدينية والسياسية.
ويأتي هذا القرار في الوقت الذي تضاعفت فيه مبادرات حسن النية تجاه الخرطوم. فقد امتنعت واشنطن في نهاية سبتمبر 2001، عن التصويت في الأمم المتحدة على رفع العقوبات المفروضة منذ 1996 على السودان؛ لاتهامه بحماية المنفذين لمحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، إلاّ أنها أعلنت استمرار العقوبات الأمريكية.
وردّاً على قرار الإدارة الأمريكية، أعربت الخرطوم يوم 3/11/2001 عن أسفها لتمديد العقوبات الأمريكية على السودان، وأعلنت، في الوقت نفسه، مواصلتها الحوار مع واشنطن. ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية عن وزير الخارجية قوله: "إن القرار غير موفق، لكن الحوار سيتواصل".
وأعلن وزير الخارجية أن الحكومة السودانية قدّمت احتجاجاً رسمياً للإدارة الأمريكية، عبر القنوات الدبلوماسية، على قرارها بتجديد إدراج اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب. وأضاف الوزير: إنه سيتوجه في الأسبوع الثاني من نوفمبر 2001 إلى الولايات المتحدة لإلقاء خطاب السودان في دورة الأمم المتحدة الحالية، وخلالها سيلتقي بالمسؤولين الأمريكيين لمناقشة القرار الأخير.
وفي يوم 10/11/2001 ذكرت وكالات الأنباء أن مجموعة أمريكية مناهضة للعبودية رفعت دعوى تضامنية ضد شركة تاليسمان الكندية التي تعمل في مجال تنقيب البترول في السودان بحجة مشاركتها فيما أسمته؛ حملة التطهير العرقي ضد سكان الجنوب. وطالبت بتعويض قدره مليار دولار. وقالت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية: إن المجموعة تبحث وقف عمل الشركة الكندية في السودان، ومنعها من التعاون مع الحكومة التي تخوض حرباً ضد متمردي الجنوب منذ 18 عاماً.
وتعدّ القضية أحدث الجهود التي يقوم بها ناشطون في الولايات المتحدة، من أجل تصعيد الضغوط على تاليسمان من أجل إخراجها من مشروع إنتاج البترول السوداني.
وكانت هذه المجموعة تأمل ـ منذ مطلع هذا العام ـ في تمرير مشروع قانون في الكونجرس الأمريكي يضع عقبات أمام الشركات الأجنبية التي تستثمر في مجال النفط السوداني.
وفي 14/11/2001 بدأ جون دانفورث مبعوث الرئيس الأمريكي للسلام في السودان زيارته للخرطوم بلقاءات مع الرئيس السوداني عمر البشير وعدد من المسؤولين.
وطرح دانفورث للمسؤولين في الخرطوم مقترحات يرى أن تنفيذها سيؤدي إلى تدعيم خطط السلام في السودان. حيث اقترح استمرار حالة الهدوء أو السكون التي قررتها الحكومة في جبال النوبة (غرب السودان) لمدة أربعة أسابيع، للسماح لمنظمات الإغاثة بأداء عملها لفترة أطول.
وصرح للصحافيين: لقد اقترحنا جبال النوبة؛ لأنها أصبحت تحظى باهتمام الرأي العام الأمريكي، بسبب الأنباء التي تتحدث عن الرقّ فيها، ولأن نجاح الخطة في الجبال يساعد على تطبيقها في المناطق الأخرى.
واقترح دانفورث أيضاً: إيقاف القصف الجويّ ضد المدنيين وأي نوع آخر من العمليات العسكرية، والعمل على إيقاف اختطاف المدنيين من النساء والأطفال.
وأضاف دانفورث: إن الهدف من هذه المقترحات هو إيجاد مناخ من الثقة بين الطرفين.
وقال المبعوث الأمريكي: إنه يرى ضرورة إنشاء آلية لمتابعة تنفيذ المقترحات التي عرفها إذا ما وافقت عليها الأطراف المعنية.
وأوضح أنه سيعود إلى الخرطوم في يناير 2002 ليرى إلى أي مدى تم الأخذ بهذه المقترحات، التي سيطرحها على قادة الحركة الشعبية عندما يلتقي بهم في نيروبي خلال اليومين القادمين.
ووصف المبعوث الأمريكي لقاءه بالمسؤولين بأنه كان مثمراً وإيجابياً. إلاّ أنه استدرك قائلاً: إننا لا نعترف إلا بالأفعال ولا نكتفي بالأقوال والأماني.
وأكد أنه سيمنح نفسه فرصة عام، وإذا لم ينجح خلال العام في إقناع الأطراف السودانية بتحقيق السلام، فإنه سيرفع تقريراً للرئيس جورج بوش يبلغه فيه أنه لم ينجح. ولكن هذا لا يعني أن الباب سيوصد أمام جهود السلام.
وقد أثارت زيارة دانفورث للسودان، التي استغرقت أربعة أيام، الكثير من الاهتمام، خاصة بعد أن أعلن أن مهمته ستستغرق عاماً واحداً، وأن مستقبل العلاقات السودانية ـ الأمريكية رهن بجدية الحكومة في تحقيق السلام.
وقد ذكر بعض خبراء ملف السلام والمتابعين للعلاقات السودانية: إنه يصعب تصوّر نجاح مهمة المبعوث الأمريكي الخاص دون تحقيق تطبيع العلاقات السودانية، ومعالجة الملفات التي تقلق واشنطن. وأبدوا شكوكهم تجاه زيارة المبعوث الأمريكي إلى منطقة جبال النوبة (غرب السودان) التي قال عنها: "إن الوضع الإنساني فيها يجد اهتماماً كبيراً من الولايات المتحدة، وقد بدأت المساعدات الإنسانية تصلها بالفعل".
ويرى بعض الخبراء أن إلحاق جبال النوبة ببرنامج شريان الحياة يعكس، بشكل ما، الانحياز الأمريكي القديم للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق؛ لأن الحركة أوشكت أن تخرج كلياً من منطقة جبال النوبة، وهي الآن تشهد سلاماً حقيقياً، وأن مهمة دانفورث تبدو وكأنها لإنقاذ الحركة الشعبية من موقف حرج تعيشه الآن.
وقال آخرون: إنهم لا يأملون خيراً في مهمة المبعوث الأمريكي للسلام، لأن أمريكا مشغولة الآن بحربها ضد الإرهاب، ولا تشكل حرب الجنوب قطرة في محيط همومها وانشغالها بضرب الإرهاب وحماية نفسها.
وبوجه عام، تبدو انطباعات المراقبين والمحليين بالعاصمة السودانية لمهمة مبعوث (بوش) الخاص لتحقيق السلام في جنوب السودان، مثار شكوك، وأنها في بدايتها أظهرت ما يرجح الانحياز للحركة الشعبية بزيارة جبال النوبة، وإنزال المساعدات الإنسانية لسكانها، وأيضاً مناطق النازحين، رغم أن آثار الحرب ضربت، بشكل مباشر، سكان الشمال كافة.
وتشجيعاً من الإدارة الأمريكية للحوار بين الحكومة السودانية ومتمردي الجنوب، وصل إلى الخرطوم وفد سلام أمريكي يوم 7/12/2001 لإجراء محادثات مع المسؤولين في الخرطوم، والتحضير لزيارة المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، جون دانفورث في يناير 2002.
واستهلّ الوفد مهمته بإجراء محادثات مع وزير الخارجية مصطفى عثمان إسماعيل، تركزت على أربعة مقترحات قدّمها دانفورث، شملت: تمديد العمل بوقف إطلاق النار في جبال النوبة، وإقامة مناطق سلمية، ووقف الهجمات على المدنيين، ووضع حدّ لأعمال الخطف والرّق في الجنوب.
وفي ختام زيارة الوفد، وزعت السفارة الأمريكية بياناً في الخرطوم قالت فيه ـ وهي تتحدث عن موقف الطرفين في النقاط الأربع ـ: إن الحكومة السودانية والحركة في النوبة وافقتا على التفاوض لوقف إطلاق النار في جبال النوبة، برقابة دولية، وانسياب الإغاثة. ووافق الطرفان على استمرار حالة الهدوء في جبال النوبة لتسيير الاتفاق النهائي، ووافقا على مشاركة أطراف ثالثة لوقف إطلاق النار.
وفيما يتعلق بفرض حالة هدوء في الجنوب؛ لمواصلة حملات التطعيم، فقد وافقت عليها الحكومة والحركة، والتزمتا بتجنب قصف المدنيين، ورفضت الحكومة إنشاء آلية لمراقبة خرق هذا الاتفاق في إطار اتفاق شامل لوقف إطلاق النار. ووافقت الحكومة والحركة على زيارة وفد دولي لتقصي الحقائق حول قضية الاسترقاق والاختطاف في كل السودان. لكن الحكومة لا ترى أن هناك تجارة رق.
وقال الدكتور غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية لشؤون السلام: "إن البيان ليس موجهاً للرأي العام السوداني فقط، إنما قصد به ـ بصفة أساسية ـ الرأي العام الأمريكي؛ لأن هناك معركة داخل أمريكا بين تيارات ترى التعامل مع السودان بحدّ السلاح، وأخرى ترى التعامل معه بصورة عادلة، وسيقوي هذا البيان الدفع في داخل التيارات التي تنادي بالحيدة والإنصاف".
وفي خطوة مفاجئة اتخذ الكونجرس الأمريكي في 26/12/2001 قراراً بمنح التجمع الوطني المعارض مبلغ عشرة ملايين دولار، الأمر الذي جعل الرئيس عمر البشير يتحفظ تجاه المساعي الأمريكية لتحقيق السلام في السودان. وتمنى الرئيس السوداني ـ في حوار صحفي ـ ألا يوافق الرئيس الأمريكي جورج بوش على قرار الكونجرس، طالما أمريكا تدخل حالياً في مرحلة وساطة.
ووصف وزير الخارجية السوداني القرار بأنه: خطوة غير موفقة، ويدل على أن هناك قوى أمريكية لا تزال منحازة ضد الحكومة، وتريد عرقلة المحاولات الجارية لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وأبدى الوزير، في تصريحات صحافية يوم 26/12/2001، استغرابه للقرار وقال: "من الغريب أن يتم التصديق بهذا المبلغ لحركة إرهابية (الحركة الشعبية لتحرير السودان) في الجنوب، ومجموعات إرهابية في الشرق (بقية فصائل التجمع المعارض) تقوم بزرع الألغام وتقتيل الأبرياء، في وقت يتحد فيه العالم لمحاربة الإرهاب. وإن هذه خطوة تجد منا كل الرفض والإدانة".
واتهم الوزير جهات أمريكية ببث معلومات خاطئة للمجتمع الأمريكي، حتى يدفع حكومته لاتخاذ خطوات خاطئة تجاه السودان. وقال: "إن سياسة الباب المفتوح ستتيح للمنظمات تعرّف الحقائق على الطبيعة".
وفي الوقت الذي دعت فيه الحكومة السويسرية أطراف النزاع في السودان لإجراء محادثات في عاصمتها بيرن، بدأ مبعوث الرئيس الأمريكي للسلام في السودان جون دانفورث يوم 12/1/2002 زيارته الثانية للخرطوم للوقوف على مدى التزام الحكومة والحركة الشعبية بتنفيذ مقترحاته التي قدمها في نوفمبر الماضي، ووافق عليها الطرفان. وأوضح وزير الخارجية السوداني: "أن الحكومة تعول كثيراً على مهمة المبعوث وهي مهمة متحركة؛ فقد زار المنطقة، وأرسل وفداً إلى فيينا (الشهر الماضي) ثم عاد مرة أخرى وتقدمه وفد فني موجود الآن في الخرطوم. وبدأ محادثاته وحدد المواضيع التي ستطرح على الاجتماع بين الحكومة والحركة في سويسرا الأسبوع الحالي، وبالتالي فهو الذي يحرك مهمته وليس أي طرف آخر".
وتستغرق زيارة المبعوث للسودان يومين ومن المتوقع أن يتوجه بعدها إلى نيروبي للالتقاء بممثلين للحركة الشعبية وسيلتقي المبعوث، رئيس الجمهورية عمر البشير ووزير الخارجية ومستشار الرئيس لشؤون السلام.
|