الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
نيقوسيا والخط الأخضر
الاقتراح التركي
بحر إيجه
قبرص - التقسيم الفعلي
اُنظــــر كـــذلك
 
جمهورية تركيا
جمهورية اليونان
جمهورية قبرص

الفصل الثاني
تطور المشكلة القبرصية نحو الاستقلال

      ليست المشكلة القبرصية وليدة عام 1974، بل هي أقدم من ذلك بكثير، إذ يعود عمرها الحقيقي إلى العقد الثـاني من القرن التاسع عشر. آنذاك، كانت الإمبراطورية العثمانية هي "رجل أوروبا المريض"، وكانت أشبه بصيد ثمين لكل القوى الطامعة، وأولاها الإمبراطورية الروسية القيصرية.

1.  اضطرابات من أجل الوحدة مع اليونان (الإينوسيس Enosis )

      لقد بدأت الكنيسة القبرصية اليونانية بإثارة الاضطرابات، من أجل تحقيق الوحدة مع اليونـان، منذ عام 1825. غير أن الوالي التركي، أخمد، بسرعة، استعداداتها للقيام بعصيان ضد الحكم التركي. واستأنفت الكنيسة اضطراباتها السياسية، مع مجيء الحكم البريطاني .

      عندما وصل  أول حاكم بريطاني إلى قبرص، في 22يوليه 1878، وهو السير جارنت وولسلي Sir Garnet Joseph Wolseley ، طالب كبريانوس Kyprianous، أسقف كيتيوم (Citium (Kition، بتوحيد قبرص مع اليونان، أي (الإينوسيس). لكن زعماء القبارصة الأتراك، عارضوا هذا الأمر، مؤكدين أن قبرص، ليست يونانية، ولم تكن، في أي وقت، جزءاً من اليونان، ومن ثم، لا يمكن التنازل عنها لليونان. وهكذا، بدأت بذور الخلاف بين الطائفتين القبرصيتين .

      وفي عام 1931، وقعت محاولة تمرد فاشلة، لتحقيق الوحدة مع اليونان. ونتيجة لذلك، أوقف البريطانيون كل أشكال التمثيل الشعبي في إدارة المستعمرة، وفرضوا قيوداً صارمة على كافة الأنشطة القومية .

      واستمر هذا الحال حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، عام 1945، حينما عاد الزعماء، الذين قاموا بالتمرد في عام 1931، إلى الجزيرة، من منفاهم في اليونان، واستأنفوا أنشطتهم المنظمة، لضم الجزيرة إلى اليونان، مما أثار القبارصة الأتراك، الذين عارضوا، بشدة، مثل هذه الوحدة.

2.  عـروض بريطانيــة  للحكـم الـذاتـي

      مرّت السياسة البريطانية في قبرص بمراحل واضحة. فقد بدأت برفض بريطانيا الاعتراف بوجود مشكلة، اسمها المشكلة القبرصية، وبرفضها وجود طرف آخر غيرها. فقد صرح السير أنتوني إيدن Sir Anthony Eden ، في 22 سبتمبر 1953،وكان، آنذاك، وزير خارجية بريطانيا في أثينا، قائلاً: "لا ولن توجد، من وجهة نظر حكومة صاحبة الجلالة، مشكلة، اسمها مشكلة قبرص، يمكن أن تبحث مع حكومة اليونان"  . بيد أن بريطانيا أخذت تحاول توسيع نطاق المشكلة، بإدخال اليونان وتركيا، طرفين في النزاع. وإذ أخفقت هذه المحاولة، رأت أن تحصر المشكلة فيما بينها وبين قبرص. ثم جاءت المفاوضات، في أعقاب تلك المحاولة، وشعر الإنجليز بأن أي محاولة للتسوية، سوف تقوض الأسس، التي تقوم عليها سياسة الأمن في المنطقة. وفي 14 مارس 1956، أدلى رئيس الوزراء البريطاني، السير أنتوني إيدن، بتصريح في مجلس العموم البريطاني، قال فيه: "إنه لا يمكن الوفاء، بشكل سريع وفعال، بأي التزامات، تتعلق بحلف شمال الأطلسي أو التصريح الثلاثي (الخاص بإسرائيل)، أو حتى معاهدة حلف بغداد، أو أي معاهدة أخرى، تمس الشرق الأوسط أو الخليج العربي، ما لم تحصل بريطانيا على ضمان مطلق، وحر، فيما يختص باستخدام القواعد، التي في قبرص، وأنه لا يمكن الدفاع عن المصالح البريطانية، بكليتها، إلا من طريق فرض حل بريطاني على قبرص" .

      وفي عام 1948، وأثناء ولاية اللورد وينستر Lord F.Winster ، عرضت الحكومة البريطانية الحكم الذاتي في  قبرص. لكن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، رفضت هذا العرض، بحجة أن الحكم الذاتي، هو مقبرة للإينوسيس. أمّا القبارصة الأتراك، فكانوا مستعدين للقبول بالحكم الذاتي، بشرط أن يتم العدول عن الإينوسيس .

      شهد عام 1950 حدثين مهمين، هما:

أولهما: انطلاقة حملة الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، لتحقيق الوحدة مع اليونان (الإينوسيس). إذ نظمت الكنيسة، في عهد "مكاريوس الثاني Makarios II "، استفتاءً شعبياً، غير رسمـي، في الفترة من 15 إلى 22 يناير 1950، حول هذا المطلب. وأقيمت مراكز مكشوفة للاقتراع في الكنائس، ودُعي القبارصة اليونانيون كافة للتوقيع، مع أو ضد الوحدة مع اليونان، على مرأى من القساوسة. كشف هذا الاستفتاء التعلق الشديد للقبارصة اليونانيين بالوحدة مـع اليونان (95.7%).

ثانيهما: في أكتوبر من العام نفسه، تم تنصيب مكاريوس الثالث Archbishop Makarios III (انظر الملحق رقم 14)، وكان في السابعة والثلاثين من العمر، رئيساً جديداً لأساقفة قبرص. وأهمية هذا الحدث، لا تكمن في  الدور الجوهري، الذي تضطلع به الكنيسة في الحياة السياسية والاقتصادية وحسب، بل في الشخصية الفذة لـ "مكاريوس" أيضاً، وفي تصوره لطريقة حل المشكلة القبرصية. وفي حفلة التنصيب، أعلن مكاريوس، أنه سيكرس كل طاقاته، ما دام حياً، لإنجاز الإينوسيس .

      ومنذ ذلك التاريخ، ومكاريوس يدفع القضية القبرصية في اتجاه التدويل، بطرحها على الأمم المتحدة، وعدم حصرها بالحلف الأطلسي، المؤيد تماماً لبريطانيا. وقد طالب الحكومة اليونانية بالقيام بهذا العمل على الرغم من معارضة بريطانيا.

      وفي عام 1954، طرحت اليونان المسألة القبرصية على الأمم المتحدة، بهدف تحقيق ضم قبرص إلى اليونان، من خلال تطبيق حق تقرير المصير. غير أن القبارصة الأتراك، وبدعم من تركيا، عارضوا، بشدة، مثل هذا الأمر .

      في 26 أكتوبر 1954، وصل إلى قبرص الجنرال جورج جريفاس Georgios Grivas (انظر الملحق رقم 14)، اليوناني الجنسية، القبرصي المولد ـ بناء على دعوة وجهها إليه رئيس الأساقفة مكاريوس ـ وفي رفقته عدد من الأشخاص، وكميات من الأسلحة اليونانية، من أجل تنظيم حركة سرية، لتحقيق الوحدة مع اليونان. ومنذ ذلك الحين، وضعت كل موارد الكنيسة في تصرف المنظمة، التي بدأت نشاطها في أول أبريل 1955، تحت اسم  ( إيوكا E O K A)

      كانت عضوية إيوكا محظورة تماماً على القبارصة الأتراك، وكذلك على أعضاء الحزب الشيوعي القبرصي اليوناني. وكانت تتعامل مع القبارصة الأتراك على أنهم العدو، القومي والديني، الذي يعارض الإينوسيس. وكانت منشورات إيوكا، تنذر القبارصة اليونانيين بأن الكفاح المقدس، لتحقيق الوحدة بين قبرص واليونان، قد بدأ، ومن يعارض ذلك، سيعامل كخائن، وتتم تصفيته. وكان الصدام، المتوقع مع القبارصة الأتراك، مؤجلاً إلى حين الانتهاء من طرد البريطانيين من قبرص .

      ولحماية أنفسهم من هجمات منظمة إيوكا، الموجهة ضدهم، شكَّل الأتراك، في 27 يوليه 1957، منظمة سرية، خاصة بهم، تسمى فولقان Volkan (أي البركان). ثم أمست المنظمة علنية، يتزعمهـا رؤوف رائف دنكتاش ( Rauf Denktash ) (انظر الملحق رقم 14)، وبرهان نعلبند أوغلو Burhan Nalbantoglu ، وكمال طانري سودي Kemal Tanrisevdi، وتعرف باسم منظـمة المقاومة التركية"TMT".) وتهدف إلى تكاتف الطائفة التركية، لإثبات دورها في مستقبل الجزيرة، وحشد الدعم من الشعب التركي في الأناضول .

      وهكذا، أصبح التصادم بين الجاليتين حائلاً جديداً أمام التعايش السلمي بينهما. وبدأت الجالية التركية، منذ ذلك الوقت، مدعومة من تركيا، بطرح فكرة التقسيم (Taksim) ، رداً على شعار الوحدة مع اليونان(Enosis)

3. سنوات من العنف والاضطرابات

      اهتزت نيقوسيا، والمدن الأخرى في الجزيرة القبرصية، في ليلة أول أبريل 1955، نتيجة للانفجارات العنيفة للقنابل. وملأت المنشورات كل المدن والقرى القبرصية، وكانت تحمل توقيع "ديجينيس Digenes , Dighenis "" ، الاسم الحركي لرئيس منظمة "إيوكا" (EOKA) السرية، معلنة بدء الكفاح المسلح، من أجل الاستقلال عن بريطانيا، وسعياً إلى الوحدة مع اليونان .

      زار ألان لينوكس بويد Alan Lennox -Boyd ، وزير المستعمرات البريطانية، الجزيرة القبرصية، في يونيه 1955، وتباحث مع الأسقف مكاريوس، وأبلغه أن الحكومة البريطانية، قررت عقد مؤتمر في  لندن، في شأن قبرص. وبالفعل، عُقد المؤتمر، وحضره وزراء خارجية بريطانيا، واليونان، وتركيا، في 29 أغسطس 1955. وكان هدف المؤتمر بحث مشكلات الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك مشكلة قبرص. ولم يكن الشعب القبرصي ممثلاً في هذا المؤتمر. وأعلنت اليونان وجهة نظرها، التي كانت في مصلحة فكرة اتحاد الجزيرة مع اليونان. ورفضت تركيا هذه الفكرة، لأسباب أمنية، أهمها قرب الجزيرة من سواحل آسيا الصغرى، ولأنها لا تريد أن تتخلى عن جزء من الشعب التركي، ليرزح تحت الحكم اليوناني، وكفاها ما هو واقع في تراقيا الغربية.

       أعلنت بريطانيا بقاء الجزيرة تحت حكم التاج البريطاني، مع منح الشعب القبرصي استقلالاً داخلياً محدوداً. وأمام هذا الطريق المسدود، أوقف المؤتمر أعماله، في 7 سبتمبر 1955 .

       استمر القبارصة اليونانيون في عمليات المقاومة، وازدادت عمليات التخريب، والهجمات على الإدارات العامة. وتزايد خطرها على السلطات البريطانية، وعلى القبارصة الأتراك، وبدأت السلطات أعمال القمع، والسجن دون محاكمة، وأعلن حظر التجول، ولكن دون نتيجة فاعلة.

       انتهت فترة الحاكم البريطاني "روبرت أرميتاج Sir Robert Armitage "، وجاءت فترة حكم المارشال "جون هاردينج Field- MarshalSir John Harding"، الذي أعلن، لدى وصوله إلى الجزيرة القبرصية، تصميمه على سحق المقاومة المسلحة، التي يقوم بها اليونانيون، وبأي ثمن. وجمع بين يديه كل السلطات، وأعلن حالة الطوارئ، وأغلق المدارس، وتخلى عن كل مشروعات التنمية الاقتصادية في الجزيرة. وانبرت الأعمال الدفاعية إلى مهاجمة رجال منظمة إيوكا .

        عقد هاردينج سلسلة من المحادثات مع مكاريوس، بدأت في شهر أكتوبر 1955، على أمل الوصول إلى حل للمشكلة القبرصية. وكانت المفاوضات طويلة. وحتى بداية شهر فبراير 1956، كان الحاكم البريطاني، ورئيس الأساقفة، يتبادلان وجهات النظر والمقترحات، ويتصلان بحكومة لندن، وحكومة أثينا. وأخيراً، وافقت الحكومة البريطانية على منح شعب قبرص استقلالاً ذاتياً محلياً، ولكن، بشكل فعلي، هذه المرة، واحتفظت لنفسها بالاختصاصات، المتعلقة بشؤون الدفاع، والعلاقات الخارجية. وقرر مكاريوس، بعد موافقة ممثلي القبارصة اليونانيين، قبول المشروع البريطاني، ووصل ألان لينوكس بويد، وزير المستعمرات البريطانية، إلى قبرص أواخر فبراير 1956 .

4.  نفي الأسقف مكاريوس إلى جزر سيشل( Seychelles)

        بات الاتفاق بين إنجلترا وقبرص وشيكاً، ولكنه اصطدم، في اللحظات الأخيرة، بمعارضة بريطانيا للتخلي عن موضوع الأمن الداخلي في البلاد لوزير قبرصي، وبموضوع استتباب الأمن، وإنهاء أعمال العنف . فقطعت المحادثات، وعاد وزير المستعمرات إلى لندن. وفي الوقت، الذي كان فيه مكاريوس، يستعد للسفر إلى أثينا، قبض الإنجليز عليه، مع أسقف "كيرينيا"، واثنين من رفاقه اليونانيين، ونفوهم إلى جزر سيشل في المحيط الهندي، في 9 مارس 1956 ، لاتهامهم بالتورط في أعمال العنف. وبنفي بريطانيا للأسقف مكاريوس، رفعت مكانته في نظر الشعب القبرصي اليوناني، وخلقت منه رمزاً وطنياً. وأصبح، من ذلك الوقت، جزءاً لا يتجزأ من المشكلة القبرصية .

        وقد تميزت هذه الفترة، وحتى نهاية 1958، بأعمال عنف بين الطائفتين القبرصيتين، حملت كل سمات الحرب الأهلية.

        كان الصراع اليوناني ـ التركي في قبرص، ينعكس، بدوره، في الموطن الأصلي لكلا الشعبين. فقد انهارت علاقة حسن الصداقة والجوار، التي وضع أسُسها كل من رئيس وزراء اليونان، فينيزيلوس (1864 ـ 1936)Sophocles Venizelos ، والزعيم التركي، أتاتورك (1881 ـ 1936) Mustafa Kemal Ataturk (انظر الملحق رقم 14)، في أوائل الثلاثينيات من هذا القرن، والتي استمرت قائمة ربع قرن. وأخذت كل من الدولتين، تندد بسياسة الأخرى، بينما أخذت صحافتا البلدين، تتبادلان الهجوم. ويمكن وصف العلاقة القائمة بين الحكومتين، في ذلك الوقت، بعلاقة حرب غير معلنة .

        كانت المسألة القبرصية، تطرح، كل عام، على الجمعية العامة للأمم المتحدة، بناءً على طلب من اليونان. إلاّ أن الجمعية العامة، لم تستجب للمطالب اليونانية، بضرورة تطبيق حق تقرير المصير في  قبرص، على قاعدة، تتجاهل حقوق القبارصة الأتراك، وتفتح الطريق أمام الإينوسيس. وقد حثّت الجمعية على حل هذه المسألة، من خلال مفاوضات سلمية بين الأطراف المعنية .

        فيما بعد، أطلق القبارصة اليونانيون على حملة إيوكا تعبير: "النضال من أجل الاستقلال"، متهمين الطائفة القبرصية التركية بالانحياز إلى جانب القوة المستعمرة، ومواجهه، "المقاتلين من أجل الحرية"، أي إرهابيي إيوكا .

5.  مشروع دستور اللورد "رادكليف"Lord Radcliffe

كان اللورد "رادكليف" من أكبر رجال القانون والقضاء في إنجلترا، قد كلف بكتابة توصيات في شأن الدستور المقبل للجزيرة، ووضع الأسُس لمشروع دستور قبرص، وكان يحرص على:

 

أ.

أن تظل قبرص تحت السيادة البريطانية، خلال فترة سريان الدستور.

 

ب.

اعتبار استخدام قبرص كقاعدة عسكرية، ضرورة ملحّة، حتى تتمكن الحكومة البريطانية من الوفاء بالتزاماتها، والدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط، ومصالح الدول المتحالفة الأخرى، أو تلك التي ترتبط ببريطانيا.

 

ج.

أن يكون الدستور قائماً على مبادئ الديموقراطية الحرة، وأن تلقى مسؤولية الحكم الذاتي في قبرص، على عاتق ممثلي الشعب المنتخبين، وأن يشتمل على الضمانات، التي تكفل حماية الجماعات الخاصة في الجزيرة، من ناحية الدين والجنس .

        في 19 ديسمبر 1956، نشر وزير المستعمرات ألان لينوكس بويد الدستور. وكان ينص على إنشاء مجلس تشريعي أو برلماني، يتكون من 36 عضواً، بينهم 24 من القبارصة اليونانيين، وستة من القبارصة الأتراك، وستة أعضاء، يقوم حاكم الجزيرة باختيارهم من بين ممثلي طوائف الأقليات. كما كان ينص على إنشاء مجلس وزراء، يتشكل من سبعة وزراء، هم: رئيس المجلس، وزير الشؤون التركية، وزير المالية، وزير الداخلية، وزير المواصلات والأشغال العمومية، وزير الخدمة الاجتماعية، ووزير الموارد الطبيعية. أمّا حاكم قبرص، فيعينه التاج البريطاني. وله حق الاعتراض، في  مسائل الدفاع والأمن الخارجي، والعلاقات الدولية. كما نص الدستور على إنشاء محكمة ضمانات، تشكل من أحد اليونانيين وأحد الأتراك، وأحد المحايدين، وستكون اختصاصاتها مشابهة لاختصاص مجلس الدولة في فرنسا .

        عند تقديم المشروع إلى مجلس العموم البريطاني، أضاف وزير المستعمرات، أن الحكومة البريطانية، في حالة رفض شعب قبرص للمشروع، لن تتمكن من أن تجد حلاً آخر، سوى اقتراح تقسيم الجزيرة بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك . وهذا منشأ مبدأ التقسيم(Taksim)، الذي تنادي به تركيا.

        كانت هذه المقترحات، تتضمن، على الأقل، إقامة دولة موحدة، ودرجة واسعة من الحكم الذاتي. ولم يكن من المستبعد، أن تتطور إلى دولة مستقلة، تتمتع بحق تقرير المصير .

        رفضت حكومة اليونان مسوّدة الدستور، وكذلك سكان قبرص. ويرجع هذا الرفض إلى واقع أنهـم كانوا يخططون لإنجاز الإينوسيس، في أقل وقت ممكن . ورفضته تركيا، وطالبت بتقسيم الجزيرة بين الأتراك واليونانيين  .

        تحت ضغط من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، أُطلق سراح مكاريوس ومن معه، في  التاسع من مارس 1957، بعد أن أصدر بياناً بنبذ العنف في الجزيرة. ولم يسمح له بالعودة إلى قبرص، فتوجه إلى أثينا، في 17أبريل 1957 . واستمر الفراغ السياسي في المشكلة القبرصية، الذي نجم عن رفض مقترحات رادكليف.

        في بداية يناير عام 1958، وقعت اضطرابات خطيرة، قُتل فيها ستون تركياً، وجرح مئات من الأتراك. وفي 27 يناير، قتل أيضاً تركيان، وجرح سبعون شخصاً في اضطرابات، وصفت بأنها أخطر ما شهدته الجزيرة، في تاريخها، من عنف . وفي أثناء صيف عام 1958، وقعت حوادث عنف بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين. ذلك أن بعض القبارصة اليونانيين من سكان القرى، في أثناء عودتهم إلى قراهم، تعرضوا لهجوم قام به بعض القبارصة الأتراك، وذلك قرب نيقوسيا. كما أحرق بعض المساكن والكنائس اليونانية. وأدى ذلك إلى إصدار الأوامر بمنع التجول، في نيقوسيا، وفي القرى الأخرى. وألقت السلطات، القبض على أكثر من ألفي قبرصي يوناني، ووضعتهم في معسكرات الاعتقال، تفادياً لقيامهم بأعمال إنتقاميه .

        لقد رفض القبارصة اليونانيون هذا المشروع، كما أن رئيس الأساقفة رفضه كذلك، بعد استشارته لعُمَد الجزيرة. وتدخل بول هنري سباكPaul Henri Spaak، السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي، ولكن تدخله هذا لم يؤدِّ إلى نتيجة. أمّا اليونان، فإنها رفضت، وبناء على إصرار رئيس الأساقفة مكاريوس، أن تشترك في المؤتمر، الذي اقتُرح من أجل مناقشة المشروع الإنجليزي والتعديلات، التي اقترح السيد سباك إدخالها عليه. وفضلت أن تطلب، من جديد، عرض المشكلة على الأمم المتحدة .

------------------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة