الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
نيقوسيا والخط الأخضر
الاقتراح التركي
بحر إيجه
قبرص - التقسيم الفعلي
اُنظــــر كـــذلك
 
جمهورية تركيا
جمهورية اليونان
جمهورية قبرص

القضية الثانية
النـزاع حول بحر إيجه والجرف القاري والمياه الإقليمية

        يمتد بحر إيجه Aegan Sea نحو الشمال الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، إذ يحده من الشمال الغربي الساحل اليوناني، ومن الشرق الساحل التركي، بينما يحده من الجنوب عديد من الجزر، أهمها "كريت Crete" و"رودس Rhodes" ويمثل هذا البحر فاصلاً مائياً بين شبه جزيرة الأناضول والأراضي اليونانية، باستثناء المنطقة الشمالية، حيث تتشابك حدود الدولتين. ويتوسط هذا البحر آلاف الجزر الصغيرة، المتفاوتة في أحجامها.

        يُعَدّ بحر إيجه، بمشاكله، أحد المعوقات الرئيسية لتحسن العلاقات بين كل من تركيا واليونان، إذ يحتوي على العديد من عناصر الخلاف، التي تمتد جذورها في التاريخ، ومتطلبات القانون الدولي، مثل مشكلة البحر الإقليمي، والجرف القاري، والمجال الجوي، ونزع سلاح جزر شرقي بحر إيجه. وهي أمور معلقة، حتى يومنا هذا، على الرغم من المحاولات العديدة للمفاوضات من قبل الجانبين.

الأصول التاريخية لتطور السيادة في بحر إيجه

        فرضت الدولة العثمانية سيطرتها على بحر إيجه وبلاد اليونان، منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وجعلت منه بحيرة عثمانية، وتحكمت في كل مداخله، بعد فتح القسطنطينية، عام 1452.

        مع استقلال اليونان، عام 1832، عن الحكم العثماني، بدأت في محاولة جمع شمل الكيان اليوناني السابق، وهو الأمر الذي عدّته الدولة العثمانية، ومن بعدها تركيا، محاولة للتوسع على حسابها. ففي عام 1864، تنازلت بريطانيا عن العديد من الجزر الإيونية (Ionian Islands) جنوب بحر إيجه لمصلحة اليونان. وتنفيذاً لقرارات مؤتمرَي برلين، عام 1878، ومعاهدة إستانبول 1881، تنازلت تركيا عن مقاطعتَي "ثيثالي "Thessaly و"لاريسا Larissa "، مما زاد من قبضة الجانب اليوناني على بحر إيجه.

        وفي أعقاب حرب البلقان (1912 ـ 1913)، بدأ الجانب اليوناني زحفه نحو السيطرة على الجانب الشمالي لسواحل بحر إيجه، وهو ما عَدّته الدولة العثمانية محاولات توسعية يونانية. وبدأ الأتراك محاولات لاستعادة سيطرتهم على الجزر، التي احتلها اليونانيون في بحر إيجه. وأعيدت إلى تركيا جزيرة (كوجه أدا Gokceada) أو (إمبروس Imbroz) وجزيرة (بوزجه أدا Bozca Ada) أو (تينيدوس Tenedos) بموجب معاهدة أثينا، عام 1913، لأهميتهما الإستراتيجية، إذ تتحكمان في مضيق الدردنيل .

        تُعَدّ معاهدة لوزان ، الموقعة في24 يوليه 1923، بين الجانب التركي والحلفاء، إحدى أهم الركائز التاريخية، التي رسمت الحدود البرية والبحرية بين تركيا واليونان، (اُنظر الخريطة الرقم3) حتى وقتنا هذا. وقد جاءت هذه المعاهدة، بعد المحاولة اليونانية الفاشلة لاحتلال أزمير، وتصدّى الجيش التركي لها، بقيادة مصطفي كمال أتاتورك (في سبتمبر 1922). إذ نصت هذه المعاهدة على إجبار الجانب التركي على التنازل عن العديد من الجزر في بحر إيجه، لمصلحة الجانب اليوناني، ونصت هذه الاتفاقية، كذلك، على النقاط المهمة التالية:

أ.

الهجرة الإجبارية للأقليات والسكان الأتراك في الجزر، المتنازل عنها لمصلحة اليونان، وللأقليات اليونانية، التي كانت تقيم بتركيا، فيما عدا مدينة إستانبول.

ب.

نزع سلاح الجزر، المتنازل عنها لمصلحة اليونان.

ج.

وضع بحر إيجه خارج نطاق السيادة الكاملة لأي دولة.

        وعلى الرغم من تحسن العلاقات اليونانية ـ التركية، في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن ضم جزر دوديكانس إلى اليونان عام 1947، وادعاء اليونان أحقيتها في مد بحرها الإقليمي إلى 12 ميلاً بحرياً، وكذلك محاولتها مد مجالها الجوي إلى 10 أميال بحرية، أفقياً، كل ذلك أدى إلى ظهور العديد من الخلافات بين الطرفين.

        بدأ النزاع بين تركيا واليونان، حول بحر إيجه، في عام 1974، عندما علمت تركيا بأن رئيس الوزراء اليوناني، أندرياس باباندريو، يخطط لتأميم "شركة نفط إيجه" (وهي اتحاد شركات كندية وأمريكية وألمانية) ونية الشركة العمل في التنقيب عن النفط، شرقي جزيرة "ثاسوسThasos" وشعرت تركيا بالقلق من ذلك، فأصدرت، في المقابل، التصاريح لشركة النفط التركية، للتنقيب في مياه أخرى، متنازع عليها . وأمرت الحفار العائم "شيمشك Simsek- البرق-1)" بالتحرك نحو جزر يونانية ثلاث، هي: " ليسبوس Lesbos و"ليمنوس Limnos" و"ساموتراكي "Samothraki، للتنقيب عن النفط، داخل نطاق الأميال الأثني عشر، حول الجزر. وأمرت اليونان، بدورها، سفنها الحربية في بحر إيجه، بالتصدي للحفار العائم، ومنعه من دخول المياه الإقليمية للجزر. وأصدرت تركيا أوامرها إلى سفنها الحربية، بمرافقة الحفار، والتصدي لأي قوة معادية، تحاول اعتراض أي سفينة، تحمل العلم التركي .

الحجج التركية واليونانية، حول السيادة في بحر إيجه

        لا يطالب الجانب التركي بملكيته لجزر بحر إيجه، بقدر ما يسعى، وبإصرار، إلى تصفية ادعاءات اليونان بملكيتها لهذه الجزر، إذ إن السياسة الخارجية التركية، تهدف إلى تدويل الجزء الأكبر من البحر، واعتباره مياه دولية، وهو ما يمكن اعتباره حرمان الجــانب اليوناني منه فقط.

        يستند الجانب التركي إلى العديد من الجوانب، التاريخية والقانونية، للتشكيك في ملكية اليونان لجزر بحر إيجه، إذ يرى الأتراك أنه إبّان احتلال العثمانيين لجزر بحر إيجه، في القرنين، الخامس عشر والسادس عشر، لم يكن هناك أي كيان يوناني، بالمفهوم الحالي، ومن ثم، فإن جزر بحر إيجه، لم تكن تخضع للسيادة اليونانية، وهو الأمر الذي يمكن أن نستنبط منه محاولة الجانب التركي اعتبار هذه الجزر أراضي بلا هوية أو سيادة، وهو ما يطلق عليه "ملكية بالتقادم". غير أن الجانب التركي، من جهة أخرى، لم يحــاول فرض سيادته عليها.

        أمّا اليونان، فترى أن الثوابت التاريخية، تشير إلى عكس ما يراه الجانب التركي تماماً، إذ إن أجزاء من هذه الجزر، كانت تقع تحت سيادة أثينا، في عصر ما قبل الميلاد، وداخل إطار الإمبراطورية الأثينية، ومعظم شعوبها يونانيون. وكذلك محاولة الإسكندر الأكبر توحيد الشعوب اليونانية كلها تحت إمرته، وهو ما شمل معظم الجزر، الواقعة في بحر إيجه حالياً. ومن ثم، فإن خضوع هذه الجزر للاحتلال الروماني والبيزنطي والعثماني، لم يغير من الوضع شيئاً، ولم يمسح الهوية اليونانية، ثقافة أو لغة أو ديناً.

تولدت من قضية السيادة في بحر إيجه عدة مشكلات، تعد فروعاً للمشكلة الأصل:

أولاً: مشكلة البحر الإقليمي: (اُنظر الملحق الرقم ـ 11)

        يعتبر تحديد البحر الإقليمي اليوناني، إحدى المشكلات الكبرى، التي يترتب عليها العديد من المشكلات بين الدولتين، نظراً إلى أنها تحدد السيطرة الفعلية على بحر إيجه. وكانت اليونان، في بادئ الأمر، تطبق المنهج السائد، آنذاك، في معظم دول العالم، والذي اقترحه أحد القانونيين الدوليين، في القرن الثاني عشر، وهو مبدأ الثلاثة أميال بحرية، أو المسافة لطلقة المدفع. وهو ما استمرت اليونان في تطبيقه، حتى قامت، في عام 1936، بمد بحرها الإقليمي إلى ستة أميال بحرية. وأخذت تركيا هذا الأمر بتحسب شديد، ذلك لأن هذا العمل، سيعطي الجانب اليوناني السيطرة السيادية على نحو 43.5% من بحر إيجه، بينما يصبح نصيب الجانب التركي 7.5%، وتشمل المياه الدولية نسبة 48% من هذا البحر.

        وهكذا، يتضح أن أي محاولة من قِبل الجانب اليوناني، لمد بحره الإقليمي، يؤثر مباشرة في تضاؤل حجم المياه الدولية في بحر إيجه، مما يحد من قدرة الجانب التركي على الملاحة عبْره. ورأت تركيا في الخطوة اليونانية قراراً استفزازياً، وقبلته على مضض، على الرغم من أنها قامت، عام 1964، بمد بحرها الإقليمي في البحر الأسود، إلى 12 ميلاً بحرياً، وأحجمت عن تطبيق الإجراء عينه في بحر إيجه، نظراً إلى خصائصه المنفردة، التي تتطلب ترتيبات مختلفة.

        تم تعديل قانون البحار، بعد الحرب العالمية الثانية، واستمر الوضع في بحر إيجه على ما هو عليه. وعلى الرغم من دخول اليونان في اتفاقية جنيف 1958، لقانون البحار، التي أجازت مد البحر الإقليمي إلى مسافة 12 ميلاً بحرياً، إلا أنها لم تطالب بمد بحرها الإقليمي في بحر إيجه، لعدة أسباب، أهمها: عدم التمادي في استفزاز الجانب التركي، الذي رفض الدخول في هذه الاتفاقية، لكونها تتعارض وأهدافه، الملاحية والسياسية، في بحر إيجه.

        مع بداية حقبة الثمانينيات، تغير الوضع لاعتبارين أساسيين، أولهما: دخول اليونان في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، وثانيهما: انتخاب حكومة باباندريو، عام 1981، في اليونان، وهي تُعَدّ حكومة متشددة، من وجهة نظر الجانب التركي، إذ إنها استندت إلى المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، واتفاقية جنيف 1958، لتأكيد حقها في مد بحرها الإقليمي 12 ميلاً بحرياً، كباقي الدول البحرية، في حالة الحاجة إلى ذلك. وهو ما رفضت تركيا قبوله.

        تستند الحكومة التركية، في رفضها لأحقية اليونان في مد بحرها الإقليمي إلى 12 ميلاً بحرياً، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، إلى العديد من الحجج، القانونية والإستراتيجية، والأمنية والاقتصادية.

1.  الاعتبارات القانونية:

أ. يرى الجانب التركي، أن ما نصت عليه المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، الخاصة بإمكانية مد كل دولة بحرها الإقليمي، إلى مسافة 12 ميلاً بحرياً، ليس أمراً ضرورياً، ولكنه الحد الأقصى لتطبيق القانون، وأن ذلك جائز في الحالات الطبيعية للجوار البحري. أمّا في ما يتعلق ببحر إيجه، فإن الوضع يستلزم مراعاة العديد من الاعتبارات، قبل أن تقرر اليونان أحقيتها في تطبيق القانون، لأنه ليس من الضروري تطبيق القانون بحده الأقصى.

ب. في ضوء البند السابق، فإن الجانب التركي، يشير إلى نص المادة الثالثة، وضرورة تنفيذها في إطار المادة 123، التي تنص على تعاون الدول موقعة الاتفاقية، أثناء التنفيذ. وكذلك المادة 300 من المعاهدة عينها، والتي تنص على قيام الأطراف المتعاهدة بتنفيذ الالتزامات الخاصة بها، في ما يتعلق بالحقوق والسيادة والحريات، بطريقة لا تمثل سوء استخدام لها. وهنا، تتهم الحكومة التركية اليونان بسوء استخدام هذه المادة، وكل ما يتعارض مع روح ونص الاتفاقية، التي تستند الحكومة اليونانية إليها في إثبات حقوقها.

2.  الاعتبارات الإستراتيجية

ترى تركيا، أن قبولها لأحقية اليونان في مد بحرها الإقليمي إلى 12 ميلاً بحرياً، في بحر إيجه، سيحوله إلى بحيرة شبة يونانية إذ سيخضع 71.53% من إجمالي البحر للسيادة اليونانية الكاملة. بينما ستصل هذه النسبة إلى 8.76% فقط لمصلحة تركيا. وسوف يصل نصيب البحر الدولي إلى 19.71% فقط لا غير. ومن ثم، يظهر الخطر الأمني والإستراتيجي، الذي لا يقبله الجانب التركي، لا سيما أن الخلافات بين الدولتين، ليست في صدد البحر الإقليمي وحده.

3.  الاعتبارات الأمنية والاقتصادية

أ. يرى الجانب التركي، أن فرض اليونان سيطرتها على بحر إيجه، يمثل تهديداً، نظراً إلى تقارب حدود الدولتين البحرية. ومن ثم، فإن تركيا لا تستطيع استخدام حقها في المنطقة المتاخمة لبحرها الإقليمي، واتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لحمايتها.

ب. من الناحية الاقتصادية، فإن تنفيذ اليونان لمبدأ 12 ميلاً بحرياً، ستزيد مساحة بحر إيجه، بالنسبة إلى الجانب اليوناني، على حساب تركيا. ومن ثم، سيحرم تركيا العديد من الميزات، أهمها الثروات الموجودة في الجرف القاري، من نفط ومعادن. علاوة على أن هذا الإجراء، سيحدّ من حرية تركيا في الصيد، في منطقة تعدّ، حالياً، مياهاً دولية. وهو ما ترفضه تركيا، شكلاً وموضوعاً.

ثانياً: مشكلة الجرف القاري:

        يُعَدّ الخلاف حول الجرف القاري لبحر إيجه، من أهم الخلافات الجوهرية، الذي يتمسك كل طرف بحقه فيه، ومن ثم، فهو يعرقل كافة التسويات الأخرى بين الطرفين، التركي واليوناني، في بحر إيجه.

تعريف الجرف القاري

        الجرف القاري هو الامتداد، الفعلي والطبيعي، لقاع الأرض القارية داخل البحار والمحيطات، (الجزء الأرضي الغارق تحت سطح البحر). وقد حددت اتفاقية جنيف، المتعلقة بقانون البحار، الجرف القاري، بمسافة 200 متر عمق، في ما بعد البحر الإقليمي. وقد قررت الاتفاقية، كذلك، أحقية الجزر في الجرف القاري.

        وحدث تطور علمي في أساليب ومعدات الحفر والتنقيب، في أعالي البحار وأعماق المحيطات، فاستغلت اليونان هذا التطور العلمي، وبدأت في استخدام حقها في استغلال جرفها القاري على نطاق واسع، في البحث والتنقيب عن الثروات المعدنية، خاصة النفط. وكذلك فعل الجانب التركي. مما أدى إلى تصادم مصالح الدولتين، لاختلاف وجهات نظرهما في ما يتعلق بتحديد الجرف القاري، والخط الفاصل بين الدولتين، إذ رأت تركيا، أن هذا الخط يتحدد بمسافة متساوية، بين سواحل هضبة الأناضول وحدود اليونان، متجاهلة تماماً حق الجزر اليونانية في الجرف القاري، وهو الأمر الذي رفضته اليونان.

        ويرى الجانب التركي أحقيته في رسم حدوده القارية، حتى منتصف بحر إيجه، مستنداً إلى أحقية تركيا في الجرف الطبيعي لهضبة الأناضول. وبناءً عليه، فإن الجرف القاري التركي، سيصل حتى غرب العديد من الجزر اليونانية في بحر إيجه.

        وفي محاولة لتسوية هذا الخلاف، وافقت تركيا على التفاوض في هذا الشأن، في فبراير 1974. إلا أنها قامت بإرسال سفينة أبحاث إلى منطقة متنــازع عليهــا، تصحبها 32 سفينة حربية، لحمايتها في حالة تدخل القوات اليونانية لوقفها، مما أدى إلى قيام اليونان بالاحتجاج لدى الحكومة التركية. ثم تفاقم الخلاف بينهما، بغزو تركيا لشمالي قبرص، في صيف 1974.

        وبحلول عام 1975، تقدمت اليونان بفكرة عرض الخلاف على محكمة العدل الدولية. وقد وافق رئيس الوزراء التركي عليها، آنذاك. إلا أنه مع ولاية حكومة سليمان دميريل، في أبريل 1975، تراجع الجانب التركي عن موقفه، وأعلن ضرورة التفاوض في هذا الشأن، مع الحفاظ على اجتماعات الخبراء القانونيين، التي لم تسفر عن شيء. إلا أن الموقف عاد إلى التوتر من جديد نتيجة قيام تركيا، مرة أخرى، بإرسال سفينة أبحاث إلى المنطقة المتنازع عليها، مما أدى إلى بعض التحرشات العسكرية بين الجانبين، وتشكيل تركيا لما يسمى بـ "جيش إيجه"، أي قوات خاصة للعمل في بحر إيجه، مكونة من وحدات عسكرية تابعة للجيش الرابع، ومتمركزة في أزمير.

        تفادياً لمزيد من الخلاف بين الجانبين، اقترحت الحكومة اليونانية عدم استخدام القوة، لفض المنازعات بين الجانبين. غير أن تركيا، رفضت ذلك، تخوفاً من قيام اليونان باستغلال هذا الاتفاق، في مد بحرها الإقليمي إلى 12 ميلاً بحرياً، وعدم تمكن الجانب التركي، بناء على هذا الاتفاق، من استخدام القوة لوقف ذلك. واستمر الجانب التركي في إرسال سفن أبحاث إلى بحر إيجه، حيث المناطق المتنازع عليها، لإثبات حقه، وعدم ضياعه بالتقادم، الأمر الذي أدى إلى لجوء اليونان، في أغسطس 1976، إلى مجلس الأمن.

        أصدر مجلس الأمن قراره الرقم 395، عام 1976، حول ضرورة قيام الجانبين بمراعاة مبادئ حل المنازعات بالطرق السلمية. وحث على ضرورة وقف الأعمال الاستفزازية، من أجل تسهيل عملية التفاوض، مستقبلاً. ولم يستبعد القرار إمكانية مشاركة محكمة العدل الدولية في حل الأزمة.

        تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 395، قام الطرفان بتوقيع اتفاقية "برن"، في الحادي عشر من نوفمبر 1976، والتي أكد الطرفان، بمقتضاها، استمرار المفاوضات بينهما، حتى يتم التوصل إلى تحديد للجرف القاري لكل منهما. كما أكدت الاتفاقية عدم قيام أي من الطرفين بأي إجراءات من شأنها فرض سيادته على بحر إيجه.

        استناداً إلى قرار مجلس الأمن الرقم 395 عام 1976، لجأت اليونان إلى محكمة العدل الدولية، غير مبالية بموافقة الجانب التركي طالبة من المحكمة التدخل لحماية المصالح اليونانية، المعرضة لخطر، لا يمكن مواجهته، وكذلك استصدار حكم بتحديد الجرف القاري.

        جاء رد محكمة العدل الدولية مخيباً للآمال اليونانية، إذ رفضت المحكمة الطلبين اليونانيين، على أساس أن الأعمال التركية في الجرف القاري، محور الخلاف، لا تؤثر سلباً في المصالح اليونانية. كما أعلنت المحكمة، من ناحية أخرى، عدم الاختصاص والولاية في هذه الدعوة اليونانية، نظراً إلى الأسباب التالية:

أ.

إن اليونان وافقت على الانضمام إلى اتفاقية تسوية النزاعات، الموقعة عام 1928، (اتفاق دول الباسفيك). مع التحفظ من أن هذه البنود، لا تدخل في ترسيم حدودها الإقليمية. ومن ثم، فإن هذا يُعَدّ سنداً قانونياً لعدم الولاية من قبل المحكمة.

ب.

إن تركيا لم تبدِ موافقتها على قبول ولاية المحكمة. ومن ثم، لا يمكن قيام اختصاص لمحكمة العدل الدولية عليها في هذه المشكلة.

ج.

استمر الوضع السابق بين الدولتين، خلال الثمانينيات، ثم تجدد الاستفزاز التركي لليونان، مرة أخرى، بإرسالها سفن الأبحاث في مجال الجرف القاري لجزر اليونان، عام 1988، للضغط على أثينا، كي تقبل التفاوض، سعياً إلى إيجاد حل لهذه المشكلة.

         وصلت تركيا واليونان إلى شفا الحرب، بسبب النزاع القائم في بحر إيجه، وذلك في مارس 1987. وجرى لقاء بين تورجوت أوزال Turgut Ozal (انظر الملحق رقم 14)، رئيس وزراء تركيا، وأندرياس باباندريو، رئيس وزراء اليونان، في مدينة دافوس Davos، شرقي سويسرا، في أوائل فبراير 1988. وهو اللقاء الثاني بينهما، بعد اللقاء الأول، الذي جرى في المدينة عينها، عام 1986. وعقب الاجتماع، صدر بيان مشترك، يُعَدّ مهماً في التوصل إلى إزالة التوتر بين الدولتين، والاتجاه نحو تسوية المشكلات العالقة بينهما . ووافق الطرفان على إنشاء لجان مشتركة، لتحديد الخلافات بين الدولتين، واقتراح الحلول المناسبة، في شأنها. ولم تفلح هذه اللجان في حل أي من تلك الخلافات.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة