|
الموقف التركي
يرى الجانب التركي أحقيته، في رسم حدود الجرف القاري، حتى منتصف بحر إيجه، مستنداً إلى أحقية تركيا في الجرف الطبيعي لهضبة الأناضول. وبناءً عليه، فإن الجرف القاري التركي، سيصل حتى غرب العديد من الجزر اليونانية في بحر إيجه. وأكدت الحكومة التركية، في كثير من المناسبات، أن الأبحاث العلمية، أثبتت وجود مرتفعات في قاع بحر إيجه، قرب الجزر، تثبت الامتداد الطبيعي للجرف الأناضولي إلى ما بعد الجزر اليونانية. وهو الأمر الذي ترفضه اليونان، وتؤكد أحقية جزرها في امتلاك جرف قاري، بناءً على المادة (121) من قانون البحار، عام 1982. وقد جددت اليونان مطالبتها برسم الخط الفاصل للجرف القاري اليوناني، شرق الجزر اليونانية، في منتصف المسافة بين هذه الجزر وهضبة الأناضول، وهو ما جدد الجانب التركي رفضه.
مما سبق، يتضح أن هناك تبايناً في موقف الدولتين من الحل السلمي لهذا الخلاف. فبينما تتجه اليونان نحو الحل القانوني، استناداً إلى المادتين (73 و84) من قانون البحار الأخير، واللتين تنصان على ضرورة إيجاد حل للخلافات إزاء حدود الجرف القاري بين الدول، بناءً على مبادئ القانون الدولي. وتشيران إلى إمكانية إعمال المادة 38 من ميثاق محكمة العدل الدولية. وترفض تركيا ذلك، للاعتبارات القانونية التالية:
|
أ.
|
من الناحية القانونية، ترى تركيا، أن المادتين (73 و84)، تؤكدان أهمية التوصل إلى حل، عبْر المفاوضات السلمية. وأن إدخال المادة (38) من ميثاق محكمة العدل الدولية، يؤكد صحة الموقف التركي، المطالب بإيجاد حل عادل للجرف القاري بين الدولتين، وذلك لأن الجزء الثاني من هذه المادة، يجيز للمحكمة بت الأمور، بناءً على مبدأ التساوي والتقسيم المنطقي. وتهدف تركيا إلى الحصول على موافقة اليونان على هذا المبدأ. ويعد الشرط الوحيد لقبول تركيا ولاية المحكمة في هذا الخلاف. وفي هذه الحالة، يحق للمحكمة بت الأمر بعين التساوي والتقسيم المنطقي، وليس بالقانون فقط. وهو ما ترفضه اليونان.
|
|
ب.
|
إن تركيا تخشى قبول الحل القانوني، لما يحمله بين طياته، من خطر كبير، ومجازفة غير محسوبة العواقب، يمكن أن تذهب بحقوقها المشروعة في الجرف القاري لبحر إيجه، والإضرار بموقفها من الخلافات الأخرى، والتأثير في ميزان المصالح في هذا البحر، لمصلحة اليونان. وهو ما لا تقبله تركيا.
|
|
ج.
|
ترى تركيا، أن خلافات بحر إيجه كثيرة ومتداخلة، وتؤثر في أمنها ومصالحها، ومن ثم، يجب إيجاد حل شامل لكافة هذه الخلافات.
|
ثالثاً: الخلاف حول تسليح جزر شرقي إيجه:
نظراً إلى الأهمية الإستراتيجية لجزر شرقي بحر إيجه، سواء للملاحة الدولية أو لمبدأ توازن القوى في هذا البحر، فإن تلك الجزر تقع تحت طائلة العديد من الاتفاقيات الدولية، التي تحدد موقفها العسكري، وذلك على النحو التالي:
|
1.
|
جزيرتا ليمنوس وساموتراكي، تقعان تحت طائلة المادة 4 من اتفاقية لوزان (1923)، التي نصت على أن تكونا منزوعتَي السلاح تماماً، نظراً إلى تحكمها غير المباشر، في الملاحة عبْر مضيق الدردنيل الحيوي. كما نصت الاتفاقية، أيضاً، على نزع سلاح العديد من الجزر الأخرى، التركية، للأسباب عينها.
|
|
2.
|
في ما يتعلق بجزر ليسبوس وشيوس Chios وساموس Samos وايكاريا Ikaria ، فقد حددت اتفاقية لوزان، في المادة (13) الوضع العسكري لهذه الجزر، إذ حرمت استخدام هذه الجزر في التحصينات العسكرية أو القواعد البحرية، ومن ثم، يكون موقفها العسكري مقصوراً على التسليح العادي لمجنديها.
|
|
3.
|
بالنسبة إلى جزر دوديكانس، الواقعة في الجنوب الشرقي لبحر إيجه، فقد نصت المادة (14) من اتفاقية باريس، الموقعة بين الحلفاء، عام 1947، على نزع السلاح الكامل لهذه الجزر، لخطرها، من الناحية الأمنية، على تركيا.
|
بدأت الخلافات بين الجانبين، التركي واليوناني، مع بداية السبعينيات، حين اتهمت تركيا الحكومة اليونانية بتسليح هذه الجزر، وهو ما ينقض الاتفاقات والمواثيق الدولية منذ عام 1967. بينما ترى الحكومة اليونانية، أن هذا التسليح أمر طبيعي وحق سيادي، نظراً إلى التهديد التركي وخطره على سلامة هذه الجزر وأمنها، خاصة بعد الاحتلال التركي لشمالي قبرص.
يرى الجانب اليوناني، أن قيامه بتسليح هذه الجزر، لا يتنافى ومبادئ القانون الدولي والاتفاقات الدولية، استناداً إلى الاعتبارات التالية:
- يؤكد الجانب اليوناني، أن اتفاقية لوزان، وموادها المتعلقة بتسليح جزر شرقي بحر إيجه، انتهت بحلول اتفاقية مونترو Montreux عام 1936، محلها. وأن الجانبين يعتبران مشاركين في اتفاقية مونترو، والتي تُعَدّ الوريث الشرعي لمعاهدة لوزان، ومن ثم، تبطلها، وتلغي كل موادها وقراراتها في شأن الجزر، وموادها لا تعارض تسليح الجزر. لذا، فإنه لا يوجد ما يمنع قيام الجانب اليوناني بتسليح هذه الجزر.
- تنص القاعدة القانونية على عدم أحقية تركيا، في الاعتراض على تسليح جزر دوديكانس، لأنها ليست عضواً في اتفاقية باريس عام 1947، لأن أي اتفاقية في القانون الدولي، لا تفرض واجبات، ولا تعطي حقوقاً، إلا للدول التي وقعتها، ونتيجة لذلك، لا يحق لتركيا التدخل في سياسة اليونان، في هذه الجزر.
- ترى اليونان، أن من حقها الطبيعي القيام بجميع الترتيبات، لتأمين أراضيها، وترسيخ سيادتها القومية، إذا تعرض أمنها للخطر، خاصة بعد الغزو التركي لشمالي قبرص.
في ضوء هذه المبررات، قامت اليونان بتسليح العديد من هذه الجزر، بأسلحة ثقيلة، كالدبابات والمدفعية بعياراتها المختلفة (جزيرة ليسبوس). أو قامت بإنشاء مطارات عسكرية في جزر أخرى. الأمر الذي أدى إلى تفاقم الخلاف، وقيام الحكومة التركية بتجهيز "جيش إيجه".
الموقف التركي
ترفض تركيا سقوط الاتفاقات الدولية، التي حددت الوضع العسكري لهذه الجزر، لعدم وجود أي قرائن، أو مواد، في اتفاقية مونترو، تشير أو تنص على إلغاء معاهدة لوزان. وهددت بإعلان حالة الحرب بين الدولتين، إذا قامت الحكومة اليونانية بإنزال قوات عسكرية تابعة لها، في هذه الجزر، التي تقرر نزع سلاحها. وأكدت تركيا، أن أي خطوة في هذا الطريق تعدّ سبباً مباشراً للحرب.
رابعاً: الخلاف حول المجال الجوى وخطوط الطيران فوق بحر إيجه:
مشكلة تحديد المجال الجوي اليوناني، فوق بحر إيجه، هي واحدة من المشكلات المعلقة بين تركيا واليونان. وهي فرع لمشكلة بحر إيجه، ويدور حولها جدل كبير كما يلى:
- الخلاف حول مسافة المجال الجوي، أفقياً، نجم عن المادتين (1 و2) من اتفاقية شيكاغو Chicago لطيران المدني، الموقعة عام 1942، اللتين نصتا على أن المجال الجوي لأي دولة، هو ما فوق بحرها الإقليمي، وإقليمها الأرضي. وبما أن الجانب اليوناني، يدّعي أحقيته في مد بحره الإقليمي 12 ميلاً، إذا استدعى الأمر، فإنه يحق له، من ثم، مد مجاله الجوي 10 أميال، أفقياً، فوق بحره الإقليمي. وهو ما يرفضه الجانب التركي، بناءً على معارضته لأحقية اليونان في مد بحرها الإقليمي إلى 12 ميلاً بحرياً.
- أكدت تركيا، أنه لا حل للخلاف حول المجال الجوى، إلا بحسم مشكلة امتداد البحر الإقليمي. وأعلنت عدم موافقتها على مد اليونان مجالها الجوي لمسافة عشرة أميال.
- طالبت اليونان تركيا، رسمياً، بتسليمها خرائط الطيران المتعلقة بالسلاح الجوي التركي، حتى تتمكن أثينا من تنفيذ التزاماتها نحو تنظيم الملاحة الدولية، فوق مياهها الإقليمية، ومجالها الجوي، بمسافة 10 أميال بحرية، أفقياً. ورفضت تركيا، مستندة إلى الآتي:
|
أ.
|
إن الأربعة أميال، بعد الستة أميال، المجال البحري الإقليمي لليونان، تُعَدّ مجالاً جوياً دولياً. ولن تسلم أي خرائط أو خطوط طيران. ويقتصر تنفيذ ذلك على الستة أميال للبحر الإقليمي فقط.
|
|
ب.
|
إن اتفاقية شيكاغو (1942)، لتنظيم الملاحة الجوية، تنص على إعفاء الطائرات المملوكة للدولة، رسمياً، من شروطها، إذ إنها تقتصر على الطيران المدني فقط، وهو ما يؤكد عدم أحقية اليونان في طلبها.
|
جهود الوساطة في مشكلة بحر إيجه
أول هذه الجهود هو محاولة السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي، اللورد كارينجتون، الذي قدّم اقتراحاً لحل النزاع الإقليمي. إلا أن الحكومة اليونانية، أعربت عن اعتراضها على تحكيمه. أمّا رئيس وزراء تركيا، تورجوت أوزال، فقد أعلن أن البلدين ليسا في حاجة إلى وسيط. وكانت تركيا تفضل تسوية المشكلة من خلال مباحثات ثنائية، بدلاً من التوجه إلى محكمة العدل الدولية، خشية أن يكون حكمها في غير مصلحة تركيا.
وجّه البرلمان الأوروبي نداءً، من مقره في ستراسبورج، طالب فيه الطرفين بإبرام اتفاق فوري، يستهدف عرض المشكلة اليونانية، المتعلقة بتعيين الجرف القاري لبحر إيجه، على محكمة العدل الدولية، في لاهاي. ورحبت اليونان بالنداء، بينما رفضته تركيا أيضاً، لأنه كان، في نظرها، متحيزاً، ولا يعكس إلا وجهة نظر أثينا.
طالب الأمين العام للأمم المتحدة، دى كويلار، بممارسة أقصى درجات ضبط النفس في تلك الأزمة.
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنها لن تقف إلى جانب أي من الطرفين، في ذلك النزاع . ولن تفرض أي حل غير مقبول منهما .
-------------------------
|