إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / نظرية الأمن الإسرائيلي





نظام القبة الفولاذية
مقطع لمدينة القدس
التهديدات الخارجية المعادية لإسرائيل

أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في الجولان
أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في سيناء
المناطق العازلة
الأوضاع النهائية في فلسطين
الهجمات الإسرائيلية على سورية
الضربة الجوية كولمب
العمليات على الجبهة الأردنية
العملية العين (حوريب)
العملية عوفداه
العملية قادش المعدلة
ضربة صهيون
عملية السلام من أجل الجليل



نظرية الأمن الإسرائيلي

ثانياً: تطور نظرية الأمن الإسرائيلي، خلال الأعوام (2000 - 2009)

1. تطور النظرية، خلال الأعوام (2000 – 2005)

تميزت هذه الأعوام بظهور آلية جديدة لمراجعة السياسة الأمنية الإسرائيلية، وتأسيس ديناميكية فكرية لتطويرها. فقد عُقد مؤتمر "هرتزيليا" الأول في إسرائيل، بمشاركة أكثر من مائة مشترك من كبار الباحثين والسياسيين ورجال الحكم (سابقاً وحالياً)، من داخل وخارج إسرائيل، في ديسمبر 2000، لمعاينة التغيرات الإستراتيجية المحلية والإقليمية والدولية، والخروج بتوصيات بعنوان: "ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي". وتأخذ عادة الحكومة الإسرائيلية بهذه التوصيات لتنفيذها أو توظيفها، لإطلاق مبادرات، والإعلان عن توجهات ذات مغزى. والمتابع لتوصيات المؤتمر يجد أنها ترجمة للسياسة الأمنية الإسرائيلية حتى عام 2009 (اُنظر ملحق وثيقة مؤتمر هرتزيليا الأول، 19 – 21 ديسمبر 2000، ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي)

عجزت نظرية الأمن الإسرائيلي عن مواجهة تأثير الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، من حيث تهديدها للعمق والمجتمع الإسرائيلي، ومن ثم الأمن القومي. وقد تراجع الشعور بالأمن الشخصي، على مستوى الشعب الإسرائيلي، وتراجع معه مبدأ الحدود الجغرافية الآمنة، التي تعد إحدى ركائز نظرية الأمن، ما تطلب المناورة بالسياسة الأمنية لمواجهة مخاطر وتهديدات جديدة، أبرزها إمكانية تمدد مسرح العمليات إلى العمق الإسرائيلي (مشاركة عرب 1948)، وسهولة نسبية في الوصول إلى الأهداف الحيوية، وصعوبة السيطرة والتحكم في مسرح العمليات، نتيجة لتداخل المدني مع العسكري، والعجز عن المحافظة على المبادرة، وارتفاع التكلفة المادية والبشرية في المواجهة، ومحدودية استخدام واسع للقوة العسكرية، وانعدام الأمل في حسم المواجهة العسكرية. (اُنظر الانتفاضة الفلسطينية الثانية (الأقصى))

حوّلت الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة في الجنوب اللبناني، عام 2000، الأنظار عن مفهوم الحرب الخاطفة، وطرحت إمكانية حرب طويلة تعتمد على المواجهة المباشرة على الأرض. ولذا، نظر الإسرائيليون إلى الانتفاضة بوصفها حرب عصابات شعبية غير مسلحة، تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية معادية لإسرائيل، حيث هددت العمق الإسرائيلي، كما هددت البعد الوظيفي للجيش الإسرائيلي، الذي فقد هيبته في خوض حرب طويلة في فلسطين ولبنان. (اُنظر الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان)

إن عدم التوصل إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية، مع استمرار الانتفاضة، انعكس على عدم التوصل إلى صياغة نهائية للنظريات الأمنية، مع تناقض مواقف العديد من القيادات الإسرائيلية. فقد رأى بعضهم في عدم حل أو تصفية القضية الفلسطينية، دليلاً على عدم اكتمال مرحلة حرب الاستقلال الإسرائيلية، وتأكيداً على أهمية العودة إلى مرحلة الحسم العسكري للسيادة على العمق الإستراتيجي. وأشار "إرييل شارون" في أحد خطاباته إلى: "أن حرب الاستقلال لم تنتهِ، وأننا لم ننجز المهمة في حرب الاستقلال".

كما تعرضت السياسة الأمنية الإسرائيلية لانتقادات حادة لعجزها في مواجهة الأزمات الأخيرة، وأفول قدرة الردع الإسرائيلية، ما دعا شارون إلى المطالبة بسياسة أمنية جديدة، في خطابه أمام مؤتمر هرتزيليا، في 4 ديسمبر 2002. وكان أبرز ما ورد فيه، أن الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية تتطلب حرية التصرف في الحرب ضد الإرهاب، ومطالبة السلطة الفلسطينية بتنفيذ إصلاحات أمنية. كما تعهد شارون، لأول مرة، بإقامة دولة فلسطينية.

تطورت السياسة الأمنية الإسرائيلية إلى سياسة لإدارة الصراع مع الجانب الفلسطيني، وليس حله، لامتصاص الغضب الفلسطيني والضغوط الخارجية، وتفعيل عملية الجدار العازل، عام 2002، وتطوير القدرات العسكرية للتعامل مع القضايا الداخلية، والتخلص من الزعامات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بوضع سياسة اغتيالهم، أو وضعهم في السجون، ومعالجة محاور المقاومة ككل في الأراضي المحتلة. (اُنظر ملحق المحاور الرئيسية لخطة داغان (الثأر المبرر) السرية للتعامل مع المقاومة في فلسطين ولبنان، 25 يناير 2001)

كان ثمة دور للسياسة الأمنية الإسرائيلية في غزو العراق، حيث أسهمت إسرائيل دبلوماسياً واستخباراتياً في دفع الولايات المتحدة الأمريكية لغزو العراق، خاصة تزويدها بتقارير استخباراتية تُشير إلى امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. وكان الهدف الأساسي الإسرائيلي إزالة تهديد إستراتيجي قادم من العراق، وإخراجه من معادلة ميزان القوى الإقليمي، بما يحقق المحافظة على سيادة قدرة الردع الإسرائيلي بالمنطقة وتعزيزها. وخلال فترة الحرب وما بعدها، كان هناك دور إسرائيلي في المشاركة بالقوات الخاصة والاستخبارات شمال العراق، ودور آخر في عملية الإدارة المدنية للعراق المحتل.

كان لنجاح القوات الأمريكية في غزو العراق، ودروس الحرب منها، أثره في تطوير السياسة الأمنية على المستوى العسكري، لإحداث ثورة لتطوير الجيش الإسرائيلي، ليكون نموذجاً للجيش الأمريكي في غزو العراق خلال ثلاث سنوات. وكذلك ليكون أصغر حجماً وأكثر تزوداً بالتكنولوجيا، ويتلاءم مع التهديدات، ومتطوراً في فن الحرب والحرب النفسية.

برزت عدة فجوات في النظرية الأمنية الإسرائيلية عند عجزها في إيجاد حلول لمواجهة التهديدات الصاروخية العراقية، عام 2003، الموجهة للعمق الإسرائيلي. فقد عجزت إسرائيل عن نقل المعركة إلى أرض العراق، أو استخدام قوة الردع ضده، نتيجة لاتساع البعد الجغرافي للصراع. واستنتج المحللون الإستراتيجيون للأمن الإسرائيلي ضرورة إعادة هيكلة النظرية الأمنية، وبناء شبكة للإنذار المبكر، وزيادة القدرات الاستخباراتية البعيدة المدى، وتنظيم كافة الاحتياجات الأمنية في إطار نظرية إستراتيجية متحدة تتلاءم مع متغيرات المرحلة. وارتبط الأمر مع رفض إسرائيل لخريطة الطريق، عام 2003، لتعارضها مع المصالح الإسرائيلية. (اُنظر ملحق نص خريطة الطريق، لإقرار السلام في الشرق الأوسط وإقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005)

تبنت إسرائيل عقيدة أمنية جديدة مستوحاة من العقيدة الأمريكية في حرب العراق، هي "عقيدة الصدمة والرعب". وهي ترتكز على الحسم والردع، باستخدام قوة نيرانية هائلة بكافة الأسلحة مرة واحدة وبشكل مفاجئ، مع سرعة حسم المعركة بقوة، ومن دون النظر للرأي العام العالمي؛ لأن كل شيء مباح في الحرب، أسوة بالقوات الأمريكية، وظاهرة حروب القرن الحادي والعشرين في العالم.

خلال المرحلة الأخيرة حتى عام 2005، تحركت الإستراتيجية الإسرائيلية في وضع مريح، إلى حد ما؛ فبعد زوال الخطر الإستراتيجي العراقي، تضاءل الخطر الإستراتيجي السوري، كما أن الوجود العسكري الأمريكي بالعراق يمنع أي تحالف إستراتيجي محتمل معادٍ لإسرائيل، يضم سورية ولبنان أو العراق وإيران؛ بل إن الاحتلال سوف يضع كل الأطراف تحت ضغوط مستمرة تمنع أي جهة بالمبادأة بالهجوم على إسرائيل، ويجعل كل طرف في موقف دفاعي. كما أن تفكك الجبهة الشمالية، بعد انسحاب سورية من لبنان، سوف يحسن الأوضاع الإستراتيجية، وربما يفتح حواراً مع سورية على أساس مبدأ الأمن مقابل الأمن، بدلاً من الأرض مقابل السلام، وخاصة مع انحسار في أبعاد الإرهاب الفلسطيني، خاصة بعد وفاة "ياسر عرفات"، وتحسن في العلاقات الإسرائيلية مع مصر والأردن، بعد وضعهما في دائرة الضغط السياسي على الفلسطينيين، وعزم الأسرة الدولية على كبح جماح البرنامج النووي الإيراني، والانسحاب الأحادي من قطاع غزة عام 2005. بعد حصول إسرائيل على ورقة ضمانات أمريكية، عام 2004، بشأن القضية الفلسطينية. (اُنظر ملحق نص وثيقة فك الارتباط الإسرائيلي عن قطاع غزة، أبريل 2004)

واجهت النظرية الأمنية عام 2005، العديد من التحديات والتهديدات، أهمها: مقام إيران في مقام التهديد الوجودي الأكبر لإسرائيل، بسبب دعوتها إلى تدمير إسرائيل، وبتطويرها وسائل عسكرية ذرية وصاروخية، ودعمها لأنشطة إرهابية ضد إسرائيل، وصعود قوة "حماس" في السلطة التنفيذية الفلسطينية، وتصاعد الإرهاب واقترابه من حدود إسرائيل، والانهيار المستمر للنظام السوري، ومواجهته للولايات المتحدة الأمريكية؛ كما عدت الوثيقة "القدس" مكوناً أساسياً في أمن إسرائيل القومي.

تركزت السياسة الأمنية في التحرك الأحادي الجانب للانسحاب من قطاع غزة، وتجميد خطة خارطة الطريق، وخلق تأييد نسبي إسرائيلي لقيام دولة فلسطينية، مدفوع بعوامل المصلحة الإسرائيلية لبقائها كدولة يهودية تتمتع بشرعية دولية، إضافة إلى حل مشكلة عودة اللاجئين بعيداً عن كاهل إسرائيل، حيث لا مكان لحل آخر يستند إلى عودة، ولو جزئية، إلى إسرائيل.

تلاحظ خلال عامي (2004 ـ 2005) تحرك السياسة الإسرائيلية تجاه منطقة البحيرات العظمى والقرن الإفريقي، بوصفها جزءاً من نظرية الأمن الإسرائيلي. وجاء التحرك مع إريتريا، وإثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، وجنوب إفريقيا، والكونغو الديموقراطية، وليبريا، وروندا، وأنجولا، ونيجيريا. وتتمثل الأهداف الإسرائيلية في تعزيز وضعها الإستراتيجي في القارة الإفريقية، وتحقيق أهداف اقتصادية وأمنية، وأهدافاً أخرى مرتبطة باختراق الأمن القومي العربي ومحاصرته، من خلال بناء علاقات وثيقة مع دول الجوار الجغرافي مع العالم العربي، ومنع تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عربية، وتفكيك العلاقات العربية الإفريقية، ومن ثم إضعاف الدول العربية. وعلى المسار نفسه، سعت إسرائيل إلى خلق الأزمات لبعض الدول العربية، خاصة وجودها في جنوب السودان ودارفور، ودورها في إقامة سدود مائية في إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا، وتأثيرها على محاولة الإقلال من تدفق مياه النيل إلى مصر.

2. تطور النظرية، خلال الأعوام (2006 – 2009)

تُعد حرب لبنان عام 2006 من أبرز الأحداث التي هزت نظرية الأمن الإسرائيلي والقيادات السياسية والعسكرية، بل والمجتمع الإسرائيلي. (اُنظر يوميات الحرب اللبنانية ـ الإسرائيلية، يوليه 2006)، واستمرار تواصل آثارها الارتدادية لسنوات بعدها، على شكل أزمات سياسية وعسكرية إسرائيلية. فقد أطاحت هذه الحرب بثلاثة من قادة الفرق وقائد الجبهة الشمالية خلال الحرب، ثم استقالة وزير الدفاع "عمير بيريس"، ورئيس أركانه "دان حالوس"، وقائد سلاح البحرية. واختلفت الآراء الإسرائيلية في وصفها بأنها "نصف نصر"، وأخرى وصفتها بالهزيمة والفشل في تحقيق الأهداف. أما تقرير لجنة "فينوجراد" فقد وصفها بالإخفاقات والعيوب الخطيرة للمستوى السياسي والعسكري في عمليات اتخاذ القرار والتنسيق والعمل الجماعي، وإخفاقات القيادة العسكرية في الاستعداد والجاهزية والقرارات وانعدام التفكير والتخطيط الإستراتيجي، وحماية الجبهة الداخلية. (اُنظر النص الحرفي لمقتطفات من تقرير لجنة فينوجراد)

تتركز إخفاقات نظرية الأمن الإسرائيلي خلال حرب لبنان 2006، في التراجع التدريجي لأهداف إسرائيل من شن الحرب (من القضاء على حزب الله إلى إضعافه، ثم إلى إزاحته شمال نهر الليطاني)، وفشل القدرة العسكرية في شن الحرب على الرغم من استخدامها المفرط للقوة النيرانية ضد أهداف مدنية وعسكرية، والتي أطلقت عليها الأدبيات الإسرائيلية "عقيدة الضاحية"، نسبة إلى التدمير الكامل للضاحية الجنوبية في بيروت، المعقل الرئيسي لحزب الله في العاصمة بيروت، وفشل نظرية الحرب الخاطفة كأحد مكونات العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وفشل الاستخبارات الإسرائيلية في تكوين صورة كاملة عن حزب الله، والاعتماد المتزايد على تكنولوجيا التسليح في مواجهة مقاتلين محدودي العدد والتسليح. عززت الحرب من خيار المقاومة في لبنان وفلسطين ومناطق أخرى، كما ظهر فشل إستراتيجية الردع ونقل المعركة إلى أرض الخصم، وتقصير أمد الحرب، وثلاثتهم من ركائز نظرية الأمن الإسرائيلي.

أما أخطر تداعيات الحرب، فكان في ضعف الجبهة الداخلية وهشاشتها، وظهور مخاوف حقيقية لدى المجتمع الإسرائيلي على بقاء واستمرار كيان الدولة، وقدرة إسرائيل على البقاء في ظل وجود تهديدات بمستوى صواريخ حزب الله، أو مستقبلاً بمستوى تهديد أكبر من سورية وإيران. وكان هناك إجماع بأن إسرائيل لا يمكنها أن تتعايش مع واقع عدم تحقيق انتصار في أي حرب مقبلة.

وكان من تداعيات حرب لبنان، عام 2006، وجود أزمة قيادة سياسية وعسكرية، وعدم ثقة بالقيادات الموجودة، الأمر الذي انعكس على ضياع للخطاب السياسي للدولة، والأخطر تراجع قياس الوطنية والمناعة القومية في إسرائيل، حيث يرى ثلثا الجمهور اليهودي نفسه وطنياً.

اجتمع أهل الفكر اليهودي والإسرائيلي، في يناير 2007، لوضع اتجاهات جديدة للخطاب السياسي الإسرائيلي، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وكان من أبرز الموضوعات وضع بدائل جيو ـ إستراتيجية في الساحة العالمية، ووضع اتجاهات جديدة لتعزيز قدرة الجيش الإسرائيلي، وإنعاش الحوار الأمريكي ـ الإسرائيلي، ومواجهة إيران النووية، وتغير بنية النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وتحديات السياسة الخارجية مع أوروبا، وأزمة الجيل القادم، وأهم التحديات أمام القيادات الشابة، والهوية اليهودية كمناعة قومية، ومواجهة اللاسامية، ومحاربة ظاهرة إلغاء شرعية الدولة اليهودية، والمعركة على الرأي العام، وتطوير الجليل (شمال إسرائيل) بشراكة عربية ـ يهودية.

جاء التطور الجدي في نظرية الأمن الإسرائيلي، تعبيراً عن الرؤية الجديدة، حول العديد من القضايا؛ فعلى سبيل المثال، حل القضية الفلسطينية لن يؤدي إلى حل مشاكل وقضايا المنطقة. واقترح "نتنياهو" في كلمته أمام أحد المؤتمرات الأمنية، "قلب الصيغة، أي حل جميع مشاكل المنطقة يؤدي إلى حل القضية الفلسطينية، وضرب مثالاً بأن كبح جماح إيران سوف يعزل حزب الله وحماس، و"عندها سيكون بالإمكان بناء علاقات سلام مع الفلسطينيين". وتحليل رأي نتنياهو في جوهره يعني تصفية المشكلة، ولذلك أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية بعد حديثه، إلى أن حل المشكلة الفلسطينية يجب أن يمر بطهران، أولاً، للوصول إلى القدس. واجتمعت اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي على التحصن وراء مواقفها، إلا إذا اختارت شن الحرب، وأن تكتفي بإدارة الصراع لا أن تتطلع إلى إنهائه.

تطورت نظرية الأمن الإسرائيلية، لبلورة مفهوم أمني جديد، يتركز حول حماية الجبهة الداخلية من خطر الإرهاب، وتحديد جهة مسؤولة عنه، وتطور مفهوم الأمن التقليدي، الذي يعتمد على مثلث الأمن "الإنذار والردع والحسم"، لارتباطه بواقع المعركة ضد الإرهاب، كما أن التحدي الأمني أمام إسرائيل يختلف، الآن، عن المرحلة السابقة، والتي كان فيها الخطر المركزي هو مواجهة تقليدية لجيوش نظامية. أما الآن فقد زاد وزن المواجهة فوق التقليدية، من خلال أسلحة غير تقليدية، والمواجهات تحت التقليدية (الإرهاب والجماعات المسلحة)، وتغير مفهوم الردع والحسم العسكري لعدم فعاليته في مواجهة الإرهاب والجماعات المسلحة، والتغير المطلوب يكون في المفهوم وتكنولوجيته. أما في مجال النظرية الإستراتيجية، فالأمر يتطلب تعريفاً جديداً لمصطلحي "الانتصار" و"الردع"، من وجهة نظر إسرائيل.

رسمت القيادة السياسية والعسكرية، لتطوير الجيش الإسرائيلي، في مايو 2008 خطة طويلة الأمد باسم "إسرائيل 2028"، وتغطي التخطيط الإسرائيلي لعشرين عاماً قادماً، في موضوعات الاقتصاد، والمجتمع، والسلطة، والإدارة العامة، والعولمة، والعلوم، والتكنولوجيا؛ إضافة إلى خطة "تيفين" التي صادق عليها رئيس الأركان الإسرائيلي، في 3 سبتمبر 2007، وتغطي الفترة من 2008 – 2012، لتسليح القوات المسلحة. وتدور محاور الخطة حول المحافظة على حجم قوات الجيش الحالية وتشكيلاتها، وتعزيز الردع، وتطور قدرة المناورة البرية، وتعزيز عناصر وقيادات تفعيل القوة، وتعزيز القدرة الدفاعية، والاستثمار في مضاعفات القوة القتالية، والمحافظة على التفوق النوعي، وذلك لمواجهة التحديات المقبلة والقدرة على العمل في مسارح العمليات في سورية ولبنان وإيران. (اُنظر ملحق الخطة الخمسية للجيش الإسرائيلي "تيفين 2012" (2008 – 2012))

أشار أحد التقديرات عن معهد سياسي إسرائيلي معروف، إلى مفهوم جديد للأمن، يتمحور حول إيجاد حلول عسكرية ـ تكنولوجية لمواجهة تحديات الأمن القومي الإسرائيلي، وأن لا بديل غير الحل العسكري للتعامل مع الخطر الإيراني، والاستعداد مرة أخرى لمواجهة العراق بعد الانسحاب الأمريكي منها، على الرغم من وجود حلول سياسية ودبلوماسية لمعظم التحديات الكبرى التي يواجهها الأمن القومي الإسرائيلي. كما أشار رئيس الحكومة الإسرائيلية "إيهود أولمرت" في كلمته أمام معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، خلال مؤتمر تحديات أمنية، الفترة 11 – 13 ديسمبر 2007، بأنه "لا بديل عن قوة الحسم العسكري مع أعداء إسرائيل".

خلال عام 2007/2008، واجهت إسرائيل عدداً من التحديات، كان أبرزها إعادة الحسابات السياسية والعسكرية والأمنية بعد حرب لبنان 2006، في ظروف أزمة القيادة والصراعات الحزبية، وتبادل الاتهامات، إضافة إلى انتخاب الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، وما يحمله من آراء مختلفة في بعض القضايا الدولية، الأمر الذي تطلب مراجعة جديدة للسياسة الخارجية والتحرك المكثف على الساحة الأمريكية، وكذلك انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين واليمين المتطرف، وإفلاس تام لليسار الإسرائيلي، وسيادة مفهوم القوة في النظرية الأمنية الإسرائيلية.

ركز الفكر الأمني الإسرائيلي والفكر اليهودي العالمي لتطوير نظرية الأمن، أولاً على بحث القضية الفلسطينية والعربية، وإعادة طرح فكرة تبادل الأراضي كوسيلة لحل النزاعات الإقليمية بين إسرائيل وجيرانها (اُنظر ملحق وثيقة إسرائيلية لخطة تبادل الأراضي في إطار الحل الإقليمي للصراع العربي ـ الإسرائيلي)، وثانياً حول "القدس" كمسألة مركزية في مناعة إسرائيل القومية، وثالثاً في مسؤولية الحكومة تجاه الدمج والمساواة بين اليهود والعرب في إسرائيل، وآخرها كان: إسرائيل في عامها الستين، وهل مناعتها أبدية؟ إضافة إلى تصاعد التهديد المباشر على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، خاصة بعد تلاشي وعدم فاعلية المفاهيم الأمنية الخاصة بالجبهتين الخارجية والداخلية.

وعلى الرغم مما طرحته النظرية الأمنية الإسرائيلية من تطورات كبرى بعد حرب لبنان 2006، إلا أنها كررت أخطائها السابقة نفسها في الحرب على غزة (27 ديسمبر 2008 – 17 يناير 2009). وأشار مسؤولون إسرائيليون إلى إنجازات الحرب في خلق ردع طويل الأمد، ما شكل حماية للجبهة الداخلية في الوقت نفسه، وذلك بعد إضعاف حماس وسيطرتها على قطاع غزة، وتراجع عمليات تهريب الأسلحة إلى غزة، وحدوث تطورات أخرى، مثل تغير في موقف مصر إزاء "حماس" إلى درجة يمكن أن تراها عدواً قومياً وتهديداً وطنياً. وكان التطور الآخر في اتساع القوى العربية التي ترى أن حماس ذراع إيرانية بالمنطقة، وآخرها كان وجود استعداد دولي غير مسبوق لمعالجة المشكلة. وعلى الجانب الآخر، كان هناك العديد من الانتقادات حول نظرية الأمن الإسرائيلي، خاصة فشل ميزان الردع في مواجهة "حماس"، وفشل مبدأ نقل الحرب إلى أرض العدو، إضافة إلى تهديد الجبهة الداخلية، وعدم تحقيق الحرب أهدافها. كما أن إنجازاتها السياسية والعسكرية أقرب إلى الصفر، فضلاً عن عرقلة مستقبل العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.

كان من نتيجة الاستخدام المفرط للقوة في الحرب على غزة 2008/2009، والخسائر المادية والبشرية التي لحقت بالقطاع، وإدانة المجتمع الدولي لإسرائيل، تشكيل لجنة تابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، برئاسة القاضي "ريتشارد جولدستون"، لتقصي الحقائق في قطاع غزة وإسرائيل، في أبريل 2009. وإعداد اللجنة تقريراً يتهم إسرائيل بانتهاك القانون الدولي العرفي، الذي يمكن أن يشكل جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية. (اُنظر ملحق تقرير لجنة جولدستون، وتطورات أحداثها).

وسواء أخذ تقرير جولدستون طريقه إلى مجلس الأمن والمحكمة الدولية، أو لم يأخذ طريقه نتيجة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية على المجتمع الدولي، إلا أنه شكل صفحة سوداء في تاريخ إسرائيل. والأهم هنا هو العودة بنظرية الأمن الإسرائيلي إلى الوراء، لتتخلى عن مبدأ الردع والحسم العسكري، والإفراط في استخدام القوة ضد الجماعات المسلحة، والتخلي عن شن حرب طويلة على غرار حرب لبنان 2006، التي استمرت 33 يوماً، والحرب على غزة 2008/2009 التي استمرت 23 يوماً. كما اعترف رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" عندما قال: "يد إسرائيل في الحروب المقبلة لن تكون طليقة".

على أثر تداعيات تقرير القاضي "جولدستون"، والتحركات العربية، والموقف الأمريكي ـ الأوروبي، تصاعدت المخاوف الإسرائيلية من اتهامها بالتفرقة العنصرية، ومواجهة التهديد بنزع الشرعية والتشكيك بعدالة الوجود اليهودي في أرض إسرائيل، ورؤيتها حول تحول الموقف الأمريكي والأوروبي، نتيجة وجود بؤر بهما تكره إسرائيل، الأمر الذي دفعها إلى تبني الدبلوماسية المتعددة الأطراف لتعزيز العلاقات مع الدول العظمى المحتملة مستقبلاً، مثل الصين والهند وروسيا، وسعيها لإعادة تنظيم اللوبي اليهودي في أوروبا، خاصة بريطانيا، لتفعيل دوره في صنع القرار.

كان من نتيجة تولي حكومة إسرائيلية يمينية، ووجود تحديات جديدة أمام الأمن الإسرائيلي خلال عام 2009، والمناورة بالسياسة الأمنية الإسرائيلية لتطوير نظرية الأمن الإسرائيلي. وتركز ذلك حول الآتي:

أ. على المستوى الداخلي

(1) استكمال المشروع الصهيوني في تنشيط الهجرة لاستيعاب يهود العالم، بسبب تراجع الهجرة إلى إسرائيل، وزيادة الهجرة المعاكسة منها إلى الخارج (اُنظر ملحق أزمة الهجرة من وإلى إسرائيل، حتى عام 2008 طبقاً لتقديرات الوكالة اليهودية)، والتمسك بيهودية الدولة لضمان أمنها البنيوي اجتماعياً وقومياً.

(2) الدعوة لوضع سياسة أمنية جديدة للتعامل مع فلسطيني 48، لوجود قلق إسرائيلي حول احتمال دخولهم في الصراع، أو اتحادهم مع حماس والجهاد في غزة.

ب. على مستوى القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الإسرائيلي

(1) ثمة قناعة إسرائيلية بأن السلام الدائم لن يتحقق في الدورة الأولى من حكم الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، وعلى إسرائيل أن تتبنى سياسة إدارة الصراع وليس حل الصراع، وفي الوقت نفسه، الحصول على أكبر قدر من المكاسب لخدمة المصالح الإسرائيلية والمشروع الصهيوني، على المستوى الفلسطيني والعربي.

(2) عرقلة جهود حل القضية الفلسطينية والأراضي المحتلة، وفرض أولوية الاعتراف العربي والفلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية مقابل وقف مؤقت للاستيطان، وربط التوصل إلى أي سلام بحقوق مزعومة للاجئين اليهود الذين قدموا من دول عربية، وحصولهم على ظروف وشروط مماثلة للاجئين الفلسطينيين[1].

(3) اختلفت الآراء حول الأمن الإقليمي وموقع إسرائيل فيه؛ فهناك من يرى استبدال العمق الإستراتيجي الجغرافي بالسلام، الذي يوفر عمقاً اقتصادياً وبنيوياً، مع بقاء التفوق العسكري كصمام أمان رادع ضد احتمالات الحرب؛ والرأي الآخر خاص بنتنياهو في أهمية إقامة تحالفات إقليمية وتطبيع للعلاقات وشراكة مصالح (طوعاً أو قسراً) مركزها إسرائيل، لمواجهة التهديدات المشتركة. وشعار نتنياهو هو: أمن إسرائيل المطلق شرط للسلام مع العرب، وأن أي سلام لن يجلب الأمن الحقيقي لإسرائيل.

(4) هناك إجماع وطني على عدم العودة إلى حدود 1967، وعدم السماح بقيام دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، والتمسك باستمرار احتلال الضفة الغربية، وأي تسوية قادمة يجب أن تخضع لثلاثية متلازمة: "التسوية، الأمن، الردع".

(5) أشارت مذكرة للخارجية الإسرائيلية، في أكتوبر 2009، إلى تغير الأولويات للتعامل مع الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لجعله في مرحلة متأخرة، وأن أفضل نتيجة ممكنة هي الوصول إلى "اتفاق مرحلي بين الأطراف"، لا يتطرق إلى سقف زمني أو قضايا الحل النهائي مثل القدس واللاجئين، وأن السيناريو القبرصي هو الأمثل لتسوية المشكلة الفلسطينية، وهو أمر أكدته وثيقة الغايات العليا للخارجية الإسرائيلية لعام 2010، والتي وضعت "تعزيز الأمن القومي" على رأس أولويات وزارة الخارجية، يليها في سلم الأولويات "إحباط التهديد الإيراني"، ثم تعزيز الدبلوماسية الثنائية مع الدول العظمى الجديدة، وهي الصين والهند وروسيا والبرازيل. أما الغايات الثانوية، فتشمل إدارة الصراع ووضع عمليات واتفاقيات، وتعزيز الردع ومحاربة نزع الشرعية عن دولة إسرائيل، مع عدم ورود كلمة فلسطين أو سورية في الوثيقة. وتجاهلت الوثيقة المفاوضات مع سورية، وحل المسألة الفلسطينية القائم على أساس حل الدولتين، وقللت من أهمية إقامة علاقات ثنائية مع الدول العربية.

(6) طرحت بعض المصادر الإسرائيلية، في أغسطس 2008، أفكاراً جديدة للتسوية، في رؤية بديلة عن حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، بإقامة الاتحاد الإسرائيلي ـ الفلسطيني (1 – 2 – 7) بمستويات مختلفة، لإقامة دولتين قوميتين ديموقراطيتين، وإدارة مشتركة للقدس الموحدة كعاصمة للاتحاد، تقوم على التكافؤ في التمثيل، وتشكيل سبعة أقاليم، أو دولة فيدرالية لكل منها استقلال نسبي، ويمكن استيحاء النموذج الأوروبي، خاصة المؤسسات الفيدرالية الألمانية.

ج. على المستوى الإقليمي

(1) إعطاء أهمية للتطبيع مع الدول العربية مقابل التجميد المؤقت للاستيطان. وترى المصادر الإسرائيلية أن ثمة مصالح إسرائيلية ـ عربية مشتركة، وموافقات من بعض الدول العربية على التطبيع.

(2) أشارت دراسة إسرائيلية، في أبريل 2009، إلى وجود مخاوف إسرائيلية من انهيار أنظمة الاعتدال العربي الإسلامي، ما يؤدي إلى نشوء مخاطر جديدة على الدولة العبرية.

(3) منع أي تقارب أمريكي ـ إيراني، يقود إلى قبول الأمر الواقع في إيران.

د. على المستوى الدولي

ارتكزت السياسة الأمنية الإسرائيلية على مصطلح "توسع" على صعيد الفاعلين الدوليين، مثل الصين والهند وروسيا، أو مع تنظيمات غير رسمية، أو على صعيد توسع حيز القوة من قوة صلبة إلى ناعمة وذكية، وتعزيز التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، ونظام الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

في إطار سياسة التوسع، انطلقت السياسة الخارجية لتعزيز العلاقات مع بعض دول وسط إفريقيا وأمريكا اللاتينية. فانطلق وزير الخارجية الإسرائيلي "أفيجور ليبرمان"، بصحبة 20 من رجال الأعمال والأمن، في زيارة خارجية، بدأت في 2 سبتمبر 2009، إلى البرازيل، وإثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، ونيجيريا، وأنجولا، لتوفير غطاء سياسي للنشاط الاقتصادي والأمني الإسرائيلي في تلك الدول، خاصة عقد صفقات للسلاح، وتسويق للخبرات العسكرية والأمنية.

كشفت صحيفة لوفيجارو الفرنسية، في 8 سبتمبر 2009، أمر زيارة "ليبرمان" لدول إفريقية، ترتبط بمخطط إسرائيلي جديد للسيطرة على مياه نهر النيل، بعد الإغراءات التي تقدمت بها إسرائيل للدول الإفريقية في السنوات الماضية لإثارة القلاقل مع مصر، وإعادة توزيع مياه نهر النيل. وتعد زيارة "ليبرمان" الأخيرة لدول منابع النيل بمثابة ضغط وإغراءات على إثيوبيا لبناء سدود على النهر، لتخفيض حصة مصر من المياه. وقد زارت لجان من أوغندا ورواندا إسرائيل، خلال 16 – 20 أغسطس 2009، لبحث إقامة مشروعات تنموية وزراعية، برعاية منظمة مشروع التبادل التابعة للجنة الأمريكية اليهودية، إحدى أكبر منظمات الإيباك في الولايات المتحدة الأمريكية. كما وقع "ليبرمان" اتفاقاً للتعاون المائي مع كينيا، في 3 سبتمبر 2009. ولم تكن جولة "ليبرمان" الإفريقية، خاصة مع دول المنبع، مصادفة في مرحلة وجود خلافات مصرية مع دول المنبع حول إعادة تقسيم مياه النهر، ومطالبة أوغندا وكينيا بهذه الإعادة للتقسيم، أدت إلى فشل محادثات كينشاسا، في يونيه 2009، والإسكندرية، في يوليه 2009، للمجلس الوزاري لدول حوض النيل. وما إن انتهت تلك المحادثات، أعلنت إسرائيل عن موافقتها على إنشاء ثلاثة سدود على نهر النيل في أوغندا، ومشاريع زراعية أخرى لاستغلال المياه المخزنة خلف هذه السدود.



[1] أقر الكنيست الإسرائيلي قانون "حقوق اللاجئين اليهود"، في نوفمبر 2009، كما سبق صدور قرار من الكونجرس الأمريكي، في فبراير 2008، ينص على أن هؤلاء النازحين اليهود هم لاجئون وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. وأشارت جريدة معاريف، في 11 نوفمبر 2009، أن عددهم يصل إلى 1.5 مليون لاجئ يهودي.