إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / حركة الإخوان، في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود (1910 ـ 1930)






معركة أم رَضَمَة
معركة الجهراء (الجهري)
معركة السَّبَلَة
معركة تربة (حَوْقَان)
معركة تربة الكبرى
فتح الطائف



القضاء على حركة الإخوان

القضاء على حركة الإخوان

خـرج الملك عبدالعـزيز على رأس قوة من الرياض في 22 رمضان 1347هـ/ 5 مارس 1929م، وقصد مدينة بريدة. فأقام بها، حتى لحقه ابنه الأمير سعود ببقية القوات. وعند وصول الأمير سعود إلى النبقية، من قرى القصيم، خرج إليه والده الملك عبدالعزيز من بريدة، وتجمعت لديه حشود من حضر نجد، ومن بوادي حرب وقحطان وسبيع من الإخوان، وقسم من عتيبة. وارتحل الملك مع قواته إلى الزلفي، لمقابلة قوات الإخوان. وكانت قوات الإخوان التابعة لكل من ابن بجاد وفيصل الدّويش، قد تحركت بدورها صوب الأرطاوية، وبلغ قوامها أربعة آلف مقاتل. وبقي ضيدان بن حثلين ومعه العُجْمان في الأحساء، متمردين من ناحية الشكل ولكنهم لم يبذلوا جُهْداً للمشاركة في مواجهة عسكرية مكشوفة. وتمركزت قوات الفريقين على بعد عدة أميال من بعضها بعضاً، في ساحة منبسطة لا يعترضها سوى ارتفاعات طفيفة في سطح الأرض، في منطقة تُسمى "روضة السّبَلَة"، تقع بين عاصمة الإخوان في الأرطاوية، وبلدة الزلفي إلى الشرق منها.

وبدأت الفرقتان المتعارضتان تستقران، كلٌّ في معسكره، ولم يكن هناك إيحاء بقرب وقوع أي اشتباك. وبدأت مفاوضات بين الطرفين. وفي البداية، أرسل الملك عبدالعزيز شيخاً وقوراً، هو الشيخ عبدالله العنقري، أحد علماء نجد البارزين، إلى معسكر الإخوان، لمحاولة إقناعهم بالرضوخ للتحكيم، القائم على الشريعة. وباءت هذه المحاولة بالفشل. ثم أرسل سلطان بن بجاد مساعده الشيخ ماجد بن خثيلة، ومعه رسالة إلى الملك عبدالعزيز. وانتهت هذه المحاولة، كذلك، إلى الفشل.

وبعد أن فشلت محاولات الشيخ العنقري وابن خثيلة، حضر فيصل الدّويش نفسه إلى معسكر الملك عبدالعزيز. وتزعم بعض الروايات، أن فيصل الدّويش وعد الملك عبدالعزيز، أنه سوف يرسل إليه رد الإخوان المتمردين على مطالبه في تلك الليلة، ولكن لم يصل أي رد. وقد أوردت جريدة أم القرى الواقعة، على النحو الآتي: "وآخر الأمر قدم إلى جلالته فيصل الدّويش، ليفاوض جلالته بالعفو والصفح عن المجرمين. فأعطاه جلالته أماناً على رقابهم وأموالهم، وأن يحكم الشريعة في أعمالهم، فسار الدّويش على أن يرسل الجواب من ليلته فلم يرسل". وهناك بعض الروايات تقول: إن الدّويش لم يقسم على الولاء للملك عبدالعزيز فحسب، وإنما وعد بمحاولة إقناع ابن بجاد بالتخلي عن التمرد. وأنه إذا لم ينجح في ذلك، فسوف يعود مسالماً إلى الأرطاوية.

1. معركة السّبَلَة (انظر ملحق معارك الإخوان)

أصبحت المواجهة حتمية بين الفريقين، ففي صباح 19 شوال 1347هـ/ 30 مارس 1929م شنّ الملك عبدالعزيز هجومه على قوات الإخوان، وكانت تلك القوات تفوق قواته بنسبة لا تقل عن ثلاثة أضعاف. وقد وصفت جريدة "أم القرى" المعركة، على النحو التالي:

"ولما وصل إلى جلالته إعراضهم، نادى على فرسه فأُسرجت، وتقلد بندقيته، وشدّ على وسطه محزمه، وسار تحف به كواكب الفرسان.

لقد كان للمعركة منظر عجب، فقد جعل الجند صفاً واحداً على طول ثلاثة أميال أو أكثر، وراياتهم تخفق بين الجموع. واستلم جلالته قيادة القلب. وجعل على خيالة الميسرة أكبر إِخوته سمو الأمير محمد بن عبدالرحمن، وعلى خيالة الميمنة أكبر أنجاله سمو الأمير سعود، وقاد الفرسان عبد المحسن الفرم من شيوخ حرب.

وكان الإخوان قد اتخذوا لهم معاقل ومعاصم اعتصموا بها، فلما اقترب الجمعان وابتدأت المعركة بين المشاة، سار أنجال جلالته وأنجال إِخوته، وأبناء عمومته في مقدمة الخيل وأقدموا إقداما المستميت، حتى كسروا خيل الإخوان وقطعوا ظهور المشاة، وما هي إلاّ نصف ساعة حتى ارتد الإخوان على أدبارهم، وتعقبتهم القوات، فمن ألقى سلاحه سلم؛ ولم يمض إلاّ ساعة حتى كانت المعركة قد انتهت بفشل الإخوان، وانخذالهم وانكسارهم.

وبعد أن انتهت هذه المعركة الفاصلة، عاد جلالته، على فرسه، وهو يحمد الله ويشكره على تأييده ونصره، ثم أخذ ينظر في أمر الجند، وتسريحه، وتدبيره.".

لم تستغرق المرحلة الحاسمة من المعركة سوى نصف ساعة، فقط، اتضح بعدها، أن الإخوان عاجزون عن تحقيق النصر، وقد استسلم بعضهم. وبعد ذلك بساعة واحدة، انتهى القتال وتفرقت جموع الإخوان.

وهرب فيصل الدّويش، من ميدان القتال، بعد أن جُرح جرحاً بليغاً. وتمكن، بمساعدة رفاقه، الوصول إلى الأرطاوية، وهو ينزف دماً.

ثم رجع به رفاقه، ثانية، إلى الملك عبدالعزيز، يحيط به أولاده ونساؤه يبكين ويشفعن فيه عند الملك، ويطلبن العفو والسماح[1]. ووعد الملك عبدالعزيز بالإبقاء على حياتهم، شرط أن يخضعوا لحكم الشرع، وأخذ عليه العهد بالطاعة. ونظراً لأن إصابة فيصل الدّويش كانت بالغة، فأمر طبيبه الدكتور مدحت شيخ الأرض بمداواته، وسمح له الملك عبدالعزيز بالعودة إلى الأرطاوية، على أن يسلم نفسه إلى الرياض، عندما يشفى.

أمّا سلطان بن بجاد، فقد هرب إلى الغطغط. وأرسل الملك عبدالعزيز كتاباً إليه يطلب فيه، تسليم نفسه وجميع من معه، إمّا في الرياض أو في شقراء، بدلاً من معسكر الملك عبدالعزيز، خشية أن يتعرض لغضب القوات عليه. وأرسل الملك عبدالعزيز أخاه عبدالله بن عبدالرحمن (وقيل ابنه سعود) إلى تلك الهجرة، فدكها ودمرها عن بكرة أبيها. واستسلم سلطان بن بجاد في شقراء، فأمر الملك عبدالعزيز بسجنه في الرياض. ثم نقل بعد ذلك إلى سجن الأحساء، الذي قبع به حتى توفي عام 1353هـ/1934م.

أما ضيدان بن حثلين، الذي لم يشارك مشاركة فعالة في التمرد، واحتفظ بقواته في الأحساء، فقد ظل بعيداً عن الصدام المباشر مع الملك عبدالعزيز. ولكن الملك عبدالعزيز أمر عبدالله بن جلوي أمير الأحساء بتأديب العجمان.

2. ما بعد السّبَلَة

بعد أن انتهت معركة السّبَلَة، رأى الملك عبدالعزيز عدم مطاردة المتمردين، على أمل أن يعودوا إلى رشدهم، خلال الفترة التي عاد فيها إلى الحجاز، لأداء فريضة الحج في عام 1347هـ/1929م(انظر ملحق خطاب الملك عبدالعزيز عقب انتصاره على الإخوان، في معركة السّبَلَة). وكان يأمل أن يتدبروا، كذلك، خلال تلك الفترة، أخطاءهم ويتعرّفوا بها. ونظراً إلى عدم استكمال النصر، واجتثات مشكلة التمرد من جذورها، اضطر الملك عبدالعزيز لأن يعود، من الفور، لإخماد تمرد آخر. وفي هذه المرة، دفع بكل جهوده وقدراته العسكرية إلى المعركة.

أ. مقتل ضيدان بن حثلين

وقع حادث يخص قبيلة العجمان، أدى إلى إضرام النار في منطقة الأحساء بكاملها. كما وحّد عناصر الإخوان، من البدو، في مواجهة الملك عبدالعزيز. ومهما يكن من أمر، فإن ما حدث، كان بمثابة عامل مساعد للتمرّد الجديد، فضلاً عن أنه وسّع مجال المشاركين في التمرد وزاد من أعدادهم.

والذي حدث، أنّ أمير الأحساء عبدالله بن جلوي، طلب ضيدان بن حثلين للمثول عنده في الأحساء، ولكنه رفض. فأرسل ابن جلوي ابنه فهداً، وبصحبته نايف بن حثلين الملقب بأبي الكلاب (ابن عم ضيدان بن حثلين، ولم يكن مشاركاً مع العجمان في التمرد) وقواتهما، لأسر ضيدان بن حثلين، الذي كان قد استقر في هجرته في الصَّرَّار. وكانت قوات فهد بن عبد الله تتكون، في معظمها، من الحضر، من أهل الهفوف، في حين كانت قوات نايف بن حثلين من قبيلة العجمان، بطبيعة الحال. وقبل أن يصل فهد إلى الصَّرَّار عسكر بقواته في العوينة، على مسافة أربع ساعات من الصَّرَّار، وأرسل مذكرة إلى ضيدان يقول فيها: إنه يريد أن يتحدث معه في أمر غزو بعض المتمردين في المنطقة. ودعا ضيدان فهداً إلى دخول الهجرة، ولكن فهداً رفض الدعوة، وطلب إلى ضيدان أن يقابله في المعسكر. وذهب ضيدان إلى معسكر فهد خلافاً لنصيحة مستشاريه. وهناك أُسر وقُيد بالسلاسل والأغلال. وعندما لم يعد ضيدان إلى هجرته في تلك الليلة حتى المساء، ثار العجمان على كل من فهد ونايف. وشهدت المعركة التي دارت على أثر ذلك، فشل فهد وقواته. وفي تقدير سيئ من فهد بن جلوي، أمر أحد رجاله أن يجهز على ضيدان بن حثلين، فقتله فوراً. وعندما شاهد نايف بن حثلين رجلاً من أسرته وقبيلته يقتل ظلماً، وخلافاً للتقاليد العربية التي تحكم الضيافة، انقلب على فهد وانضم إلى العُجمان مرة ثانية، وتولى القيادة التي خلت بعد اغتيال ضيدان. وتوالت الأحداث حيث قُتل فهد هو الآخر على يد العجمان، وكان ذلك في 19 ذي القعدة 1347هـ/ 30 أبريل 1929م. وقتل العجمان عدداً كبيراً من قوات فهد بن جلوي، واستولوا على كل المؤن والخيول لديها. وخشي العجمان من بطش أمير الأحساء عبدالله بن جلوي ثأراً لمقتل ابنه، ففـروا إلى الشمال، فنزلـوا في الوفـراء، قـرب الكويت. وتـولى قيادتهم نايف بن حثلين (أبو الكلاب)، وانضموا إلى إخوان مطير، الذين تجمعوا في الوفراء أيضاً.

وتوافدت، إلى تلك القوات، حشود أخرى من مطير، من طلاب الكسب والغنائم، يقودهم جاسر بن لامي. وكذلك، لحقت بهم جماعة من عتيبة ومن عنزة، وانضم إليهم فرحان بن مشهور من الرولة، الذي كان موجوداً بالجهراء. وأخيراً، انضمت إليهم فلول معركة السبلة.

ولمّا ضاقت الوفراء بتلك القوات، انطلق العجمان، ومن معهم، لمهاجمة الجبيل، واتخاذها مركزاً لتحركاتهم. وهم في الطريق إلى الجبيل، اعترضتهم قبيلة العوازم، ولم يلبوا طلب نايف بن حثلين في الانضمام إليهم، فهاجموا العوازم في 17محرم 1348هـ/ 26 يونيه 1929م، على ماء "رضى"، ووقعت خسائر جسيمة في صفوف الإخوان، بعد أن ثبت لهم العوازم. وكان فيصل الدّويش قد شفي من جراحه، ونسي عهده، الذي قطعه على نفسه للملك عبدالعزيز، فانطلق في 12 محرم 1348هـ/ 21 يونيه 1929م، إلى تلك الحشود، واشتد به ساعد نايف أبي الكلاب، بعد هزيمته في وقعة رضى.

عندما علم الملك عبدالعزيز، وهو في الحجاز، بمقتل ضيدان والطريقة التي اغتيل بها، تأكد أن تمرداً سوف ينشأ على إثر ذلك. وقرر الملك عبدالعزيز وضع حد فاصل لتمرد الإخوان ولحشودهم، التي استعدت للحرب، مستخدماً كل ما لديه من قوة عسكرية، فضلاً عن الوسائل الآلية الحديثة المتاحة له. وحصل على وعد وتأييد دبلوماسي من بريطانيا وغيرها، بعد أن كتب إلى سفرائه وممثليه بالخارج، يخبرهم بحقيقة هؤلاء العصاة، ليكونوا على علم، عندما يُسألون من الدول، التي يعملون بها، عن حقيقة الموقف.

واستطاع الملك عبدالعزيز، قبل مغادرته الحجاز، أن يحصل من البريطانيين، من طريق التفاوض، على وَعْدٍ بأنهم لن يسمحوا لأي من الدول الثلاث التي يحكمونها (الكويت، والأردن، والعراق) بأن تعاون الإخوان، أو تساندهم، أو تؤويهم. وإذا ما سُمح للإخوان بعبور الحدود والبقاء في أي من الدول الثلاث، باعتبارها ملجأ، سيكون من حق الملك عبدالعزيز مطاردتهم وتتبعهم داخلها. واشترط البريطانيون على الملك عبدالعزيز شرطاً خاصاً، هو ألاّ يقتل أياً من الإخوان الذين قد يلجأون إليهم، إذا أعادوهم إلى الملك عبدالعزيز. وقَبِل الملك عبدالعزيز بذلك الشرط، غير أنه استدرك أنّ المتمردين، بغض النظر عن حياتهم التي سيُبقى عليها، فإنهم سيحاكمون طبقاً للشرع.

ب. مؤتمر الدوادمي والشَّعَراء

توجه الملك عبدالعزيز من الحجاز في طريقه إلى الرياض، بعد أن أوفد إلى مشايخ قبائل عتيبة الموالية له، مراسلين يطلبون إليهم، ومعهم أعيان القبائل الأخرى، الحضور لاجتماع معه، في بلدة الدوادمي، التي عرج عليها في صفر 1348هـ/ يوليه 1929م. كان الجزء المتمرد من قبيلة عتيبة ما يزال في السّبَلَة. وكان جزء منهم لم يتم إخضاعهم بعد، بينما الجزء الذي لم يكن في حالة تمرد نشطة، لم يكن قد صالح نفسه بعد مع الهزيمة؛ وكان هناك فريق من الهاربين بعد المعركة، ولم يكن العفو قد صدر عنهم بعد. وعندما وصل الملك عبدالعزيز إلى الدوادمي نُصبت خيمة كبيرة لهذه المناسبة، التقى فيها نحو ألفان من قبيلة عتيبة. وفي الاجتماع، كشف الملك عبدالعزيز عن خططه للهجوم على العُجمان، وطلب المساندة، التي إن لم تكن إيجابية فلتكن سلبية، على أقل تقدير. كان العتبان موزعين على أكثر المناطق حساسية، فقد كانوا موجودين في أقصى الجزء الشرقي من الحجاز، وفي الجزء الغربي من نجد.

وفي حديثه إلى المجتمعين (انظر ملحق وقائع اجتماع مؤتمر الدوادمي، وخطاب جلالة الملك عبدالعزيز فيه وردود الحاضرين)، أبلغهم أن بينهم ثلاث مجموعات، الأولى مخلصة لدينها، وموالية له. الثانية انتهازية. أما الثالثة، وهي أصغر المجموعات الثلاث، فتشتمل على نواة المتمردين. ثم أوضح لهم أنه، بعد معركة السّبَلَة، وجد نفسه في حرج: فإما أن يفوته الحج، (وهو أمرٌ يُعد من عدم الحكمة بوصفه إماماً)، ويبقى في نجد لتأديب المتمردين، أو أن يعود إلى الحجاز. فقرر الذهاب إلى الحجاز، لأداء الحج.

وقد شعر الملك عبدالعزيز أن مسألة تمييز المتمردين، الذين كانت لهم ثارات وأحقاد، عن أولئك المتمردين المضللين أمرُ صعب. وعلى كلٍ، كان العُجمان قد رفعوا لواء التمرد والعصيان، كما سبق ذكره، وكان الملك عبدالعزيز قد خطط "للهجوم عليهم عند طلوع هلال ربيع الأول 1348هـ /7 أغسطس 1929م. وقال إِنه لن يوافق على تخلف أي رجل، على قيد الحياة، من أولئك الذين اشتركوا في معركة السّبَلَة وقاتلوا المتمردين فيها. "إن من يحارب إلى جانبنا ينتمي إلينا، ومن سيتخلف عن القتال من دون سبب شرعي سوف يُقتل، أو تسحب منه أسلحته وحصانه ". ثم عفا الملك، بعد ذلك، عن أولئك المتمردين من قبيلة عتيبة، الذين حضروا الاجتماع. واستجابة لرجائهم، وسّع الملك عفوه، ليشمل الغائبين، كذلك، بشرط:

(1) إذا كان من بينهم مجرمٌ بالقول أو الفعل، فسوف تبذل الجهود لإصلاحه؛ وإذا رفض، فسوف يُحاكم ويُقاضى طبقاً للشرع.

(2) الدولة لها الحق في معاقبة المجرمين، الذين ينهبون المسافرين ويداهمونهم ويقطعون الطرق.

(3) كلُ من يتخلف عن الجهاد، من دون عُذر شرعي، سوف يلقى جزاءه قبل التوجه للعدو.

وبعد انتهاء مؤتمر الدوادمي، واصل الملك عبدالعزيز رحلته إلى الرياض، آملاً أن يكون قد نجح  أخيراً في كسب قبيلة عتيبة إلى جانبه. ولكن العتبان تمردوا مرة ثانية، واضطروه إلى إخضاعهم، هذه المرة، بشدة وفاعلية. فقد توغلت جماعة من عتيبة ومن بني عبدالله من مطير في نجد، وقطعوا الطريق، واعتدوا على الناس الآمنين، يقودهم مُقْعِد الدُّهينة من النفعة من عتيبة. واعتدوا على عمال الزكاة، ونشروا الفوضى، في عالية نجد. وكان ذلك في ربيع الثاني 1348هـ/ سبتمبر 1929م.

وإزاء هذا العصيان من عتيبة، انتدب الملك عبدالعزيز أحد رجاله الأشداء، ليغير على عتيبة على ماء "ركية سعدية" قرب القويعية، فقضى على شوكتهم ونكل بهم. وأرسل قوة أخرى من الرياض يقودها خالد بن محمد، وقوة من الحجاز، وثالثة يقودها الشريف خالد بن لؤي، واشتبكت هذه القوات مع العصاة، وانتهى الأمر، بفرار رئيس التمرد مُقْعِد الدُّهينة إلى العراق.

ونتيجة لتمرد قبيلة عتيبة الجديد، طلب الملك عبدالعزيز عقد مؤتمر في بلدة الشَّعَراء، في عالية نجد، بين الرياض ومكة. وكان ذلك في غرة جمادى الأولى 1348هـ/ 5 أكتوبر 1929م. وفي هذا المؤتمر، التقى الملك مشايخ القبائل الأخرى، فضلاً عن التقائه، كذلك، القطاعات الموالية من قبيلة عتيبة. وكرر الملك عبدالعزيز، أمام الحاضرين، كيف أنه عفا عن عتيبة عدة مرات، ولكنها كانت تعود للتمرد، بعد أن تتعهد بالولاء. وأعرب عن مرئياته، فيما يجب عمله. ثم طلب إلى المندوبين أن ينصرفوا إلى حال سبيلهم، وأن يتفكروا فيما قاله، ويتشاوروا مع أهليهم، وأن يعودوا في اليوم التالي بعد أن يتخذوا قرارهم.

وشهد صباح اليوم التالي مناقشة، استمرت أربع ساعات، اتخذت خلالها القرارات التالية:

(1) ضرورة إنزال الهزيمة بكل من تمرد من قبيلة عتيبة، وفرع بني عبدالله من مطير، حتى لا يستطيع الاشتراك في عمل غير شرعي مرة أخرى.

(2) يُجرد كل من شارك في التمرد، ولا يزال حيّاً، من أسلحة ومعدات الحرب، ويُحاكم طبقاً للشرع.

(3) يُجرد من اتهموا بمساندة المتمردين، ولم يقاتلوا إلى جانب الإمام، من الجمال والخيل، التي يركبونها، ومن بنادقهم.

(4) يوافق الإمام، على أن يحتفظ المقاتلون بما استولوا عليه من المتمردين، حتى يتمكنوا من تقوية أنفسهم.

(5) يُرسل أمير، وبصحبته قوات، إلى شقراء معقل المتمردين، لإصلاح ذلك الفساد، طبقاً للشرع وللمصلحة العامة.

(6) يُخلى كل هجرة من الهُجَر، التي خضعت للتمرد، ويوزع سكانها بين القبائل ولا يُسمح لأيٍّ منهم بالتجمع في مكان واحد.

(7) تُرسل قوة بحجم لواء، لتنفيذ هذه القرارات، أثناء وجود الملك في الشعراء، وخلال مدة لا تزيد على عشرة أيام.

(8) تجتمع كل الفصائل، بعد تنفيذ كل هذه المراسيم، في منطقة الحدود، التي احتشد فيها العُجمان المتمردون، ومعهم آل الدّويش.

وقبل الذهاب إلى الشعراء، عمد الملك عبدالعزيز إلى تقوية الحاميات في الأحساء والقطيف وحائل، تحسباً لأي طاريء. وأمر قواته، الذين جاءوا من المدن والهُجَر، بالتجمع في مكان محدد، لانتظار عودته من "الشعراء"، وعندها سوف يبلغهم بموعد التحرك. وقال إن التحرك لن يتأخر عن غرة شهر جمادى الثانية 1348هـ، الذي كان يوافق 4 نوفمبر 1929م (انظر ملحق وقائع مؤتمر مدينة الشعراء وخطاب جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود فيه).

ج. التحرك للقضاء على فتنة الدّويش

عاد الملك عبدالعزيز من الشعراء، فاستكمل عدة الحرب، وعهد إلى أكبر أنجاله الأمير سعود، بإدارة الأمور مدة غيابه. ثم تحركت قواته في اتجاه الشمال، لتقف في مكان يُسَمَى الخَفْس، على بعد 115 كم من الرياض. وفي المكان، كان شقيقه، الأمير محمد بن عبدالرحمن، في انتظاره؛ وخَيّم الملك وحاشيته لقضاء الليل، ثم اتجهوا بعد ذلك إلى الشَّوْكي، الذي يبعد 80 كم عن الخفس، في 28 جمادى الآخرة 1348هـ/1 ديسمبر 1929م.

أدرك فيصل الدّويش، الذي كان يواصل غاراته من الشمال على نجد، أنه يواجه جيشاً لا قِبل له به، فأرسل إلى الشوكي وفداً برئاسة الحُمَيْدي بن مفلوح، ومعه رسالة، يطلب الصفح والأمان. وفي هذه الرسالة، ألقى على ابنه، عُزيز "عبدالعزيز" الدّويش، باللائمة في الموقف الحرج، الذي وجد نفسه فيه.

وكان ابنه عزيّز قد قُتل على يد أمير حائل عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، في معركة أم رضمة (انظر ملحق معارك الإخوان، وملحق رسالة فيصل الدّويش، المؤرخة 9 جمادى الآخرة عام 1348هـ، ورد جلالة الملك عبدالعزيز عليها) في 5 ربيع الثاني 1348هـ/ 11 سبتمبر 1929م.

استقبل الملك عبدالعزيز الوفد، وبعد مفاوضات استمرت يوماً واحداً، أرسل إلى فيصل الدّويش رداً أبلغه فيه أن دوافعه لطلب الصلح، لا  تخرج عن واحدٍ من الدوافع التالية، أو كلها مجتمعة:

(1) أنه يطلب العفو، بعد أُوصدت كل الأبواب في وجهه. وأن الملك يفهم حقيقة وضعه ويرثي له؛ إذ لم يعد أمامه من وسيلة أخرى يتلاعب بها، سوى أن يأتي مهرولاً يطلب العفو.

(2) أنه بارع ومخادع، وسوف يقول للناس فيما بعد أنه يفعل ما يشاء، وأن بوسعه العودة إلى صف الملك عبدالعزيز، وطلب ما يريده.

(3) أنه يريد أن يكسب إلى جانبه أولئك الذين طلب مساعدتهم؛ كما يريد أن يُعلن لمن لم يساعده أنه سوف يتصالح مع الملك عبدالعزيز.

(4) ربما كان من الأفضل ألاّ تصل إليه رسالة الدّويش، ولا الوفد الذي أرسله؛ ولكن طالما حضر الوفد، فإن الملك يضمن له ولمن معه أن تشملهم حمايته، ولن يُهدر دمه.

عندما تسلم فيصل الدّويش رد الملك، كتب يقول: "من فيصل بن سلطان الدّويش إلى جانب الإمام المكرم عبدالعزيز عبدالرحمن الفيصل سلمه الله تعالى. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام. بعد ذلك خطك وصل، وما عرفت كان معلوم من جميع الأمور. ولكنا حنا إلى ها الحين (الآن)، ما طاب خاطرنا منك والظن فيك يا بو تركي غير ما ذكرت لنا. وهذا واصلك سلطان بن مهيلب، ونبيك (نريد منك) إن شاء الله تؤمنا أمان ما فيه تفتيش. وباقي الجواب من رأسه أبلغ. هذا ما لزم تعريفه مع إبلاغ السلام العيال والمشايخ. ومن هنانا (عندنا) الإخوان يسلمون والسلام".

4 رجب 1348.

أما "ملحق الخير"، الذي اعتاد أهل الجزيرة إرفاقه بالرسالة، وهو ـ كما يُقال ـ أهم دائماً من الرسالة ذاتها، فقد جاء فيه:

"بقي بالخاطر سلمك الله. تذكر في خطك أن الدروب مسدودة علينا وأنه ما بقى لنا حيلة وإنَّا مضطرين إليك. هنا سلمك الله بخلاف ذلك بحول الله وقوته. ولولا غلاك ورفقتك  كان كل أمر نبيه (نريده) مدركينه، وكل يجذبنا وأي طريق نبيه (نريده) نضربه (نسلكه) ما لنا معارض. ولكن مثل ما قلت، وغلاك ورفقتك ولا ودنا بمدخل الكفر. ويكون عندك معلوم ويتقرر في عقلك ولا تشكك أني لولا بغضي للكفار ولا ودي (لا أريد) أدخل حدر (تحت) ولايتهم، كان ما كريت (استأجرت) لك جميع مركوب، ولكن ماودي (ما أرغب) في ذلك وادرإني (واَعْلم أني) في ذلك صادق، ومعنى خطك (خطابك) اللي جاني منك في وفي أركايبي. وأنت تخبرني ماني (ما أنا) راعي مكر ولا تلواسات. اليوم أدخل على الله لا تحدنا على الكفر. وحسبنا الله ونعم الوكيل، والله خير كافي ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم".

وقطع الدّويش على نفسه عهداً بالسفر، قريباً، إلى الملك عبدالعزيز، ليعلن طاعته وولاءه له. ولم يرد الملك عبدالعزيز على الرسالة، فقد كان ينتظر مجيء الدّويش، الذي لم يحضر. وهناك رسائل أخرى جرى تبادلها بين الملك عبدالعزيز وفيصل الدّويش، ولكنها لم تؤد إلى شيء. ولم يكن ثمة احتمال لأي حل من الحلول الوسط.

تقدم الملك عبدالعزيز بحشوده من الشوكي، قاطعاً رمال الدهناء والصمان، ونزل في الثمامي، جنوبي حفر الباطن، ليواجه الإخوان، من أتباع الدّويش، المقيمين في (الدبدبة). ووافاه هناك وفد آخر، مرسلٌ من الدّويش، يحمل رسالتين.

ومن تلك الرسالة المؤرخة في 6 رجب 1348هـ: "والله لو حنا (لو أننا) مشتهين حجى (طريق) غير حجى الإسلام، إن كل باب مفتح لنا، مثل ما انفتح لناس غيرنا من قومك خاصة (يقصد أبناء عم الملك من حفدة سعود بن فيصل الذين اتصلوا بالأشراف)، ولكن يا عبدالعزيز اتق الله في المسلمين، ولا تردهم للكفر بعدما ذاقوا طعم الإسلام، وحنا نبي (نريد) من الله ثم منك يا بو تركي إنك تدفن ما فات بيننا وبين أهل نجد من الدماء، والأموال ترى ما عندنا زايد، الزيادة عندكم".

ولمّا علم أتباع الدّويش أن الملك عبدالعزيز تحرك بقواته مصمماً على سحقهم، تفرقوا عن الدّويش، فاستضعفه شيوخ بادية العراق، مثل ابن طوالة وابن سويط، فاتفقوا مع عبد المحسن (محسن) الفِرم (من شيوخ حرب الموالين للملك عبدالعزيز)، على مهاجمة معسكر الدّويش. فغزوه في 28 رجب 1348هـ/ 30 ديسمبر 1929م، فنهبوا المعسكر ودخلوا خيمة فيصل الدّويش، ووجدوا بها رسائل وأوراق تدين الدّويش. ومنها مسودة رسالة إلى الملك فيصل بن الحسين ملك العراق، والأخرى إلى الكابتن جون باجوت جلوب John Bagot Glubb "جلوب باشا" (المفتش الإداري للبادية الجنوبية في العراق). وأمّا الدّويش نفسه فقد دخل إلى العراق ثم اضطره البريطانيون إلى الرحيل عنها، إلى الجهراء، ثم إلى الكويت.

وكان أتباع الدّويش قد لجأوا إلى العراق طلباً للنجاة، كتب الملك عبدالعزيز إلى المندوب السامي البريطاني، في العراق، يطلب منه طردهم وعدم إيوائهم حسب الاتفاق، الذي جرى بينه وبين البريطانيين.

رفض البريطانيون الجهود، التي بذلها الإخوان، من أجل إرسال نسائهم وأطفالهم إلى الكويت، للجوء إليها. وأجبر البريطانيون أمير الكويت، أن يبر بوعده في عدم مساعدة المتمردين. وباءت بالفشل الجهود، التي بذلها فيصل الدّويش، نفسه، من أجل الالتقاء بأمير الكويت. وبعد إنزال الهزيمة بعتيبة في غربي نجد، ورفض البريطانيين طلب الدّويش بتوفير الحماية لنساء المتمردين وأطفالهم في الكويت، أثناء قيامه هو والإخوان بمهاجمة نجد، أو حماية النساء والأطفال من قصف البريطانيين لهم بالقنابل، أصبح من الواضح تماماً أن التمرد حان أجل إخماده. وبدأت الطائرات البريطانية تطارد الإخوان لإخراجهم من الكويت، فور دخولهم إليها، طلباً للحماية، بينما كانت قوات الملك عبدالعزيز تقترب، يوماً بعد آخر، من المثلث القريب من الحدود الكويتية، الذي حشر الإخوان أنفسهم فيه. وبعد أن رفض البريطانيون مساعدة الإخوان، بأي شكل من الأشكال، سمح الدّويش للمتمردين من الإخوان، الذين رغبوا في  طلب العفو من الملك عبدالعزيز، أن ينصرفوا عنه، ويذهب كل منهم إلى حال سبيله. وانتهز الكثيرون منهم تلك الفرصة، وطلبوا العفو، وحصلوا عليه. وأدرك فيصل الدّويش فوات الأوان بالنسبة له. ولم يكن أمامه سوى الحرب أو الفرار !

3. نهاية التمرد واستسلام قادته

ومع مطلع جمادى الأولى 1348هـ/ أكتوبر 1929م، وكانت البقية الباقية من الإخوان قد غادرت الكويت. ويوماً بعد يوم بدأ يتزايد عدد المتمردين من الإخوان، ممن كانوا يتركون جانب الدّويش لينضموا إلى صفوف الملك عبدالعزيز، ويطلبون العفو. في حين غادر آخرون منهم الكويت، على شكل خليط من البشر، بلا زعامة. ونظراً إلى نقص إمدادات الماء والغذاء، لدى الإخوان أنفسهم، فإنهم لم يتمكنوا من رعاية إبلهم ودوابهم، التي نفقت المئات منها بسبب العطش. وعندما اقترب جيش الملك عبدالعزيز، كان البريطانيون قد أرسلوا طائراتهم وعرباتهم المدرعة لاستطلاع الإخوان، ووضعهم تحت الملاحظة المستمرة، لعرقلة هروبهم إلى العراق أو الأردن، وقد كانا تحت الإدارة البريطانية. وفي شعبان 1348هـ/ يناير 1930م، استسلم نايف بن حثلين لطابور مدرع تابع للقوات الملكية البريطانية المدرعة، بعد أن اقتنع أن ليس هناك أمـل في الهرب أو القتال. وفي 8 شعبان/10 يناير، استسلم للقوات البريطانية، كذلك، كلٌّ من فيصل الدّويش وجاسر بن لامي، الزعيمان البارزان الآخران للتمرد. وفي غياب الزّعامة العسكرية والدينية، تلاشى تمرد الإخوان. وبدأ البريطانيون يواجهون مشكلة الإخوان في الأسر، وإعداد قائمة بالغنائم والمسلوبات والمنهوبات، التي لا تزال في حوزتهم، وكان لا بد من إعادة تلك المنهوبات لأصحابها الأصليين.

كان البريطانيون قد عاهدوا الملك عبدالعزيز، من قبل، على أنهم سيسلمون إليه المتمردين، شرط أن يُبقي على حياتهم، ويعاملهم معاملة إنسانية. وبعد أن أصبح الإخوان في قبضة البريطانيين، حاولوا أن يحنثوا في وعدهم.

أصدرت وزارة الخارجية البريطانية تعليمات للعقيد هيوفنست بيسكو، المقيم السياسي البريطاني في الخليج، أن يصحب كلاًّ من العقيد هارولد ديكسون H. R. P. Dickson، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، والكوماندر بيرنت، معاون قائد الطيران البريطاني في العراق، لمقابلة الملك عبدالعزيز ـ الذي كان في مخيمه بخَبَاري وَضْحَا[2] قرب الكويت ـ ومناقشته في مصير المتمردين، الذين أصبحوا في أيدي البريطانيين. وفي 20 شعبان 1348هـ/ 22 يناير 1930م، وصل البريطانيون الثلاثة إلى معسكر الملك عبدالعزيز، ودارت المفاوضات، التي استمرت أسبوعاً، وكانت النتيجة تسليم المتمردين بالشروط التالية:

أ. وجوب الإبقاء على حياة زعماء الإخوان المتمردين، فيصل الدّويش، جاسر بن لامي، ونايف بن حثلين، هم وأقاربهم.

ب. ألاّ يكون العقاب مفرطاً أو مبالغاً فيه، أو مستثيراً للمشاعر العربية، أو متعارضاً مع التقاليد البريطانية.

ج. ضرورة اتخاذ إجراءات فعّاله للقضاء على كل احتمال، قد يؤدي إلى معاناة الكويت أو العراق، مستقبلاً، من جراء غارات الإخوان.

وكانت قد صدرت للعقيد بيسكو، قبل تقديم تلك الشروط، تعليمات بمحاولة إقناع الملك عبدالعزيز بالموافقة على نفي زعماء الإخوان إلى قبرص أو إلى أي مستعمرة بريطانية أخرى، ولكنه أصرّ على تسليمهم إليه.

وقد نُقل كلٌّ من الدّويش وابن حثلين وابن لامي، بالطائرة، إلى البصرة، ومنها نقلوا إلى البارجة لوبن (Lupin)، التابعة للبحرية البريطانية، التي كانت ترسو في ميناء شط العرب. أمّا بقية المتمردين من العجمان ومطير، فقد صدرت إليهم تعليمات من القوات البريطانية، بالتجمع على مسافة خمسة عشر ميلاً من الحدود الكويتية في منطقة صفوان، حيث تولت حراستهم العربات المدرعة التابعة للقوات الجوية الملكية، إلى أن يتم تسليمهم للملك عبدالعزيز. وما أن تأكد العقيد بيسكو من وصول الزعماء الثلاثة إلى متن البارجة، حتى طار على متن إحدى طائرات القوات الجوية الملكية البريطانية من الكويت، قاصداً معسكر الملك عبدالعزيز، الذي وافق بعد شيء من النقاش، على تسليم المتمردين إليه، على أساس الشروط الثلاثة، التي سبق الاتفاق عليها.

وفي صباح 28 شعبان 1348هـ/ 30  يناير 1930م، نُقل المتمردون إلى أحد المهابط الجوية بالقرب من خَبَاري وَضْحَا، في إحدى الطائرات الحربية البريطانية. وكان بصحبتهم العقيد البريطاني ديكسون.

ويروي حافظ وهبه مقابلة الدّويش والملك عبدالعزيز، وردود الدّويش، على الأسئلة التي وجهها له الملك عبدالعزيز قائلاً:

"يعلم الله، يا عبدالعزيز، انك لم تقصر معنا، وقد فعلت كل ما يبيض وجهك، وقد قابلنا معونتك بالإساءة، لقد فررنا من وجهك إلى الكفار. فحملونا إليك في طيارة من طيارتهم، ويكفي ما أشعر به من الهون والصّغار، أمام الإخوان، بعد ما كنت عزيزاً محترماً. قاتل الله الشيطان! لقد أغرانا وزين لنا سوء أعمالنا. فأوصلنا إلى ما أصبحنا فيه الآن!"

وفي 2 رمضان 1348هـ/ 2 فبراير 1930م، أُودع فيصل الدّويش، ونايف بن حثلين، وجاسر بن لامي، رؤساء التمرد الثلاثة الرئيسيين، السجن، في الرياض، ثم حملوا إلى سجن الأحساء، لينضموا إلى رفيقهم، سلطان بن بجاد. وأبقى الملك عبدالعزيز على حياتهم، براً بوعده، الذي قطعه على نفسه. وقد أصاب ذلك التصرف بعض المراقبين البريطانيين بكثير من الدهشة، خاصة أن هؤلاء المراقبين كانوا يظنون أن الملك عبدالعزيز سوف يحنث في وعده.

وقد مات فيصل الدّويش، في سجن الأحساء، في عام 1350هـ/1931م. ومات الثلاثة الباقون في عام 1353هـ/1934م.

أمّا بقية فلول الإخوان من العجمان ومطير، فقد تجمعوا على حدود نجد، بنسائهم وأطفالهم ومواشيهم وأبلهم. وتلقتهم سرية من جند الملك عبدالعزيز، وأُدخلوا إلى بعض الخيام، ثم شملهم الملك بعفوه، ووزعوا على الهُجَر. ويقال، إن فتنة الإخوان كلفت الخزينة السعودية أربعين ألف جنيه، قبيل ظهور النفط.

 



[1] وصفت جريدة "أم القرى"، العدد الرقم 224، الصادر في 2 ذي القعدة 1347هـ. تأثير وفد النساء في إصدار العفو قائلة: "... عندما شاهد صاحب الجلالة النساء وهن يطلبن العفو والسماح بكى، وبكى معه الحاضرون لذلك المنظر المؤسف. وتأثر قلب صاحب الجلالة وتحركت قلوب القوات وقَبِل استعطاف النساء".

[2] خَبَاري وضَحْا: اسم مكان قرب الكويت.