إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الكويت منذ النشأة حتى الاتفاق البريطاني ـ العثماني، عام 1913





أمراء أسرة الصباح
نسب آل رشيد
حكام الكويت من أسرة الصباح
حكام بني خالد

منطقة "كاظمة" القرين
آسيا التركية
الخليج العربي عام 1774
الكويت تحت اسم الكويت والقرين
الكويت عام 1863
الكويت في 29 يوليه 1913
الكويت في 29 يوليه 1913(إنجليزية)
الكويت في أواخر القرن التاسع عشر
توزيع القبائل العربية في الخليج
خريطة هولندية



رابعاً: العلاقات الكويتية ـ العثمانية الفترة من 1756 إلى 1899

رابعاً: العلاقات الكويتية ـ العثمانية الفترة من 1756 إلى 1899

اقتصرت علاقة الكويت بالدولة العثمانية على الجانب الديني. ولم يسمح حكام الكويت لأي من ممثلي العثمانيين، خاصة في ولايتي بغداد والبصرة، أن يتداخل نفوذ الدولة الديني وسلطتها السياسية. وساعدهم على ذلك ضعف النفوذ العثماني في العراق، الذي تجلى في استقلال بغداد عن الباب العالي، تحت حكم مجموعة من المماليك، وقد استمر في الفترة من 1747 حتى 1831، وأسفرت عن تبعية العراق للدولة العثمانية تبعية اسمية.

وقد استغل ولاة بغداد، الاعتراف الشكلي بالتبعية العثمانية، من أجل محاولة فرض نفوذهم على الكويت. وحيال عجزهم عن فرض مطالبهم بالقوة، فقد كان شيوخ الكويت لا يبالون بهذه المطالب، أحياناً، ويرفضونها، كلية، في أحيان أخرى. وفي جميع الأحوال، لم يثبت أن الكويت كانت داخلة في نطاق التبعية العثمانية، خلال المرحلة الممتدة من القرن الثامن عشر حتى العقد السابع من القرن التاسع عشر، إذ لم يرابط في الكويت حاميات عثمانية، كما لم يتدخل الباب العالي، أو السلطات العثمانية في البصرة أو بغداد، في تقليد الحكم لأي حاكم من حكام أُسرة الصباح بل لم يكن للسلطة العثمانية مندوب في الكويت. ولا ممثلون، يعوقون حكامها عن استقبال ممثلي الشركات الأجنبية، وعقد الصفقات التجارية معهم. واستطراداً، لم تشهد الكويت موظفين عثمانيين لإدارة شؤونها، كما لم تطبق القوانين أو الأنظمة العثمانية، داخل أراضيها.

وقد مرت العلاقات بين إمارة الكويت، منذ تأسيسها، والدولة العثمانية، بمرحلتَين أساسيتَين. لكل منهما سماتها وملامحها.

فالمرحلة الأولى: تمثلت في غلبة الطابع الاسمي (الشكلي) على تبعية الكويت للدولة العثمانية.

أمّا المرحلة الثانية: فقد اتسمت بعدة محاولات للسلطة العثمانية لتحويل التبعية الاسمية إلى تبعية فعلية.

1. المرحلة الأولى (1756ـ 1869)

سعى المستوطنون الأولون، من العتوب، في الكويت، إلى تأمين مركزهم في إمارتهم الناشئة، وذلك بالاعتراف بشيء من الولاء للدولة العثمانية. فأوفدوا زعيمهم الأول، صباح بن جابر، إلى الوالي العثماني في بغداد، ليطلب منه تأييد الدولة العثمانية لهم، وإقرارها لاستقرارهم وأمنهم، فضلاً عن إظهار رغبتهم في العيش في سلام، وتعهدهم بحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.

وقد نجح زعيم أُسرة الصباح في مسعاه. وبذلك، اعترفت الكويت بنوع من التبعية الدينية للدولة العثمانية، من دون تدخل إستانبول في شؤونها الداخلية. فتجنّبت الأخطار، التي كان يمكن أن تأتيها من جانب الدولة العثمانية، بل استغل شيوخها، في بعض الفترات، علاقتهم بالدولة العثمانية، لتحقيق مصالح كويتية خاصة.

ولقد كانت الرابطة الروحية ـ الدينية، هي أساس تبعية الكويت الاسمية للدولة العثمانية، خلال هذه الفترة، لكونها دولة الخلافة الإسلامية؛ إذ كانت الرابطة الدينية، هي المصدر الأساسي لاكتساب الشرعية. ولا شك في أن نمط تبعية الكويت للدولة العثمانية، خلال هذه الفترة، اختلف عن أنماط التبعية لسائر ولايات الدولة العثمانية، فقد كان هناك: نمط التبعية الفعلية، ونمط السيادة القانونية، والنمط الأقرب إلى علاقة التحالف.

وقد حمل الكويت على الإقرار بالتبعية الاسمية للدولة العثمانية عوامل عدة، أبرزها:

أ. سعي أهل الكويت إلى تحقيق نوع من التوازن في علاقاتهم بين الدولة العثمانية وبَني خالد، الذين كانوا يسيطرون على الأحساء والقطيف، تفادياً للوقوع تحت سيطرة أي من القوّتين.    

ب. حرص حكام الكويت على تدعيم شرعية كيانهم السياسي، بالارتباط بالمصدر الديني، الذي تجسده دولة الخلافة[1].

ج. اطمئنان شيوخ الكويت، خلال هذه الفترة، إلى أن التبعية الاسمية للدولة العثمانية لن تتحول إلى تبعية فعلية، نتيجة حالة الفوضى والاضطراب، التي كان يمر بها العراق العثماني، نتيجة لظروف سياسية.

والجدير بالذكر، أن محاصرة الفرس للبصرة، واحتلالهم إياها، خلال الفترة من 1775 حتى 1779، أسهم في إضعاف السلطات العثمانية في العراق، في الوقت الذي ازدهر فيه الكويت، سياسياً واقتصادياً، نتيجة لتحول حركة التجارة من البصرة إلى الكويت. وبذلك، تدعم مركز الكويت الخارجي، وأصبح لها علاقات تجارية مع العديد من بلدان العالم بصفة عامة، وبالهند وشرقي آسيا بصفة خاصة.

وتكشف محاصرة الفرس البصرة واحتلالهم إياها (1775 ـ 1779)، عن جانب من علاقة الكويت بالدولة العثمانية. ومع التسليم بصعوبة تحديد موقف عتوب الكويت تحديداً جلياً من هذه الواقعة، إلاّ أن بعض المصادر يشير إلى أنهم سعوا إلى إرضاء الطرفَين، مع إبداء قدر من التعاطف مع السلطات العثمانية في العراق، من دون الكشف عن ذلك، صراحة. وقد تمثل ذلك في اتجاه بعض السفن العثمانية إلى ميناء الكويت، لإجراء عمليات الصيانة والإصلاح، وإرسال شيخ الكويت حوالي 200 كويتي لمساعدة والي البصرة . وربما كان المسلك الكويتي، رداً على مساندة عرب بَني كعب، وعرب المحمرة[2] اُللفرس على احتلال البصرة، وكلاهما معادٍ للكويت. ومن ثَم، وجد أهالي الكويت أنفسهم في تصادم مع قوَّتَين، كانتا على وفاق مع الفرس.

ومنذ تولّي الشيخ عبدالله الأول بن صباح الأول، الحاكم الثاني للكويت (1762ـ 1812)، بدأت تتبلور أنماط العلاقة بين الكويت والدولة العثمانية. إذ سعت الكويت إلى تأكيد استقلالها الفعلي عن الدولة العثمانية، وتوظيف علاقتها بها لتحقيق مصالح كويتية خالصة. كما قدمت الكويت الدعم العسكري للدولة العثمانية، في صراعاتها مع فارس، وبعض القوى والمشيخات العربية في الخليج وشبه الجزيرة العربية، مثل السعوديين، والقبائل العربية على الشاطئ الفارسي للخليج، مثل عرب بَني كعب. وكان بعض الحملات، التي شنتها الدولة العثمانية ضد بعض هذه القوى، تخدم مصالح الكويت، بشكل غير مباشر. بيد أن العلاقات بين الجانبَين كانت تتعرض لبعض المشكلات والصعوبات، من جراء بعض ممارسات شيوخ الكويت، الرامية إلى تأكيد الاستقلال، وبعض ممارسات السلطات العثمانية في العراق، الساعية، بعد عام 1869، إلى فرض السيطرة العثمانية الفعلية على الكويت.

كما شهد عهده، كذلك، بعض الوقائع، التي أكدت استقلال الكويت عن الدول العثمانية، أي عدم تبعيتها الفعلية لها. ومنها اعتماد أهالي الكويت على أنفسهم، في الدفاع عن مشيختهم، ضد هجمات قبائل بَني كعب والمنتفق، من دون تلقّي دعم أو مساعدة من السلطات العثمانية، في العراق. إضافة إلى أن الكويت، كانت ملجأ للمتمردين على السلطات العثمانية في بغداد والبصرة. ومن ذلك، "مصطفى آغا، متسلم البصرة، والشيخ ثويني، شيخ قبيلة المنتفق، وهي من أقوى القبائل العربية في نواحي البصرة، اللذان لجآ، مع بعض أتباعهما، إلى شيخ الكويت عبدالله بن صباح الأول، عام 1787، وطلبا الحماية منه، على أثر فشل محاولتهما الاستقلال بالبصرة عن سلطة والي بغداد المملوكي، الذي وجّه حملة كبيرة إلى المدينة، قضت على تمردهما. وقد طلب والي بغداد من شيخ الكويت تسليمه المتمردّين، فرفض، تماشياً مع التقاليد العربية، التي تؤكد حماية المستجير، وعدم تسليمه لأعدائه. وإزاء ذلك، بدأ والي بغداد يعِد حملة لغزو الكويت، وطلب من المسؤول عن الوكالة التجارية البريطانية في البصرة، الاشتراك في هذه الحملة. لكن المسؤول البريطاني، رفض هذا الطلب، وأرسل إلى شيخ الكويت، بحكم العلاقة الطيّبة، التي تربطه به، يبلغه بأخبار هذه الحملة. وقد انتهت هذه المشكلة، بأن أوعز شيخ الكويت إلى مصطفى آغا وأتباعه بالسفر إلى نجْد، مع إحدى القوافل.

ومنذ نهاية القرن الثامن عشر، وبداية القرن التاسع عشر، حدثت مجموعة من التطورات، في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، تركت تأثيراتها في العلاقات بين الكويت والدولة العثمانية، وتتمثل فيما يلي:

أ. نجاح السعوديين في إحكام قبْضتهم على الأحساء، بعد القضاء على نفوذ بَني خالد فيها، وامتداد النفوذ السعودي إلى الكويت. وهكذا، وجدت الكويت نفسها تقف في صف القوى، التي تناصب السعوديين العداء

ب. ازدياد النفوذ البريطاني في منطقة الخليج، وبخاصة بعد توقيع معاهدة الصلح البحري، في 21 يناير 1820، وما تلاها، من فرض لمعاهدات "الصلح البحري" (الصلح العامة)، على شيوخ الإمارات العربية في الخليج. ومن ثم، سعت الكويت إلى الحفاظ على استقلالها، وذلك من خلال العلاقات المتوازنة بين بريطانيا والدولة العثمانية.

ج. تنامي النفوذ العثماني في العراق، بعد القضاء على داود باشا، آخر حكام المماليك في بغداد، عام 1831، على يد علي باشا رضا.

وقد أسهمت تلك التطورات السابقة، إلى درجات متفاوتة، وبأشكال مختلفة، في تدعيم العلاقات بين الكويت والدولة العثمانية، خلال فترة حكم الشيخ جابر الأول بن عبدالله الأول، الحاكم الثالث للكويت، (1812 ـ 1859). ففي عام 1820، طلبت بريطانيا من شيخ الكويت، جابر الأول، أن ينضم إلى معاهدات الصلح البحري، التي بدأت تبرمها مع إمارات الخليج، إلاّ أن الشيخ رفض هذا الطلب على الرغم من الضغوط، التي مُورست عليه. ولتجنّب احتمالات الوقوع تحت السيطرة البريطانية، اتجه إلى تدعيم علاقته بالدولة العثمانية، إذ اعتبر أن التقدم خطوات على طريق العلاقة مع الدولة العثمانية، هو أقلّ خطراً من توقيع معاهدة مع بريطانيا. فالخيار الأول لن يغيّر كثيراً من الوضع الخاص لإمارة الكويت، في علاقتها بالدولة العثمانية، كما أنه لن يؤثر في مصالح فئة التجار، التي أصبحت تؤدي دوراً مهماً في حياة المجتمع الكويتي. ولذلك، فقد اتخذ شيخ الكويت، عام 1829، قراراً بالاعتراف بالسيادة العثمانية، فرفع العلم العثماني على مقره، مع إضافة كلمة "كويت"، على أحد جوانبه، وذلك لتجنّب محاولات بريطانيا الرامية إلى مد نفوذها إلى الإمارة. ورفع العلم العثماني، كذلك، على السفن الكويتية، لضمان أمنها في عرض البحر، إذ إن الدول الكبرى، لم تكن تعترف بالأعلام المحلية، سواء بالنسبة إلى الكويت أو إلى غيرها من الإمارات. وفي هذا الإطار، ألزمت السلطات العثمانية في العراق، شيخ الكويت بدفع جزية سنوية، تمثلت في كميات من الأرز والتمر، يقدمها إلى والي بغداد. وكان يتلقّى من السلطات العثمانية خلعة سنوية، تكريماً له.

إلاّ أن طبيعة العلاقات بين الجانبَين، سرعان ما تغيرت. إذ أصبحت إستانبول في حاجة إلى دعم أسطول الكويت ومساندته على صراعاتها مع القوى الأخرى. ولذلك، ألغت الجزية السنوية التي كان يدفعها شيخ الكويت، وأمست الدولة العثمانية، هي التي تدفع رواتب سنوية إلى شيخ الكويت من خزينة البصرة، مقابل الخدمات والمساعدات العسكرية، التي كان الكويتيون يقدمونها إلى الدولة العثمانية.

وخلال فترة حكم الشيخ جابرالأول، كذلك، تذكر المصادر العديد من الوقائع والمناسبات، التي قدم فيها شيخ الكويت الدعم العسكري إلى الدولة العثمانية. ففي عام 1831، قدّم شيخ الكويت المساعدة إلى والي البصرة، عندما أغارت قبائل بَني كعب على المدينة وحاصرتها، مما أجبر واليها على الفرار إلى الكويت، والاستنجاد بشيخها. فساعده بمجموعة من السفن، المحملة بالأسلحة والذخيرة والمقاتلين، وهو ما مكنه من استعادة سيطرته على البصرة. وفي عام 1836، قدّم شيخ الكويت مساعدته العسكرية إلى السلطات العثمانية في البصرة، للقضاء على تمرد سكان الزبير. وتمثلت هذه المساعدة في حصار المدينة من ناحية البحر. وإضافة إلى ذلك، فإن أسطول الكويت، أسهم في مواجَهة بَني كعب، عندما تغلبوا على الحامية العثمانية في المحمرة، عام 1838. وبفضل هذه المساهمة، تمكنت السلطات العثمانية من استعادة السيطرة عليها. وفي عام 1854، طلبت السلطات العثمانية من شيخ الكويت، أن يتولى حماية ميناء البصرة، مقابل راتب سنوي، يدفع من خزانة الولاية، فضلاً عن إصدار فرماناً بإهدائه علماً أخضر (وشاحاً أخضر). واستمر شيوخ الكويت يحصلون على هذا الراتب، ولم ينقطع، إلاّ لفترة قصيرة، عندما تولى مبارك الحكم، عام 1896.

وعلى الرغم من اعتراف شيخ الكويت بالسيادة العثمانية، ورفع العلم العثماني فوق مقره، وعلى السفن الكويتية، إلاّ أن هذا التطور لم يكن تسليماً بالسيادة العثمانية الفعلية على الكويت، لكنه إجراء شكلي اقتضته المصالح الكويتية، في إطار الحفاظ على تبعية الكويت الاسمية للدولة العثمانية.

لم يحُل التعاون بين الكويت والدولة العثمانية، دون تعرض علاقاتهما، أحياناً، لبعض المشكلات، التي كان مردّها إلى سعي حكام الكويت إلى تأكيد استقلالهم عن الدولة العثمانية. وهو ما يؤكده موقف الكويت من الصراع المصري ـ العثماني، الذي تفجر في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. ففي عام 1838. وصلت القوات المصرية، بقيادة خورشيد باشا، من أواسط شبه الجزيرة العربية إلى سواحل الأحساء. فرحب الشيخ جابر الأول، حاكم الكويت، بتقدمها، كما رحّب بالمبعوث المصري، الذي أرسله خورشيد باشا للإقامة بالكويت. وقد قيل، في ذلك الوقت، إن مهمته هي توفير الإمدادات للقوات المصرية. ولقد كان وجود المبعوث المصري في الكويت، غير مؤاتٍ للسياسات والمصالح، البريطانية والعثمانية على السواء؛ إذ كانت بريطانيا تسعى إلى مد خط حديدي، يمر عبر شبه الجزيرة العربية إلى الكويت، وقد أدرك شيخ الكويت أن البريطانيين يخططون لاستخدام الكويت، كقاعدة بحْرية لهم، بدلاً من قاعدة الخرج، التي اضطروا إلى الانسحاب منها، عام 1839. فعمد إلى التقرب من القوات المصرية، للضغط على بريطانيا، التي ساءها الموقف الكويتي.

وقد تمثلت المهمة الأساسية لمبعوث خورشيد باشا، في جمع المعلومات، حول إمكانية نجاح خطة مصرية، ترمي إلى تطويق العراق العثماني، من الجنوب بقوات من الأحساء، وبمساعدة كويتية، بينما يطوقه من الشمال القوات المصرية، الموجودة في الشام. ويُقال إن شيخ الكويت، منح مبعوث خورشيد باشا مكانة خاصة في مجلسه، فضلاً عن أنه جعل السفن الكويتية في خدمة القوات المصرية. ويذكر لوريمر، مؤرخ حكومة الهند البريطانية، أن الشحنة الوحيدة من الذخيرة والعتاد، التي وصلت إلى القوات المصرية، طوال فترة احتلالها الأحساء، هي تلك التي حملتها سفينة كويتية من ميناء الحديدة، على البحر الأحمر، إلى القطيف، في نوفمبر 1839. وهكذا، عكست سياسة شيخ الكويت، إزاء هذا الصراع، حقيقة فهْمه لطبيعة العلاقة بالدولة العثمانية. فليس في سياسته ما ينمّ على تبعية الكويت، فعلياً، للدولة العثمانية. بل هو تصرف باستقلالية، وانطلاقاً مما تمليه المصالح الكويتية.

وفي عهد الشيخ صباح الثاني بن جابر الأول، الحاكم الرابع، (1859ـ 1866)، تحسنت علاقات الكويت بالدولة العثمانية، ضمن إطار تبعيتها الاسمية، فلم يكن هناك أي مظاهر لتبعية فعلية: فلا جزية، ولا رسوم، تدفعها الكويت إلى الدولة العثمانية. ولا وجود لموظفين عثمانيين، ولا حاميات ومراكز عسكرية عثمانية على أرض الكويت. فضلاً عن تصرف الكويت، باستقلالية، في شؤونها وعلاقاتها الخارجية. وفي هذا الإطار، نشأت علاقات وثيقة بين الجانبَين.

ولكن بعد جلاء القوات المصرية عن شرقي شبه الجزيرة العربية، عادت العلاقات بين الكويت والدولة العثمانية إلى سابق عهدها، واستمرت كذلك حتى عام 1866، عندما تولى نامق باشا ولاية بغداد، وسعى إلى تغيير طبيعة العلاقة بين الكويت والدولة العثمانية، أي تحويلها من تبعية اسمية إلى تبعية فعلية.

ويمكن القول، إنه في خلال تلك المرحلة، كان تبادل المصالح بين الجانبَين، هو أحد المبادئ المهمة التي حكمت العلاقات بينهما. فحكام الكويت في حاجة إلى الشرعية الدينية، وسفنهم في حاجة إلى رفع العلم العثماني، بينما الدولة العثمانية في حاجة إلى المساعدات، التي يقدمها أسطول الكويت، في عملياتها، التي كانت تستهدف، في بعض الأحيان، قوى معادية للكويت.

وإذا كانت تلك هي طبيعة العلاقات بين الكويت والدولة العثمانية حتى عام 1869، إلاّ أن هناك بعض المستجدات التي طرأت على هذه العلاقة ما بعد عام 1869.

2. المرحلة الثانية (1869 ـ 1899)

  تُعَد حركة الإصلاح، التي شهدتها الدولة العثمانية، خلال القرن التاسع عشر، من العوامل المهمة، المؤثرة في العلاقة بين الكويت والدولة العثمانية، في مرحلة ما بعد 1869. وجوهر هذه الحركة الإصلاحية هو إقامة حكومة مركزية قوية، على غرار الحكومات الأوروبية، لفرض هيبة الدولة في مختلف ولاياتها. وقد بدأت الدولة العثمانية في فرض المركزية على العراق، ثم على المناطق المتاخمة له، ابتداء من عام 1866، أي منذ تولي نامق باشا ولاية بغداد (1866 ـ 1869). وفي هذا الإطار، سعى الوالي إلى تغيير علاقة إستانبول بالكويت، وحاول تنفيذ خطة ذات شقين: الأول، قبول شيخ الكويت لقب قائمقام. والثاني، إنشاء مركز عثماني، لتحصيل الجمارك في الكويت. وقد رفض شيخ الكويت الخطة، وأصرّ على أن تبقى الكويت، كميناء مفتوح للتجارة. ويُقال إن نامق باشا قد طلب سفينتَين مجهزتَين، من الآستانة، لمهاجمة الكويت واحتلالها، خاصة أن الدولة العثمانية تنظر، بخشية، إلى ازدياد النفوذ البريطاني في الكويت. وعلى أثر ذلك، طلب شيخ الكويت من بريطانيا، ألاّ ترسو سفنها في ميناء الكويت، خوفاً من هجوم العثمانيين. وتقديراً من المقدم لويس بيلي، المقيم السياسي البريطاني في الخليج، لموقف الكويت، أوصى حكومته بقبول وقف رسو السفن البريطانية في الكويت إلى حين، خوفاً من تعرض الكويت واقتصادها لمتاعب من السلطات العثمانية. فأَخفَقَت محاولة نامق باشا.

ويذكر لوريمر، في هذا الصدد، أن المقدم لويس بيلي، المقيم السياسي البريطاني في الخليج، زار، عام 1863، الكويت، لتأسيس علاقات سياسية بشيخها صباح الثاني بن جابر الأول (1859 ـ 1866)، وحمله على الخروج على الدولة العثمانية، ولكنه فشل في مهمته. وخلال الزيارة، رصد بيلي إمكانات الكويت، كميناء تجاري مهم، فضلاً عن صلاحيتها لتكون قاعدة لمحطة تلغراف بريطانية، أو مستودعات للفحم، إذا دعت الظروف إلى ذلك.

والواقع، أن الفشل، الذي مُني به نامق باشا، في تغيير طبيعة العلاقة بين الكويت والدولة العثمانية، لم يثنِ خليفته، مدحت باشا، الذي تولى ولاية بغداد خلال الفترة من 1869 حتى 1872، عن عزمه تحقيق هذا الهدف، أي لتحويل تبعية الكويت الاسمية للدولة العثمانية إلى تبعية فعلية، خاصة أن الرجل، كان من أبرز رواد حركة الإصلاح في الدولة العثمانية. وقد استصدر مدحت باشا فرماناً عثمانياً، تضمن الأُسس الجديدة، التي تحكم علاقة الكويت بالدولة العثمانية. وتختلف المصادر في تحديد السنة، التي صدر فيها هذا الفرمان، على الرغم من اتفاقها في تحديد محتواه. فبعضها يرى أنه صدر عام 1870، وهو العام الذي أصدر فيه مدحت باشا تنظيماته الإدارية، وسعى إلى تنفيذها في العراق. ويؤكد بعضها الآخر، أن هذا الفرمان، أو الأمر الرسمي، قد صدر في نهاية عام 1871، أثناء زيارة مدحت باشا إلى الكويت، وهو في طريقه إلى تفقّد القطاعات العسكرية، في الأحساء، بعد الحملة العثمانية، التي شُنت من البصرة على الأحساء والقطيف، وقادها نافذ باشا، في وقت مبكر من عام 1871

وقد حدد الفرمان العثماني، الذي صدر في عهد مدحت باشا، علاقة الكويت بالدولة العثمانية، طبقاً للأسس التالية:

أ. الكويت قضاء عثماني تابع لولاية البصرة، يتوارث الحكم فيه شيوخ أُسرة الصباح، على أن يكون شيخ الكويت مستقلاً في شؤونه الداخلية.

ب. منح شيخ الكويت لقب قائمقام.

ج. أهالي الكويت، لا يلتزمون بدفع رسوم أو ضرائب إلى الباب العالي.

د. إلزام السفن الكويتية برفع العلم العثماني، في البر والبحر، وإسقاط أعلام الدولة الأخرى كافة، مع إعفاء السفن الكويتية من دفع أي رسوم أو ضرائب.

إن هذا الفرمان لم يفرض على الكويت تطبيق القضاء العثماني، وسمح لها بممارسة قضائها الخاص، طبقاً لظروفها. كما أنه لم يلزم أهالي الكويت باستخدام العملة العثمانية، وسمح لهم بحرية التعامل بمختلف العملات المتداولة، دون إلزامهم بعملة محددة.

وفي عهد الشيخ عبدالله الثاني بن صباح الثاني، الحاكم الخامس (1866 ـ 1892)، شاركت الكويت، بفاعلية، في الحملة العثمانية، التي انطلقت من البصرة إلى الأحساء والقطيف، عام 1871. ولم تقتصر مشاركتها على استخدام السفن الكويتية في نقل الأسلحة والعتاد والذخائر والمقاتلين من البصرة، بل شاركت بقوات بحرية وبرية. وقد تولى الشيخ عبدالله الثاني، بنفسه قيادة القوات البحرية، ووكل قيادة القوات البرية، المؤلفة من أهالي الكويت وعشائرها، إلى أخيه مبارك بن صباح الثاني الذي تولَّي حكم الكويت، عام 1896. وعلى أثر هذه الحملة الناجحة، تمكن مدحت باشا من الاستيلاء على مقاطعات الأحساء، وأطلق عليها اسم لواء نجْد، ونصّب الأمير عبدالله بن سعود قائمقاماً عليها، من قِبل الدولة العثمانية. وبعد أن تمكنت الحملة العثمانية من إحكام سيطرتها على مقاطعات الأحساء، خرجت قوة عثمانية، احتلت قطَر، وكانت تتألف من عشائر بدوية كويتية، بقيادة عبدالله الصباح، واتخذت من الدوحة مركزاً لها. وتعلّل مدحت باشا في غزوه بأن القبائل البدوية، تعرض سلامة الإمارة للخطر. وفي أواخر عام 1871، زار والي بغداد الكويت، أثناء رحلته لتفقد القطاعات العسكرية في الأحساء، ومنح شيخ الكويت لقب قائمقام، وأنعم عليه بلقب باشا، كما منحه مساحات واسعة من مزارع النخيل، في الفاو والبصرة، وأعفاه من ضرائبها. وهو ما أدى إلى ظهور مشكلات كثيرة، فيما بعد، بين شيوخ الكويت وولاة البصرة، ثم العراق، بعد ذلك. كما قرر مدحت باشا استمرار صرف الرواتب السنوية لحكام الكويت، من خزانة البصرة.

وقد استغل مدحت باشا هذه التطورات، فأقام مركزاً جمركياً في الكويت. إلاّ أن هذا المركز، لم يستمر طويلاً، إذ اكتشف العثمانيون عدم جدواه. ولم يعترض الكويتيون على فكرة إنشاء مركز جمركي في الكويت، على الرغم من تعارضها مع السياسة الكويتية الثابتة، القائمة على رفض أي وجود عثماني فعلي في الكويت، وذلك حتى يجعلوا العثمانيين يتأكدون بأنفسهم، من عدم جدوى وجود مركز جمركي، تابع لهم، في الكويت، وحتى يثبتوا الامتيازات التي أُقِرّت لهم في فرمان مدحت باشا. وقد ظل شيوخ الكويت يتقاضون رواتب سنوية من الدولة العثمانية، ويتبعون والي البصرة، بصفة اسمية، من دون وجود قوات عثمانية أو موظفين عثمانيين في الكويت، ومن دون دفع أهالي الكويت رسوماً أو ضرائب، حتى تولى مبارك الحكم، عام 1896، فظهرت متغيرات جديدة أعادت تشكيل علاقة الكويت بالدولة العثمانية.

وبدأ يتقلص دور الدولة العثمانية، في الخليج وشبه الجزيرة العربية، في مرحلة ما بعد مدحت باشا (1869 ـ 1872)، إذ انشغلت الدولة العثمانية بحروبها مع روسيا، وبمشكلاتها في البلقان، مما حال دون تدعيم وجودها في الخليج. كما أن الوجود العسكري العثماني في الأحساء، تعرض للتدهور والانهيار، نظراً إلى كثرة تمرد القبائل، وانتشار الأمراض والأوبئة، مما دفع بالسلطات العثمانية إلى سحب قواتها، المتمركزة في الأحساء، إلى البصرة.

وبعد تولي الشيخ مبارك بن صباح الثاني، الحاكم السابع (1896 ـ 1915)، بعد أن قتل أخويه، سعت السلطات العثمانية إلى أن يكون لها وجود فعلي في الكويت. فأنشأ فيها باشا البصرة مركزاً للحجر الصحي، وأرسل موظفين عثمانيين للعمل فيه. ولم يكن مبارك مستعداً لقبول مبدأ وجود موظفين عثمانيين في الكويت. لذلك، بدأ يتطلع إلى دعم خارجي، خاصة أنه كان مهدداً من قِبل عبدالعزيز آل رشيد، حليف العثمانيين، ويوسف بن عبدالله، الذي كان يتطلع إلى حكم الإمارة.

وفي الشهر نفسه، الذي وصل، خلاله، موظفون عثمانيون إلى الكويت، للعمل في مركز الحجر الصحي، طلب الشيخ مبارك مقابلة المقيم السياسي البريطاني في الخليج، وأبلغه رغبته في وضع الكويت تحت الحماية البريطانية، حتى لا تقع تحت السيطرة العثمانية. إلاّ أن بريطانيا، لم تستجب له، من الفور، إذ كان لا بدّ أن يُعلن استقلال الكويت عن الدولة العثمانية، حتى يتسنى لها إبرام معاهدة معها. ولذلك، تراجعت بريطانيا عن اعترافها، الصادر عام 1878، والمتعلق بإقرارها بالسيادة العثمانية في الساحل الشمالي للخليج. وعاد مبارك وكرر طلب الحماية من بريطانيا، في نوفمبر 1897[3]، وقبِلت الحكومة البريطانية طلبه، هذه المرة، ووقع الجانبان اتفاقية سرية، في 23 يناير 1899. (أُنظر وثيقة أصل اتفاقية الحماية البريطانية على الكويت في 23 يناير 1899)، و(وثيقة نص اتفاقية الحماية البريطانية على الكويت في 23 يناير 1899 "صورة طبق الأصل من لغة الاتفاقية")، و(وثيقة ترجمة نص اتفاقية الحماية البريطانية على الكويت في 23 يناير 1899).



[1] باعتبار أن الدولة العثمانية تمثل دولة الخلافة في العالم الإسلامي، أو الدولة الرائدة لقيادة المسلمين

[2] المحمرة اسمها، اليوم، "خورمشهر"، وتوجد في إقليم "عربستان"، الذي يُعرف، الآن، بإقليم "خوزستان"، في إيران. وكان هذا الإقليم تحت السيطرة العربية، قبْل أن تسيطر عليه الحكومة الإيرانية. وفيها ميناء تجاري مهم.

[3] يشير المصدرKuwait A Nation s Story ، إلى أن الشيخ مبارك كرر طلبه في سبتمبر 1897، وليس في نوفمبر.