إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المواقف وردود الفعل العربية، تجاه الغزو العراقي، خلال الأيام الأولى للأزمة









ثانياً: ردود الفعل العربية (2 ـ 10 أغسطس 1990)

2. جمهورية مصر العربية

    في القاهرة، وفي الساعة الرابعة، فجر الخميس، 2 أغسطس 1990[9]، أيقظ الدكتور مصطفى الفقي، سكرتير الرئيس حسني مبارك للمعلومات، هاتف من السفير سعيد رفعت، سفير مصر إلى الكويت، يبلغه أن القوات العراقية، احتلت، الساعة الثالثة، مخفرَين للشرطة، على الحدود الكويتية ـ العراقية، وسط تكهنات، أن احتلالهما، يمكن أن يكون مقدمة لغزو عراقي. وفي الساعة الرابعة والنصف، دق الهاتف، مرة ثانية. وكان المتحدث، هو السفير عبدالرازق الكندري، سفير الكويت إلى القاهرة، يبلغ العاصمة المصرية، رسمياً، أن الكويت، تتعرض، منذ 3 ساعات، لعمل عسكري عراقي، وأن العراقيين في قلب مدينة الكويت، الآن.

    وأيقظ الرئيس حسني مبارك، صوت الدكتور مصطفى الفقي، يقرأ له ثلاثة تقارير، وصلت، تباعاً، إلى مكتب الرئيس: تقرير السفير سعيد رفعت، وتقرير السفير عبدالرازق الكندري، وتقرير ثالث من الاستخبارت المصرية، يذكر أن قوات المظليين العراقية، احتلت، في الساعة الثالثة والنصف، مطار الكويت الدولي، وقاعدة أحمد الجابر الجوية؛ مما يؤكد بداية عملية عسكرية واسعة النطاق في عمق الكويت. وأضاف الدكتور مصطفى الفقي أن المعلومات، تشير إلى أن القوات العراقية، احتلت قصر الأمير، وقصر وليّ العهد، ووزارتَي الدفاع والداخلية، وعدداً آخر من الوزارات.

    وصباح 2 أغسطس، راحت وسائل الإعلام المحلية والعربية تذيع كل التفاصيل عن أخبار الاجتياح، ومعارك المقاومة الكويتية، التي لم تصمد سوى ساعات قليلة، إذ بات كل شيء في قبضة الجيش العراقي. كما راحت الأخبار تتناقل قصة الأمير واختفائه.

    وفي اليوم نفسه، كانت القاهرة في حالة نشاط مكثف. فقد صادف، في ذلك الوقت، أن انعقد فيها مؤتمر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، بعد عودة مصر إلى عضوية جامعة الدول العربية. وتقدمت سورية وغيرها من الدول العربية، بطلب عقد قمة عربية طارئة، يسبقه، من الفور، اجتماع لوزراء الخارجية العرب. وإذ إنهم حاضرون، بالفعل، ضمن وزراء خارجية الدول الإسلامية، فيكفي، إذاً، توجيه الدعوة إليهم ليجتمعوا، وحدهم، في ظرف ساعة.

    بينما كان وزراء الخارجية العرب مجتمعين في القاهرة، كان الرئيس حسني مبارك، في استراحة برج العرب، يقرأ تقديراً للموقف، أعدَّه مكتبه، بالاشتراك مع وزارة الخارجية، والاستخبارات العامة. ثم خرج من تقدير الموقف بعدة توصيات عملية، هي:

أ. من الأفضل الاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية، حتى لا تتصاعد مظاهرتها العسكرية. إذ إن تدخّلها في الأزمة، يجب أن يجيء خطوة بعد خطوة، وإلاّ أعطت العراق فرصة لتعبئة الرأي العام العربي ضدها.

ب. لا بدّ من رسالة واضحة إلى إسرائيل، ألاّ تتدخل في الأزمة، لأن تدخّلها يعقد الأمور، ولا يساعد على حلها.

ج. من المستحسن التأكد، مبكراً، أن إيران ليست داخلة في العملية، سواء من زاوية الضغط لرفع أسعار النفط، أو تقسيم مناطق النفوذ في الخليج بين البلدَين (العراق وإيران).

د. إنه يتحتم بذل كل جهد في إبقاء العقيد معمر القذافي بعيداً عن العراق، بأي ثمن.

    وفي الساعة الثالثة وعشر دقائق، من بعد ظُهر الخميس، 2 أغسطس 1990، تلقى الرئيس حسني مبارك مكالمة هاتفية من الملك حسين، أبدى فيها رغبته في أن يحضر إلى مصر، للقاء الرئيس، على نحو عاجل، لبحث الموقف المتأزم. ورحب الرئيس المصري، راجياً أن يكون في وسعهما إنجاز شيء، يساعد على تدارك الموقف.

    وفي الساعة السادسة وعشر دقائق، من مساء اليوم نفسه (2 أغسطس)، وصل الملك حسين إلى الإسكندرية. وتحدث الرئيس مبارك عن مفاجأة الغزو التي أذهلته، لأن صدّاماً، كان قد وعَده بغير ذلك. وتحدث عن عواقبها الوخيمة على العراق، وعلى الوضع العربي برمّته واقترح أن يسافر الملك حسين فوراً، إلى بغداد، في محاولة لإقناع الرئيس العراقي بقبول نقطتَين مهمتين:

الأولى: الانسحاب من الكويت، من دون إبطاء.

الثانية: عودة الحكومة الشرعية، وعدم التعرض لها.

    وهما النقطتان، اللتان سيبحث على أساسهما، أوجُه النزاع العراقي ـ الكويتي، في قمة مصغرة، يحضرها الملك فهد، والرئيس صدام حسين، والرئيس مبارك، والملك حسين، والرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد. وأكد الرئيس مبارك للملك حسين، أنه من دون قبول هاتَين النقطتَين، ستستحيل الدعوة إلى عقد قمة مصغرة.

    وتختلف الروايات، بين الجانب المصري، والجانب الأردني، في النقطتَين، اللتَين أبداهما الرئيس حسني مبارك، أساساً لموافقة صدام حسين عليهما، من أجْل عقد القمة المصغرة، في جدة.

    فتقول الرواية المصرية، عن أساس عقد القمة المصغرة، أنه عندما استشعر الرئيس حسني مبارك، أن الملك الأردني غير متحمس للسفر إلى بغداد، طلب الرئيس العراقي، صدام حسين، هاتفياً، وأبلغه أن هناك اقتراحاً، أن يسافر الملك حسين إلى بغداد، اليوم، من أجْل بحث نقطتَين مهمتَين، يمكن أن تكونا أساساً لانعقاد قمة مصغرة، في جدة، تسفر عن الخروج من هذه المأساة. ورحب صدام حسين بزيارة الملك حسين، على أن تكون الزيارة في اليوم التالي (3 أغسطس). وطلب أن يتحدث مع الملك حسين، كي يرتبا معاً إجراءات وصوله، لأن أجواء العراق مغلقة، بسبب ظروف الحرب.

    أمّا الرواية الأردنية، فتقول إن الملك حسيناً، تابع حديث الرئيس مبارك مع صدام حسين. ولم يفهم منه، أن هاتَين النقطتَين هما أساسَين أو شرطَين. وقال الملك حسين: "لقد اتفقنا، أن استوضح موقف القيادة العراقية من اقتراحَين:

الأول: التزام عراقي بالانسحاب من الكويت، بالسرعة الممكنة.

الثاني: موافقة العراق على حضور قمة مصغرة، في جدة، لبحث جميع أوجُه النزاع العراقي ـ الكويتي وتسويته". (أُنظر وثيقة مذكرة وزارة الخارجية المصرية، في شأن ما ورد في الكتاب الأبيض الأردني، والرد المصري الرسمي عليه)

    وبعد انتهاء المكالمة الهاتفية بين الملك حسين والرئيس العراقي، صدام حسين، راح الرئيس المصري يناقش العاهل الأردني، في الإسكندرية، في كافة الخيارات الممكنة. وقال له إننا نفكر في إصدار بيان عن وزارة الخارجية المصرية، يبدي أسف مصر لوقوع الغزو العراقي، ويؤكد ضرورة الانسحاب، وعودة الشرعية. ولكن الملك الأردني، رفض أن يسافر إلى بغداد، إذا صدر هذا البيان عن القاهرة. وكان رد الرئيس مبارك: "إن كان في وسع القاهرة، على الرغم من الضغوط المتواصلة عليها، أن تؤجل إصدار البيان مدة 24 ساعة، ريثما تكمِل مهمتك في بغداد، فماذا يكون في وسعنا أن نفعل مع وزراء الخارجية العرب، المجتمعين، الآن، في القاهرة، للنظر في طلب وزراء خارجية دول الخليج، ضرورة اتخاذ موقف عربي واضح من الغزو العراقي؟". وقد طلب الملك حسين من الرئيس مبارك، أن يفعل كل ما في وسعه، من أجْل تأجيل صدور هذا البيان، هو الآخر، لمدة 24 ساعة، إلى حين إكمال مهمته في بغداد.

    وبالفعل، وبناء على رغبة الملك حسين الملحّة، اتصل الرئيس حسني مبارك، وفي حضور الملك وأعضاء وفده، بوزير خارجيته، الدكتور أحمد عصمت عبدالمجيد، يطلب منه بذل كل الجهود، من أجْل إقناع وزراء الخارجية العرب بتأجيل إصدار بيانهم مدة 24 ساعة، ريثما تكتمل مهمة الملك حسين، لعلّ جهوده تنجح في الوصول إلى حل عربي. ولكن الدكتور عصمت عبدالمجيد، واجَه معارضة، وحالة من الغليان لدى معظم وزراء خارجية الدول العربية، خاصة دول الخليج. وتولى الرئيس مبارك بنفسه مهمة الاتصال بعدد من وزراء الخارجية العرب، يرجوهم معاونة الدكتور عصمت على مهمته. وفي الوقت نفسه، وضع الرئيس مبارك طائرته الخاصة، من نوع (G-4) في تصرف وزير الخارجية الأردني، لنقْله من الإسكندرية إلى القاهرة، للتداول مع وزير الخارجية المصري، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، وذلك بهدف تهدئة وزراء خارجية دول الخليج. وعندما وصل وزير الخارجية الأردني إلى القاهرة، كان كل شيء قد انتهى. فقد وافق وزراء الخارجية العرب على تأجيل اجتماعهم إلى الساعة السادسة، من مساء يوم 3 أغسطس. وبذلك اطمأن الملك حسين، بعد أن تأكد أن وزراء الخارجية العرب، قد أجّلوا إصدار بيانهم مدة 24 ساعة أخرى، انتظاراً لنتيجة مهمته المرتقَبة.

    وأثناء اجتماع الزعيمَين العربيَّين، في قصر رأس التين، في الإسكندرية، جاءت المكالمة الهاتفية المنتظرة من الرئيس الأمريكي، جورج بوش، من طائرته الخاصة، وهو متجه إلى مدينة "أَسْبِنْ Aspen، في ولاية كولورادو[10]. وقد طلب أن يتحدث إلى الملك حسين. وعندها، غادر الرئيس مبارك مكتبه، ليتيح للملك فرصة الحوار، منفرداً، مع الرئيس الأمريكي. وفي تلك المكالمة، أبلغ الملك حسين الرئيس بوش، أنه في حاجة إلى 48 ساعة، على الأكثر، يسافر، خلالها، إلى بغداد، سعياً إلى الحصول على التزام محدَّد من الرئيس العراقي، في خصوص انسحابه الفوري من الكويت، وعودة الشرعية إليها.

    وفي الساعة العاشرة وعشرين دقيقة، من صباح اليوم التالي، الجمعة 3 أغسطس، اتصل الرئيس حسني مبارك، هاتفياً، بالملك حسين، الذي كان قد وصل إلى عمّان، في منتصف الليلة السابقة، بعد زيارته الإسكندرية. وفي تلك المكالمة، سأله الرئيس مبارك عن سبب التأخير في الذهاب إلى بغداد. وأنه لا بدّ من الاستعجال، لأن عنصر الوقت، ليس في المصلحة. ورد عليه الملك حسين، أنه سيتوجَّه إلى بغداد، بعد قليل، بعد أن رتب مع العراقيين إجراءات وصوله. وأنه سيفاتح الرئيس العراقي في ضرورة حضور العراق القمة المصغرة. عندئذٍ، أوضح له الرئيس مبارك، أنه من الضروري أن يكون واضحاً للرئيس العراقي، أن القمة ستنعقد على أساس قبول العراق للنقطتَين الأساسيتَين، وهما: الانسحاب وعودة الشرعية، ومن دونهما، يستحيل انعقاد القمة.

    وفي الساعة الرابعة والنصف، من مساء يوم 3 أغسطس 1990، وبعد ما اتضح لجمهورية مصر العربية، بأن الملك الأردني، لم يفاتح الرئيس العراقي فى النقطتَين الأساسيتَين، اللتين تُعَدّان ركيزتَين لإمكان عقد اجتماع قمة مصغرة، في جدة ـ أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانها، في شأن إدانة الغزو العراقي للكويت. (أُنظر وثيقة بيان وزارة الخارجية المصرية، في شأن إدانة الغزو العراقي للكويت، في 3 أغسطس 1990)

    وفي 4 أغسطس، أكدت مصر موقفها، مجدداً، من خلال ما صرح به الرئيس حسني مبارك، عقب لقائه الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، في الإسكندرية، أن القاهرة ترفض رفضاً قاطعاً التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وطالب بضرورة انسحاب القوات العراقية من الكويت. وأعرب عن أمله أن تنجح الاتصالات الثنائية في تطويق هذا النزاع وحله، بالطرق السلمية، والحيلولة دون تدخّل أي قوى أجنبية فيه، وحصره في نطاق الأُسرة العربية.

    وفي اليوم نفسه، وفي إطار إيجاد حل عربي للأزمة، عقد الرئيس حسني مبارك والرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، جلسة مباحثات، في الإسكندرية، حول آخر التطورات في منطقة الخليج، وسُبُل إنهائها، وإمكانية إيجاد حل لها، والتركيز في تفادي التدخل الأجنبي في المنطقة. وقد استمرت المباحثات بين الجانبَين مدة يومَين.

    وفي 6 أغسطس، وللمرة الثانية، وصل الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، إلى الإسكندرية، ومعه نائبه، صلاح خلف (أبو إياد)، للقاء الرئيس حسني مبارك، ليبحث معه سُبُل احتواء الأزمة. وأثناء الاجتماع، واصل الرئيس مبارك اتصالاته مع عدد من القادة العرب، بهدف تعرُّف الإمكانات المتاحة، في إطار التحرك العربي، للخروج من هذا المأزق، الذي ورّط فيه صدام الأمة العربية. وكان رأي ياسر عرفات، أن الفرصة لم تفت، بعدُ، لحل عربي. وأبدى الرئيس مبارك موافقته، وقال إن سورية، وجَّهت الدعوة إلى عقد مؤتمر قمة عربي، وأنه يفكر في توجيه دعوة مماثلة إلى قمة، تعقد في القاهرة. ثم سأل الرئيس مبارك ياسر عرفات، ما إذا كان يستطيع التأثير في صدام حسين، ليحضر مثل هذا الاجتماع؟ وأجاب ياسر عرفات، أنه سيحاول. "ولكن نظراً إلى الجو العربي العام، فإن الرئيس صداماً، قد يرى ألاّ يحضر بنفسه. وفي هذه الحالة، فإنه سيحاول إقناعه بإرسال وفد عالي المستوى، مفوض إليه اتخاذ قرارات".

    وبعد سفر الرئيس الفلسطيني، قرر الرئيس حسني مبارك، أن يتصل هو نفسه مع الرئيس العراقي، صدام حسين؛ إذ بات لا يثق بجدوى الاتصالات غير المباشرة، أو تلك التي يضطلع بها طرف ثالث. ومن الفور، استدعى السفير نبيل نجم، السفير العراقي لدى القاهرة، وطلب إليه أن يسافر، فوراً، إلى بغداد، حاملاً رسالة من الرئيس المصري، يطلب فيها أن يعلـن الرئيس صـدام حسين استعـداده للانسحاب من الكويت. وسيبادر الرئيس مبارك، إلى اتخاذ ما يلزم، لمنع تعرّض الرئيس صدام لأي حرج، والعمل على حفظ ماء وجهه. وبالفعل، توجه السفير نبيل نجم إلى بغداد. وعاد، في اليوم التالي (7 أغسطس)، إلى الإسكندرية، ومعه عزة إبراهيم، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي.

    وفي 7 أغسطس 1990، كان للرئيس مبارك لقاءات عدة. فقد التقى وزير الدفاع الأمريكي، ريتشارد تشيني، بعد أن أكمل مهمته في المملكة العربية السعودية، والذي أبلغ الرئيس، أن الولايات المتحدة الأمريكية، قررت إرسال قوات أمريكية إلى المملكة، للدفاع عنها، بناء على طلبها.

    وبعد لقاء الرئيس مبارك وزير الدفاع الأمريكي، التقى عزة إبراهيم، نائب الرئيس العراقي صدام حسين.

    وطبقاً لرواية الرئيس مبارك، فإن عزة إبراهيم قال له: "إن العراق يَعُدّ ضمه الكويت إجراءً نهائيـاً، لا رجعة فيه، ولا تفاوض، ولا تنازل؛ لأنها جزء من التراب الوطني العراقي". وأبدى الرئيس مبارك دهشته لهذا الموقف المتعنت، وقال له: "إذا استمر هذا الموقف، فسيستحيل إصلاح الخلل الخطير، الناجم عن الاحتلال. ومن المؤكد، أن الموقف سيزداد سوءاً".

    ويروي عزة إبراهيم، أنه ذكر للرئيس مبارك، "أن التحشد الأمريكي ظاهر. كما أن الرئيس الأمريكي، بوش، لا يخفي نياته ضد العراق. وأن إعلان أي شيء عن الانسحاب، الآن يُعَدّ تراجعاً أمام الضغط الأمريكي. وبما أن هناك تفكيراً جدياً في عقد مؤتمر قمة عربي، في القاهرة، فقد يكون من المستحسن انتظار ما سيسفر عنه هذا المؤتمر...".

    ويرى المحللون، أن رواية عزة إبراهيم، تتعارض مع إعلان عراقي، صدر قبْل ساعات، يُعلن ضم الكويت إلى العراق، وعدها الولاية التاسعة عشرة. وكان تفسير العراقيين لهذا التعارض بين الروايات والتصرفات، أنهم تأكدوا، منذ 6 أغسطس، أن اتفاقاً قد أبرِم بين الملك فهد ووزير الدفاع الأمريكي، ريتشارد تشيني. ولكن كل هذه الحجج والمناقشات والآراء، في العالم العربي، كانت في غير أوانها؛ إذ إن الوقت قد فات، على عكس ما ظنه ياسر عرفات، والقطار الأمريكي كان قد تحرك.

    وفي 8 أغسطس 1990، وبعد أن تأكد، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تحشد قواتها، وأنها تعتزم القضاء على الغزو العراقي للكويت، من جهة، وأن العراق يتصلب في موقفه، في شأن تمسكه باستمرار احتلاله الكويت، من جهة أخرى ـ عقد الرئيس مبارك مؤتمراً صحفياً عالمياً، في الساعة الثالثة بعد الظهر. وجّه، خلاله، خطاباً إلى الأمة العربية، قال فيه: "إن الصورة سوداء، ومخيفة. وإن لم نتدارك الموقف، فوراً، فإن الحرب حتمية". وأضاف: "إن الموقف ينذر بأخطار مفزعة، ومدمرة". وناشد الرئيس العراقي "الاستجابة للمظلة العربية، وسحب القوات العراقية، وإعادة الشرعية إلى الكويت". وقال: "إن الأمن القومي العربي في خطر. وسلامة العراق في خطر. والأمة كلها في الميزان". وأضاف: "أُحذر من تعرض العراق لضربة شاملة، من جهات مختلفة؛ والشواهد مخيفة". وصرح، في نهاية المؤتمر الصحفي، بأن مصر مستعدة لاستضافة قمة عربية عاجلة، خلال 24 ساعة. وكان الهدف الأول من خطاب الرئيس مبارك، هو دعوة إلى مؤتمر عربي، ينعقد على مستوى القمة، في القاهرة، من الفور.

    وفجر 9 أغسطس، اتصل الرئيس حسني مبارك بسفير العراق لدى القاهرة. وطلب منه أن يتوجه إلى بغداد، مرة أخرى، حاملاً رسالة شفوية منه إلى الرئيس صدام حسين، ينصحه فيها بحضور مؤتمر القمة العربي. وإذا تعذر وصوله، فعليه أن يرسل وفداً، على مستوى عالٍ. وبالفعل، أعلن العراق، في الثالثة بعد الظهر، أنه سيرسل وفداً، برئاسة طه ياسين رمضان، النائب الأول للرئيس العراقي.

    وبدأ يتوافد على القاهرة ملوك الدول العربية وأمراؤها ورؤساؤها، للمشاركة في القمة العربية الطارئة، التي دعا إليها الرئيس حسني مبارك. وقد أجرى الرئيس المصري، محادثات منفردة، مع كل زعيم عربي على حِدة، خلال استقباله القادة العرب، لدى وصولهم، تباعاً، إلى مطار القاهرة. وعند وصول الوفد العراقي، برئاسة طه ياسين رمضان، في الساعة السادسة مساءً، طلب الرئيس مبارك لقاء طه ياسين رمضان، لإجراء محادثات منفصلة بينهما.

    وفي الساعة التاسعة من مساء 9 أغسطس، توجّه طه ياسين رمضان إلى لقاء الرئيس مبارك. ويروي الرئيس مبارك، أن طه ياسين، قال له، في نهاية المناقشات الطويلة: "إن ضم الكويت إلى العراق، هو إجراء نهائي، لا مراجعة فيه، ولا عدول عنه، لأي سبب. وإن العراق، يرى هذا القرار وطنياً، لا يمكن طرحه للمناقشة، عربياً". وإنه يحضر المؤتمر، لمناقشة الأوضاع العربية كلها. بينما يذكر طه ياسين رمضان، أنه قال للرئيس مبارك: "إن دولاً عربية معيّنة، قد عبَرت خط الأمان، وتورطت مع الأمريكيين، بغير عودة". ولكن العراقيين يثقون به (أي الرئيس مبارك)، "وإن كانوا قد فقدوا الثقة بالآخرين".

    وفي الساعة الحادية عشرة والنصف، من صباح 10 أغسطس 1990، عقدت القمة العربية الطارئة أولى جلساتها، حينما بدأ الرئيس حسني مبارك إلقاء خطابه الافتتاحي، في جلسة صباحية مفتوحة، تعقبها جلسة مسائية أخرى.

3. المملكة الأردنية الهاشمية

    ظُهر 3 أغسطس، توجّه الملك حسين إلى بغداد، لبحث إمكانية عقد قمة مصغرة، على أساس النقطتَين اللتَين أثارهما معه الرئيس حسني مبارك، أمس، في الإسكندرية. وفي الساعة الحادية عشرة والنصف، هبطت طائرة الملك حسين في مطار بغداد، بعد توقف قصير في قاعدة جوية عراقية يرمز لها بـ (H-2)، كي تُقِلّ الملك طائرة حربية عراقية، نظراً إلى إغلاق الأجواء العراقية والكويتية. وكان في استقباله الرئيس العراقي، وعدد من كبار أعضاء القيادة العراقية. ومن الفور، اتجه الزعيمان إلى السيارة الرئاسية، التي أقلّتهما إلى قصر الرئاسة في بغداد.

    وفي السيارة، أثناء توجههم إلى قصر الرئاسة، بدأ الرئيس صدام حديثه إلى الملك حسين، قائلاً: "في البداية، لا بدّ لي أن أشكرك على الجهود المضنية، التي تضطلع بها من أجْل مصلحة هذه الأمة". ثم أضاف: "لقد نبّهت، في السابق، أنه إذا فشلت المفاوضات، وهذا ما حدث في جدة، فإنني سأعتمد وسائل أخرى لحل المشكلة. لكم علينا يا جلالة الملك حق عرب، ونفس الحق للرئيس مبارك. وفي الحقيقة، فإنني لم أرغب في إخطاركما بما حصل مسبقاً، كي لا أحرجكما أمام الغرب، أو أمام الكويتيين. آثرتُ أن أتحمل المسؤولية بنفسي، دون إحراج غيري".

    وبدأ الملك حسين يشرح رؤيته إلى الأمور، على أساس أنه يعرف الغرب أكثر من غيره، ويستطيع أن يؤكد، أن الدول الغربية، سوف تتدخل عسكرياً. وقال بالحرف الواحد: "أستطيـع أن أوكـد لك، يا سيادة الرئيس، أن الغرب سيتدخل عسكرياً، إنْ لم نسارع نحن العرب إلى حل عاجل". وعاجله الرئيس صدام بقوله: "أعتقد أنه لا ينبغي أن ندع الغرب يثير الفزع في قلوبنا". وكان رأي الملك حسين، أن المسألة ليست مسألة فزع. وراح يشرح، تفصيلاً، يقينه بأن التدخل العسكري الأمريكي قادم، لا شك فيه، إذ لم ينسحب العراق من الكويت.

    وكان الرئيس العراقي يستمع إلى هذا الحوار الطويل، وبدا للملك حسين أنه تمكن، خلال حواره، من التأثير في الرئيس العراقي، الذي بدأ يميل إلى التجاوب، حسب رواية الملك حسين، حينما قال له صدام: "إننا، على كل حال، كنّا قد اتخذنا قراراً بالانسحاب". وأطلع الملك حسين على فحوى تصريح صادر عن مجلس قيادة الثورة، يقول: "إن القوات العراقية، أنهت مهمتها في مساندة ثورة شعبية كويتية، ضد حكم أُسرة الصباح. وبذلك، فإن القوات العراقية تستطيع أن تغادر الكويت، تاركة الأمر في يد حكومة كويتية وطنية، تدير الأمور في فترة انتقال".

    في نهاية هذا الحوار، سأل الملك حسين الرئيس العراقي: "هل ستذهب إلى القمة المقررة في جدة؟". وأومأ الرئيس العراقي برأسه، أنه سيذهب. ولكنه تحفظ بقوله، إنه ربما لا يتمكن من حضورها، بسبب مشاغله. ولا داعي لحضور أمير الكويت. وسأله الملك حسين سؤالاً آخر: "هل ستنسحب من الكويت؟" فأجاب الرئيس صدام حسين: "سننسحب، بعد أسابيع قليلة. فأنت تعلم، يا جلالة الملك، بأن سحب كل هذه القوات، سيحتاج إلى زمن يكفيه". ورد عليه الملك حسين قائلاً: "يا سيادة الرئيس، ليس معنا أسابيع، ولا حتى أيام، أمامنا ساعات، الغرب بدأ يستعد لمنازلة عسكرية، والجامعة العربية تهدد بقرارات إدانة". وعندما أثار الملك حسين تهديدات الغرب بالتدخل، وتهديدات جامعة الدول العربية بالإدانة، أبدي الرئيس العراقي رد فعل غاضباً، وأجاب "دعنا لا نفقأ أعيننا بأيدينا، فيما يظل الغرب شامتاً بنا. أنا لا أريد أن أقول لهم، إن الكويت جزء من العراق!". واستطرد قائلاً: "إننا سنعقد اجتماعاً لمجلس قيادة الثورة، ونعرض عليه آراءكم".

    وطبقاً لرواية الملك حسين، فإنه بينما هو في طائرته، عائداً إلى عمّان، وصلته إشارة من الرئيس العراقي تقول: "إلى جلالة الملك حسين. إن مجلس قيادة الثورة وافق على وجهة نظرك، في اجتماع عُقد على عجل. سيحضر العراق اجتماع جدة، وسيعلن انسحابه من الكويت. لكن هناك موقفاً واحداً، سيؤدي إلى الإساءة، وهو أن يتخذ وزراء الخارجية العرب، المجتمعون في القاهرة، قراراً مسيئاً أو عنيفاً، ضد العراق. بغداد. أخوكم صدام".

    وعندما وصلت هذه الإشارة إلى الملك حسين، بدأ يشعر أنه في سباق مع الزمن. فقد خشي أن تسبقه الحوادث، ويؤدي مناخ الانفعالات، في القاهرة، إلى اتخاذ قرارات، قد تعصف بكل شيء. فقد كان الملك يعلم مدى الضغوط الأمريكية، خاصة على مصر والمملكة العربية السعودية. فقد ظل الرئيس بوش يدفع في اتجاه، يرمي إلى استعجال قرارات الاستنكار والإدانة والتعنيف وغيرها، مما قد يؤدي إلى صدع في الصف العربي، الذي لم يقُل أحد فيه بجواز قبول الاحتلال العراقي للكويت.

    ويتابع الملك حسين روايته فيقول، إنه لكي يكسب الوقت، بعد النجاح الذي أحرزه في مباحثاته مع الرئيس صدام حسين، رأى أن يبعث برسالة، من طائرته، من طريق برج المراقبة في مطار عمّان، يطلب فيها من وزير خارجيته، مروان القاسم، في القاهرة، أن يرجو زملاءه انتظار اتصاله بالرئيس حسني مبارك، وبعدها ستصلهم تعليمات جديدة. وعندما وصل الملك حسين إلى مطار عمّان، تلقى مفاجأة، يصفها بأنها صدمة من أقسى الصدمات في حياته، فقد عرف أن مصر أصدرت، في الساعة الرابعة والنصف، (أُنظر وثيقة بيان وزارة الخارجية المصرية، في شأن إدانة الغزو العراقي للكويت، في 3 أغسطس 1990) بياناً منفرداً، دانت فيه العراق أي أنها لم تنتظر حتى اجتماع وزراء الخارجية العرب، في الساعة السادسة، وتصرفت بمفردها، ثم إنها لم تنتظر أن يبلغها نتائج مهمته. واتصل بالرئيس حسني مبارك. وهنا، تختلف الرواية، مرة أخرى، حول توقيت إصدار البيان المصري، الذي يدين الغزو العراقي للكويت. (أُنظر وثيقة مذكرة وزارة الخارجية المصرية، في شأن ما ورد في الكتاب الأبيض الأردني، والرد المصري الرسمي عليه)

    يقول الرئيس حسني مبارك، حول هذه النقطة: إن الملك حسيناً، اتصل به، في الساعة الرابعة والنصف. وأخبره أن الجانب العراقي، وافق على حضور القمة المصغرة، وعندما سأل الملك عمّا إذا كان الرئيس صدام، قد وافق على التعهد بالانسحاب من الكويت، وعدم التعرض لحكومتها الشرعية؟ وهما الركيزتان الأساسيتان لعقد القمة المصغرة، رد الملك الأردني بأنه لم يبحث أي تفاصيل مع الرئيس صدام. فأجابه الرئيس مبارك: "لا أعتقد أن المؤتمر، يمكن أن ينعقد، لأنه سيتحول إلى مؤتمر شجار، لن يسفر إلاّ عن المزيد من الفُرقة العربية. ولا أعتقد أنه سيكون في وسع القاهرة، أن تلتزم، بعد الآن، مزيداً من الصمت، حيال الغزو العراقي. ومع الأسف، ليس أمامنا سوى أن تصدر الخارجية المصرية بياناً، يعلن أسف مصر، ويؤكد ضرورة الانسحاب من الكويت، وعودة الشرعية". ورد الملك حسين قائلاً: "ولكن مثل هذا البيان، سيثير غضب الإخوة في بغداد". وانتهت المكالمة بينهما، حينما قال الرئيس مبارك: "ليكن. ولكنني لا أستطيع الصمت حيال ما جرى". وعندئذٍ، أصدر الرئيس حسني مبارك بيان جمهورية مصر العربية. بعد ما أرجأه إلى ما بعد تعرُّف نتائج مباحثات الملك حسين في بغداد.

    ولكن الملك الأردني، يردّ على ذلك، فيقول: "إن مهمتي، كانت الترتيب لعقد القمة المصغرة. ولم أكن موظفاً يحمل رسالة. ومع ذلك، فقد كانت موافقة صدام حسين معي على الانسحاب. ولكن مصر، تسرعت وأصدرت البيان، قبْل أن تسمع مني. والدليل على ذلك، أنني ناقشت الرئيس مبارك في صدور البيان المصري، قبْل أن يعرف بنتائج مهمتي في بغداد. وكان رده عليّ بأنه كان تحت ضغط شديد من الرأي العام المصري والصحافة المصرية. وقد قصدت أن أعود من بغداد، قبْل موعد الاجتماع، في الساعة السادسة مساء، بتوقيت القاهرة".

    وهناك رأي آخر، يقول: في الساعة الثامنة من صباح 3 أغسطس (الثالثة عصراً في القاهرة)، أرسل جون كيلي، مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، برقية فورية إلى القاهرة (فوري ـ بإطلاع وزارة الخارجية المصرية) نصها:

    "قام الغرب بواجبه كاملاً تجاهكم، لكن البلدان العربية، لم تفعل شيئاً. باعت الولايات المتحدة الأمريكية كميات كبيرة من الأسلحة للبلدان العربية، خاصة مصر. فإذا لم تتحرك هذه البلدان، ولم تتخذ موقفاً قاسياً من العراق، يجب أن تعرف أنه لن يمكنها أن تعتمد، في المستقبل، على الولايات المتحدة الأمريكية". وقد نفت وزارة الخارجية المصرية، أن تكون برقية قد أُرسلت، أو اتصالاً هاتفياً قد جرى في هذا الخصوص، وأُرسل إلى القاهرة، كما أن نص البرقية غير منطقي أن يصدر عن دولة عظمى، في مثل هذا الموقف.

    كان الملك حسين، بعد عودته من بغداد، في 3 أغسطس، يتملكه شعور بالإحباط واليأس، بعد سوء الفهم، الذي وقع بينه وبين الرئيس حسني مبارك. وازداد شعوره بالإحباط، بعد أن صدر البيان المصري ضد العراق، وانقسام وزراء الخارجية العرب، المجتمعين في القاهرة، في شأن بيانهم حول الأزمة. وكان رأيه، أن ما يدور هو عنصر من مؤامرة واسعة، نظمتها الولايات المتحدة الأمريكية، بمشاركة بعض الأقطار العربية، لإفشال جهوده، ولمنع انعقاد القمة المصغرة، التي كان من المتوقع عقدها في جدة.

    وقد أجرى الملك حسين، خلال الفترة من 4 إلى 8 أغسطس، العديد من الاتصالات بزعماء الدول العربية، لعله يجد مخرجاً من الأزمة التي فرضها العراق على الأمّة العربية، باحتلاله الكويت، ورفض أي حديث عن الانسحاب منها.

    وفي 9 أغسطس 1990، وعند مغادرة الملك حسين عمّان، لحضور القمة العربية الطارئة، صرح بأن هذه القمة، قد تكون الفرصة الأخيرة لتفادي الانفجار. وأكد اعتراف الأردن بشرعية حكم أُسرة الصباح للكويت. وقال إنه يأمل أن يتسم الزعماء العرب بروح المسؤولية، على أعلى مستوى، فملايين العرب، ينتابهم الغضب والإحباط لعجزنا عن حل مشاكلنا بأنفسنا.

4. الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى

    في الوقت الذي غادر فيه الملك حسين بغداد إلى عمّان، مساء 3 أغسطس، كان ياسر عرفات قد وصل إلى طرابلس الغرب قادماً من تونس. وكان يخطط للسفر، بعد ذلك، إلى جمهورية مصر العربية، والجمهورية العراقية، والمملكة العربية السعودية، محاولاً أداء دور ما في سبيل حل الأزمة عربياً، قبْل أن تأخذ المبادرات الغربية طريقها إلى المنطقة. وفي الواقع، فإنه منذ 3 أغسطس ـ بعد يوم واحد من الأزمة ـ بدأت السيطرة على الأزمة، تنسحب، تباعاً، من يد العالم العربي، خاصة بعد أن بدأت مصر بأول إدانة للغزو العراقي للكويت.

    وفي طرابلس الغرب، وجد ياسر عرفات، العقيد القذافي في حالة من الصخب لِما يجري، وقد بادر ضيفه بالقول: "يا أبو عمار، يجب أن تجد حلاً، بأي ثمن، قبْل أن يأتي اليانكي الأمريكي إلى المنطقة. لقد حضّرت خطة من نقطتَين:

الأولى: يجب أن ينسحب العراق حتى المناطق المتنازع عليها. ثم يعود واحد من العائلة الصبّاحية إلى الكويت، غير الأمير، بالطبع. وعندها، يستطيع استفتاء عاجل، أن يقرر مَنْ الذي سيقود الكويت.

الثانية: الشروع، فوراً، في حل المشكلات المتأزمة، بين العراق والكويت".

    ولم يبدِ ياسر عرفات أي تعليق، على هذه الخطة. ولكنه قال: "سيادة الرئيس، أعتقد أن المهمة الرئيسية، الآن، تكمن في تهدئة المشاعر الفوّارة. ومن أجل ذلك، يجب التوجه، مباشرة، إلى فرقاء المشكلة، حتى نقف على حقائق ملموسة، وما يوافقون عليه وما لا يوافقون. كل همّنا أن نعمل على الإمساك بالأزمة ـ ولن يتم إلاّ بموافقة أطراف المشكلة جميعاً ـ بعدها، يمكن أن يأتي دور الاقتراحات. المهم ألاّ يُسلّم أحد المشكلة إلى الغرب، الآن".

    وفي 7 أغسطس، زار الرئيس عرفات ليبيا، للمرة الثانية، وفي هذه المرة، توصل الطرفان إلى مشروع ليبي ـ فلسطيني، يتضمن النقاط الست التالية:

1. قبول الكويت مبدأ دفع تعويضات إلى العراق.

2. موافقة العراق على تخطيط الحدود المشتركة بين البلدَين.

3. طلب العراق استئجار الجزيرتَين.

4. موافقة الكويت على إيجار العراق جزيرتَي وربة وبوبيان.

5. قبول الجانبَين إحلال قوات مشتركة، ليبية وفلسطينية، محل القوات العراقية.

6. شروع الجانبَين، الكويتي والعراقي، في مفاوضات توقيع اتفاق، في أقرب وقت، لحل الخلافات بينهما.

    وهو المشروع الذي عرضه الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، على خادم الحرمَين الشريفَين، في ما بعد، أثناء زيارته المملكة العربية السعودية، في 8 أغسطس 1990، ورفض الملك فهد، أن يتحدث في أي شيء في شأنه، إلاّ بعد أن ينسحب صدام حسين من الكويت.

5. قرار مجلس جامعة الدول العربية

    في 2 أغسطس 1990، وأثناء انعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية، في القاهرة، تقدمت سورية وغيرها من الدول العربية، بطلب عقد قمة طارئة، لوزراء الخارجية العرب الموجودين، بالفعل، ضمن وزراء خارجية الدول الإسلامية.

    وعقد الاجتماع في صباح يوم 2 أغسطس، وقرابة الساعة الواحدة بعد الظُّهر، دعي سفير العراق إلى مكالمة هاتفية. فغادر قاعة الاجتماع، ثم عاد إليها، بعد قليل، ليقول إن بغداد، سترسل وفداً، على مستوى عال، ليشرح وجهة نظر العراق في ما جرى، أمام وزراء الخارجية العرب. وإنه من المنتظر، أن يصل هذا الوفد في موعد، يسمح له بالاشتراك في جلسة مسائية. وفي الساعة الثانية بعد الظُّهر، تأجل الاجتماع إلى الساعة السادسة مساءً. ثم عرِف، بعد ذلك، أن الوفد العراقي القادم، سيكون برئاسة الدكتور سعدون حمادي، نائب رئيس الوزراء للشؤون الخارجية، وأن موعد وصول طائرته، هو الساعة السابعة مساءً. وسيتوجّه من المطار، توّاً، إلى فندق "سميراميس"، حيث ينضم إلى الاجتماع.

    وعُقد الاجتماع في موعده المقرر. ثم وصل الوفد العراقي، القادم من بغداد، برئاسة الدكتور سعدون حمادي. ولكن هذا الوفد، لم يكن يحمل شيئاً جديداً؛ إذ وقف الدكتور سعدون حمادي يتحدث عن حقوق العراق في الكويت، وعن مسار الأزمة في العلاقات بين البلدَين، حول أسعار النفط وخطوط الحدود والديون المستحقة على العراق.

    وفي عصر 3 أغسطس 1990، أصدر مجلس الجامعة العربية، قرار وزراء الخارجية العرب الرقم 5036، المؤرخ في 2 أغسطس. والذي يدين الغزو العراقي للكويت. وقد اتخذ القرار بأغلبية أربعة عشر صوتاً، واعتراض العراق، وتحفّظ فلسطين، وعدم موافقة كلٍّ من الأردن، وموريتانيا، وامتناع كلٍّ من اليمن والسودان عن التصويت، وغياب ليبيا عن الجلسة. وقد تضمن القرار إدانة الغزو العراقي للكويت، ورفض أي آثار مترتبة عليه، وعدم الاعتراف بتبعاته، ومطالبة العراق بالانسحاب الفوري، غير المشروط، إلى مَواقِعه، قبْل الأول من أغسطس 1990.

6. بيان وزراء خارجية الدول الإسلامية

    عقب انتهاء وزراء الخارجية العرب من إصدار بيانهم، في 3 أغسطس 1990، انضموا إلى وزراء خارجية الدول الإسلامية، لمواصلة أعمال الدورة التاسعة عشرة، لوزراء خارجية الدول الإسلامية، التي توقفت طوال يومَين (2 و3 أغسطس). وفي نهاية أعمال الدورة، أصدر المؤتمرون بياناً، في 4 أغسطس 1990، طالبوا فيه بانسحاب القوات العراقية من الأراضي الكويتية. (أُنظر وثيقة نص بيان وزراء خارجية الدول الإسلامية، الصادر في 4 أغسطس 1990، عن اجتماعهم التاسع عشر، الذي عقد في القاهرة)




[1] أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد.

[2] كان الأمير بندر قد سمع بنبأ الغزو عند منتصف الليل في لندن، ومن الفور، ركب طائرته، قاصداً واشنطن. وبمجرد وصوله، اتصل بالملك فهد، هاتفياً، يسأله عن التعليمات.

[3] بيان وزراء الخارجية العرب، مؤرخ في 2 أغسطس 1990، وأُعلن في 3 أغسطس، بناءً على طلب الملك حسين، ريثما يعود من بغداد، بعد مشاوراته مع الرئيس العراقي.

[4] كان الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع السعودي، آنئذٍ، يقضي فترة نقاهة، في المغرب، من عملية جراحية في الركبة. وقد استُشير في كل مرحلة، وفي كل جانب من جوانب الأزمة. وتوجه ليلة 6 أغسطس إلى جدة، حيث اجتمع إلى ريتشارد تشيني، في اليوم التالي، قبل مغادرته المملكة.

[5] وضعت هذه الخطة، لمواجهة الاتحاد السوفيتي، في منطقة الخليج. وطرأ عليها عدة تعديلات، في ضوء الحرب العراقية ـ الإيرانية. وأضيف إليها احتمال تدخّل  إيران أو العراق، في منطقة الخليج. وكان آخر تعديلاتها في يناير 1990. وأُقرت من وزارة الدفاع الأمريكية، في يوليه.

[6] الزعيم الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد)، مناضل وقائد فلسطيني. أدى دوراً رئيسياً، داخل حركة `فتح`، وكثيراً ما كان يوصف بأنه الرجل الثاني، بعد ياسر عرفات. ولد في عام 1933. واستشهد في 14 يناير 1991، في تونس، على يد شاب فلسطيني، يدعى حمزة أبو زيد، ينتمي إلى جناح أبو نضال، المنشق عن منظمة `فتح`، وله علاقة بالموساد.

[7] كان ياسر عرفات ينوي الذهاب إلى فيينا، لتشييع جثمان المستشار النمساوي، كرايسكي.

[8] أُعد هذا المشروع، في 7 أغسطس 1990، أثناء زيارة الرئيس ياسر عرفات ليبيا. ويتضمن ست نقاط.

[9] توقيت القاهرة يتأخر ساعة عن توقيت الكويت.

[10] كان الرئيس الأمريكي، جورج بوش، قد اتصل بالملك حسين، في عمّان. ولكن الملك، كان في طائرته، في طريقه إلى القاهرة. وحينما علم الرئيس بوش بذلك، طلب وصله بالرئيس حسني مبارك، الذي كان، هو الآخر، في طريقه من برج العرب إلى الإسكندرية، لاستقبال الملك حسين. وعندما وصل الرئيس مبارك والملك حسين إلى قصر التين، علم كلُّ منهما أن الرئيس بوش اتصل به، فاتفقا على أن يتصلا به معاً.