إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / التطور السياسي لإمارة الكويت ومشكلاتها الحدودية (1914 ـ 1961)






مواني العراق البحرية
منطقة رأس الخليج العربي
ميناء أم قصر العراقي
ميناء البصرة العراقي
ميناء خور الزبير
المناطق الزراعية العراقية
المياه الإقليمية العراقية والجرف القاري
الحدود الجنوبية العراقية
السعودية في اتفاقية العقير
الكويت بالاتفاقية البريطانية-العثمانية (انجليزي)
الكويت بالاتفاقية البريطانيةـ العثمانية



ثالثاً: العلاقات الكويتية ـ العراقية والخلافات الحدودية بينهما خلال الفترة من 1946 إلى 1961

ثالثاً: العلاقات الكويتية ـ العراقية، والخلافات الحدودية بينهما خلال الفترة من 1946 إلى 1961

    كان الطابع الغالب على العلاقات الكويتية ـ العراقية، خلال تلك الفترة، هو عدم الاستقرار، خاصة فيما يتعلق بمسائل الحدود، التي ظلت بؤرة الخلاف بين الدولتَين. واستمرار العراق في مطالبته بجزيرتَي وربة، وبوبيان. ومحاولاته الضغط على الكويت، باستغلاله مشكلة المياه، التي كانت تعانيها. وأعماله العدائية المستمرة، بإثارة القلاقل، سواء في داخل الكويت أو على حدودها. وافتعال أزمات خاصة، أزمة عام 1958، التي حاول فيها العراق، بشتى السُبل، أن يضم الكويت إليه، سواء بالاتحاد معها، أو بالاستيلاء عليها. واستمرت هذه المحاولات حتى اندلاع ثورة 14 يوليه 1958، التي قضت على رئيس الوزراء العراقي، نوري السعيد. وبعد فترة هدوء، دامت ثلاث سنوات، تفجرت المشاكل من جديد، عام 1961، حين جدّد عبدالكريم قاسم، رئيس وزراء العراق، هذه المطالب، بعد أيام قليلة من إعلان استقلال الكويت. ويمكن إجمال عناصر المشكلة بين الكويت والعراق، إبّان هذه الفترة، في ما يلي:

  • النزاع حول أم قصر، والخط الفاصل بين الكويت والعراق
  • مطالبة الكويت المستمرة بتخطيط حدودها مع العراق
  • مطالبة العراق بأحقيته في جزيرتَي وربة وبوبيان.
  • محاولة العراق ضم الكويت إلى الاتحاد العربي الهاشمي
  • العلاقات الكويتية ـ العراقية، بعد قيام ثورة 14 يوليه 1958.

1. النزاع حول أم قصر، والخط الفاصل بين الكويت والعراق

    في مذكرة، أعدّتها دائرة الأبحاث في وزارة الخارجية البريطانية، في يناير 1948، وردت، بالتفصيل، خلفية مشكلة الحدود الكويتية ـ العراقية وجذورها، والناجمة عن الاختلاف في تفسير نصوص الاتفاقات، الواردة في شأنها. وتبحث المذكرة في مشكلة الحدود، والاتفاقات المبرمة، المتعلقة بها، والمسائل المتنازع فيها، والعوامل المختلفة، التي أدت إلى إثارة موضوع تخطيط الحدود. وفيما يلي توضيح وجهة النظر البريطانية في المسائل الثلاث:

    أ. مشكلة الحدود:

    تقول المذكرة، إن نزاع الحدود الشمالية للكويت مع العراق، قد نجم عن اختلاف التفسيرات لنصوص العديد من الاتفاقات الحدودية. وعلى الرغم من أن الاتفاقية الوحيدة السارية، حول الموضوع، هي اتفاقية 29 يوليه 1923، والتي قبِلت الحكومة العراقية بها، في 21 يوليه 1932، والتي سُلمَت إلى عصبة الأمم، في مناسبة انضمام العراق إليها، إلاّ أن الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية، لعام 1913 لها علاقة وثيقة، وترتبط بالموضوع عينه، إذ إن تعريف عام 1923، كان يهدف إلى تطبيق ما ورد في الاتفاقية المذكورة ومتابعته. وكان التعريف الوارد، في عام 1940، من قِبَل السفير البريطاني لدى بغداد، والموجَّه إلى الحكومة العراقية، يهدف إلى تفسير التعريفات الواردة في عامَي 1923 و1932، وكذلك التعريف الوارد في الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية، لعام 1913، إلاّ أنه لا يتطابق مع التعريفات الأخيرة، ولا يفسر التعريفات لعامَي 1913 و1932 بشكل صحيح، فلم تقبَل الحكومة العراقية به. كما أن الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية، لعام 1913، لم يصدق عليها، بسبب دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، ضد بريطانيا.

    ب. الاتفاقات المبرمة:

    أمّا الاتفاقات والوثائق، التي تعدها المذكرة أساس موضوع الحدود الكويتية ـ العراقية، فهي.

(1)  الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية لعام 1913(أُنظر وثيقة نص القسم الأول من مسودة اتفاقية 29 يوليه 1913 بين الإمبراطورية العثمانية والحكومة البريطانية) (المادة السابعة منها)

(2)  مذكرة السير برسي كوكس، المندوب السامي البريطاني في العراق، وقتذاك، إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت (الرقم 5405) المؤرخة في 19 أبريل 1923، والتي جاء فيها (أُنظر وثيقة رسالة المندوب السامي البريطاني، السير برسي كوكس إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، الرائد "مور" في 19 إبريل 1923 في شأن تبليغ أمير الكويت اعتراف الحكومة البريطانية بالحدود الكويتية العراقية) يمكن إخبار الشيخ، بأن طلبه، حول الحدود الكويتية ـ العراقية، معترف به من قِبل حكومة صاحب الجلالة البريطانية، حسب الحدود والجزر، التي أشار إليها الشيخ، في رسالته السابقة، رداً على الرسالة، التي بعث بها الشيخ أحمد الجابر الصباح، في 4 أبريل 1923، التي نصت على: إن الحدود، التي يدّعى بها، بين الكويت والعراق، هي الحدود، التي طلبها الشيخ سالم، في رسالته المقدمة لسعادتكم، بتاريخ 17 سبتمبر 1920، وهي التي تبدأ من " نقطة التقاء وادي العوجة مع الباطن، وشرقاً إلى جنوب آبار صفوان، وجبل سنام وأم قصر، وإلى سواحل جزر بوبيان ووربة، وعلى طول الساحل على الحدود الحالية للكويت ونجْد. ومن ضمن هذه المنطقة الجزر البحرية التالية: مسكان، وفيلكا، وعوهه، وكُبر، وقاروة، وأم المرادم.

(3)  رسالة رئيس وزراء العراق إلى المندوب السامي البريطاني في بغداد، المؤرخة في 21 يوليه 1932 (أُنظر وثيقة أصل كتاب رئيس وزراء العراق إلى المندوب السامي البريطاني في العراق في 21 يوليه 1932 يؤكد فيه الحدود الكويتية ـ العراقية) و(وثيقة ترجمة كتاب رئيس وزراء العراق إلى المندوب السامي البريطاني في العراق في 21 يوليه 1932 يؤكد فيه الحدود الكويتيةـ العراقية).

(4)  رد الشيخ أحمد الجابر على هذه المذكرة، المرسَل إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، بالموافقة على تأكيد الحدود، في 10 أغسطس 1932 (أُنظر وثيقة أصل كتاب حاكم الكويت، الشيخ أحمد الجابر إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 10 أغسطس 1932، يوافق فيها على ما ورد في كتاب نوري السعيد، في شأن الحدود) و(وثيقة ترجمة كتاب حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 10 أغسطس 1932، يوافق فيه على ما ورد في كتاب نوري السعيد في شأن الحدود).

(5)  الرسالة الصادرة عن السفير البريطاني لدى بغداد، إلى وزير الشؤون الخارجية للحكومة العراقية بالرقم (487)، المؤرخة في 7 أكتوبر1940، والمتضمنة وصف الحدود الكويتية ـ العراقية، الذي يهدف إلى تفسير وصف حدود عام 1932.

ج. نقاط النزاع: وقد أوضحتها المذكرة البريطانية، في يناير 1948 في التالي:

·    تقاطع خور الزبير مع خور عبدالله.

·    موقع النقطة الواقعة جنوب صفوان

·    مسار خط الحدود، بين صفوان والخليج.

·    مسألة الخط المستقيم للحدود.

·    قضية انحناء خط الحدود، عند أم قصر.

(1) تقاطع خور الزبير مع خور عبدالله

    أدى اختلاف التسميات على الخرائط، وفي الاستخدام المحلي المتداول، إلى ظهور تفسير مفاده، أن المقصود بهذه النقطة (تقاطع الخورَين)، هو تقاطع خور الزبير، مع ذراع قصيرة من الماء، تصب في القناة الرئيسية، تقع شمال قلعة أم قصر، تسمى خور أم قصر، ويسمى الجدول الرئيسي الواقع جنوب هذه النقطة، خور الثعالب أو خور عبدالله. والمقصود من ذلك، من واقع الاتفاقات، هو تقاطع خور الزبير، مع خور شتيانة، في النقطة التي يلتقيهما فيها خور الصبية، بالقرب من جزيرة وربة (أُنظر خريطة الكويت بالاتفاقية البريطانيةـ العثمانية).

    ويؤكد شيخ الكويت نفسه، في رسالته الموجَّهة إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، في 4 أبريل 1923، حول تسوية مسألة الحدود، أن خط الحدود، يمتد " جنوب آبار صفوان وجبل سنام وأم قصر إلى ساحل جزيرتَي بوبيان ووربة". ويعترف اعترافاً واضحاً ومفصلاً بتعريف الحدود، لعام 1940، إذ لا يوجد هناك أي خلاف حول هذا الموضوع.

(2) موقع النقطة الواقعة جنوب صفوان

    دار جدل كثير حول موضوع موقع هذه النقطة. فقد ذهب رأي إلى القول " إنها ضمن 100 ياردة، من جنوب صفوان". واتفاقية عام 1913، تقول إنها " مباشرة جنوب صفوان". بينما رأي آخر يقول إنها " على مسافة ميل واحد، جنوب أقصى نخلة، تقع في أقصى الجنوب من صفوان". إلاّ أن تعريف الحدود، لعام 1940، يشير إلى موضع لوحة تعليم الحدود، والتي قُبلت لعدة أعوام، كمؤشر إلى الحدود، والتي أُزيلت عام 1939. فلم يوجد أي اتفاق بين الحكومة العراقية والوكيل السياسي في الكويت، حول موقع هذه اللوحة.

    لقد وُضعت هذه اللوحة، لتعليم الحدود، حوالي عام 1923. وقد أُزيلت، ثم أعيدت، لاحتجاج البصرة على ذلك، عام 1932. كما حُرِّكت ثم أُزيلت، مرة أخرى، من قِبل أشخاص مجهولين، عام 1939. فوُضعت لوحة جديدة في المكان نفسه، من قِبَل الوكيل السياسي في الكويت، في حضور الشيخ. ولكن الشرطة العراقية أزالتها، بأوامر من حكومة العراق. وحول هذا الموضوع، وجّهَت الحكومة العراقية مذكرة، في 25 يونيه 1940، إلى السفير البريطاني لدى بغداد، تضمنت: " إن الرائد البريطاني، ماكوين، يرافقه الشيخ، قام بنصب عمود. وادعى هذا الضابط، بأنه سيعين الحدود الفاصلة بين المملكة العراقية والكويت. وقد عبَرت هذه المجموعة، التي قامت بنصب العمود، الحدود العراقية، بعمق 1000م، من موقع صفوان". وكان العمود الجديد يقع على مسافة 250م، داخل الحدود العراقية. لذا، فإن الاختلاف بين الجماعتَين، حول المكان الصحيح، لا يتجاوز مسافة 250م. وفي الحقيقة، إن الحكومة العراقية ملزمة، ضمناً، بالنص الذي يقول، إن الحدود تقع على مسافة 1250م من موقع صفوان (في الحقيقة أنها كانت لوحة تعليم للحدود، وليس عموداً).

    والجدير بالذكر، أن المقيم السياسي البريطاني في الخليج، ذكر في رسالته، المؤرخة في 21 أبريل 1946، أنه حدث تطور زراعي كبير في أطراف صفوان، فلا يمكن تحديد موقع " أقصى نخلة في الجنوب"، إذ تغيرت معالم المنطقة بشكل كبير.

(3) مسار الحدود بين صفوان والخليج

    يُعد هذا الموضوع هو نواة النزاع وأصله. ففي مذكرة عام 1940، الموجَّهة إلى الحكومة العراقية، وصِفَ هذا الخط بأنه خط مستقيم. وكان هدف هذه المذكرة، التي تقبَل بها الحكومة العراقية، هو تفسير الحدود القائمة، وليس اقتراح حدود جديدة. بل إنها تفسر تعريف الحدود، لعام 1932، والذي يُعَدّ، بدوره، تأكيداً لتعريف عام 1923، الذي كان يهدف، كذلك، إلى تطبيق ما ورد في تعريف عام 1913 ومتابعته. وكانت اتفاقية عام 1913، تهدف، بكل وضوح، إلى أن يسير خط الحدود من جنوب صفوان إلى جنوب أم قصر، ومنها ينحني في الاتجاه الجنوبي حتى وصوله إلى تقاطع الخورَين.

    وقد حظي هذا الموضوع باهتمام كبير، خلال الحرب العالمية الثانية، حينما طوّر البريطانيون ميناء في أم قصر[1]. (أُنظر خريطة ميناء أم قصر العراقي)، ليكون بديلاً من ميناء البصرة. ولكنهم تخلوا عنه، وأزالوا منشآته، بعد انتهاء الحرب، بسبب تبدل الموقف الإستراتيجي، من جهة، وبسبب موقعه الحساس، والخوف من استحواذ العراق عليه، من جهة أخرى. وقد اكتشف الجيش البريطاني، أثناء استخدامه هذا الموقع، أن لا فائدة منه، بسبب طغيان المياه، حين تهب العواصف. إلاّ أنه يُعَدّ الموقع الوحيد، الممكن تطويره، كميناء عراقي، بعد البصرة. ولهذا، لم تغب أهميته عن تفكير الحكومة العراقية، وتشبث العراقيون به، آملين تطويره، والتغلب على مساوئه، لإنشاء ميناء لهم فيه.

(4) قضية الخط المستقيم للحدود

    منذ طرح تعريف الحدود في مذكرة عام 1940، تمسكت وزارة الخارجية البريطانية بوجهة النظر القائلة، إنه في حالة اتفاق العراق والكويت عليه، من دون اللجوء إلى التحكيم، فإنه من المستحيل مفاتحة الحكومة العراقية بمقترح أقلّ مما ورد في مذكرة عام 1940. وإذا قُدِّم مقترح غير ما ورد في المذكرة، فإن التسوية ستستعصي، وستتعرض سمعة حكومة صاحب الجلالة البريطانية[2]. للخطر، للأسباب التالية:

(أ) موافقة شيخ الكويت على التعريف للحدود، حالت دون اعتراضه عليه، فانتفى وجود أساس للمفاوضات.

(ب) الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية، لعام 1913، غير ملائمة، لأن الحكومتَين، العراقية والكويتية، لا علم لهما بها، ولا بمحتوياتها، بل لم يُصدَّق عليها.

(ج) اتفاقيتا عامَي 1923 و1932، هي الوثائق النافذة الوحيدة، لتفسير الحدود. وأن تفسير مذكرة عام 1940، الذي كان يُعَدّ، في وقته، دقيقاً، هو التعريف الذي تلتزم به حكومة صاحب الجلالة.

    ويعتقد المقدم جالاوي، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، الذي حصل على موافقة الشيخ على تعريف عام 1940، أنه لا يمكن مفاتحة الحكومة العراقية بشيء أقلّ من هذا التعريف. ولذا، اقترح عرض الموضوع للتحكيم، بوصفه أفضل طريقة، إذ يمكن تقديم دليل آخر في مصلحة الشيخ.

(5) قضية انحناء خط الحدود، عند أم قصر

    تطرح الوثيقة، المؤرخة في يناير 1948، والصادرة عن دائرة الأبحاث في وزارة الخارجية البريطانية، خلفيات النزاع الحدودي وجذوره، بين الكويت والعراق، حول منطقة أم قصر (الميناء والخور).

    وتتضمن الوثيقة جزءين، يناقش كلُّ منهما نقاط الخلاف التالية:

الجزء الأول، ويطرح الآتي:

·   لا تقبل الحكومة العراقية بتعريف حدود عام 1940. لذا، تَعُدّ نفسها غير ملزمة أمام الحكومة البريطانية.

·   لا تعلم الحكومة العراقية بموافقة الشيخ على تعريف عام 1940. وقد اقترح السفير البريطاني لدى بغداد، في مذكرته إلى وزارة الخارجية البريطانية، أنه يمكن، في حالة قبول الحكومة العراقية بهذا التعريف، كأساس للمحادثات، مفاتحة الشيخ لإعلان موافقته.

·   لم يوافق الشيخ مطلقاً، وفي أي وقت من الأوقات، على إجراء أي تغيير في الحدود، في مصلحة العراق. وعندما عرض عليه تعريف الحدود، لعام 1940، للحصول على موافقته لُفِت إلى أن هذا التعريف، ما هو إلاّ " توضيح للتعريف القائم" فكان جوابه: "إننا نوافق على هذا التعريف، وأقول إننا نعتمد كلية على حكومة صاحب الجلالة، التي اعتادت الحفاظ على حقوقنا بالكامل".

الجزء الثاني، ويطرح الآتي:

·            في عام 1923، أثار الشيخ نفسه قضية تسوية الحدود مع العراق. وفي رسالته، المؤرخة في 4 أبريل، إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، قال: " إنها الحدود نفسها، التي نادى بها الشيخ الراحل،سالم بن مبارك، والواردة في الملحق المرفق برسالته، الموجَّهة إليكم، والمؤرخة في الثالث من محرم عام 1339هـ، الموافق 17 سبتمبر 1920[3]، والتي حددت بـ "من نقطة التقاء وادي العوجة مع الباطن، وشرقاً إلى جنوب آبار صفوان وجبل سنام وأم قصر، وإلى ساحل جزيرتَي بوبيان ووربة" (أُنظر خريطة الكويت بالاتفاقية البريطانية ـ العثمانية).

·   وبطبيعة الحال فإن تعريف عام 1940، والذي يتضمن إعادة تخطيط الحدود، كان يعني أن موافقة الشيخ غير نافذة.

    لقد كان المقدم ديكسون، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، عام 1935، هو أول من اقترح تعريف الحدود، لعام 1940، إذ أقر بأن خط الحدود " يمتد في خط مستقيم من نقطة، تقع على مسافة ميل واحد جنوب آبار صفوان، إلى تقاطع خور الزبير مع خور عبدالله". فهو يذكر في رسالته، المؤرخة في 27 أغسطس 1935، أن " الخط المرسوم، يترك كلاًّ من النقاط المعروفة بـ جبل سنام، وصفوان، وأم قصر، للعراق بمسافة تقارب الميل". ولكن في الحقيقة، فإن الخط المستقيم، المقترح من قِبل المقدم ديكسون، يمر بمسافة أكثر من ميل إلى جنوب أم قصر. وكانت الحكومة البريطانية، قد قبِلت بتعريف عام 1940، على أنه الأساس للتفاوض بين الطرفَين، الكويتي والعراقي، وعلى افتراض أنه لا يترتب على ذلك التعريف أي " التزامات مادية". إلاّ أنه نظراً إلى ظهور التزامات مادية، سببها هذا التعريف، فإنه يجب إعادة النظر في الموقف، ككل، في ظل القبول بهذا التعريف. وكان تعريف الحدود، لعام 1940، مبنياً على فهْم خاطئ، بدا واضحاً، منذ ذلك الوقت.

    ولقد أثيرت قضية تخطيط الحدود، أصلاً، بسبب تجاوز الشرطة العراقية الأراضي الكويتية، واحتمالات اكتشاف النفط في المنطقة، ورغبة العراق في التمسك بمنطقة ميناء أم قصر، على الرغم من أنها لا تقع جميعها ضمن الأراضي العراقية، والمخاوف الكبيرة لدى حاكم الكويت من التوسع العراقي، إذ بات يشعر بأنه إذا سمح للعراق بتطوير ميناء أم قصر، فإن ذلك سيكون مقدمة لتجريد الكويت من استقلالها، فضلاً عن تخوفه من أن يؤدي تطور هذا الميناء إلى منافسته ميناء الأحمدي الكويتي، وحرمان الكويت من " تجارة الترانزيت"، إلى المملكة العربية السعودية.

    على أي حال، أدت إزالة الجيش البريطاني منشآت الميناء، إلى تأجيل الموضوع والتخلي عن فكرة تطويره، ولو مؤقتاً.

2. مطالبة الكويت بتخطيط حدودها مع العراق

    ظل الشيخ أحمد الجابر الصباح قلقاً، في شأن حدود بلاده مع العراق. وواصل مطالبة الحكومة البريطانية باتخاذ الإجراءات الملائمة، في صدد تخطيط هذه الحدود، حتى إنه بعث، في 10 يناير 1950، أي قبل ثلاثة أيام من مرضه، ثم وفاته، برسالة إلى الوكيل السياسي في الكويت، تتضمن طلبه من حكومة صاحب الجلالة تخطيط الحدود بين الكويت والعراق، بالسرعة الممكنة، وأنه يضع الموضوع في أيدي حكومة صاحب الجلالة تماماً. وقد استوضح الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، السير روبرت هي، في رسالته المتضمنة مطالب الشيخ الراحل، المرفوعة إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج، إمكانية البدء بتشكيل لجنة الحدود المشتركة. وأبلغ ذلك إلى حاكم الكويت الجديد، الشيخ عبدالله السالم، الحاكم الحادي عشر للكويت (1950 ـ 1965).

    ولم يلبث الشيخ عبدالله السالم، أن واصل مسعى سلفه. فبعث برسالة إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، أشار فيها إلى المحادثات التي جرت بينهما، في 10 يناير 1950، وطلب منه السعي لدى الحكومة البريطانية إلى تحديد الحدود، في أقرب فرصة ممكنة.

    وقد انتهت السفارة البريطانية في بغداد، في دراستها لموضوع ترسيم الحدود الكويتية ـ العراقية، والفوائد والمحاذير، الواردة في هذا الصدد، إلى استنتاج، يؤكد أن ذلك، يعتمد على قرار الحكومة العراقية، حول تطوير ميناء أم قصر أو عدم تطويره، الذي تقع أجزاء كبيرة منه داخل الأراضي الكويتية، مما يستوجب الحصول على موافقة حكومة الكويت، في تلك الحالة .

    وتوالت المكاتبات بين المقيم السياسي البريطاني في الخليج، ووزارة الخارجية البريطانية، من جهة، والوكيل السياسي البريطاني في الكويت، والمقيم السياسي البريطاني في الخليج، من جهة أخرى، حول كيفية الحصول على موافقة حاكم الكويت، على مفاتحة الحكومة العراقية، للبدء في المفاوضات المتعلقة بتخطيط الحدود الكويتية ـ العراقية، استناداً إلى تعريف الحدود، لعام 1940، والاتفاق على تحديد نقطة تقاطع (أعمق نقطة في ميناء خور الزبير مع أعمق نقطة في مياه خور عبدالله) (انظر خريطة ميناء خور الزبير).

    واستمرت الاتصالات والمباحثات، في شأن تخطيط الحدود، بين الكويت والعراق، حتى أكتوبر 1960، أي قبل إعلان استقلال الكويت في 19 يونيه 1961، من دون أن تصل إلى نتيجة. وقد وضح من الوثائق البريطانية، أن مشكلة تخطيط الحدود، بين الكويت والعراق، تتلخص في ما يلي:

أ. مطالبة الحكومة العراقية بضم جزيرتَي وربة وبوبيان، الكويتيتَين، قبْل أن توافق على الترسيم النهائي للحدود مع الكويت. وذلك اتساقاً مع نيتها تطوير ميناء أم قصر، وحاجتها إلى السيطرة على القناة، الرابطة بين الجزيرتَين، ذات الأعماق الملائمة للاقتراب من الميناء.

ب. إبداء بريطانيا عدم استعدادها للموافقة على بناء العراق الميناء المقترح في أم قصر، لإثارته المخاوف، في شأن احتمال سيطرة العراق على الكويت. وفضلت اقتراحاً بديلاً، وهو توفير مرسى جيد، داخل خور عبدالله، خاصة في القسم الواقع شمال جزيرة وربة، ورفض السماح بأن يستخدم العراقيون جزيرة وربة، كنقطة مساومة، لقبولهم بتفسير الحدود، الذي طرحته بريطانيا، وإبقاء مسألة ضمها إلى العراق، مستقلة عن مسألة الحدود. وعلى ذلك، فضّل المسؤولون البريطانيون العمل على حمل العراقيين على قبول هذا التعريف، قبل مناقشة قضية جزيرة وربة.

ج. إدراك بريطانيا أطماع العراق في الكويت، بالنظر إلى بدء تدفق الثروة فيها، مما قد يدفع العراق إلى معاودة المطالبة بضم دولة الكويت إليه. وتأكُّد بريطانيا من عدم وجود أي مؤشرات، تدل على رغبة الكويت في الانضمام إلى العراق.

د. تأكيد العراق مطالبه بإدخال جزيرة وربة، ومياه خور عبدالله، ضمن الأراضي العراقية، واستعداده لتعويض أمير الكويت تعويضاً مرضياً، والتخلي، مقدماً، لحكومة الكويت، عن حق التنقيب عن النفط واستثماره، في الأراضي، التي تتنازل عنها، وفي المياه المحيطة بها. وأن ذلك يُعَدّ مسألة مهمة، بالنسبة إلى العراق، الراغب في بناء ميناء في أم قصر، ذي قيمة كبيرة لديه، من الناحيتَين، الاقتصادية والعسكرية.

هـ. ظلت الحكومة الكويتية على موقفها الثابت، أنه يجب تخطيط الحدود، المتفق عليها، عام 1932، من دون أي ترتيبات أخرى، وأنه حتى إذا وافقت الكويت على أن قضايا أنابيب النفط، والمياه، وميناء أم قصر، والحدود، غير مترابطة بعضها ببعض، وفقاً للرأي العراقي، فإنها ترى وجوب تسوية مسألة الحدود وحلها، كشرط مسبق لمناقشة القضايا الثلاث الأخرى. وترضى، في هذا الخصوص، برسالة من الحكومة العراقية بقبول حل مسألة الحدود، استناداً إلى المذكرات المتبادلة، عام 1932.

و. وتمثلت آخر المحاولات الكويتية، لحمل العراق على الموافقة على تخطيط الحدود بين البلدَين، في الرسالة، التي بعث بها حاكم الكويت، الشيخ عبدالله السالم الصباح، في 29 أكتوبر 1960، إلى رئيس وزراء العراق، عبدالكريم قاسم. إذ وردت مسألة تخطيط الحدود ضمن جملة قضايا، مثل، إبلاغ رئيس الوزراء العراقي المحادثات الكويتية ـ السعودية حول المنطقة المحايدة، والنجاح الذي تحقق في هذا الشأن، وعزم الكويت المشاركة في المحادثات مع إيران، في شأن حدود قاع البحر بين البلدَين. وكان رد العراق على المبادرة الكويتية الجديدة، هو عدم الاعتراف باستقلال الكويت، بل المطالبة، بعد أيام قلائل من هذا الإعلان، بضم الكويت إلى العراق، استناداً إلى شتى الحجج، التي ساقتها الحكومات العراقية المتتالية.

3. مطالبة العراق بأحقيته في جزيرتَي وربة وبوبيان

    في تاريخ الكويت، والعلاقات الكويتية ـ العراقية، ترتبط جزيرتا وربة وبوبيان بـأم قصر، وخور عبدالله ارتباطاً وثيقاً، ومستمراً. ولعل أول ما أثار مسألة الحدود في هذه المناطق، هو إرسال الدولة العثمانية قوات عسكرية، بتحريض من ألمانيا، إلى أم قصر، وخور عبدالله، بعد ما اختير الخور محطة لسكة حديد الحجاز، بدلاً من الكويت، وأنشأت القوات العثمانية مركزاً عسكرياً في جزيرة بوبيان، لأهميتها الإستراتيجية الكبيرة في شمالي الخليج. ومعلوم أن حكام أسرة الصباح، الذين يحكمون الكويت، منذ أكثر من ثلاثمائة عام، قد نزحوا من رأس خور عبدالله، حيث كانوا يقطنون. وقد رأى أمير الكويت، أن الجزيرة، تقع ضمن سيطرته، لأن الصيادين، الذين يقصدونها، يدينون بالولاء له. وملكية جزيرة بوبيان، يستتبعها، كأمر طبيعي، ملكية جزيرة وربة.

    قد أُثيرت قضية تبعية جزيرة بوبيان، منذ عام 1904، على المستوى الدبلوماسي. ولكن، ظلت مسألة ملكيتها من دون تسوية حتى عام 1913، حين شملت الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية، الموقعة في 29 يوليه 1913 (أُنظر وثيقة نص القسم الأول من مسودة اتفاقية 29 يوليه 1913 بين الإمبراطورية العثمانية والحكومة البريطانية)، في آخر فقرة من المادة الخامسة منها، " جزائر وربة، وبوبيان، ومسكان، وفيلكا، وعوهه، وكُبر، وقاروة، والخور والمقطع، وأم المرادم، إضافة إلى الجزائر المجاورة، والمياه التي تحتويها هذه المنطقة".

    وفي عام 1923، بعد اتفاق الحدود، بين الكويت ونجْد، أثار شيخ الكويت مسألة حدود بلاده مع العراق، خاصة مطالبته بتبعية الجزر، المشار إليها سابقاً، للكويت. وقد أكّد هذا الحق، واعتراف بريطانيا به، السير برسي كوكس، المندوب السامي البريطاني في العراق، في رده على الرائد مور، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت.

    وفي عام 1932، أثيرت المسألة، مرة أخرى، في ضوء طلب العراق الانضمام إلى عصبة الأمم. وتُبُودلِت رسائل، أكد فيها نوري السعيد، رئيس وزراء العراق، آنذاك، الاعتراف للكويت بملكية تلك الجزر. وأبلغ ذلك إلى شيخ الكويت.

    وفي عام 1938، بدا واضحاً، أن الحكومة العراقية، قد غيرت رأيها، حول تلك الجزر، بل بدأت تطالب بضم الكويت، على أساس أن العراق، هو وريث الدولة العثمانية، ما دامت اتفاقية عام 1913 لم تصدَّق. وقد ظهر دافعان منفصلان حملا العراقيين على اقتراح ضم الأجزاء الشمالية من الكويت إلى العراق:

    أولهما: الاعتقاد أن عمليات تهريب واسعة للسلاح، إلى القبائل في العراق، تتم من طريق الكويت.

    ثانيهما: الخوف من أن تعترض الحكومة الإيرانية المرور في شط العرب، وشل ميناء البصرة. ومن ثَم نص القسم الأول من مسودة اتفاقية 29 يوليه 1913 بين الإمبراطورية العثمانية والحكومة البريطانية، فكروا في ميناء آخر. وكان خور عبدالله هو أنسب ممر إلى البحر، يمكن أن يُنشأ الميناء المقترح عنده، خاصة مع توقّع اكتشاف النفط في البصرة، والحاجة إلى تصديره. علاوة على الأفكار المتعلقة بمدّ سكة حديد بغداد إلى الخليج العربي، وتجاوزها شط العرب. واقترح العراقيون، أن يمتد الخط من البصرة، جنوباً، إلى أقصى مسافة ممكنة، لتوفير خدمة أفضل وأسرع للمسافرين، بحراً إلى الهند. ورأوا أن أم قصر، هي موقع محتمل لنهاية خط السكة الحديدية.

    وكان الاستيلاء على الكويت، أو أجزاء إقليمية منها، على الأقل، هو ما يراه العراقيون السبيل الأفضل، لتحقيق مقترحاتهم ومشروعاتهم. وكان خط العرض 30 َ 29 ْ، شمالاً، يوفر أساساً ممكناً للمناقشة، مما يعني استبعاد جزيرتَي وربة وبوبيان من التبعية للكويت. وقد أثار توفيق السويدي، وزير الخارجية العراقي، هذه المسألة عند زيارته لندن، عام 1938.

    وفي عام 1939، بُذِلَت محاولات لتقرير الخط الصحيح للحدود، وفقاً لتعريف اتفاقية 1913. وأثيرت، مرة أخرى، فكرة بناء ميناء عراقي، عند أم قصر. وأعلن العراق حاجته إلى أجزاء من الكويت، لتأمين مداخل أم قصر، وهو ما يعني ضم جزيرتَي وربة وبوبيان إليه، وكان رد فعل شيخ الكويت حاسماً، إذ رفض المطالب العراقية.

    واستمرت المحاولات العراقية، لكن دون جدوى. وظلت جزيرتا وربة وبوبيان، مطمعاً عراقياً، حتى أزمة 1958، حينما طالب نوري السعيد بإنهاء الحماية على الكويت، وإعلانها دولة مستقلة، لكي يضمها إلى الاتحاد العربي الهاشمي، وأزمة 1961 حين طالب عبدالكريم قاسم بضم الكويت كلها.

4. محاولة العراق ضم الكويت إلى الاتحاد العربي الهاشمي (أزمة عام 1958)

    تميزت العلاقات الكويتية ـ العراقية، في أوائل الخمسينيات، بالهدوء النسبي، والاحترام المتبادل، إلى أن نشأ الاتحاد العربي الهاشمي، في 14 فبراير 1958، بين العراق والأردن. وكان نوري السعيد، رئيس وزراء العراق، آنذاك، متحمساً لضم الكويت إلى ذلك الاتحاد، يدفعه عاملان رئيسيان.

أولهما: تقديره أهمية انضمام الكويت، خاصة أن حكامها، لا يرتبطون بصِلة القربى بالأسرة الهاشمية، مما يجعل الاتحاد أكثر تقبّلاً في المنطقة العربية.

ثانيهما: إدراكه أهمية الكويت الاقتصادية، وقدرتها على دعم الاتحاد، وسد العجز في ميزانيته.

    ومن ثَم، مضى نوري السعيد في محاولة إقناع كلٍّ من الحكومة البريطانية، والولايات المتحدة الأمريكية، بالفوائد، التي يمكن أن تتحقق، من جراء انضمام الكويت إلى الاتحاد العربي الهاشمي، ملوّحاً بأن من شأن ذلك الاتحاد مقاومة التسرب الشيوعي في المنطقة العربية. وبادر إلى تقديم اقتراح إلى الحكومة البريطانية، يقضي بإعلانها استقلال الكويت، حتى تكون الإمارة مؤهلة، بوضعها المستقل، للانضمام إلى الاتحاد. وفي الوقت نفسه، عرض على الحكومة البريطانية، أن تعقد مع الكويت معاهدة، تمنحها، بموجبها، جميع الميزات، التي كانت تتمتع بها في الكويت، قبل إعلانها استقلالها، حفاظاً على مصالحها الاقتصادية، واستثماراتها النفطية، وارتباطاتها الدفاعية.

    وحاول نوري السعيد، لتحقيق هدفه، استغلال الخلافات السياسية، التي كانت قائمة، آنذاك، بين الجمهورية العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، لكي يحصل على تأييد كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، لمشروعه، بعد أن اتّسم الموقف البريطاني بقدر، ليس بقليل، من التردد والتحفظ.

    ومع ذلك، فإن الموقف المتصلب، الذي واجهه نوري السعيد، كان من قِبَل الكويت نفسها. إذ أعلن الشيخ عبدالله السالم، صراحة، عدم استعداد بلاده للانضمام إلى محاور سياسية، بين الأنظمة، الملكية والجمهورية، مؤكداً عدم وجود أي مكاسب، تجنيها الكويت، من جراء انضمامها إلى ذلك الاتحاد، بل إن الضرر قد يكون هو الأكثر توقعاً. وفضلاً عن ذلك، فقد كان الشيخ عبدالله، يدرك جيداً، أن النظام العراقي غير مستقر. فهو لا يتمتع برصيد شعبي، ومن ثَم، فهو معرض للانهيار، في أي لحظة. واستطراداً، فإنه من الخطر أن يربط بلاده بذلك النظام. ومضى حاكم الكويت في تحديد موقف بلاده المحايد، في خضم الصراعات العربية، ومحاولة الاضطلاع بدور إيجابي في تهدئة تلك الصراعات، بما يكفل تحقيق المصلحة العربية.

    وعلى الرغم من مواقف الكويت، المعارضة للانضمام إلى الاتحاد العربي الهاشمي، فإن العراق لم يتجه إلى الضغط عليها، وإنما حاول كسب ودّها، حتى يغريها، تدريجاً، بقبول فكرة الانضمام. فقد حرص الخطاب السياسي العراقي، آنذاك، على إعلان صداقة العراق للكويت، واحترامه لسياسة حُسن الجوار. واضطلعت إذاعة بغداد، وكثير من الجرائد العراقية، بدور ملموس في ذلك. أمّا الضغوط التي مارسها العراق، فقد وجهها، بصفة خاصة، إلى الحكومة البريطانية، لكونها الدولة الحامية للكويت. وقد بلغت الضغوط أقصاها، حين عرض نوري السعيد على بريطانيا الموافقة على إعلان استقلال الكويت، وضمها إلى الاتحاد العربي الهاشمي، أو أن تسارع الكويت إلى تقديم دعم مالي، سنوي، إلى الاتحاد، في حالة عدم الانضمام إليه.

    ونتيجة لذلك، تقرر عقد اجتماع في لندن، في 20 يوليه 1958، لتبادل وجهات النظر في هذا الأمر، بين المسؤولين، العراقيين والبريطانيين. ومن أجْل ذلك، أعدت الحكومة العراقية مشروع اتفاقيتَين. الأولى، تتعلق بدعم الكويت للاتحاد العربي الهاشمي، (أُنظر وثيقة نص مسودة اتفاقية أخوة وتحالف، بين حكومتي الاتحاد العربي الهاشمي وإمارة الكويت). والثانية، تتعلق بانضمامها إلى ذلك الاتحاد، كإمارة مستقلة، محتفظة بشخصيتها، وبنظام الحكم فيها، وبعلَمها الخاص، في إقليمها (أُنظر وثيقة مسودة اتفاقية انضمام الكويت إلى الاتحاد العربي الهاشمي).

    لم يرحب البريطانيون بمشروع نوري السعيد، خوفاً على مصالح الخزانة البريطانية، واستثمارات الكويت المالية في لندن، إضافة إلى رفض حاكم الكويت الانضمام إلى الاتحاد العربي الهاشمي، خوفاً على الامتيازات التي يتمتع بها حكام أسرة الصباح، إذ وجدوا أنهم لن يربحوا شيئاً، وإنما سيخسرون كثيراً. وفوق هذا كله تخوفهم من أن يكون هذا المشروع خطة عراقية لاندماج الكويت في العراق، على أساس أن الكويت كانت جزءاً منه، وأن الأراضي الكويتية ما هي إلاّ امتداد للأراضي العراقية، التي طالب بها الملك غازي، من قبْل.

    واستمر نوري السعيد يحث الحكومة البريطانية على الأخذ برأيه، ويحاول إقناعها أنه لا يفكر بضم الكويت إلى العراق، وإنما إدخالها إلى الاتحاد العربي الهاشمي. ومع أن حاكم الكويت، عبدالله السالم الصباح، لم يرغب حتى في مناقشة الموضوع، فإن بريطانيا، اقترحت عقد اجتماع بين المسؤولين البريطانيين والعراقيين، لبحث كل المشاكل المعلقة بين العراق وبريطانيا، بما فيها مشكلة الكويت. فأعدت الحكومة العراقية مذكرة إلى بريطانيا، قدمها وزير خارجية الاتحاد، توفيق السويدي، بناء على توجيه من رئيس وزراء الاتحاد، نوري السعيد، طلب فيها:

أ. منح الكويت الاستقلال، ودخولها الاتحاد العربي الهاشمي، وتقديمها معونة، سنوية إليه.

ب. في حالة عدم الأخذ بالاقتراح الأول، يعاد النظر في حدود الكويت، لتعود إلى ما كانت عليه سابقاً، "حيث لم تتعدَّ مدينة الكويت كثيراً".

ج. في حالة عدم الأخذ بالاقتراح الثاني، يحتفظ العراق بحرية العمل.

     لقد كانت هذه المذكرة تحذيراً واضحاً، من أن العراق، سيضطر إلى ضم الكويت، بوسائل أخرى، إذا لم تجدِ محاولة إدخالها إلى الاتحاد العربي الهاشمي، بالطريقة التي عرضها. ولذلك، فإن السفير البريطاني، رفض استلام المذكرة، أو نشرها.

    وقد كان من المقرر نشر هذه المذكرة، في 11 يوليه 1958. لكن السفير البريطاني، طلب من الخارجية العراقية تأجيل نشر المذكرة إلى حين بحث جميع التفصيلات، في لندن، في 20 يوليه 1958، بين رئيس وزراء الاتحاد العربي الهاشمي، نوري السعيد، ووزارة الخارجية البريطانية. ولم يتحقق ذلك الاجتماع لقيام ثورة 14 يوليه 1958، وانسحاب العراق من الاتحاد العربي الهاشمي، بقرار أصدره رئيس وزراء الجمهورية العراقية الجديدة، عبدالكريم قاسم، بعد يومين من قيام الثورة.

5. العلاقات الكويتية ـ العراقية، بعد ثورة 14 يوليه 1958

    رحب شيخ الكويت، عبدالله السالم الصباح، بقيام ثورة 14 يوليه 1958، لأنها خلصته من ضغوط نوري السعيد، من أجْل الانضمام إلى الاتحاد العربي الهاشمي وتحمل نفقاته المالية.

    وفي 12 أغسطس 1958، بعث الشيخ عبدالله السالم الصباح، برقية إلى عبدالكريم قاسم، يهنئه فيها بنجاح الثورة. فردّ شاكراً للأمير الكويتي تهنئته (أُنظر وثيقة رسالة عبد الكريم قاسم إلى الشيخ عبدالله السالم الصباح رداً على تهنئة حاكم الكويت بقيام ثورة 14 يوليه 1958 في العراق). وفي 25 أغسطس 1958، بعث أمير الكويت كتاباً آخر إلى رئيس الوزراء العراقي، يشرح له فيه بعض ما تلاقيه الكويت من مصاعب، فيما يتعلق باستيرادها المواد الغذائية من العراق، والقيود، التي فرضت على انتقال الكويتيين إليه.

    وفي 25 أكتوبر 1958، زار شيخ الكويت العراق، ليقدم التهنئة إلى قادة الثورة. وعلى الرغم من أن الزيارة استمرت خمسة أيام، إلاّ أن عبدالكريم قاسم، كان متحفظاً في مباحثاته. ولهذا، لم يصدر بيان مشترك، إثر الزيارة. كما أن شيخ الكويت أراد، خلال زيارته العراق، أن يُلِم بموقف قادة الثورة من الكويت، وسير العلاقات بينهما وتطورها، وهل لدى قادة الثورة طموح إلى إثارة قضية الكويت مجدداً، كما فعل، من قبْل، كلٌّ من الملك غازي ونوري السعيد، أو لا؟

    وفي 29 ديسمبر 1958، حدثت مبادرة، لتقوية العلاقات بين البلدَين، حينما طلبت الحكومة العراقية، في كتاب من هاشم جواد، وزير الخارجية العراقي، إلى الشيخ عبدالله السالم الصباح، أمير الكويت، فتح قنصلية، أو ممثلية تجارية لها في الكويت، ترعى مصالح العراقيين فيها، وتحل بعض القضايا، التي أثارها شيخ الكويت، عند زيارته الأخيرة إلى العراق (أُنظر وثيقة نص رسالة وزير خارجية العراق، هاشم جواد إلى الشيخ عبدالله السالم الصباح، أمير الكويت في 29 ديسمبر 1958 يطلب فيها فتح قنصلية عراقية في الكويت).

    واستمرت العلاقات طبيعية، بين الكويت والعراق، خلال السنوات، التي تلت ثورة 14 يوليه 1958، وتبادلت الدولتان الوفود، التجارية والاقتصادية، بشكل طبيعي، وبنّاء. ولكن، عندما أعلنت بريطانيا، في 19 يونيه 1961 توقيعها معاهدة الاستقلال مع الكويت، أسرع عبدالكريم قاسم في إرسال برقية إلى شيخ الكويت، يبلغه فيها سروره بإلغاء اتفاقية 1899، المعقودة بين الشيخ مبارك الصباح والإنجليز، (أُنظر وثيقة برقية عبدلكريم قاسم إلى الشيخ عبدالله السالم الصباح في 20 يونيه 1961 يهنئه فيها باستقلال الكويت). واستمر تصاعد الأحداث حتى وصولها إلى أزمة عام 1961، بين العراق والكويت، حينما أعلن عبدالكريم قاسم، في 25 يونيه 1961، خلال مؤتمر صحفي، في مبني وزارة الدفاع العراقية " أن الكويت قضاء عراقي تابع لمحافظة البصرة". وعرض بعض الوثائق التاريخية، التي تؤكد ذلك، قائلاً: " إن في استطاعتنا أن نحصل على حقوقنا كاملة، ولكننا نلجأ، دوماً وأبداً، إلى السلم (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها). إلاّ أنني أؤكد لكم أن الاستعمار، لا يفيد معه السلم، فهو عدو للسلم".



[1] أنشأت بريطانيا في ميناء "أم قصر"، رصيفاً للشحن والتفريغ، ليشكل قاعدة تموين متقدمة، ورئيسية إلى الاتحاد السوفيتي، بعد أن هاجمت قوات المحور الأراضي السوفيتية، في يونيه 1941

[2] الملك جورج السادس، تولى عرش بريطانيا، في الفترة من 1936 إلى 1952.

[3] لا يوجد هناك أي أثر لرسالة الشيخ "سالم"، في وثائق وزارة الخارجية، أو وزارة المستعمرات.