إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





المبحث الثاني

المبحث الثاني

الأزمة العراقية مع الدول الغربية وتطورها

    حينما غزت القوات العراقية أرض الكويت، فجر 2 أغسطس 1990، لتحتلها، وتطيح حكومتها الشرعية، فإنها فاجأت العالم كله بهذا العمل. ولم تكن المفاجأة بسبب انعدام أو ندرة المعلومات عن تحرك الجيش العراقي؛ فهذه المعلومات كانت متوافرة، ومتفاوتة الدقة، لدى أجهزة الاستخبارات والاستطلاع، العالمية والإقليمية. وإنما كانت المفاجأة بسبب استحالة توقع هذا العمل، الذي أقدم عليه النظام العراقي ضد الكويت، فهو، بكل المقاييس، عمل نادر الحدوث في العلاقات الدولية والعربية.

    والعودة إلى الأسابيع القليلة، السابقة على الأزمة، من ناحية، وعرض مجمل الظروف في منطقة الخليج، المحددة للعلاقات العراقية ـ الخليجية، من ناحية ثانية، يسهمان في كشف السلوك، الذي انتهجه النظام العراقي ضد الكويت، والذي يوضح عدم إدراك العواقب الوخيمة للعمل، الذي أقدم عليه، عربياً وإقليمياً ودولياً. كما إنه لا بدّ من الوقوف على خلفية الأزمة، قبْل متابعة تطوراتها وتداعياتها، التي أثارت أكبر قدر من اللبس وخلط الأوراق، في التاريخ السياسي العربي المعاصر.

    وليس من الصعب على أي مراقب للوضع السياسي، في منطقة الخليج والشرق الأوسط، ومنذ أبريل عام 1990 تحديداً، أن يلمس توجهَين عراقيَّين بارزَين:

الأول: تصعيد الحرب الدعائية ضد الغرب وإسرائيل خاصة، التي هدد العراق بضربها، بأكثر الألفاظ شدة وإثارة، ما ترتب عليه زيادة ردود فعل كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ضد العراق، اللتَين كانتا قد بدأتا، منذ أوائل فبراير 1990، بشن حملات    دعائية ضده، بسبب تنامي قدراته العسكرية، مهدداً المصالح الغربية في المنطقة، من وجهة نظر الغرب، والتي استثمرها النظام العراقي في بناء صورة له، وكأنه الطرف العربي القوي، القادر على تحدي إسرائيل، بل تحدي من يساندونها.

الثاني: افتعال الأزمة السياسية ضد الكويت، والتصعيد المتعمد لها، بدءاً من منتصف يوليه 1990، على نحو سريع، وبشكل بدا معه، وكأن العراق يستنفد كل الوسائل السلمية لحل تلك    الأزمة، ويهيئ الأجواء لغزو الكويت.

أولاً: تطور التسليح العراقي

    في الأشهر الأولى من عام 1990، كان هناك تركيز، من وسائل الإعلام الأمريكية، ضد الرئيس العراقي، صدام حسين، انتقدت، خلاله، ازدياد قدرة العراق العسكرية، خاصة النووية والكيماوية والبيولوجية، وانتهاكاته لحقوق الإنسان، عبر بعض تجاوزاته في الحرب ضد إيران، واستخدامه الأسلحة الكيماوية (الغازات الحربية).

    فقد بدأ العراق عملية بناء القوات المسلحة، بأفرعها، منذ عام 1969، وإنْ كان يمكن القول، إن القرار الفعلي، في شأن وضع أُسُس الصناعات العسكرية المتكاملة، كان عام 1975. وقد استطاع العراق أن يصل إلى أن يكون القوة السادسة في العالم، عدداً، بعد انتهاء حربه ضد إيران، وهي أول الخطوط الحمراء، التي أزعجت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، وقرروا اتخاذ كافة السبُل لإيقافه.

    ففي واشنطن، أصدرت وكالة نزع السلاح والحد من التسلح، الأمريكية الرسمية،ACDA Arms Control and Disearmament agency، تقريرها الدوري لعام 1987، حول الانفاقات العسكرية، والقدرات الحربية لدول العالم. وقد استغرق إعداد التقرير سنتَين. واستقت الوكالة معلوماتها من أجهزة عديدة، منها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) وجاء في مقدمة التقرير، أن القوات المسلحة العراقية، تحتل المرتبة السادسة في العالم، من ناحية عدد الجنود؛ إذ يبلغ تعداد الجيش العراقي (وقتذاك) 900 ألف جندي، وذلك بعد الجيش السوفيتي، البالغ تعداده 4.4 ملايين، ثم الصين 3.5 ملايين، والأمريكي 2.2 مليون، والهندي 1.5 مليون، والفيتنامي 1.3 مليون. وفي مجال الإنفاقات العسكرية ذكر التقرير، أن العراق ينفق مبلغاً قدره 12 مليار دولار. وأن منطقة الشرق الأوسط، بما فيها إيران وإسرائيل، قد استوردت أسلحة، قيمتها 37.3 مليار دولار، وفي مقدمة دول المنطقة العراق، الذي حصل على أسلحة ومعدات، تقدر بحوالي 5.6 مليارات دولار، هذا العام.

    أما مركز "جافي" الإسرائيلي للدراسات الإستراتيجية، فقد ذكر في تقريره السنوي عن التوازن العسكري في منطقة الشرق الأوسط، عن عام 1988/1989، أن العراق يدأب على تطوير أسلحته النووية الخاصة، وأن هذا الهدف، يمكن أن يتحقق في فترة، تراوح بين 5 و10 سنوات. كما أنه يواصل تحقيق هدف آخر، وهو تطوير صواريخه البعيدة المدى، ليمكنها، مستقبلاً، حمل رؤوس نووية. وأكد التقرير، أن هذَين الهدفَين، سوف يضيفا، إلى منطقة الشرق الأوسط، بعداً جديداً وخطيراً.

    وقد كشفت مجلة (Jane's Defence Weekly) العسكرية البريطانية، عن تنافس أوروبي في تزويد العراق الأسلحة المتطورة، ولا سيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

1. ففي فرنسا، عرضت شركة "داسو" أحدث منتجاتها، من طائرات ميراج ـ 2000، وألفاجيت. ناهيك أنها سبق أن باعت للعراق أسلحة ومعدات، ما قيمتها 45 مليار فرنك، يدفعها على مدى 15 عاماً، من بينها نظام صواريخ جو/جو، من نوع (AS-530) الذي رُكِّب على طائرات ميراج (F-1) فضلاً عن أن مجموعة شركات فرنسية أخرى، وعلى رأسها شركة "طومسون CSF"، عرضت أسلحة ومعدات على العراق.

2. وفي بريطانيا، عرضت مجموعة من الشركات، طائرات هوك، وهارير، وتورنادو. كما عرضت شركة (GCC) بعض الإلكترونيات، التي تركب في الطائرات، خاصة بعد اجتماع وليم وولد جريف، وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، إلى حسين كامل، وزير الصناعات الحربية، العراقي، ومناقشتهما التعاون في مجال التصنيع الحربي، بين البلدَين عام 1989.

3. أما ألمانيا، فقد قدمت عشر من شركاتها، على رأسها شركة سيمينس (MBB) عروض التسلح نفسها.

4. كذلك، عرضت الأسلحة والمعدات على العراق مجموعة من الشركات في أسبانيا وإيطاليا واليونان والبرتغال وتركيا وروسيا ومصر وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ويوغسلافيا وبولندا والأرجنتين والبرازيل والصين. (أُنظر جدول الشركات الأجنبية التي زودت العراق بأسلحة غير تقليدية)

    وبالفعل، نجح العراق في تطوير أفرع قواته المسلحة. ففي المجال الجوي، نجح في تحويل طائرة الاستطلاع العراقية، السوفيتية الصنع، من نوع أليوشن ـ 67، إلى طائرة إنذار مبكر، أطلق عليها "عدنان ـ 1"، وتُعَد ثانية طائرة، بعد الأواكس، لها قدرة فائقة على كشف الطائرات المعادية، على مسافة مئات الكيلومترات، وعلى ارتفاعات مختلفة.

    كما دخل العراق سباق تطوير الصواريخ، حينما أطلق في 7 ديسمبر 1989، صاروخاً تجريبياً إلى الفضاء، اسماه "العابد"، ذا ثلاث مراحل. وعلى الرغم من كون هذه التجربة محاولة بدائية لدخول تكنولوجيا الفضاء، إلاّ أنها أثارت ضجة في العالم الغربي. فقد علّقت فرنسا على ذلك، بقولها إن العراق أصبح في نادي الكبار. وإن صاروخه "العابد"، يمكن تطويره، ليكون معادلاً لصاروخ "إريان" الأوروبي. بينما علّقت واشنطن على نجاح بغداد في إطلاق أول صاروخ فضائي لها، قادر على حمل أقمار صناعية إلى الفضاء الخارجي، بأن وزارة الدفاع الأمريكية، تدعو العراق إلى التزام الحذر في مراحل تطوير برنامجه الفضائي. وذكر بيت وليامز، المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية، أن هذه الصواريخ، تتضمن تكنولوجيا، تدخل في إنتاج صاروخ عابر للقارات. وإنْ كان لا يستطيع تأكيد إعلان العراق إطلاق صاروخ من ثلاث مراحل، إلى الفضاء، وتطوير الصواريخ بعيدة المدى، إلاّ أن بلاده تحذر من أخطار انتشار مثل هذه الأسلحة في مناطق التوتر، مما يهدد العلاقات الدولية.

    وقد عمدت إسرائيل إلى إطلاق قمر التجسس، "أفق ـ 1"، رداً على العراق، الذي أعلن أن لديه القدرة على تصنيع صاروخَين جديدَين، هما "أبابيل"، و"سجيل"، للأرصاد الجوية والاتصالات، وفي إمكانهما إطلاق أكثر من قمر للتجسس. علاوة على أن لديه صاروخ "الفاو ـ1"، المصمم لتدمير صواريخ أرض/أرض، قبل وصولها إلى أهدافها. كما أعلن العراق، أنه تمكن، بالفعل، من إنتاج عدة صواريخ، منها صاروخ الحسين وصاروخ العباس. إضافة إلى تصنيع قواعد الإطلاق، الثابتة والمتحركة، والشاشات الردارية، الخاصة بمراقبة الإطلاق وأجهزة التحكم.

ثانياً: بداية الأزمة العراقية ـ الغربية (تجاوز الخطوط الحمراء)

    بدأت الأزمة بين العراق والغرب، منذ أوائل فبراير 1990، حينما شنت وسائل الإعلام الغربية، ولا سيما الأمريكية، حملة دعائية ضد النظام العراقي، لتطويره القدرات العسكرية العراقية، بعد انتهاء حربه ضد إيران. وذلك خوفاً من أطماع الرئيس العراقي، صدام حسين، وأحلام الزعامة العربية التي روادته، ولمّا تزل تراوده؛ وخوفاً على مصالحها في منطقة الخليج.

    وسأل العالم الغربي، عن إمكان استخدام صدام حسين هذه القوة؛ أيمكن أن يستخدمها مباشرة في تحقيق التأثير السياسي في الاتجاه الذي يريده العراق؟ أم يكتفي بالتلويح بها، والإيحاء بفاعليتها فقط؟ وكيف ينبغي التصرف في هذا الجيش ذي الحجم الكبير؟

    وكان ثمة إجابتان لهذه الأسئلة:

الأولى: ترى أن بقاء جيش، بهذا الحجم وذاك التسليح، من دون فاعلية ميدانية، هو تبديد لجهود جزء حيوي من قدرة الشعب العراقي وطاقته. ولذلك، لا بدّ أن يكون هناك مهمة عسكرية، يجب أن يضطلع بها هذا الجيش، خاصة أنه بدأ، بالفعل، يفتعل أزمة مع الكويت، وإلاّ تحوّل إلى عبء على المجتمع العراقي.

الثانية: تذهب إلى أنه في الإمكان الحصول على النتائج، التي يريدها العراق، على مستوى السياسة الخارجية، من دون اللجوء إلى استخدام قوّته العسكرية، بل بالايحاء بها، وإعلانها، وجعلها قوة ردع، تحقق توازن الرعب، من جانب، وتوفر مصدراً لجنْي مكاسب سياسية، من جانب آخر.

    لكن هذا العرض الكبير للقوة العسكرية العراقية، لم يكن خافياً عن أبصار الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من القوى، الدولية والإقليمية. ولذا حاولت واشنطن، وعواصم الغرب، إجهاض هذه القوة، فبدأت الجرائد الأمريكية بشن حملة شعواء على العراق، خاصة حينما بدا أنه يهدد المصالح الحيوية الغربية، في منطقة الخليج، من ناحية، وأمن إسرائيل، من ناحية أخرى.

1. زيارة جون كيلي بغداد

    12 فبراير 1990، وفي الوقت الذي كان الخلاف بين العراق والكويت، في تصاعد مطّرد، وصل جون كيلي (John Kelly) مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، إلى بغداد، للتخفيف من حدّة التوتر الأمريكي ـ العراقي. واستقبله الرئيس صدام حسين، بعد ظهر اليوم نفسه. وتفيد مصادر، عراقية وأردنية، أن كيلي أخبر صدام حسين، بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، تَعُدُّه "قوة اعتدال" في المنطقة، وأنها تسعى إلى تحسين العلاقات الأمريكية بالعراق. وتلقى صدام حسين هذا الخبر الطيب بارتياح كامل، واتصل، من الفور، بصديقه، الملك حسين، ملك الأردن، ليزف إليه الخبر. وذكر بيار سالينجر، أن جون كيلي، قال للرئيس العراقي، كذلك: "وتتمنى الولايات المتحدة الأمريكية إقامة أوثق العلاقات بالعراق".

    ويذكر محمد حسنين هيكل، أن المبعوث الأمريكي، استعرض مع الرئيس صدام حسين، مسار العلاقات بين البلدين. وذكر الرئيس العراقي للمبعوث الأمريكي، أنه لاحظ وجود حملات منظمة، توجَّه ضد العراق وقيادته. وحاول جون كيلي أن يشرح طبيعة الحياة السياسية، في بلد مفتوح، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وأبدى الرئيس صدام حسين تفهماً، ولكنه نبّه إلى أن الحملات، زادت على الحدّ، وأنها تركز في جهود، يبذلها العراق للتطور التكنولوجي. وفي نهاية المقابلة، لفت جون كيلي نظر الرئيس صدام حسين، إلى أن التقرير السنوي، الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية، في خصوص حقوق الإنسان في العالم، سوف ينشر الأسبوع القادم، وهو يحوي انتقاداً للعراق، ورجا الرئيس أن يتقبله بصدر رحب. ورد الرئيس صدام حسين، قائلاً: "نحن لا نغضب من النقد، إذا كان بناءً، ولا يستهدف التشهير".

    وأراد جون كيلي، فيما يبدو، من هذه الملاحظة، أن يهيئ ذهن القيادة العراقية للتقرير، قبل صدوره، حتى لا تفاجأ بنشره، وتعده جزءاً من الحملة ضدها في واشنطن. وبذلك، يكون كيلي قد أنجز صياغة الرسالة الأولى، بين سلسلة طويلة من الرسائل المبهمة، والمتناقضة، التي سوف تكون نتائجها شديدة الوطأة والتأثير.

    وعلى نقيض ما كان متوقعاً، فإن سياسات إدارة بوش، التي تبدو عند التمعن فيها، الآن، شكلاً من أشكال التهدئة، كانت، في نظر صدام، جزءاً من مؤامرة أمريكية لمحاصرة العراق وتدميره. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، في حقيقة الأمر، توجِّه إشارات متضاربة إلى بغداد. حتى سياسة التهدئة، التي تتطلب درجة معقولة من الاتساق، كانت تفتقر إليه. وكان اجتماع جون كيلي مع صدام حسين، ناجحاً، طبقاً للروايتَين، العربية والأمريكية. واعتقدت واشنطن أنها رسخت علاقاتها بالعراق، ولم يلتقط كيلي أي مؤشر إلى نيات صدام حسين.

    ولم تكد تمضى ثلاثة أيام على مقابلة الرئيس العراقي للمبعوث الأمريكي، جون كيلي، حتى بثّ "صوت أمريكا"، في برامجه الموجَّهة إلى العالم العربي، في 15 فبراير 1990، برنامجاً إذاعياً، قال مُقدِّمه إنه يعكس وجهة نظر الحكومة الأمريكية. وتضمن دعوة إلى الرأي العام للتحرك ضد الدكتاتوريات في العالم. واحتل صدام حسين موقعاً متميزاً في لائحة الطغاة، وقُدِّم على أنه الأسوأ بينهم.

    غضب الرئيس العراقي غضباً شديداً، ولم تنفع رسائل الاعتذار، التي قدمتها واشنطن، عبْر سفارتها في بغداد. ورفض تبريراتها له بوجود اختلاف في وجهات النظر، بين السلطات الرسمية الأمريكية وإذاعة "صوت أمريكا". وقد بدا له هذا الحادث، بعد فترة وجيزة من إشادة جون كيلي وإطرائه به، دليلاً قاطعاً على لعبة أمريكية مزدوجة. لقد أقنع تعليق "صوت أمريكا" الرئيس صدام حسين بالازدواجية الأمريكية.

    وفي 17 فبراير 1990، انتهز الرئيس العراقي، صدام حسين، فرصة اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون العربي، للاحتفال بمرور عام على تأسيس المجلس، ليرد على تعليق "صوت أمريكا". وارتأى أن يركز في الوجود العسكري الأمريكي، البحري، المتزايد في الخليج، قائلاً: إنه كان "مستعداً لفهم أسباب هذا الوجود، أثناء معارك الحرب العراقية ـ الإيرانية. أمّا بعد انتهاء هذه الحرب، وزوال الأخطار عن الملاحة في الخليج، فإن استمرار الأساطيل الأمريكية في مياهه، بل زيادتها، لا يعنيان إلاّ تهديداً بالقوة، ماثلاً قرب سواحلنا".

    ومما رسخ قناعة الرئيس العراقي، صدام حسين، بأن الإدارة الأمريكية تنتهج سياسة مزدوجة، مبادرة وزارة الخارجية الأمريكية، جيمس بيكر، في 21 فبراير 1990، إلى نشر تقرير حول حقوق الإنسان، خصت العراق بعدد من صفحاته، تجاوز 12 صفحة، وصفت فيها الحكومة العراقية، بأنها الأكثر سوءاً في مجال خرق حقوق الإنسان، وأشارت إلى ممارسة هذه الحكومة المتكررة للتعذيب والإعدامات السريعة، من دون محاكمة.

2. خلاف بين الرئيس الأمريكي والكونجرس، حول أسلوب التعامل مع العراق

    ولم يقف الأمر عند هذا الحد، لأن لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الأمريكي، أرادت، بعد صدور هذا التقرير، تبنِّي قرار، يدين "العراق، لخرقه الفاضح لحقوق الإنسان"، مما دفع إدارة الرئيس بوش إلى الاحتجاج على هذه الخطوة، ومنع تبنِّيها من قبل مجلس النواب. وطالب عدة أعضاء في الكونجرس الأمريكي، صراحة، بالحدّ من الروابط الأمريكية بحكومة صدام وتقليل مساندتها. ولكن أعضاء آخرين في الكونجرس، وبوجه خاص هؤلاء الذين ينتمون إلى ولايات زراعية[1]، خرجوا عن الاتجاه السائد، وتعمدوا تقوية العلاقة الاقتصادية المتنامية، بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، وأعربوا للرئيس العراقي عن أسفهم، إزاء نوعية الإعلام الأمريكي. ووصلت إلى بغداد، كذلك، تقارير، مفادها أن العسكريين الأمريكيين، شرعوا، في لقاءات مع بعض دول الخليج، يشيرون إلى العراق على أنه الخطر الرئيسي على أمن المنطقة.

    وهكذا، لم يقدّر لشهر العسل المنتظر، أن يدوم طويلاً، ذلك أن عناصر كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، لها أغراض متباينة، وسياسات مختلفة، وهي قادرة، سواء في الكونجرس أو في وسائل الإعلام، على التأثير في توجهات الرأي العام، وفي مجريات الأحداث. ويبدو، على نحو أو آخر، أن هناك جهات نافذة في واشنطن، يلائمها، على نحو ما، أن تبحث عن "وحش" في الشرق الأوسط، تجعله هدفاً لحملاتها، بحق أو بغير حق.

    استهدفت الحملات، حيناً، آية الله الخميني، ثم انتقل التركيز إلى العقيد معمر القذافي فالرئيس حافظ الأسد. وكان ياسر عرفات، دائماً، هدفاً مستباحاً. بل إن الحملات طاولت الملك فهداً نفسه؛ إذ تقصدته الصحافة الأمريكية، لفترة، في مطلع الثمانينيات. وفي الأشهر الأولى من عام 1990، كان التركيز كله، في وسائل الإعلام الأمريكية المختلفة، منصباً على الرئيس العراقي، صدام حسين، وراحت الأجواء تتلبد، وانبرى الملك فهد، والرئيس مبارك، والملك حسين، كلٌّ منهم بدوره، يحاولون تلطيف الأجواء في واشنطن. وكانت إسرائيل، طوال الوقت، على الخط، وانصب تركيزها، في الدرجة الأولى، على القوة العسكرية العراقية، التي خرج بها العراق، في حربها ضد إيران.

    وفي 19 فبراير 1990، تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، حينما أعلنت واشنطن أنها ألقت القبض على مواطن عراقي، في كاليفورنيا، متهم بالشروع في قتل، وكان المستهدف مواطناً عراقياً آخر لاجئاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ثم أعلنت واشنطن أن المتهم، كان على صلة بالبعثة العراقية الدبلوماسية لدى الأمم المتحدة، وبناء عليه، أصدرت أمراً بطرد أحد الدبلوماسيين العراقيين من نيويورك في 5 أبريل 1990. وردت بغداد في اليوم عينه، بطرد الدبلوماسي الأمريكي، راكادي وايت، يعمل سكرتير ثان في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد.

    وفي 20 فبراير 1990، أعلنت إسرائيل، أنها اكتشفت وجود وحدات عسكرية عراقية، في الأردن. وأضافت أنها لا تنوي السكوت عن ذلك. وفي الوقت عينه، عمدت طائرات أمريكية إلى الاستطلاع الجوي، من ارتفاعات عالية، في المنطقة. ثم أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، أنها اكتشفت وجود ست قواعد صواريخ عراقية، قرب القاعدة الجوية العراقية (H-2) القريبة من الحدود الأردنية. وانتهزت إسرائيل فرصة الإعلان الأمريكي، لتكثيف حملتها، هي الأخرى.

3. إعدام الصحفي البريطاني

    في 10 مارس 1990، وفي إطار التصعيد المتبادل، بين العراق والدول الغربية، أصدرت محكمة الثورة العراقية حكمها، بإعدام جاسوس بريطاني، يعمل لحساب بريطانيا وإسرائيل. وهو صحفي إيراني، يحمل الجنسية البريطانية، ويعمل مراسلاً لجريدة "الأوبزرفر" البريطانية، يدعى فارزاد رباطي بازوفت (Farzad Rabati Bazoft). وقد قبض عليه، في فبراير 1990، أثناء زيارته، متنكراً بصفة طبيب هندي، يضطلع بتجهيز مجمع عسكري للذخيرة، يقع في منطقة الإسكندرية، جنوبي بغداد، بالدواء. وكان هدفه من هذه الزيارة جمع المعلومات، بمعاونة ممرضة، تدعى دافني آن باريش، العاملة في مستشفى "ابن البيطار"، في بغداد، عن الانفجار المروع، الذي حدث في سبتمبر 1989، في هذا المجمع، وراح ضحيته ما يقرب من 700 قتيل، ومئات المصابين.

    وقد أُلقي القبض عليه، أثناء عودته، ومعه خرائط للموقع العسكري، رسمها بخط يده، وصور فوتوغرافية، وبقايا من انفجارات المجمع العسكري. (أُنظر وثيقة بعض الوثائق التي ضبطت مع الجاسوس البريطاني، في شأن المواقع العسكرية العراقية) واتهمته السلطات العراقية بالتجسس، لصالح إسرائيل، إذ أعطاها معلومات، مكنتها من قصف المجمع العسكري، بدقة. (أُنظر وثيقة حديث الرئيس صدام حسين، أمام قادة وضباط القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية في يوم الإثنين، الثاني من أبريل 1990 في مناسبة تقليده بعض رجال القادة والضباط الأوسمة والنياشين والذي هدد فيه بحرق نصف إسرائيل) وقدمته إلى المحاكمة. وأذاعت، عبر التليفزيون، اعترافاً كاملاً، بصورته وصوته، بأنه عميل للموساد، وللاستخبارات البريطانية، وأنه كان مكلف كذلك، بمتابعة التطورات العلمية والنووية، ومعرفة الدول المشاركة في تطوير الصواريخ العراقية، ومن أين يحصل العراق على العقول الإلكترونية، والمواد الخام، وأين يقيم الخبراء الأجانب في العراق. ومن الفور، شُنت حملة عارمة ضد العراق، في الصحافة، البريطانية والأمريكية، تدافع عن بازوفت، وتتهم العراق بتلفيق التهمة.

    وتشير الوقائع إلى أن شخصية بازوفت، كانت مريبة. فقد ثارت ضجة في العاصمة البريطانية، بعد ما كشفت مصادر الحكومة البريطانية النقاب عن أن وزارتَي الخارجية والداخلية، كانتا على علم بأن بازوفت قد سبق سجْنه لإدانته بالسرقة. وقد نشرت جريدة "صن" البريطانية، في يوم الجمعة، 16 مارس 1990، في صدر صفحتها الأولى، تفاصيل سطو بازوفت على أحد المصارف، واستيلاءه على 764 دولاراً، قبْل أن يسجَن لمدة 18 شهراً، عام 1981. وقد ذكر تفاصيل هذه القصة الكاتب محمد حسنين هيكل، في كتابه "حرب الخليج ـ أوهام القوة والنصر"، فذكر أن أُسرة بازوفت، خرجت من إيران، بعد الثورة الإسلامية، قاصدة لندن. وبعد سنتَين، قُبض على بازوفت، وكان عمره، آنئذٍ، 24 سنة، وأتُّهم بالاشتراك في سرقة مصرف، وحكم عليه بالسجن سنتَين. ولم تمض غير سنوات قليلة، بعد مغادرته السجن، حتى أصبح حاملاً جواز سفر بريطانياً، ومراسلاً لجريدة "الأوبزرفر" بعد أن جُنِّد. وعلى الرغم من أن محاكمته، حضرها القائم بالأعمال البريطاني في بغداد، إلاّ أن وسائل الإعلام البريطانية، شككت في الحكم، الذي أصدرته محكمة الثورة بإعدامه.

    وجرت محاولات واسعة في الغرب، خاصة في بريطانيا، التي شنت حملة واسعة للضغط على العراق، من أجل الإفراج عن الجاسوس البريطاني، بل تدخّل بعض رؤساء الدول بدعوى حقوق الإنسان! إلاّ أن العراق، عَدّ ذلك تدخلاً في شؤونه الداخلية، وأصرّ على موقفه. ونُفذ الحكم بإعدامه، يوم الخميس، 15 مارس 1990؛ والسجن 15 عاماً لزميلته الممرضة، التي أُفرج عنها، بعد صدور الحكم بفترة وجيزة، وعادت إلى بلادها.

    وقد دانت مارجريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية، إعدام الصحفي. كما استدعت الحكومة البريطانية سفيرها إلى بغداد، وأعلنت إلغاء كافة الزيارات، الرسمية، إلى العراق، ووقْف تدريب العسكريين العراقيين في بريطانيا، وعددهم ستة، وإعادتهم إلى بلادهم. كما رحّلت الطلاب العراقيين، الذين يدرسون في بريطانيا. وبدأت لندن تنفيذ عقوبات اقتصادية ضد العراق، بعد اتصال مارجريت تاتشر، بدول السوق الأوروبية.

    وكرد فعل غربي، مضاد لإعدام الجاسوس بازوفت، وفي 17 مارس 1990، كانت العناوين الكبرى للجرائد الغربية، وأخبار وكالات الأنباء العالمية، تعلن أن العراق، ينشئ مفاعلاً نووياً لإنتاج اليورانيوم، وأن العديد من الشركات الغربية ساعدته على تطوير الصواريخ. وانبرت تعرض التقارير التي تؤيد ذلك. (أُنظر جدول الشركات الأجنبية التي زودت العراق بأسلحة غير تقليدية)

4. اغتيال الدكتور جيرالد فانسان بول

    وفي 22 مارس 1990، اغتال جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، الدكتور جيرالد فانسان بول (Gerald Bull)[2]، عالم في فن المدفعية وخبير في صنع المدافع العملاقة، بمسدس كاتم للصوت أثناء دخوله منزله، في شارع فرانسو فولي، في بروكسل؛ وهو الذي احتضنه العراق، وكان على علاقة شخصية بالرئيس صدام حسين. لقد وعد جيرالد بول الرئيس صدام حسين، بأن المدفع العملاق، من عيار 355 مم، سيكون جاهزاً، قبل افتتاحه لمعرض بغداد العسكري، في نهاية أبريل 1989. وبالفعل تسلمت بغداد ذلك المدفع العملاق، بعد الانتهاء من صناعته، بوساطة الدكتور بول، واستخدم في عملية إطلاق تجريبية ناجحة، في مارس 1989، في القاعدة السرية، شرقي بغداد، التي صمم الدكتور بول مخططاتها بنفسه، مع تحديد مواقع الرادارات، والصواريخ المضادّة للطيران، وفيها ميدان الرمي الكبير، حيث جرِّب فيه المدفع العملاق. وعندما بلغ نبأ اغتيال الدكتور جيرالد بول الرئيس صدام حسين، حزن حزناً شديداً، وحيّا، في خطاب رسمي، صديق العراق، الذي قتله الصهاينة.

    لقد كان الدكتور جيرالد بول، هو العقل المفكر لمشروع "بابل"، ذلك المشروع الجبار للمدفع العملاق. وتمكنت الموساد من رصد حركته، في بروكسل، واستطاعت الإطلاع على أحد التقارير، التي كان بول يبعثها بصورة منتظمة إلى رؤسائه، في بغداد. هذه التقارير تحمل أغلفتها الزرقاء عبارة: "مشروع بابل / وضع المشروع". ومنذ تلك اللحظة، بدأ التفكير في ضرورة اغتياله، وتدمير هذا المشروع[3].

    واشتدت الحملة على العراق، الذي يستخدم العلماء الغربيين في صنع مدافع عملاقة، وفي تطوير نُظُم صواريخ، لأنه يُعِد لحرب على إسرائيل. ولم يتحدث أحد عن الإرهاب الذي راح ضحيته واحد من أشهر علماء الغرب.

5. عملية مطار هيثرو في لندن

    أظهرت عملية تهريب معدات إليكترونية، التي كشف النقاب عنها، في مطار هيثرو، في لندن، في 28 مارس 1990، اتساع عمليات بيع العتاد العسكري الأمريكي، بوساطة الشركات الأمريكية، التي تنقله إلى بغداد، عبْر شركات أخرى، تتستر بها، أو تلجأ إلى الشركات الوسيطة. ففي هذا التاريخ، وضعت الجمارك البريطانية يدها على 40 جهازاً أمريكياً من أجهزة "الكريترون" (الصواعق). تدخل في تركيب صاعق القنبلة النووية، وهذا الجهاز يُعد من المعدات التكنولوجية المحظورة. وقد تطلبت هذه المصادرة 18 شهراً من التحقيقات المشتركة، للأجهزة الأمنية البريطانية والجمارك البريطانية. وقد صنعت تلك القطع شركة أمريكية، تقع ضمن ولاية كاليفورنيا (California)، وبالتحديد في سان دييجو.

    بدأت العملية عندما اتصل وسطاء، يعملون لحساب العراق، بهذه الشركة، فسارع مديروها إلى إبلاغ أجهزة الجمارك الأمريكية، التي جعلت رجالها يشاركون مندوبي الشركة في المفاوضات. وسارت الإجراءات بشكل طبيعي جداً، حتى نُقلت القطع المطلوبة إلى لندن، على متن طائرة شحن، تابعة لشركة (TWA) وبقيت، مدة أسبوعين، في عنبر التخزين، التابع لمنطقة مطار هيثرو الحرة. وعند نقل البضائع إلى طائرة عراقية، تدخلت الجمارك البريطانية، وحالت دون نقلها، وقبضت على خمسة أشخاص: عراقيَّين اثنَين، ولبناني واحد، وبريطانيَّين اثنَين. أمّا في سان دييجو، فقد أدّت متابعة خيوط الشبكة إلى القبض على عدد من البريطانيين، العاملين في فروع شركات بريطانية في الولايات المتحدة الأمريكية.

    وفي 29 مارس 1990، أعلنت السلطات البريطانية، أنها عثرت على قطع من مواسير المدفع العملاق، الذي تتردد الأقاويل من حوله، وصادراتها، وهي تحذر العراق من التورط في مغامرات من هذا النوع.

    ونتيجة للأقاويل البريطانية، أعلن الجنرال إيهود باراك، رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي الجديد، في 30 مارس 1990: "أن إسرائيل لا بدّ أن تكون جاهزة لتنفيذ ضربة وقائية ضد العراق، في الوقت الذي تشعر فيه، أن قوّته خطر عليها". ثم تبعه إسحاق شامير، رئيس وزراء إسرائيل إلى ساحة التهديد، بقوله: "إن إسرائيل، سوف تهاجم العراق، إذا أحست أنه اقترب من إنتاج أسلحة نووية".

    وليس واضحاً ما إذا كانت الاستخبارات الإسرائيلية، هي التي أطلقت الإنذار، أي أبلغت عملية هيثرو أم لا. لقد اعتقد ذلك الرئيس العراقي، صدام حسين، مما حمله، إضافة إلى عملية اغتيال الدكتور جيرالد فانسان بول، على الإسهاب في خطابه، في حفل تكريم كبار القادة العسكريين العراقيين، في الثاني من أبريل 1990. (أنُظر وثيقة حديث الرئيس صدام حسين، أمام قادة وضباط القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية في يوم الإثنين، الثاني من أبريل 1990 في مناسبة تقليده بعض رجال القادة والضباط الأوسمة والنياشين والذي هدد فيه بحرق نصف إسرائيل)  

    ففي الثاني من أبريل 1990، صرحت وزارة الخارجية العراقية، على لسان نزار حمدون، وكيل وزارة الخارجية، القائم بأعمال السفارة البريطانية في بغداد، أن الادعاءات البريطانية، بمحاولة تهريب معدات وأجهزة، تستخدم لتفجير الشحنات النووية، إلى العراق، إنما هو تمهيد لعدوان إسرائيلي جديد عليه.(أُنظر وثيقة بيان وزارة الخارجية العراقية، في شأن موضوع الصواعق المصادرة في مطار "هيثرو" الصادرة في الثاني من أبريل 1990)  




[1] السيناتور روبرت دول، يمثل ولاية "كنساس"، والسيناتور آلن سيمبسون، يمثل ولاية "أيومينخ"، والسيناتور هوارد ميتزنبوم، يمثل ولاية "أوهايو

[2] الدكتور "جيرالد بول" أمريكي الجنسية، من أصل كندي. ولد في 9 مارس 1928، في بلدة "نورث باي"، في "أونتاريو"، على مسافة 350 كم، شمالي "تورنتو". وهو الابن التاسع، في الترتيب من بين إخوته. ويُعَدّ الدكتور "بول" من أكبر علماء المدفعية، في هذا القرن. واختار بروكسل مقراً لشركته (SRC) ؛ إذ إن بلجيكا مركز عالمي لتجارة السلاح، منذ القرون الوسطى.

[3] يذكر رولان جاكار، أن الإسرائيليين، نجحوا في الوصول إلى الخطر. أي إلى الخطر الذي يمثله المدفع الهائل، بالنسبة إليهم. إذ ربما اطلعوا على أحد التقارير، التي كان بول يبعثها، بصورة منتظمة، إلى رؤسائه، في بغداد. فأحد هذه التقارير، جاء فيه تفاصيل تقنية، خاصة بالميكانيك والهيدروليك التطبيقي كما يلي: "إن برنامج الرمي التجريبي الأفقي، أصبح جاهزاً، الآن. وبعد القيام به، سيجري فك السبطانة، وفحصها، ثم نقلها إلى الموقع المائل". هاتان الكلمتان الأخيرتان، دقتا نواقيس الخطر في إسرائيل. لقد اكتشف الإسرائيليون، بعد تفحص دقيق لمجموعة صور، التقطها أحد الأقمار الصناعية للتجسس، أن الموقع المائل المقصود، هو عبارة عن أخدود، محفور على سفح جبل، في وادٍ منعزل، شديد الانخفاض، يقع في منطقة "باجي"، في كردستان العراقية. كان ذلك الأخدود يميل بدرجة 45ْ، ويتوجه محوره، بحسب الصور الفضائية، في اتجاهات شمال ـ شرق ـ جنوب غرب. فإذا أخذنا خريطة لمنطقة الشرق الأوسط، وقمنا بمد ذلك المحور على خط مستقيم، فإن ذلك الخط، يمر، مباشرة، في تل أبيب. وبما أن سبطانة المدفع، ستكون، فيما بعد، مغطاة بطبقة كثيفة من التراب، ولا تظهر منها سوى فوهة، قطرها 355 ملم، تحاذي الأرض ـ فإن صدام حسين كان سيستطيع قصف إسرائيل، من دون أي عقاب. إن تدمير منصة الإطلاق صعب جداً. فإذا كان الأمر يتعلق بمدفع مدفون، وفتحته مخبأة بشبكات التمويه، فإن مهمة تدميره، تصبح مستحيلة. كما كان بول يعمل، كذلك، للوصول إلى قاذف للأقمار الصناعية، بطول 400 م، ويستطيع استخدام الهيدروجين المضغوط، والمبرد، بدلاً من البارود، المستخدم، عامة، في الحصول على قوة الدفع المطلوبة

[4] منصات إطلاق الصواريخ، التي قيل إنها بنيت في العراق، وإنها قادرة على الوصول إلى تل أبيب

[5] هذه المواد الكيماوية، صنعها العراق، منذ عام 1987، ولم يستخدمها ضد إيران

[6] الأمير بندر بن سلطان، عمل، في السابق، وسيطاً بين صدام حسين ومدير (CIA)، وليام كيس، أثناء الحرب ضد إيران. وكان مقرباً، بصفة خاصة، إلى الرئيس الأمريكي. كما سبق له المشاركة في مفاوضات الأمم المتحدة، عام 1988، لترتيب وقف إطلاق النار، بين العراق وإيران