إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر1973، من وجهة النظر المصرية




لواء طيار/ محمد حسني مبارك
لواء/ محمد سعيد الماحي
إنشاء الكباري للعبور
اللواء بحري فؤاد ذكري
اللواء طيار صلاح المناوي
اللواء سعد مأمون
اللواء عبدالمنعم خليل
اللواء فؤاد نصار
المشير أحمد إسماعيل علي
المشير عبدالغني الجمسي
السادات أثناء عرض الخطة
السادات في أحد اللقاءات
السادات في زيارة تفقدية
الفريق محمد علي فهمي
الفريق سعد الدين الشاذلي
الفريق عبدالمنعم واصل
كمائن الصواريخ
علم مصر فوق سيناء
عميد أ.ح/ عبدالحليم أبو غزالة
عميد مهندس/ أحمد حمدي
عميد منير شاش
فتح الثغرات
قوارب المشاة تقتحم القناة

أوضاع القوات 7 أكتوبر
أوضاع قوات الجانبين
إحدى نقط خط بارليف
معركة اللواء 25 مدرع
المناطق المحتلة عقب 1967
النقط المكونة لخط بارليف
التطوير يوم 12 أكتوبر
التطوير شرقاً للعملية بدر
الخطة الإسرائيلية للعبور
حجم وأوضاع القوات الإسرائيلية
خطوط فك الاشتباك الثاني
خطة العمليات الهجومية الأولى
خطة العمليات الإسرائيلية
خطة العمليات جرانيت 2
جغرافية شبه جزيرة سيناء
طبوغرافية الأرض شرق القناة

أوضاع قوات الطرفين 1967
معركة الفردان 8 أكتوبر
الخطة شامل لتصفية الثغرة
تأثير عناصر الدفاع الجوي
حجم وأوضاع القوات المصرية
خطوط فك الاشتباك الأول
طبوغرافية الأرض غرب القناة
طبيعة قناة السويس



حرب عام 1967

المبحث الثامن

الوقفة التعبوية والتطوير شرقاً

أولاً: الوقفة التعبوية (العملياتية) 10-13 أكتوبر

بعد أن حققت القوات المصرية، المرحلة الأولى من خطة العملية "بدر"، كان عليها الانتقال إلى المرحلة التالية. كانت الفرق المشاة الخمس قد حققت المهام التي كلفت بها، من قبل قادة الجيوش، بوصولها إلى خط المهمة المباشرة للجيوش، وعلى قادة الجيوش تكليفها بمهام جديدة، مع إعادة دعمها، ودفع قوات جديدة من الاحتياطيات والأنساق الثانية، والتي كانت تشمل الفرق المدرعة والآلية، وكانت مازالت في الغرب، عدا ما سحب منها لدعم فرق نسق أول.

كانت الجيوش الميدانية قد تلقت مهامها من القيادة العامة، والتي شملت:

1. العبور شرقاً، وتدمير العدو في المواجهة والاستيلاء على رؤوس كباري موحدة للجيش بعمق 10 ـ 12 كم (عدا الفرقة 18 مشاة، التي تعمل على محور منفصل، يكون عمق رأس الكوبري المحدد لها 7 ـ 8 كم) وتحقق المهمة المباشرة للجيش، بنهاية اليوم الثالث للعمليات.

2. تكون مستعدة لصد وتدمير الضربات المضادة لاحتياطيات العدو.

3. بعد وقفة تعبوية، أو بدونها، يتم خلالها صد وتدمير ضربات العدو المضادة، وتكبيده أكبر خسائر ممكنة، في معارك دفاعية نشطة، تكون الجيوش مستعدة، لتطوير الهجوم في العمق بأوامر من وزير الحربية.

4. الضربة الرئيسية بقوة 2 فرقة مدرعة، وبالتعاون مع عناصر من فرق نسق أول، تدمر احتياطيات العدو المقتربة في معارك تصادمية، وتستولي على منطقة المضايق الجبلية غرب سيناء، محققة المهمة النهائية للجيوش.

5. الضربة الأخرى (لكل جيش) بقوة لواءات مدرعة أو آلية، على محاور منفصلة تعمل كمفارز لفرقها، لتدمير العدو على محور تقدمها، وتستولي على الممرات الجبلية ومدينة مصفق (على الطريق الساحلي)، محققة المهمة النهائية للجيوش.

6. تتحول الجيوش الميدانية للدفاع على خط المهمة النهائية (المضايق الجبلية الغربية لسيناء) وتعزز عليه.

7. عمق المهمة النهائية 72 ـ 80 كم، تحقق بعد 4 ـ 5 يوم قتال بعد تحقيق المهمة المباشرة للجيوش، أي اليوم السابع أو الثامن للعمليات (13 ـ 14 أكتوبر).

كانت الوقفة التعبوية (العملياتية) مخططة، ووضح من المهام المكلف بها الجيوش أنها ـ إذا نفذت ـ تكون بعد تحقيق المهمة المباشرة للجيوش، والتي حدد لها اليوم الثالث للعمليات (أي يوم 9 أكتوبر إذا استمرت الأمور كما مخطط لها)، لم يحدد ماذا يتم فيها، إلا أن العسكريين، يعرفون أن هناك إجراءات معينة تتم في الوقفات، كما أن المهمة ذكرت أنها وقفة تعبوية (عملياتية) وهو ما يعني أن على قادة الجيوش (المستوى العملياتي) أن يتخذوا بأنفسهم قرار التوقف، أو متابعة الهجوم، وأن عليهم كذلك تحديد زمن الوقفة، والإجراءات الإضافية ـ بخلاف المعتاد ـ التي تتم فيها، ويخصصوا الوحدات التي ستنفذ ذلك.

حتى يوم 9 أكتوبر، لم تكن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، قد اتخذت قراراً بشأن الاستمرار في الهجوم والتطوير شرقاً، وكذلك قيادات الجيوش، لذلك بقيت الفرق المدرعة في الغرب، وكلفت بمهام تأمين المنطقة الخلفية للجيوش في الغرب. بينما كانت فرق نسق أول مازالت تصد هجمات الدبابات الإسرائيلية، التي لم تتوقف، وإن كانت قد ضعفت، وهو ما شجع قادة الفرق المشاة، على تحسين أوضاع قواتهم، واكتساب مزيد من الأرض التي تحقق لهم ميزة تكتيكية، دون أن يحاولوا الضغط على العدو جدياً، ليمنعوه من الاستمرار في تلك الهجمات المضادة المزعجة، على طول الجبهة، والتي بدأت تنهك القوات، وتستنفذ الدبابات العاملة معها، دون مبرر.

كان هناك خلاف في القيادة العامة، على تنفيذ الوقفة، وهو أمر خطير عندما يحدث بين العسكريين، في قيادة واحدة، وزمن الحرب، وفي وقت حرج. وقد أدى خلاف مماثل، على الجانب الآخر (القيادات الإسرائيلية) إلى خسائر كبيرة في الدبابات خلال وقت وجيز[1].

كان رأي، مؤيدي إجراء وقفة تعبوية (عملياتية)، الاستفادة مما ستحققه من أهداف، تخدم خطة الهجوم العامة، بعد ذلك. وكان أهم هذه الأهداف هو:

1. ضمان ثبات رؤوس الكباري، المستولى عليها شرق القناة، مع تحمل بعض الخسائر، مقابل إنزال خسائر أكبر بالعدو، وهو ما ستوفره حالة الثبات التي ستكون عليها القوات، وتوفير تجهيز هندسي عاجل، يتيح وقاية نسبية للقوات المصرية.

2. ستشكل رؤوس الكباري، إذا تم تعزيزها، وتجهيزها هندسياً، قاعدة قوية، تستند إليها أعمال تطوير الهجوم شرقاً.

3. يتحقق دفاع جوي عن القوات داخل رؤوس الكباري، ويمكن ذلك من إسقاط أكبر عدد من طائرات العدو، خلال الوقفة، فلا بد أن الطائرات الإسرائيلية ستحاول مهاجمة القوات أثناء الوقفة.

4. إتاحة الفرصة لإجراء انتقال قتالي، لعناصر الدفاع الجوي بالصواريخ، خلف القوات عند بدء التطوير.

5. ضمان استمرار الاتزان الإستراتيجي في مسرح العمليات، والمحقق بوجود الأنساق الثانية للجيوش الميدانية (الفرق المدرعة، وفرق المشاة الآلية)، واحتياطيات القيادة العامة، غرب القناة. إذ أن الاستمرار في الهجوم (التطوير شرقاً) يستلزم تحركها إلى الشرق، لتشارك في مهام رئيسية خلال التطوير، ويترك الغرب خالياً، وهو ما يخشى استغلاله من قبل القوات الإسرائيلية.

6. استغلال فترة التوقف، لإعادة تنظيم وتجميع القوات في مناطق رؤوس الكباري، واستكمال الإمداد الإداري والفني بالاحتياجات استعداداً لتطوير الهجوم شرقاً.

كان الجانب الآخر، المؤيد لاستمرار الهجوم تواً، يرى غير ذلك، فقد كانت هناك مميزات لا يمكن إغفالها، لو استمرت القوات في أعمالها الهجومية، وسلبيات، لا يمكن إغفالها كذلك، في حالة التوقف والتحول إلى الدفاع المؤقت (الوقفة التعبوية / العملياتية)، وكانت أهم تلك العوامل هي:

1. المميزات، عند الاستمرار في الهجوم

أ. المحافظة على الروح الهجومية للقوات، واستغلال الروح المعنوية العالية التي تتمتع بها، حتى هذا الوقت.

ب. الاستمرار في إحراز المبادأة، والحفاظ عليها، وعدم تسليمها للقوات الإسرائيلية، والتي كانت تحاول انتزاعها من القوات المصرية، منذ بدأت الحرب.

ج. استغلال الارتباك الذي يسود القيادات الإسرائيلية، على مختلف المستويات، والنقص الشديد في المعدات والقوات، نتيجة للخسائر العالية التي منيوا بها، وعدم تنظيمهم لدفاع قوي مجهز بعد خط بارليف، مما يتيح فرصة جيدة للقوات المصرية، لسرعة تحقيق مهامها النهائية، بالوصول إلى خط المضايق الجبلية الغربية لسيناء.

2. السلبيات التي قد تنتج عن التوقف عن الهجوم لفترة زمنية

أ. صعوبة استعادة الروح الهجومية للقوات.

ب. التنازل طواعية عن المبادأة، وهو مبدأ حربي هام ومؤثر للغاية، وكذلك مبدأي المحافظة على الغرض، واستمرار الضغط على الخصم بالأعمال الهجومية، وبذلك تكون القوات المصرية قد فقدت مبادئ هامة جداً، سيستفيد منها الإسرائيليون حتماً[2].

ج. يترتب على استمرار الهجوم، التحام قوات الدولتين، وهو ما يضعف تأثير القوات الجوية الإسرائيلية ويعوض عن ضعف مشاركة صواريخ الدفاع الجوي في حماية القوات المصرية.

د. التوقف يمكن القوات الإسرائيلية من إنهاء أعمالها القتالية، ضد سورية، والتي حشد قوته الرئيسية ضدها في هذا الوقت، وقد ظهرت بوادر انكسار الهجوم السوري نتيجة لذلك، ثم التفرغ للجبهة المصرية بكل قوته.

هـ. يهدم التوقف عاملين أساسيين بنيت عليها خطة العملية الهجومية"بدر" وهما:

(1) إجبار إسرائيل على القتال على جبهتين في وقت واحد، وهو ما تفادته دائماً.

(2) التعاون مع الجبهة السورية، والتنسيق معها مما يربك الإسرائيليون، ويخفف قواتهم خاصة الجوية والمدرعات.

و. الاتزان الإستراتيجي للمسرح، لا يحقق بوجود الأنساق الثانية للجيوش الميدانية في الغرب، ولكن بدفع الاحتياطيات الإستراتيجية لتحل محل أنساق الجيوش الثانية، التي ستستخدم في التطوير، وهو ما كان يجب أن يتم خلال فترة تحقيق المهام المباشرة للجيوش حتى يمكنها التطوير الفوري، واستغلال الموقف لمصلحتها.

ز. يتيح التوقف، انتقال القوات الإسرائيلية للهجوم، وستضع ثقلها كله في محاولة للوصول إلى قناة السويس، وتطويق القوات المصرية في الشرق، وحصارها، مما سيضعها في موقف أفضل، عندما يفرض المجتمع الدولي وقف إطلاق النار، والذي لن يتأخر كثيراً عند تحقيق إسرائيل ذلك.

كان من مؤيدي التوقف، وزير الدفاع، ورئيس الأركان (الذي كان يعارض التخطيط للوصول إلى المضايق الجبلية الغربية لسيناء أصلاً)، وكذلك رئيس الجمهورية. بينما كان من مؤيدي الاستمرار في الهجوم، رئيس هيئة العمليات (المخطط للعملية كلها)، وقادة الجيوش الميدانية (منفذي العملية).

كان مؤيدي الوقفة التعبوية (العملياتية) هم متخذي القرار السياسي والعسكري (رئيس الدولة ووزير الحربية) بينما مؤيدي استمرار الهجوم هم المخططون (ورأيهم استشاري) والمنفذون (وهم لا رأي لهم سوى تنفيذ الأمر الصادر إليهم، ويمكنهم فقط أن يطلبوا دعماً أو ضماناً إضافياً لتحقيق الأمر الصادر)[3].(أُنظر ملحق الآراء حول الوقفة التعبوية "العملياتية" 10-13 أكتوبر 1973)

كانت القوات الإسرائيلية في وضع سيئ، في سيناء، معنوياً وعملياتياً، حيث تقلصت قدراتها القتالية، بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بقواتها المدرعة وطائراتها، والتي تعتمد عليها كلياً. وانخفضت الروح المعنوية للجنود والشعب، لفشل القوات الإسرائيلية في مخططاتها، وإدارتها للحرب، حتى هذا الوقت. ولن يغير من الأمر، أن الموقف في الجولان يتحول تدريجياً لمصلحة إسرائيل.

كانت القوات المصرية قد عمقت رؤوس الكباري إلى 12 ـ 15 كم، ووسعتها لتوحد رؤوس كباري الجيوش، وأصبح في الشرق ثلاث رؤوس كباري، بدلاً من خمس متفرقة. ويعني ذلك أن القوات المصرية تستعد لتطوير هجومها بقوات كبيرة على المحاور التي ترتكز عليها رؤوس الكباري الموحدة، وهي الشمالي (الساحلي) وهو محور محدود السعة، والأوسط، وهو المحور الرئيسي لأي هجوم، والجدي، وهو محور ثانوي مساعد، يتصل بالأوسط شرق المضايق. لذلك كان الجنرال آدان فطناً، حينما سارع بقواته المنسحبة، اثر فشله في ضربته المضادة أمام الفرقة الثانية المشاة المصرية، باتخاذ أوضاع دفاعية على الخط الثاني في الشرق[4]، على مواجهة واسعة، لحين انضمام قوات أخرى له.

لم تكن الوقفة المنفذة، هدوءاً وسكوناً في مسرح القتال، وإنما، انتهزت القوات الإسرائيلية الفرصة، وواصلت هجماتها المضادة المحدودة، على رؤوس الكباري، من اتجاهات مختلفة، بغية اكتشاف نقطة ضعف يمكن الاختراق منها والتوسع داخلها بعد ذلك.

كانت الدهشة تسيطر على القادة الإسرائيليون، ففي الوقت الذي كان سفيرهم في واشنطن يحث كيسنجر على سرعة إمداد إسرائيل بما تطلبه من أسلحة، بعد أن وصل مخزونها الإستراتيجي إلى الحضيض نتيجة لخسائرها العالية في المعدات، وكانت رئيسة وزرائهم، على استعداد للذهاب إلى الرئيس الأمريكي، رغم حرج الموقف، لزيادة الضغط من أجل الحصول على الأسلحة المطلوبة بسرعة، وكان وزير دفاع إسرائيل يتأهب لإذاعة بيان عن الكارثة وإعطاء أوامر للانسحاب إلى المضايق الجبلية للدفاع عليها، وجدوا القوات المصرية تتوقف، من دون أن تكون هناك مقاومة جدية تجبرها على ذلك، وتبدأ في الحفر العميق، لتصبح هدفاً سهلاً لاستنزافها بالقصف المدفعي والضربات الجوية ليلاً ونهاراً، وإرهاقها بالهجمات المضادة المتتالية. وكانت فرصة مثالية لاستعادة المبادأة، التي حافظت عليها إسرائيل طوال الحروب السابقة، ومن ثم البدء في تنفيذ خطة هجومية، طالما تدربوا عليها، وتصوروا إمكان نجاحها، وهي خطة "العملية غزالة"[5]، بنقل العمليات لأرض الخصم غرب القناة، بعد أن تتمكن القوات الإسرائيلية من اختراق الخط الدفاعي العاجل الذي يقيمه المصريون، بعمق محدود (12 ـ 15 كم) وقوات متفرقة في ثلاث رؤوس كباري، دون أن يكون لديهم احتياطي قوي في كل رأس كوبري[6].

حددت القيادة الإسرائيلية هدفها الإستراتيجي، في المرحلة القادمة، لاستغلال الموقف المتحسن على جبهة الجولان، والمتجمد بالوقفة، على جبهة سيناء، بتعديل الموقف على خطوط القتال في الجبهتين لمصلحة إسرائيل، مما يتيح لها موقفاً قوياً، عند صدور قرار من مجلس الأمن، بوقف القتال، يمكن السياسيون الإسرائيليون من المساومة المجدية في المباحثات التي لا بد أن تحدث بعدها، والتي سيكون الموقف الأفضل للقوات الإسرائيلية، ورقة الضغط لإجبار الخصوم على الامتثال لإجراء مباحثات مباشرة أولاً، والقبول بالمساومة التي ستجرى ثانياً.

كانت الفرق المشاة المصرية، تقاتل من أجل السيطرة على الهيئات التي تتيح لها موقفاً أفضل في الأوضاع الدفاعية التي تتخذها، وكذلك عندما تؤمر باستئناف الهجوم، وقد استغلت الهدوء النسبي للعمليات، للتركيز في إنهاء مقاومة النقط الحصينة التي مازالت صامدة في الخلف من خط بارليف، وكانتا اثنتين. وقد نجحت في ذلك، بالقتال مرة، وبالاستسلام أخرى، وانتهى الوجود الإسرائيلي في شرق القناة، وإن بقيّ غرب المضايق الجبلية.

أما القوات الإسرائيلية، فقد زادت من ضغطها على السوريون، بعد أن أجبروهم على التوقف عن الهجوم، ثم بدأت الضربات المضادة ضد القوات السورية المتوقفة، واخترقت الدبابات الإسرائيلية الدفاع السوري العاجل، واستطاعت مع تركيز الجهود على قصف الأهداف المدنية السورية، والضغط على الخطوط الدفاعية لهم، إجبارهم على التراجع، الذي لم يتوقف عند خط وقف إطلاق النار في يونيه 1967[7]، بل تجاوزه حتى قرية سعسع، على مسافة 40 كم فقط من دمشق العاصمة، مكبدين السوريين خسائر فادحة، وصلت إلى 900 دبابة.

بعد أن أصبحت دمشق في مرمى المدافع الإسرائيلية، في الخط الدفاعي الجديد، الذي وصلت إليه القوات الإسرائيلية يوم 13 أكتوبر 1973، كان على القيادة الإسرائيلية، نقل الجهود الرئيسية لأعمال قواتها القتالية إلى الجبهة المصرية مرة أخرى، لتحقيق مكسب مشابه، أو على الأقل العودة إلى ضفة القناة الشرقية.

ثانياً: التطوير شرقاً (14 ـ 15 أكتوبر 1973)

نتيجة للموقف السيئ للقوات السورية في الجولان، والضغط الإسرائيلي عليها، أرسلت القيادة العسكرية السورية، مندوب عن وزير الدفاع العماد مصطفى طلاس، إلى القائد العام للقيادة الموحدة للجبهتين، الفريق أحمد إسماعيل علي، في القاهرة، يوم 11 أكتوبر 1973 (اليوم السادس لبدء الحرب) يطلب فيه تنشيط العمليات، وزيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على الجبهة المصرية، والتقدم شرقاً، حتى يضطر الإسرائيليون لسحب جزء من قواتهم من الجبهة السورية، التي يركزون عليها.

في الصباح الباكر، من اليوم التالي، 12 أكتوبر 1973، أصدر الرئيس السادات، أمراً إلى وزير الحربية، بتطوير الهجوم شرقاً على الجبهة المصرية، لتخفيف الضغط على الجبهة السورية. وقد أصدر القائد العام أوامره بذلك في نفس اليوم صباحاً، على أن يبدأ التطوير الساعة السادسة والنصف صباح اليوم التالي (13 أكتوبر 1973)، مع تأمين رؤوس الكباري.

كانت القوات المصرية، تتدرب دائماً، على، تنفيذ إجراءات التحضير للقتال، تحت ضغط ضيق الوقت، خاصة الوحدات المدرعة والآلية، التي تعمل في الأنساق الثانية، ولا يتاح لها في ظروف إدارة القتال، الوقت الكافي، لإجراءات التحضير النمطية، ورغم ذلك فإن قادة الجيوش الميدانية، المصرية، الاثنان ـ وهما من ضباط المدرعات ـ طلبا من القائد العام تأجيل تطوير الهجوم إلى اليوم الذي يليه[8]، وفي نفس التوقيت (6,30 صباح يوم 14 أكتوبر)، ولم يكن ذلك الطلب لضعف قادة الوحدات التي ستقوم بالتطوير، في تلك الإجراءات المطولة، المنقولة عن العقيدة الشرقية السوفيتية، وإنما لعلمها بحقيقة، غابت عن القائد العام، رغم علمه بها، فقد كانت الفرق المدرعة في الغرب، منتشرة على مساحات كبيرة لتأمين المنطقة الخلفية للجيوش، وكثير من وحداتها المعاونة، تدعم الفرق المشاة في الشرق[9]، وهو ما سيزيد من تعقيد الأمور لتجميع القوات واستعادة السيطرة عليها وإجراء التحضير للقتال حتى أدنى مستوى.

كان رئيس الأركان المصري ـ الفريق سعد الدين الشاذلي ـ يعارض التطوير، متعللاً بقوة القوات الجوية الإسرائيلية، التي "ستشكل تهديد خطير لأي قوات برية تتحرك في العراء دون غطاء جوي". كان رأي رئيس الأركان المصري، يستند إلى حالة واقعية، جرت منذ أيام قليلة، في قطاع الجيش الثالث الميداني.

كان مخططاً، في خطة "العملية بدر"، دفع اللواء الأول مشاة آلي، من الجانب الأيمن لرأس كوبري الجيش الثالث الميداني، في نهاية المرحلة الأولى، للتقدم جنوباً في اتجاه رأس سدر، ثم إلى شرم الشيخ، على أن يوضع اللواء تحت قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية، فور عبوره الحد الأمامي للجيش الثالث الميداني، لتدير أعمال قتاله. إلا أن الموقف لم يسمح بدفع اللواء، رغم تمركزه في عمق رأس كوبري الفرقة التاسعة عشر المشاة، متحيناً الفرصة لبدء أعمال قتاله. يوم 10 أكتوبر 1973، تمكن اللواء، بمعاونة الفرقة التاسعة عشر المشاة، من الاندفاع إلى خارج رأس كوبري الفرقة[10]، ووصل إلى منطقة عيون موسى[11] قبل حلول الليل، واستطاع أن يجبر القوة الإسرائيلية التي اصطدم بها هناك على الانسحاب جنوباً، ثم فقد الاتصال مع اللواء، ولم تنجح محاولات إعادة الاتصال معه. تواترت الأنباء، غير المؤكدة[12]، عن فناء اللواء، إذ فقد أكثر من 90% من قواته، ولم يعرف كيف، إلا فيما بعد. فقد اتضح ـ بعد إرسال ضباط اتصال لتقصي المعلومات عن موقف هذا اللواء ـ أن قائده، أمر مرؤوسيه بالتحرك مبكراً، قبل الغروب بعدة ساعات إذ كان مخططاً أن يتحرك ليلاً، وبمجرد خروجه من نطاق حماية الصواريخ أرض/ جو، هاجمته الطائرات الإسرائيلية بعنف وكثافة، في منطقة ضيقه، يصعب الانتشار فيها، مما شتت وحدات اللواء وفقد قائده السيطرة عليه. واحتاج الأمر عدة أيام لجمع شتات اللواء من أفراد ومعدات مبعثرة، ووجد أن خسائره أقل بكثير مما أشيع. كانت الحقيقة الثابتة أن اللواء الأول المشاة الآلي، قد أصبح خارج حساب القوات المقاتلة لفترة طويلة، ليعاد تجميعه واستعاضة خسائره. وكان ذلك الموقف مازال في مخيلة رئيس الأركان المصري، عندما أعلمه وزير الحربية، بقرار التطوير، وقد اضطر الوزير إلى تذكيره، "بأنه قرار سياسي" حتى يتوقف عن المعارضة. (أُنظر ملحق الآراء في قرار التطوير شرقاً 14 ـ 15 أكتوبر 1973)

1. الجسر الجوي الأمريكي

خلال فترة الوقفة التعبوية (10 ـ 13 أكتوبر)، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنفذ خطة، لنقل كل ما تحتاجه إسرائيل من أسلحة وعتاد متقدم، إلى ميدان القتال مباشرة، مستخدمة 228 طائرة نقل[13]، نفذت 569 طلعة، نقلت خلالها 22.5 ألف طن احتياجات، واستمر هذا الجسر 33 يوماً (13 أكتوبر ـ 14 نوفمبر 1973)، بالإضافة إلى 8 طائرات نقل تابعة لشركة العال للطيران الإسرائيلية المدنية، من طرازي بوينج 747، 707، نقلت 5500 طن معدات خلال الفترة نفسها. بخلاف ما تم شحنه بحراً، وقد وصل حجم ما تم نقله بحراً، 33 ألف طن من الدبابات والمدافع والعربات (74% من الاحتياجات المنقولة)، لتعويض إسرائيل عن ما خسرته في الحرب، وسرعة استعادة القوات الإسرائيلية لكفاءتها القتالية، عقب وقف القتال.

2. التطوير شرقاً

أثناء إدارة العمليات الحربية، تتغير المواقف، عما هو مخطط. فقد تظهر عوامل جديدة، أثناء التنفيذ، تستدعي أساليب مختلفة عن المخطط، لمواجهتها. كانت الخطة الأصلية للتطوير يشارك فيها حجم كبير من القوات، خاصة الفرقتين المدرعتين الأرقام 4، 21، وعناصر من الفرق المشاة نسق أول الجيوش، والتي كان مقرراً أن تشرك اللواءات المدرعة لها في التطوير كذلك، مما يجعل حجم الدبابات في قوات التطوير، متفوقاً، عما هو منتظر في الدفاعات الإسرائيلية، طبقاً لتصور إدارة الاستخبارات العسكرية. (أُنظر شكل التطوير شرقاً للعملية بدر)

وضعت الخطة الجديدة للتطوير، في ضوء قيود جديدة، وضعها الآمر بالتطوير ـ القائد العام نفسه ـ حيث كان قد أضاف في أوامره، لحذره الشديد، "مع التمسك برؤوس الكباري شرق القناة"، وهو ما يعني، للمخططين، استبعاد الألوية المدرعة الداعمة للفرق المشاة، باستثناء اللواء المدرع الرقم 14 المدعم للفرقة 16 المشاة، حيث يجب أن ينضم إلى فرقته الأصلية الرقم 21 المدرعة، والتي ستكون في اتجاه المجهود الرئيسي للقوات المسلحة في التطوير، وهي كذلك ستدفع من خلال الفرقة 16 نفسها، وتعمل أمامها حتى تحقيقها لمهمتها. كذلك استبعدت الفرقة المدرعة الرقم 4 (عدا اللواء الثالث المدرع)، لتبقى في الغرب، لعدم وجود عناصر أخرى يمكن أن تحل محلها، ليستمر التوازن في المنطقة الخلفية للجيش الثالث الميداني. بينما في الجيش الثاني الميداني، كان هناك فرقة مشاة آلية (عدا لواءها المدرع) ستحل مكان الفرقة الرابعة المدرعة، بعد تحركها إلى الشرق. (أُنظر شكل التطوير يوم 12 أكتوبر)

يوم 13 أكتوبر، الساعة الواحدة ظهراً، أبلغت عناصر الرادار في قيادة الدفاع الجوي، عن اختراق المجال الجوي بطائرة، مواصفاتها (وكما علم عنها فيما بعد) مشابهه للطائرة الأمريكية طراز إس. آر ـ 71 "SR – 71 " وهي طائرة استطلاع إستراتيجي، يمكنها التقاط صور بعدة وسائل متقدمة، أثناء طيرانها على ارتفاع أكثر من 25 كيلومتر/ساعة حيث لا يطولها أي نوع من أسلحة الدفاع الجوي المتوفرة في ذلك العصر، وبسرعة تتعدى ثلاثة أمثال سرعة الصوت، وهو ما لا يمكن أن تصل إليه مقاتلات الدفاع الجوي الموجودة لدى المصريين في هذا الوقت[14]. وقد استطاعت تلك الطائرة إتمام مهمتها دون أدنى إزعاج، حيث دخلت المجال الجوي المصري من البحر المتوسط شمال بور سعيد، واستمرت فوق القناة حتى السويس ثم الساحل الغربي لخليج السويس والبحر الأحمر. بعدها اتجهت غرباً إلى وادي النيل فوق مدينة قنا، ثم شمالاً إلى الدلتا مارة بشرق القاهرة، ثم خرجت من شمال الدلتا إلى البحر المتوسط، وعادت من حيث أتت. (أُنظر وثيقة البلاغات العسكرية المصرية البلاغ رقم 34)

يعني ذلك أن إسرائيل قد حصلت عن معلومات كاملة، عن أوضاع القوات المصرية شرق وغرب القناة، خاصة أوضاع قوات التطوير، التي كانت قد اتخذ معظمها (خاصة الفرقة الرقم 21) أوضاعه خلف خطوط دفعه المقررة، بما يكشف اتجاهات التطوير، واتجاه المجهود الرئيسي كذلك.

كما يعني كذلك، أن إسرائيل، باتت تعلم أوضاع القوات على الخطوط الدفاعية، والثغرات بينها، وحجم القوات المتبقية في الغرب، وأوضاعها كذلك.

بدأ التطوير يوم 14 أكتوبر 1973، بعد تمهيد جوي ومدفعي، ضد الأهداف الإسرائيلية الهامة أمام عناصر التطوير، والتي بدأت هجومها الساعة السادسة والنصف صباحاً، على أربعة محاور. ففي الجيش الثاني كانت الفرقة الرقم 21 مدرعة تهاجم على المحور الأوسط، في اتجاه الطاسة، وهي الضربة الرئيسية للقيادة العامة، ولواء مدرع آخر (الرقم 15) على المحور الشمالي، في اتجاه رمانة. وفي اتجاه الجيش الثالث، كان هناك لوائين يشاركان في التطوير، أحدهما اللواء الحادي عشر مشاة آلي على محور الجدي في اتجاه مضيق الجدي، والآخر اللواء الثالث المدرع، في اتجاه ممر متلا. (أُنظر وثيقة البلاغات العسكرية المصرية البلاغ رقم 36)

كان هدف تطوير الهجوم ـ بالإضافة إلى تخفيف الضغط على الجبهة السورية، "الوصول إلى خطوط غرب المضايق الجبلية، لحرمان القوات الإسرائيلية من حرية حركتها في مواجهة رؤوس كباري الجيوش، من القنطرة شمالاً وحتى السويس جنوباً.

لم يصادف التطوير، نفس توفيق العبور، وإنما واجهته مصاعب عدة، بدأً من معرفة إسرائيل لنتائج طلعة الاستطلاع الجوي الأمريكية، إلى سوء السيطرة على القوات المشاركة في التطوير، مما أدى بقائد الفرقة السابعة المشاة، إلى الاستمرار في إجراءات دفع اللواء الحادي عشر المشاة الآلية التابع له، يوم 13 أكتوبر 1973، في التوقيت المتفق عليه سابقاً، قبل التأجيل، حيث لم تصله تعليمات تأجيل الهجوم لليوم التالي، مما عرضه لخسائر قللت من فاعليته، وأَثْرَتْ على دفعه في اليوم التالي، في الموعد المؤجل.

3. معارك التطوير على محور متلا

على الجانب الأيمن، للواء الحادي عشر المشاة الآلي، كان اللواء المدرع الثالث، يدفع على محور متلا، وكانت مهمته الوصول إلى ممر متلا والاستيلاء على المدخل الغربي له ويؤمنه، وقد دفعت كتيبة مشاة آلية على الجانب الأيمن له لتؤمن ذلك الجانب، وتعاونه في تحقيق مهمته. لم يصادف اللواء مصاعب تذكر عند دفعه، وبعد ساعة ونصف تقريباً من تقدمه شرقاً قابل اللواء دفاعات لكتيبة مشاة آلية إسرائيلية، مدعمة بدبابات وصواريخ مضادة للدروع، مما أضطره لفتح تشكيل قتاله والهجوم على الموقع الدفاعي الإسرائيلي، ومحاولة تطويق القوة الإسرائيلية، إلا أنها انسحبت شمال شرق.

بعد ساعة أخرى، تقدم فيها اللواء بتشكيله المفتوح، خشية وجود مقاومات أخرى (رغم أن هذا التشكيل يقلل من سرعة تقدمه)، اصطدمت الكتائب الأمامية بدفاعات لدبابات إسرائيلية، وفي نفس الوقت تعرض احتياطي اللواء، وكان متحركاً في رتل خلف الكتائب الأمامية، لنيران جانبية، في منطقة مليئة بالكثبان الرملية والنباتات الصحراوية الكبيرة الحجم (شجر السيال).

كان اللواء على مسافة 6 كم فقط من هدفه (المدخل الغربي لممر متلا)، وقد تعرض عند توقفه أمام نيران الدبابات الإسرائيلية لقصف مدفعي عنيف، وإطلاق كثيف للصواريخ المضادة للدروع، مما أصابه بخسائر جسيمة، وفقد الاتصال بين قيادة اللواء المتحركة في الخلف، وقائد اللواء المتحرك بدبابته خلف الكتائب الأمامية مباشرة، وقد عرف فيما بعد، أن قائد اللواء قد استشهد في دبابته خلال الهجوم الجوي الذي تعرضت له وحدات اللواء أثناء الاشتباك[15].

استطاع رئيس أركان اللواء (نائب القائد) أن يتصل بباقي وحدات اللواء والتي مازالت على اتصال بالقوات الإسرائيلية، قرب المدخل الغربي للممر، وأمر بارتدادها خارج مرمى نيران الصواريخ الإسرائيلية، وأعاد تنظيمها، كما اتصل بقيادة الجيش يطلب معاونة نيرانية، ليعاود الهجوم. وقد تلقى رئيس الأركان أمراً بالتوقف والعودة إلى رأس كوبري الفرقة التاسعة عشر المشاة مرة أخرى. واستطاع اللواء الثالث المدرع الانضمام للفرقة التاسعة عشر المشاة في صباح يوم 16 أكتوبر.

اصطدمت كذلك، كتيبة المشاة الآلية، من الفرقة السادسة المشاة الآلية، والتي كانت تتقدم على الجانب الأيمن للواء الثالث المدرع، بدبابات إسرائيلية، على محور تقدمها، وأدت الاشتباكات معها والقصف المدفعي الذي تعرضت له، إلى خسائر جسيمة، وأنفصل قائد الكتيبة عن وحداته، التي عادت أدراجها، إلى رأس كوبري الفرقة التاسعة عشر المشاة تحت سيطرة رئيس عمليات الفرقة السادسة، والذي أوفده قائد الفرقة لذلك، بينما وقع قائد الكتيبة ومجموعة قيادته في الأسر[16].

4. معارك التطوير على المحور الساحلي

في أقصى الشمال، على المحور الساحلي، كان اللواء الخامس عشر المدرع مكلفاً بالتقدم، خارج رأس كوبري الفرقة الثامنة عشر المشاة، والتي كان يدعمها منذ عبوره شرقاً يوم 8 أكتوبر 1973، وشارك معها في صد الهجمات للدبابات الإسرائيلية، وشاركت إحدى كتائب اللواء في هجوم خارج الحد الأمامي للفرقة الثامنة عشر المشاة وعلى الجانب الأيمن في اتجاه رأس كوبري الفرقة الثانية المشاة يوم 11 أكتوبر 1973، حينما تعرضت الفرقة لهجوم مضاد قوي، أسفر عن اختراق لحدها الأمامي، ولم تستكمل المهمة لتعرض الكتيبة لعدة كمائن من الدبابات وأطقم الصواريخ المضادة للدروع الإسرائيلية، وتكبدت الكتيبة عدة خسائر في الدبابات والأفراد.

كانت مهمة اللواء، في التطوير شرقاً، العمل كمفرزة أمامية للفرقة 18 مشاة على المحور الساحلي، حتى منطقة بالوظة، حيث يستولى على تقاطع الطرق في المنطقة ويؤمن وصول الفرقة 18 إليها، مع الاستعداد للدخول في قتال تصادمي[17] مع القوات المدرعة الإسرائيلية، التي قد تحاول التقدم من رمانة إلى بالوظة.

تحرك اللواء، إلى خارج رأس كوبري الفرقة 18 المشاة، في التوقيت المحدد لكل عناصر التطوير (6.30 صباح يوم 14 أكتوبر). وبعد 45 دقيقة وقعت إحدى الكتائب تحت نيران مركزة للمدفعية الإسرائيلية، أدت إلى توقفها، وأبلغت كتيبة أخرى بوقوعها في كمين مضاد للدروع من الدبابات والصواريخ الموجهة، واضطرت للتوقف كذلك وتعديل أوضاعها لمواجهة الكمين والاشتباك معه.

بعد أقل من ساعتين من بدء التحرك، كانت كل عناصر اللواء واقعة تحت تأثير نيران المدفعية الإسرائيلية بعيدة المدى، والهجمات الجوية الإسرائيلية، بالتناوب، وتعرض كتائب الدبابات لضربات صاروخية مضادة للدروع، واضطر للتوقف تماماً اعتباراً من الحادية عشر والنصف ظهراً (أي بعد الدفع بخمس ساعات)، وفي آخر ضوء (الساعة السادسة مساءً، بعد غروب الشمس بقليل) ارتد اللواء، بأوامر من قائد الفرقة 18 المشاة، غرباً، عائداً إلى موقعه السابق.

5. معارك التطوير على المحور الأوسط

كان هذا المحور، هو الاتجاه الرئيس الذي يركز عليه الطرفان جهودهما، وعلى نتائج القتال فيه، يتوقف مصير التطوير كله، وقد شهدت أرض هذا المحور، المليئة بالكثبان الرملية، أعنف معارك الدبابات في تلك الحرب، وأكثرها خسائر كذلك.

كان مخصص من قبل القيادة العامة، للعمل على هذا المحور، الفرقة الرقم 21 المدرعة، والتي كانت إجراءاتها للتحضير للمعركة، أكثر تعقيداً عن غيرها من قوات التطوير، فهي تشكيل أكبر حجماً، لذلك تحتاج وقت أطول، كما أنها في الغرب، حيث يستهلك التحرك شرقاً لاستطلاع خط الدفع وطرق ومحاور التقدم واتجاهات الهجوم وقتاً، هو غير متيسر أصلاً. إضافة إلى ذلك، فإن جزء غير قليل من عناصر الفرقة، كانت في الشرق تدعم الفرقة الرقم 16 المشاة منذ الثامن من أكتوبر 1973، منها لواء مدرع ولواء مدفعية، ومعظم عناصر الصواريخ المضادة للدروع بالفرقة، وكتيبة دبابات لواءها الآلي. وكان لواءها الآلي (دون كتيبة دباباته) يتخذ أوضاع دفاعية على الضفة الغربية للقناة، ليؤمنها ضد أي اختراق مفاجئ أو إبرار جوي. وزاد الأمر تعقيداً، أن بعض من العناصر التي خصصت لدعم الفرقة عند دفعها للتطوير شرقاً، تعمل مع الفرقة 16 المشاة كذلك، خاصة عناصر النيران التي ستكون مجموعة مدفعية الفرقة، والتي سيعتمد عليها في ستر التقدم والهجوم عند مواجهة القوات الإسرائيلية.

كان موقف الفرقة الصعب، يعني مسبقاً استحالة إتمام إجراءات التحضير للمعركة، ولذلك لم تتعدى تلك الإجراءات قادة الكتائب، ولم تتلقى المستويات الأقل، سوى تعليمات قتال مقتضبة وسريعة أثناء الحركة.

كانت مهمة الفرقة التقدم على الطريق الأوسط، للوصول إلى الطاسة بعمق لا يتجاوز 15 كم، مع تخصيص مجهود جوي لتأكيد الدفع والتطوير، ومعاونة الفرقة 16 المشاة التي كانت ستتحرك ـ طبقاً لمنطوق مهمة الفرقة ـ على جانبها الأيمن، ومفرزة آلية من الفرقة الثانية، على جانبها الأيسر[18]. كما خصص قائد الجيش عناصر من الصاعقة، ستعمل على خط مهمة الفرقة (جنوب غرب الطاسة)[19].

واجهت الفرقة عدة مصاعب عند الدفع، فقد كانت المعاونة الجوية المخصصة ضعيفة (2 ـ 4 طائرة)، كما أن التمهيد النيراني للدفع كان تأثيره ضعيفاً كذلك (رغم أنه نفذ بحجم كبير من وحدات المدفعية وصل إلى 16 كتيبة مدفعية)، إذ أن القوات الإسرائيلية التي نفذ التمهيد النيراني ضدها كانت قد تغيرت حجماً وموضعاً، وتجهيزاً للمواقع، والتي أصبحت أكثر قوة وإعداداً عن ذي قبل، وهو ما يفسر بضعف متابعة المعلومات عن الخصم أثناء القتال.

بعد ساعة ونصف، تزايدت النيران الموجهة للفرقة، مع اقترابها من مرتفعات رملية، كانت القوات الإسرائيلية قد جهزته هندسياً جيداً، وعملت على إخفاءه، ودعمته بعناصر من الصواريخ المضادة للدروع ودبابات مخندقة، واضطرت معظم الوحدات الأمامية للتوقف، بعد أن قطعت 4 ـ 5 كم، واضطر قائد الفرقة إلى تحريك اللواء الآلي لمعاونة الجانب الأيمن للفرقة الذي يتعرض لنيران شديدة، كما تعرض الجانب الأيسر للفرقة لهجمات ثانوية، بسرايا دبابات أدت إلى خسائر كثيرة في الدبابات، ومع التعرض للهجمات الجوية الكثيفة قرر قائد الفرقة التوقف على الخط الذي وصل إليه، واستعادة كفاءة الفرقة، ثم معاودة الهجوم، إلا أن قائد الجيش أصدر أمراً في الساعة الثامنة وخمس وأربعون دقيقة مساءً، لإعادة تجميع الفرقة، داخل رأس كوبري الفرقة 16 المشاة. (أُنظر البلاغات العسكرية المصرية البلاغ رقم 38)

6. الموقف بنهاية المرحلة الثانية (التطوير شرقاً)

كانت بداية المرحلة غير موفقة، لذلك كانت نتائجها غير موفقة كذلك، فقد كانت البداية الوقفة التعبوية (العملياتية) وانتهت بفشل التطوير وسحب كل القوات التي شاركت فيه إلى داخل رؤوس الكباري للفرق المشاة، لتعود الجبهة المصرية لنفس حدودها قبل بدء التطوير، مع اختلاف رئيسي، وهام، فقد خسرت القوات المصرية 250 دبابة، فقدتها في عدة ساعات من التطوير، ومن قوتها الضاربة الرئيسية.

بنهاية التطوير، أصبحت المبادأة، في جانب القوات الإسرائيلية، والتي كانت قد أعدت عدتها لانتهاز الفرصة، لتنفيذ خطتها المعدة من قبل والمعروفة باسم الغزالة، والتي كانت قد انتهت من حشد القوات اللازمة لتنفيذ الخطة، بالعبور غرب، وحصار القوات الموجودة في الشرق.



[1] كان القادة الإسرائيليون، مختلفون فيما بينهم، على أسلوب توجيه الهجمات المضادة، في المرحلة الأولى للقتال.

[2] هناك قاعدة رئيسية في العمليات الحربية، أكدتها الحروب السابقة دوماً، "من يطبق مبادئ الحرب الرئيسية، لا بد أن يحرز النصر".

[3] أثبتت خبرة الحروب السابقة، وكذلك حرب أكتوبر 73، خطأ تدخل القيادة السياسية في إدارة العمليات الحربية.

[4] خط تقسيم المياه، وهو كنتور فاصل، (خط واضح المعالم على الأرض)، يسيطر على الأرض شرقاً وغرباً، ويعطي للمدافع عليه، ميزة تكتيكية.

[5] تسمىّ كذلك العملية أبيرى ـ ليف Operation Abirei – Lev

[6] كان توحيد رؤوس كباري الجيوش، مقتصراً على اتصال القوات لكل فرقتين معاً، إلا أن السيطرة وإدارة العمليات، ظلت مستقلة لكل قائد فرقة على حدة، كما أن الاحتياطيات في رؤوس الكباري كانت لا تزيد عن لوائين مدرعين بهما نسبة من الخسائر، يدعم كل فرقة لواء، ويأتمر بأمر قائدها.

[7] كان يسمى بالخط "الأرجواني".

[8] كان القائد العام قد استدعاهما ليلة 12/13 أكتوبر، لإقناعهما بخطة التطوير التي بُلغت لهما، وكانا قد اعترضا على التطوير بالأسلوب الذي جرى تعديل التخطيط السابق على أساسه إلى درجة محاولتهما التخلي عن القيادة لمعرفتهما بالنتيجة مسبقاً.

[9] شملت كتائب ولواءات المدفعية، وأفواج الدفاع الجوي، وعناصر المهندسين العسكريين، وعناصر الصواريخ المضادة للدروع. وقد دعمت الفرقة 16 مشاة بلواء مدرع الرقم 14 من الفرقة المدرعة الرقم 21 من الجيش الثاني الميداني، وهي القوة الوحيدة التي ستطور الهجوم على المحور الأوسط، حيث اتجاه الجهود الرئيسية للجيش والقيادة العامة.

[10] لم يكن قد تم توحيد رأس كوبري الجيش بعد.

[11] تقع منطقة عيون موسى، داخل نطاق حماية صواريخ الدفاع الجوي.

[12] من المعتاد، أثناء القتال، أن ينتشر فجأة، أنباء غير مؤكدة، غالباً تكون مغرقة في التشاؤم، كما أنها تكون صحيحة في إطارها العام وإن امتلأت بالمبالغات.

[13] منها طائرات من طراز سي 141 ستار ليفتر C – 141 Star L ifter. وحمولتها القصوى 84 طناً.

[14] كان المصريون يعتمدون على الطائرة السوفيتية ميج ـ 21 / MIG – 21 ، والتي تصل أقصى سرعة لها 2 ماخ (ضعف سرعة الصوت)، وأقصى ارتفاع يمكنها بلوغه 18 كم، وهي لا تقاتل بهذه السرعة أو على هذا الارتفاع.

[15] وجدت دبابة قائد اللواء بعد انتهاء الحرب، على مسافة عدة أمتار من المدخل الغربي للممر محترقة تماماً.

[16] اشتبكت الكتيبة أثناء تحركها بأحد عناصر اللواء المدرع، حيث ظن كلٍ منهما أن الطرف الآخر عدو، ويعني ذلك أنه لم يتم تنظيم جيد للتعاون قبل بدء تنفيذ المهمة.

[17] القتال التصادمي، هو أحد صور الأعمال القتالية الهجومية، حيث ينفذ الطرفان مهام هجومية في اتجاهين متضادين، يؤدي إلى تصادم قواتهما أثناء الحركة والهجوم، وهو من أصعب المهام وتكلف بها الوحدات المدرعة والآلية عادة.

[18] لم تنفذ أي منهما تلك المهمة، نظراً للخسائر الشديدة التي منيت بها الفرق المشاة خلال قتالها الناجح ضد الهجمات المضادة لمجموعات العمليات المدرعة الإسرائيلية.

[19] انقطع الاتصال معها بعد دفعها مباشرة، وحتى نهاية المعركة.