المبحث الحادي عشر

الهجوم العراقي من سبتمبر 1980 إلى يونيه 1982

أولاً: العمليات الهجومية الرئيسية للعراق (سبتمبر 1980 ـ نوفمبر 1980)

1. الحوادث السابقة على أعمال القتال الرئيسية

خلال الأشهر السابقة على الهجوم العراقي الرئيسي، استمر التوتر على الحدود بين البلدَين، وطالت فترات الاشتباكات الحدودية لعدة أيام، وتساقط الضحايا من الطرفَين. وكانت تلك الاشتباكات المحدودة قد بدأت في أول يونيه 1980، واستمرت على فترات متقطعة ومتزايدة، حتى سبتمبر من العام نفسه، حين بلغت ذروتها. فاعتقدت إيران أنها اشتباكات موسعة، استخدمت فيها المدفعية والطائرات والدبابات، وامتدت إلى مناطق حدودية جديدة (خوزستان وإيلام). بينما قصد العراقيون التمهيد لعمليات رئيسية ضخمة.

2. بدء الهجوم العراقي، وعبور الحدود الإيرانية (اُنظر خريطة بدء الهجوم العراقي)

استغلت القوات العراقية الاشتباكات الحدودية، التي بدأت منذ منتصف عام 1980، فدفعت، في 16 سبتمبر، قوات كبيرة الحجم، في القطاع الشمالي (فرقة مشاة مدعمة) عبْر الحدود، واستطاعت التغلب على المقاومة الإيرانية، والاستيلاء على خط بعمق 10كم، شمال قصر شيرين، خلال يومَي قتال.

في اليوم التالي، وجّهت القوات الجوية العراقية ضربة مركزة، ضد المنشآت الاقتصادية في عمق إيران، وبالقرب من الحدود، تبعها قصف جوي لمَواقع القوات الإيرانية، على طول الحدود، وفي مناطق تجمّعها الخلفية. شمل القصف الجوي، كذلك، معظم المدن في غربي إيران[1]، بينما لم تتعرض المناطق الشرقية والجنوبية للقصف الجوي؛ إذ كانت خارج مدى الطائرات الحربية العراقية (اُنظر ملحق حرب المدن).

في 22 سبتمبر، دفعت القوات العراقية قوات الهجوم الرئيسية إلى ثلاثة محاور، شملت القطاعات الثلاثة ('شملت القطاعات الشمالي والأوسط والجنوبي من جبهة القتال بين البلدين، بقوة 4 فِرق ولواء قوات خاصة. وكانت الخطة العراقية تهدف إلى هجوم ثانوي على القطاع الأوسط، في اتجاهَين، بوساطة فِرقة مشاة آلية، بينما يُعَّزز الهجوم السابق، في القطاع الشمالي، بفِرقة مدرعة لتطويره في اتجاه الشرق، لجذب المزيد من الاحتياطيات الإيرانية شمالاً، في حين توجَّه الضربة الرئيسية للهجوم في القطاع الجنوبي، بقوة فِرقة مدرعة وفِرقة مشاة ولواء قوات خاصة، للاستيلاء على المدن الرئيسية والميناء المهم، على مدخل شط العرب (ميناء عبدان الإيراني).

حققت القوات العراقية نجاحاً ملحوظاً، في القطاع الشمالي، باحتلالها مدينة سومار، في 23 سبتمبر. وتمكنت، بعد تطوير هجومها، بدفع الفِرقة المدرعة، من احتلال قصر شيرين، في اليوم التالي. وفي القطاع الأوسط، تأخرت فِرقة المشاة الآلية في تحقيق أهدافها، حتى 25 سبتمبر، حين استطاعت دخول مدينة مهران، وسقطت جيلان غرب، بعدها بأربعة أيام (29 سبتمبر).

كان مجلس الأمن قد أصدر قراره الرقم 479، في 28 سبتمبر 1980، يدعو فيه الطرفَين إلى وقف القتال، والمبادرة إلى التفاوض، من طريق وسيط. ولم يعر الطرفان القرارَين اهتماماً جدياً، فقد رفضته إيران، وسكت عنه العراق.

كان القطاع الجنوبي، حيث تركز القوات العراقية مجهودها الرئيسي، هو أقلّ القطاعات نجاحاً. فلم يمكن احتلال أي من المدن الرئيسية في المنطقة، وإن تمكنت القوات المهاجمة من حصار مدينتَي خورمشهر وعبدان، وظلت الثانية، على الرغم من أنها الهدف الرئيسي للهجوم، صامدة في وجه الهجمات العراقية[2]. دار قتال شرس، بالقرب من مدينتَي أهواز وديزفول الإيرانيتَين، وفشلت القوات العراقية في دخولهما، إذ عمدت القوات الإيرانية إلى هجوم مضادّ ناجح[3]، إلاّ أن الضربات الجوية الإيرانية المركزة لم يمكنها إجبار العراقيين في الجنوب على الانسحاب، وفك حصار عبدان وخورمشهر، وإن أضعفتهم. وفي 24 أكتوبر، أعلنت بغداد دخول قواتها خورمشهر، واحتلال الجسر المهم، الذي يربطها بعبدان، فقد دفعت وحدة من الدبابات إلى استكمال حصار ميناء عبدان، من الغرب، بينما استمر القتال الضاري، داخل خورمشهر، لمدة يومين، قبْل أن تسقط المدينة، في 26 أكتوبر، وإن استمرت جيوب المقاومة الإيرانية تقاتل حتى 30 أكتوبر.

في الأول من نوفمبر، طورت القوات العراقية هجومها في الشمال، بالقرب من كرمنشاه (65 ميل شرق الحدود)، مع الضغط على دفاعات عبدان، الهدف الرئيسي للهجوم، التي صمدت، مرة أخرى، للهجمات العراقية. وتوقفت هذه الهجمات، في الأيام التالية، بالقرب من الأهواز وديزفول. ونجحت القوات المهاجِمة، في 16 نوفمبر، في احتلال مدينة سوزنجارد (35 ميلاً شمال الأهواز).

بعد شهرَين من القتال الضاري، توقف الهجوم العراقي، بعد احتلال مدينة سوزنجارد، وفقد قوّته الدافعة، بعد أن استولى على منطقة شرق الحدود، بعمق 20 ـ 60 كم، وبمواجهة 800 كم، من قصر شيرين شمالاً، حتى خورمشهر جنوباً.

اضطلع كلٌّ من القوات، الجوية والبحرية، للدولتَين بأعمال قتال، في تزامن مع العمليات البرية، شملت معظم المناطق الحدودية، ورأس الخليج العربي. فقد ركزت القوات الجوية للطرفَين في هجماتها على الأهداف الاقتصادية، خاصة المنشآت النفطية، التي أصيبت بأضرار بالغة، أدت إلى توقف معظمها[4]. وتمكنت البحرية العراقية من إغراق 5 سفن إيرانية، في اشتباك بحري، في 21 سبتمبر، جنوب البصرة، في شط العرب. بينما ركزت البحرية الإيرانية نشاطها في الجنوب، لإغلاق مضيق هرمز، وتأمين قواتها في جُزُر الخليج العربي، التي تحتلها منذ عام 1971 (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، كما تمكنت من القصف البحري لميناء بكر العراقي، المخصص لتصدير النفط العراقي في مجرى شط العرب، عند المصب، والاستيلاء عليه بإبرار بحري، لم يستمر سوى يوم واحد، وتمكنت القوات العراقية من استرداده، بهجوم مضادّ مما أجبر العراق على طلب تصدير نفطه عبْر خط الأنابيب، المار بالأراضي السورية واللبنانية (880 كم) لاستعادة قدراته التصديرية، وهو الطلب الذي وافقت عليه سورية.

من جهة أخرى، فقد استخدم الطرفان الطوائف الموالية لهما، داخل أراضى الخصم. فهاجمت "جبهة تحرير عربستان" المنشآت، الاقتصادية والعسكرية، في إقليم عربستان الإيراني[5]. وفي شمالي العراق، هاجم مقاتلون، ينتمون إلى الحزب الديموقراطي الكردي العراقي، ذي العلاقات الوثيقة بطهران، القوات العراقية في الإقليم الكردستاني العراقي.

استخدم العراق في تلك المرحلة من الحرب صواريخ أرض/ أرض على مدينة ديزفول، لتعزيز هجماته في القطاع الجنوبي، لم تسفر عن تقدم يذكر. بينما لجأت إيران إلى قواتها الجوية لقصف المدن العراقية، كردّ على إطلاق الصواريخ العراقية. وشمل القصف الإيراني بغداد العاصمة، وكركوك والموصل، في الشمال.

وانتهزت إسرائيل فرصة القتال بين العراق وإيران، وانشغال القوات العراقية بجبهتها الشرقية، فشنت غارة جوية على المفاعل النووي العراقي، في 27 سبتمبر 1980، ألحقت به أضراراً محدودة[6]. (اُنظر ملحق قصف المفاعل النووي العراقي بوساطة الطائرات الإسرائيلية، خلال الحرب (العملية بابل)).

3. تأثير الموقف، العربي والدولي، في بدء الحرب

اختلفت ردود الفعل، العربية والإقليمية، تجاه القتال، الذي اندلع بين الطرفَين. فقد أيد العراق كلٌّ من المغرب ومصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية واليمن الشمالي[7]، بينما أيّد إيران سورية ولبنان[8]. وأعلنت الجزائر حيادها إزاء القتال الدائر في شط العرب[9]. وقد أبدت دول الخليج العربية تأييدها العراق، وتشاورت فيما بينها في إنشاء تنظيم أمنى.

على الصعيد العالمي، شكّلت مجموعة دول عدم الانحياز، داخل الأمم المتحدة، لجنة وزارية، من تسع دول، لمحاولة وضع حدّ للقتال. وقد سارع العراق إلى قبول تلك اللجنة؛ إذ تزامن ذلك مع فشل قواته في تحقيق المهام الرئيسية للهجوم. بينما أجلت إيران الرد على ذلك. وفي لوكسمبورج، أعلن ممثلو المجموعة الاقتصادية الأوروبية قلقهم، وعدم قدرتهم على تقديم المساعدة، لإنهاء القتال. وقد حذر العراق دول المجموعة من بيع أسلحة لإيران، طالباً منها عدم الانحياز، أو عدم رفع العقوبات الموقعة على إيران، بحظر بيع الأسلحة إليها، منذ حادثة الرهائن الأمريكية[10]. وأرسل كورت فالدهيم، السكرتير العام للأمم المتحدة، مبعوثاً إلى المنطقة، لتقصِّي الحقائق، وتقديم مقترحات لإيقاف القتال. وتمكن المبعوث من التوصل إلى اتفاق مبدئي، لضمان انسحاب السفن التجارية المحتجزة في شط العرب، منذ بدء القتال. وصرح بأن الدولتَين لا تتجاوبان مع الجهود الدولية، وإن كانتا تخشيان من تدخّل القوى العظمى، خوفاً من إعادة تقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ بينها.

ثانياً: حرب الاستنزاف الأولى (17 نوفمبر 1980 ـ 26 سبتمبر 1981)

لم يحقق الهجوم العراقي أهدافه الرئيسية، وإن كان قد أسفر عن احتلال شريط حدودي. وطبقاً لما أعلنه العراق، فإنه لم يكن يرغب في احتلال الأراضي الإيرانية، ولكنه كان يسعى إلى استعادة حقوقه في مياه شط العرب، وفقاً للاتفاقات القديمة، أي أنه لا يلقي بالاً إلى اتفاق الجزائر الأخير والموقع عام 1975[11].

1. القوات العراقية

استمرت القوات العراقية في التمسك بالأرض، في المناطق المستولى عليها. وعززت قواتها على طول الجبهة، ودعمتها بمجموعات من المدفعية. كما واصلت في إطلاق عدد محدود من صواريخ أرض/ أرض، دون فاعلية، على مدينتَي ديزفول والأهواز. وفي الأول من ديسمبر 1980، أسقط العراق قوات مظلية في القطاع الشمالي، على المشارف الشرقية لجبال زاجروس، ولم تحرز نجاحاً ولم تؤثر في أعمال القتال. نجحت القوات العراقية في استكمال احتلال منطقة الشوش في جنوبي القطاع الأوسط (جنوب غرب ديزفول). وفي نهاية مايو 1981، أغارت قوة من القوات الخاصة العراقية على مدينة دهلران، في القطاع الأوسط، لم تسفر عن نجاح حاسم. استمرت المدفعية في قصف المواقع الإيرانية، على طول جبهة القتال، وفي العمق.

من جهة أخرى، استمرت القيادة العراقية في الاحتفاظ باحتياطياتها الرئيسية، وكذلك قواتها الجوية، من دون تدخّل في أعمال القتال. واعتمدت على قوات الدفاع الجوي في التصدي للغارات الجوية الإيرانية. كما لم تؤدِّ القوات البحرية العراقية أي أعمال قتالية تذكر، في هذه المرحلة.

2. القوات الإيرانية

استغلت إيران توقف القوات العراقية، وعجزها عن الاستمرار في الهجوم، فبادرت إلى سحب جانب من قواتها (الفِرقة 37 المشاة)، المرابطة على الحدود الأفغانية والسوفيتية، ودفعت بها إلى القطاع الجنوبي، في محاولة لفك الحصار عن عبدان، واسترداد مدينة خورمشهر. كما عمدت إلى هجمات مضادّة، محدودة، في اتجاه سوزنجارد والأهواز، فشلت في تحقيق أي نجاح. لذلك، فقد عمدت إلى إعادة تنظيم قواتها، وإعادة توزيعها وتمركزها في مناطق القتال، مع الاحتفاظ باحتياطيات، على تقاطع الطرق، في الخلف، للمناورة بها من اتجاه إلى آخر، واستدعت قوات الحرس الثوري، وفتحت باب التطوع فيها، وسعت إلى تدريبها وتسليحها، استعداداً لإشراكها في القتال[12].

ومن جهة أخرى، نشطت إيران في تحرك دبلوماسي واسع النطاق، لكسب الرأي العام العالمي. كما سارعت إلى دعم قدراتها، الاقتصادية والعسكرية[13].

3. معركة الخفاجية الأولى (اُنظر شكل معركة الخفاجية الأولى)

مع مطلع عام 1981، حشد الإيرانيون قواتهم، تمهيداً لهجوم مضادّ، لاستعادة مدينة سوزنجارد (الخفاجية)[14]، بغية عزل القوات العراقية، في القطاع الجنوبي، حيث كانت إيران تعد العدة لهجوم مضاد آخر، أكثر قوة، لتحرير عبدان، واسترداد خورمشهر.

كانت الخطة الإيرانية تعتمد على تنفيذ هجمات محدودة (ثانوية)، على المحاور المؤدية إلى جيلان غرب، ومهران، وعبدان، مع ازدياد نشاط القصف النيراني في باقي الاتجاهات، لتثبيت القوات العراقية. بينما يتقدم رتلَين مدرعَين مدعمَين بالمشاة الآلية والمدفعية، لمهاجمة المدينة من ثلاثة اتجاهات، لحصارها واختراق الدفاعات العراقية فيها. بدأت إيران هجومها، في 6 يناير 1981، بعد تمهيد نيراني قوي، استمر طوال الليلة السابقة، حين دفعت وحدتَين من الدبابات إلى منطقة تدعى الكرخة العمياء، ووحدة ثالثة إلى منطقة الكرخة، واحتفظت قيادة الهجوم المضادّ بوحدة دبابات احتياطية، خلف الكرخة العمياء، إذ وضح أنها تركز مجهودها الرئيسي في اتجاهها. وقابل العراقيون ذلك بدفع لواء مدرع، مدعم بالمشاة الآلية (يسمى "قوة القعقاع")، على وجه السرعة، إلى منطقة القتال المنتظرة، فأفادت عناصر الاستطلاع المتقدمة للقوة بحجم القوات الإيرانية[15]، واتجاهات عملها (اُنظر ملحق البيانات الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية (البيان الرقم 202))

قرر قائد "قوة القعقاع" دفع مجموعتَي قتال، كلٌّ بقوة كتيبة دبابات، مدعمة بسرية مشاة آلية، للالتفاف على جانبَي العدو، والضغط عليه. ثم عمد إلى تجميع القوة برمّتها، ومهاجمة العدو، الذي توقف نتيجة المباغتة العراقية على جانبّيه، ولكنه صدّ الهجوم العراقي.

في اليوم التالي (7 يناير)، استأنفت "قوة القعقاع" هجومها على القوات الإيرانية الرئيسية، في الكرخة العمياء، ومطاردتها حيث ارتدَّت إلى الأرض، شرقها وسارعت في تجهيز خط صدّ عاجل فيها (اُنظر ملحق البيانات الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية (البيان الرقم 203)).

في اليوم الثالث للمعركة (8 يناير) تقدمت "قوة القعقاع"، بمجموعتَي قتال، في نسقها الأول، فوقعت إحداهما في كمين مضادّ للدبابات، مما دعا قائد القوة إلى تركيز نيران المدفعية المعاونة له في منطقة الكمين، ودفع مجموعة قتال مشاة آلية (كتيبة مشاة آلية مدعمة بسرية دبابات) في اتجاه قوات الكمين، من الصواريخ المضادّة للدبابات. وتمكنت من إجبارها على ترك مَواقعها، والارتداد شرقاً.

استطاعت "قوة القعقاع" في اليوم الرابع، التقدم حتى اتصلت بالخفاجية والمناطق المحيطة بها، مع دفع قوة لتأمين مدينة الحويزه المجاورة (شمال الخفاجية)، حيث اصطدمت قوة التأمين (مجموعتا قتال) بالقوات الإيرانية في معركة ضارية، وأجبرتها على الارتداد داخل الحويزه. واستمرت القوة العراقية تسيطر على الطريق الموصل بين الحويزه والخفاجية، حتى 15 يناير، حين دفعت قوة إلى هجوم مفاجئ، تمكنت بعده من احتلال الحويزه[16].

مُنِيَت القوات الإيرانية المهاجمة بخسائر فادحة، إذ فقدت حوالي 200 دبابة ومركبة مدرعة، دمرت تدميراً تاماً، واستولت القوات العراقية على 51 دبابة أخرى، ودمرت 15 قاعدة صواريخ مضادّة للدبابات، إضافة إلى أعداد كبيرة من القتلى والجرحى والأَسْرى.

4. معركة سربيل زهاب (اُنظر شكل معركة سربيل زهاب)

مدينة سربيل زهاب من المدن القريبة من الحدود الغربية لإيران، في القطاع الشمالي. وهي ذات أهمية خاصة في هذا القطاع، لوقوعها على طريق عام من أهم الطرق في المنطقة، يصل ما بين بغداد وطهران. كما أنها تتوسط مدينتَي قصر شيرين وكرمنشاه، على الطريق نفسه. وتستمد أهميتها من كونها تتوسط منطقة جبلية وعرة، تجعل الحركة عبْر الطريق ضرورية. ويحيط بها تلال وجبال ووديان، كما يتخللها مناطق ذات تموجات (ثنيات أرضية) ومناطق منبسطة (مفتوحة). ويحيط بحوض سربيل زهاب خمس تلال، تسطير عليه وتكمن أهمية الحوض في اتساعه، لحشد قوات داخله، يصعب ملاحظتها من الجانب الغربي، وهو ما استغله الإيرانيون في هذه المعركة.

حشد الإيرانيون قواتهم في حوض سربيل زهاب، مستغلين طبيعة الأرض، لشن هجوم مضادّ، بهدف استعادة قصر شيرين والوصول إلى الحدود الدولية، غرباً. وهو ما يحقق عزل القوات العراقية في القطاع الشمالي. وتكونت القوات المعبأة للمعركة من مجموعة قتال من المشاة (حتى لواء مشاة)، مدعمة بكتيبة دبابات ومدفعية مضادّة للدبابات، ووحدات إسناد ومعاونة أخرى.

اتخذت القيادة العراقية المبادأة، وأمرت قواتها في القطاع بالاستعداد للاضطلاع "بضربة إجهاض"، بالهجوم على القوات الإيرانية في مناطق تجميعها، في حوض زهاب، إذ أفادت عناصر استطلاعها بالحشد الإيراني الكبير، مما يدل على تأهب إيران لعمل تعرضي (هجومي) واسع النطاق في المنطقة، فطنت القيادة العراقية لأهدافه. لذلك، كان من المهم إجهاض الهجوم، والحيلولة دون وقوعه.

وضعت القيادة العراقية الميدانية خطتها، على أساس التقدم على ثلاثة محاور، من اتجاهات مختلفة، مما يصعب على الخصم كشف نيات هجومها وأهدافه أو تقدير قوّته الحقيقية. وتلتقي الأرتال الثلاثة، في حوض الزهاب.

في ليلة 27/28 أبريل، تقدمت الأرتال الثلاثة، كالآتي:

أ. الرتل الأول: يتقدم إلى زرنجو، ويهاجم الإيرانيين فيها. ثم يطور هجومه في اتجاه قلعة بلاغ، ويستولي عليها، بعد طرد الإيرانيين منها. ثم يتقدم نحو المرتفعات الشمالية لبياكو.

ب. الرتل الثاني: يتقدم إلى جبل سي سر، ويستولي عليه ويؤمنه، ثم يواصل تقدمه إلى بابا إسكندر، ويسيطر على المنطقة بينهما.

ج. الرتل الثالث: يتقدم إلى دار بلوط وخاتونة، ويسيطر عليهما. ثم يطور هجومه في اتجاه المرتفعات الجنوبية لبياكو، ويستولي عليها.

تقدمت الأرتال الثلاثة نحو أهدافها .وتمكنت من اختراق المَواقع الأمامية الإيرانية، حتى وصلت إلى منطقة المرتفعات، حيث سيطرت على القوات المتجمعة أسفلها بالنيران. ودفعت الدبابات خلالها، لتخرقها وتُنزل بها خسائر عالية. وقدرت خسائر الإيرانيين في تلك المعركة، التي استمرت 4 أيام:

أ. الأفراد 4741 فرداً (منهم 1551 قتيلاً، والباقي جرحى ومفقودون).

ب. تدمير 32 دبابة، 16 عربة نقل، 8 عربات مدرعة.

ج. إسقاط 3 طائرات مقاتلة / قاذفة، وطائرة عمودية واحدة.

د. تدمير 4 قواعد صواريخ مضادّة للدبابات، والاستيلاء على قاعدتَين، إضافة إلى ثلاثة مدافع سليمة.

هـ. تدمير نقطتَي شؤون إدارية، ونقطة واحدة للملاحظة، وأربعة مواقع للمشاة (اُنظر ملحق البيانات الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية (البيان الرقم 320)).

ارتفاع أعداد القتلى والجرحى، في الجانب الإيراني، خلال تلك المعركة، يرجع، أساساً، إلى اصطدام الأرتال العراقية الثلاثة، في المرحلة النهائية من المعركة، بأعداد كبيرة من قوات الحرس الثوري الإيراني، جرى تجميعها في المنطقة، للمعاونة على أعمال القتال (المشاركة في الهجوم المضادّ)، أو لاحتلال مَواقع المشاة، التي ستنفّذ الهجوم المضادّ. وهي  قوات ذات قدرات قتالية منخفضة، لضعف تسليحها، وانخفاض مستوى تدريبها، وإن كانت تتمتع بروح معنوية عالية. (اُنظر ملحق البيانات الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية (البيانات الأرقام 321، 322، 323، 324، 325))

5. الإغارة الثالثة على دهلران (اُنظر شكل الإغارة الثالثة على دهلران)

تُعَدّ الإغارة على دهلران مثالاً واضحاً على الأسلوب القتالي، الذي ساد مناطق القتال، منذ توقف الهجوم العراقي، في منتصف شهر نوفمبر 1980. ففي ليلة 28/29 مايو 1981، تقدمت قوة عراقية من القطاع الأوسط، تجاه مدينة دهلران وحاصرتها. ومع بداية النهار، وتحت قصف مدفعي قوي، اقتحمت المدينة من عدة جهات، وشرعت تطهرها من القوات الإيرانية الموجودة داخلها. إلاّ أن الإيرانيين، وقد أحسوا باقتراب القوة العراقية، كانوا قد أخلوا المدينة، ليلاً، ولجأت قواتهم إلى المناطق الجبلية حولها، في الشمال والشمال الشرقي. واستطاعت القوة العراقية إحكام سيطرتها على المدينة، طوال اليوم، ثم عادت، مع الليل، إلى مَواقعها في الخطوط العراقية مرة أخرى.

تكبدت إيران في هذه الإغارة 96 قتيلاً، وعدداً من الجرحى، و4 أسرى، وتدمير عدة مَواقع ومعدات. واستولى العراقيون على مدفعَين و30 طناً من معدات وذخائر وأسلحة خفيفة. كما سبق أن أغارت القوات العراقية على مدينة دهلران، وعلى مناطق أخرى من الجبهة، كذلك، في 13 أكتوبر 1980، وفي 14 يناير 1981. وفي كل مرة، كانت القوة العراقية تنسحب إلى مَواقعها بعد تدمير المَوقع الإيراني (اُنظر ملحق البيانات الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية (البيانات الأرقام 351، 352)).

6. الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان (اُنظر شكل الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان)

منذ منتصف يونيه 1981، ركز الإيرانيون قصفهم المدفعي في القوات، حول عبدان. كما قصفوا مدينة البصرة العراقية المهمة، بالمدفعية الثقيلة، من داخل عبدان نفسها، عدة مرات. ووضح أن الإيرانيين سيشنون هجوماً جديداً في اتجاه عبدان، مما دعا القائد العراقي الميداني إلى تعزيز مَواقعه، وتكثيف خطة نيرانه، وتشديد الملاحظة على الاتجاهات المحتملة للهجوم الإيراني المرتقب.

خلال الأيام القليلة السابقة على الهجوم الإيراني، أتاحت القوات الإيرانية إظهار تجمعات في مناطق مختلفة، على طول الجبهة في القطاعات الثلاثة، في سربيل زهاب ونوسود وجيلان غرب وسومار وشوش والخفاجية (سوزنجارد) وديزفول. وتعمدت أن تثير عدة اشتباكات في تلك المناطق، بهدف تشتيت القيادة الميدانية العراقية وخداعها في شأن الهجوم المنتظر. وإمعاناً في إخفاء نيتهم، قصف الإيرانيون عدة مدن وقرى حدودية عراقية، في خانقين وزرباطية وغيرهما من المدن العراقية القريبة من الحدود. (اُنظر ملحق البيانات الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية (البيانات الأرقام 373، 374، 375، 376))

ليلة 22/23 يونيه، تقدمت القوات الإيرانية في اتجاه عبدان وشمالها، تحت ستر قصف مدفعي شديد، بلغ حتى المَواقع الأمامية العراقية في المنطقة، إذ بدأت تحاول اختراق الدفاعات العراقية، ليلاً، لتحدّ من تدخّل الدبابات والقوات الجوية العراقية. ونتج من الهجمات الليلية فشل على طول خط المواجَهة، وخسائر عالية، أثرت في القوة الرئيسية المهاجِمة[17]. (اُنظر ملحق البيانات الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية (البيانات الأرقام 377، 378، 379))

عاود الإيرانيون هجومهم، مع أول ضوء، في 23 يونيه، واستطاعوا، تحت ستر نيران الأسلحة المضادّة للدبابات، وبدعم الدبابات المرافقة للهجوم، من الاقتراب والالتحام مع القوات العراقية، حيث دار قتال ضارٍ، استمر أكثر من ست ساعات. إلاّ أنهم لم يستطيعوا الوصول إلى عمق الدفاعات العراقية، مما اضطرهم إلى الانسحاب، تلاحقهم الدبابات العراقية، متكبدين خسائر جسيمة، تعدت ألف قتيل في منطقة عبدان وما حولها، خلال الثلاثة أيام الأخيرة فقط، بخلاف العديد من الدبابات والمدافع والمعدات الأخرى. (اُنظر ملحق البيانات الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية (البيانات الأرقام 380، 381، 382، 383))

7. الغارة الإسرائيلية الثانية على المفاعلات النووية العراقية (اُنظر ملحق قصف المفاعل النووي العراقي بوساطة الطائرات الإسرائيلية، خلال الحرب (العملية بابل))

أغارت الطائرات الإسرائيلية، في 7 يونيه 1981، على المنشآت النووية العراقية، بالقرب من بغداد[18]. وتمكنت الطائرات الإسرائيلية، من نوع F-16 الأمريكية الصنع، من تدمير المفاعلَين النووَّين تدميراً كاملاً، تحت حماية مظلة جوية، من طائرات مقاتلة إسرائيلية، مرافقة لها، من نوع F-15 الأمريكية الصنع. وأذاعت إسرائيل بياناً رسمياً بذلك. وعقدت مؤتمراً صحفياً، أنذرت فيه أي دولة من محاولة تصنيع أسلحة نووية، تهدد بها أمن إسرائيل مستقبلاً.

تضمنت خطة الغارة الجوية اختراق مجموعتَين من الطائرات للمجال الجوي للدول العربية المجـاورة، والاقتراب من الهـدف. تضـم المجموعـة الأولى (مجموعـة القصـف) 8 طائرات F-16 مقاتلة/قاذفة، بينما تضم المجموعة الثانية (مجموعة الحماية) 8 طائرات F-15 مقاتلة اعتراضية. وتقترب المجموعتان من هدفهما في خط سير، اختير بعناية، بين حدود الكشف الراداري لرادارات الدفاع الجوي العراقي مع الطيران المنخفض جداً، والتزام الصمت اللاسلكي، واستخدام أجهزة إلكترونية لإعاقة الرادارات العراقية. (اُنظر شكل الغارة الإسرائيلية الثانية)

على مسافة 40 ميلاً ترتفع مجموعة الحماية، وتستر المجموعة القاصفة، بالتشويش على أجهزة الرادار الخاصة بقواعد صواريخ Sam-6 وبطاريات المدفعية المضادّة للطائرات، المنتشرة حول الهدف، مع قصف الهوائيات، العائدة لرادارات توجيه صواريخ Sam-6، بصواريخ . Shrike

فوق الهدف تماماً، تنقض طائرات المجموعة الأولى (مجموعة القصف) حتى مستوى ارتفاع الأشجار، لضمان تحقيق إصابة الهدف مباشرة، تحت حماية مجموعة الحماية، التي تظهر فوق الهدف، كذلك، على ارتفاع عالٍ، وبانتهاء عملية القصف تعود طائرات F-16 إلى الارتفاع، ومقابلة طائرات F-15، وتتجه المجموعتان إلى قواعدهما، في تشكيل أزواج، كل زوج من طائرة F-16 وأخرى F-15، ومن اتجاهات مختلفة، مع التحليق على ارتفاع عالٍ لتوفير استهلاك الوقود.

نفذت الطائرات الإسرائيلية المهمة بنجاح كامل، ولم تبلغ طائرات الأواكس الأمريكية، العاملة في سماء المملكة العربية السعودية، رصدها لها. ونتج من القصف تدمير كامل للمنشآت، التي كان العراق قد انتهى من تجهيزها، توطئة لنقل المواد المشعة داخلها، وبدء عملها في وقت لاحق. وأسفرت الغارة عن مقتل ثلاثة أفراد، أحدهم خبير فرنسي.

8. صراع السلطة في إيران

اشتد الخلاف بين الرئيس الإيراني، بني صدر، والإمام الخميني، زعيم الثورة الإيرانية، وتزايد الصراع بين السياسيين الإيرانيين ورجال الدين الشيعة. واتخذت الخلافات والصراعات مساراً علنياً من الاتهامات، التي أصبحت شبه يومية، في الصحف والإذاعة، وأحياناً، على منابر المساجد في إيران، منذ بداية عام 1981.

في شهر يونيه 1981، تصاعدت حِدّة الخلاف بين أعوان الرئيس الإيراني، بني صدر، ورجال الدين والحرس الثوري، إلى حدّ، نددت معه المظاهرات بنظام حكم بني صدر، وصدر قرار بتعطيل الصحف الناطقة باسم الرئيس الإيراني ومؤيديه. وتطور الصراع بإعلان مجلس الشورى الإيراني، في 21 يونيه، عدم الأهلية السياسية للرئيس بني صدر، وهو ما يعني، طبقاً لنص الدستور الإيراني، إقالة رئيس الدولة من منصبه. وأعقب ذلك صدور أمر عن المدعي العام الإيراني بإلقاء القبض على بني صدر، الذي كان قد اختفي. وكان قد سبق قرار عدم الأهلية السياسية قرار آخر بعزل الرئيس الإيراني من منصبه، كقائد عام للقوات المسلحة الإيرانية، وإسناد هذا المنصب إلى الجنرال فلاحي، مساعد رئيس الأركان. وعقب تلك القرارات وقع انفجار في مقر حزب الجمهورية الإسلامي، الحاكم، أسفر عن مصرع 72 شخصاً من كبار رجال الدولة (وهو حزب بني صدر، الرئيس المخلوع)[19].

وفي 30 أغسطس 1981، وقع انفجار شديد في مقر الوزارة الإيرانية، أسفر عن مقتل الرئيس الجديد، محمد على رجائي، ورئيس وزرائه، محمد جواد باهونار، وعدد كبير من المسؤولين الإيرانيين. وتشكل، على أثر ذلك، مجلس رئاسي، من آية الله رفسنجاني، رئيس البرلمان، وآية الله أردبيلي، رئيس المحكمة الإسلامية العليا. وهو ما يعني نجاح المتشددين من رجال الدين الشيعة في الوصول إلى الحكم، والاستيلاء على السلطة. وقد أعقب ذلك موجة من إلقاء القبض على عدد كبير من معارضي النظام، وإعدام عدد منهم، وشمل ذلك تطهير صفوف الحرس الثوري الإسلامي.

9. نشوء مجلس التعاون الخليجي، وردود فعله على الحرب العراقية ـ الإيرانية

عقد، في 25 مايو 1981، أول مؤتمر قمة لمجلس التعاون الخليجي، الذي أعلن تأسيسه من ست دول عربية خليجية. وكانت المملكة العربية السعودية، قد طرحت إنشاء هذا المجلس، كإجراء أمن جماعي للدول العربية الخليجية (عدا العراق)، في نهاية العام السابق (ديسمبر 1980) تطويراً للفكر السابق لإنشاء ذلك التجميع، ولمواكبة الأحداث المتسارعة نحو الصراع المسلح، بين الدول الإقليمية الكبرى في المنطقة، وتحسباً لتدخّل القوى العظمى في ذلك الصراع، مما يحفظ للدول العربية الأعضاء أمنها إزاء تلك التطورات.

كان أعنف ردود الفعل، إزاء نشوء مجلس التعاون الخليجي، من جانب العراق، الدولة العربية الشقيقة. فقد وجّه صدام حسين انتقادات عنيفة إلى دول الخليج العربية، وأبدى امتعاضه من عدم دعوة العراق إلى الانضمام إلى المجلس. كما اتهم تلك الدول بالتقصير في حق العراق، الذي زعم أنه يمنع إيران من غزوها[20].

10. تغيُّر الموقف العسكري على الجبهة العراقية ـ الإيرانية

مع بداية سبتمبر 1981، حدثت تغيرات جذرية في القيادات الإيرانية. كما تغيَّر، كذلك، سير القتال في الجبهة العراقية ـ الإيرانية، واتخذ اتجاهاً جديداً، أول مرة، بنجاح القوات الإيرانية في بعض أعمالها الهجومية.

على الجانب السياسي، استمرت الاغتيالات السياسية، فوقع انفجار في مكتب المدعي العام الثوري، حجة الإسلام علي قدوس، أدى إلى مصرعه، وأُلقي القبض على آلاف من رجال الحرس الثوري الإسلامي، إذ أوصى المدعي العام الجديد، موسوي أردبيلي، المتشدد، بإعدام المعتقلين، فوراً.

على الجانب العسكري، فإن القوات الإيرانية، على الرغم من أنها خسرت العديد من قوات الحرس الثوري الإسلامي، في موجات العنف، التي ازدادت في الأشهر الأخيرة من عام 1981، إضافة إلى خسائرها في القوات المسلحة، التي فشلت في عدة هجمات مضادّة، إلا أنها استطاعت إحراز تقدم عام، عقب نجاحها، في نهاية سبتمبر 1981، في كسر حلقة الحصار العراقي حول مدينة عبدان المهمة[21]، وهو النصر الذي حوّل مسار العمليات في مصلحة القوات الإيرانية، لعدة سنوات تالية. وقد أعقب ذلك انسحاب القوات العراقية من الضفة الشرقية لنهر قارون[22].

أصيبت القوات الإيرانية بنكسة جديدة، عقب سقوط طائرة نقل عسكرية، كان على متنها القائد العام للقوات الإيرانية، الكولونيل سيد موسى، وزير الدفاع، وعدد من كبار قادة الجيش وقادة الحرس الثوري الإسلامي. وقد قتلوا جميعاً، وذلك أثناء تفقّدهم مناطق القتال، واطمئنانهم بالموقف في عبدان[23].

انتهت مرحلة جزئية من الحرب، بتوقف تام للقوات العراقية على الخطوط، التي استطاعت الوصول إليها، في بدء هجومها، وصدّها معظم الهجمات المضادّة الإيرانية على طول الجبهة، وتخليها عن بعض المَواقع الأقل أهمية. بينما نجحت القوات الإيرانية في إيقاف الهجوم العراقي في شريط حدودي، ضيق نسبياً. وهي وإنْ كانت قد فشلت في معظم هجماتها المضادّة لاسترداد الأرض، إلاّ أنها استطاعت تكبيد العراقيين مزيداً من الخسائر في المعدات والقوات المدربة. كما تمكنت من كسر الحصار حول عبدان، وهو ما أعطى القوات الإيرانية ميزة متفوقة، بالسيطرة على مدخل شط العرب، وأثر في الأحداث التالية.