إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث التاسع

المبحث السادس عشر

تطور الصراع عام 2003

أولاً: الصراع المسلح

1. في جنوب السودان

على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أبرم في ديسمبر 2002، بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، أصدرت الحركة بياناً، في الأول من يناير 2003، قالت فيه: إنها صدت هجوماً للحكومة على مواقعها في مناطق البترول، في ولاية غرب أعالي النيل؛ خارقة اتفاق وقف إطلاق النار. 

وأشارت الحركة في بيانها إلى أن الهجوم بدأ منذ 31 ديسمبر 2002، على مواقعها في بلدة (تام)، ومنطقة (ميرمار)، والرنك، وكوك، ولير، في غرب أعالي النيل. وأن قوات الحكومة، مدعومة بميليشيات تابعة للواء باولينو ماتيب، قصفت السكان المدنيين في (لير)، وحرقت قرى: ونبور، وفانتوت، وكوك، واستولت على ممتلكات المواطنين ومواشيهم.

وفي عشية استئناف مفاوضات السلام السودانية، في كينيا، أصدر المتحدث باسم الجيش السوداني بياناً، أوردته وكالة الأنباء السودانية، في 21 يناير 2003، اتهم فيه الجيش الشعبي لتحرير السودان بمهاجمة مواقع، تسيطر عليها الحكومة، في مناطق الفراديس، في غرب النوير، في ولاية الوحدة. وأضاف البيان: إن الهجوم يهدف إلى زعزعة السلام في هذه المنطقة، ويمثل انتهاكاً فاضحاً لاتفاق وقف المعارك، الموقع بين الطرفَين. وقال البيان: إن قوات الجيش الشعبي، تجمع وحداتها بالقرب من هذه المناطق، لشن هجوم جديد على مواقع الجيش الحكومي.

وفي الوقت الذي تستأنف فيه مفاوضات السلام، في مدينة كارين الكينية؛ لمناقشة قضيتَي اقتسام السلطة والثروة؛ أعلن جاثوم جاتوت، قائد قوة الدفاع عن جنوب السودان ـ وهي ميليشيا موالية للحكومة ـ "أن قوة مشتركة من قوة الدفاع عن جنوب السودان، ومن حركة تحرير جنوب السودان، التي يقودها طبان جورج، استعادت مدينة أكوبو الجنوبية من الحركة الشعبية لتحرير السودان.

في الثاني من فبراير 2003، قال جورج قرنق، الناطق باسم الجيش الشعبي (الجناح العسكري للحركة)، إن قوات الحكومة السودانية، استولت على بلدة أكوبو في الجنوب، بعد قتال ضار مع ّقوات الحركة؛ ما أسفر عن مقتل 20 مدنياً، وخرقت اتفاقية وقف إطلاق النار. وأضاف أن أكثر من ألف من قوات الحكومة، المدعومة بالميليشيات المتحالفة معها، تساندها الدبابات والطائرات العمودية المقاتلة، هاجمت أكوبو، في ولاية أعالي النيل، واستولت عليها. و"لا نعرف، على وجه التحديد، عدد الجنود، الذين قتلوا من كل جانب؛ لكن 20 مدنياً، كانوا في البلدة، لقوا حتفهم؛ وهرب الآلاف من بيوتهم".

في أواخر فبراير 2003، ظهرت جماعة سياسية مسلحة جديدة، تطلق على نفسها اسم حركة/جيش تحرير السودان؛ وتضم بصورة رئيسية أبناء جماعات عرقية مستقرة. وأخذت تهاجم  القوات الحكومية.

استمر اتفاق وقف إطلاق النار، بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، متماسكاً بشكل عام، غير أن المواجهات العسكرية تواصلت بين الجيش الشعبي والميليشيات الجنوبية في أعالي النيل، وبصفة خاصة في ولاية الوحدة. واتبعت الميليشيات الجنوبية سياسة الأرض المحروقة بحق المجموعات السكانية في ولاية الوحدة، مركز مناطق النفط السوداني.

2. على الحدود الأوغندية

تخطط الخرطوم لإرسال قوات إلى جنوب البلاد، لاحتلال معسكرات، كان يسيطر عليها متمردون أوغنديون، يشنون تمردا منذ 15 عاماً، ضد الحكومة الأوغندية. ويتوقع أن يمنع احتلال هذه المعسكرات المتمردين، الذين أثبتوا أنهم هدف، يصعب تعقبه لقوات الحكومة الأوغندية، من العودة إلى هذه المعسكرات، التي تقع في جنوب السودان.

ويخشى السودانيون من جيش المتمردين الأوغنديين، الذي يعرف باسم جيش الرب للمقاومة، بزعامة جوزيف كوني؛ لأنه اشتهر بخطف الأطفال، لاستخدامهم كجنود، وبترويع القرويين. وقد وقع كل من وزيري دفاع السودان وأوغندا بياناً، مضمونه "أن القوات السودانية ستنتشر في المعسكرات السابقة، التي كان يحتلها جيش الرب للمقاومة، في أسرع وقت ممكن".

ومضى البيان يقول: "والحكومة السودانية تكرر موقفها الثابت، الرافض لأي اتصال بين القوات المسلحة لشعب السودان وجيش الرب للمقاومة". وأصدر وزيرا الدفاع: السوداني، بكري حسن صالح؛ والأوغندي، إماما مبابازي، البيان، بعد الاجتماع مع الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، في كمبالا. وفي المقابل، حث السودان أمس الحكومة الأوغندية على منع الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي يقودها جون قرنق، من استعمال الأراضي الأوغندية كملاذ لها.

وطلب وزير الدفاع السوداني من نظيره الأوغندي، من جملة ما طلبه، منع حركة قرنق من استيراد أسلحة، عبر أوغندا. وقال السفير السوداني لدى أوغندا، محمد سراج الدين، للصحافيين، قبل مغادرة الوفد السوداني: "لا يجوز أن يأتوا (قوات قرنق) إلى أوغندا مسلحين، وأن يستوردوا أسلحة، من خلال أوغندا، وتهديد أمن المنطقة".

3. على الحدود الإريترية

اتهمت إريتريا الحكومة السودانية بحشد قواتها على الحدود بين البلدَين، والاستعداد لشن هجوم وشيك في شرق السودان. وقالت إن الخرطوم تريد التنصل من مفاوضات السلام الجارية حالياً في كينيا؛ ونفت اتهامات سودانية مماثلة. وذكرت وزارة الخارجية الإريترية في بيان أن الحكومة السودانية، "تحاول جعل إريتريا ضحية سياسية، من خلال نشرها اتهامات ملفقة عبر القنوات الدبلوماسية". وقال البيان: "إن الاتهامات السودانية، تتركز حول قيام إريتريا بإجراء الاستعداد لشن هجوم عليها في شرق السودان، بالتعاون مع الحركة الشعبية لتحرير السودان». وكان الناطق باسم حركة قرنق، قد اتهم الخرطوم بخرق مذكرة التفاهم التي وقعتها، والخاصة بوقف العمليات العدائية، والبدء بشن هجمات عسكرية في مختلف مناطق جنوب السودان وأعالي النيل.

في 30 مارس 2003، جدد وزير الخارجية السوداني، الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، اتهاماته لإريتريا بزعزعة الاستقرار في السودان. وقال إسماعيل، إن الخرطوم طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية، الضغط على الحكومة الإريترية، لطرد المعارضة السودانية من أراضيها؛ مشيراً إلى أن الطلب السوداني، يعني إيقاف عدوان مباشر على السودان، ودعم المعارضة السودانية. وحول مسألة تجدد الوساطة المصرية لتهدئة الأجواء بين السودان وإريتريا، قال إسماعيل، إنه في زيارته للقاهرة، لحضور مؤتمر وزراء الخارجية العرب في دورته العادية، وعلى هامش هذه الاجتماعات، التقى بعدد كبير من المسؤولين المصريين، منهم وزير الخارجية المصري، أحمد ماهر.

وقال إن المسؤولين المصريين تحدثوا معه عن أهمية تطبيع العلاقات بين السودان وإريتريا. وأكد وزير الخارجية السوداني أنه أبلغهم انه ينبغي أن يسبق ذلك أولاً إيقاف استهداف السودان من قبل إريتريا، إذ إن هذا الاستهداف والعدوان كان سبباً في توتر العلاقات وفقدان الثقة بين البلدين؛ مؤكداً أن أول الخطوات نحو التطبيع، هي إيقاف الاستهداف، مباشراً كان أو غير مباشر؛ وثانياً قبول إريتريا بوضع مراقبين على الحدود بين البلدَين؛ وثالثاً أن يغير النظام في أسمرا منهجه في التعامل مع شعبه ومع جيرانه.

4. تطور المفاوضات

استؤنفت المفاوضات في كارين/ نيروبي في يناير 2003، بعد التأخير الذي نجم عن الاختلاف حول مناقشة حدود مناطق النيل الأزرق وجبال النوبة وأبيي المتنازع عليها، بعد تحويلها إلى ندوة أو ورشة عمل، إلا أنها فشلت في الاتفاق حول متابعة النقاش. وجددت الإيقاد موعد للتفاوض حول هذه القضية ليكون في 19 مارس 2003.

نجحت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في 6 فبراير 2003، في توقيع مذكرة تفاهم بخصوص نقاط الاتفاق حول تقاسم السلطة والثروة، وذلك في كارين/ بنيروبي.

وأُرفق بمذكرة التفاهم ملحق خاص بشأن وقف الأعمال العدائية المتبادلة، والذي وقِّع في 4 فبراير 2003.

اجتمع عمر البشير وجون قرنق في نيروبي، في أبريل 2003، استجابة لطلب الرئيس الكيني، حيث شكلت الترتيبات الأمنية القضية الرئيسية في محادثات التفاوض لفريق عمل اللجنة السياسية، إلاّ أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق.

وفي إطار توحيد جهود المعارضة السودانية، وقعت الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب الأمة المعارض، اتفاقاً في القاهرة، في 24 مايو 2003، أُطلق عليه "إعلان القاهرة".

وفي 6 يوليه 2003، طرحت الإيقاد وثيقة جديدة أُطلق عليها "مذكرة ناكورو"، عبرت عن انحياز سكرتارية الإيقاد والجنرال سيمبويا إلى جانب الحركة الشعبية. وتحدثت الوثيقة عن تقاسم السلطة والثروة ووضع الجيش الشمالي والجنوبي. ورأت الحكومة السودانية أن ذلك خارج سياق اتفاق مشاكوس 2002 وغير عادل، على الرغم من موافقة الحركة الشعبية عليها (اُنظر ملحق نص وثيقة مذكرة ناكورو).

جاء الموقف الأمريكي متوازناً حول الخلافات على "مذكرة ناكورو"، ولعبت القاهرة دوراً ناشطاً لاحتواء الخلافات، حيث استقبلت القاهرة خلال شهر أغسطس 2003، كلاً من الدكتور "رياك قاي"، رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية، وهو من المتحالفين مع الحكومة السودانية، والذي أبدى تحفظه على المذكرة وهدد بأنها سوف تؤدي إلى حرب جديدة بين الجنوبيين.

كما استقبلت القاهرة كلاً من "جون قرنق"، ووزير الدفاع السوداني اللواء "بكري صالح"، ووزير الخارجية الكيني، لتصحيح الأجواء الإقليمية المحيطة بالمفاوضات.

ونتيجة لفشل جولة ناكورو، شعرت الحكومة السودانية أنها في حاجة إلى اتفاق وطني لمواجهة المخططات الخارجية، حيث اتفقت مع المعارضة الشمالية على إنشاء لجنة قومية لإجراء حوار واسع للوصول إلى وثيقة للإجماع الوطني. وتعهد البشير بالعديد من الإصلاحات الداخلية مع تغير إستراتيجيتها التفاوضية للتمسك بما تم الاتفاق عليه في مشاكوس 2002، وفصل قضايا المناطق الثلاث المهمشة في مسار مستقل تُشرف عليه كينيا، ولا يخضع هذا المسار لمبادرة الإيقاد، ومن ثم لا ينطبق عليه بندا حق تقرير المصير، وفصل الدين عن الدولة.

نجحت الحكومة السودانية في الوصول إلى هدنة لوقف إطلاق النار لمدة 45 يوماً مع حركة تحرير السودان، التي تقود العمليات العسكرية المسلحة في دارفور غربي السودان، برعاية الرئيس التشادي "إدريس ديبي" في أبيتشي في 3 سبتمبر 2003، في خطوة لتهدئة الوضع الأمني غربي السودان، وإيجاد وضع تفاوضي أفضل للحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، خاصة بعد تهديد الحركة الشعبية بتوسعة الحرب على ثماني جبهات منها جبهة دارفور، وذلك بعد فشل جولة ناكورو.

خلال شهر سبتمبر 2003، انطلقت الجولة السابعة من المفاوضات في منتجع "نانيوكي" السياحي بكينيا، والتي عُرفت بجولة "نيفاشا". واستمرت المفاوضات (22) يوماً، واتسمت بارتفاع مستوى التمثيل لوفدي التفاوض، خلافاً للجولات السابقة، حيث كان النائب الأول لرئيس الجمهورية السوداني، "علي عثمان طه"، و"جون قرنق"، زعيم الحركة الشعبية، على رأس وفدي التفاوض. وانضم إلى الوفد السوداني وزير الدفاع السوداني "بكري صالح" في مرحلة لاحقة من بدء المفاوضات، لمراجعة الترتيبات الأمنية في المفاوضات.

رأى الطرفان خلال التفاوض التركيز على قضية الترتيبات الأمنية، وإرجاء مناقشة تقاسم السلطة والثروة إلى جولة قادمة في أكتوبر 2003.

اتفق الطرفان على إعادة نشر قوات الحكومة والحركة الشعبية في الجنوب وفي المناطق الثلاث المهمشة، وإنشاء قوات مشتركة خلال المرحلة الانتقالية في اتفاق الترتيبات الأمنية، بنيفاشا في 25 سبتمبر 2003.

أوجد توقيع اتفاق الترتيبات الأمنية، حيوية في الحياة السياسية السودانية، أثمرت عن توقيع اتفاق جدة/ السعودية بين النائب الأول للرئيس السوداني، "علي عثمان طه"، والسيد "محمد عثمان الميرغني"، رئيس التجمع الوطني الديموقراطي المعارض، في 4 ديسمبر 2003، لتحقيق الحل السياسي الشامل.

تضمن الاتفاق دعم ما تم التوصل إليه في اتفاق مشاكوس، وحول وحدة السودان وحق تقرير المصير وعلاقة الدين بالدولة، وإقامة نظام ديموقراطي، وقومية القوات المسلحة. (اُنظر ملحق نص الاتفاق الإطاري بين الحكومة والتجمع الوطني الديموقراطي لتحقيق الحل السياسي الشامل، جدة/ السعودية، في 4 ديسمبر 2003).

أعلن المشاركون في التجمع الوطني الديموقراطي المعارض رفضهم لاتفاق جده، وأنه لا يمثل رأي المعارضة السودانية.

استمرت جولات التفاوض بين أطراف النزاع دون تحقيق أي نتائج. فبعد انعقاد جولة نيفاشا الثانية، خلال الفترة من 5 – 26 أكتوبر 2003، عُقدت جولة نيفاشا الثالثة، في الفترة من 6 – 20 ديسمبر 2003، وأُعلن في نهاية الجولة عن الوصول إلى اتفاق حول تقاسم عائدات النفط بين الشمال والجنوب، مع وجود بعض النقاط المختلف عليها.

5. مضمون الاتفاقيات المؤثرة على مسيرة السلام

اتفاق الترتيبات الأمنية (نيفاشا، 25 سبتمبر 2003)

وقف إطلاق النار، بمراقبة دولية، يدخل حيز التنفيذ بعد توقيع اتفاق السلام الشامل.

إعادة نشر القوات الحكومية وقوات الحركة الشعبية في الجنوب، وأيضاً في مناطق النزاع والمناطق المهمشة وفي الشرق.

إنشاء وحدات مشتركة تضم جنوداً من القوات الحكومية والحركة الشعبية مناصفة خلال الفترة الانتقالية، وتوزع في المناطق المتفق عليها (24 ألف جندي في جنوب البلاد + 6 آلاف جندي في جبال النوبة + 6 آلاف جندي في جنوب النيل الأزرق + 3 آلاف جندي في الخرطوم).

سحب القوات الحكومية من الجنوب خلال عامين ونصف. وسحب قوات الحركة الشعبية من شرق السودان خلال عام من الفترة الانتقالية.

بقاء جيشين منفصلين خلال الفترة الانتقالية، وعلى ضوء الاستفتاء لحق تقرير مصير الجنوب عقب الفترة الانتقالية، إما بقاء الوضع على ما هو عليه أو تكوين جيش وطني من الحكومة والحركة الشعبية في حالة تأكيد الوحدة.

اعتماد الجيشين المنفصلين في المرحلة الانتقالية كجيشين وطنيين يتمتعان بمعاملة متساوية، مع الإشارة إلى إعادة هيكلة أجهزة أمن الدولة والشرطة وربطها بمستويات السلطة التي ستقوم بالإشراف عليها.

نص وثيقة اتفاق الترتيبات الأمنية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، نيفاشا 25 سبتمبر 2003 (اُنظر ملحق نص اتفاق الترتيبات الأمنية للفترة الانتقالية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، نيفاشا، 25 سبتمبر 2003).

ثانياً: الموقف الإقليمي والدولي

1. الموقف الإقليمي

أ. جامعة الدول العربية

وصل الأمين العام للجامعة العربية، "عمرو موسى"، إلى الخرطوم، في 12 يناير 2003، للمشاركة في عدد من اللجان التابعة للجامعة العربية، على مستوى وزراء الخارجية العرب. وفي الاجتماعات ناشد الأمين العام الحكومة والمعارضة السودانية، التوجه نحو الحوار والوفاق، ووقف الحرب، وتحقيق السلام والحفاظ على وحدة البلاد.

ودعا موسى في مؤتمر صحفي التجمع الوطني الديموقراطي، المعارض، للعودة إلى السودان والدخول في حوار رسمي حر، وقال: "الوقت من ذهب، والظروف خطيرة، ونريد أن يسهم كل السودانيين حكومة ومعارضة في ذلك، ونحن، دولاً عربية ومواطنين عرباً، لنا مصلحة في أن يحل السلام في السودان".

وأعلن موسى أنه سيلتقي مع جون قرنق، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان قريباً، من منطلق أهمية الحوار مع مختلف الأطراف السودانية، ومن منطلق دعم الوحدة السودانية.

زار وفد من جامعة الدول العربية (الخرطوم)، ونيروبي/ كينيا، ورومبيك في جنوب السودان، خلال الفترة من 21-29 أبريل 2003، للتعرف على مستجدات المسألة السودانية، وإبراز دور الجامعة العربية بشقيه السياسي والتنموي الهادف إلى الحفاظ على سيادة السودان وسلامة وحدته.

وأثمرت الزيارة عن بدء العمل العربي المشترك لوجود عربي جنوب السودان، يؤثر إيجابياً في خيار الوحدة لدى الجنوب، إضافة إلى الحصول على موافقة الحركة على أن تكون الجامعة العربية عضواً مراقباً في مفاوضات السلام الجارية في كينيا.

وعلى إثر الخلافات التي نتجت من طرح وثيقة ناكورو/ كينيا بواسطة الإيقاد، ومشاركة الجامعة العربية في احتواء تلك الخلافات، التقى الأمين العام للجامعة، بالسيد "رياك قاي" رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية، ومبعوث الرئيس السوداني، في 14 يوليه 2003.

كما التقى وفد الأمانة العامة للجامعة العربية، مع السيناتور "جون دانفوث" مبعوث الرئيس الأمريكي للسلام في السودان، في 15 يوليه 2003.

شاركت الجامعة العربية في جميع المفاوضات ووقعت على جميع البروتوكولات المتفق عليها كعضو مشارك، خاصة اتفاق الترتيبات الأمنية في سبتمبر 2003، وما تلاها.

استكمالاً للدور التنموي للجامعة العربية في السودان، وبعد دعوته خلال الفترة من 19 ديسمبر 2002 إلى 7 يونيه 2003، لعقد ثلاثة اجتماعات تنسيقية للدول وصناديق التمويل والاستثمار العربية للمشاركة في تنمية جنوب السودان، وبعد الاجتماع الأول في 19 ديسمبر 2002، عُقد الاجتماع الثاني في 17 فبراير 2003، الذي قدمت فيه صناديق التمويل تعهداتها بشأن المشروعات، وقدم الصندوق العربي للإنماء مساهمة بقيمة 75 مليون دولار لإنشاء طريق السلام، الذي يربط شمال السودان بجنوبه.

كما أعلن الصندوق استعداده للمساهمة بمبلغ 10 ملايين دولار لبناء محطات لتنقية المياه، وحفر آبار وبناء سدود صغيرة في الجنوب.

كما أعطى الصندوق الكويتي للتنمية أولوية لتمويل مشروع إعادة تأهيل النقل البحري. أما الصندوق السعودي للتنمية فتعهد بتمويل إنشاء سد مروى بقيمة 300 مليون دولار. كما تعهد صندوق أبو ظبي بتمويل مشروعات في مجال السكك الحديدية.

وكذلك تعهد البنك الإسلامي بإنشاء 25 مركز صحي لمكافحة الملاريا.

وعُقد الاجتماع التنسيقي الثالث في يونيه 2003، لمتابعة المشروعات التي دخلت مرحلة التنفيذ، والتي أُعلن عنها، مثل مشروع شبكة مياه جنوب السودان، ومشروع طريق السلام، ومشروع مدارس البنك الإسلامي للتنمية، ومشروع كهرباء مناطق جبال النوبة لإنشاء 34 مولد كهربائي في 17 منطقة، ومشروع إنشاء 52 موقعاً خدمياً في جنوب السودان، ومجمعاً سكنياً كامل المرافق والخدمات والصحة والتعليم، وإعادة تأهيل مدينة جوبا.

أما الاجتماع التنسيقي الرابع، فعُقد في أواخر عام 2003، لمتابعة تنفيذ المشروعات وتقديم مساهمات جديدة، حيث أسهمت دولة قطر بـ 703.082 ألف دولار، والحكومة السودانية بمائة ألف دولار، وليبيا بمليون دولار، وسورية بنصف مليون دولار، والهيئة العربية للاستثمار بـ 20 ألف دولار.

كما شاركت الجامعة العربية، من خلال د. نادية مكرم عبيد، مبعوث الأمين العام للسودان، في الاجتماع التنسيقي للمانحين الدوليين بشأن السودان، والذي عُقد في هولندا أول مارس 2003.

كما رعت الجامعة العربية مؤتمر المنظمات العربية غير الحكومية المنعقد في الخرطوم في 8 – 9 مارس 2003، بغرض حشد التأييد واستقطاب الدعم لجهود السلام والوحدة، وإعادة إعمار جنوب السودان.

إضافة إلى رعاية الجامعة العربية لورشة عمل بعنوان "تطلعات وتحديات المجتمع المدني في وادي النيل مصر والسودان"، 12 – 15 مايو 2003. وقد شارك في الندوة ممثلون عن المنظمات الأهلية في مصر ومن شمال وجنوب السودان وقيادات شعبية وإقليمية ودولية.

ب. كينيا

لعبت كينيا دوراً محورياً للارتكاز عليه، ومحطة رئيسية لاستقبال جلسات التفاوض خلال عام 2003. فقد استضافت ورشة عمل في يناير 2003 بعد فشلها في إقناع الحكومة السودانية بوثيقة الإيقاد التي ركزت على المناطق المهمشة.

وخلال شهر فبراير 2003، استضافت أطراف الصراع، ونجحت مع شركاء الإيقاد في إقناع الأطراف بتوقيع مذكرة تفاهم حول تقاسم السلطة والثروة ووقف الأعمال العدائية.

ومواصلة لجهود كينيا في دعم السلام في السودان، زار الخرطوم الجنرال لازاراس سيمبويو، المبعوث الكيني للسلام، حيث بحث قضية تبعية ثلاث مناطق متنازع عليها بين الخرطوم وحركة قرنق، وهي جنوب النيل الأزرق، وأبيي، وجبال النوبة، التي يطلق عليها اسم (المناطق المهمشة).

وفي 23 فبراير 2003، صدر بيان مشترك في الخرطوم عقب لقاء المبعوث الكيني، الدكتور غازي صلاح الدين، مستشار الرئيس السوداني لشؤون السلام. وفي البيان، أكّد الجانبان أن مفاوضات منفصلة بشأن المناطق الثلاث، ستجرى خارج مسار مفاوضات السلام، التي ترعاها منظمة الإيقاد، تحت رعاية الحكومة الكينية.

وفي الأول من مارس 2003، استقبل العقيد جون قرنق، الجنرال سيمبويو، في مدينة رمبيك، الخاضعة لسيطرة حركته، وشهدا معاً مباراة في كرة القدم، ورقصات شعبية، حضرها أكثر من عشرين ألف شخص، في ميدان الحرية بالمدينة.

وحاولت إزاحة الخلافات على مستوى القمة، بعد دعوة الرئيس الكيني إلى لقاء ثلاثي بين البشير وقرنق، إلاّ أن اللقاء لم يحقق أي نتائج.

استضافت كينيا سبع جولات تفاوضية، أثمرت عن توقيع بروتوكول الترتيبات الأمنية في سبتمبر 2003، واستمرت في دعمها للتفاوض خلال جولات نيفاشا الثانية والثالثة، خلال شهري أكتوبر وديسمبر 2003.

حصل الدور الكيني لتحريك عملية التفاوض على دعم وموافقة الحكومة السودانية، على الرغم من انحيازه أحياناً إلى جانب الحركة الشعبية، للروابط الأفريقية ورفضها لإقامة نظام إسلامي على حدودها مع السودان. وترى الحكومة السودانية أن كينيا هي الدولة الوحيدة التي لا يوجد بينها والسودان نزاعات سياسية أو حدودية.

ج. أوغندا

في 8 فبراير 2003، بحث عسكريون من أوغندا، مع نظرائهم السودانيين، علاقة كمبالا بالحركة الشعبية لتحرير السودان، ووسائل تطوير البروتوكول الموقع بين البلدَين، الذي يسمح لأوغندا بمطاردة جيش الرب المناوئ لها داخل الأراضي السودانية.

وفي 9 فبراير 2003، أعلنت الحكومة الأوغندية، أنها طالبت منسوبي الحركة الشعبية في أراضيها بتسليم أسلحتهم، والبقاء في معسكرات اللاجئين. وقال الفريق محمد بشير سليمان، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، رئيس الوفد السوداني للمحادثات الأوغندية ـ السودانية: إن زيارة الوفد إلى أوغندا، يمكن أن تؤدي دوراً كبيراً في مسيرة السلام؛ وإنه بحث مع الرئيس يوري موسفيني، القضايا المتعلقة بالسلام، "ولمسنا منه بعض التقدير لما تقوم به الحكومة السودانية في مقاومة جيش الرب". وأضاف: "إن لقاءاته بقادة القوات الأوغندية، اتسمت بالوضوح والصراحة، فيما يتعلق بعلاقة أوغندا بالحركة الشعبية، وأثر ذلك في مسيرة السلام".

ويشير مسؤولون في الحكومة السودانية ـ باستمرار ـ إلى تمتع الحركة الشعبية بحرية التحرك في الأراضي الأوغندية، وإلى علاقات الصداقة التي تربط الرئيس الأوغندي، يوري موسفيني، بالعقيد جون قرنق، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان.

وفي 23 فبراير 2003، وافقت حكومة الخرطوم مع أوغندا على بروتوكول أمني، يحظر أي نشاط مسلح للحركة الشعبية لتحرير السودان، التي يقودها جون قرنق، داخل أوغندا. كما يحظر على كمبالا استخدام أراضيها لعبور معدات أو مؤن عسكرية لحركة قرنق. واتفقا على تبادل المعلومات بين سلطات البلدَين بهذا الخصوص.

وفي المقابل، وافق السودان على تمديد وجود قوات أوغندية في جنوب البلاد، لتعقب متمردين مناوئين لنظام كمبالا، ينطلقون من الأراضي السودانية، يعرفون باسم "منظمة جيش الرب".

ووقع البروتوكول عن الجانب السوداني، وزير الدفاع، اللواء بكري حسن صالح. كما وقع عن الجانب الأوغندي، وزير الدفاع، أماما مبازي.

ونص البروتوكول على وقف وحظر نشاط حركة قرنق، أو أي حركات معارضة أخرى داخل أوغندا. وتضمن عدم السماح للحركة الشعبية، والحركات المعارضة الأخرى، بالإعداد والتخطيط لأي عملية معادية، تنطلق من داخل الأراضي الأوغندية. كما حظر على كمبالا تدريب مقاتلين معارضين للخرطوم، أو تقديم أي نوع من المساعدة العسكرية لهم.

وذكرت مصادر في الخرطوم، أن وزير الدفاع الأوغندي، التقى الرئيس السوداني، عمر البشير، وبحث معه العلاقات الثنائية، وبعض الموضوعات الأخرى. وذكر أن العلاقات بين البلدَين في تطور مستمر. وأشار إلى قرب وصول السفير الأوغندي لتسلم مهامه بالخرطوم. وعبر الوزير الأوغندي عن تقديره للتطورات الإيجابية في مسار عملية السلام بالسودان، وتمنى أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق على إنهاء الحرب.

د. منظمة الإيقاد

(1) استئناف محادثات السلام السودانية

بدعوة من الوسطاء، وبرعاية منظمة الإيقاد، استؤنفت محادثات السلام بين الحكومة السودانية والجبهة الشعبية لتحرير السودان، في العاصمة الكينية، نيروبي، في 23 يناير 2003.

وفي الجلسة الافتتاحية للمفاوضات، قال مبعوث الإيقاد، لزاراس سيمبويو: إنه يجب الأخذ بعين الاعتبار عدم التضحية بثروة البلاد وشعبها، على مذبح الطموحات الشخصية.

وفي 31 يناير 2003، تواصلت المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، في ظل أجواء يسودها الهدوء لأول مرة، عدة أيام، بعد تبادل اتهامات بخرق هدنة هشة. وأوضح الناطق باسم الحركة الشعبية للصحافيين، أن المفاوضين من الجانبَين، يعكفون على دراسة آلية جديدة لمراقبة وقف العدائيات، من شأنها أن تتيح للمفاوضين العمل في هدوء دون وقوع عمليات عسكرية، وأضاف أن المفاوضات مستمرة في مناقشة قضيتَي السلطة والثروة.

وفي ختام الجولة الثالثة من المفاوضات، التي أجريت في مدينة كرت الكينية، أعلن فريق الوساطة التابع للسلطة الحكومية للتنمية (الإيقاد)، في بيان، أن مفاوضي الحكومة السودانية والحركة الشعبية، الذين يخوضون حرباً، منذ عام 1983، اتفقوا على عدد كبير من النقاط، في إطار حكومة وحدة وطنية مقبلة، تمثل شريحة واسعة من السكان. وأضاف البيان أن الإعلان، يتوّج جولة ثالثة من المفاوضات بين الجانبَين، في العاصمة الكينية. وستستأنف المفاوضات بين الجانبَين، في مطلع مارس 2003.

وتتضمن نقاط الاتفاق: عملية إعادة النظر في الدستور، ووسائل إعداد دستور انتقالي. وقال البيان حول مسألة تقاسم الثروة: إن تقدماً كبيراً قد أحرز، وتقررت إجراءات، تتعلق بالقطاع المصرفي والسياسة النقدية وإنشاء لجنة نفطية.

(2) الجولة الرابعة لمفاوضات السلام

في 7 أبريل 2003، بدأت في نيروبي الجولة الرابعة من مفاوضات السلام، بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، لبحث المسائل الأمنية خلال الفترة الانتقالية المقبلة.

وقال الجنرال الكيني المتقاعد، لازاروس سيمبويو، الذي يرأس المحادثات، في افتتاح الجلسة: إن الجانبَين مستعدان لإطلاق محادثات جادة، تتعلق بقواتهما ومواقع انتشارها، خلال الفترة الانتقالية، وحول استيعاب المقاتلين، بعد انتهاء الحرب. وأعلن الجنرال سيمبويو عن إرسال فريق استطلاع من منظمة الإيقاد إلى السودان، في إطار بعثة لمراقبة وقف إطلاق النار في جنوب السودان.

(3) الجولة الخامسة لمفاوضات السلام

في 7 مايو 2003، انطلقت في ماشاكوس في كينيا الجولة الخامسة من مفاوضات السلام، بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، لبحث أهم القضايا المتبقية، وهي الجولة التي يعدّها المراقبون حاسمة لتحقيق سلام عادل، طال انتظاره؛ وإنهاء حرب أهلية، دامت، في مرحلتها الثانية، عشرين عاماً، سقط خلالها نحو مليونَي قتيل. ومنذ اختتام الجولة الرابعة، في أبريل 2003، مرّت بالبلاد أحداث كبيرة؛ من بينها، تطورات عسكرية في دارفور، واحتلال مجموعة مسلحة مطار الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، واحتلال المجموعة ذاتها لمدينة مليط، ثانية أكبر مدن الولاية، واجتماعات المعارضة السودانية، في العاصمة الإريترية، أسمرة، وإعلانها فتح باب مفاوضات مع الحكومة، التي أطلقت مبادرة جديدة في اتجاهها. وعلى الصعيد الخارجي، جاءت الحرب الأمريكية ـ البريطانية على العراق، لتضع ظلالاً على مجريات الأحداث في السودان والمنطقة.

وقد شهدت محادثات الجولة الخامسة خلافات واسعة بين طرفَي التفاوض، حول وضع آلية مراقبة وقف إطلاق النار موضع التنفيذ، وإدراج قضية المناطق المهمشة الثلاث في بنود المحادثات.

وطالب الوسطاء طرفَي التفاوض بتحديد وجهات نظرهما في بنود قضايا السلطة والثروة، والترتيبات الأمنية، والمناطق المهمشة. وقال المتحدث باسم الحركة الشعبية، ياسر عرمان: "إن الحركة تعكف حالياً على دراسة كافة المسائل، وتسليم وجهة نظرها بشكل شامل ونهائي للوسطاء". ومن المنتظر أن يتلقى المفاوضون تقريراً من خبراء البنك الدولي والمنظمات الدولية، حول موضوعات اقتسام السلطة والثروة.

وفي 16 مايو 2003، قدم طرفا النزاع السوداني، وبشكل شامل، مواقفهما حول كافة القضايا التي ستشكل عناصر الاتفاق النهائي، والتي تتضمن بروتوكول ماشاكوس، بما في ذلك قضية السلطة والثروة، والمناطق المهمشة الثلاث، والترتيبات الأمنية، إلى الوسطاء.

وأكد المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان، أن جولة المفاوضات الحالية، التي دخلت أسبوعها الختامي، لم تشهد لقاءات مباشرة من الطرفَين، إلا في موضوع الثروة؛ لوجود خبراء من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلا أن الطرفَين لم يتوصلا إلى اتفاق في موضوع الثروة.

وأشار المتحدث باسم الحركة الشعبية إلى أن هناك خمس قضايا رئيسية، تشكل القضايا التي يمكن ـ إذا تم حلّها ـ أن تؤدي إلى اتفاق سلام نهائي، وهي: وجود جيشَين، في الفترة الانتقالية؛ والمناطق الثلاث؛ وموضوع العاصمة القومية؛ وملكية الأرض؛ وتوزيع عائدات النفط في الثروة؛ ومؤسسة الرئاسة.

وفي 21 مايو 2003، اختتمت جولة المفاوضات السودانية الخامسة، في ماشاكوس، بالاتفاق على تفعيل آلية وقف إطلاق النار، وذلك بعد عملية شدّ وجذب بين طرفَي النزاع، استمرت أسبوعاً. واتفق المتفاوضون على تشكيل آلية مراقبة، تتكون من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وإيطاليا، والنرويج؛ إضافة إلى منظمة الإيقاد، ومنظمة الوحدة الإفريقية.

واتفق الطرفان على أن يزور وفد جنوب السودان، فوراً، لتحديد مناطق نشر المراقبين، ووضع الاتفاق موضع التنفيذ. وقال عضو الوفد الحكومي، الدرديري محمد أحمد، إن الجولة الخامسة انتهت وفق المنهج الجديد للتفاوض، الذي تم إقراره أخيراً. وقال: سيتم التفاوض خلال الجولات اللاحقة حول موضوعات قسمة الثروة والسلطة، والترتيبات الأمنية، والمناطق الثلاث؛ مشدداً على أن قضية المناطق  الثلاث ستناقش في جولة خاصة.

في 26 يوليه 2003، طرحت منظمة الإيقاد وثيقة جديدة للاتفاق، أُطلق عليها "مذكرة ناكورو"، تركزّ على تقاسم السلطة والثروة والقضايا الأمنية، وقام الجنرال "سمبويا"، مبعوث منظمة الإيقاد، بجولات دبلوماسية في الخرطوم وجنوب السودان لتسويق الوثيقة، إلا أن الحكومة السودانية والأطراف الجنوبية المؤيدة لها رفضت الوثيقة، مع موافقة الحركة الشعبية عليها.

وعقب الجولتين السادسة والسابعة من المفاوضات، تمكنت منظمة الإيقاد من تقريب نقاط الخلاف، وتوقيع بروتوكول الترتيبات الأمنية في 25 سبتمبر 2003.

واستكمالاً لجهود المنظمة، نجحت في عقد جولتين للتفاوض في نيفاشا، في أكتوبر وديسمبر 2003، تمكنت فيهما من إزالة معظم الخلافات حول اتفاق تقاسم الثروة، ولكن تأجل التوقيع على الاتفاق إلى أوائل عام 2004.

هـ. مصر

في الأول من يناير 2003، زار وزير الإعلام المصري، صفوت الشريف، الخرطوم، مشاركاً في الاحتفالات بالذكرى السابعة والأربعين لاستقلال السودان الذي أقيم لأول مرة في مدينة ملكال، حاضرة ولاية أعالي النيل بجنوب السودان. وأمام جمع غفير من الحاضرين، الذين كانوا يهتفون: (لا لشمال من دون جنوب، ولا لجنوب من دون شمال)، ألقى الوزير المصري خطاباً، أكدّ فيه على وحدة السودان، تراباً وشعباً. وأشار إلى أن الاحتفال في ملكال له مغزى ومعنى، ويؤكد على الوحدة القومية للسودان. ونقل للجماهير رسالة من الرئيس المصري، حسني مبارك، أكد فيها أن الاستقلال حققه كل الشعب، الذي سيظل متمسكاً ورافعاً صوته منادياً بوحدته، وحامياً لها.

وفي تطور مفاجئ في علاقات مصر مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وصل الدكتور جون قرنق، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، في 6 أبريل 2003، إلى القاهرة، بشكل مفاجئ، ليقطع الطريق أمام التكهنات التي ظلت تدور حول علاقة مصر بالحركة، منذ بدء انطلاق مفاوضات ماشاكوس، في يولية 2002، على ضوء اعتراض مصر الصريح على المشاركة في أي مفاوضات، يمكن أن تفضي إلى تقسيم السودان، خصوصاً أن المفاوضات لفّها غموض حول بند يتعلق بتقرير المصير وقتها، وكذلك انقطاع زيارات الدكتور قرنق للقاهرة، التي اعتاد زيارتها من وقت لآخر، للتشاور مع القيادة المصرية.

وفي 7 أبريل 2003، اجتمع الرئيس المصري، حسني مبارك، مع قرنق الذي قال عقب اللقاء: إنه أجرى محادثات جيدة بحث خلالها الدور الإيجابي، الذي يمكن أن تؤديه مصر، خلال المرحلة الانتقالية، وخصوصاً بالنسبة للتنمية وتوفير الاعتمادات اللازمة لذلك من جانب الدول العربية. وأعرب عن أمله في التغلب على المصاعب، التي تواجهها المفاوضات بين الحركة والخرطوم، في نيروبي، خاصة ما يتعلق بإجراءات الأمن واقتسام السلطة والثروات.

في 8 أبريل 2003، عقد الرئيسان: المصري، حسني مبارك؛ والسوداني، عمر البشير، قمة طارئة عاجلة في القاهرة. وأوضح وزير الإعلام المصري، صفوت الشريف، أن الرئيسَين ناقشا في القمة التي استمرت عدة ساعات، الحرب على العراق، والقضية الفلسطينية؛ فضلاً عن العلاقات الثنائية، وسبل دعم التعاون الاقتصادي المشترك بين البلدَين.

وأضاف الشريف، أن المباحثات تناولت التعاون بين البلدَين في مجالات مختلفة، شملت الأمن الغذائي، والبنية الأساسية، والربط الكهربائي، والتعمير، والزراعة، والتجارة، بين البلدَين.

وأضاف الشريف، أن مجموعة وزارية مصرية ستزور السودان، لتستكمل ـ على أرض الواقع ـ الدراسات الخاصة باللجنة الاستشارية، لوضع أولوية للمشروعات المطلوب تنفيذها، التي حددتها لجان الخبراء، التي كلفت في البلدَين لبحثها وتنفيذها في الشمال أو الجنوب. وعلى ضوء ذلك، يحدد موعد لانعقاد اللجنة العليا المشتركة لاتخاذ القرارات النهائية في هذا الشأن، بما يحقق خطوات واضحة وعاجلة، وفورية لتحرك وتعاون جاد بين البلدَين الشقيقَين.

وفي تطور مفاجئ في العلاقات المصرية ـ السودانية، فاجأ الرئيس المصري، حسني مبارك، الأوساط: السياسية والإعلامية، في مصر والسودان، بوصوله إلى الخرطوم، في زيارة مفاجئة، في 30 أبريل 2003، هي الأولى منذ تولي الرئيس السوداني، عمر البشير، السلطة، في يونية 1989.

وعقد الرئيسان: المصري والسوداني، جلسة مباحثات اقتصرت عليهما، وناقشا خلالها تطورات جهود السلام في السودان، والأوضاع في الجنوب، ومستقبل الوضع في المنطقة العربية، خاصة فترة الحرب على العراق وما بعدها، وعملية السلام في الشرق الأوسط. ثم عقدت جلسة مباحثات مشتركة، ضمت وزراء من الجانبَين.

وتزامنت زيارة مبارك إلى الخرطوم مع أنباء عن زيارة سرية للعقيد جون قرنق، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان للقاهرة، قبيل ساعات من مغادرة الرئيس المصري إلى السودان.

إعلان القاهرة

في 23 مايو 2003، استضافت العاصمة المصرية، القاهرة، لقاءات بين محمد عثمان الميرغني، رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي؛ والصادق المهدي، رئيس حزب الأمة؛ وجون قرنق، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان. وقد بحث اللقاء التطورات الراهنة في مسار عملية السلام في السودان، وما تتطلبه المرحلة المقبلة من تنسيق الرؤى وتوحيدها، بين الأطراف المعارضة، في مواجهة الحكومة، لإرساء سلام عادل وشامل، وإقامة نظام ديموقراطي تعددي يضمن وحدة السودان.

وفي 24 مايو 2003، أصدر اللقاء بياناً، أطلق عليه: "إعلان القاهرة". وقد حوى الإعلان تأييداً كاملاً لاتفاق ماشاكوس الإطاري للسلام، الذي وقعته الحكومة والحركة الشعبية. وقد عدّ الإعلان الحل السلمي والاتفاق النهائي فرصة تاريخية نادرة للحفاظ على وحدة الشعب، عبر أسس جديدة، وفقاً لما ورد في الإطار.

ومن أبرز ما ورد في الإعلان، أن الأقطاب الثلاثة حسموا نزاعاً ما زال يستعر بين الحكومة والحركة الشعبية، في المفاوضات حول جعل الخرطوم عاصمة قومية، لا تحكم بقوانين الشريعة الإسلامية، كما تطالب الحركة، وترفض الحكومة؛ حيث نص الإعلان على أن "الاتفاق على قومية العاصمة، التي تساوي بين الأديان والمعتقدات كافة، لهو ضرورة لازمة للحفاظ على وحدة البلاد على أسس جديدة".

وقد رحبت الحكومة السودانية بإعلان القاهرة، وعبرت على لسان الدكتور قطبي المهدي، المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، عن ارتياحها، وتمنت لو كانت قد دعيت إليه، ومعها الشرائح المتحالفة معها في الحكم.

وكذلك أيد المؤتمر الشعبي، الذي يتزعمه الترابي، إعلان القاهرة، من دون أدنى تحفظ؛ بل عبر عن ترحيبه حتى بانعقاد القمة الثلاثية في القاهرة. وقد أعلن التجمع الوطني في الخرطوم تأييده للإعلان، وطالب الحكومة بتأييد الإعلان والإسراع بالحل الشامل مسنوداً بإجماع وطني.

في منتصف يوليه 2003، قام الدكتور "عاطف عبيد"، رئيس الوزراء المصري، بزيارة للخرطوم أعقبتها زيارة وفد وزاري مصري، لتوقيع أكثر من خمس عشرة اتفاقية ومذكرة تفاهم لدعم الاقتصاد السوداني.

عقب النتائج السلبية التي أدت إليها جولة ناكورو، خلال يونيه/ يوليه 2003، وما حدث من تباعد في المواقف بين الأطراف، ومطالبة الحكومة السودانية مصر بالتدخل، تحولت القاهرة إلى محور نشاط مكثف حول ملف المفاوضات السودانية.

فقد وصل إلى القاهرة الدكتور "رياك قاي"، رئيس مجلس تنسيق ولايات الجنوب السوداني، الذي تحفظ على وثيقة ناكورو. والتقى قاي بالرئيس "حسني مبارك"، وحصل على موافقته لفتح فرع لجامعة الإسكندرية في مدينة جوبا، عاصمة الجنوب السوداني، إضافة إلى توقيعه على عدد من الاتفاقيات للتعاون الزراعي لإنشاء مزارع نموذجية في الجنوب، بخبرات فنية وعلمية مصرية.

كما وصل "جون قرنق" إلى القاهرة في الأسبوع الأول من أغسطس، لتوضيح موقفه من المفاوضات ومن وثيقة ناكورو، وطمأنة القيادة المصرية حول مسألة وجود جيشين في الوثيقة، وعدم وجود نوايا انفصالية للجنوب.

وفي الوقت الذي كان فيه "قرنق" في القاهرة، وصلها في 11 أغسطس وزير الدفاع السوداني، اللواء "بكري صالح"، على رأس وفد عسكري، والتقى الرئيس مبارك ووزير الدفاع المصري، لبحث سبل دعم التعاون والعلاقات العسكرية.

كما زار كل من وزير الخارجية ومدير المخابرات المصرية الخرطوم، في 2 سبتمبر 2003، لمتابعة تطورت ملف التفاوض ومخاطر تهديد أمن ووحدة السودان، وما يحيط بها من مناخ إقليمي ودولي.

2. الموقف الدولي

أ. الأمم المتحدة

خلال يناير 2003، أجرت منظمة الأمم المتحدة مفاوضات ثنائية مستقلة مع الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، من أجل توزيع المساعدات الإنسانية في منطقة جنوب النيل الأزرق.

بدأ، في 29 مارس 2003، برنامج الغذاء العالمي، واليونسيف، عملية نقل مؤن إنسانية ضرورية لمقابلة الحاجات العاجلة لحوالي 115 ألفا من المواطنين، المتأثرين بالجفاف والحرب في ولاية النيل الأزرق (جنوب شرقي السودان)، في عملية وصفت بأنها الأولى من نوعها في تلك المنطقة. وقال بيان مشترك صادر عن المنظمتَين: "فتحت المنطقة مؤخراً أمام منظمات العون، إثر محادثات مطوّلة منفصلة بين الحكومة والأمم المتحدة والحركة الشعبية لتحرير السودان، في منتصف يناير الماضي. وأعقب ذلك إجراء مسح مشترك، قامت به منظمات الأمم المتحدة، والمنظمات الطوعية، في الشهر الماضي". وأضاف البيان: "وفقاً لذلك المسح، فإن 90 في المائة من سكان المنطقة في حاجة إلى عون غذائي، وأن الوضع أسوأ بين النازحين منهم، الذين تبلغ نسبة الأطفال بينهم 60 في المائة". ومن المتوقع أن يستمر الإمداد الذي تقدمه اليونسيف، ويشمل العقاقير الأساسية، لمدة ثلاثة أشهر. وستعمل، خلال شهر، على إنشاء 120 مضخة مياه، لتوفير المياه الصالحة للشرب لحوالي 30 ألف مواطن. وبدأت المنظمات المعنية بالفعل في إسقاط جوي للمؤن الضرورية، وانطلاقاً من مطار الأبيض بكردفان.

وخلال شهر مايو 2003، وبمبادرة من منظمة الأمم المتحدة، وتحت رعاية منظمة الإيقاد، وقعّ اتفاق شراكة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، حول الاستجابة للحاجات الإنسانية والأمنية والتنموية في جنوب السودان، خلال الستة أشهر الأولى من الفترة الانتقالية.

وفي 13 أكتوبر 2003، وتحت مظلة الأمم المتحدة، أعلنت الحكومة السودانية عن مصادقتها على الاتفاقية الدولية بحظر استخدام وحيازة وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد، وتدمير ما هو متوافر منها. وبدأ سريان التزام الحكومة السودانية بمتطلبات الاتفاقية في أول أبريل 2003، وسوف يتعين عليها تطهير كافة مناطق الألغام حتى أول أبريل 2014.

ب. المفوضية الأوروبية

أوردت وكالة الأنباء السودانية، في 19 يناير 2003، أن المفوضية الأوروبية، نقلت لوزير الدولة في الخارجية السودانية، نجيب الخير، أثناء زيارته لبروكسل، موافقتها على الشروع في تمويل مشاريع، تساعد على تحقيق السلام في السودان. ووعدت بإرسال ثلاثة خبراء لصياغة مشروعات تنموية قصيرة المدى، تسهم في تحقيق السلام وبناء الثقة بين ولايات السودان.

وقال المسؤول السوداني، إن المفوضية أعلنت عن استعداها لإنفاق مليار دولار، بمجرد توقيع اتفاق سلام في السودان، وأنها ستنظم مؤتمراً للمانحين، في مارس 2003، بالتعاون مع هولندا.

وفي أول مارس 2003، عقدت المفوضية الأوروبية اجتماعاً تنسيقياً للمانحين الدوليين بشأن السودان، في هولندا، لمناقشة أعضاء المجتمع الدولي حول إمكانيات التنمية قصيرة الأجل، والتي تغطي الأشهر الستة التمهيدية، وطويلة الأجل، التي تغطي السنوات الست الانتقالية.

وشارك في الاجتماع المانحين الدوليين والترويكا (بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والنرويج)، والأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والاتحاد الأوروبي (فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وبلجيكا، والسويد) واليابان، ومنظمة الإيقاد، وجامعة الدول العربية، والمنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في السودان، وبنك التنمية الأفريقي.

وفي 5 أبريل 2003، زار بول تلسون، المفوض الأوروبي للتنمية، الخرطوم، وأعلن أن الاتحاد الأوروبي صدَّق بمبلغ 190 مليون يورو، هي مستحقات السودان من الاتحاد لدعم الصادرات الزراعية؛ وربط الإفراج عنه بتوقيع اتفاقية سلام نهائي بين كافة الأطراف. وقد انتقد غازي صلاح الدين، مستشار الرئيس السوداني، هذا الموقف، قائلاً: "إن هذا موقف صعب. ولا داعي لربط أي موضوع بالاتفاقيات النهائية".

كما أعلن المفوض الأوروبي، في مؤتمر صحافي، في 5 أبريل 2003، أن الاتحاد صدَّق بمبلغ 200 مليون يورو للمناطق المتأثرة بالحرب، وأن مفوضية التنمية رصدت 20 مليون يورو للصرف على المشاريع العاجلة، وأنها لن تقتصر على منطقة محددة، وإنما تشمل الشمال والجنوب وكل المناطق المتأثرة بالحرب.

ج. بريطانيا

في 12 فبراير 2003، عقد المندوب البريطاني لمفاوضات ماشاكوس، بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، مؤتمراً صحفياً، ضاقت فيه الصالة رقم 11، بمجلس العموم البريطاني بالحضور، الذين قدّم لهم السفير البريطاني السابق، آلان غولتي، ومبعوث الحكومة البريطانية للمفاوضات، تقريراً عن الكثير مما دار في كواليس الاجتماعات.

وقد أوضح غولتي أن جديد الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الطرفَين، جاء في تحملهما ـ لأوّل مرة ـ مسؤولية المضي بالمناقشات وجهاً لوجه، ومباشرة، دون تدخل الوسطاء في قضيتَي الثروة والسلطة. والجديد الآخر هو انضمام نخبة من كبار ضباط الجيش السوداني للمفاوضات، وتأمين المؤسسة العسكرية السودانية على دعمها الكلّي للسلام.

وكشف غولتي أن الطرفَين اتفقا على أن تكون الحدود الجغرافية لجنوب السودان، هي حدود عام 1956، عام استقلال السودان؛ وإن ظلت عقبة مناطق أبيي وجبال النوبة، وجنوب النيل الأزرق، قائمة بين الطرفَين. وقد قررا مناقشتها، في أبريل 2003.

ومن ناحية أخرى، كشف غولتي أن الحكومة السودانية، تريد للجنوب ـ بعد الاتفاق ـ أن يبقي مقسماً إلى عشر ولايات؛ فيما يصرّ وفد الحركة الشعبية على إعادته إلى تقسيمه القديم، المكون من ثلاثة أقاليم، هي: أعالي النيل، وبحر الغزال، والاستوائية.

وللتفكر حول الدور الذي تؤديه بريطانيا في صنع السلام، والدور المرتقب خلال الفترة الانتقالية، التقى غولتي، في الخرطوم، في الأول من مارس 2003، بمجموعة برلمانية سودانية، مختصة بمتابعة عملية السلام. وخلال اللقاء، دعا المبعوث البريطاني إلى مشاركة منظمات المجتمع المدني في قضايا السلام، بعد توقيع الاتفاقية. وأوضح أن بلاده راغبة في تحقيق السلام بأسرع ما يمكن، وتؤمن بالدور الذي يرسخه البرلمان في تعزيز ثقافة السلام، عبر تعبئة الرأي العام في الدوائر، التي ينتمي إليها أعضاء المجلس الوطني.

في 22 مايو 2003، عُقد في لندن ورشة عمل غير رسمية حول أزمة الديون الخارجية السودانية ومقترحات حلها، وإنشاء مجموعة للدائنين المساندين للسودان، لتبدأ عملها بعد توقيع اتفاق السلام.

شارك في اللقاء كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والدانمرك وألمانيا وهولندا والنرويج وإيطاليا وماليزيا وليبيا والإمارات، إضافة إلى الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس وبنك التنمية الأفريقي والصندوق السعودي للتنمية.

وفي تطور مفاجئ للعلاقات السودانية ـ البريطانية، استقبل جاك سترو، وزير الخارجية البريطاني؛ وكلير شورت، وزيرة التنمية الدولية البريطانية، النائب الأول للرئيس السوداني، وتناولت المحادثات تقدير السودان للدور البريطاني في عملية السلام في جنوب السودان، وأهمية استمرار هذا الدعم البريطاني في دفع جلسات التفاوض، الدائر بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة جون قرنق، إلى الأمام؛ وحرص الحكومة السودانية على التوصل لاتفاق سلام في جنوب السودان، بنهاية شهر يونيه 2003.

د. الولايات المتحدة الأمريكية

وفي 16 يناير 2003، عقد المبعوث الأمريكي للسودان، جون دانفورث، مؤتمراً صحافياً، في مبنى السفارة الأمريكية في الخرطوم. وفيه حذر المبعوث الأمريكي الحكومة السودانية من قرب نفاد الوقت المحدد لتحقيق السلام في الجنوب؛ مشيراً إلى أن الأشهر الثلاثة المقبلة، ستكون حساسة جداً وحاسمة بالنسبة لعملية السلام السودانية. وقال: إن هذه الفترة هي المهلة التي حددها قانون سلام السودان، الذي وقعه الرئيس الأمريكي، جورج بوش، في 21 أكتوبر 2002؛ وهو سيقدم تقريره إلى الكونجرس، في نهاية الفترة. وينص القانون على توقيع عقوبات على السودان، إذا لم يتم تحقيق السلام، خلال ستة أشهر من توقيعه.

وفي 28 يناير 2003، هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية ما وصفته بالهجوم الذي شنته القوات الحكومية السودانية على قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان، في جنوب البلاد؛ وهو ما كانت قد نفته الخرطوم، في 27 يناير 2003. وقال بيان لوزارة الخارجية الأمريكية: إن الولايات المتحدة الأمريكية، تعرب عن قلقها العميق من المعلومات، التي تحدثت عن استمرار هجوم، شنته الحكومة السودانية وحلفاؤها، في جنوب البلاد؛ وعن حشد قوات وحاميات في الجنوب.

وأبلغ مصدر مسؤول في السفارة الأمريكية بالخرطوم الصحافيين، أن الإدارة الأمريكية استجابت لطلب من الجنرال سيمبويو، كبير وسطاء، بإرسال فريقَين لمراقبة وقف العدائيات، أحدهما لتقصي الحقائق في الجانب الحكومي، والثاني في جانب الحركة؛ وإن الفريقَين الآن في الموقفَين. وأضاف المصدر، أن القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم، سيتوجه في صحبة الفريقَين إلى نيروبي، في 29 يناير 2003، لتسليم كبير الوسطاء نتائج عملهما.

وفي واحد من أعلى المستويات من الاتصالات، منذ سنوات، ناقش وزير الخارجية الأمريكي، كولن باول، مع مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السوداني، في واشنطن، في 22 مايو 2003، الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة السودانية وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان، بزعامة جون قرنق.

وفي 28 مايو 2003، التقى وزير الخارجية الأمريكي، كولن باول، في واشنطن، الدكتور جون قرنق، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان. وفي اللقاء أكد باول أن الولايات المتحدة الأمريكية، ستلقي بثقلها من أجل الوصول إلى سلام عادل في السودان.

وفي 29 مايو 2003، عقد قرنق عدداً من اللقاءات مع مسؤولين أمريكيين، بينهم السيناتور بيل فريست، رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي تربطه علاقات قديمة بالحركة الشعبية، وزار المناطق التي تخضع لها أكثر من مرة. كما التقى مسؤولين من وزارة الدفاع الأمريكية، إضافة إلى لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان.

وخلال شهر يونيه 2003، موّل صندوق سلام السودان، الذي أسسته وكالة التنمية الدولية التابعة للخارجية الأمريكية، مؤتمر سلام أعالي النيل الذي حضرته الحركة الشعبية لتحرير السودان، مع غياب المجموعات السياسية والفصائل المسلحة الأخرى في أعالي النيل.

على أثر رفض الحكومة السودانية وثيقة ناكورو، يوليه 2003، زار "جون دانفورث"، مبعوث الرئيس الأمريكي للسلام في السودان، القاهرة والخرطوم ونيروبي في منتصف يوليه 2003، مع مبادرة واشنطن إرسال مجموعة خبراء لمناقشة النقاط الخلافية.

وجه "دانفورث" في انتهاء جولته تحذيراً لأطراف التفاوض بأنه لم يعد متاحاً الاستمرار في التفاوض دون سقف زمني محدد، مشيراً إلى قرب نفاذ التمويل المخصص لذلك.

كما مارس الطرف الأمريكي ضغوطاً متعددة على الحكومة السودانية، منها الاتصال الهاتفي لوزير الخارجية الأمريكي "كولن باول" بنائب الرئيس السوداني "علي عثمان طه"، وهو يستقل طائرة الرئيس بوش أثناء جولة الرئيس الأمريكي في بعض دول أفريقيا. وذلك فور الإعلان عن انتهاء جولة ناكورو دون نتائج، حيث طلب باول من عثمان أن تبذل الخرطوم جهداً أكبر للتغلب على العقبات المتبقية.

بذلت الإدارة الأمريكية جهوداً إضافية لتسريع وإنجاح الجولة السابعة للمفاوضات في نيفاشا/ كينيا، سبتمبر 2003، حيث أعلنت نيتها التقدم بمقترحات وتعديلات من شأنها تسهيل عملية الاتفاق.

فقد وصل "والتر كانشتاير"، مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، والتقى أطراف النزاع، كما زار وفد من مركز الدراسات الدولية والأفريقية في واشنطن الخرطوم. وتنبع أهمية المركز من استناد السياسة الأمريكية على مقترحات المركز، إزاء الأزمة السودانية بشكل كبير.

كما صدرت بعض التصريحات الأمريكية التي تشدد وتحذر الأطراف، وتدعو إلى سرعة الوصول لحل الأزمة. واستخدمت الإدارة الأمريكية سياسة الترغيب والترهيب. وعينت "جيف ملينجتون" القائم بالأعمال الأمريكي سابقاً في السودان، ممثلاً لها في المفاوضات.

كما شارك وزير الخارجية الأمريكي "كولن باول" في إحدى جولات نيفاشا/ كينيا، سبتمبر 2003، وحث الأطراف على التوصل إلى اتفاق سلام شامل في نهاية 2003. وصرّح الطرفان المتفاوضان بأنهما يأملان في ذلك بنهاية عام 2003. أو بداية عام 2004.

ونجحت الجهود والضغوط الأمريكية على الأطراف في الاتفاق على بروتوكول الترتيبات الأمينة، 25 سبتمبر 2003، وعدّته الإدارة الأمريكية إنجازاً كبيراً لمسيرة السلام في السودان، وإنجازاً آخر لإصلاح الآثار السلبية بعد غزو العراق، وإنجازاً ثالثاً لتحسين صورة الرئيس بوش كرجل سلام، مع اقتراب موعد انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية للتجديد لفترة رئاسية ثانية.