إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشكلة الصحراء الغربية (البوليساريو)





أماكن الاستعمار الفرنسي والإسباني
الحدود المغربية "المغرب الكبير"
الحرب الجزائرية ـ المغربية

ولايات المغرب العربي
الأهمية الاقتصادية للصحراء الغربية
المدن ومراكز التوطن الرئيسية
التقسيم الإداري والجغرافي
الدولة البربرية بشمال أفريقيا
الحدود التقريبية للمغرب العربي
الفتوحات الإسلامية من 22 – 64 هـ
الفتوحات الإسلامية من 69 – 92 هـ
توزيع المجموعات القبلية
تقسيم الصحراء الغربية
حدود موريتانيا والصحراء الغربية



الأكــــراد

المبحث الثاني

النزاع حول الصحراء الغربية وتباين مواقف أطراف النزاع

شهدت السنوات الأولى من عهد الاستقلال، تعاون بين السلطة الحاكمة في المغرب (الملك)، وبين حزب الاستقلال، الذي كان قد حدد برنامجه وأهدافه في إقامة المغرب الكبير، على أن يمتد حتى حوض السنغال، ولذلك يطالب بسيادة المغرب على هذه المناطق. ولنشر هذه الدعوة أصدر الحزب "مجلة الصحراء"، التي كانت تنشر العديد من البحوث، التي تؤكد الصلات الوثيقة بين هذه المناطق والمغرب العربي اجتماعياً وتاريخياً وثقافياً، وقد وصلت هذه المطالبات إلى صدام مسلح، خاصة بعد أن هاجمت القوات المغربية غير النظامية سيدي إيفني، في أوائل 1958. وكذلك استمرت في مهاجمة طرفاية والساقية الحمراء ووادي الذهب والمناطق الشمالية بموريتانيا. وانضمت إلى هذه العمليات قبيلة الرقيبات، وهي من أكبر القبائل في إقليم الصحراء ومن أكثرها ولاءً للمغرب ، إلا أن القوات الفرنسية والأسبانية تمكنت من إيقاف هذه الهجمات، وطردت القوات المغربية غير النظامية خارج وادي الذهب، وغيرها من المناطق، التي كانت ما تزال تحت الإدارة الأسبانية. وقد وجدت الإدارة الأسبانية أنه من الحكمة، عدم تصعيد المواجهات بينها وبين القوات المغربية غير النظامية، حرصاً على علاقتها مع الدول العربية الأخرى. وترتب على ذلك، بالفعل، تنازل أسبانيا عن منطقة طرفاية إلى المغرب، في أبريل 1958، على أثر المحادثات، التي جرت بين المغرب وأسبانيا. إلا أن وجود أسبانيا استمر في المناطق الأخرى جنوب المغرب، في سيدي إيفني والصحراء الأسبانية ـ الصحراء المغربية ـ التي أصبحت من المطالب المغربية. وبدأت أسبانيا في التنازل عن المناطق ذات الأهمية الاقتصادية المحدودة للمغرب، على أن تتغاضى المغرب عن مطالبتها بالمناطق ذات الموارد الاقتصادية. فبعد أن تنازلت أسبانيا عن طرفاية عام 1958، تنازلت أيضاً عن سيدي إيفني في عام 1969، وفي الوقت ذاته عمدت إلى اتخاذ خطوات تدعم فصل الصحراء عن المغرب، وذلك بمنحها شخصية محلية. كما أسست مجلساً محلياً لإدارة الإقليم. وفي 17 نوفمبر 1957 نشأت حركة مقاومة مسلحة لتحرير الصحراء، حيث شنت جبهة البوليساريو عمليات عسكرية ضد المغرب وأسبانيا. ومع تأكيد أسبانيا استمرار سيادتها على إقليم الصحراء، بدأ يتضح الخلاف والتوتر بين المغرب والجزائر وموريتانيا، وتعددت محاولات توفيق وجهات النظر بين الدول الثلاث، إلا أن حدة الخلاف زادت، ووصلت في إحدى مراحله إلى صراعات مسلحة. وعلى الرغم من تعدد المحاولات لاحتواء هذا الصراع، كان يوجد تباين كبير في مواقف أطراف النزاع، ما أدى إلى استمرار المشكلة حتى الآن.

أولاً: أثر العلاقات الأسبانية ـ المغربية في مشكلة الصحراء الغربية

تأثرت العلاقات الأسبانية ـ المغربية، إلى حدٍّ كبير، بالعلاقات الأسبانية ـ العربية عامة. فقد رغبت أسبانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، في إيجاد تقارب بينها وبين الدول العربية، خاصة بعد نشوء جامعة الدول العربية. وكان الجنرال فرانكو يستهدف من هذا التقارب، إخراج أسبانيا من عزلتها السياسية؛ إذ إن نظامها في الحكم المطلق، لم يكن من ذلك النوع، الذي يقّربها من الدول الغربية. فبادر، في أبريل 1952، إلى إرسال وزير خارجيته، ألبيرت أرتاخو، إلى دول الشرق العربي، حيث نجح في مسعاه؛ لأن أسبانيا كانت، في ذلك الوقت، لا تزال تتمتع بمنزلة رفيعة، في بلدان أمريكا اللاتينية. وكان تأييد هذه الدول للحكومات العربية، في الأمم المتحدة، مهماً جداً، للنزاع العربي ـ الإسرائيلي. وتمخضت مهمة أرتاخو عن ميلاد عهد جديد مـن الصداقة العربية ـ الأسبانية، تردد صداها في تصريح عبدالرحمن عزام، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي جاء فيه، أن الأسبان والعرب، هم كالإخوة.

وترك هذا التقارب أثره في العلاقات الأسبانية ـ المغربية؛ إذ إن أسبانيا، لم تكن مستمسكة بنفوذها في شمال المغرب. وإنما كانت تنتظر فقط، أن تسبقها فرنسا في الجلاء عن المنطقة، لكونها الدولة الرئيسية الحامية للمغرب؛ بل كانت مدريد تشجع، سِراً، الوطنيين المغاربة؛ كما اعترضت على خلع فرنسا السلطان محمد الخامس. ومـع ذلك، فقد كانت أسبانيا تميز بين المحمية، التي تفرض وجودها فيها، قبل اتفاقية التقسيم مع فرنسا، عام 1912، وقد تركتها للمغرب، عند إعلان استقلاله، في مارس 1956؛ وبين مناطق، كانت تستعمرها منذ زمن أبعد، ولمّا تزل تستمسك بها؛ وهي: سبتة ومليلة، في شمالي المغرب، وسيدي أفني، وسط الساحل الجنوبي المغربي، ثم طرفاية وإقليم الصحراء، في الجنوب.

وشهدت السنوات الأولى من عهد الاستقلال، تعاون القصر الملكي في المغرب، مع حزب الاستقلال، الذي كان ينادي بالمغرب التاريخي، أو "المغرب الكبير"، الذي يمتد إلى حـوض السنغال؛ وضرورة عودة مناطقه السليبة إلى أصحاب السيادة الشرعيين. ولنشر دعوته، أصدر مجلة خاصة، أسماها "الصحراء"، نشرت العديد من الأبحاث، التي تثبت الصِلات، الاجتماعية والتاريخية والثقافية، لتلك المناطق بالمغرب واستحالت المطالبة بتلك المناطق، تصادماً مسلحاً، حينما بدأت قوات مغربية، غير نظامية، بمهاجمة سيدي أفني، في ديسمبر 1957؛ وأغارت على طرفاية والساقية الحمراء ووادي الذهب، والمناطق الشمالية من موريتانيا. وظاهرت تلك العمليات قبيلة الرقيبات، أعظم القبائل قوة، في إقليم الصحراء، ومن أكثرها ولاءً للمغرب.

سارعت القوات الفرنسية، في الجزائر وموريتانيا، إلى مساندة القوات الأسبانية، في يناير 1958، ومعاونتها على قمع تلك الحركات، وطرد القوات المغربية، غير النظامية، خارج ريودي أورو، وغيـرها من المقاطعات، الخاضعة للإدارة الأسبانية غير أن الحكومة الأسبانية، ارتأت عدم تصعيد النزاع بينهـا وبين المغرب، خوفاً علـى علاقاتها بالدول العربية الأخرى. فأضافت إلى تنازلها للمغرب عن مناطق نفوذها الشمالية، التي كانت قد ضمت إليها، بموجب الاتفاق الأسباني ـ الفرنسي، المُوقع بمدريد في 27 نوفمبر عام 1912 ـ تنازلات أخرى، شملت بعض مناطق نفوذها جنوب المغرب. فتخلت، في أبريل 1958، عن منطقة طرفاية، على أثر المحادثات، التي جرت بين المغرب وأسبانيا، في البرتغال.

دأبت الحكومة المغربية على المطالبة بالمناطق الأخرى، في سيدي أفني والصحراء الأسبانية. ووافقت ميل أسبانيا إلى التنازل عن المقاطعات الفقيرة، في مقابل تغـاضي المغرب عن مطالبته بالمقاطعات الغنية الأخرى. فتنازلت مدريد، عام 1958، عن طرفاية، وعام 1969، عن سيدي أفني. وقابلتها الرباط بإغفال منطقتَي سبتة ومليلة، الغنيتَين بالفوسفات، واللتَين يكثر فيهما الأسبان، مركزة اهتمامها في الأقسام الجنوبية، التي نجحت في ضمها، باستثناء منطقة الصحراء، بمقاطعتَيها الشهيرتَين، ريودى أورو والساقية الحمراء؛ ثم انبرت، في الستينيات، تطالب بضم موريتانيا إليها، المتضمن، استطراداً، ضم تلك الصحراء.

ولا شك أن المغرب، استهدف في صراعه مع الجزائر، حول الحدود، إيجاد حلقة اتصال جغرافية، بينه وبين موريتانيا، التي يفصله عنها إقليم الصحراء؛ إلاّ أن النزاع على الحدود، سُوّي على أساس استمرار الوضع، القائم منذ الاستعمار، أي استمرار اتصال الحدود الجزائرية بالصحراء.

واللافت أن أسبانيا، عمدت، على الرغم من تخلّيها للمغرب عن بعض مناطق نفوذها، إلى اتخاذ خطوات، تدعم فصل الصحراء عن المغرب؛ وذلك بمنحها شخصية محلية، من طريق تكوين مجلس عمومي، قوامه اثنان وأربعون عضواً. فتبنى بعضهم فكرة الاتحاد مع المغرب. بينما ارتأى الآخرون الاستقلال. وطالبوا، الحكومة الأسبانية، في يوليه 1973، بإيجاد جهاز إداري، من أبناء الصحراء، وتهيئة الظروف الملائمة، ليضطلع ذلك الجهاز بالإدارة الذاتية، كمرحلة أولى نحو الاستقلال.

وقد وجه الجنرال فرانكو، في يونيه 1974، بياناً إلى سكان الصحراء، جاء فيه:

·   تأكيد أن الشعب الصحراوي، هو، وحده، الذي يملك إرادته. ولذلك، فإن أسبانيا ستدافع عن تلك الإرادة.

·   ضمان أسبانيا وحدة إقليم الصحراء؛ وإمعانها في تحقيق التطور، الاقتصادي والاجتماعي، وازدهار الدين الإسلامي؛ وإعلانها أن ثروات الصحراء هي من حق أبنائها.

·   تطبيق تقرير المصير، حينما يكون شعب الصحراء في وضع، يمكنه من تحمّل تبعاته والتزاماته. وتمهيداً لذلك، ستسن أسبانيا نظاماً خاصاً بالصحراء، يضمن مشاركتها، تدريجياً، في تسيير شؤونها، ويفضي إلى تحمّل مسؤولياتها، في نطاق من التكامل.

ومع تأكيد هذه الحقوق، تضمن البيان ما يفيد استمرار السيادة الأسبانية. ويعني ذلك أن أسبانيا، هي التي تمثل إقليم الصحراء، في الشؤون الخارجية، وتتولى شؤون الدفاع. وقد ترتب على الموقف الأسباني توتر في العلاقات المغربية ـ الأسبانية. وإزاء توتر الموقف بين موريتانيا والمغرب والجزائر، من ناحية، وأسبانيا، من ناحية أخرى، شكلت مسألة الصحراء، وضعاً متأزماً، تبنّاه كثير من المنظمات، الدولية والإقليمية، كالجامعة العربية، ومنظمـة الوحدة الأفريقية، والأمم المتحدة، التي اعتمدت في كثير من القرارات، التي أصـدرتها في شأن مسألة الصحراء، على قرارات تلك المنظمات.

ثانياً: موقف أطراف النزاع حول إقليم الصحراء الغربية

يُعد المغرب الكبير مطلباً إقليمياً مغربياً، تجسدت أهميته عندما نشر علال الفاسي[1] عام 1955 خريطة تحدد هذه الأمة[2]، وتضم في حدودها كولمب بشار في الجزائر والصويرة وتوات وتندوف الجزائرية والصحراء الغربية والأراضي الموريتانية. وتمتد حدود هذه الأمة إلى نهري النيجر والسنغال في الجنوب. وأكد أن هذه الحدود تم فرضها منذ عهد دولة المرابطين، التي كانت تمتد من السنغال إلى قشتالة ومن برقة إلى الأطلسي (اُنظر شكل الحدود المغربية "المغرب الكبير"). وكان الملك محمد الخامس قد اعتمد في حكمه على فكرة المغرب الكبير، خاصة وأن جميع التيارات السياسية في المملكة المغربية كانت تجمع على هذه الفكرة وتدعمها، سواء كانت هذه التيارات مؤيدة للنظام أو معارضة له. وعندما انتهت الحماية الأوروبية على المغرب العربي، واسترجع الملك سلطاته، تمسك الملك محمد الخامس وأقطاب حزب الاستقلال بفكرة أن موريتانيا والصحراء الغربية جزء من المملكة المغربية. وعمل الملك محمد الخامس على ربط مستقبله السياسي بتلك الفكرة التاريخية، بهدف إضفاء الشرعية وتدعيم النظام الملكي المستند إلى أساس روحي وتقليدي وتنظيمي؛ فالمملكة المغربية لأسباب سياسية لم يكن بمقدورها الاعتماد على فرنسا ضد أسبانيا، ولأسباب اقتصادية لم يكن باستطاعتها التخلي عن الأراضي الموريتانية لاسترجاع تندوف، ولا التخلي عن سبتة ومليلة للحصول على الصحراء الغربية. ولذلك أصدرت الحكومة المغربية الكتاب الأبيض في 4 نوفمبر 1960، الذي طالبت فيه بكل من الساقية الحمراء ووادي الذهب وإيفني والأراضي الموريتانية، إضافة إلى تمسك المغرب بإجراء مفاوضات مع أسبانيا حول الصحراء الغربية.

1. المطالبة المغربية بموريتانيا

بعد أن تحقق للمغرب استقلاله، بدأ في المطالبة بحقه في عدة أقاليم، وكذلك بدأ في محاولة الإعلان عن فكرة المغرب الكبير. وقد شهدت هذه المطالب متغيرات داخلية، وتأثيرات خارجية حدت من قدرة الحكومة المغربية في تنفيذ هذه المطالب، وإن لم تتخل عنها كهدف سياسي في المدى البعيد. وأثار المغرب مسألة الصحراء الغربية على أساس أنها تمثل جزءاً من الكيان الموريتاني؛ فالصحراء تمثل جغرافيا الجزء الشمالي الغربي لموريتانيا، كما تمثل الجزء الجنوبي للمغرب. وعندما بدأ حزب الاستقلال كفاحه في المغرب، بهدف التحرير من السيطرة الأسبانية والفرنسية، كانت أيديولوجيته العسكرية تؤكد على الهدف السياسي، المتمثل في فكرة المغرب العربي الكبير، والتي كانت أساساً لمطالبه الإقليمية . وتمثلت قمة هذه المطالب في موريتانيا، وكان حزب الاستقلال قد أعلن مطالبه باسترداد موريتانيا في يوليه 1957، استناداً إلى حجج مختلفة في معرض مطالبة المملكة المغربية بموريتانيا، في مواجهة التهديدات الفرنسية بإنشاء جمهورية صحراوية باقتطاع الجزء الجنوبي من المغرب والجزائر وموريتانيا. وتمثلت الأسانيد التي قامت عليها المطالبة المغربية بموريتانيا في الآتي:

أ. الأسانيد والحجج التاريخية

(1) منذ عدة قرون امتدت سيطرة وسيادة ملوك المغرب الروحية والزمانية حتى نهر السنغال، كما تُعد القبائل المنتشرة في شمال أفريقيا حتى السودان، هي قبائل صنهاجية تنحدر من سلالة واحدة في عهد المرابطين، الذين استقروا في الصحراء.

(2) تلا عهد المرابطين سيادة العلويين، حيث أُرسلت البعوث إلى مناطق قادان عام 1665، وإلى إدرار عام 1678، وإلى تاكنت عام 1730، وكان طريق تحركها خلال الساقية الحمراء.

(3) في بداية القرن التاسع عشر كان بالصحراء الغربية الولي محمد الفاضل، الذي اقتسم أولاده بعد وفاته نفوذه الديني في الصحراء، فتولى أمر شنقيط ـ وموريتانيا ـ والساقية الحمراء، ابنه الشيخ ماء العينين، حيث أنشأ سمارة، وعندما حاولت الجيوش الفرنسية احتلال موريتانيا، طلبت القبائل الصحراوية مساعدة المولى عبدالعزيز، الذي أخذ يطالب بهذه المناطق لكونها من مملكته. وكذلك طلب أمير الترارزة مساعدة المولى عبدالحفيظ، الذي سارع بإرسال قواته إلى موريتانيا وشارك ضمن هذه القوات الشيخ ماء العينين، واستمر القتال حتى عام 1924 .

ب. الأسانيد والحجج القانونية

(1) مارس المغرب سلطاته الفعلية على جميع أنحاء موريتانيا، ويشكل الجزء الشمالي الغربي منها الصحراء الغربية، وفي الوقت ذاته هي أحد أقاليم جنوب المغرب، وكانت كافة القوانين الصادرة من السلطان هي في الوقت ذاته النصوص القانونية، التي كان يلتزم بها الأمراء في إدارة الحكم في الإقليم الموريتاني.

(2) حددت المعاهدة الفرنسية ـ الإنجليزية في عام 1890، الحدود الشرقية لموريتانيا المتعلقة باقتسام الصحراء بين الطرفين، حيث يشمل الجزء الفرنسي شمال خط ساي باردة حتى تشاد، بينما تسيطر بريطانيا على الجنوب. كما حددت المعاهدة أن الأقاليم، التي تتبع لسيادة السلطان المغربي، تكون خارج نطاق النفوذ الفرنسي.

(3) تضمنت معاهدة الجزيرة الخضراء عام 1906 تحديد كافة الأراضي المغربية، وأكد المؤتمر، الذي أعلنت فيه المعاهدة وبصفة علنية، سيادة المغرب وحدوده. وكان واضحاً لدى مندوبي الدول الثلاث، التي وقعت على المعاهدة، أن المغرب يمتد حتى نهر السنغال.

(4) تبادل الرسائل الملحقة بالاتفاقية الفرنسية ـ الألمانية، الموقعة في 4 نوفمبر 1911، يؤخذ منه أن المغرب يشمل كافة الأقاليم، التي تقع بين أفريقيا الغربية الفرنسية ـ سابقاً ـ ووادي الذهب.

(5) الاتفاقية الفرنسية الأسبانية الموقعة في 27 يونيه 1900، حددت بصورة مصطنعة مناطق النفوذ الفرنسي والأسباني وادي الذهب والساقية الحمراء وتندوف، وهذه الاتفاقية لم يشارك فيها المغرب، ولم يوافق عليها، ولذلك فهي غير ملزمة له.

مع تصاعد الضغوط المغربية على فرنسا، لجأت الإدارة الفرنسية لاتخاذ إجراءات شكلية دون الخلل بمصالحها في موريتانيا أو المغرب، وكذلك منع قيام مواجهة فرنسية ـ مغربية، حيث مهدت إلى تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود. إلا أنه بعد المواجهات العسكرية، بين جيش التحرير المغربي والقوات الفرنسية في 21 مايو 1958، ألغت فرنسا تشكيل اللجنة المشتركة، وعملت على اتخاذ خطوات جادة نحو إنشاء كيان موريتاني مستقل. وكانت موريتانيا في عام 1957 جزءاً مما يسمى "الأقاليم الجنوبية" لفرنسا، والتي كانت تضم أجزاء من الجزائر ومالي والنيجر وتشاد ووادلي وإيندي وتبيستي . وقد حددت فرنسا أسس انسحابها من مناطق نفوذها الاستعماري في أفريقيا، ولذلك أُجري استفتاء بين شعوب هذه الأقاليم التابعة للاتحاد الفرنسي، كي يختاروا بين البقاء ضمن نظام جديد، يتميز بالمرونة ويعرف باسم المجموعة الفرنسية، وبين الاستقلال التام. وكان هذا الاستفتاء في نهاية عام 1958. واختارت موريتانيا، مثلها مثل جميع أقاليم غرب ووسط أفريقيا، البقاء ضمن المجموعة الفرنسية . ومع قيام عدة جمهوريات أفريقية جديدة، طالب شعب موريتانيا بضرورة الاستقلال التام. وفي 19 أكتوبر 1960 وقّع اتفاق فرنسي ـ موريتاني، يقضي بنقل السلطات إلى الوطنيين عند إعلان الاستقلال الكامل في 28 نوفمبر 1960. وقد نظر العديد من الدول الأفريقية إلى موريتانيا على أنها من الدول، التي تدور في فلك الغرب، لذلك وقفت هذه الدول إلى جانب المغرب وأيدته في مطالبه تجاه موريتانيا.

عارضت موريتانيا مطالب المغرب، واتهمته بأنه يخفي مطامعه في الثروات الموريتانية، خلف الادعاءات التاريخية. وقد انضمت مجموعة الدول الأفريقية التقدمية، التي اجتمعت في مؤتمر الدار البيضاء، إلى المغرب معلنة تأييدها مطالبته بموريتانيا. وأصدر المغرب كتاباً أبيض في أكتوبر 1960، أكد فيه حقوقه التاريخية على بلاد شنقيط. وتمثل الرد الموريتاني في إصدار الكتاب الأخضر، حيث شرحت موريتانيا موقفها، وأكدت أنها لم تخضع للمغرب في أي وقت، ولم يُدخل أحد من المؤرخين أو الجغرافيين موريتانيا داخل حدود المغرب. كما أكدت أن الخرائط المغربية لم تمتد جنوباً حتى تضم موريتانيا. وكان بين البلدين صحراء كبيرة تمتد إلى مسافة 1500 كم، تزيد من صعوبة الاتصال بينهما إلا عن طريق القوافل في الشتاء. أما عن طلب الشيخ ماء العينين المساعدة من سلطان المغرب، فهي ليست دليلاً على الخضوع، فضلاً عن أن المغرب لم يرسل قواته لمساعدة موريتانيا، وأن معونة المولى عبدالعزيز لم تزد عن سبعين بندقية. ومع تزايد حدة النزاع، عُرض الموضوع على الأمم المتحدة قبيل إعلان استقلال موريتانيا. وانقسمت الدول العربية على نفسها، كما ناشدت بعض الدول الأفريقية المغرب أن يسحب طلبه، ويؤيد استقلال موريتانيا. وتقدم المغرب بمشروع للاتحاد بين البلدين، إلا أن موريتانيا رفضت هذا المشروع، وقُبلت موريتانيا عضواً في الأمم المتحدة، في 27 أكتوبر 1961 .

2. الحرب الجزائرية ـ المغربية "سبتمبر ـ أكتوبر 1963"

تعود نزاعات الحدود بين الجزائر والمغرب، إلى عهود الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا. ففي عام 1845 وقّعت معاهدة لالامارينا بين المغرب وفرنسا، التي نصت على تحديد تفصيلي للحدود الإقليمية السياسية، بين الجزائر والمغرب، بداية من سواحل البحر المتوسط، حتى منطقة ثنية الساسي؛ وكذلك حددت القبائل التابعة لكل بلد. أما فيما يتعلق بمنطقة الصحراء، التي يشترك في حدودها كل من المغرب والجزائر، فقد اقتصرت المعاهدة على الإشارة إلى ممارسة سلطات البلدين، لكافة اختصاصات السيادة كل على رعاياه في تلك الصحراء. وبذلك عدت مناطق إيشي، وفجيج تابعة للمغرب، وما عداها من القرى المحيطة تابعة للجزائر.

أما الأقاليم جنوب تلك المناطق، فقد أعلنت المعاهدة أنها مناطق خالية من السكان، وأن تحديد حدود لها عملية عديمة الجدوى ، ولذلك بسطت فرنسا سلطتها على مناطق الجنوب الصحراوية. وفي عام 1899 احتلت القوات الفرنسية واحات توت وتندوف، وبذلك وضح أهمية عقد اتفاقية هدنة جديدة لترسيم الحدود، بين المغرب والجزائر، حيث رسّم الاستعمار الفرنسي عام 1912 حدوداً جديدة تمكنه من التوسع الإقليمي، فوضع خط فارينيه كحدود بين ثينة الساسي ومنطقة كولمب بيشار، واعترف سلطان المغرب في عام 1928 بهذا الخط كحدود إدارية، بين الجزائر والمغرب.

بعد استقلال المغرب عام 1956، رفضت حكومته الاعتراف بأي من اتفاقيات ترسيم الحدود المبرمة بينها وبين فرنسا، عدا اتفاقية لالامارينا. واتهمت الحكومة المغربية فرنسا بانتهاك هذه الاتفاقية بضمها منطقة كولمب بيشار، دون أن تستشير مسبقاً سكانها. وكانت حدة المطالب المغربية قد زادت بشأن حقوقها في مناطق الصحراء، منذ عام 1955، حيث جرى إعداد خريطة للأراضي، التي ترى المغرب ضرورة ضمها. وكانت هذه الخريطة تضم بشار والساورة في الجزائر، كما تضم كل من موريتانيا ووادي الذهب، وكانت تصل إلى نهر السنغال في الجنوب، وتشاد في الشرق، عبر كل صحراء الجزائر.

وحاول المغرب الاستناد إلى حقوق تاريخية، إذ كانت السلطة الإدارية الفعلية للحكومة المغربية، تصل إلى القرى على السفوح الجنوبية الشرقية لسلسلة جبال ما وراء الأطلسي، وفي خط مواز والى الشمال الغربي لوادي درعة، ومن قرب فجيج وبشار حتى نقطة التقاء حدود المغرب مع حدود الجزائر ، ومع حدودموريتانيا. أما المنطقة جنوب شرق هذه القرى، والممتدة بطول وادي درعة الأعلى، فكانت فرنسا تسيطر عليها، وكانت قوات جيش التحرير الوطني الجزائري، وقوات جيش تحرير موريتانيا، تواجه القوات الفرنسية فيها. وقد طالبت المغرب بهذه الأقاليم كلها، وتقدمت بمطالبها إلى حكومة الثورة الجزائرية، في الوقت الذي كانت الجزائر تواجه فيه بعض الصعوبات من أجل التطبيق الاشتراكي، كما أنها لم تكن قد أتمت عملية إعادة بناء الإطار العام للدولة، أو إعداد قواتها. ومن ثم ظهرت خطورة الموقف، الذي واجهته الجزائر، عندما تحركت بعض وحدات من القوات الملكية المغربية تجاه الجنوب، إلى منطقة حاس البيضا في سبتمبر 1963. وأخذت أعدادها تتزايد وتتوغل خلف الحدود الجزائرية، حتى وصلت إلى مسافة 50 كم، واستمر القتال في مناطق بونو، وحاس بيضا، وتنجوب، وحاس بفير. (اُنظر شكل الحرب الجزائرية ـ المغربية)

ورأت المغرب أن عملية حاس بيضا وتنجوب اعتداء على الأراضي المغربية، وعلى الرغم من بدء التفاوض بين الجانبين، إلا أن الاشتباكات تجددت في 14 أكتوبر 1963، واستخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، حين دخل النزاع مرحلة جديدة جعلت كلا الطرفين يعلن التعبئة العامة. واستطاعت القوات المغربية الاستيلاء على مواقع حاس البيضا وتنجوب. ومع تزايد تدهور الموقف بين الدولتين، قرر الأمين العام لجامعة الدول العربية عقد دورة غير عادية لمجلس الجامعة في 19 أكتوبر 1963، حيث صدر بالإجماع القرار الرقم 1934/40 الذي دعا حكومتي الجزائر والمغرب إلى وقف إطلاق النار فوراً، كما صدر أيضاً القرار الرقم 1935/40 في 20 أكتوبر 1963 الذي أكد على:

أ. دعوة الحكومتين إلى سحب قواتهما إلى مراكزهما السابقة، على بدء الاشتباك المسلح.

ب. تشكيل لجنة وساطة من الدول الأعضاء الراغبة في ذلك، للعمل على فض النزاع.

ج. وقف الحملات الدعائية ضماناً لخلق جو العمل المناسب للجنة.

د. دعوة حكومتي البلدين إلى تقديم كافة التسهيلات اللازمة للجنة الوساطة، حتى يمكنها تقدير مهمتها على أكمل وجه.

وقد تشكلت لجنة الوساطة من الجزائر والمغرب ومصر وليبيا وتونس ولبنان، وأصدرت قراراتها بوقف إطلاق النار وسحب قوات الطرفين إلى ما وراء الحدود، وإثبات تعهد الجزائر بعدم وضع قواتها في حاس البيضا وتنجوب، بعد انسحاب القوات المغربية منها .

وتلى ذلك عقد مؤتمر قمة "باماكو" يومي 28-29 أكتوبر 1963 ، الذي حضره رؤساء الجزائر والمغرب وإثيوبيا ومالي. وأسفر المؤتمر عن الآتي:

أ. إيقاف القتال في الثاني من نوفمبر 1963.

ب. تحديد منطقة منزوعة السلاح بواسطة لجنة رباعية، من ممثلي الدول الأربع المشتركة في المؤتمر.

ج. تعيين مراقبين من الدولتين، لضمان حياد هذه المنطقة وسلامتها.

د. تشكيل لجنة تحكيم يتولى وزراء خارجية دول المنطقة اختيارها، وتكون مهمتها تحديد المسؤولية عن بدء العمليات الحربية بين البلدين، ودراسة مشكلة الحدود، وتقديم المقترحات للطرفين.

وعلى الرغم من أن الدولتين أبدتا استعدادهما لتنفيذ هذه القرارات، إلا أن المغرب رفضت الانسحاب من حاس البيضا وتنجوب، وطالبت بإجراء استفتاء فيهما، وهو إجراء رفضته الجزائر. ولم يتوقف القتال إلا في 4 نوفمبر 1963. وقرر مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في 15 نوفمبر 1963، تشكيل لجنة خاصة بالتحكيم تكون مهمتها تحديد المسؤولية عن بدء العمليات الحربية بين البلدين، ودراسة مشاكل الحدود بينهما. وقد انعقدت لجنة التحكيم خلال الفترة من 24-28 يناير 1964، حيث تم التوصل إلى تحديد مناطق منزوعة السلاح بين الطرفين، مما أمكن عقد اتفاق في 19 فبراير 1964 تضمن عودة قوات البلدين إلى مواقعها الأصلية، قبل بدء الاشتباكات .

وعُدت كل من أراضي حاس بيلا وأم العشار من المناطق، التي لا يوجد بها قوات، أراضٍ فاصلة بين الجانبين . وقد انعكست آثار هذا الصراع المسلح المحدود على الصحراء الغربية، حيث ولدت شعوراً خفياً بالعداء بين النظامين، ومحاولة كلتا الدولتين الاستعداد لدحض مخططات التوسع أو الكسب السياسي، إذ إن المغرب عملت على تحييد الجزائر، إزاء مشكلة الصحراء الغربية كحد أدنى. إلا أنه في الوقت ذاته كان للموقف الجزائري أثره على تراجع المغرب، إزاء مطالبها بموريتانيا.

في عام 1964 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبة أسبانيا بمنح إقليمي إيفني والصحراء الأسبانية ـ الغربية ـ حق تقرير المصير، والبدء في مفاوضات بشأن السيادة على هذين الإقليمين ، إلا أن أسبانيا لم تلتزم بذلك. وفي عام 1966 صدر قرار جديد من الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب الحكومة الأسبانية بضرورة التشاور والتباحث، مع حكومتي المغرب وموريتانيا والأطراف المعنية الأخرى، لاتخاذ الإجراءات والترتيبات اللازمة لإجراء استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة، يُسمح من خلاله لسكان الصحراء بممارسة حقهم في تقرير المصير. وعلى الرغم من إنشاء أسبانيا الجمعية العامة للصحراء، إلا أنه في عام 1968 ألحت الأمم المتحدة على أسبانيا بضرورة تطبيق مبادئ حق تقرير المصير. ومع تجدد الصدامات المسلحة في إقليم الصحراء عام 1970، قررت الأمم المتحدة ضرورة تطبيق قرارها السابق.

3. مرحلة التقارب الثلاثي: المغرب، الجزائر، موريتانيا

شهدت بداية السبعينيات تحركاً دبلوماسياً واسعاً، من قبل الدول العربية الثلاث ـ الجزائر والمغرب وموريتانيا ـ مهدت له عوامل مختلفة، ساعدت على التقارب وتحديد العامل الأساسي لمشكلة الصحراء الغربية، المتمثل في ضرورة تصفية الاستعمار الأسباني، كمطلب أساسي للدول المتنازعة، متجاوزة في ذلك عن المشاكل التي كانت سبباً في النزاعات بينهما، وكذلك الحد من الجدل القائم حول العائدات الاقتصادية من إقليم الصحراء الغربية وثرواتها الضخمة. وقد تمثلت العوامل، التي أدت للتقارب الثلاثي في الآتي:

أ. الدور الذي مارسته الأمم المتحدة ومقررات تصفية الاستعمار، أدى إلى إجماع الدول الثلاث على مبدأ حق تقرير المصير لإقليم الصحراء، واقترانه بتشكيل لجنة خاصة لتنظيم استفتاء في الصحراء برعاية الأمم المتحدة، بغية تمكين قبائل الصحراء الأسبانية ـ الغربية ـ من ممارسة حقهم في تقرير المصير والاستقلال.

ب. سعي أسبانيا إلى استثمار موارد الصحراء، متجاهلة قرارات الأمم المتحدة، ما أكد أهمية الحوار بين الدول الثلاث لمواجهة التحدي الأسباني، خاصة بعد أن أجرت أسبانيا اتصالاتها بالمغرب لمساومته حول المشاركة في استغلال موارد الصحراء، شرط أن يتخلى عن المطالبة بالصحراء. إلا أن المغرب رفض هذا العرض، وعمد إلى إثارة المشكلة والتعاون مع الجزائر وموريتانيا حيالها. لذلك عمدت أسبانيا إلى دعوة الشركات العالمية للتنقيب، عن موارد الصحراء.

ج. الاعتراف المغربي بموريتانيا وسيادتها واستقلالها، كان بمثابة تأييدٍ وسندٍ لمسعى الحوار الثلاثي، حول مسألة تصفية الاستعمار. فقد نجح الرئيس الجزائري هواري بومدين خلال انعقاد المؤتمر الإسلامي في الرباط عام 1969 من الوصول إلى اعتراف المغرب بموريتانيا، حيث أمكن عقد اجتماع ثلاثي لرؤساء الدول الثلاث ـ بومدين ومختار ولد داده والحسن الثاني ـ لبحث أوجه التعاون بين دولهم، حيال المشاكل الإقليمية والاقتصادية.

د. الثورة الشعبية التي اندلعت في 17 يونيه 1970، ضد الوجود الأسباني في الصحراء الغربية، والرد العنيف الذي جوبهت به من قبل القوات الأسبانية، سقط عدد من الشهداء واعتقل المئات من المواطنين، والقيادات الوطنية، وأصبحت أسبانيا بذلك في مواجهة كل من المغرب والجزائر وموريتانيا، إضافة إلى الرفض الشعبي للوجود الأسباني.

مهدت هذه العوامل الوصول إلى صيغة اتفاق حول هدف عام، تمثل في تصفية الاستعمار الأسباني؛ لذلك بدأت اللقاءات بين الدول الثلاث ونتج عنها، في اجتماع تلمسان بين الملك الحسن والرئيس هواري بومدين في 27 مايو 1970، إنهاء المشاكل الحدودية بين البلدين. كما أكد اللقاء على أهمية تحرير الصحراء الغربية من الاستعمار الأسباني، وأهمية وفعالية قرارات الأمم المتحدة بشان حق تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية. وتلا ذلك زيادة المغرب تعاونها مع موريتانيا، حيث عُقدت اتفاقية ثقافية بين البلدين ـ معاهدة الدار البيضاء في 8 يونيه 1970 ـ تهدف إلى التعاون الوثيق بينهما للتعجيل بتحرير الصحراء، التي تحتلها أسبانيا، إضافة إلى مساندة موريتانيا لحقوق المغرب في المناطق، التي تحتلها أسبانيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

أسفر تقارب وجهات النظر للدول الثلاث، عن عقد مؤتمر نواذيبو في 14 سبتمبر 1970، وقد سادت العلاقات التعاونية بين الدول الثلاث خلال هذا المؤتمر، وهدفت إلى تبني إستراتيجية إنهاء الاستعمار الأسباني في الصحراء الغربية، خاصة بعد أن أتمت أسبانيا إنشاء الشريط المتحرك من مناجم الفوسفات في بوكراع، إلى مدينة العيون الساحلية، ما أدى إلى توتر الأوضاع الداخلية في الصحراء الغربية. وتمثلت قرارات هذا المؤتمر في الآتي:

أ. إنشاء لجنة تنسيق ثلاثية مهمتها متابعة عملية إنهاء الاستعمار الأسباني، لإقليم الصحراء الغربية.

ب. تعزيز وإنماء التعاون الاقتصادي بين منظمة الدول المشاطئة لنهر السنغال، ودول المغرب العربي.

ج. تنسيق الجهود بين الدول الثلاث، والعمل على توحيد وجهات النظر والآراء حيال المشاكل المطروحة، والعمل على إنهاء الوجود الاستعماري من القارة الأفريقية.

وكان الاتفاق العام في وجهات النظر حول مبدأ حق تقرير المصير، وإنهاء السيطرة الاستعمارية الأسبانية في الصحراء الغربية، وفي الوقت نفسه تلافى المؤثرات، التي قد تنتج عن ردود فعل بعض الدول الأفريقية المجاورة، خاصة السنغال، التي كانت مركز الوجود الفرنسي. لذلك رأت الدول الثلاث أهمية التعاون الاقتصادي والسياسي للدول المشاطئة لنهر السنغال، حتى يمكن التغلب على الحساسيات، التي قد تنعكس على هذه الدول، إضافة إلى كسب تأييدها، سواء في المحافل الدولية، أو داخل منظمة الوحدة الأفريقية.

4. موقف المملكة المغربية من مشكلة الصحراء الغربية

في إطار الجهود المغربية بشأن الحق المغربي في الصحراء، أصدرت وزارة الدولة للشؤون الخارجية العديد من المذكرات، الخاصة بموضوع الصحراء الغربية، موضحة التطور التاريخي المعاصر، الذي اتسم بالآتي:

أ. منذ استقلال المغرب، وهي لم تكف عن المطالبة باستعادة جميع المناطق التي ظلت بعيدة عن سيادتها للاعتبارات القانونية، التي شملت مناطق سيادة، كما هو الحال لمدينتي سبتة ومليلة، وكذلك ما سمي بمناطق حماية، وأيضاً المحاولات الأسبانية للتمسك بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، من خلال إقامة دولة في الصحراء الغربية تريد في إطارها استمرار السيطرة على عدة مناطق من المغرب. ورأت المغرب أن الاحتلال الأسباني لهذه المناطق لم يغير مصيرها المشترك طول قرون متعاقبة، وإذا كانت فرنسا وأسبانيا قد أعلنتا في أكتوبر 1904 تصريحاً مشتركاً، كما أبرمتا اتفاقية سرية ـ لم تشارك فيها المغرب ـ لتحديد مناطق نفوذهما وتقسيم المغرب، إلا أن القبائل وسكان هذه المناطق قاوموا التغلغل الاستعماري .

ب. أكد الموقف المغربي أن الساقية الحمراء ووادي الذهب، كانا يشكلان جزءاً من مجموعة صحراوية، كانت بكاملها جزءاً من الأراضي المغربي، حيث كانت العلاقات بين الصحراء وسهول سومي ومراكش تقوم على التعاون في كافة المجالات. ففي المجال السياسي فإن عدداً من القبائل المغربية انحدرت من الصحراء الغربية، خاصة دولة المرابطين التي تنتمي إلى قبيلة صنهاجة الصحراوية، وكان ملوك مراكش يستعينون ببعض رجال هذه القبائل في شغل المناصب الإدارية والقضائية والسياسية. كما أن الملوك العلوين تدخلوا عدة مرات لحماية القبائل الصحراوية، من التغلغل والاستعمار الأسباني، خاصة في منطقتي وادي الذهب والساقية الحمراء. وفي المجال الاقتصادي، كان هناك اهتمام واضح بالصحراء الغربية، حيث أُنشئت مدينة سمارة في نهاية القرن التاسع عشر، تحت إشراف السلطان عبدالعزيز شقيق الملك الحسن الثاني .

ج. إن الحقيقة التاريخية ـ من وجهة نظر المغرب ـ التي تجعل الصحراء الغربية جزءاً لا يتجزأ من المغرب، هي نصوص المعاهدات، التي أبرمتها الدول الاستعمارية نفسها وكانت تستشهد بها، وكان منها معاهدة الجزيرة الخضراء المبرمة عام 1906، والتي أكدت على استقلال جلالة السلطان ووحدة ولاياته وحريته الاقتصادية؛ وكذلك الاتفاقية الفرنسية ـ الأسبانية عام 1912، التي بموجبها تمكنت أسبانيا من فرض سيطرتها على منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، وكانا يُحكمان باسم السلطان المقيم في تطوان. كذلك التصريح المشترك الأسباني ـ المغربي، الذي من خلاله اعترفت أسبانيا باستقلال المغرب وسيادته التامة ووحدة أراضيه، التي تضمنها معاهدات دولية سابقة.

د. إذا كانت الحكومة الأسبانية في 7 أبريل 1956 قد أعلنت التصريح المشترك، واعترفت خلاله باستقلال المغرب ووحدة أراضيه، فإنها، وتنفيذاً لذلك، أعادت للمغرب المنطقة التي كانت تحتلها في شمال البلاد، باستثناء سبتة ومليلة. وفي عام 1958 سلمت أسبانيا طرفاية، وهو من أقاليم الجنوب، كما سلمت عام 1969 إيفني؛ لأن إقليمي طرفاية وإيفني كانا يخضعان للنظام نفسه، الذي يخضع له إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهما أساس النزاع, والذي بسببه لجأت المغرب إلى الأمم المتحدة، حيث وافقت لجنة تصفية الاستعمار في 16 أكتوبر 1964 على أول قرار يصدر بشأن إقليم الصحراء، حيث طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1975 من الحكومة الأسبانية، بدء مفاوضات لإنهاء مشكلة السيادة على إقليم الصحراء الغربية.

هـ. بعد أن رفضت الحكومة الأسبانية تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، أعلنت الحكومة المغربية موافقتها على الاقتراح الأسباني القاضي بتطبيق مبدأ تقرير المصير في إطار الضمانات الآتية:

(1) انسحاب القوات الأسبانية، من وادي الذهب والساقية الحمراء.

(2) السماح بوجود قوات شرطة تحددها الأمم المتحدة، للمحافظة على الأمن العام.

(3) انسحاب الإدارة الأسبانية، من كافة المناطق الموجودة فيها.

(4) عودة اللاجئين والمنفيين المنحدرين من المنطقتين المذكورتين، على أن يُستشار السكان، في ظروف تحددها الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من أن أسبانيا رفضت في ديسمبر 1966، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخاص بالسماح لسكان الصحراء الغربية بمباشرة حقهم في تقرير المصير بكامل الحرية، تحت إشراف الأمم المتحدة، إلا أنها في عام 1967 وافقت على قرار الجمعية العامة. وفي عام 1969، وخلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن مندوب المغرب رفضه الشديد للتدابير العسكرية والسياسية والاقتصادية، التي اتخذتها السلطات الأسبانية لتعزيز سيطرتها على أقاليم الصحراء الغربية.

و. خلال انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973، ادعت الحكومة الأسبانية وجود مطالب موجهة إليها من الجمعية الصحراوية، وهو ما عارضته المغرب. وفي هذه الدورة أيضاً صادقت الجمعية العامة على القرارات السابقة، ولم تشارك أسبانيا في التصويت، معلنة أنها ستمضي قدماً في تنفيذ سياستها تجاه الصحراء.

ز. على الرغم من رفض المغرب سياسة الأمر الواقع، واتخاذه العديد من الخطوات لدى المنظمات الدولية، سواء في الأمم المتحدة أو منظمة الوحدة الأفريقية أو الجامعة العربية أو الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي، إلا أن أسبانيا عملت على تعزيز وجودها وسيطرتها في الساقية الحمراء ووادي الذهب. وكان من ذلك تعريض السكان للقمع والضغط الاستعماري، ما أدى إلى هجرة العديد من السكان. وإزاء هذه التصرفات خاطب المغرب الإدارة الأسبانية في 4 يوليه 1974، مستنكراً الأعمال الانفرادية، التي تقوم بها أسبانيا في الإقليم .

ح. كان هناك حرصٌ مغربيٌ، سواء على المستوى الحكومي أو الأحزاب الوطنية، عند طرحها مشكلة الصحراء الغربية وتحريرها من الاستعمار الأسباني، كما كان هناك سعي دائم للتوفيق بين المصلحة الحيوية للمغرب، وبين المصلحة الحيوية لكل من الجزائر وموريتانيا، وكذلك المصلحة الحيوية لسكان الصحراء. إلا أن وجهة النظر المغربية كانت ترى تبايناً في الموقف الجزائري، الذي كان يطالب المحافل الدولية منذ عام 1974 بمواجهة الموقف المغربي الرافض لتنفيذ القرارات الدولية.

ط. رأت المغرب أن الموقف الجزائري من المشكلة، له أبعاد وانعكاسات سلبية على الموقف العربي ككل، وقد استندت المغرب في تكوين هذا الرأي على أهداف مساندة الأحزاب اليسارية الجزائرية، المناوئة لكل تكتل عربي، في ضوء أسباب سياسية إستراتيجية تربط بين الحزب الشيوعي الفرنسي والجزائر، بهدف إبعادها عن الوطن العربي، حتى تكون حلقة الوصل بين فرنسا والعالم الثالث. أما التقارب الليبي الجزائري، فإن الرؤية المغربية ترى أنه تحالف مرحلي بهدف إنجاح المخطط الجزائري، الرامي إلى احتكار المواصلات مع أفريقيا الغربية.

ويتبنى الموقف المغربي سياسة عامة حيال الصحراء الغربية، تعمل على مراعاة المصالح الحيوية لكافة الدول المعنية بالمشكلة، وقد بني الموقف المغربي على الأسس والاعتبارات التالية:

أ. لم يرث الاستعمار الأوروبي السيادة المغربية من دولة سابقة ـ الأتراك في الجزائر ـ أو من رؤساء القبائل ـ عموم أفريقيا ـ أو لم تخلق من العدم ـ أستراليا ـ ولكن استمرت السيادة المغربية رغم تفويض الإدارة لدولة، أو مجموعة دول أوروبية. وقد وضح الفرق بين السيادة الواحدة، والإدارة المفوضة، من خلال مؤتمر الجزيرة الخضراء وما تلاها من اتفاقيات ثنائية، حيث كان الفرنسيون يسيطرون على الدار البيضاء، والأسبان موجودون في إقليم طرفاية، والبلجيكيون في طنجة، إلا أن القوى الاستعمارية كانت تعترف بالسيادة المغربية المتمثلة في حقوق السلطان .

ب. لم تكن الدولة المغربية دولة استعمارية، نشأت في حدود خططها المستعمر، بل هي دولة تاريخية تكونت عبر قرون، حيث تبلور الوعي الوطني المغربي أثناء صراع مرير ضد الأسبان شمالاً، وضد العثمانيين في الشرق، بهدف الدفاع عن الحدود المعروفة لدى السلطان والشعب، وكان الشعور بأهمية حماية هذه الحدود لا يقل رسوخاً عن الوعي بالدفاع عن استقلال البلاد.

ج. كانت الحماية تفويضاً مؤقتاً للدول الاستعمارية، وفي الوقت ذاته كان هذا التفويض محدوداً في إطار السلطة الإدارية. وقد انتهت هذه الحماية واستُرجعت كافة السلطات الإدارية. ولذلك فإن وجهة النظر المغربية ترى أنه باستقلال المغرب لم تنشأ سيادة جديدة، بل استرجعت الدولة المغربية المناطق التي كانت تديرها القوى الاستعمارية، من خلال عملية تفاوضية تمت بين المغرب ودول الحماية، حيث تم استرجاع الجزء الأكبر من المنطقة الشمالية، التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي، وكذلك استُرجعت طنجة، التي كانت خاضعة للإدارة الدولية، ثم طرفاية وسيدي إيفني من أسبانيا. وقد تم ذلك في إطار مؤتمر الجزيرة الخضراء.

د. حكمت المطالب المغربية مبادئ أساسية، اعتمدت على مبدأ ضمان وحدة الأراضي المغربية، وقد رأى المغرب أن هذا المبدأ قد طبق في العديد من دول العالم. ولذلك يرى المغرب أن من حقه المطالبة بإنهاء الوجود الاستعماري في المناطق الصحراوية، التي تعد جزءاً من الأراضي المغربية، استناداً لمبدأ وحدة الأراضي، الذي تضمنته كافة المواثيق الدولية. وإذا كانت مبادئ منظمة الوحدة الأفريقية تحتم المحافظة على الحدود الموروثة، وإنهاء السلطة الاستعمارية من خلال استفتاء شعبي، كحق لتقرير المصير، فإن المغرب يرفض قوانين هذين المبدأين، حيث يرى المغرب أن الحماية الفرنسية في المغرب لم تقم برسم حدود دولية، سواء كانت مع الجزائر أو مع أسبانيا، وإنما هي خطوط تقسيم إداري، وكذلك تستند المغرب إلى قانون الجنسية، الذي أصدرته إدارة الحماية عام 1921، والذي ينص على عدم فقد الجنسية المغربية. ولذلك لا يجوز إجراء استفتاء في مناطق تُعد مغربية أساساً .

وضعت الحركة الوطنية مسألة استرجاع الصحراء هدفاً، من أهم أهدافها. واعتمدت الحركة الوطنية على مقتضيات القانون الدولي، لإثبات مشروعية مطالبته بالأجزاء المغتصبة من الحدود الطبيعية والتاريخية، خاصة أن الحركة الوطنية المغربية كان لها وجودها في الأقاليم الجنوبية، التي كانت تحت السيطرة الأسبانية منذ عام 1946، حين بدأ حزبا الإصلاح الوطني والاستقلال يوسعان نشاطهما إلىمدن الجنوب ـ طرفاية، العيون، الداخلة، سمارة ـ وظهر هذا الوجود كمعارضة علنية بإعلان أسبانيا عن مخططاتها لتقسيم هذه الأقاليم إلى ثلاث مناطق، خلال الفترة 1947-1950. وبدأت خلال هذه المرحلة العمليات العسكرية في هذه المناطق، واستمرت قرابة الست سنوات. وبعد إعلان استقلال المغرب، والتوقيع على اتفاقيات الاعتراف بهذا الاستقلال من أسبانيا وفرنسا، عملت الدولتان سريعاً على إيقاف محاولة استرجاع المناطق، التي استقطعت من المغرب، حيث عقدت كل منهما اتفاقاً يتعلق بإقرار الحدود بين منطقتي الصحراء الغربية، التي تقع تحت نفوذ كل منهما. وبدأت كل منهما في العمل على فصل الصحراء عن المغرب، ولكن مع تصاعد حدة الأحداث في يناير 1957، التي تطورت إلى صراع مسلح بين الحركات الوطنية في إقليم الصحراء والقوات الأسبانية، وبعد اشتباكات عنيفة، تم تحرير مستعمرة إيفني، وسمارة، وصار مطلب استكمال وحدة الأراضي المغربية ينال تأييد كافة الشعب وفصائل الحركة الوطنية. وانتقل العمل السياسي المغربي إلى عمل عسكري شبه منظم مدعم من مناطق شمال المغرب، حيث تأسس جيش التحرير الجنوبي في يناير 1957 .

ولمواجهة هذه التطورات، أعلنت أسبانيا عن عزمها تسليم إقليم طرفايا للمغرب، وعد المغرب استرجاع طرفاية مكسباً سياسياً يمكن أن يُستند إليه، عند مطالبتها بباقي المستعمرات الأسبانية. إلا أن أسبانيا اشترطت أن يكون تخليها عن طرفاية للمغرب في مقابل عدم مطالبته بمدينتي سبتة ومليلة ، كما منعت دخول ولي العهد الحسن الثاني إلى طرفاية. وأدى ذلك إلى تصعيد الحركة الوطنية ضد أسبانيا، وأصبحت قضية النضال والكفاح ضد الوجود الأسباني في الجنوب، هي القضية الرئيسية التي لها الأهمية. وفي شهر أكتوبر 1957، أثار الوفد المغربي بالأمم المتحدة، ولأول مرة، مشكلة الصحراء الغربية، بما فيها موريتانيا وإيفني ووادي الذهب، أمام لجنة الوصاية التابعة للأمم المتحدة، حيث طالب بفتح مفاوضات لإنهاء الاحتلال الأسباني، خاصة أن المغرب قد قرر رسمياً، منذ إيقاف عمليات جيش التحرير، الاعتماد على المفاوضات كوسيلة أساسية لاستكمال وحدة الأراضي المغربية. وفي فبراير 1958 أكد ملك المغرب، محمد الخامس، على مواصلة السعي من أجل استرجاع الصحراء الغربية، ولذلك تابعت الحكومة المغربية سياستها في المطالبة باسترجاع أراضيها المحتلة، حيث أنشأت قسماً في وزارة الداخلية لشؤون موريتانيا والصحراء، كان رد فعل لإنشاء "وزارة الصحراء" في الحكومة الفرنسية. وفي سبتمبر 1958 عُقد مؤتمر لموريتانيا والصحراء في الرباط، حضره ولي العهد المغربي، ورئيس المجلس الاستشاري الوطني ـ المهدي بن بركة ـ و200 ممثل عن إقليمي موريتانيا والصحراء. وكان هدف المؤتمر هو تشكيل وفد مغربي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، للمشاركة في الحملة الدبلوماسية التي كان يقوم بها المغرب في المحافل الدولية.

لم تتوقف الحكومة المغربية عن التفاوض مع أسبانيا وفرنسا، وبتنسيق بينها وبين قيادة جيش التحرير في الجنوب. وأبدت أسبانيا استعدادها للتخلي عن الأجزاء الجنوبية، وقد تطلب هذا الموقف من جيش التحرير إيقاف العمل المسلح، إلا أن أسبانيا ظلت تسعى للحصول على مكاسب بديلة مقابل ما تقدمه من تنازلات. وقابل المغرب الموقف الأسباني بتمسكه بكل أقاليمه الجنوبية، وهي: طرفاية، إيفني، الساقية الحمراء، ووادي الذهب، لذلك كان لجوء المغرب إلى المحافل الدولية بهدف الضغط على أسبانيا لقبول المفاوضات، وإذا كانت المفاوضات المغربية ـ الأسبانية قد دخلت مرحلة جديدة، انتهت بتوقيع معاهدة سنترا في أول أبريل 1958، وخلالها استرجعت المغرب إقليم طرفاية، إلا أن هذه المعاهدة لم تهدف إلى ترسيم الحدود؛ كما أن أسبانيا بدأت تعمل على إبقاء سيطرتها الاستعمارية على الصحراء، حيث عملت على طمأنة الدول الغربية حتى تغير موقفهم في الأمم المتحدة، وذلك بإعلانها استعدادها لإنهاء وجودها في هذه المنطقة. وفي يوليه 1974، بعثت أسبانيا إلى الأمم المتحدة بوثيقة توضح فيها كيفية إنهاء تسوية الاحتلال، من خلال الآتي:

أ. سيكون السكان الصحراويون تحت الحماية الأسبانية، وبعد فترة تراوح بين خمس وعشر سنوات، وبعد أن تصل المنطقة إلى مستوى يؤهلها إلى إدارة شؤونها، يتم منحها الاستقلال التام.

ب. تحتفظ أسبانيا لنفسها بحق التمثيل الخارجي للدولة الصحراوية وحمايتها العسكرية، ووضع البنيات الإدارية الخاصة بها.

ج. ينظم استفتاء من طرف السلطات الأسبانية، لتكريس هذه السياسة.

رفض المغرب هذه السياسة المشوهة لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، والذي سيؤدي إلى وضعية استعمارية جديدة. ولمواجهة هذه السياسة الاستعمارية الجديدة، التي بدأت أسبانيا في ممارستها، أخذت المغرب في تغيير مواقفها تجاه مشكلة الصحراء الغربية، حيث طالبت بعرضها على محكمة العدل الدولية.

5. طرح المشكلة ـ القضية ـ أمام محكمة العدل الدولية

وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، يحق للجمعية العامة أو مجلس الأمن، أن تطلب من محكمة العدل الدولية تقديم الفتوى، بشأن المشاكل القانونية، بناء على طلبها، ومن ثم، فإن طلب الفتوى لا بد أن يخضع لموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقد كان سبب لجوء المغرب إلى محكمة العدل الدولية هو تدهور الأوضاع العسكرية في شمال غرب أفريقيا، بسبب عزم أسبانيا على إجراء استفتاء من جانب واحد؛ لتقرير مصير إقليم الصحراء الغربية. وأعلن الملك الحسن الثاني في 17 سبتمبر 1974 قراره بمطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة برفع النزاع القانوني الأسباني ـ المغربي، حول إقليم الصحراء الغربية، إلى محكمة العدل الدولية . وعلى رغم أن هذا الموقف واجه كثيراً من الصعوبات، تقدمت في النهاية ستة وثلاثون دولة عربية وأفريقية، بما فيهم المملكة المغربية والجمهورية الموريتانية، إلى الجمعية العامة، بمشروع قرار لطرح النزاع على محكمة العدل الدولية . وأصدرت الجمعية العامة، في 13 ديسمبر 1974، قرارها الرقم 3292، تدعو فيه محكمة العدل الدولية تقديم رأيها في سؤالين محددين هما :

أ. هل كانت الصحراء الغربية ـ وادي الذهب والساقية الحمراء ـ أرضاً خلاء بدون سكان؟

ب. إذا كان الجواب على السؤال الأول سلباً، فما هي العلاقات القانونية لهذا الإقليم مع المملكة المغربية والجمهورية الموريتانية؟

وتمكن المغرب بهذا الموقف من منع أسبانيا من إجراء الاستفتاء، الذي كانت تعزم على إجرائه، خاصة بعد أن طلب الأمين العام للأمم المتحدة من السلطة الأسبانية تأجيل هذا الاستفتاء، إلى أن تقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة السياسة، التي يجب اتباعها حيال إقليم الصحراء الغربية، على ضوء الرأي الاستشاري، الذي ستصدره محكمة العدل الدولية. وبدأت مناقشات المحكمة في 25 مارس 1975، وانتهت في 30 يوليه 1975، وخلال هذه المرحلة، التي استغرقتها إجراءات محكمة العدل الدولية، تم الاستماع إلى مرافعات كل من المغرب وموريتانيا وأسبانيا، كما اطلعت المحكمة على بيانات ووثائق من دول أخرى. وفي 16 أكتوبر 1975، أودعت المحكمة لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة مذكرات في شكل رأي استشاري، يؤكد، بصفة قاطعة، النقاط التالية بشأن المطلب المغربي :

أ. رفضت المحكمة وجهة النظر الأسبانية، لأن النظر في النزاع من اختصاصها، مؤكدة بذلك موقف المغرب، الذي يؤكد أن النزاع بين أسبانيا والمغرب حيال الصحراء الغربية ذو صبغة قانونية[3].

ب. استناداً من المحكمة إلى مرافعات كل من المغرب وموريتانيا، رفضت المحكمة الزعم الأسباني بأن الإقليم الصحراوي كان أرضاً خلاء بدون سكان أثناء الاحتلال، كما أنه لم يكن هناك فراغ من السلطة.

ج. أكدت المحكمة على وجود علاقات بين إقليم الصحراء وكل من المغرب وموريتانيا، وهذه العلاقات كانت في إطار قانوني وأيضاً علاقات بيعة.

اعتبر المغرب أن الأحكام، التي أصدرتها محكمة العدل الدولية، ما هي إلا تأكيد على أن الصحراء الغربية جزء من الإقليم، الذي تمارس عليه سيادة ملوك المغرب، وأن سكان هذا الإقليم كانوا، وما زالوا مغاربة. وتأكد المغرب من شرعية مطلبه، كما أن المعلومات، التي اعتمدت عليها المحكمة تؤكد أنه كان يوجد خلال فترة الاستعمار الأسباني للصحراء روابط قانونية للولاء ـ البيعة ـ بين سلطان المغرب وبعض القبائل في إقليم الصحراء الغربية، وقد استنتجت المحكمة من المعلومات والوثائق، التي حصلت عليها أنه لا توجد روابط سيادية ترابية بين إقليم الصحراء الغربية من جهة وبين المملكة المغربية وموريتانيا من جهة أخرى. ولذلك فإن المحكمة لم تلاحظ وجود روابط قانونية من شأنها أن تعدل تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 1514، والخاص بتصفية الاستعمار في إقليم الصحراء الغربية، وتطبيق مبدأ تقرير المصير، وفقاً لإرادة سكان الإقليم، إلا أن المحكمة قد اعترفت، ضمنياً، بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، عندما أقرت بوجود روابط الولاء الشخصي بين القبائل الصحراوية والسلطان (اُنظر ملحق وثيقة تجديد البيعة). خاصة أن هذه البيعة قد تمت بالتراضي بين شعب الصحراء والدولة العلوية، ولا يجوز التنازل عنها، كما أن هذه البيعة لم تنقض من قبل ولاة، بل بفعل قوة استعمارية[4].

6. المسيرة الخضراء

كان لصدور الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية، العديد من ردود الأفعال المختلفة، فقد أعلن الملك الحسن الثاني، في 16 أكتوبر 1975، عن الإعداد للمسيرة الخضراء . وفي 5 نوفمبر، وجه جلالة الملك، من قصر البلدية بأكدير، خطاباً للشعب المغربي أعلن فيه عن انطلاق المسيرة. وبدأت المسيرة في 6 نوفمبر 1975 من طرفايا، وشارك فيها ثلاثمائة وخمسون ألفاً من المغاربة ، إضافة إلى مشاركة كل من سفراء المملكة العربية السعودية، والأردن، وقطر، والإمارات، وسلطنة عمان، والسودان، والجابون، ووفد من السنغال، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي. لقد تسلح المتطوعون في المسيرة بالقرآن، ولم يُحمل خلالها أي سلاح، تأكيداً على أنها مسيرة سلمية، وانطلقت المسيرة بقدر كبير من الانتظام والدقة ، وعبرت المسيرة الخضراء حدود الصحراء، وكان يحيط بها ردود فعل عالمية وإقليمية متباينة، فأعلنت الجزائر رفضها للمسيرة، واعتبرتها خرقاً للمواثيق والأعراف الدولية، أما أسبانيا فقد عارضت المسيرة، وطلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن لمواجهة هذه المسيرة، كما أعلنت، من خلال مندوبها في مجلس الأمن، أن المسيرة الخضراء ليست مسيرة سلمية، بل هي زحف عسكري مسلح، ولذلك فقد حركت أسطولها البحري إلى المياه الإقليمية المغربية؛ لإجبار المغرب العدول عن تنفيذ المسيرة، كما أعلنت أنها قامت بإعداد حقول ألغام في الصحراء الغربية. وقد أثار هذا التصرف الأسباني ردود فعل عالمية، وأدى نجاح المسيرة الخضراء، على المستوى الشعبي والإقليمي والعالمي، إلى إعادة التوازن في الموقف الأسباني تجاه المشكلة، فبعد أن توغلت المسيرة لمسافة 15 كم داخل إقليم الصحراء الغربية، بدأت الاتصالات بين أسبانيا والمغرب، ظهر خلالها تغير واضح في الموقف الأسباني، ولذلك أصدر العاهل المغربي أوامره بعودة المتطوعين في المسيرة إلى طرفايا مؤقتاً، حتى يتم التوصل إلى حل سلمي للمشكلة.

7. اتفاقية مدريد الثلاثية

تحت الضغوط الدولية، التي واجهتها أسبانيا، تم إجراء عدة اتصالات بين حكومتي المغرب وأسبانيا، ففي 11 نوفمبر 1975، بدأت المفاوضات بين المغرب وموريتانيا وأسبانيا، ووقعت اتفاقية مدريد الثلاثية، في 14 نوفمبر 1975 (اُنظر ملحق اتفاقية مدريد الثلاثية، 14 نوفمبر 1975)، ومن خلالها، قسمت الصحراء بين المملكة المغربية والجمهورية الموريتانية (اُنظر خريطة تقسيم الصحراء الغربية). لقد اعتبرت اتفاقية مدريد الثلاثية انتصاراً دبلوماسياً لكل من المغرب وموريتانيا، لأنها أدت إلى استرجاع الصحراء الغربية من دون الدخول في صراع عسكري ضد أسبانيا، وكذلك فإن الاتفاقية جاءت مطابقة لوجهة النظر المغربية، فنصت على أن الأطراف الموافقة عليها تخطر الأمين العام للأمم المتحدة، بما هو مقرر في الوثيقة، وكان هذا، وفقاً للرؤية المغربية، إنهاء للنزاع القائم حول الصحراء الغربية، وكان هناك ارتياح عام لدى الأطراف الثلاثة الموقعة على الاتفاقية، إذ أمكن تحاشي المواجهة العسكرية بين المغرب وأسبانيا، وكذلك تحوشي إجراء استفتاء في الإقليم الصحراوي في أثناء وجود الإدارة الأسبانية، مما كان سيحقق الأهداف الأسبانية وخلق كيان مستقل يرتبط بها عفوياً .

لقد رأى المغرب أن اتفاقية مدريد كانت تطبيقاً للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، كما أن هذا الاتفاق، الذي توصل إليه، ووافق عليه سكان الإقليم ، في الإطار الذي كانوا دائماً يعبرون به عن آرائهم, كانت الأمم المتحدة تقيده شرعياً في كل وثائقها، وبما أن رؤية المغرب كانت متفقة مع رؤية موريتانيا في اقتسام الصحراء بينهما، فإن هذه الموافقة كانت تطبيقاً لرأي محكمة العدل الدولية، لا لرأيها الخاص، وطالما أن المحكمة أقرت بحقوق مشتركة مغربية موريتانية في الصحراء، فلقد وجب على المغرب احترام هذه الحقوق. وعلى رغم أن الاتفاق ينهي الوجود العسكري الأسباني في توقيت أقصاه 28 فبراير 1976، على أن يوضع حتى هذا التاريخ تحت إدارة ثلاثية. فإن القوات المغربية لم تلبث أن دخلت الصحراء الغربية، واحتلت مدينة سمارة في 27 نوفمبر 1975، ثم دخلت مدينة العيون في 11 ديسمبر من العام نفسه. أما القوات الموريتانية فقد دخلت هي الأخرى مدينتي داخلة وفيلا سيسينروس، بعد عدة معارك عنيفة بين القوات الموريتانية وأعضاء جبهة البوليساريو، وبدأت المظاهرات الشعبية في مدينة بير لحلو في أنفاريتي، وسرعان ما عمت كل المناطق المحررة. وأما الجزائر فقد أدانت سياسة الأمر الواقع بشأن الصحراء الغربية، ولم تعترف بالاتفاق الثلاثي، وقامت بحشد قواتها على الحدود المغربية، وأعلنت ليبيا تأييدها للموقف الجزائري .

8. تجدد اشتباكات الحدود المغربية ـ الجزائرية

تصاعدت حدة الأحداث في بداية عام 1976، بين المغرب والجزائر، كما دخلت موريتانيا طرفاً فاعلاً في النزاع، وكذلك دخلت دول أخرى على الصعيد الإقليمي لمشكلة الصحراء الغربية، إضافة إلى جبهة البوليساريو، التي أعلنت عن إسقاطها طائرة مقاتلة مغربية في 21 يناير 1976. وفي 25 يناير 1976، اضطرت القوات الموريتانية إلى الانسحاب من منطقة تبين بن تيلي، بعد اشتباكات عنيفة مع قوات البوليساريو. وبدأت كل من المغرب وموريتانيا توجيه الاتهامات غير المباشرة للجزائر، بمساندة جبهة البوليساريو، كما بدأت اتصالات عربية بأطراف النزاع لاحتوائه، إلا أن هذه الاتصالات أخفقت، ففي 27-28 يناير 1976، تمت اشتباكات مسلحة بين القوات الجزائرية والمغربية في منطقة المغلا ـ تقع على مسافة 3 كم من الحدود الجزائرية ـ المغربية، وقد نتج عن هذه الاشتباكات احتلال القوات المغربية للمغلا، إلا أن القتال توقف يوم 3 فبراير 1976، بعد أن قامت مصر بالوساطة بين الأطراف المتصارعة. وقد حددت الجزائر موقفها من الصراع في الآتي :

أ. مساندة حركات التحرر.

ب. أن النضال في الصحراء الغربية هو نضال بين نظام إقطاعي استبدادي وحليف للاستعمار، وبين شعب عربي يناضل من أجل بقائه واستقلاله.

ج. أن أي مفاوضات يجب أن تكون بين جبهة البوليساريو الممثل الوحيد للشعب الصحراوي، وبين كل من المغرب وموريتانيا.

د. أن أي وساطة في قضية الصحراء، لا يكون لها معنى، ما لم يكن هدفها التوصل إلى إنقاذ الشعب الصحراوي، وحماية وجوده.

9. الانسحاب الأسباني وردود الفعل المحلية والإقليمية

أتمت أسبانيا انسحابها من الصحراء الغربية في 26 فبراير 1976، وفقاً للاتفاق الثلاثي، الذي تم توقيعه بين المغرب وموريتانيا وأسبانيا، خلال شهر نوفمبر 1975، وفي التوقيت ذاته، عقدت الجماعة الصحراوية اجتماعاً استثنائياً بمدينة العيون، في 26 فبراير 1976، وافقت خلاله الجماعة الصحراوية، بالإجماع، على الاتفاق الثلاثي، الذي وضع حداً للوجود الأسباني في الصحراء الغربية، ووجهت الجماعة الصحراوية مصادقتها على الاتفاقية، إلى كل من ملك المغرب والرئيس الموريتاني وملك أسبانيا، وكذلك إلى المنظمات الدولية. ولكن، وفي تطوير آخر سريع، أعلنت جبهة البوليساريو، في 27 فبراير 1976، عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية على الأراضي، التي تسيطر عليها، وإثر ذلك، هددت المملكة المغربية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كل من يعترف بها، وعندما اعترفت الجزائر بها، أعلنت المملكة المغربية وموريتانيا قطع علاقاتهما الدبلوماسية مع الجزائر، كما اتهم المغرب العقيد معمر القذافي بدعمه الدائم لجبهة البوليساريو. ونتيجة للاتفاق، الذي تم بين موريتانيا وجبهة البوليساريو، في أغسطس 1979، واعترفت فيه موريتانيا بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، انسحبت القوات الموريتانية من الصحراء الغربية، فاعتبرت المغرب ذلك تهديداً مباشراً لها ، ولذلك أعلنت الحكومة المغربية أن القطاع الموريتاني في الصحراء قطاع مغربي، واستولت عليه القوات المغربية . ونتيجة لهذا الإجراء، تعرضت المملكة المغربية لضغوط دولية، وهجوم سياسي، على المستوى الإقليمي والدولي. استمر الملك الحسن في تصعيده للحملة، التي تؤكد حق المغرب في الصحراء، فأعلن تصميمه على الاحتفاظ بالصحراء الغربية، وأنه سيعمل على مواجهة أي احتمال لهجوم عسكري قد تقوم به الجزائر، إلا أن هذه التحذيرات لم تجد سوى إصرار جبهة البوليساريو على موقفها، فأعلنت في 6 مارس 1976 عن تشكيل حكومة صحراوية برئاسة محمد الأمين أحمد، واعترفت الجزائر في اليوم نفسه بجمهورية الصحراء العربية الديموقراطية، أما جامعة الدول العربية، فقد أعلنت أن مشكلة الصحراء معقدة، وإيجاد مخرج سياسي لها يحتاج إلى وقت، ولقد أعلن ذلك أمين عام جامعة الدول العربية، بعد حوالي أسبوعين من المساعي التوفيقية بين الجزائر وكل من المغرب وموريتانيا. وعلى رغم تعدد المساعي العربية لاحتواء الأزمة، فإن جبهة البوليساريو كانت قد بدأت فعلاً بعمليات عسكرية، في كل من المغرب وموريتانيا، ضد أهداف عسكرية .

شعر المغرب بالثقل الاقتصادي والعسكري والسياسي، نتيجة لهجمات جبهة البوليساريو المتزايدة، ولذلك اضطر المغرب إلى تغيير إستراتيجيته من الحالة الدفاعية إلى حالة هجومية، فقام بمهاجمة قوات البوليساريو حتى لا تتمكن من مهاجمة القوات المغربية، وخلال هذه العمليات، دُمرت عدة قواعد لقوات البوليساريو، كما شكلت منظمة الأوزاريو ؛ لنقل الهجوم إلى عمق الأراضي الجزائرية، بهدف إرباك خطوط إمداد البوليساريو، وكان النجاح السياسي لمنظمة البوليساريو، من خلال إعلان لجنة الحكماء الأفريقيين، في ديسمبر 1979، اعترافها بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وطالبت المغرب بسحب قواته من الصحراء المتنازع عليها، وطالبت، بعد ذلك، بتشكيل قوة أفريقية لحفظ النظام في الصحراء، إلى حين تقرير المصير، وسبق ذلك قرارات أخرى في مؤتمر القمة الأفريقي وقمة عدم الانحياز، وكذلك في لجنة تصفية الاستعمار بالأمم المتحدة. وفي مواجهة ذلك، أعلن الملك الحسن الثاني في يونيه 1981، خلال مؤتمر قمة نيروبي الأفريقية، عن قبول المملكة المغربية تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية. وبذلك انتهجت الحكومة المغربية سياسة جديدة، هدفت إلى تهدئة الصراع في المنطقة، وفي تطور آخر للمشكلة، أيدت القمة الأفريقية، المنعقدة في أديس أبابا عام 1984، قبول الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية عضواً في منظمة الوحدة الأفريقية، وهذا ما دفع المملكة المغربية إلى إعلان انسحابها من منظمة الوحدة الأفريقية .

10. موقف موريتانيا من مشكلة الصحراء الغربية

قامت بأول ترسيم للحدود بين موريتانيا والصحراء الأسبانية، سابقاً، كل من فرنسا وأسبانيا، في نوفمبر 1900، وتم تأكيده في معاهدة أكتوبر عام 1904، حين قام الطرفان بتحديد حدود اصطناعية هندسية في خطوط مستقيمة، تتوافق مع خطوط الطول والعرض، وكان الحد الجنوبي للنفوذ الأسباني موازياً لرأس بلانكو، ويقسمه إلى جزأين، ويمتد خط الحدود بعد ذلك إلى داخل مناجم الجل للملح ضمن موريتانيا، ثم تمتد الحدود بعد ذلك باتجاه شمال شرقي حتى تقاطع خط طول 12ه غرباً مع مدار السرطان، ثم يمتد نحو الشمال بشكل مستقيم موازٍ لخط طول 12ه غرباً حتى تقاطعه مع خط عرض 27ه شمالاً، ثم تتجه الحدود شمالاً، وبخط مستقيم حتى التقاء نقطة الحدود مع الجزائر، عند خط طول 45/8ه غرباً (اُنظر خريطة حدود موريتانيا والصحراء الغربية). وبحصول موريتانيا على استقلالها في 28 نوفمبر 1960، شهدت السياسة الخارجية لموريتانيا تغيرات مستمرة؛ بسبب الملابسات والضغوط، التي أحاطت بها، فقد اعتبرت موريتانيا من الدول الدائرة في فلك الغرب، بصفة عامة، وفرنسا بصفة خاصة، ونتج عن ذلك أن معظم الدول العربية أيدت المطالب المغربية على موريتانيا في بداية استقلالها ، حيث كانت مشكلة الصحراء الغربية من العوامل، التي أحدثت تغيرات هامة في سياسة موريتانيا الخارجية، ولذلك بدأت موريتانيا خطواتها الأولى نحو الحكم الذاتي والاستقلال، وهي تواجه الدعوى المغربية باستكمال سيادته على الأراضي المغربية بالمفهوم التاريخي. وباستيلاء المغرب على إقليم طرفاية عام 1958، اقتربت الحدود المغربية من موريتانيا، إلا أنه لم يكن هناك حدود مشتركة، بل ظلت الصحراء الأسبانية ـ الغربية ـ تفصل بين الدولتين.

خلال الفترة من 3-5 سبتمبر 1958، عُقد مؤتمر موريتانيا والصحراء في الرباط، أعلن فيه الولاء للملك محمد الخامس، وكذلك تم اعتبار موريتانيا والصحراء جزء لا يتجزأ من المغرب، كما بدأت المغرب عرض الحجج القانونية والدبلوماسية والتاريخية، التي يستند إليها في مطالبه. وانحصر تفسير موريتانيا لهذه المطالب، في المطامع المغربية تجاه الثروات الموريتانية، واتسمت هذه الفترة بأن المغرب جعل مطالبه على موريتانياً محوراً لسياسته الخارجية. وردت موريتانيا على الدعوى المغربية بأنها لم تكن خاضعة يوماً للمغرب، فالمؤرخون، الذين تعرضوا لحدود المغرب جغرافياً وسياسياً، لم يدخلوا موريتانيا داخل تلك الحدود، كما أن موريتانيا لم تكن يوماً تعرف بالمغرب ولا تدخل تحت اسمه، وإنما هي معروفة، منذ زمن بعيد، باسم بلاد الشنقيط ، بينما كان المغرب الأقصى يعرف باسم مراكش، كما أن موريتانيا تفصلها عن المغرب صحراء كبيرة فاصلة تمتد ألف وخمسمائة كيلومتر، مما يصعب معه الاتصال بينهما. وبعرض هذه المشكلة على الأمم المتحدة قبيل استقلال موريتانيا، انقسم الرأي بين مؤيد للدعاوى المغربية ومعارض لها ، إلا أن موريتانيا انضمت إلى الأمم المتحدة، في 19 أبريل 1961، وبذلك ازدادت المشكلة تعقيداً بالنسبة إلى المغرب، بعد أن أصبح لموريتانيا كيان سياسي وقانوني، ولذلك اعترف المغرب بموريتانيا عام 1970.

استأثرت مشكلة الصحراء الغربية باهتمام موريتانيا، على رغم المشاكل، التي تعرضت لها منذ استقلالها، وما من شك في أن مستقبل الصحراء، يهمها أهمية بالغة؛ إذ إن الميناء الموريتاني، بورت أتبين، يتاخم الحدود الموريتانية مع الصحراء الأسبانية؛ كما أن الخط الحديدي الموريتاني، القـادم إلى بورت أتبين، يجاور الحدود القائمة بين موريتانيا والصحراء. وكانت موريتانيا، من ناحية أخرى، تخشى أن تتنازل أسبانيا للمغرب، عن الصحراء، مقابل أن يتوقف المغرب عن مطالبته بمدينتَي سبتة ومليلة ـ الخاضعتين لأسبانيا؛ ومن ثَم، ما فتئت السلطات الموريتانية، تؤكد أن أهالي الصحراء الأسبانية، من البدو، هم امتداد للقبائل الموريتانية. كما أن العلاقات، العرقيـة والثقافية، قوية بينهم وبين معظم القبائل الموريتانية في الجنوب؛ لذلك، كانت موريتانيا تطالب بضم جزء منها، إِنْ لم يكن كلها، أو على الأقل بحق تقرير المصير لسكانها. إلا أنها فضلت عدم مجابهة أسبانيا بمطالبها في الصحراء، ولذلك ظلت هذه المشكلة محل صراع بين أسبانيا والمغرب حتى بداية الستينيات، حين اتخذت مشكلة الصحراء إطاراً تنافسياً بين المغرب وموريتانيا داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومع زيادة حدة النزاع، طالبت الأمم المتحدة، في 20 ديسمبر 1966 القوة الحاكمة، وبالتعاون مع الحكومة المغربية والموريتانية، باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنظيم استفتاء، يتم تحت إشراف الأمم المتحدة، حتى يمكن للسكان المحليين ممارسة حقهم في تقرير المصير . وتأجل إعلان الاستفتاء حول تقرير مصير شعب الصحراء، حتى يتم الاتفاق مع أسبانيا على تسليم السلطة ، ولم تستطع الحكومة المغربية، في هذه الظروف، تجاهل موريتانيا بشأن مطالبها هي الأخرى في مسألة الصحراء؛ ولذلك ساومت الحكومة المغربية أسبانيا، حتى عام 1970، على أن تتنازل أسبانيا عن الصحراء بكاملها للمغرب، في مقابل احتفاظها لأسبانيا بامتيازات اقتصادية وعسكرية، إلا أن أسبانيا رأت أن لا تنفرد المغرب بالصحراء في حالة خروجها منها، بل تشاركها موريتانيا في ذلك .

بقبول المغرب لمبدأ تقرير المصير للشعب الصحراوي، على أساس تخييرهم بين البقاء تحت الاحتلال الأسباني، أو العودة إلى الوطن المغربي، قدمت موريتانيا مذكرة للأمم المتحدة في 20 أغسطس 1974، أوضحت فيها أن تقرير المصير ينبغي أن يشمل اختياراً ثالثاً، وهو عودة الصحراويين إلى الوطن الموريتاني. وفي الوقت ذاته أدركت موريتانيا صعوبة مواقفها في مواجهة كل من المغرب والجزائر، ولذلك رأت ضرورة تنسيق خططها وأهدافها مع المغرب، فوافقت على عرض النزاع ـ القضية ـ على محكمة العدل الدولية، وبذلك استطاع الملك الحسن الثاني كسب الوقت اللازم للقيام بخطوات دبلوماسية وتنسيق الجهود بين سكان الصحراء، وكذلك مع موريتانيا، فوضعت الخطوط العريضة لتقسيم الصحراء بين المغرب وموريتانيا، خلال اتفاق بين المختار ولد داده والحكومة المغربية، في ديسمبر 1974. لكن العديد من الدول لم تتوقع أن تنتهي مشكلة الصحراء بتسليم السلطة إلى كل من المغرب وموريتانيا، من دون إجراء استفتاء حول تقرير المصير، ووضح ذلك من معارضة معظم أعضاء منظمة الوحدة الأفريقية لهذا التقسيم، وطالبوا بحق تقرير المصير. وفي أكتوبر 1975 أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري بشأن إقليم الصحراء، والذي أكد أنه كان يحتوي على منطقتي نفوذ، إحداهما موريتانية والأخرى مغربية، وكان هذا الرأي حجة لكل من المغرب وموريتانيا كي تواصلا جهودهما لتجنب فكرة الاستفتاء، والاتفاق مع أسبانيا مباشرة، على تسليمهم السلطة، ومع إقدام أسبانيا على تسليم السلطة في الصحراء، إلى كل من المغرب وموريتانيا، في 27 نوفمبر 1976، وافقتا على اتفاقية التقسيم، التي بمقتضاها، تحصل موريتانيا على الثلث الجنوبي للصحراء، وادي الذهب، إلا أن هذه المنطقة كانت تضم حوالي 15-20 ألف نسمة، كما أن هذه الاتفاقية قد تعرضت لانتقادات شديدة في منظمة الوحدة الأفريقية .

لقد كان واضحاً أن المشكلات، التي نجمت عن ضم الصحراء، قد أثرت على موريتانيا، فأثارت المشاعر والحماسة الوطنية بتوحيد الأراضي الموريتانية، كما حققت موريتانيا العديد من المزايا الاقتصادية، إضافة إلى تقليل مسافة السكك الحديدية، التي تربط بين مناجم الحديد في الداخل وحتى نواذييبو، إلا أن موريتانيا، بضمها هذا الجزء، قد واجهت أعباء عسكرية كبيرة ، فخصصت حوالي 25% من ميزانيتها العامة لأغراض الدفاع، وهذا أثر على خطط التنمية، خاصة أن الاستعمار الأسباني قد عمد إلى إغفال النواحي الثقافية والتعليمية والصحية في هذه المناطق، كما لم تكن هناك سياسة لاستثمار ثروات إقليم الصحراء، ولذلك وجب على موريتانيا بذل الجهود لدمج الصحراء في الوطن الموريتاني. لكن بعد قيام الجمهورية العربية الصحراوية، دفعت اتفاقية سلام بينها وبين موريتانيا في أغسطس 1979، اعترفت فيها موريتانيا بالحقوق الوطنية لشعب الصحراء، وتعهدت بإعادة منطقة تبريز، وهي القطاع الذي كانت تسيطر عليه موريتانيا منذ عام 1975، كما أعلنت موريتانيا إلغاء الاتفاقية الخاصة بالصحراء، والتي كانت قد وقعتها مع المغرب، وأعلنت تخليها عن المطالبة بأي حق في الصحراء الغربية .

11. موقف الجزائر من مشكلة الصحراء الغربية

تستند وجهة النظر الجزائرية إلى القرارات، التي أصدرتها لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، والتي تمثلت في أن تضمن الجمعية العامة حقوق شعب الصحراء، وأن السلطة الحاكمة مسؤولة عن توجيه شعب الصحراء إلى الاستقلال، وممارسة حقه في تقرير المصير، من خلال استفتاء تنظمه السلطة الحاكمة، أسبانيا، بالمشاورة مع المغرب وموريتانيا والجزائر، على أن يتم هذا الاستفتاء تحت مراقبة وإشراف هيئة الأمم المتحدة ، وحين أخطرت الحكومة الأسبانية الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنها سوف تقرر إجراء استفتاء تقرير المصير، خلال النصف الأول من عام 1975، كان رد فعل كل من المغرب وموريتانيا بمطالبتهما بالصحراء، باعتبارها جزءاً من أراضيهما، إلا أن الجزائر اعترضت على أي إجراء سيتخذ خارج هيئة الأمم المتحدة . وإزاء الاتفاق الثلاثي، الذي تم توقيعه بين موريتانيا والمغرب وأسبانيا، في نوفمبر 1975، رأت الجزائر أن هذا الإجراء يعد إنكاراً للالتزامات الرسمية من قِبَل أسبانيا تجاه شعب الصحراء، كما يعد خرقاً للاتفاقات، التي وقعت عليها كل من المغرب وموريتانيا، والخاصة بموافقتهما على قرارات الأمم المتحدة، حيث رأت الجزائر أنهما تجاهلتا وجود شعب الصحراء.

إثر توقيع الاتفاقية الثلاثية في مدريد، تغير الموقف الجزائري تجاه المشكلة، فرأت وجود عواقب خطيرة ستؤثر على مصير الشعب الصحراوي ووحدته القومية، مما سينعكس سلباً على الأمن والاستقرار في المنطقة، وكان من آثار هذا الاتفاق كذلك تخلي أسبانيا عن مسؤولياتها، وهذا ما اعتبرته الجزائر مخالفاً للقرارات، التي أصدرتها الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية، وكانت مساعي الجزائر تتوافق مع الموقف الدولي الممثل في الأمم المتحدة، ومجموعة دول عدم الانحياز، والموقف الإقليمي، من خلال منظمة الوحدة الأفريقية. ومنذ 20 ديسمبر 1966 تعددت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك قرارات منظمة الوحدة الأفريقية، وكانت تؤيدها وتوافق عليها الجزائر ، وبدأت عملية التشاور بين المغرب وموريتانيا والجزائر، في عام 1969؛ لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، كما عُقد لقاء قمة بين رؤساء الدول الثلاث، في 14 سبتمبر 1970 ـ قمة نواديبو ـ أكدوا فيه إصرارهم على إنهاء الوجود الاستعماري الأسباني في الصحراء، وأسسوا لجنة تنسيق ثلاثية كُلفت بمتابعة إجراءات تصفية الاستعمارالأسباني في الصحراء، وكذلك اجتمع زعماء الدول الثلاث، يوم 24 يونيه 1973 في مدينة أغادير بالمملكة المغربية، وأكدوا تمسكهم بحق تقرير مصير شعب الصحراء، وضرورة العمل على تطبيق هذا المبدأ، في إطار يضمن لسكان الصحراء التعبير عن إرادتهم، طبقاً لقرارات الأمم المتحدة .

على الرغم من عدم وجود مطالب إقليمية للجزائر في الصحراء، كانت تعترض على ضمها إلى المغرب، وذلك لأن وجود دولة مستقلة صغيرة، تقع بينها وبين المحيط الأطلسي، يجعل مرور مواردها أكثر سهولة مما لو أُلحقت بالمغرب، خاصة أن الخلافات الإيديولوجية بين البلدين قد تؤثر سلباً على إمكانيات التعاون بين النظم السياسية القائمة، ولذلك أيدت الجزائر جبهة تحرير الصحراء ، وتمسكت بتطبيق حق تقرير المصير لسكان إقليم الصحراء، بالإضافة إلى أنها ترفض الموافقة على أي حل لا تشارك في الإعداد له، بصفتها طرفاً من الأطراف المعنية وذات مصلحة. وفي مارس 1975، أجرت الجزائر اتصالات مع المغرب، وتوصلتا إلى اتفاق يقضي بموافقة المغرب على اتفاق ترسيم الحدود فيما بينهما، والموقع عام 1972، وبذلك تكون المغرب قد تخلت عن مطالبها الإقليمية في الأراضي الجزائرية، مقابل أن تعلن الجزائر عدم وجود أهداف إقليمية لها في الصحراء الغربية ، ولكن بعد أن أعلن في 14 نوفمبر 1975 عن توصل كل من المغرب وموريتانيا وأسبانيا إلى اتفاق ـ إعلان مبادئ ـ على تحويل السلطات إلى المغرب وموريتانيا، اعتبرته الجزائر انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن، ومعيباً للمعطيات الأساسية التالية:

أ. أن مسار تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، كما حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1965، أكدته محكمة العدل الدولية، وتقرير بعثة الأمم المتحدة عن إقليم الصحراء، وأثبت ذلك صحته.

ب. بما أن الصحراء الغربية بلد غير مستقل، فإن أسبانيا هي الدولة الحاكمة والمسؤولة أمام الأمم المتحدة عنه، ولا يحق لها أن تحيل مسؤولياتها إلى غير شعب الصحراء صاحب السيادة، وإن الأمم المتحدة هي التي تتولى الحفاظ على هذه السيادة.

ج. لا تقر الحكومة الجزائرية شرعية اتفاقية مدريد، بل تعتبرها باطلة وغير مقبولة، لأن حكومات أسبانيا والمغرب وموريتانيا لا يحق لها التصرف إطلاقاً في التراب الصحراوي وفي مستقبل شعبه .

أدت الاشتباكات المسلحة بين الجزائر والمغرب، في أوائل عام 1976، والتي تمت بالقرب من الحدود الجزائرية بين وحدة عسكرية مغربية والقوات الجزائرية، إلى احتلال القوات المغربية لمدينة المغلا، وبعد احتواء حدة هذا الصراع، صعدت الجزائر من تأييدها المادي والعسكري لجبهة البوليساريو، خاصة بعد إعلان تقسيم الصحراء الغربية بصورة رسمية بين المغرب وموريتانيا، والتجأ زعماء الحركة، ومن بينهم العديد من أعضاء مجلس الصحراء المحلي، إلى الجزائر، حيث أعلنوا اعتراضهم على هذه الاتفاقية. وعلى رغم المعارضة الشديدة، التي أبداها زعماء جبهة البوليساريو، فإن المغرب بدأ في تنفيذ الاتفاقية بقوات مسلحة متفوقة، وذلك بإحلال قواته تدريجياً محل القوات الأسبانية.

ترى الحكومة الجزائرية أن المغرب له مطامع بإنشاء إمبراطورية كبرى، من خلال ضمها أجزاء من الجزائر ومالي، إضافة إلى الصحراء الغربية، والجمهورية الموريتانية، حتى تصل إلى مصب نهر السنغال، كما أن الحكومة المغربية تتستر خلف مبدأ السلامة الإقليمية حتى تحقق هدفها ببناء المغرب الكبير في إطار الحدود، التي يطالب بها، لذلك فإن عملية ضم الصحراء ما هي إلا خطوة أولى لتنفيذ هذا المخطط المغربي. وتحلل الحكومة الجزائرية سياسة المملكة المغربية تجاه مشكلة الصحراء الغربية كالآتي :

أ. سياسة التوسع على حساب الشعوب الأخرى.

ب. إعطاء تفسيرات خاصة لمبدأي تصفية الاستعمار وتقرير المصير، ويتمثل ذلك في مطالبتها بتطبيق مبدأ الوحدة الإقليمية، الذي يترتب عليه إلحاق الصحراء الغربية بالوطن المغربي.

ج. عدم الاعتراف بجبهة البوليساريو واعتبارها حركة غير شرعية، لا تمثل سكان الصحراء الغربية.

د. عدم الاعتراف بالحدود الموروثة عن الاستعمار، كما تنص مبادئ منظمة الوحدة الأفريقية.

نشطت الدبلوماسية الجزائرية، وتركزت على محاولة إقناع المجتمع الدولي بضرورة العدول عن التسوية، التي تم التوصل إليها، وتطبيق مبدأ حق تقرير المصير على الشعب الصحراوي، من خلال تكثيف الحملات الدبلوماسية لدى الدول والمنظمات؛ لدفعها إلى الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، وكذلك التركيز العسكري على موريتانيا، من خلال تكثيف عمليات جبهة البوليساريو، في محاولة لإرغامها على العدول عن موقفها. وإزاء الضغوط الجزائرية وهجمات قوات جبهة البوليساريو، وبسبب سوء الأوضاع الداخلية أيضاً، اضطرت موريتانيا إلى توقيع اتفاقية مع جبهة البوليساريو في 5 أغسطس 1979، تنازلت بموجبها موريتانيا عن مطالبها بالصحراء الغربية. وبانسحاب القوات الموريتانية من الصحراء، قامت القوات المغربية بالدخول إلى الجزء الخاص بالجمهورية الموريتانية، وبهذا أصبحت الصحراء الغربية كلها تحت السيطرة المغربية، وهذا ما دفع الجزائر إلى توسيع الحملة الدبلوماسية، التي تشنها على المملكة المغربية، خاصة أن الحضور الدبلوماسي المغربي في القارة الأفريقية ضعيف، فاستغلت الجزائر هذا الضعف لصالحها، وذلك بفرض رؤيتها على الساحة الأفريقية.

 



[1] علال الفاسي، هو زعيم حزب الاستقلال المغربي، وهو الحزب الذي شكل نواة العمل السياسي في المغرب منذ الثلاثينيات وخلال مرحلة النضال ضد الاستعمار، كما كان يمثل القيادة السياسية للكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي.

[2] قام علال الفاسي بإعداد هذه الخريطة ونشرها أثناء تواجده في منفاه بالقاهرة.

[3] كانت أسبانيا ترى أن المحكمة غير مؤهلة لتقديم رأي استشاري بشأن السؤالين المطروحين.

[4] خطاب صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني في مدينة مراكش في 16 أكتوبر 1975.