إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر









الفصل الخامس

الفصل الخامس

السادات رئيساً

 

أذاع السادات نبأ وفاة عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970. وبعد ذلك، بحوالي أسبوعين، وتحديداً في 15 أكتوبر عام 1970، انتخب رئيسا للجمهورية العربية المتحدة. وجرى انتخابه في استفتاء نال فيه 90,04% من أصوات الناخبين، وكان تولى منصب الرئيس بصفة مؤقتة، عقب رحيل عبدالناصر، ثم خاض المعركة الانتخابية بشعار الخطى على طريق عبدالناصر، وعلى أساس أن عبدالناصر قد اختاره بنفسه، حين شعر بدنو أجله.

بعد إعلان النتيجة توجِّه السادات إلى مجلس الأمة، لأداء اليمين الدستورية، وبعد أن ألقى خطابه استدار إلى تمثال نصفي لعبدالناصر على منصة المجلس، وانحنى أمامه.

كانت الأنظار في مصر تترقب ما سيحدث؟ والأنظار في أمريكا والاتحاد السوفيتي ودول أوروبا والعالم العربي تترقب وتتلهف إلى استكشاف ما ستكون عليه مصر بعد عبدالناصر، وما هي اتجاهات الرئيس الجديد؟؟

في مصر: كان السادات لا ثقل له، ولا وزن شعبي. فقد كان في المقاعد الخلفية لرجال الثورة، لا توحي قدراته ببراعة في الحكم تملأ الفراغ الذي تركه عبدالناصر. وتوقع الكثيرون، ومنهم بعض كبار رجال الدولة المحيطين بالسادات، أنه لن يستمر في موقعه رئيساً لمصر أكثر من بضعة أشهر، ثم يسقط وينهار نظامه. وبدأ الشارع المصري يطلق النكات الساخرة على الرئيس الجديد؛ لأن الشارع يعي تماماً أن مصر وهي تواجه الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، في اشد الحاجة إلى قيادة لها خبرتها في الحكم، وقيادة تستطيع أن تقود البلاد إلى النصر وبر الأمان، وهو ما كان يفتقده السادات قبل توليه الرئاسة.

في خارج مصر: كان الاتحاد السوفيتي مقتنعا بأن السادات شخصية ضعيفة، يمكن احتواؤها بسهولة من رجال الكرملين في الحكومة المصرية!!

وكانت واشنطن تخشى ألا يكون بمقدور الرئيس الجديد أن يتصدى للسوفيت، وهي السياسة التي كان عبدالناصر قد بدأها، في الفترة الأخيرة، حين قبل مبادرة روجرز، بعد أن لمس تقاعس السوفيت عن إمداده بما يريد من صواريخ "سام" المضادة للطائرات، خاصة بعد أن بدأت إسرائيل تهدد بضرب المدن بطائراتها التي كانت تتوغل في عمق مصر. وانتهت حسابات أمريكا، بعد تحرياتها عن الرئيس الجديد، إلى أنه لن يحكم أكثر من أربعة أشهر.

وبوجه عام كانت الأوساط والدوائر السياسية والدبلوماسية الدولية تتساءل: هل سيكون الرئيس الجديد لمصر رمزاً فقط بلا سلطة، بينما السلطة الحقيقية في قبضة أحد مساعديه، ممن ينتظرون الفرصة للانقضاض لإسقاطه؟!

سياسة السادات

بادر السادات بإعلان التزامه بمنهج عبدالناصر وسياسته، وأنه سيسير على الخط نفسه[1]. وكانت المفاجأة التي أذهلت الجميع أن سياسة السادات تعتمد على الصدمات الكهربائية المفاجئة، مثال ذلك:

1.   في 29 ديسمبر 1970، أصدر قرار تصفية الحراسات. وقد أحدث القرار دوياً هائلا، وقوبل بحماس كبير.

2.   كان يوم 5 فبراير 1971، هو موعد انتهاء الفترة الثانية لوقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل. وكانت قوى كثيرة تمارس ضغوطها على مصر من أجل استمرار وقف إطلاق النار. وفوجئ العالم بالسادات في خطابه في مجلس الأمة، يوم 4 فبراير يعلن مبادرة جديدة تتضمن أن توافق مصر على مد فترة وقف إطلاق النار لمدة شهر في إطار مشروع يتضمن:

أ. انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية على الشاطئ الشرقي لقناة السويس، خلال ثلاثين يوماً، كمرحلة أولى ضمن جدول زمني للانسحاب الكامل إلى حدود مصر الدولية طبقاً للقرار رقم 242 الصادر من مجلس الأمن.

ب. إذا تحقق ذلك، فإن مصر على استعداد للبدء مباشرة في تطهير قناة السويس، وإعادة فتحها للملاحة الدولية. ولخدمة الاقتصاد العالمي ( اُنظر ملحق نص خطاب السادات أمام مجلس الأمة في 4 فبراير 1971).

ج. وقال محمد حافظ إسماعيل، إن المبادرة تضمنت أيضاً: أن تتعهد مصر بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، يُنَص فيه على إنهاء حالة الحرب، واعتراف مصر بحق إسرائيل في الوجود، والاعتراف بحق كل دولة في العيش بسلام داخل حدود آمنة معترف بها. والعمل على منع أي أعمال عدوانية من أراضي كل دولة ضد الأخرى، وضمان حرية الملاحة في مضيق تيران بناء على ترتيبات خاصة بالنسبة لشرم الشيخ.

وأضاف أنور السادات في كتابه أن المبادرة نصت على إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن الغريب أن السادات كان قد أخفى هذه المبادرة المفاجئة عن معاونيه، من كبار رجال الدولة والحكومة.

ولما رأى السادات تعثر المباحثات، زار الاتحاد السوفيتي، في الأول من مارس 1971، لمدة 24 ساعة. وذكرت جريدة الأهرام أنها زيارة سريعة عرض خلالها الموقف العسكري المصري وحتمية البدء بعمليات حربية، وحاجات القوات المصرية من الأسلحة، التي تضمنت طائرات الردع، واستكمال الذخائر وحاجات الدفاع الجوي عن الصعيد، أي جنوب مصر، ولكن السوفيت تقاعسوا في الاستجابة للسادات مع أنه كان قد أعلن أن عام 1971 هو عام الحسم ( اُنظر ملحق لقاء السادات مع رجال الصحافة والإعلام.).

3.   في 17 أبريل 1971، أعلن السادات مشروع الوحدة بين مصر وسوريا وليبيا، وقد عارضه كثير من أعضاء اللجنة المركزية.

4.   في 31 مايو 1971، تولى السادات بنفسه إحراق أشرطة التجسس على المكالمات التليفونية. وأصدر تعليماته بمنع مراقبة التليفونات إلاّ بأمر القضاء، ولأسباب مقنعة، ولمدة محدّدة[2].

ثورة التصحيح

سرعان ما بدأت تلوح في الأفق نُذر الصدام بين السادات، وما اصطُلِح على تسميته بـ "مراكز القوي"، ويُقصد بها المجموعة الوطنية الحاكمة في عهد عبدالناصر، والتي خلفت المجموعة العسكرية للمشير عبدالحكيم عامر، بعد حرب يونيه 1967. وقد بدأ الصراع من البداية حين طلب السادات ـ بعد تشييع جنازة عبدالناصر ـ انعقاد اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي، واقترح ضرورة إجراء استفتاء على رئاسته. فقد قال له أحد أعضاء اللجنة التنفيذية:"أخشى لو قدمنا اسمك للناس أن تتعرض للحرج، فالبلد ترفضك، وإذا حدث هذا فسيكون معناه إن البلد ترفض ثورة 23 يوليه".

ولكن انتهى رأيهم بتأييد ترشيح السادات لرئاسة الجمهورية. خاصة بعد أن أقلقهم بروز زكريا محيي الدين في الصورة، فلم يكن أحد منهم يُرحب بترشيحه، فقد كانت شخصيته القوية تجعل من المتعذر السيطرة عليه، على عكس السادات الذي غررت بهم شخصيته المسالمة طوال عهد عبدالناصر، وظنوا أن بإمكانهم توجيهه بسهولة.

·    حين عرض السادات على اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي اتفاق الوحدة الذي وقَّعه في بنغازي، بين مصر وسوريا وليبيا، تجمَّعت أصواتهم في اللجنة التنفيذية العليا ضد الاتفاق (خمسة أصوات ضد ثلاثة هم: السادات، ونائبه حسين الشافعي، ومحمود فوزي، رئيس الوزراء) فاضطر إلى عرض الموضوع على اللجنة المركزية (300 عضو) وحصل على الموافقة.

·    في موقف آخر حاولوا إجباره على استئناف حرب الاستنزاف، ولكنه رفض حتى تأتيه بطاريات الصواريخ من الاتحاد السوفيتي.

·    عندما أعلن السادات مبادرة 4 فبراير 1971، فوجئ بوجوم تام من مراكز القوى، وظهور علامات الضيق والاستنكار على وجوههم.

·    كان السوفيت في ذلك الوقت يتعاملون مع السادات بحذر وتوجس، ولأسباب غير مفهومة قسّم السوفيت خلفاء عبدالناصر إلى مجموعتين: مجموعة يسارية، وهي مجموعة علي صبري واتباعه (مراكز القوى)، ومجموعة يمينية، وعلى رأسهم السادات ومحمد حسنين هيكل[3]. ولذا اشترط السوفيت على السادات لتسليمه طائرات ميج، أن يكون معها طياروها، وألاّ يتم استخدام هذه الطائرات إلا بإذنهم. ولكن السادات رفض هذا الشرط، وقال أمام مراكز القوى: "لا قرار إلا لي أنا كرئيس جمهورية"، فاشتد استنكار مجموعة على صبري على السادات، وخرجوا ساخطين وهم يقولون: "لماذا لا يوافق على استئذان روسيا، وهي دولة عظمى[4].

وبدأ السادات يتربص بهم، وأخذوا يتربصون به. واستعد السادات في صمت لكل احتمال. أعد خطة سرية مع قائد الحرس الجمهوري لتامين القاهرة. ثم في 2 مايو 1971 اصدر قراره بإقالة علي صبري من جميع مناصبه، ونشر القرار في الصحف الرسمية. وعقد اجتماعات في القوات المسلحة، وقال في خطبة له هناك:

"لن اسمح بمراكز القوى ولا بالصراع، وأي واحد حيعمل حاجة ضد مصر أنا حأفرمه" وكان الفريق محمد أحمد فوزي ـ وزير الحربية ـ جالساً إلى جواره في ذلك الوقت.

الفريق صادق ينقذ السادات

حين وقع الصدام، عنيفاً بين السادات ومراكز القوى، في اللجنة المركزية، ثم اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي في 21 أبريل 1971، أعد الفريق محمد فوزي خطة انقلاب، وكتب بخط يده أمراً إلى الفريق "محمد صادق" طالباً منه الاستعداد من الصباح الباكر والتنسيق مع المخابرات الحربية، والفرقة السادسة الميكانيكية، واللواء 22 مشاة، والشرطة العسكرية، لتأمين القاهرة والسيطرة على الإذاعة، ومداخل القاهرة، وإغلاق أجهزة لاسلكي السفارات. ولكن الفريق صادق، رئيس الأركان، احتفظ بهذه الوثيقة، ولم ينفذ ما فيها، بل همس في أذن محمد حسنين هيكل قائلاً: "قُلْ لهذا الرجل أن يصحو من نومه وأن يأخذ حذره"[5].

الفريق فوزي يرفض مقترحات روجرز والسادات!!

في 4 مايو 1971، وصل إلى القاهرة "ويليام روجرز"، وزير خارجية أمريكا إلى القاهرة، وقدم للسادات مقترحات جديدة لحل أزمة الشرق الأوسط، ورد عليها السادات بمقترحات بديلة. ثم استدعى السادات الفريق فوزي، وأحاطه علماً بالأمر. وفوجئ السادات في اليوم التالي بالفريق فوزي يقدم له تقريراً بخط يده في 12 صفحة عنوانه: "رأي القوات المسلحة في مقترحات روجرز" ويرى التقرير أن مقترحات روجرز ومعها مقترحات السادات، غير مقبولتين. وكان هذا شيئا عجيباً، فالسادات لم يطلب رأي القوات المسلحة، ثم كيف استطاع الفريق فوزي في ساعات قليلة أن يعلم رأي القوات المسلحة.

يقول جمال حماد: كان الفريق فوزي على ثقة تامة من جهة ولاء الفريق صادق له ولجماعته، وقد كانت علاقته معهم، ومع سامي شرف قوية ووثيقة منذ عهد عبدالناصر، ويبدو أن الفريق صادق قد سايرهم إلى الحد الذي اعتقد معه فوزي أنه يمكن الاعتماد عليه، وأنه أصبح ضالعاً معه في خططه وتدبيراته، وقد اعترف صادق بنفسه بأنَّهم قد قرَّبوه إليهم، ولوَّحوا له بالمنصب، وكان لا يُعلقِّ كلما طعنوا في السادات أمامه، ولا يعارض كلما كشفوا أوراقهم ومخططاتهم لاقتلاعه، مما أقنعهم في النهاية بأنه قد غدا واحداً من جماعتهم، وليس أدل على ذلك من دليلين قاطعين:

أولهما: أن فوزي وجماعته، في إحدى جلساتهم بمكتب الفريق فوزي، كشفوا أمام صادق بلا أي تحفظ أو حذر عن نيتهم المبيَّتة في التخلَّص من محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير الأهرام وقتئذ، وكان ذلك هو السبب الذي دعا صادق إلى أن يرسل سراً إلى هيكل تحذيراً قوياً بأن يلتزم الحيطة والحذر.

الثاني: السادات نفسه كان لديه الانطباع بأن الفريق صادق كان أقرب إلى مجموعة فوزي، التي تناوئه، منه إلى السادات، وقد ذكر هيكل في كتابه أن السادات ظل تحت تأثير ذلك الانطباع حتى أكدَّ له هيكل، في اللحظات الحرجة مساء يوم 13 مايو، بأنه في إمكانه الاعتماد على الفريق صادق.

الليلة الحاسمة

في ليلة 11 مايو 1971، وصل إلى بيت السادات بعد منتصف الليل، ضابط شرطة يعمل في إدارة الرقابة على الهاتف في وزارة الداخلية. وكان يحمل مجموعة من الأشرطة المسجلة، تكشف بوضوح أن جميع الهواتف التي يتصل بهم الرئيس تحت المراقبة، ويعني ذلك أن السادات نفسه كان تحت الرقابة الكاملة. وكان ضمن الأشرطة شريط عليه تسجيل لمكالمة بين اثنين من مراكز القوى، يتضح فيها تآمرهم على السادات، فقد اتضح أن الإذاعة كانت محاصرة يوم جلسة اللجنة المركزية للاستفتاء على مشروع الوحدة، حتى إذا ذهب السادات إلى الإذاعة يتم اغتياله.

بدأ السادات بإقالة وزير الداخلية، شعراوي جمعة، يوم 13 مايو 1971. وطلب من سكرتيره فوزي عبدالحافظ أن يتصل بممدوح سالم، محافظ الإسكندرية، لكي يحضر مباشرة إلى منزل الرئيس في الجيزة دون أن يعرف أحد بذلك. ثم أعلن السادات تعيين ممدوح سالم وزيراً للداخلية. وقررت مراكز القوى مفاجأة السادات باستقالة جماعية، بما يهدد بانهيار دستوري في الدولة. فقد سمع السادات من الإذاعة نبأ استقالة مشتركة قدَّمها إليه وزير الحربية، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية، ورئيس مجلس الأمة، وعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، ومدير المخابرات العامة. وكان إعلان الاستقالة في الإذاعة قبل وصولها إلى الرئيس، إجراءً قُصِد به دفع الأزمة إلى أقصى درجات الحدة[6].

محاولة أخيـرة

حاول الفريق فوزي محاولة أخيرة لتصعيد الأزمة. فدعا قادة القوات المسلحة إلى اجتماع في مكتبه في وزارة الحربية، وأخذ يحدثهم عن تطورات الأزمة قائلاً: "إن رئيس الجمهورية يبيع البلد للأمريكان، فهل يمكن لنا كقوات مسلحة أن نقبل هذا الوضع؟ ". فرد عليه الفريق صادق بقوله: "إنك قدمت استقالتك، والآن تعرض علينا ما لا دخل لنا فيه وما يمكن أن تترتب عليه عواقب وخيمة، إنك الآن متعب، وأنا اقترح أن تذهب إلى بيتك لتستريح".

انتصار السادات

أصدر السادات قراره في الليلة نفسها، 13 مايو، بقبول جميع الاستقالات فوراً، وتحديد إقامة المستقيلين في منازلهم، ثم اتصل بالفريق صادق وسأله عن الموقف، فطمأنه بأن كل شئ على ما يرام، فطلب منه السادات أن يمر عليه في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل وأخبره أنه عينه وزيراً للحربية ورقاه إلى رتبة الفريق أول. وفي صبيحة 15 مايو أمر بالتشكيل الوزاري الجديد، وبإحراق جميع شرائط التسجيل الموجودة في وزارة الداخلية.

وفي 9 ديسمبر 1971، صدرت أحكام محكمة الثورة تتضمن:

1.   إعدام كلٍ من على صبري، وشعراوي جمعة، وسامي شرف، وأمر السادات بتخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبَّدة.

2.   الأشغال الشاقة المؤبَّدة على الفريق أول محمد فوزي، وأمر السادات بتخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة لمدة 15 سنة.

3.   الأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات على محمد فائق.

4.   14 حكماً بالبراءة، و15 حكماً بالحبس مع وقف التنفيذ على عدد آخر من المتهمين.

وهكذا خرج السادات منتصراً، وأصبحت السلطة كاملة في يده. وأصدر قراره بإعادة تشكيل تنظيمات الاتحاد الاشتراكي العربي في 20 مايو 1971. (اُنظر ملحق حديث الرئيس محمد أنور السادات إلى الشعب ، 14 مايو 1971  وملحق كلمة الرئيس السادات في لقائه مع ضباط الشرطة 16 مايو 1971 وملحق خطاب الرئيس السادات أمام مجلس الأمة في 20 مايو 1971 ثورة التصحيح).

السادات والسوفيت وأمريكا

إذا أردنا إيجاز ما حدث في العشر سنوات، من 1971 إلى 1981، فإن ما أورده الأمير خالد بن سلطان في بحث له، في الولايات المتحدة الأمريكية، باللغة الإنجليزية، يُعيننا على ذلك. فقد أورد سموه:

"إن هزيمة 1967 أفقدت سياسات عبدالناصر مصداقيتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، مما اضطر خليفته أنور السادات أن يعيد التقييم الشامل لأوضاع مصر على المستويين المحلي والدولي، ويعيد صياغة هذه الأوضاع وتسويتها. وفي خلال العشر سنوات التي تلت وفاة عبدالناصر، قام الرئيس السادات بتحويل مصر من الاعتماد المطلق على موسكو إلى الاعتماد المطلق على واشنطن، وهذا التحول العام لم يحدث بين عشية وضحاها، بل كانت خطواته الرئيسية كالتالي:

·    طرد نحو 20000 خبير عسكري سوفيتي من مصر عام 1972، وهي خطوة جريئة حظي فيها السادات بتشجيع الملك فيصل، ملك المملكة العربية السعودية.

·    حرب عام 1973 ، التي كانت محاولة لكسر جمود الصراع العربي الإسرائيلي، وفتح الطريق أمام محادثات السلام.

·    قبول مصر لمقترحات كيسنجر لفض الاشتباك عامي 1973، 1975.

·    وفي النهاية تبني الرئيس كارتر لإستراتيجية السلام، والتي توجت بتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مارس 1979.

وكانت الأسباب الخمسة الرئيسية التي جعلت الرئيس السادات يأخذ في إعادة تصحيح وضع مصر، هي:

1.   استنزاف اقتصاد الشعب المصري طوال ثمانية عشر عاماً، خلال حكم عبدالناصر ضمن ثلاثين عاماً من الصراع.

2.   عدم تسليح الجيش المصري بأسلحة سوفيتية متطورة، والخلافات مع الخبراء السوفيت. وكان هناك اقتناع تام بأن الاتحاد السوفيتي يرفض تزويد مصر بالأسلحة الهجومية التي تحتاجها.

3.   الإيمان بأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تملك قوة التأثير على إسرائيل من أجل تحقيق السلام الذي يمكن أن يقبله العرب. ففي عام 1967، أوضحت كل من المملكة العربية السعودية وتونس والمغرب والأردن للرئيس عبدالناصر أن القوة الرئيسية التي يمكنها التأثير على إسرائيل توجد في أيدي أمريكا. وقد طبق الرئيس السادات هذه السياسة.

4.   الرغبة المصرية في تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، والدول الأخرى المنتجة للنفط في شبه الجزيرة العربية، بعد أن توترت بسبب حرب اليمن في الستينات.

5.   وأخيراً الحاجة لتحرير الاقتصاد المصري، وتشجيع القطاع الخاص الذي تم تقييده خلال عهد عبدالناصر".

وإذا أردنا بيان أسباب وملابسات التحول في سياسة السادات، فينبغي القول بأن السادات على الرغم من وجود رغبة دفينة في نفسه للتخلص من السوفيت، إلاّ أنه كان حريصا في البداية على تهدئة مخاوف عدد كبير من أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، حيث دارت المناقشات في عام 1971، واخذ البعض يردد مخاوفه من أن يكرر السوفيت ما فعلوه في تشيكوسلوفاكيا. قال السادات "إننا لا نريد إبقاء الخبراء السوفيت، ولكننا محتاجون إليهم للدفاع عنا في العمق، وأنهم عبء علينا، لأننا ندفع لهم مرتباتهم بالعملة الصعبة"! وكانت هذه الأقوال تتسرب للسوفيت، مما جعل الشكوك تتزايد لديهم في السادات.

وقد بلغ من حرص السادات، عندما وقع الخلاف بينه وبين مراكز القوى واعتزم إقالة علي صبري، أن أبلغ السفير السوفيتي يوم 22 إبريل بذلك. وعندما أبدى السفير دهشته لمصارحة السادات له، قال السادات:

"لأن الناس سيقولون لكم إن رجل السوفيت الأول في مصر قد صُفّي، وسترقص صحف الغرب أمامكم بالجلاجل في محاولة لإثارتكم. لكني أوكد لك أنه ليس في هذا شيء موجه ضد الاتحاد السوفيتي، إنها مسألة داخلية محضة، وإذا بدا لأحد أن يصور لكم الموقف بأن ما سأفعله موجه ضد الوجود السوفيتي في مصر، ففي استطاعتكم أن تردوا بأني سأكون سعيداً لو عززتم هذا الوجود".

معاهدة مصرية سوفيتية

على الرغم من طمأنة السادات للسوفيت إلا أن شكوكهم أخذت تزداد. فأسرعوا بصيغة مشروع معاهدة صداقة. وحضر الرئيس بودجورني إلى مصر يوم 25 مايو 1971، وقابل السادات، الذي لاحظ أن الروس يشعرون بأن كل شئ في مصر الآن مضطرب ومعكوس بالنسبة إليهم. كان بودجورني يحمل معه مشروع معاهدة جاهزاً للتوقيع، ووافق السادات، وتم توقيع المعاهدة يوم 27 مايو 1971. ( اُنظر ملحق اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي في 27 مايو 1971)

وكانت هذه المعاهدة مدعاة لدهشة الأمريكيين، وأخذوا يتساءلون لماذا تخلص السادات من أعوانه، الذين كانوا يتصورونهم موالين للسوفيت، وهي خطوة اعتبروها اتجاهاً إلى التقارب مع الأمريكيين! ولذا سألوا الملك فيصل، وكان في واشنطن في ذلك الوقت، عن مغزى تصرف السادات؟ فقال الملك فيصل: إن المعاهدة مجرد مناورة، وجد السادات نفسه مضطراً إليها، وأما نواياه الحقيقية فهو يعرفها.

كان السوفيت في ذلك الوقت يسعون إلى منح الأسطول السوفيتي تسهيلات في الموانئ المصرية. وحضر إلى مصر وفد عسكري سوفيتي، ثم حضر الأميرال جورشيكوف ليؤكد أن التسهيلات المطلوبة لا تساعد الأسطول السوفيتي على أن يعمل بصورة أفضل فحسب، وإنما ستتيح لمصر الحصول على معلومات استطلاع افضل بكثير. ولكن الجانب المصري رفض.

إعادة الرئيس السوداني جعفر محمد نميري إلى الحكم

شهد السودان أحداثا خطيرة، بدأت منذ العاشر من يوليه 1971؛ إذ نجح اليسار السوداني في عمل انقلاب وإلقاء القبض على الرئيس جعفر نميري. وأعلن السادات شجب الانقلاب، ورفض قيام حكم شيوعي على حدود مصر، وتدخلت القوات المصرية، وبعد 72 ساعة تمكنت القوات المؤيدة لنميري من السيطرة على الموقف، والإفراج عن الرئيس المعتقل.

محاولات ووعود دون جدوى

في 2 يوليه 1971، أوفد السادات وزير خارجيته، محمود رياض، إلى الاتحاد السوفيتي ليُبلغ السوفيت موافقة السادات على منح تسهيلات بحرية للأسطول السوفيتي في مرسى مطروح، مقابل تعاون السوفيت في المرحلة الأولى من عمليات عسكرية تستهدف احتلال منطقة المضايق في وسط سيناء، تمهيداً لمرحلة ثانية تستهدف تحرير سيناء. وأكد بريجنيف، الرئيس الروسي، استعداده لذلك، خاصة بعد أن صرح رياض بصدور قرار مصري بالعبور قبل نهاية 1971، لكن الروس لم ينجزوا ما وعدوا به.

في الفترة ما بين 11 ـ 13 أكتوبر، زار السادات موسكو بهدف استطلاع موقف السوفيت، على نحو يمكنه من اتخاذ قرارات مستقبلية. وأكد لهم السادات أن مصر تمر بمرحلة التحول للاشتراكية، وأعرب عن مخاوفه من أن يفقد العالم اهتمامه بقضية مصر. وأوضح للسوفيت أن مرور عام 1971 دون إحراز تقدم، إنما يعني تأجيل القضية إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، وصرح لهم بما يتردد في الرأي العام وفي القوات المسلحة، من أن الاتحاد السوفيتي يمنع مصر من الحرب!!.

ومرّ عام 1971 دون حسم

في 3 نوفمبر دعا السادات مجلس الدفاع الوطني المصري، لاجتماع خاص لوضع خطة جديدة للعمل السياسي والعسكري. وقرر تولى القيادة العسكرية[7]، "وأعلن في خطابه في 11 نوفمبر أمام مجلس الشعب سحب مبادرة 4 فبراير ( اُنظر ملحق خطاب الرئيس السادات في افتتاح مجلس الشعب في 11 نوفمبر 1971). كما قررت الولايات المتحدة وقف مبادرتها وإمداد إسرائيل بالصاروخ "لانس" أرض أرض في تصعيد واضح لتأييد إسرائيل، وتأكيد تفوقها العسكري.

وفي 22 نوفمبر 1971، بدأت الهند هجوماً بالدبابات والطائرات على أراضي باكستان الشرقية، وهكذا اشتعلت الحرب بين الهند وباكستان، وتورطت القوى الكبرى في هذه الحرب، وأجَّل السوفيت البرنامج الزمني لتوريد الأسلحة المتعاقد عليها مع مصر. وهكذا انتهى عام 1971 دون حسم.

انفراج في الأزمة

دخلت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ نوفمبر 1971، في تصنيع الأسلحة مع إسرائيل. وأعلنت أنها ستحتفظ لإسرائيل بالتفوق على العرب أجمعين. فبينما كان السوفيت يتباطئون في إرسال الأسلحة لمصر في 1 و2 فبراير 1972، سافر السادات إلى موسكو ولام القادة السوفيت بشدة على هذا الموقف، فوعدوه بالوفاء بالتزاماتهم، وبدءوا بالفعل في إرسال كميات من الأسلحة. وعاد السادات إلى موسكو مرة أخرى في أبريل، واتفق معهم على البدء في توريد الأسلحة المتأخرة في خلال خمسة أشهر، من يونيه إلى أكتوبر 1972، ليكون السادات مستعداً في نوفمبر بعد انتخاب الرئيس الأمريكي، حتى إذا لم يكن هناك طريق إلى الحل السلمي، أمكن التحرك العسكري.

احتفال ونياشين وغناء

في 14 مايو 1972، وصل المارشال جريتشكو، وزير الدفاع السوفيتي، إلى القاهرة. وسبقته إلى مطار غرب القاهرة 4 طائرات سوخوي 17، تقرر إمداد مصر بها. وبهذه المناسبة أقيم عرض جوي اشترك فيه هذا السرب، وتلاه صدور بيان بأن مصر تسلمت قاذفات بعيدة المدى، وهو أمر غير صحيح، إلاّ أن السادات وافق على إذاعة البيان، ومنح الطيارين نياشين. ثم دُعي جريتشكو إلى حفل عشاء في نادي الضباط في الزمالك. وأصر السادات ـ إمعاناً في إظهار حفاوته ـ على أن تغني إحدى بناته أغنية عن "ليالي موسكو" تعلمتها حينما كانت تحضر معسكراً للشباب في الاتحاد السوفيتي.

هدية من السادات لموسكو

يقول الدكتور عبدالعظيم رمضان إنه، في 15 مايو 1972، وقع اشتباك بين طائرتي ميج 25، يقودهما طياران سوفيتيان، وطائرتي فانتوم إسرائيليتين، أثناء قيام طائرتي الميج برحلة استطلاعية فوق سيناء. فأطلقت عليهما الطائرتان الإسرائيليتان عدداً من صواريخ "سبارو". ولكن نظراً لتفوق الميج 25 في السرعة والارتفاع، طاشت الصواريخ، وسقط أحدها سليما في أيدي القوات المصرية غرب القناة. فأمر السادات بتسليم الصاروخ إلى الخبراء السوفيت، الذين سعدوا كثيراً بالغنيمة الأمريكية[8].

الاسترخاء العسكري في الشرق الأوسط

في الأسبوع الأخير من مايو، تم اجتماع القمة السوفيتي ـ الأمريكي في موسكو. وفيه اتفق الطرفان على عدة نقاط. أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فكان الاتفاق على تطبيع الموقف في المنطقة، كما يُسمح باتخاذ خطوات أخرى من أجل تأمين الاسترخاء العسكري فيها. وكان هذا الاتفاق صدمة عنيفة للسادات جعلته يفكر في الاستغناء عن خدمات الخبراء الروس. وكان الملك فيصل دائم التحريض للسادات على ذلك، وكان قد أرسل إلي السادات في 2 فبراير 1972، رسالة يعرض فيها هدية من 20 قاذفة مقاتلة سعودية.

طرد الخبراء السوفيت

أخذت سياسة الاتحاد السوفيتي في تسليح مصر، تدفع بالعلاقات المصرية السوفيتية إلى صدام عنيف. فالسياسة السوفيتية في ذلك الوقت كانت تقوم على تقوية مصر دفاعياً لا هجومياً. وقد قدم السوفيت في هذا المجال خدمات لا تنسى، أعادوا بناء الجيش المصري من الصفر بعد هزيمة يونيه 1967، وعندما وجه الإسرائيليون غاراتهم في العمق، قدم الاتحاد السوفيتي شبكة الصواريخ المشهورة التي تسببت في ردع الهجمات الجوية الإسرائيلية قبل وقف إطلاق النار في 7 أغسطس 1970.

وقد استمر السوفيت في تسليح مصر (حتى بعد طرد خبرائهم)، حتى بلغت قوات الجيش المصري صباح يوم 6 أكتوبر 1973 من الأسلحة السوفيتية نحواً من:

700 دبابة، 2000 عربة مدرعة، 2500 مدفع هاون، 700 قاذف صاروخي موجه، 190 مدفعاً مضاداً للدبابات، 500 قذيفة آر بي جي. وآلاف القنابل اليدوية المضادة للدبابات آر بي جي 43، 400 طائرة قتال وتدريب، 140 طائرة هليوكبتر، 150 كتيبة صواريخ، 2500 مدفع مضاد للطائرات، ولواء صواريخ أرض ـ أرض R17 E، ولواء برمائي، و 19 لواء مشاة راكب، و 8 ألوية مشاة ميكانيكي، و 10 ألوية مدرعة. هذا عدا القوات البحرية.

وعلى الرغم من أن حجم هذا السلاح، كان يفوق ما لدى كثير من دول حلف وارسو، وحلف جنوب شرق آسيا إلاّ أن القوات الإسرائيلية كانت تتفوق في الجو، بما يكفي لإسكات واحتواء القوات البرية والبحرية. ومن هنا تركزت جهود السادات في حمل الاتحاد السوفيتي على تزويد مصر بالأسلحة الهجومية، لشن الحرب على إسرائيل، ولكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً. وأكثر من ذلك، أخذ الاتحاد السوفيتي يعارض شنّ الحرب.

في 6 يوليه 1972، تم لقاء عاصف بين السادات والسفير السوفيتي (فينوجرادوف)، أبدى السادات تشاؤمه وضيقه الشديد من إخلاف الوعود وتقاعس القادة السوفيت.

وفي 8 يوليه 1972، استدعى السادات السفير السوفيتي وأبلغه القرارات التالية:

1.   إنهاء خدمات الخبراء السوفيت (15000 خبير) اعتباراً من 17 يوليه 1972.

2.   ووضع القوات السوفيتية الباقية بمعداتها تحت القيادة المصرية، إلى أن يتم تدريب المصريين على معداتها أو تنسحب.

3.   الطائرات الأربع الميج 25، ومحطة الحرب الإليكترونية التي يعمل عليها طاقم سوفيتي، إمَّا أن تباع إلى مصر، أو يتم سحبها إلى الاتحاد السوفيتي.

4.   أن يُنفَّذ هذا كله خلال أسبوع واحد.

وقد وجَّه السادات حديثاً إلى اللجنة المركزية في 18 يوليه 1972، شرح فيه ظروف اتخاذ الخطوات السابقة، وأُعلن ذلك في الصحف الرسمية. وقد تم تنفيذ هذه القرارات، ورفض السوفيت بيع الطائرات وأجهزة التشويش وسحبوها معهم ( اُنظر ملحق السادات يشرح للجنة المركزية تفصيلاً تطور الاتصالات مع موسكو).

والجدير بالملاحظة أن الاتحاد السوفيتي قدَّم لمصر من السلاح بعد طرد خبرائه، إمدادات أكبر وأهم مما كان يقدمه قبل القرار، خصوصاً عقب الزيارة التي قام بها إلى موسكو الفريق أحمد إسماعيل علي، الذي خلف الفريق صادق وزيراً للحربية.

وفي 30 أغسطس 1972، أرسل السادات إلى الرئيس بريجنيف، رسالة هامة يستعرض فيه أسباب الخلاف، وتصاعد الأزمة، وتعدُّ هذه الرسالة وثيقة على جانب كبير من الأهمية ( اُنظر ملحق الرسالة التي وجهها السيد الرئيس إلى بريجنيف في 30 أغسطس 1972).

ويرى كثير من المحللين أن السادات كان محقاً في هذه الخطوة، ولم يكن مخطئاً بأي حال. أمّا المعارضون لطرد الخبراء السوفيت فيرون أن الوجود السوفيتي كان في حد ذاته رادعاً لإسرائيل، وأن إنهاءه يعتبر تحقيقاً لهدف أمريكي بحت أعلنه كيسنجر منذ عام1970، وأشار إليه روجرز في مايو 1971.

حـرب أكتوبر

يقول السادات: .. ذهبت إلى الحرب في أكتوبر من أجل شعبي والأمة العربية".

تململ وسخط

في 12 أكتوبر 1972 (في شهر رمضان)، قاد أحد الضباط برتبة نقيب وحدة من السيارات المدرعة إلى مسجد الحسين في القاهرة, وبعد أداء صلاة المغرب أخذ يخاطب الناس، الذين تجمعوا حوله، معلناً أن الوقت قد حان لدخول المعركة مع إسرائيل. وحين حوصرت وحدته وأُلقي القبض عليه، كان التفسير الرسمي لتصرف هذا الضابط أنه فقد توازنه العقلي. ولم تكن القوات المسلحة وحدها هي التي بدأت تظهر فيها علامات التململ، بل الأمة كلها. وكان الطلاب قد خرجوا في تظاهرات تعبيراً عن هذا الإحباط، واعتقلت أعداد كبيرة منهم، وأغلقت الجامعات. وكان الإلحاح من دوائر عديدة متصلاً على ضرورة دخول الحرب، أو تصعيد الموقف. وقدمت جهات كثيرة ـ على رأسها السعوديون ـ نصيحتها للسادات بضرورة تسخين الموقف لكي يفرض نفسه على الأطراف، بما فيهم الولايات المتحدة.

في 26 أكتوبر 1972، أصدر السادات قراره بإقالة الفريق محمد أحمد صادق وتعيين الفريق أحمد إسماعيل علي، وزيراً للحربية، ثم في أواخر عام 1972 تم اختيار الفريق إسماعيل قائداً عاماً للجبهات المصرية السورية والأردنية، في اجتماع مجلس الدفاع العربي. وطلب منه السادات تصحيح الخطة الدفاعية 200. وفي أوائل يناير 1973 كان الفريق إسماعيل قد وضع الهيكل الأساسي للخطة، وقد أصدر أمراً يدل على مهارته البالغة، حين طلب من كل ضابط على امتداد القناة أن يتسلق الساتر الترابي، الذي أصبح ارتفاعه 20 متراً، وينظر أمامه على مدى 10 كيلومتر داخل سيناء، وأن يحدد على الطبيعة ـ وليس على الورق ـ خطته التي يستطيع أن ينفذها بعد العبور. وقد أعطى ذلك الأمر للضباط ثقة في أنفسهم، وجعلهم يشاركون مشاركة فعالة في العمل والتخطيط كذلك.

مناورة السـادات

بدأ السادات حملة في الصحف وفي جلسات مجلس الدفاع الوطني، في شهر مايو 1973، تُنذر بقرب الحرب، فحشد الإسرائيليون جيوشهم. ثم في أغسطس 1973 فعل السادات الشيء نفسه، فأعلن الإسرائيليون التعبئة العامة. ولذا عندما سئل موشي ديان بعد حرب أكتوبر، لماذا لم يعلن التعبئة في أكتوبر، قال: إن السادات دفعني إلى هذا مرتين مما كلفني في كل مرة 10 ملايين دولار دون جدوى، فلما جاءت المرة الثالثة ظننت أنه غير جاد مثلما حدث في المرتين السابقتين، ولكنه خيب ظني.

اكتشفت القيادة العسكرية المصرية أنها في ظل التفوق الجوي الإسرائيلي، لن تستطيع شنّ هجوم شامل يستهدف تحرير سيناء، وإجبار العدو على الانسحاب إلى قطاع غزة. ووجد السادات نفسه في مأزق خطير: فهو لا يستطيع أن يشن حرباً شاملة، كما انه ـ بالمثل ـ لا يستطيع أن يبقى بلا حرب. في ذلك الحين أفرز الفكر العسكري المصري نظرية الحرب المحدودة، وتتمثل في عبور القوات القناة واحتلال مسافة 10 أو 15 كيلومتراً من شاطئ القناة الشرقي، والتصدي للتفوق الجوي الإسرائيلي بشبكة الصواريخ المصرية المنتشرة على شاطئ القناة الغربي، واستخدام هذه الحرب في تحريك الموقف الدولي سياسياً، لحمل إسرائيل على الانسحاب من بقية سيناء، أو الضغط عليها بحرب استنزاف من نوع جديد، على الضفة الشرقية للقناة في هذه المرة، لكي تستجيب للضغط الدولي.

على أن هذا الرأي لم يقنع الفريق صادق، واللواء علي عبد الخبير، قائد المنطقة العسكرية، وغيرهما من القادة. فقد كانوا يرون ضرورة الحرب الشاملة، والانتظار حتى يكتمل بناء قوة الردع. وقد أثار هذا الرأي السادات فأقال الفريق صادق، واللواء عبدالخبير، واللواء محمود فهمي قائد البحرية وغيرهم. وأصدر قراراً بتعيين الفريق أول أحمد إسماعيل علي، وزيراً للحربية، وقائداً للقوات المسلحة في 16 أكتوبر 1972. وتلا ذلك محاولة انقلاب فاشلة في 16 نوفمبر 1972، اشترك فيها بعض كبار الضباط، وبعض ضباط المخابرات الحربية. وتم القبض عليهم، واعترف اللواء عبدالخبير بالمؤامرة، التي حُددت ساعة الصفر فيها ليلة عقد قران ابنة الفريق سعد الدين الشاذلي!. وبذلك خلت الساحة من معارضي فكرة الحرب المحدودة، واستعد السادات.

في الساعة الثانية وخمس دقائق من يوم السبت 6 أكتوبر 1973، اندفعت القوات المصرية عبر قناة السويس. وخلال أربع وعشرين ساعة من العمليات، كانت هناك خمس فرق مصرية على الضفة الأخرى من قناة السويس. وتوالت الانتصارات، وفي توقيت دقيق أعلنت الدول العربية حظر البترول، وارتجف العالم وأصابه الهلع. فقد ردت هذه الحرب إلى الأمة العربية روحها، وأعادت إليها ثقتها المفقودة، طمأنتها إلى أنه لم يعد هناك مستحيل. وتقلص المارد الإسرائيلي إلى حجمه الطبيعي، وانتهت أسطورة خط بارليف، وانتهت معها أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. وسارعت الدول الأوروبية إلى إصدار البيانات التي تحدد موقفها من النزاع العربي الإسرائيلي وتؤكد على وجوب انسحاب إسرائيل من الأرض المحتلة. وطغت مشكلة الشرق الأوسط على سائر المشاكل الدولية، وبرزت كتحدٍ خطير للعالم، وأصبحت تحظى بالأولوية في وجوب معالجتها.

كان نصر أكتوبر نصراً رائعاً بكل المقاييس، ينعقد فخره بلواء أنور السادات، ويكمن فضله الأكبر في أنه أتاح للجيش المصري الفرصة ليقاتل ويثبت جدارته ويكسب النصر. واستمع العالم كله إلى السادات، في خطابه في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب، وهو يُعلن انتصار مصر والأمة العربية على إسرائيل ، وكان النصر ثمرة تضامن عربي وثيق، وتنسيق دقيق، لعب فيه الملك فيصل دوراً بارزاً، وشاركت فيه أغلب الدول العربية بشكل أو آخر. ( اُنظر ملحق خطاب الرئيس السادات في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب في 16 أكتوبر 1973).

ولابدّ هنا من تبين حقيقة مهمة، مؤداها أن حرب أكتوبر نجحت في تحقيق خطتها الأساسية (وتسمى المآذن العالية) في عبور قناة السويس، في ظل حماية حائط الصواريخ، والتمركز شرقاً على طول القناة في مساحة لا يتجاوز عمقها 15 كيلومتراً تحت المظلة الصاروخية، واستنزاف العدو عسكرياً حتى يطلب وقف إطلاق النار، أو تدخل القوى العظمى. فحرب أكتوبر هي حرب تحريك، وليست حرب تحرير. ومن ثمّ فلا مجال لاتهام السادات: بتضييع النصر العسكري الذي تحقق بالعبور، ولا بتضييع ثمار النصر السياسي. فالسادات نجح في تنفيذ خطته نجاحاً ملحوظاً. أما تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر، فكان هدف السادات منه إنقاذ الجبهة السورية، وتخفيف الضغط الإسرائيلي عليها.

عقب الحرب

صدر قرار مجلس الأمن، في 22 أكتوبر بوقف إطلاق النار، وقبل الطرفان، المصري والإسرائيلي، القرار. وجاء هنري كيسنجر إلى مصر مساء اليوم نفسه، والتقى السادات، وتم الاتفاق على فض الاشتباك الأول، وعودة إسرائيل إلى خط 22 أكتوبر، والانسحاب من الثغرة.

في نهاية شهر أكتوبر، دخلت مصر في مباحثات على ثلاثة محاور بهدف تحقيق السلام:

1.   في القاهرة: مباحثات مصرية ـ سوفيتية محورها الأساسي الاتفاق على ترتيبات عقد مؤتمر السلام الدولي، الذي أوصى به قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر في 22 أكتوبر، تحت إشراف القوتين العظمَيَين.

2.   في واشنطن: مباحثات مصرية ـ أمريكية، محورها الأساسي تحقيق اتفاق محدود لفض الاشتباك، يتضمن ترتيبات تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية عن منطقة السويس إلى شرق القناة.

3.   عند الكيلو 101 طريق القاهرة ـ السويس: مباحثات مصرية ـ إسرائيلية على المستوى العسكري، هدفها الأساسي بحث الإجراءات العملية لتأكيد وقف إطلاق النار، وإمداد السويس، والجيش الثالث.

في 21 ديسمبر 1973، عقد مؤتمر جنيف للسلام، وحضره السادات ممثلاً لبلده، وحضره ممثلون عن الأردن وإسرائيل، بينما امتنعت سوريا عن الحضور. وتم الاتفاق على فض الاشتباك الأول في 17 يناير 1974 على الجبهتين المصرية والسورية ( اُنظر ملحق وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس السادات بأسوان في 18 يناير 1974).

وتدعيما للتحول في السياسة المصرية، جاءت زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلى مصر عام 1974. ثم بعد عودته إلى أمريكا تفجرت فضيحة وترجيت، واستقال الرئيس نيكسون، ودخلت أمريكا في دوامة كبيرة استمرت طوال السنوات 74، 75، 76، وكادت عملية السلام تتوقف إلاّ من دبلوماسية "المكوك" بين أسوان وتل أبيب، لإتمام فض الاشتباك الثاني.

افتتاح قناة السويس للملاحة

في 29 مارس 1975، أعلن السادات أنه سوف يفتح القناة للملاحة الدولية. ثم بدأ عمليات تطهير القناة، وكانت المعدات الوحيدة التي تصلح لهذا الغرض لا توجد إلا في سلاح البحرية الأمريكي. فقال السادات لكيسنجر ـ وهو في زيارة لمصر عقب فض الاشتباك الأول ـ إننا نحتاج إلى هذه المعدات من سلاح البحرية الأمريكي. وأجرى كيسنجر اتصالا بالبيت الأبيض والبنتاجون، ثم قال للسادات:

"هل تقبل أن تدخل بور سعيد حاملة الطائرات الهليوكوبتر الأمريكية "إيوجيما"، وهي من قطع الأسطول السادس، وعليها معدات التطهير؟

قال السادات: نعم.

وبعد يومين كانت "إيوجيما" في طريقها إلى مصر، وقد أبدى بعض ضباط حاملة الطائرات، وبعض الدبلوماسيين في سفارة أمريكا في القاهرة، مخاوفهم من أن تطلق المدفعية المصرية نيرانها على الحاملة، ولكن السادات طمأنهم، وجاءت "إيوجيما" في موعدها.

وأعلن السادات في خطاب وجهه إلى الأمة:

1.   فتح قناة السويس للملاحة اعتباراً من 5 يونيه 1975.

2.   عودة المهجرين إلى مدن القناة.

3.   تسليم إسرائيل 39 جثة من قتلاها، دون مقابل.

كما حذر السادات بوضوح أن مدن القناة صارت من عمق مصر، وإذا تجاسرت إسرائيل على ضرب أي مدينة من مدن القناة بمدافعها الأمريكية طويلة المدى، فسوف ترد مصر بالضرب في عمق إسرائيل.

كانت مغامرة من السادات بلا ريب. وفي 5 يونيه 1975، (وهو يصادف ذكرى نكسة 1967)، دخل السادات قناة السويس على ظهر مدمرة حربية، ولكنه أمر أن يتبعه يخت المحروسة عبر القناة من الشمال إلى الجنوب.

سياسة الانفتاح

في 27 يونيه 1974، أصدر السادات القانون رقم 43 لسنة 1974، بإصدار نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة. بهدف تشجيع الاستثمارات الأجنبية. وكان بين المميزات التي أعطاها للشركات، التي تنشأ وفق أحكامه، إعفاء من الضرائب يمتد عشر سنوات. وأُعلنت بور سعيد منطقة حرة، وكان الهدف من ذلك تشجيع الشركات الأجنبية على تصنيع منتجاتها في بورسعيد، ثم إعادة تصديرها إلى المناطق المحيطة بمصر.

والحقيقة أن تحول الاقتصاد المصري من الانغلاق الكامل وسيطرة الدولة، إلى الانفتاح وإعطاء القطاع الخاص فرصة العمل، أوجد طبقة جديدة استطاعت أن تستثمر ثغرات القوانين الاقتصادية في فترة التحول. فبالنسبة للمناطق الحرة، فإن 80% من البضائع التي دخلت الميناء وجدت طريقها إلى الأسواق المحلية، وأصبح من حق كل مواطن يستطيع الحصول على نقد أجنبي، أن يستورد بلا تحويل رسمي ما يشاء من السلع، لسوق كان جائعاً لأنواع من السلع لم يكن يعرفها من قبل. وقد ذهب جزء كبير من الأموال المتدفقة إلى الإسكان الفاخر، وأعمال المقاولات، وقطاع السياحة، وإلى السلع الاستهلاكية والترفيهية. وحدث ما يشبه الفوضى الاقتصادية والاجتماعية. وتحدث السكرتير العام للاتحاد الاشتراكي في عام 1975 واصفاً الأغنياء الجدد بأنهم: "القطط السمان"، وذهب رئيس الوزراء ـ في ذلك الوقت ـ ممدوح سالم إلى أبعد من ذلك حين وصفهم "بالأبقار السمان". وظهر في مصر، في ذلك الوقت، ما بين 300 إلى 500 مليونيراً. يمثلون فئة جشعة، استفادت من ارتفاع أسعار الأراضي، وحصلت على أموال من شركات الاستثمار، بحق أو بغير حق، لتسهيل أعمالهم في مصر.

وعن مسؤولية أنور السادات ودوره في هذا التحول، انقسم الناس إلى فريقين:

فريق يشدد الهجوم على السادات، ويرى أنه تسبب في جميع المصائب التي شهدتها مصر، وأنه أصاب مصر بمرض لا علاج له، وهو سياسة الانفتاح[9]. بل يقولون إن السادات نفسه وزوجته والمقربين منه، أفادوا من الانفتاح فوائد هائلة، وأن السادات مات وهو من أصحاب المليارات، وأن تنافساً كان يجري بينه وبين صهريه، سيد مرعي، وعثمان أحمد عثمان، للتسابق على الثروة.

وأما الفريق الثاني فكان يدافع عن السادات، ويقول إن السادات لم يكن يجهل قصص الفساد، ولكنه كان يقدر أن فترة التحول الاقتصادي تفرز هذا النوع من السلوك لفترة مؤقتة. كما كان السادات يريد أن يشجع الأموال العربية والأجنبية على الاستثمار. وكان يرى أن نسبة 5% أو 10% يمكن أن تدخل إلى جيوب المستغلين، ولكن نسبة 90% من الأموال كانت ستقيم مشروعات تزيد الإنتاج، وتحقق الرواج والرخاء.

ولعل نوايا السادات حين دعا إلى الانفتاح وشجعه كانت طيبة، وأنه أراد فعلاً اجتذاب رؤوس الأموال من الخارج لاستثمارها في مصر لينقذ الاقتصاد المصري. ولكن خانه التوفيق في تطبيق سياسة الانفتاح، فهي سياسة لم تراعِ التوازن بين الانفتاح والاقتصاد الحر، وبين حماية الفقراء وتحري العدل الاجتماعي. فظهرت طبقة ذات ثراء فاحش، اتسعت الفجوة بينهما وبين عامة الشعب ذي الدخل المحدود.

في الساعة السادسة والنصف من مساء يوم 1 سبتمبر 1975، في إسرائيل، في مكتب إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقَّعت مصر وإسرائيل الاتفاق الثاني لفصل القوات على الجبهة المصرية، ويقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية شرقاً من منطقة الممرات، المدخل الإستراتيجي إلى سيناء (متلا والجدي) ومن حقول البترول في أبورديس (اُنظر ملحق توقيع الاتفاق الثاني لوقف إطلاق النار في 1 سبتمبر 1975 وملحق النص الكامل لاتفاق فصل القوات).

تكوين المنابر

في عام 1976 قرر السادات إنشاء ثلاثة منابر، هي في حقيقتها أجنة أحزاب سياسية، يمين ووسط ويسار. وقد دخلت هذه المنابر الثلاثة انتخابات عام 1976. وعندما ذهب السادات لافتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشعب في 11 نوفمبر 1976، أعلن تحويل المنابر إلى أحزاب سياسية. وكان هو نفسه راعياً لمنبر الوسط، دون أن يصبح رئيسه، لأنه كرئيس للجمهورية كان عليه أن يكون حكماً بين الأحزاب ( اُنظر ملحق السادات يعلن: تحويل التنظيمات السياسية الثلاثة إلى أحزاب).

اتخذ "منبر الوسط" اسم "حزب مصر"، وأصبح ممدوح سالم رئيساً للحزب. وتحول "منبر اليمين" إلى "حزب الأحرار" برئاسة مصطفى كامل مراد. أما منبر اليسار فقد اتخذ اسم "حزب التجمع التقدمي الوحدوي الاشتراكي" برئاسة خالد محيي الدين. ثم لم يلبث السادات أن أعلن أنه بصدد تكوين حزب جديد تحت اسم "الحزب الوطني"، فسارع أغلب أعضاء "حزب مصر" إلى الانضمام إليه.

 



[1] يذكر د. محمود جامع أن السادات كان يقول في خطبه العلنية "أنا ماشي على خطى عبدالناصر"، وفي جلساته الخاصة يضيف كلمة "بأستيكه". راجع: كرم جبر، "روز اليوسف"، يوم 22 يناير 1996.

[2] 'جريدة "الأهرام"، الصادرة في 1 يونيه 1971. وجدير بالذكر أن السادات ذكر في كتابه "البحث عن الذات"، ص 286، أن ذلك تم في 17 أكتوبر 1970، بعد يومين فقط من انتخابه رئيساً.

[3] لذلك حين أسفر الصدام عن انتصار مجموعة السادات، شعر السوفيت أن ركائزهم في الحكم قد تمت تصفيتها. ففي حديث السفير السوفيتي مع السادات يوم 16 مايو في ذروة الأزمة، قال السفير: "إنه لأمر يدعو إلى الأسف أن الكثيرين ممن حددت إقامتهم اشتركوا في مفاوضات سرية مع موسكو". ومن الواضح أن تقدير السوفيت للموقف كان خاطئا، فلم يكن السادات في ذلك الوقت أقل ولاءً للعلاقات المصرية السوفيتية من مجموعة علي صبري. بل إن أحكام السادات على الزعماء العرب في ذلك الحين كانت تسير تبعاً للمقاييس اليسارية! وقد هاجم الملك حسين هجوماً عنيفاً قائلاً: "غير مخلص، ولا أمل يرجى منه ، وأنه باع نفسه للأمريكان والاستعمار الغربي، وبالتالي فإننا لا يمكن أن نتعامل معه". كما وصف هواري بومدين، رئيس الجزائر، بأنه باع نفسه للأمريكان، لا سياسيا فحسب، بل اقتصادياً أيضاً، لقد وقع أخيراً مع الشركة الأمريكية عقداً يضمن إمداد أمريكا بالبترول والغاز السائل لعشرات السنين، وبذلك سوف يصبح اقتصاد بلاده معتمداً كلياً على أمريكا. راجع: د. عبد العظيم رمضان، تاريخ مصر والمزورون، ص 362 ـ 363.

[4] راجع جمال حماد، "الحكومة الخفية في عهد عبدالناصر"، ص 52 ـ 53. حيث يقول: كان أفراد الجماعة يؤمنون بضرورة استمرار السياسة التي رسمها عبدالناصر، وهي الاعتماد التام على الاتحاد السوفيتي،الذي هو المورد الوحيد للسلاح لمصر، وأنه ليس في الإمكان الثقة في أمريكا بسبب انحيازها التام لإسرائيل. ولكن السادات كان يرى أنه من الخطأ الاستمرار في معاداة أمريكا، والاكتفاء بالسير في الفلك السوفيتي، فقد أثبت الاتحاد السوفيتي عجزه عن حل القضية سلمياً، أو فرض تدخله عسكرياً، ولذا كان يرى أنه لابد من إجراء الاتصالات مع أمريكا التي تمتلك في اعتقاده 99% من أوراق اللعبة.

[5] محمد حسنين هيكل، "خريف الغضب"، ص 103. وقد حرص الفريق صادق على إخفاء هذه الوثيقة وراء صورة داخل برواز معلق في منزله، وكان هدفه نبيلاً وهو تجنيب البلاد حمامات الدماء. راجع جمال حماد، "الحكومة الخفية في عهد عبدالناصر"، ص165 ـ 208، حيث أورد تفاصيل الأحداث، وقرارات المحكمة، وأورد الرد على أقوال الفريق فوزي.

[6] محمد حسنين هيكل، "خريف الغضب"، ص 100. قارن: أنور السادات، "البحث عن الذات"، ص 305 ، حيث ذكر كلاماً مختلفاً أن أشرف مروان (زوج بنت عبدالناصر)، حمل إليه هذه الاستقالات. ولعل أشرف مروان حملها إليه في الوقت الذي كانوا قد أعلنوها في الإذاعة.

[7] جريدة "الأهرام"، الصادرة في 5 نوفمبر 1971، حيث جاء فيها إعلان الفريق أول صادق تولى رئيس الجمهورية مهامه القيادية كقائد أعلى للقوات المسلحة.

[8] د. عبد العظيم رمضان، "تاريخ مصر والمزورون"، ص 365، ويبدو أن هذا القول ببعيد عن الواقع، فقد أكد كثير من الخبراء العسكريين أن صاروخ سباروا، إذا لم ينفجر في الجو، فإنه يخترق باطن الأرض، ويُدفن ومن الصعب اكتشافه.

[9] محمود فوزي، "ثوار يوليه يتحدثون"، ص 215، 216. حيث أورد هذا الكلام على لسان كمال الدين حسين، وحسين الشافعي، وخالد محيي الدين.