مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

الحرب الجويّة وَصواريخ سكود (تابع)

          وعلى الرغم من القوة الهائلة للتحالف، كانت ثمة لحظات معينة بدت فيها هذه القوة موضع شك. ومن هذه اللحظات ما حدث قبل الحملة الجوية، وشغل تفكيرنا لمدة يومين كاملين، إذ تلقينا تقريراً من الاستخبارات الأمريكية مؤداه أن عدة طائرات عمودية اكتُشفت وهي تعبر المجال الجوي السعودي. وأوقعني ذلك في حرج شديد من ناحيتين: أولاً، بصفتي قائداً لقوات الدفاع الجوي، وثانياً، لأن رجالي لم يتمكنوا من اكتشاف تلك الطائرات. أمضينا 24 ساعة في بحث دؤوب عن تلك الطائرات العمودية الغامضة. ثم تلقيت معلومات تفيد بأنها طائرات عراقية، وأن الأمريكيين تمكنوا من احتجازها على متن إحدى حاملات الطائرات الأمريكية دون أن يخبرونا بذلك! لهذا قررت أن أواجِه شوارتزكوف بهذه الحقيقة.

          قلت له: "نورم، ماذا فعلتم بتلك الطائرات العمودية؟ لقد قالت مصادر استخباراتكم إنها دخلت مجالنا الجوي. أين هي الآن؟ نريد أن نعرف".

          نظر إلى نظرة ذات مغزى وقال: "لقد تلقيت تقريراً يفيد أن رجالكم أخفوا الطائرات في الخفجي".

          كان كل منّا يعتقد أن الآخر يخدعه. وأمضينا أكثر من خمس عشرة دقيقة في اللوم والعتاب:

- "أين خبأتم الطائرات؟".
- "لا، بل أين خبأتموها أنتم؟".

          وبعد البحث والتحري، اتضح لنا أن إحدى شاشات الرادار كان فيها خلل فني، وأن تلك الطائرات العمودية الغامضة لم تكن سوى أوهام!

          وفي يوم 13 يناير 1991 ، أي قبل بدء الحرب الجوية بأربعة أيام، أردت التوجه جواً إلى رأس مشعاب لتفقد اللواء العاشر السعودي، الذي نُشر في الصحراء على بعد 40 كيلو متراً من ساحل الخليج. توجهت إلى قاعدة الرياض الجوية، حيث صعدت إلى طائرة قائد الدفاع الجوي من نوع، gulf stream g-4، واصطحبت معي جون سويني john swenny، مراسل شبكة cnn التليفزيونية، والذي كان يتحرّق شوقاً إلى زيارة الجبهة.

          وصلنا إلى رأس مشعاب، وقُمنا بالدوران حول المدرج، وهبطنا بصعوبة، إذ لا يوجد هناك برج مراقبة أو توجيه من الأرض. وتوّجهنا في العربات، بعد ذلك، عبر طريق موحِلة إلى مقر قيادة اللواء العاشر. فعقدت سلسلة من الاجتماعات وتفقدتُ بعض الوحدات، ثم تناولت طعام الغداء مع الجنود هناك. وعدت إلى الطائرة في الثامنة مساءً، بعد حلول الظلام، وجون سويني لا يزال يلازمني كظلي.

          كان مقرراً أن أحضر اجتماعاً تلك الليلة في وزارة الدفاع في الرياض. ولكن قائد الطائرة بدا متردداً في الإقلاع، إذ لم تكن هناك أضواء للمدرج. سألته: " ألا يمكنك الإقلاع دون أضواء؟". فأجاب: " تلك مجازفة خطيرة".

          كانت في رفقتنا ست عربات من الشرطة العسكرية البحرية، فأرسلتها إلى المدرج المظلم وطلبت من السائقين إضاءة الأنوار الأمامية. وبمساعدة أضواء العربات، استطاع الطيار أن يقلع بسلام.

          كان الطقس سيّئا للغاية، عواصف رملية، سحب منخفضة، رَعد وبرق. كان أشبه بالطقس الذي أدى، بعد ذلك، إلى تعطيل بعض الطلعات أثناء الحرب الجوية. ولم يتوقف سويني عن ملاحقتي بالأسئلة طوال تلك الرحلة الوَعِرَة المزعجة. كان حريصاً على أن يعرف إن كان السوريون سيشاركون في الحرب أم لا. وربما كان يطمع في أن تؤدّي الأحوال الجوية الرديئة إلى إضعاف مقاومتي، فيَزِلّ لساني وأبوح ببعض الأسرار. ومع أن سويني بدا شاحب الوجه، لكنه كان يحاول أن يتظاهر برباطة الجأش، وأنه لا يعبأ باضطراب الطائرة. واستمر الحوار الودي بيننا طوال الرحلة، والطائرة تترجّح بنا صعوداً وهبوطاً، إلى أن وصلنا الرياض في الوقت المناسب لحضور الاجتماع.

سابق بداية الصفحة تالي