الميليشيات اللبنانية المسلحة
كنتيجة حتمية للصراعات الطائفية، تكونت عناصر مسلحة لكل طائفة. ومع بدء الحرب الأهلية اللبنانية، عام 1975، ازدادت القدرات والإمكانات لكل منها، في ضوء دعمها من قوى خارجية، تجري تصفية حساباتها على الأرض اللبنانية.
وبشكل عام، تتشكل الميليشيات داخل لبنان كالآتي:
الميليشيات المسيحية
1. ميليشيا "القوات اللبنانية" المسلحة:
تعد أقدم الميليشيات، إذ تكونت مع تأسيس حزب "الكتائـب"، عام 1936. ثم شملت، فيما بعد، ميليشيات "الكتائب" و"الوطنيين الأحرار". وقدر حجمها، قبل سحب أسلحتها، بالآتي:
(12 ألف فرد، و180 دبابة، وعدد من العربات المدرعة، وثلاث كتائب مدفعية، وكتيبة صواريخ ميدان، وهاونات من عيارات مختلفة، حتى 160 مم، صواريخ مضادة للدبابات، نوع "ميلانMILAN " و"توTOW " ، وأعداد كبيرة من الأسلحة القصيرة والخفيفة، من البنادق والرشاشات).
2. "لواء المردة" أو "جيش التحرير الزغرتاوي" :
أنشـأه سليمان فرنجيه، زعيم حزب الجبهة الوطنية، بعد اغتيال ميليشيا "القوات اللبنانية" لنجله، توني فرنجية . وقدرت إمكانياته بالآتي:
(3 آلاف فرد، وعدد من العربات المدرعة، وعدد من قطع المدفعية، و30 دبابة، وعدد من قطع المدفعية المجرورة من عيارات مختلفة، حتى عيار 130 مم، ورشاشات قصيرة وخفيفة مختلفة العيارات، وقواذف صواريخ مضادة للدبابات).
3. جيش لبنان الجنوبي:
استطاعت إسرائيل، أثناء هجومها عام 1978، استقطاب الرائد سعد حداد، والذي جمع عدداً محدوداً من المسيحيين، وأعلن إنشاء "جيش دولة لبنان الحر"، في المنطقة الحدودية المتاخمة لإسرائيل. وخـلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عام 1982، وسـع سعد حداد نطاق عملياته، بالتعاون مع القوات الإسرائيلية. ثم تولى، من بعده، أنطوان لحد قيادة هذا الجيش، وأطلق عليه "جيـش لبنان الجنوبي"، الذي تدعمه القوات الإسرائيلية في السيطرة على منطقة الشريط الحدودي، لتأمين حدودها الشمالية ضـد أعمـال المقاومة. ويصل تعداد "جيش لبنان الجنوبي" الحالي 3000 محارب، معظمهم من الضباط والجنود المتقاعدين والفارين من الجيش اللبناني، أو من المتطوعين المدنيين. وقدرات جيش لبنان الجنوبي محدودة، لا تتعدى تأمين الشريط الحدودي. وتتسلح هذه القوات بالآتي (30 دبابة، وعدد من العربات والعربات المدرعةM-113.وعدد من قطع المدفعية، وقواذف صواريخ مضادة للدبابات، ورشاشات متوسطة وثقيلة).
الميليشيات الإسلامية:
1. "حزب الله"
منظمة شيعية، تدعمها إيران، وتضم حوالي 5000 مقاتل، ينتشرون في جنوب لبنان والبقاع، وتتسلح بالآتي: (20 دبابة، و35 عربة مدرعة، و75 قطعة مدفعية، وهاونات مختلفة العيارات، وصواريخ ميدان عياري 107مم / 122مم، وأسلحة صغيرة وخفيفة وأسلحة مضادة للدبابات).
2. ميليشيا "حركة أمل"
منظمة شيعية، وصل تعدادها، قبل حلها، إلى 12 ألف فرد، علاوة على 15 ألف فرد تحت الاستدعاء. وكانت تتسلح بحوالي: (50 دبابة، وعدد من العربات المدرعة، 12 قطعة مدفعية، وعدد من المدافع المضادة للدبابات، والرشاشات الثقيلة المضادة للطائرات).
3. ميليشيا "حركة التوحيد الإسلامي":
أنشئت بدعم مادي وعسكري من منظمة التحرير الفلسطينية، بعد رحيل قوات المنظمة عن طرابلس، في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان، عام 1982، وقدرت قوتها، قبل حلها، بنحو (2500 فرد، إضافة إلى 1500 فرد من العناصر الفلسطينية، وعدد من الأسلحة والرشاشات الخفيفة، والهاونات، والقواذف المضادة للدبابات).
4. ميليشيا "الحزب التقدمي":
أسسها كمال جنبلاط، بدعم من سورية. وقدرت قوتها، وقتئذ، وقبل تسليم أسلحتها، بالآتي: (10آلاف فرد، و100 دبابة، وعدد من العربات المدرعة، و48 قطعة مدفعية عيار 155مم، وهاونات، مختلفة العيارات حتى عيار 160مم).
القوات السورية داخل لبنان :
- حجم القوات السورية: الفرقة العاشرة الآلية (3 ألوية مشاة آلية، ولواء مدرع)، لواء مشاة آلي مستقل، لواء وفوج مدفعية، وكتيبة صواريخ ميدان (مدفعية صاروخية)، والفرقة 14 قوات خاصة، المشكلة من ثمانية أفواج قوات خاصة، ووحدات دفاع جوي.
- التسليح: 345 دبابة، و280 عربة مدرعة، و191 قطعة مدفعية، و182 قطعة صواريخ ميدان، و120 هاون .
التوزيع الاستراتيجي للقوات:
- قيادة الفرقة العاشرة في منطقة رياق.
- لواءان وكتيبة صواريخ ميدان في منطقة بعلبك ( اللواء 92 ـ اللواء 18).
- لواء في منطقة كسروان.
- لواء وفوج في منطقة زحلة.
- وحدات دفاع جوي وكتيبة مدفعية، في منطقة راشيا.
- خمسة أفواج قوات خاصة، الأرقام: 41، 46، 53، 54، 55، حول منطقة بيروت.
- اللواء 51 مدرع، والفوج 36 قوات خاصة جنوب شرق بيروت.
- القوات في شمال لبنان قيادة الفرقة 14 قوات خاصة، وفوجان قوات خاصة.
الوجود الإيراني في لبنان
قُدِّر الوجود الإيراني بحوالي 5000 فرد من الحرس الثوري الإيراني، مدربين على عمليات الكمائن والإغارات. وهي مسلحة بالبنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدبابات، من الأنواع الحديثة، إضافة إلى القواذف الصاروخية.
الوجود الفلسطيني
يقدر حجم الفلسطينيين في لبنان بحوالي نصف مليون فرد، يقيمون بمخيمات، تنتشر في السهل الساحلي للبنان، في مناطق شمال طرابلس، وجنوب بيروت، وصيدا، وصور. ومنذ أحداث عام1982، أغلقت الحكومة اللبنانية المكاتب الرسمية للمنظمات الفلسـطينية، ورفضت إعادة فتح أي من هذه المكاتب، ومع ذلك فإن معظـم العمليات، التي ينفذها الفلسطينيون ضد الجيش الإسرائيلي، تنطلق من جنوبي لبنان أو من الساحل اللبناني.
وتحاول عناصر "حركة فتح" إعادة انتشار عناصرها الأمنية في المخيمات الفلسطينية، في شمالي لبنان وحول العاصـمة، بيروت. كما نجحت "حركة فتح" في إعادة تنظيم قياداتها في لبنان، من خلال اجتماع تونس (أبريل 1992).
أمّا "جماعة أبو نضال"، فيتركز نشاطها في مخيم، "عين الحلوة". وهي المسؤولة عن عمليات الاغتيال لرموز "حركة فتح" في لبنان.
بينما تمارس باقي المنظمات الفلسطينية نشاطها داخل المخيمات فقط، وغير مسموح لأي منها بالوجود المسلح خارجها. كما يوجد تنسيق بينها وبين المقاومة اللبنانية في الجنوب، خاصة "حزب الله" .
القوات المسلحة اللبنانية
في عام 1916، شكلت القيادة الفرنسية في قبرص "فرق الشرق"، من اللبنانيين والأردنيين والسوريين. وبعد ذلك بعامين، تشكلت أول سرية لبنانية. وفي عام 1925، تم تشكيل أفواج من القناصة اللبنانيين وسرية خيالة المشرق، تمهيداً لإنشاء الجيشين، السوري واللبناني، حيث تمركزت القناصة اللبنانيون في القرى والمدن الحدودية بين البلدين، لتأمين خطوط الهاتف وحفظ الأمن. وفي عام 1943، شكلت أول وحدة عسكرية كبيرة الحجم، وهي اللواء الخامس المشاة، بقيادة العقيد فؤاد شهاب.
وبدءاً من عام 1945، وحتى نهـاية فترة السـتينيات، تم تطوير الجيش اللبناني، حتى أصبح يتألف من (9 أفواج مشاة، 4 أفواج مدفعية، 3 أفواج مدرعات، فوج مغاوير، أفواج ووحدات إدارية)، إضافة إلى الوحدات البحرية والجوية.
وفي عام 1949، اُنشئت القوات الجوية اللبنانية حيث تم تشكيل أول سرب للطيران، وافتتحت المدرسة الفنية الجوية. ويتكون سلاح الجو اللبناني من سرب طائرات عمودية، وسرب مقاتلات قاذفة. أمّا القوات البحرية، فتم إنشاؤها في عام 1950. وسلحت عام 1954، بزورقين مسلحين. ومنذ عام 1955، عُزز السلاح البحري اللبناني بعدد من القطع البحرية، تتمركز في قاعدة جونيه البحرية.
وتنقسم لبنان إلى خمس مناطق عسكرية هي:
- شمال لبنان: وقيادتها في طرابلس.
- بيروت الكبرى: وقيادتها في بيروت.
- جبال لبنان: وقيادتها في حمّانا.
- البقاع: وقيادتها في أبلح ـ زحلة.
- جنوب لبنان: وقيادتها في صيدا.
كما أُعيد تنظيم القوات المسلحة اللبنانية ثلاث مرّات:
- في أعقاب مؤتمر الرياض، في أكتوبر 1976، ولم تنجح جهود إعادة التنظيم.
- في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان، عام 1982، ولم تنجح الجهود، أيضاً.
- في أعقاب مؤتمر المصالحة، عام 1988، ونجحت إعادة التنظيم، هذه المرة. والملحق (ح)، يوضح حجم القوات اللبنانية عام 1997.
الأزمة اللبنانية وتطورها وأبعادها
تشير الأزمة اللبنانية، بوضوح شديد، إلى أن الطوائف اللبنانية المختلفة، وزعاماتها السياسية، كانت غير قادرة على التحكم في الأحداث، أو ضبط الأمور. وهي، في عجزها، كانت تنتظر الدعم والتأييد من بعض الأنظمة العربية، أو من الدول الأجنبية، الطامحة إلى تثبيت أقدامها بالمنطقة، من خلال الدعم العربي. وقد كان من النتائج المباشرة لتلك الأزمة، أن اجتاحت إسرائيل لبنان في 15مارس 1978، وما أعقب ذلك الاجتياح من نتائج بعيدة المدى، ثم الاجتياح الإسرائيلي الكامل للأراضي اللبنانية، في 5 يونيه1982.
الأزمة اللبنانية من المنظور السياسي
تقدم الأزمة اللبنانية ـ في الحقيقة ـ نموذجاً فريداً لتداخل وتشابك عديد من العوامل، الداخلية والخارجية، الاجتماعية والاقتصادية والطائفية والأيديولوجية، وذلك كله في إطار مركب ومعقد. فهناك جانب طائفي رفع سلاح الدين. وآخر اجتماعي، تعلق بالقضية الاجـتماعية وعدالة التوزيع، أي قضية اليمين واليسـار. وثالث يرتبط بالعلاقة بين اللبنانيين والفلسـطينيين. ورابع تعلق بالخلاف بين الاتجاهات الانعزالـية والاتجاهات القومية. وأخيراً هناك العامل الخارجي، الذي تمثل في صراعات الدول الكبرى والوضع في المنطقة العربية ككل، ودور إسرائيل في هذا المجال، لضرب حركة المقاومة الفلسطينية، من ناحية، وإضعاف مفهوم الدولة العلمانية الديموقراطية، التي ينادي بها الفلسطينيون، من ناحية أخرى.
الواقع الطائفي ـ الطبقي في لبنان
ينقسم المواطنون اللبنانيون إلى طائفتين أساسيتين: إسلامية ومسيحية. وينقسم كل منها إلى عدد من الطوائف، يبلغ عددها سبع عشرة طائفة، يعترف بها النظام السياسي، ويقرر لها عدداً من الحقوق الاجتماعية والسياسـية. وقد وصف أحد الكُتّاب لبنان بأنه وطـن الأديان والمذاهب . بل أصبح الوضع الطائفي هو أساس الانتماء والتعامل بين الأفراد .
وجاءت سياسة الانتداب الفرنسي لتؤكد هذه الأوضـاع. فاعتمدت الطائفية أساساً في التوظيف والاستخدام، طبقاً للمادة 195 من الدستور (الباب السادس). وكرست الانفصال بين المواطنين، وذلك بإقرار نظم مختلفة لأحوالهم الشخصية. وكان الإقرار، في صلب الدستور، بقيام أنظمة مختلفة للأحوال الشخصية، يعنى تكريساً للانقسام الطائفي. وقد أدى ذلك إلى تعدد القواعد المنظمة لوضع معين، وتعارضها بين وضع طائفة وأخرى.
وهكذا، فإن مفهوم الطائفية في لبنان، لم يكن، في الأساس، مسألة دينية، أو اعتقادية إيمانية. ولكنه كان حقيقة اجتماعية واقتصادية، بمعنى ارتباط الوضع الطائفي بدلالات اقتصادية واجتماعية. ومن هنا، كان ارتباط الحقيقة الطائفية بالحقيقة الاجتماعية، أو الطبقية. وهكذا، فإن الخلاف الطائفي يعكس صراعاً اجتماعياً، بين الغني والفقير، بين اليمين واليسار، بين قوى المحافظة وقوى التجديد، بين أنصار الأمر الواقع والداعين إلى التغيير، الاقتصادي والاجتماعي والسـياسي. وأصبح من المعتاد، أن تشير الدراسات المتعلقة بلبنان، إلى الوضع الطائفي بصفته من أهم المشكلات التي تواجه لبنان .
|