الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
حملة الليطاني
خريطة لبنان
اُنظــــر كـــذلك
 
سلام الجليل الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام جليل)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

نشوء دولة إسرائيل وأثره في لبنان

        كان من الطبيعي، بحكم التعامل الجغرافي، والوحدة الحضارية، وروابط لبنان القومية والتاريخية بفلسطين، أن يُحدث قيام إسرائيل آثاراً محسوسة في الواقع اللبناني ظهرت في الآتي:

الأثر العسكري

        اشترك لبنان في حرب 1948 ضد إسرائيل، إلى جانب الدول العربية. وقام بالدور الذي سمحت به إمكاناته المحدودة، كدولة حديثة الاستقلال. وعبْر أراضيه، دخل متطوّعو جيش الإنقاذ، وحدثت الصدامات الأولى في أشد الجبهات كثافة بالمستوطنات اليهودية .  وكسائر الدول العربية، وقّع لبنان اتفاقية ردوس ، عام 1949، التي شكلت غطاء دولياً، وظلت تمثل الهدنة الوحيدة الباقية بين بلد عربي وإسرائيل، على الرغم من أن حدود الأخيرة، لم تكن مرسومة بدقة.

        وبعد عام 1949، حدث تطور ملموس في السياسة اللبنانية، أخرج لبنان من معسكر المواجهة. وظلت الحدود اللبنانية المتاخمة لإسرائيل حدوداً باردة، مما جعل لبنان الحلقة العسكرية الأضعف في الطوق العربي المحيط بإسرائيل. ولم تلجأ السلطة اللبنانية إلى إنشاء قوة رادعة، للمشاركة في المعركة العربية ضد إسرائيل، بل تمسكت باتفاقية الهدنة القائمة منذ عام 1949. وامتنعت، من ثم، عن المشاركة في الحروب المتلاحقة في المنطقة، على الرغم من أنها، سياسياً، ساندت الموقف العربي . ولم يكن ذلك لأن اليهود تخلّوا عن أطماعهم في الأرضي اللبنانية ومياهه، فقد ظل الجنوب اللبناني منطقة مهمة من مساحة الأراضي العربية، التي توضحها خريطة المطامع الصهيونية، بما فيها من مصادر مياه للري، ومواقع إستراتيجية، والتي تعدّ أساس مقومات إسرائيل. ومن جهة أخرى، فإن خروج لبنان من عملية المشاركة في الصراع ضد إسرائيل، بعد حرب 1948، أدى إلى تبنّيه سياسة دفاعية، خلال الفترة من 1948 ـ 1967 .

        كان محور الخط السياسي اللبناني، يدور حول درء الخطر الإسرائيلي، بالاعتماد على الضمانات الدولية، لا على القوة اللبنانية الذاتية، أو العربية. وكان أنصار هذا الخط، من الطبقات المسيطرة، يبررون ذلك بأن مرحلة ما بعد 1948، هي مرحلة دفاع، لا هجوم.  وما دامت سياسة الدولة، لا تستهدف، في تلك المرحلة، المشاركة في حرب التحرير، على أساس أن هذه الحرب غير ممكنة في الظروف الدولية القائمة آنذاك، فإنه من الممكن تحقيق هدف الدفاع والحماية، بالضمانات الدولية. ودعموا تبريرهم بأن إسرائيل دولة قوية، عسكرياً، وبناء القوات المسلحة اللبنانية، لن يبدل موازين القوى لمصلحة العرب، ولكن سيدفع إسرائيل إلى تعزيز جيشها بقوات إضافية، تعدل الموازين من جديد، وتجعلها تتجه نحو الاعتداء على لبنان، بحجة حماية إسرائيل لأمنها، لأن تبرير الاعتداء على لبنان، الذي دخل حلبة الصراع، أسهل من تبرير الاعتداء على لبنان المُسالم. ولقد ازداد التركيز على هذه النقطة بعد حرب 1956، ووصل إلى ذروته عام 1964، حين أُثيرت قضية تحويل نهر الأردن. فقد وافقت دول مؤتمر القمة العربي على اقتراح لبنان بعدم السماح لقوات مصرية أو سورية أو فلسطينية بالدخول إلى لبنان، والاكتفاء بتزويد لبنان بالسلاح، لتأمين حمايته وتمكينه من تحويل مجرى نهر الوزاني (وهو أمر لم ينفذ) .

        ومع كل ما يوجه من انتقادات إلى السياسة الأمنية اللبنانية ومخططيها، الذين لم يعوا حقيقة الضمانات الدولية، أو العلاقة بين الأمن القومي والأمن القطْري والأخطار الإسرائيلية البعيدة المدى، استطاع النظام السياسي اللبناني، قبل وجود المقاومة الفلسطينية، الحفاظ على العزلة اللبنانية، وأن يضع نفسه خارج إطار الصراع، الذي شهدته المنطقة العربية ، فانتزع مبررات الاجتياح للأراضي الجنوبية من يد إسرائيل، عام 1967. فاكتفت، آنذاك، بوضع اليد على بعض المزارع الصغيرة، مثل مزارع "شبعا" على سفح جبل الشيخ، وأنشأت مراكز مراقبة في الأراضي اللبنانية، على طول الحدود، وشقت الطرقات تحت ستار دعوى الحرص على مراقبة حدودها المفتوحة أمام الأراضي الجنوبية . وهكذا، استطاع لبنان أن يخرج من آثار حرب 1967 متمسكاً باتفاقية الهدنة فقط، وأثبتت السياسة الأمنية الحذرة نجاحها ، ولكن أصبح من الصعب الحفاظ عليها بعد حرب الأيام الستة، وبعد تصاعد أعمال الثورة الفلسطينية.

الأثر الاقتصادي

        من مفارقات التاريخ، أن لبنان كان المستفيد الأول من النكبة الفلسطينية، عام 1948؛ إذ أخذ الدور الاقتصادي، الذي كانت تقوم به فلسطين، كوسيط بين العالم الخارجي والمشرق العربي ، وكان هذا الدور هو السبب الأساسي لازدهار قطاع الخدمات في لبنان (تجارة ـ ترانزيت (عبور أو نقل) ـ نشاط مصرفي ـ سياحة). كما أسهمت الطاقات الفلسطينية، التي نزحت إلى لبنان، خاصة المالية والتجارية، في دفع تطور الخدمات فيه. وظهر في لبنان ما سُمي "بالازدهار الاقتصادي"، الذي دعمته المقاطعة العربية لإسرائيل ، من خلال إخراج لبنان من دائرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتحويل مصروفات التسلح إلى المشروعات العامة، التي تستفيد منها الطبقات المسيطرة في تسهيل مشروعاتها الخاصة وتأمين ازدهارها، إذ تحتكر تجارة الترانزيت، وتجتذب السياح ـ عرباً وأجانب ـ ووكالات الشركات الأجنبية، ورؤوس الأموال العربية، التي لا تجد في أقطارها مجالات الاستثمار أو طريقاً إلى الاستقرار. وبالإجمال، ازدهر لبنان، اقتصادياً، بفضل علاقاته العربية . إلاّ أن مشابهة طبيعة النشاط الاقتصادي الإسرائيلي لطبيعة الاقتصاد اللبناني، دفعت إسرائيل إلى محاولة ضرب الاقتصاد اللبناني، بمضايقته في الخارج، وترويج الدعايات الكاذبة عنه، وخلق أوضاع سياسية غير مستقرة له.

أثر الوجود الفلسطيني في لبنان

        كانت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين سكان لبنان وفلسطين قوية، قبل قيام إسرائيل، وذلك بحكم الجوار الجغرافي والرابطة التاريخية. وقد تعرضت، خلال حرب 1948، قرى في الجنوب اللبناني للاحتلال والتدمير. وكان طبيعياً أن يلجأ الفلسطينيون (150 ـ 200 ألف نسمة) إلى لبنان لدى قيام إسرائيل، وازداد هذا العدد حتى وصل، في نهاية السبعينيات، إلى نحو نصف مليون فلسطيني. وتغير هذا الواقع بفعل النتائج، التي أسفرت عنها حرب يونيه 1967، إذ إن احتلال الأراضي الفلسطينية كلها وأجزاء من أراضي ثلاثة دول عربية، فضلاً عن حالة عجز هذه الدول عن إزالة آثار العدوان، أو إيجاد حل للقضية الفلسطينية، قدمّا للثورة الفلسطينية الوليدة (عام 1965) عوامل جديدة، زادت من تصاعد عملياتها وانتشارها، بعد أن حسبت إسرائيل أن انهيار الجيوش العربية، سيؤدي إلى انهيار القوة المسلحة الفلسطينية . وكان أمراً بديهياً أن تشكل الجبهة اللبنانية، إضافة إلى جبهة الأردن الأساسية، أرضاً مثالية للثورة الفلسطينية. فطبيعة الأرض تساعد على شن حرب عصابات فدائية داخل الأراضي المحتلة، انطلاقاً من جنوبي لبنان والعودة إليه. ناهيك بأن الضربات الفدائية، تنزل بشمالي إسرائيل، الذي يتركز فيه جزء أساسي من الصناعة الإسرائيلية، وتزداد فيه الكثافة السكانية. لذا، كان وجود الثورة الفلسطينية، جزئياً، على أرض لبنان، عند خطوط وقف إطلاق النار مع إسرائيل، ومخيمات النازحين على امتداد الأراضي اللبنانية، لا يعود إلى اختيار سهل بقدر ما يعود، إلى ظروف موضوعية، ناجمة عن المناخ العام، الذي طبع الشرق العربي، إثر حرب يونيه 1967، وإلى حكم جغرافية لبنان الملاصقة للحدود الإسرائيلية، وأزلية علاقة لبنان بفلسطين، وانتقال غالبية التجمعات الفلسطينية إليه .

        اعتمدت منظمات العمل الفدائي على عناصر من الشعب الفلسطيني، والحركة الوطنية اللبنانية. إلاّ أن السلطة اللبنانية، حاولت، منذ البداية، أن تحُول دون اتساع وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان. ووقف بعض القوى اللبنانية في وجه العمل الفلسطيني، من أجل منع قيام تضامن وطني لبناني مع الحركة الفدائية، مستغلة التخوف اللبناني من إسرائيل. وساعدت إسرائيل، باعتداءاتها المتكررة على القرى الحدودية، وعلى القواعد الفدائية وما تلاها من نزوح سكان الجنوب اللبناني في اتجاه الداخل، على إعطاء المبررات للقوى المعادية للثورة في لبنان، للقيام بحملة لتقييد حركة الثورة الفلسطينية على الأراضي اللبنانية، والحد من نشاطها عبر حدودها مع إسرائيل .

        وكشف تفجّر الثورة الفلسطينية التناقض الذي يعيشه لبنان، من حيث علاقاته التاريخية والقومية بالعالم العربي، وطبيعة نظامه السياسي، الذي يقوم على رفض الانخراط في مسألة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لجعل لبنان يقف محايداً بعيداً عن قضايا المنطقة وتطوراتها.

وعجزت أسوار العزلة أن تمنع تفاعل حركة التحرر الوطني الفلسطينية بالحركة الوطنية اللبنانية، لأنها تعتبر أن الموقف من المقاومة، يعني الاعتراف بأهمية القضية الفلسطينية، ووجود حركة المقاومة، ودور لبنان، كمشارك في المعركة، في تصفية آثار العدوان، والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية، والصمود إزاء الضغوط الإسرائيلية لضرب المقاومة .  ودخلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في دوامة الحلقة المفرغة، الأمر الذي أدى، عملياً، إلى مواجهة المقاومة الفلسطينية. وكان الاعتداء الإسرائيلي محرضاً للسلطة على التضييق على المقاومة، والاقتصاص منها أحياناً. وكان إقدام إسرائيل على مهاجمة مطار بيروت، عام1969، من أبرز الخطوات الإسرائيلية الانتقامية، التي دفعت السلطة اللبنانية إلى محاولة التضييق على العمل الفدائي، في أبريل ثم أكتوبر عام 1969، مما سبب ردود فعل محلية، كادت تتطور إلى حرب أهلية. وتباينت الآراء حول طريقة المعالجة الجذرية للتصرف الإسرائيلي، فكان من بينها الاستعانة بالقوات الدولية، لإقامة حاجز على طول الحدود الجنوبية المجاورة للأراضي المحتلة، لمنع إسرائيل من الاستمرار في انتهاك الأراضي اللبنانية. وقوبل هذا العرض بالرفض في تلك الفترة .

        في ظل ضغط عربي، رسمي وشعبي، متزايد على السلطة اللبنانية، طلب لبنان وساطة مصر، حتى تم الاتفاق على صيغة لبنانية ـ فلسطينية في "اتفاق القاهرة"، الذي كان يعني أن وضعاً جديداً قد نشأ في لبنان، وهو حرية العمل الفدائي وشرعيته، إذ أعطت الحكومة اللبنانية للعمل الفدائي الفلسطيني حق الوجود في منطقة العرقوب الجنوبيـة، والتي كانت تُعرف عند الإسرائيليين بأرض "فتح"، وهي منطقة صعبة، يسهل الدفاع عنها، ويصعب اجتياحها، وتسهّل العبور إلى إسرائيل، وهذا الوضع كان يشكل الحد الأدنى المعقول للالتزام اللبناني بالقضية الفلسطينية.

        ونجحت هذه الاتفاقية في تحقيق هدفها لثلاث سنوات، على الرغم من أن القوى اللبنانية المعادية للوجود الفلسطيني المسلح، رأت أن مجرد الاعتراف بحق الفلسطينيين في الانطلاق من الأراضي اللبنانية للقيام بعمليات عسكرية، هو إسقاط فعلي لاتفاقية الهدنة، التي عُقدت في رودس عام 1949، ومن ثمّ، تعرض لبنان لخطر الاجتياح الإسرائيلي .  وخلال فترة رئاستَي الرئيسين، شارل الحلو 1964 ـ 1970، وسليمان فرنجيه 1970 ـ 1976، حاولت الحكومة اللبنانية التوفيق بين اتفاقية الهدنة واتفاقية القاهرة، متذرعة بأن المعركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن لبنان ليس طرفاً. والواقع أن الهجوم على اتفاقية القاهرة، بحجة عدم إعطاء إسرائيل ذريعة للاعتداء، لم يكن مجدياً. فإسرائيل ـ في ذلك الوقت ـ كانت قد حذفت اتفاقية الهدنة من حسابها، وكانت تعتدي على لبنان، بذريعة أو من دون ذريعة.

        وبوجه عام، استطاع لبنان بين عامَي 1969 و1971، أن يحتوي كافة المشاكل الناجمة عن الوجود الفدائي، من خلال نوع من التفاهم مع الفدائيين، والاعتماد على الصداقات الدولية والضغط الدولي، لمنع تصعيد العمليات الإسرائيلية الانتقامية. إلاّ أن تصفية قواعد الثورة الفلسطينية بالأردن، في النصف الثاني من عام 1970، زادت من أهمية السـاحة اللبنانية، وأصبحت المنفذ الرئيسي لتحرك الثورة الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة، خاصة الجليل، من ثم، أدت إلى تصاعد عمليات الردع المباشر وغير المباشر الإسرائيلية (قصف القرى الجنوبية الحدودية)، وإلى تركيز الجهود الإسرائيلية، الدبلوماسية والسياسية، على الساحة اللبنانية، من أجل إقفال الجنوب، النافذة الأخيرة، في وجه الثورة.

وفجر التاسع من أغسطس 1971، وقعت معركة في جنوبي لبنان، بين قوات المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية، التي اجتازت حدود لبنان، لمهاجمة قواعد للمقاومة، وهاجمت قريتَي الهِبَّارِيَّة وراشيا الفخار (في قضاء حاصبيا)، تحت ستر قصف من المدفعية الثقيلة للقريتَين، اللتين تبعدان 6 كيلومترات عن الحدود الإسرائيلية. واشتبك الطرفان بالسلاح الأبيض. واستمرت المعركة نحو ست ساعات، امتدت خلالها إلى مسافة 24 كيلومتراً شمال الهِبَّارِيَّة حتى التلال المطلة على قرية راشيا الفخار .

وتمكن رجال المقاومة من وقف تقدم المدرعات الإسرائيلية، التي حاولت احتلال مرتفعات الهِبَّارِيَّة ولم تسفر هذه الإغارة عن سوى قتيل واحد من جانب المقاومة.

        وفي النصف الثاني من عام 1972، حدث تطور في طبيعة الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، بالتصدي المباشر للفدائيين، وتولّي عمليات القمع داخل الأراضي اللبنانية، ووصلت هذه الحملة ذروتها في اجتياح جنوبي لبنان، إلى عمق 15 كم، في 16و17سبتمبر1972، بقوات كبيرة، ثم الانسحاب منه، تحت تأثير الضغوط الأمريكية .  وقد أجمل الجنرال ديفيد أليعازرDavid Elazar ، رئيس الأركان الإسرائيلي، أهداف الحملة الإسرائيلية على الجنوب، بقوله: "حددنا لأنفسنا مهمتين: تدمير قواعد المخربين، وتصفية رجالهم الموجودين في المنطقة. وقد تم تحقيق هاتين المهمتين في شكل كامل". لذا، كانت العمليات الإسرائيلية ضد قواعد الثورة الفلسطينية، والقوى الوطنية اللبنانية، تستهدف:

  1. تدمير القوة المسلحة الفلسطينية.
  2. استعداء السلطة في لبنان على المقاومة.
  3. خلق التناقض بين الشعب اللبناني والمقاومة، بالتركيز الإعلامي على نظرية، مفادها أن أعمال إسرائيل ناتجة من وجود الفدائيين في الجنوب، وقيامهم بعمليات ضد القرى الحدودية.
  4. إعداد الرأي العام العالمي إعداداً تدرجياً متصاعداً، لتقبل فكرة احتلال الجنوب، تحت ستار دواعي الأمن الإسرائيلي.

        وإزاء تصاعد العمليات الإسرائيلية ضد لبنان، وضعفه العسكري، لم تَعُدْ السلطة اللبنانية قادرة على مواجهة الموقف. وكحلّ بديل، لجأت إلى الطرق الدبلوماسية والضغط الدولي، لوقف العمليات الإسرائيلية. وتقدمت بعدة شكاوى إلى مجلس الأمن، كانت حصيلتها إدانة مستمرة للعدوان الإسرائيلي، من خلال عشرة قرارات، صدرت عن المجلس، إبان الفترة من عام 1968 حتى عام 1973 . ولكن الدعم المعنوي للبنان، لم يوقف الاعتداءات. فحاول المسؤولون اللبنانيون الضغط على الفدائيين، للحدّ من نشاطهم، وتجميد أعمالهم الفدائية، وإخلائهم من مدن الجنوب اللبناني وقراه. وساءت العلاقات بين الطرفين. وتحت وطأة الضغوط العربية، أمكن تفادي الانفجار، حتى اختل التوازن في أبريل 1973، بعد تصاعد المناوشات في أعقاب الغارة الإسرائيلية على شارع فردان في بيروت. واستمر الصراع أسبوعاً، إلى أن نجحت الوساطات العربية في التوصل إلى وقف إطلاق النار، وإرساء قواعد جديدة.

        ونتيجة للآثار، التي ترتبت على حـرب أكتوبر 1973، وتوسع العمليات العسكرية الفدائية، عادت إسرائيل إلى قصف القواعد الفلسطينية. وأصبحت الاعتداءات شبه يومية، من خلال قصف الطيران للمخيمات والقرى، مع قصـف الزوارق البحرية الإسرائيلية للمناطق الساحلية الجنوبية، والإغارة ضد بعض الأهداف في الجنوب اللبناني . ولكن، مع تغير الظروف المحلية والعالمية، بات هذا الأسلوب التقليدي غير كافٍ، وكان لا بد من البحث عن وسائل غير تقليدية.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة