الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
حملة الليطاني
خريطة لبنان
اُنظــــر كـــذلك
 
سلام الجليل الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام جليل)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

الإعلام الإسرائيلي خلال الأزمة اللبنانية

          شاركت إسرائيل في الحرب الإعلامية بشكل سافر، وتجلّى ذلك في تشويه حقيقة الموقف، عبْر وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، من خلال:

التركيز في الصبغة الطائفية للصراع

          فقد سعت إسرائيل إلى إغفال العوامل، السياسية والاجتماعية، في تفسير أساليب الصراع. وصوّرته على أنه صراع على شخصية لبنان، أمام المحاولات الإسلامية لزعزعة السيطرة المسيحية. وعبْر وسـائل الإعلام، أخذت تستنفر الرأي العام الغربي، لنجدة المسـيحيين في لبنان، من خلال تأكيدها على أن ما يجري هو عملية إبادة شـاملة للأقلية المسيحية .  وانتقدت جريدة "نوفيتي كوريي الإيطالية Novetti Kurrie "  موقف البابـا، الذي لا يكترث لمصـير المسـيحيين. وصـورت "هاآرتس" خيبـة أمل الزعمـاء المسـيحيين اللبنـانيين من العـالم المسـيحي الغـربي، الـذي لم يتـدخل لمصـلحتهم. وانتـقد "حاييم هرتسوجChaim Herzog " ، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، في13نوفمبر1975، انشغال الجمعـية العامة بإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بينما تتعرض الطائفة المسيحية في لبنان لخطر شـديد. ووجّه إيجال آلونYigal Allon ، وزيـر خارجية إسرائيل، في 3 نوفمبر 1975، في مناسبة فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس، لوماً إلى فرنسا، لأنها تتجاهل مشكلات الطائفة المسيحية، التي تخلّت عنها الدول المؤيـدة. وهاجم إسحاق رابين Yitzhak Rabin ، رئيس وزراء إسرائيل في ذاك الوقت، سكوت العالم وتعاميه عن أحداث لبنان. ودَعَتْ جريدة "يديعوت أحرونوت" إلى "أن على إسرائيل أن تهبّ إلى مساعدة المسيحيين في لبنان".

          وحين نصبّت إسرائيل نفسها حليفاً لطرف في الصراع الدائر، منطلقة من موقف طائفي واضح، إنما كانت تهدف إلى التداخل لخـلق دولة طائفية، تستفيد من وجودها عقائدياً وإقتصادياً، لأنها ستكون خير تبرير لوجود الكيان اليهودي.

          وفي أعقاب دخول القوات السورية إلى لبنان، قال إيجال آلون : "إنه ليس في وسع إسرائيل التسليم بتسوية لبنانية، تؤدي إلى تدمير الشعب الماروني الكاثوليكي. إن الوضع في لبنان يتخطى الشأن الداخلي. وأمامنا محاولة لإبعاد الشـعب الماروني العريق".  وفي مناسبة صدور الجزء الأول من ترجمة حياة بن جوريون، ذكر شيمون بيريز، في جريدة "معاريف" قول بن جوريون، عام 1956 : "يجب أن يتحرر لبنان في بعض مناطقه الإسلامية، ليتمكن المسيحيون من العيش فيه". والحقيقة الكامنة من وراء هذا الاتجاه، هي أن إسرائيل، ليست فعلاً وراء أحد الفريقين، ولكنها وراء فكرة تصادم الفريقين، والطائفية هي الحليف لها في ذلك.

الهجوم على صيغة الدولة الديموقراطية العلمانية

          حين نادت منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة، عام 1974، بدولة فلسطينية ديموقراطية، تتعايش فيها كل الأَديان، وقدمت لبنان نموذجاً للحل المطلوب ـ المتمثل في التعايش الوطني بين الأديان والآراء، في إطار من الحرية والديموقراطية ـ استغلت إسرائيل أحداث لبنان لإظهار استحالة بناء الدولة الديموقراطية العلمانية، التي تدعو لها الثورة الفلسطينية. وصرح إيجال آلون، وزير خارجية إسرائيل، في 20سبتمبر1975 : "إن المخربين أرادوا إستغلال لبنان، الدولة الديموقراطية العلمانية، التي يعيش فيها أبناء شعوب مختلفة وديانات مختلفة تعايشاً سلمياً، وأرادوا أن يطوعوها لحسابهم من أجل تحقيق أهدافهم".

التركيز في مساوئ الوجود الفلسطيني في لبنان

          ركزت أجهزة الإعلام الإسرائيلية على أن الوجود الفلسطيني في لبنان، هو السبب الرئيسي لمشـكلته، وما عداها من مشاكل تُعد هامشية، ونقلت هذه الأجهزة كل رأي أو تصريح، يُشتم منه رائحة العداء اللبناني للفلسطينيين. وفي حديث إذاعي لرئيس معهد شيلواح، التابع لجامعة تل أبيب، في 14أبريل1975، يحلل فيه سبب اندلاع القتال في لبنان، يقول: "إن المنظمات الفلسطينية تتحدى أسلوب الحياة اللبنانية. وإنه بعد فشل محاولة الجيـش اللبناني ردع هذه المنظمات، فإن منظمات متطوعة، مثل "الكتائب"، تحاول القيام بالواجبات، التي كان يجب أن يقوم بها الجيش". كما هاجمت جريدة "شعاريم" ، "المخربين"، الذين أنكروا الضيافة، التي قوبلوا بها من جانب المسيحيين في لبنان، والذين يكرَهون لبنان البورجوازي، الذي ترفع رايته "الكتائب". وعَزَت جريدة "دافار" إلى (المخربين): "تهمة السعي إلى القضاء على مكانة المسيحيين، الذين منعوا، حتى الآن، جعل لبنان دولة مواجهة ضد إسرائيل". ورأت جريدة "جيروزاليم بوست Jerusalem Post ": " أن إشعال الحرب إنما هو ناجم عن وجود منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي عكّر صفو العلاقات بين الطوائف. وإذا لم تضع حكومة لبنان حدّاً لنشاط المنظمة، فلن يكون هناك مناص من تصعيد الحرب الأهلية" .

التركيز في الخلافات العربية

          ويُستدل من طريقة العرض، التي قدمت بها الأجهزة الإعلامية، داخل إسرائيل وخارجها، الأزمة اللبنانية، أن هناك تأكيداً على الخلافات العربية، وتحريضاً على الإمعان فيها.  فذكرت "يديعوت أحرونوت" : "بأن الحرب اللبنانية تكشف انقسام في العالم العربي، وتعمق الخلافات في الرأي السائد في الدول العربية". وألمحت "هاآرتس" : "إلى أن الشرخ بين مصر وسورية، الذي توقعه رابين في ديسمبر 1974، حقق نجاحاً يفوق أي تقدير، على يد عنصر، لم يكن رئيس الحكومة يحلم به". كما رأت "عال همشمار" : "أن المعركة في لبنان، ألقت بذور خلاف بين جهات مختلفة في المعسكر العربي، وأن الصراع الداخلي اللبناني، تحوّل إلى مواجهة في العالم العربي". كما أكدت الجريدة : "أن التدخل السوري في لبنان، أدّى إلى حدوث استياء في أوساط العالم العربي، وأن سورية، من خلال هذا التدخل، تسعى إلى تحقيق حلم سورية الكبرى داخل الوطن العربي". وتوقعت جريدة "دافار" : "أن ينشأ، نتيجة الصراع العربي في لبنان، نظام جديد للقوى في المنطقة العربية، بسبب تصارع ثلاثة مخططات في الساحة اللبنانية: مخطط الأسد، ومخطط جلود، ومخطط السادات". وأن قضية لبنان، تجسد، أكثر من أي شيء آخر، مدى التمزق العربي. فالجامعة العربية أظهرت عجزاً مطلقاً عن حل الأزمة اللبنانية". وأبدت الجريدة ارتياحها للوضع الذي تواجهه المقاومة، نتيجة التدخل السوري، وفرض الحصار على مناطق وجودها.

          كما أكدت إسرائيل أن تفجّر الوضع في لبنان، ليس نتيجة الخلافات العربية المستحكمة فقط، بل بسبب الخوف من منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً، التي استغلت الانقسامات في العالم العربي لمصلحتها، وعمقت توغلها في الدول العربية. وأن تقاعس هذه الدول أمام الدور السوري، نابع عن رضى عن الخطوات السورية. كما أكدت أن منظمة التحرير الفلسطينية، إنما تمثّل بؤرة خطر على البنية الداخلية للدول العربية. وأن النداء الذي وجهته المنظمة إلى الزعماء العرب، بالتدخل لإنقاذ حركة المقاومة، قد جاء متأخراً، بعد أن كانت الأطراف العربية، قد استخدمت الفلسطينيين كأداة موجهة ضد إسرائيل لسنوات طويلة. ومع تعمق الشرخ بين الحكام العرب، برزت حقيقة أنهم لا يهتمون إلا بأنفسهم، ومصلحتهم التي تكوّن العامل الحاكم والمقرر، في نظرهم .

          وفي حديث لإسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى جريدة "دافار" قال: "أنه يرى نتيجتين، من الزاوية الإسرائيلية للصراع الدموي في لبنان. أولاً: أن العالم العربي غير مهيّأ للالتفات إلى موضوع المفاوضات مع إسرائيل، سواء لتحقيق تسوية شاملة، أو لإنهاء حالة الحرب، إذ إن توجهاته السياسية الأساسية، وجزءاً من  مجهوده الحربي، منصبان على الحرب في لبنان. ثانياً: تضاؤل أخطار التنسيق العسكري العربي لمواجهة إسرائيل".  

          وكشف رابين صواب السياسة الإسرائيلية وفاعليتها، في عدم وجود قوات أجنبية في منطقة مجاورة للحدود الإسرائيلية. واستطرد قائلاً: إنه يرى "على المدى القريب، تزايد حالة التوتر بين السوريين والفلسطينيين في لبنان، وأن العامل المسيحي سيزداد قوة، وأن اليسار في حالة تدهور، وأن القوات السورية أُبعدت عن خطر المواجهة في الجولان، وأن التوتر العسكري بين العرب وسورية وصل الذروة، وأن هذه الأوضاع خلقت توتراً في العالم العربي، بدلاً من أن تجمعه المواجهة ضد إسرائيل، وأن هذا الصراع سيستمر طويلاً".

          كما ذكر رابين، في حديث آخر إلى "نيويورك تايمز New York Times" : " أن القتال قد قلّل من احتمالات وقوع صِدام من جانب العرب، متحدين ضد إسرائيل". وعلق مردخاي جور، رئيس الأركان، على هذه الأحداث بالقول : "لقد دخل العرب في صراع عنيف. وبدلاً من أن نكون نحن الهدف، تخاصم العرب فيما بينهم، وتركزت كل جوانب هذه الصراعات في لبنان، وأكسبت مشكلته طابعاً حادّاً جداً. وهكذا، بسبب هذا الوضع، نعمت الحدود الشمالية الإسرائيلية بهدوء لا بأس به. وهو أمر مهم لنا. كما أتاح للجيش الإسرائيلي تخفيف الانشغال بما يجري، والتركيز أكثر على الإعداد لحرب شاملة. فمن زاويتنا، أتاح لنا الصراع في لبنان التركيز على المسائل الرئيسية". كما أكد رابين لجريدة "دافار" : "أن الحرب الأهلية في لبنان، أحدثت شرخاً في العالم العربي. وأدت إلى إهمال موضوع المواجهة مع إسرائيل. وأن الجرح العربي، في هذه المرة، قد انفتح كثيراً، إلى حدّ أنه أصبح صعب الالتئام".

          لقد كان التفكك العربي هو الورقة، التي ربحتها إسرائيل. كما أنه ظل مصدر رضى لها، لأنه وفّر الهدوء والسكينة للحدود الإسرائيلية، وأثّر في مجرى السياسة إزاء الصراع العربي الإسرائيلي. وفي الحرب الأهلية اللبنانية، وجدت إسرائيل مركزاً مثالياً لإرهاق الدول العربية واستنزافها، مادياً وعسكرياً وبشرياً، مما يحُول دون إقامة جبهة موحدة ضد إسرائيل، التي كانت تخشى، فقط، قدرة العالم العربي على الاتحاد ضدها. ومن هنا جاء حرص إسرائيل على إبقاء تدخلها في الأزمة خفيّاً، لأن كل تدخل فعلي من جانبها، سيعكس الوضع، وسيؤدي إلى تكتل جميع الفرقاء المتنازعين في العالم العربي ضدها ، إذ إن التدخل الإسرائيلي، كما قالت جريدة "دافار" : "سيؤدي إلى حرب شاملة مع العرب. وبدلاً من الانشقاق الآخذ في التزايد بين سورية ومصر والعراق، سنساهم بأيدينا في تكتل سريع، ومتجدد، لجبهة محاربة، معادية لإسرائيل".

إظهار دور إسرائيل الحضاري

          منذ بداية الحرب اللبنانية، ظلت الحدود اللبنانية ـ الإسـرائيلية هادئة. وحرصت إسرائيل على إبقائها كذلك ، من أجل إقناع العـالم بأن إسرائيل تحرص على السـلام، وتراعـي النواحي الإنسـانية، متهمة العرب بالتخلف الحضاري والعنصرية القوميـة. واسـتغلت إسرائيل الأوضاع المعيشـية الصعبة، التي كان يُعانيها سـكان القـرى الحدوديـة في الجنوب اللبنـاني، نتيجة الأزمة الطويـلة، وانقطاع مـوارد الرزق والمـواد التمـوينية، وفقدان الأدوية، وتوقف معظم العيادات الطبية عن العمل. فراحت تمد جسـورها مع الأهالي في الجنوب، تحت سـتار الإنسـانية، بتقديم الخدمات الضرورية، وتزويد الناس بالمواد الغذائية والميـاه والوقود. ثم وسّعت نشـاطها بأن بـدأت، عملياً، بشـراء المنتـجات الزراعيـة الجنوبيـة، وإيجـاد فـرص عمـل داخـل إسـرائيل لـعدد قليل من العمـال اللبنانيين العاطلين . كما أقامت المستوطنات ومضخات المياه عند مراكز الحدود، حيث البوابات المقامة على طول السياج الشائك، المكهرب، الذي بنَته إسـرائيل على طول الحدود، ففُتحت هذه البوابات لأهالي قرى جنوب لبنان، الباحثين عن الطعام والعمـل والعنايـة الطبية . وبدأت الصحف الإسرائيلية، منذ يونيه 1976، تتناقل أخبار هذه الجسور، وتتحدث عن مناطق التعاون بين الإسـرائيليين واللبنانـيين. وأطـلق شـيمون بيريـز عـلى هـذه العملـية اسـم "سـياسة السياج الطيب " "The Good Fence Policy"وادّعى أن إسرائيل تقدم المساعدات الطبية والغذائية لدوافع إنسانية، وتمنى أن تخلق هذه الجسور المفتوحة أرضية للسلام ولعلاقات حُسن الجوار. وقال: "إننا مهتمون، بصراحة، بتنقية العلاقات بين السكان على جانبَي خط الحدود ودعمها، من أجل إقامة علاقات حسن جوار، في هذا البحر من العداء حولنا".

          كما نشرت جريدة "دافار" مقابلة مع إيجال آلون قال فيها : "إن سياسة السياج الطيب، ساهمت مساهمة إيجابية كبيرة في اكتساب التعاطف معنا، في أوساط السُّكان اللبنانيين، وفي رؤية العالم إلى إسرائيل في الضوء الصحيح".

          وقد استطاعت إسرائيل، عبر تقديم عدد من الخدمات، أن تخلق جو نفوذ مؤقتاً، جنوب نهر الليطاني. وضمنت بذلك حياد حدودها مع لبنان، من دون أن تلجأ لعملية اجتياح كامل .   وشرحت "يديعوت أحرونوت" مطولاً مبررات المساعدات الإسرائيلية، واحتمالات المستقبل، بقولها: "مع احترام الجانب الأخلاقي الإنساني، الذي تنطوي عليه المساعدة لعرب جنوبي لبنان، فليس العلاج الطبي والعمل التمويني، إلاّ موضوعات فرعية. فالهدف الحقيقي للسياسة الإسرائيلية المسماة "السياج الطيب"، هو خلق وضع جديد في المنطقة على الحدود الفاصلة".

          كان همّ إسرائيل هو انتزاع الروح العدائية ضد إسرائيل من نفوس سكان الجنوب اللبناني، وتوضيح أن ما لحقهم من مآسي كان بسبب الوجود الفدائي، مع تركيز دعايتها في القرى المسيحية داخل الشريط الحدودي، مستغلة حالة الخوف، التي انتابت بعض الأوساط المسيحية، لكي تظهر بمظهر الحامي للمسيحيين، في وجه أي محاولات اعتداء يتعرضون لها . وكانت هذه المخاوف قد غذتها الدعايات الإسرائيلية والقوى اليمينية اللبنانية، مما دفع المواطنين في هذه القرى، إلى القبول بمبدأ التعامل مع إسرائيل. ويمكن اعتبار ذلك بداية المخطط اليميني ـ الإسرائيلي، لفتح جبهة جديدة في الجنوب، بخلق الأجواء الملائمة التي تحول من دون عودة النشاط الفدائي للمنطقة. وهذا ما أشار إليه شيمون بيريز حين قال: "إن تقليص وجود منظمة التحرير الفلسطينية في المنطقة الجنوبية، عملٌ ترجمته إسرائيل إلى نموذج مدروس للحوار. فالحدود التي تعَدّ دولية وثابتة، هدأت مؤقتاً في كلا الجانبين. وأصبح السكان يريدون نُظُـماً، تختلف عن تلك التي فُرضت عليهم من قِبل عناصر خارجية".

          وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى احتمالات تطور الوضع بعودة المنظمات إلى الجنوب، حسب اتفاق القاهرة، بعد مؤتمرَي القمة في الرياض والقاهرة. وأكدت أن سياسة "السياج الطيب"، هدفت، أولاً وقبل كل شيء، إلى خلق وضع، يجعل من الصعـب على "المخربين" أن ينطلقوا من هذه المنطقة في المستقبل. ومع ذلك، لم تحقق تلك السياسة، ـ السياج الطيب ـ النجاح الذي حاولت الدعاية الإسرائيلية الإيحاء به. والدليل على ذلك أن سكان القرى، الذين دخلوا إسرائيل عبر الأسلاك الشائكة، كانوا يتوسلون إلى الصحفيين ألاّ يذكروا أسماءهم، كما كانوا يُخفُون وجوههم. والسبب في ذلك أن التجار، الذين تعاملوا مع إسرائيل، تعرضوا لعمليات انتقامية، وكان ذلك إنذاراً لهم بعدم السماح للإسرائيليين بالتدخل في شؤونهم. كما أن التوتر في الجنوب، الذي اندلع بين القوى الوطنية واليمينية، بدأ يؤثر في أوساط العمال اللبنانيين العامـلين داخل إسرائيل. وزُرعت الألغام في الطرق المؤدية إلى "السياج الطيب". كما أن هناك دليلاً آخر على عدم فعالية سياسة "السياج الطيب"، وهو سيل الهجرة الذي لم ينقطع من القرى الجنوبية إلى شمال لبنان، على الرغم من كل ما بثته أجهزة الإعلام الإسرائيلية في سبيل الدعاية لسياسة فتح الجسور، وإيهام أهالي الجنوب بنجاحها .



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة