الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
حملة الليطاني
خريطة لبنان
اُنظــــر كـــذلك
 
سلام الجليل الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام جليل)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

الفصل الثاني
أطراف الصراع في لبنان ... وتصاعد الأزمة

          تعددت الأطراف في الأحداث على الجبهة اللبنانية ـ الإسرائيلية، التي قادت إلي العدوان الإسرائيلي، من خلال "حملة الليطاني". فالحملة لم تقتصر على هدف واحد، بل استهدفت تحقيق خمسة أهداف، جملة واحدة، هي:

  1. تدمير المقاومة الفلسطينية.
  2. تحقيق أمل إسرائيل في السيطرة على الجنوب اللبناني.
  3. تحدي القوات السورية على أرض لبنان.
  4. الضغط على العرب للإسراع في تحقيق سلام مع إسرائيل.
  5. استعراض القوة للتحالف الإسرائيلي ـ الأمريكي، في مواجهة التحالف السوفيتي مع بعض القوي العربية.

أولاً: لبنان الدولة وأثر الطوائف اللبنانية

          يرجع معظم مشاكل لبنان إلى نظره الشك والحذر، التي تنظر بها كل طائفة إلى الأخرى. فقسم من سكان لبنان، يندفع مؤمناً بالعروبة، وتجذبه القومية العربية. وجزء آخر يؤمن بالحضارة الغربية، ويتجه إليها، ويخشى أن يذوب لبنان في مجموعة عربية كبيرة ذوباناً، يفقده استقلاله وكيانه وطابعه الخاص . وهناك تناقض واضح بين الجناحين، اللذين يتألف منهما لبنان. فهناك فئة لا تريد لبنان مستقلاً، وتبرر موقفها بأن بقاء استقلال لبنان، ومحافظته علي طابعه الخاص، هو عقبه في سبيل الوحدة العربية. وإذا بقى لبنان على استقلاله، كان ممراً للاستعمار، وأن الكيان اللبناني، وجد لكي يجمع الأقلية المسيحية في الشرق. وهذا أمر لا يستوجب إنشاء دولة لبنان، ما دامت دول الشرق الإسلامية، تُؤمّن للأقلية فيها ممارسة الشعائر الدينية، وتضمن لها حرية الإقامة والتملك وغيرها من الحريات . ولكن نظرة الفريق الأخر، أن لبنان ليس عائقاً في سبيل وحدة عربية، ولكن ما يحول دون تحقيقها إنما هي عقبات محلية، وخلافات تاريخية، واعتبارات جغرافية، ومصالح دولية، وسياسات عالمية . وكان نتيجة الانقسام في الرأي، أن أصبح لبنان يعيش الازدواجية في الفكر، وفي الانتماء، والشعور بالولاء للوطن.

أثر الطائفية في الجيش اللبناني، وظهور ميليشيات الأحزاب

          لاشك أن الطائفية، بمفهومها اللبناني، الذي يعتمد على اختلاف المضمون والهدف والانتماء، كان لها أثر كبير في تكوين الجيش، وفي إعداده لمهامّ قتال رئيسية. ولذلك، كان الرؤساء اللبنانيون، يتحاشون الزج بالجيش في أي معارك رئيسية. وكان الاختبار الأول له، في شهر مايو 1973، عندما دُفع لتصفية المقاومة اللبنانية، وعجز عن تنفيذ المهمة. ومن تلك اللحظة، ظهرت ميليشيات الأحزاب، لتقوم نيابة عن الجيش بهذه المهمة.

          وقد أوضح التقرير المشهور بالرقم 532 ، مدى عجز الجيش اللبناني عن القيام بالمهام المطلوبة  منه، وأن إعادة تسليحه وتدريبه، قد تستغرق سنوات، إلي جانب عدم ضمان التزامه بتنفيذ الأوامر، نتيجة لتركيبة الطائفي. ومن ثم، فليس هناك مفـر من الاعتماد علي الميليشيات الخاصة، علي أن يكون الجيش عاملاً مساعداً لها. وقد جرت مناقشة مسألة إعداد الميليشيات في اجتماعات بين رئيس الجمهورية، سليمان فرنجية، من ناحية، وقائد الجيش، العماد إسكندر غانم. كما نُوقشت في المكتب السياسي لحزب "الكتائب"، برئاسة الشيخ بيار الجميل، ثم بين كميل شمعون وبيار الجميل. وقد ظهر أن هناك أربعة مشاكل، تعترض إنشاء الميليشيات، منها التمويل، وجمع الشباب، والتسليح، والتدريب .

          ومن المفارقات أن حزب "الكتائب"، كانت له المبادرة الأولى في سرعة تعبئة الشباب، وإنشاء الميليشيات وتدريبها عسكرياً. وتولى جيش لبنان شراء السلاح، وتحويله إلى ميليشيات "الكتائب" و"الأحرار" و"حراس الأرز". بعد ذلك، تم الاتفاق مع رئيس الجمهورية على تكليف الجيش بتعيين ضباطه، من الموارنة، بتدريب الميليشيات، من طريق الإجازة أو الإعارة. وقد وصل الأمر إلى أن استخدم الجيش اللبناني الدعم العربي، المالي والعسكري، الذي تقرر له في مجلس الدفاع العربي، في 5 يوليه 1974، لصالح هذه الميليشيات.

          وقد درب حزب "الكتائب" بعض أفراد ميليشياته في إسرائيل، وألمانيا الغربية، والأردن، وبعض الدول الأخرى. أمّا إمداد الميليشيات بالسلاح، فقدّره سامبسون في كتابه "سوق السلاح" ، بقيمة تراوح بين 200 و600 مليون دولار. وهذه الأموال جاءت من البنوك المنهوبة، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA ، وإسرائيل، وألمانيا الغربية، والفاتيكان، وإيران، وفرنسا، وبعض الدول العربية.

          وهكذا ظهرت "الكتائب" بصورتها، التي عرفها العالم بدءاً من بداية  عام1975، بإعلان رسمي، يتلخص في مضمون رسالة، أرسلها بيار الجميل، زعيم الحزب، إلى رئيس الجمهورية، سليمان فرنجية، جاء فيها: "لكل شيء في الحياة حدود. وللإنسان خصوصاً قدره معينه على الاحتمال، فمتي استنفدها انفجر. ولعل مأساة الجنوب قد أوصلتنا إلى حدود هذه المقدرة. إن الوضع لم يعد من الممكن السكوت عليه، فالدولة دولتان والجيش جيشان، والسلطة سلطتان" . ومن هنا، بدأت تتصاعد أعمال "الكتائب"، وتنتشر مذابحها شرقاً وغرباً وجنوباً، حيث لم يكن في مقدور أحد مواجهتها، إلاّ من خلال تصريحات الإدانة. وتبعاً لذلك، تصاعدت الحرب الأهلية اللبنانية بالصورة المأساوية التي عرفها العالم بها.

          ويتلخص الموقف اللبناني، عشية العدوان الإسرائيلي، في منتصف مارس 1978، في الآتي:

  1. أن لبنان الدولة، لا تسيطر علي الموقف في لبنان، وهي واجهة لدولة فقط.
  2. حزب "الكتائب"، يملك الحل والعقد في عموم لبنان. وقد تمكن قادتُه من استقطاب أو تحقيق تنسيق، ولو إلي أدني حدّ، مع القوات السورية في لبنان، ومع إسرائيل، ومع جهات أجنبية وعربية أخري، لضمان التأييد والإمداد بالسلاح والمال. وكان مجال التأمين والتنسيق يتجه في اتجاه واحد، وهو المقاومة الفلسطينية.
  3. في داخل ميليشيا "الكتائب" نفسها، كان هناك فئات متشددة وذات نزعة عنصرية. وكما كان من بينهم من هو أقل حساً وطنياً. وقد تمكنت إسرائيل من استقطاب عنصر فعال من الكتائب للعمل لمصلحتها، تم تجنيده في الجنوب، وهو الرائد سعد حداد، الذي قاد ما يسمي "جيش الجنوب".
  4. بينما كانت الصراعات "والحرب بالوكالة" دائرة على أرض لبنان، كان لمصر موقف محدد، لم تتزحزح عنه لحظة، وهو: "ارفعوا أيديكم عن لبنان، واتركوا لبنان للبنانيين". وعلى الرغم من سلبية هذا الموقف، إلاّ أنه كان الممكن الوحيد في تلك المرحلة.

ثانياً: الفلسطينيون في لبنان

          على الرغم من أن تاريخ الوجود الفلسطيني في لبنان قديم، ويعود إلي ما قبل عام 1948، وازداد نتيجة للأحداث التاريخية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، إلاّ أن الأوضاع لم تستقم أبداً لتوفير مناخ مناسب، وشرعي، لهذا الوجود، على الرغم من توقيع اتفاق القاهرة، في 3 نوفمبر1969، والذي جاء بعد صدامات عنيفة بين الجيش اللبناني والفلسطينيين، سقط فيها الكثيرون من الشهداء. فقد تحددت حقوق الفلسطينيين، في اتفاق القاهرة، في العمل والإقامة بلبنان، والسماح لهم بالمشاركة والتعاون المشترك مع الثورة الفلسطينية. كما تحدد دور لبنان في تسهيل العمل الفدائي الفلسطيني، وإيجاد صيغة للتنسيق والتعاون المشترك بين الثورة الفلسطينية والجيش اللبناني. فضلاً عن تحديد الإجراءات لحماية الأمن اللبناني، وسيادة السلطة اللبنانية على أرضها. وقد قوبل هذا الاتفاق، وقتها، بمعارضة بعض الفئات اللبنانية، المناوئة للوجود الفلسطيني من الأساس، والتي سارعت إلى اتهام العماد إميل البستاني، قائد الجيش اللبناني، الذي وقع الاتفاق، بأنه "باع القضية".

          وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الاتفاق أدي إلي عاملين إيجابيين:

الأول: إيقاف أو تأجيل "الصدامات" اللبنانية ـ الفلسطينية لمدة حوالي ثلاث سنوات تقريباً.

الثاني: حل المشكلة الفلسطينية في أعقاب أحداث "أيلول الأسود" وما أسفرت عنها من صدامات بين السلطة الأردنية والفدائيين الفلسطينيين، والتي أدت إلي عقد مؤتمر قمة القاهرة، في 25سبتمبر1970، الذي كان أحد قراراته السماح بنزوح المقاومة الفلسطينية إلي لبنان.

          وكانت بداية تفجّر الموقف، للمرة الثالثة، بين اللبنانيين والإسرائيليين في ربيع عام 1973، إثر العملية الخاصة الإسرائيلية علي مكاتب القيادات الفلسطينية في بيروت "غارة شارع فردان"، التي استشهد فيها ثلاثة من تلك القيادات، هم محمد يوسف النجار، وكمال ناصر، كمال عدوان. وكان سبب الانفجار هو إدانة عجز السلطة اللبنانية عن حماية البلاد، وتخاذلها عن الرد علي هذا الهجوم. فبدلاً من أن تضم القوي اليمينية صوتها إلي جانب المقاومة الفلسطينية، فإنها طالبت بنقل مخيمات الفلسطينيين من حول بيروت. وقامت وحدات الجيش اللبناني بمحاصرة هذه المناطق والمخيمات، ومهاجمة بعضها، وتفتيشها وقصفها، واعتقال عدد كبير من قاطنيها بدعوى الحرص علي سيادة لبنان . ثم استمرت التحرشات والمذابح، طبقاً لخطة "قوي يمينية"، تهدف لخلق فتنة طائفية في لبنان، وإحداث صِدام مسلح بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية، تتابعت أحداثه، بين الانحسار والانتشار، حيث شملت لبنان كله. وأصبح المواطن اللبناني غير آمن على نفسه، مما دفع السلطة اللبنانية أن تقف موقفاً غير متعاطف مع الفلسطينيين، وتعاملهم كغرباء غير مرغوب فيهم، أو نازحين فُرضوا فرضاً على لبنان ، وفرقت، قانوناً، بين المواطن اللبناني والفلسطيني. وأمام كل هذه المتغيرات، لم تكن السلطة الفلسطينية في درجة من فهم الأوضاع، تتيح لها إحباط هذا المفهوم لدي السلطة اللبنانية، والتنسيق معها في سبيل مصلحة الطرفان. بل إنها على العكس تماماً، واجهت القوة بالقوة، وفرضت حزاماً أمنياً علي الجنوب في مواجهة السلطة اللبنانية. وكل ذلك زاد الأزمة اشتعالاً.

          بدأت أحداث الأزمة اللبنانية في صيدا، بدءاً من 26 فبراير 1975، بتظاهرة قام فيها صيادوا الأسماك، وشاركت فيها الأحزاب الوطنية، احتجاجاً على منح إحدى الشركات، التي يملكها كميل شمعون، امتيازاً لاحتكار صيد الأسماك لمدة 99 عاماً، علي طول الشواطئ اللبنانية، مما عدّه الصيادون قطعاً لأرزاقهم. وهنا تحركت القوي اليمنية، متمثلة في  أحزاب "الكتائب" و"الأحرار" و"الكتلة الوطنية"، لتأييد السلطة اللبنانية والجيش اللبناني في مواجهة القوي الوطنية الأخرى. وأعطي الإعلام الرسمي للدولة اهتماماً خاصاً لتلك التظاهرات. وسرعان ما تقلبت الأمور ليخرج من أزمة لبنانية ـ لبنانية  إلي مواجهة بين يمين لبناني ضد الفلسطينيين، إذ كان حادث مذبحة عين الرمانة، في 13 أبريل 1975 ، هو الإنذار بأن حزب "الكتائب"، قد أخذ على عاتقه مسؤولية تنفيذ مخطط لخلق طائفية في  لبنان، وإحداث صِدام بين الجيش والمقاومة . وقد نجح فعلاً في ذلك، إذ بدأت، منذ ذلك التاريخ، الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة بين المقاومة وحزب "الكتائب" في بيروت، وبها دخلت المقاومة الفلسطينية حلبة الحرب الأهلية اللبنانية، سواء باختيارها أو مجبرة على ذلك، على الرغم من البيان الفلسطيني، الذي أصدره ياسر عرفات، في 25 يونيه 1975، وأكدّ فيه أن الثورة الفلسطينية، ليست طرف صراع في هذه الحرب. والحقيقة أن ذلك لم يكن علي الإطلاق في مصلحة المقاومة الفلسطينية، التي خسرت كثيراً من أفرادها، وتعرضت لمذابح رهيبة في مخيمَي "جسر الباشا" يوم 29 يونيه 1976، و"تل الزعتر" في 12 أغسطس 1976، والتي اشتركت في بعضها، للأسف، ضد الفلسطينيين، قوات سورية، بحجة الحفاظ علي أمن لبنان. وهناك عدة قوى، كان يؤثر "معظمها بالسلب" في الوجود الفلسطيني في لبنان، أهمها القوي اليمينية، والتي لها العديد من الأهداف، وقد حددها كمال جنبلاط، الزعيم اللبناني، في الآتي :

  1. خوف غالبية المسيحيين في لبنان من احتمالات المستقبل، وسيطرة الروح الطائفية على كيانهم.
  2. خشية الفلسطينيين في لبنان من العودة إلي تلك الأوضاع، التي كان يحياها الفلسطينيون قبل الثورة.
  3. وجود نظام سياسي في لبنان، يعادي التطور والتقدم، ويقف في وجه بناء جديد في لبنان، تنصهر فيه الاتجاهات الطائفية في بوتقة وطنية حقيقية.
  4. التغيرات الديموجرافية، التي تهدد التوازن بين المسلمين والمسيحيين، والتي ترتب عليها، أن أصبح عدد المسلمين في لبنان يناهز 65% من عدد السكان، وأصبح الموارنة ثالثة طائفة، بعد الشيعة والسنة.
  5. عدم الانضباط القائم في الوسط الفلسطيني. فهناك أخطاء لبعض الفلسطينيين يضخمها المعارضون للمقاومة، ويسوقونها ضد الوجود الفلسطيني كله في لبنان.
  6. التسليح المكثف، لدى المقاومة واليمينيين في لبنان، والذي ترك آثاراً سيئة علي الجانبين.
  7. العامل الاقتصادي، فكثير من اللبنانيين، يحقدون على الثورة الفلسطينية، لأنها تهدد التركيبة الاجتماعية والاقتصادية القائمة في لبنان، والتي تعتمد علي قطاعَي التجارة والخدمات، ولا يواكبها خطط للتنمية العمرانية والزراعية والصناعية وغيرها، تخفف من ذلك الشعور، الذي يسيطر علي أهالي لبنان، بأن الثورة الفلسطينية تحمل في ثناياها تهديداً لهذا الكيان الاجتماعي الهش.

          ويتلخص الموقف الفلسطيني في لبنان، عشية العدوان الإسرائيلي، في منتصف مارس 1978، في ست نقاط، هي:

  1. يمثل الفلسطينيون كياناً "شبه ملفوظ" قوامه حوالي 50% من أصحاب الأرض الشرعيين، على الرغم من أن وجوده يرتكز علي معاهدات واتفاقيات معترف بها. ولكن يكفي أن يكون الفلسطينيون منبوذين في مناطقهم، حتى تأتي ردود الفعل غالباً في غير مصلحتهم، وتقترب من حد الشماتة، والإهمال.
  2. أصبح الفلسطينيون يحاربون في عدة جبهات، على الرغم من أن عدوهم الرئيسي يأتي من الجنوب والغرب، إلاّ أن الشمال والشرق يمثلان تهديد الصديق، الذي غالباً ما يكون تأثيره أشد من تأثير العدو نفسه. ومن ثم، تشتت الجهود الفلسطينية في معظم المجالات.
  3. أدت الفوضى السياسية، التي كانت تعيشها لبنان، في هذا الوقت، إلي انشغال القيادات السياسية الفلسطينية، واستنزاف جهود الفلسطينيين في المسألة اللبنانية ـ اللبنانية، مما شكل خطراً شديداً، لأن القضية الفلسطينية ضلّت طريقها، ولم تصبح هي قضية العرب، كما كانت في السابق.
  4. لم تراعِ القيادات الفلسطينية الجهود التي بذلتها مصر في سبيل القضية. وسارت، مع آخرين، في اتجاه معاكس لمسيرة السلام المصرية. وعارضت زيارة الرئيس محمد أنور السادات إلى القدس. وكانت خسارة الفلسطينيين، من جراء ذلك، قاسية عليهم هم، أنفسهم. على الرغم من أن مصر لم تتخل عنهم حتى برغم معارضتهم لها.
  5. اكتسبت المقاومة الفلسطينية، عالمياً، صبغة الإرهاب، نتيجة لبعض الأعمال الفدائية، التي شملت مناطق عديدة في الدول الغربية، وأهمها خطف الطائرات، أو العمل ضد مسؤولين أو مصالح إسرائيلية في الخارج. وبسبب وصف المنظمات الفلسطينية بالإرهاب، فإن الرأي العام العالمي، لم يَعُده متعاطفاً معها.
  6. لم تتخذ القيادات الفلسطينية، في الوقت نفسه، الكيان والصورة، المطلوب أن تكون عليهما في هذه المرحلة الحاسمة، التي تستدعي التركيز على قضيتها، وعدم تكوين جبهات أو محاور، بل التنسيق مع كل الأطراف، لإبراز القضية الفلسطينية على أنها شعب يطالب بحق العودة إلي أرضه، حتى يتعاطف الرأي العام معه. ولكن عكس هذه الصورة هو الذي كان سائداً، من إنشاء محاور، وتبني اتجاهات بعض الدول وآرائها، والتنافس الداخلي بين القيادات الفلسطينية  نفسها. وكل تلك الصور، أثّرت على الكيان الفلسطيني نفسه. فلم يجد من يقف معه في مٍحنته، يوم 15 مارس 1978، عندما بدأ الهجوم الإسرائيلي. بل إن الرأي العام العالمي، لم يتبيّن حقيقة هذه الحرب وأهدافها، ولا من هو الطرف المعتدى عليه فيها.

ثالثاً: الدور السوري في لبنان

          لم تنظر سورية، يوماً، إلى لبنان علي أنه دولة مستقلة بشكل تام. بل كانت تعُدّه جزءاً من أراضيها، أقتُطع في لحظة تاريخية استعمارية، لم تكن دمشق خلالها قادرة علي إيقاف هذا القرار أو تعطيله.

          وعلي الصعيد الإستراتيجي العسكري، فإن الحدود اللبنانية ـ السورية، تُعَدّ نقطة الضعف الرئيسية في الدفاعات السورية، إذا ما حدث هجوم إسرائيلي علي سورية. لذلك، فإن دمشق ترى أراضي لبنان امتداد إستراتيجي للأراضي السورية، وليس قطراً مستقلاً.  

          وقد حرصت سورية، دائماً، أن  يكون لها تأثيرها السياسي على مجريات الأمور في لبنان، سواء من طريق الطوائف أو الأحزاب التي تمولها (الروم الأرثوذكس ـ الدروز ـ الحزب القومي الاجتماعي ـ حزب البعث العربي)، أو من طريق الدعم المستمر للمسلمين في لبنان، الأمر الذي كان يزعج الطائفة المارونية، ويدفعها إلى المطالبة بحل الخلافات المتعلقة بالحدود، وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، لإنهاء هذه الخصوصية السورية في لبنان .

          وقد رأت سورية أن الحرب الأهلية في لبنان، تؤثر علي أمنها الوطني تأثيراً مباشراً. ولذلك، قررت، بصورة منفردة، التدخل عسكرياً في لبنان، لإنهاء هذه الحرب، والفصل بين المتحاربين. ثم تم تقنين هذا التدخل، عربياً، في المؤتمر الذي عقد في الرياض، في الفترة من16ـ 18 أكتوبر 1976. وأصبح لسورية وجود عسكري دائم في لبنان، ومؤثراً في الأحداث، حتى أنها أمسكت بزمام الموقف، وأدارت الصراع بما يحقق مصالحها في الدرجة الأولي، وسيطرت على القرار اللبناني، حتى لا يتعارض مع الأهداف السورية.

          ويلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تبدِ اعتراضاً علي التدخل السوري. ولكنها راقبته بحذر، وكان موقفها منه، يتعارض مع موقفها ضد التدخل الإسرائيلي، مثلاً، وذلك لأن واشنطن، كان يهمها أن تنتهي الحرب الأهلية اللبنانية، ولم تكن تريد هي نفسها، أن تتورط فيها. كما لم ترغب في أن تتدخل إسرائيل حتى لا تشعل موقفاً عربياً، قد يؤدي إلي حرب جديدة بين إسرائيل والعرب. لذلك فإن الحل السوري، كان هو أقرب الحلول الملائمة للموقف وقتئذٍ. ومن أجل تحديد دور سورية في لبنان، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية، بالتنسيق مع إسرائيل، "الخط الأحمر"، والتزمت القوات السورية ألاّ تتعداه، حتى لا يحدث أي تهديد للأمن الإسرائيلي.

          والسؤال: هل نجحت القوات السورية في مهمتها؟ والإجابة: إن الوجود السوري قلب الموازين، بالنسبة إلى المقاومة الفلسطينية، وأوقع بها خسائر كبيره، لكنه لم يوقف الحرب الأهلية، ولم يواجه ميليشيا "الكتائب" مواجهة حقيقة، بل إنه تحالف معها ضد الفلسطينيين، في بعض الأوقات. واستمرت الإستراتيجية السورية تتعامل بحذر شديد في لبنان، فهي تسمح باستمرار تفتت طوائفه، ولا تساعد علي إعادة تكوين الجيش اللبناني، ولا تعمل على دعم السلطة اللبنانية. ويمكن القول أن سورية، كانت تعمل لمصلحة أمنها فقط بوجودها في لبنان. وكان الموقف السوري، عشية الغزو الإسرائيلي لجنوبي لبنان، يتلخص في أن انتشار القوات السورية في مناطق الشمال اللبناني، وحول بيروت. ولم يكن لها وجود في مناطق الجنوب اللبناني. ومن ثم، فهي لم تؤدِّ المهمة القومية، التي انتظرها بعض العرب، والفلسطينيون بوجه خاص، بناء على ما التزمت به في مؤتمر الرياض عام 1976.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة