الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
حملة الليطاني
خريطة لبنان
اُنظــــر كـــذلك
 
سلام الجليل الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام جليل)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

رابعاً: الموقف الإسرائيلي من لبنان

السياسة العدوانية الإسرائيلية

          منذ عام 1965، لم تغفل إسرائيل عمّا يدور علي الساحة اللبنانية، ولا عن تنامي الوجود الفلسطيني فيها. وبدءاً من نهاية عام 1970، تركّز الجهد الإسرائيلي على متابعة "النزوح الفلسطيني" من الأردن إلي لبنان، حيث لم يتهاون في مطاردته، وارتكاب أعمال القتل والعدوان ضده، مع استعداء الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني علي الوجود الفلسطيني من الأساس. وتمثلت أهم الاعتداءات الإسرائيلية علي لبنان في الآتي:

  1. في 12 مايو 1968، شنت إسرائيل اعتداءً علي قرية "حولا" اللبنانية الحدودية.
  2. في 15 يونيه من العام نفسه، تكرر الاعتداء علي قرية "ميس الجبل".
  3. في أكتوبر من العام عينه، وقع اعتداء علي قرية "المجيدية".
  4. في 28 ديسمبر عام 1968، أغارت قوات خاصة إسرائيلية، علي مطار بيروت الدولي الساعة 9.30 مساءاً، بواسطة طائرات عمودية، حيث دمر الكوماندوز الإسرائيليون 13طائرة لبنانية كانت جاثمة على أرض المطار، بدعوى الرد علي الاعتداء الذي وقع علي طائرة العال الإسرائيلية في أثينا.
  5. في 14 يناير 1972، شُن هجوم إسرائيلي علي جنوبي لبنان، حيث تحمل الجيش اللبناني مسؤولية الرد، ودخل منطقة العرقوب، التي حددتها اتفاقية القاهرة منطقة عمل للفدائيين الفلسطينيين، بموافقة السلطات اللبنانية.
  6. في 21 ـ 22 يونيه 1972، شنت إسرائيل هجوماً واسعاً علي الجنوب اللبناني.
  7. في شهر سبتمبر 1972، تكرر هذا الهجوم علي أثر العملية الفدائية في ميونيخ Munich ، وقد سبق ذلك ادعاء إسرائيلي بعلاقة لبنان بهذه العملية. وتوغلت القوات الإسرائيلية في هذه العملية إلى عمق 15 كم داخل الجنوب اللبناني.
  8. في 21 فبراير عام 1973، شن الكوماندوز الإسرائيليين إغارة علي مخيمَي نهر البارد والبِدَّاوي في شمال لبنان.
  9. في أبريل من العام نفسه، شن الكوماندوز الإسرائيليين إغارة أخرى ضد مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت "غارة شارع فردان"، وقتلوا ثلاثة من قادتها، وخمسة من أعضاء الجبهة الشعبية الديموقراطية، وعدداً من المواطنين اللبنانيين. وقد تكررت هذه العملية بواسطة الإسرائيليين ضد مكاتب المنظمة في بيروت فـي العاشر من ديسمبر 1974.

          واستمرت عمليات الإغارة، بعد ذلك، مركزة علي الجنوب اللبناني، سواء للرد علي أعمال فدائية، أو لمعاونة ميليشيا "الكتائب"، أو للردع فقط، وتكبيد المقاومة خسائر مؤثرة.

تأثير الحرب الأهلية اللبنانية في التقارب الإسرائيلي مع اليمين اللبناني

          وقد استغلت إسرائيل الحرب الأهلية اللبنانية في تحقيق أهدافها. وكانت هذه الحربُ دائماً "عامل إشعال" للموقف، توجهه إسرائيل دائماً في اتجاه الإضرار بالقضية الفلسطينية، وإضعاف المقاومة، وإشغالها عن القيام بأي أعمال فدائية ضد إسرائيل. وكان هناك تعاون بين عملاء لبنانيين والسلطات الإسرائيلية، استغلته إسرائيل، من طريق القوي اليمينية، لتحقيق المخطط الرامي إلى التخلص من المقاومة الفلسطينية علي أرض لبنان، من خلال إجراءات، يقوم بها اللبنانيون أنفسهم عبْر مسارين:

الأول: تضخيم الخطر الناجم عن الاعتداءات الإسرائيلية علي الجنوب اللبناني والمدن اللبنانية.

الثاني: إظهار عجز الدولة عن مواجهة هذه الاعتداءات، بدعوى أن لبنان لا يمكن أن يواجه قوة إسرائيل العسكرية، وأنه لا يملك إمكانيات هذه المواجهة. والتركيز على الحل الأمثل، والأوحد، وهو إخلاء منطقة الجنوب من المقاومة الفلسطينية، ووضع حدٍّ لاستفزازاتها لإسرائيل، لضمان عدم قيام الأخيرة بالاعتداء، مرة أخرى، علي لبنان.

          وفي كلتا الحالتين، كان الاتجاه السائد للسلطة اللبنانية والقوي اليمينية، هو تحقيق هدف إسرائيل في خلق رأي عام لبناني، رافض للوجود الفلسطيني في لبنان.

          ولتنفيذ هذا المخطط "كما تريد إسرائيل"، كان هناك اتصالات علي أعلى مستوى، بين مسؤولين إسرائيليين ولبنانيين. فقد اتصل كميل شمعون بإسرائيل أربع مرات، منذ بداية الأزمة اللبنانية وحتى يناير 1976. رداً علي ذلك، زار شيمون بيريز، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، لبنان (جونية) ثلاث مرات، حتى أغسطس 1977، واجتمع خلالها بكميل شمعون وبيار الجميل .

          وتقول مجلة "التايم" الأمريكية: "أن أول زيارة قام بها بيريز إلى لبنان، كانت في مايو 1976، حين تحركت ثلاث سفن صاروخية من ميناء حيفا إلي جونية. وكانت إحداها تحمل إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل، وشيمون بيريز، وزير الدفاع. وقد انضم إليها سفينتان، تحمل الأولى كميل شمعون، وكان وقتها وزيراً لخارجية لبنان، والأخرى تحمل بيار الجميل. وكان يقود السفينة رجال الكوماندوز البحريين الإسرائيليين". وتقول مجلة "التايم" أيضاً: "إن كلا الزعيمين، رفضا الالتقاء برابين معاً. وقد طلب كل منهما (حسب رواية المجلة) التدخل الإسرائيلي المباشر في الحرب الأهلية في لبنان". كما حددت المجلة المساعدات التي قدمتها إسرائيل للجبهة اللبنانية بـ "35 مليون دولار مساعدة مباشرة، و110 دبابات، و5 آلاف بندقية آلية، و12 ألف بندقية عادية، وملابس عسكرية ومأكولات، وتدريب 1500 متطوع داخل المعسكرات الإسرائيلية" .

          وتأتي هذه المساعدات، ضمن نطاق الحرب بالوكالة، لأن إسرائيل تعلم أن كل هذه المساعدات وتوجيه التحالفات، سيكونان ضد الوجود الفلسطيني في لبنان، الذي تعمل إسرائيل علي إزالته، كما سبق أن أزالته من جبهتها الجنوبية، في الأردن. وكانت إسرائيل تفهم جيداً طبيعة النظام في لبنان، بسلبياته وإيجابياته. ونجحت، من البدايـة، في جذب الموارنة، كحليف طبيعي لها، بل وشجعتهم على إنشاء دولتهم في لبنان، وعملت دائماً علي تغذية الحرب الأهلية، واستمرار اشتعالها، حتى تستنزف المقاومة الفلسطينية، والقوي الوطنية اللبنانية في وقت واحد. وإشغالهما عن المعركة مع إسرائيل.

استراتيجية إسرائيل في الجنوب اللبناني

          حاولت إسرائيل إشعال الفتنه في الجنوب اللبناني، وإقناع سكانه من اللبنانيين، أن وجود المقاومة الفلسطينية يمثل خطراً داهماً عليهم. بل أكثر من هذا، تقمصت دور "السلطة اللبنانية نفسها"، في التخفيف من أعباء أبناء الجنوب، وبدأت، منذ نوفمبر 1975، بعد احتدام الحرب الأهلية، في تطبيق سياسة "السياج الطيّب"، لإقامة حسن جوار ما بين السكان علي طرفَي الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، حيث استخدمت سلاحَيْن. أولهما: المساعدة الاقتصادية. وثانيهما: التأثير النفسي، (كما سبق ذكره من قبل). وبذلك، فقد اختارت إسرائيل أدوات التحرك، فاستبعدت التدخل بالقوات العسكرية مباشرة، ووضعت المنطقة تحت سيطرة إسرائيلية، بواسطة سكان الجنوب أنفسهم، وحتى كأنها تخضع لحكم إسرائيلي مباشر.

الموقف الإسرائيلي، عقب التدخل السوري في لبنان

          لا شك أن دخول القوات السورية إلي لبنان غيّر موازين القوي، مما جعل إسرائيل تفكر في تطوير إستراتيجيتها السابقة، والسيطرة ـ بقواتها ـ على العمق القريب لها في الجنوب اللبناني، قبل أن تصل إليه القوات السورية. وفي الوقت نفسه، تكون أقرب ما يمكن من حلفائها من الميليشيات اللبنانية. وكانت كل الظروف تُمكّن إسرائيل من القيام بهذه الأعمال، دون أن تتكبد خسائر تذكر. ولكن موقف واشنطن المعلن وقتها، "أنها ضد أي تدخل أجنبي في الحرب الأهلية، على الرغم من أنها لم تعارض في التدخل السوري"، جعل إسرائيل تفكر غير مرة، حتى لا تحمل الإدارة الأمريكية على اتخاذ مواقف ضد إرادتها، خصوصاً مع قرب الانتخابات الأمريكية. وفي الوقت نفسه، لم يكن الموقف في الجنوب اللبناني، قد تدهور بشكل يهدد أمنها، ويجبرها علي مخالفة واشنطن. كما أن بداية الصدام الفلسطيني ـ السوري علي أرض لبنان، زاد من طمأنتها أن معدل التهديد علي حدودها سيقِل، ولن يزيد. لذلك، اكتفت إسرائيل بإعلان "الخط الأحمر"، وهو نهر الليطاني، وحددت أن اجتياز هذا الخط بواسطة القوات السورية، سيفرض عليها التدخل عسكرياً. ولكن سرعان ما تلاشي تحديد هذا الخط، ونشأ بعده خط "أحمر" آخر، غامض الملامح، ويخضع تحديده إلي عدة عوامل، تتعلق بالمناطق التي تتواجد فيها القوت السورية، والهدف من وجودها، ومدة بقائها. ويرتبط ذلك أيضاً بالهدف الإسرائيلي الأول، وهو المقاومة الفلسطينية، ومواقف الميليشيات اللبنانية، وخصوصاً المنحازة إلى إسرائيل. وقد أعطى تحديد هذا الخط الجديد حرية أكبر لإسرائيل في التدخل العسكري في لبنان، في أي وقت تشاء، ولا ترتبط فقط بخط "الليطاني".

قرار إسرائيل الهجوم على الجنوب اللبناني

          إن إسرائيل، كعادتها دائماً، لديها الخطط العدوانية جاهزة للتنفيذ، ولا ينبغي سوى استكمال التجهيزات ووجود الذريعة. وكانت بداية عام 1978 مناسبة تماماً لإسرائيل، لشن عدوانها الذي انتظرته طويلاً.

التوقيت:

          كان ربيع عام 1978 مناسباً، علي المستويين، الدولي والإقليمي، في وقت واحد. فهو لا يتعارض مع المصالح الأمريكية، ولا مع المصالح الأوروبية. ثم إنه يأتي في أعقاب مبادرة السلام المصرية تجاه إسرائيل، التي أصبحت واقعاً وليس من السهل علي مصر التراجع عنها. وقد تُقنع الضربة الإسرائيلية في هذا التوقيت، أطرافاً عربية أخرى بالانضمام إليها، أو غض الطرف عنها. كما كانت الحرب الأهلية اللبنانية في حالة استرخاء، ولا بد من إشعالها مرة أخرى، حتى لا تتمادى المقاومة الفلسطينية في توجيه ضرباتها إلى إسرائيل. وكان التنسيق اللبناني ـ الإسرائيلي شبه مكتمل لدعم مثل هذه العملية، بينما كان الانقسام العربي قد بلغ أعلى درجاته، عقب زيادة الرئيس السادات للقدس.

الهدف:

          فهو محدود خلال عملية سريعة، تقتصر علي الجنوب اللبناني، تستغلها إسرائيل في تحقيق الآتي:

  1. بناء السياج الأمني، الذي يضمن شكلاً من الهدوء علي حدودها الشمالية.
  2. إعادة إشعال الحرب الأهلية اللبنانية من جديد.
  3. الاستيلاء علي مياه نهر الليطاني، الذي تسعى إليه منذ إنشائها.
  4. تدمير أقصى ما يمكن تدميره من قواعد المقاومة الفلسطينية، التي باتت آمنة، بعد فتور الحرب الأهلية، وعدم تعرضها لهجمات عنيفة من الميليشيات اللبنانية.

الذريعة:

          وجدت إسرائيل في العملية الفدائية الفلسطينية، في الحادي عشر من مارس 1978، التي استهدفت حافلة إسرائيلية علي الطريق الساحلي في تل أبيب، الذريعة لشن الاعتداء علي الجنوب اللبناني. وقد ضخمت وسائل الإعلام الإسرائيلية الحدث. وراح القادة الإسرائيليون يطلقون صيحات التهديد. وأوعزوا إلي المنظمات اليهودية بكسب الرأي العام العالمي، لتقبل "الانتقام الإسرائيلي"، من منفذي الحدث، ومؤيديهم.

الموقف الإسرائيلي، عشية العدوان، "منتصف مارس 1978"

يتلخص هذا الموقف في خمس نقاط:

  1. أن العدوان الإسرائيلي هيأ لنفسه الوقت المناسب، لتحقيق الهدف المنشود. كما أوجد الذريعة التي يبني اعتداءاته كرد فعل لها.
  2. أن حشد الإمكانيات الإسرائيلية كان سريعاً، ولا يستلزم جهداً أو وقتاً، لأن حجم المهمة، والجبهة المعادية، لا تحتاج إلي حشد كبير.
  3. أن الرأي العام الإسرائيلي كان معبّأً نحو تحقيق الهدف، وتأييد قيادته السياسية في شن العدوان، انتقاماً من حادثة تل أبيب.
  4. أن التنسيق الإسرائيلي مع بعض القوي اللبنانية، وخصوصاً حزب "الكتائب"، كان متكاملاً. بل إن الرائد "سعد حداد"، حليف إسرائيل كان شبه جاهز بقواته المنشقة، لاستلام المهمة من القيادة الإسرائيلية فور صدور أوامرها. "وقد أثبتت الأحداث، بعد ذلك، صحة هذا الافتراض".
  5. أن إسرائيل كانت تضمن ردود الفعل مسبقاً، سواء علي المستوى العالمي أو الإقليمي. وكانت تعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تعترض ما دامت خطوط المواجهة لن تتسع. كما أن الدول العربية، لن تكون لها ردود فعل في ميدان المعركة، وستقتصر علي الإدانة السياسية. أمّا القوات السورية، فلن تجازف بالتحرك في اتجاه ميدان القتال، حتى لا يمتد إلي مناطق أخرى، لا تريد سورية أن تُسْتَدرج إليها.

خامساً: موقف القًّوتين العُظمَيين

          لئن كانت مواقف القوتين العُظميين تبدو متباينة، إلاّ أنها تركت آثارها في ساحة الصراع، لما لهما من مصالح في المنطقة، وارتباطات بدولها.

الولايات المتحدة الأمريكية

          كان مفهوم الولايات المتحدة الأمريكية لحل مشكلة الشرق الأوسط، ينحصر في التفاوض المباشر بين العرب وإسرائيل. وكان تكتيك كيسنجر هو "عدم معالجة الأزمات وهي باردة، بل لا بد أن تصل إلي  درجة محددة من السخونة". وكان رأي واشنطن أن القضية الفلسطينية أساسية، ولا بد من أن تشمل التسوية النهائية لقضية الشرق الأوسط حلولاً لها. وكان رأيها أيضاً أنه "حتى تَقْبَل المنظمة الدخول في المفاوضات، فلا بّد أن تتعرض لبعض الضربات، التي تلقنها ضرورة السباحة مع التيار، الذي تتبناه الدول العربية المعتدلة" .

          وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، تتفهم القضية الفلسطينية، على الرغم من معارضتها للأساليب التي تتبناها منظمة التحرير الفلسطينية. وكانت تريد منها السير في التيار الأمريكي، للحصول علي الحلول المناسبة. ولكن المنظمة الفلسطينية لم تتقبل هذا الفكر، سواء بإيحاء من فكرها نفسه، أو من القوي التي كانت تفرض سيطرتها عليها. وفي هذه المرحلة الزمنية، كان تحرك السلام قد بدأ. وكانت واشنطن تريد أن ينضم إليه أكبر عدد ممكن من الدول العربية، وفي مقدَّمتهم الفلسطينيون، "الذين كانوا يعارضون عقد مؤتمر جنيف، وقتها". لذلك، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية كل السُبل لتشجيع عملية السلام، بما فيها إعادة صياغة أسلوب عملها في المنطقة، بهدف ضبط عوامل التفجير في الموقف، الذي كانت بدأته منذ فترة، (وهذا ما جعل إسرائيل لا تقدم علي غزو الجنوب اللبناني في أعقاب دخول القوات السورية إلى لبنان).

          وهناك رابطة هامة تربط المصالح الأمريكية بإسرائيل، وتحرص الدولتان علي مراعاة هذه الرابطة تماماً. لذلك، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحم بيجن Menachem Begin ، في عشية العدوان يوم 14مارس 1978، فـي زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، حتى يقنع إدارتها بهذه العملية، إضافة إلى تحقيق المفاجأة المطلوبة، إذ لم يكن اللبنانيون أو الفلسطينيون أو العرب يتوقعون هجوماً إسرائيليا في ذاك الوقت.

الاتحاد السوفيتي

          كان الدور السوفيتي في المنطقة في انحسار، منذ إنهاء مهمة المستشارين العسكريين السوفيت في مصر، في 18يوليه 1972، وما أعقب ذلك من قيام الولايات المتحدة الأمريكية بدور نشط في المنطقة، في أعقاب حرب أكتوبر 1973. ولم تكن زيارة الرئيس السادات للقدس علي هوى الاتحاد السوفيتي. وكان مفهوم حل قضية الشرق الأوسط، من وجهة نظره، يتلخص في الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي المحتلة، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة. أمّا بالنسبة إلى الضمانات فتتكفل بها  الدولتان العُظميان.

          أمّا مسألة لبنان، فكان ما يربطه بها، هو وجود القوات السورية، من جهة، ووجود الحزب الشيوعي اللبناني من جهة ثانية. وكان يعلم تماماً مدى ارتباط المصالح الأمريكية بلبنان، ولم يكن يريد أن يدخل حلبة المنافسة.

          وهكذا، فإن المحلل الدارس لطبيعة المنطقة، وأهداف إسرائيل، لم يكن لديه أي شك في أن كل الظروف متاحة لأن تشن إسرائيل عدوانها، في هذه الفترة. ولم يكن يُتوقع لسير الأحداث، إلاّ أن تمضي كما تخططها إسرائيل، لأن كل الحسابات لمصلحتها. كما لم يكن يُتوقع أن تحبط ردود الفعل العربية، سياسياً، أو اللبنانية ـ الفلسطينية، عسكرياً في الميدان، قرار الاعتداء الإسرائيلي.

          ومن كل ما تقدم، يتضح أن إسرائيل أقدمت على غزو الجنوب اللبناني بما يشبه مشروعاً تدريبياً عسكرياً، ضامنة نجاحه من قبل أن تبدأ.

-------------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة