الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

الفصل الثاني
أسباب الانتفاضة

أولاً: الأسباب الاجتماعية والنفسية

         شهدت السنوات السابقة للانتفاضة، مساعٍ إسرائيلية محمومة، لهدم الإطار الأخلاقي في الوسط الفلسطيني، ودفعه إلى ممارسة البغاء والدعارة، وتناول المخدرات، والاستهتار بالقيم العائلية والدينية. كما شهدت هذه الفترة، كذلك، سعياً إسرائيلياً حثيثاً، لتقويض الكيان الثقافي التعليمي الفلسطيني ومؤسساته؛ فبعد أن تمكن الفلسطينيون من توطيد دعائم التعليم الجامعي، من خلال بناء ست جامعات في الضفة وغزة، ومع أنها لم تكن كافية لاستيعاب الطلب الفلسطيني المتزايد على التعليم، فلم تضم سوى 2500 من الحاصلين على الثانوية (من أصل 10 آلاف)، عملت إسرائيل على تدمير هذه الجامعات. وعلى سبيل المثال، تعرضت جامعة بيزيت، خلال العام الدراسي 85/86، لإقامة 36 نقطة تفتيش على الطرق المؤدية إليها. كما قُتل في حرمها ثلاثة طلاب، وجرح العشرات، بعد أن فتحت قوات الاحتلال النار عليهم، في مناسبتين، خلال ذلك العام

         وكان الهدف محو أي أسس أو مؤسسات، تسعى إلى إعلاء شأن كل ما هو فلسطيني، حتى الأطعمة الفلسطينية، والملبس أو الزي الفلسطيني، تدخلت إسرائيل في المأكل والملبس، في محاولات مستميتة، للقضاء على الهوية الفلسطينية.

         ولم يدخر الإسرائيليون جهداً لإضعاف البنية الصحية للفلسطينيين. فقد شاع عنهم حقن الفلسطينيين بفيروس الإيدز، في أثناء علاجهم في المستشفيات الإسرائيلية، فضلاً عن عدم توفير العلاج، بأسعار تتناسب مع القدرات الاقتصادية للفقراء، في الضفة وغزة. وتمتد الأسباب الاجتماعية؛ لتشمل الشباب الفلسطيني في السجون، في تلك الفئة العمرية؛ فقد زاد ذلك من وعيهم بقضيتهم، وأوجد آليات تماسك اجتماعي.

          وقد برزت مشكلات اجتماعية ونفسية عدة، أسهمت ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ في تأجيج العداء ضد اليهود، وساعدت على بث روح الكراهية لممارسات الاحتلال، مما أضاف عاملاً آخر ساعد على تفجير الانتفاضة.

وتتمثل الدواعي الاجتماعية والنفسية فيما يلي:

1. قوانين جائرة تشتت شمل الأسرة

سنت سلطات الاحتلال قوانين استفزازية، استهدفت تشتيت الأسرة الفلسطينية، من هذه القوانين:

أ.

مصادرة أملاك الغائبين في القدس: حيث صار معهوداً أن يُفاجأ العائد من سفره، من أهالي القدس، بمصادرة منزله وأرضه، وتحويلها إلى دائرة أملاك الغائبين. ومن هذه القوانين كذلك: منع جمع الشمل بين الرجل وزوجته، أو المرأة وزوجها، خاصة مَن يتزوجون من أقاربهم في الخارج، ولا يملكون تصاريح إسرائيلية، أو مضى على تصاريحهم أكثر من ثلاث سنوات، مما يمنع عودتهم إلا بتجديدها، وكثيراً ما تُرفض طلبات التجديد.

ب.

اتهام الغائبين بالقيام بأعمال عسكرية، واستصدار مذكرة اعتقال بحقهم، واقتحام بيوتهم بحجة البحث عنهم، وذلك لتخويفهم من العودة إلى بلادهم، والبقاء في الخارج.

ج.

عدم الموافقة على إضافة الأبناء الذين ولدوا في الخارج، ومضى على غيابهم عدة سنوات، في وثائق آبائهم أو أمهاتهم، مما يؤدي إلى شتات الأسرة.

د.

 تجنيد أحد أفراد الأسرة ضمن العملاء والخونة، وتسليطه على أقاربه لجرهم إلى مستنقع الخيانة، أو إيقاعهم في حبائل المخابرات الإسرائيلية، أو نشر المخدرات بينهم، أو القيام بعمليات قتل لمن يشكّلون خطراً على الكيان الإسرائيلي، مما يؤدي إلى تفرق الأسرة، وانتشار العداوة بين أفرادها.

وكثير غير هذه القوانين، التي أدت إلى احتقان عدائي، وشعور بضرورة التخلص من هذا الواقع المؤلم، بكل الوسائل.

2. انتشار ظاهرة فقدان الأقارب، بسبب القتل والاعتقال

نتيجة لطبيعة الصراع الممتد مع اليهود، وكأثر من آثار المواجهات الدامية المستمرة، برزت ظاهرة اليتم وفقدان الأقارب، بسبب القتل أو الاعتقال.

وتعد هذه الظاهرة إحدى المشكلات، التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، ويشعر معها بضرورة الانتقام، والأخذ بالثأر ممن تسبب فيها.

وتزداد أعداد الأيتام يوماً بعد يوم، وتعج المعتقلات بالمحكومين أحكاماً طويلة الأمد، وتفتقد معظم العائلات الفلسطينية في الداخل واحداً أو اكثر من أفرادها، الذين غيبتهم الأحداث أو السجون.

ويضفي هذا بدوره جواً من الشعور بالحسرة، والرغبة في الرد على جرائم اليهود، والاستعداد والتهيؤ لذلك.

3. الشعور بالضيق بسبب المنع من الدراسة، أو العمل، أو السفر

تعمد سلطات الاحتلال ـ زيادة في التضييق ـ إلى منع كثير من الطلبة، من الدراسة في الجامعات الفلسطينية، أو الجامعات الدولية، كعقاب فردي بسبب ظرف معين، مما يجعل الكثيرين ينصرفون عن الدراسة إلى العمل، مع تحميل المسؤولية لسلطات الاحتلال، والشعور بالظلم والاضطهاد.

وتمنع سلطات الاحتلال، في كثير من الأحيان، المسافرين من إتمام سفرهم، حيث تعيدهم من المعابر الحدودية والجسور، على الرغم من حصولهم على موافقة بالسفر من الحاكم العسكري، مما يزيد في معاناتهم، ويؤجج نار الحقد في صدورهم.

وقد زاد هذا كله من الضغط الاجتماعي والنفسي، وجعل المخرج من ذلك كله كامن في الثورة والانتفاضة.

4. 

التهديد بإلحاق الأذى، أو التعرض للأقارب بالسوء، في حال رفض التعاون مع اليهود

تمارس سّلطات الاحتلال سياسة قذرة، في إجبار الفلسطينيين على التعامل معها ضد إخوانهم وأقاربهم، وتنفيذ مخططات عسكرية ضد بلدهم ولمصلحة اليهود. وتستخدم وسائل الإكراه والتعذيب، وتهدد بالأذى وإلحاق السوء بالضحية، أو بأحد أقاربه ومحبيه، أو توقعه في جريمة أو فاحشة، وتصور ذلك لاستخدامه كوسيلة ضغط نفسي لإجباره على الرضوخ والتعاون.

وقد أدى هذا المنهج القذر إلى زيادة الاحتقان، لدى أسرة الضحية وأقاربه، وهيأ للمساهمة في أي انتفاضة تنفجر في المنطقة.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة