الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

2. الأسباب الأمنية

          تعددت الدواعي الأمنية، التي أسهمت في دفع الفلسطينيين إلى إعلان انتفاضتهم الكبرى. وتبرز أهم أشكالها فيما يلي:

أ. إشاعة الخوف وعدم الاستقرار

          لا يأمن الفلسطيني على حياته، ولا على حياة أبنائه وإخوانه، ولا على بقاء أرضه ملكاً له، ولا على الاستقرار في منزله، فهو يعيش حالة من الخوف الدائم، والتوجس من وصول اليهود إليه، وممارسة سياسة القمع ضده.

          فالقتل لأدنى شبهة، والاعتقال كعقاب على رمي حجر، والإذلال ضد كل من دارت حوله شبهة المقاومة، ومصادرة الأرض ونزعها من أصحابها، أمر واقع بهدف إقامة، أو توسيع، المستوطنات، وهدم المنزل بحجة عدم الترخيص، أو إضافة بناء فيه دون إذن، أو إلقاء الأحد الأفراد حجراً على جنود الاحتلال، أمر واقع على الشعب الفلسطيني وممارس كل يوم.

          ونتيجة لهذه الممارسات التعسفية، كان لا بد من الانفجار، وكان ذلك من العوامل التي ساعدت على إشعال الانتفاضة.

ب. ممارسات الاغتيال والاعتقال والتعذيب

          شهدت فترة ما قبل الانتفاضة، عدة حالات اغتيال لرموز فلسطينية، في منظمة التحرير الفلسطينية. وسياسة الاغتيال منهج معروف في نهج الاحتلال، وقد نفذها خلال هذه المرحلة بشكل ملفت للنظر، في عدد من دول العالم، خاصة لبنان، وتونس وفرنسا، حيث قامت مجموعات من القوات الخاصة الإسرائيلية، بتتبع عناصر ذات أهمية في البناء التنظيمي لمنظمة التحرير، ومن ثم اغتيالهم والتخلص منهم.

          كما قُتل عدد من الفلسطينيين تحت التعذيب في السجون الإسرائيلية. وتُعد السّجون الإسرائيلية مراكز لممارسة كثير من أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، حيث يتعرض الآلاف من الفلسطينيين لصنوف مختلفة من التعذيب والهوان، وبكافة الوسائل والأساليب.

          ويصعب حصر حالات الأسر في أوساط الشعب الفلسطيني، تحت الاحتلال الإسرائيلي. ولكن يقدر عدد حالات الأسر، ما بين عامي 1967 ـ 1987، بنحو 535 ألف أسير فلسطيني، أي بمعدل حوالي 27 ألف حالة أسر سنوياً. في حين يُقدر عدد الفلسطينيين، الذي أُسروا منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية، في 8 ديسمبر 1987، حتى نهاية عام 1994، بحوالي 275 ألف فلسطيني.

          وتُعد دولة إسرائيل الوحيدة في العالم، التي تمارس التعذيب ضمن قانون يسمح بذلك، ضد أعدائهم، ويوجد أكثر من عشرين مقراً لمعتقلات كبيرة، يستوعب الواحد منها آلافاً من المعتقلين، ومن أهمها: سجن عسقلان، ومجدو، وعتليت، وأشمورت بيت ليد، ونفحة، وشطة، وبئر السبع، والرملة، وهداريم، والخليل، وسجن نفي تريتسا للنساء، وغيرها.

          وتمارس سلطات الاحتلال العديد من وسائل التعذيب، والضغط الجسدي والنفسي، في معتقلاتها ومركز التحقيق، وفيما يلي جزء من هذه الوسائل:

 

1-

الشبح: أي وقوف أو جلوس الأسير في أوضاع مؤلمة لفترة طويلة، وغالباً يتم إجبار الأسير على الجلوس على كرسي صغير، لا تتجاوز قاعدة 25 سم × 25 سم، وارتفاعه حوالي 30 سم، وتُقيد يداه إلى الخلف.

 

2-

الحرمان من النوم: حيث يُمنع الأسير من النوم، لفترات طويلة.

 

3-

الحبس في غرفة ضيقة: يحبس الأسير في زنزانة ضيقة جداً، يصعب فيها الجلوس، أو الوقوف بشكل مريح.

 

4-

الحرمان من الطعام: يحرم الأسير من بعض الوجبات الغذائية، بالقدر الذي يبقي الأسير حياً، ولا يُعطى الوقت الكافي لتناول الطعام.

 

5-

الضرب المبرح: أي يتعرض الأسير للصفع والركل والخنق والضرب على الأماكن الحساسة، والحرق بأعقاب السجائر، والتعرض للصّدمات الكهربائية.

 

6-

التعرض للموسيقى الصاخبة: يجبر الأسير على سماع الموسيقى الصاخبة، التي تؤثر على الحواس.

 

7-

التهديد بإحداث إصابات وعاهات: يُهدد الأسير بأنه سوف يصاب بالعجز الجسدي والنفسي، قبل مغادرة المُعتقل.

 

8-

الحط من كرامة الأسير: بإرغامه على القيام بأمور، من شأنها الحط من كرامته.

 

9-

تهديد الأسير بالاغتصاب والاعتداء الجنسي، عليه أو على زوجته وذويه.

 

10-

اعتقال الأقارب، من أجل الضغط على الأسير.

 

11-

حبس الأسير مع العملاء: يوضع الأسير مع مجموعة من العملاء، الذين يعملون لحساب المخابرات الإسرائيلية.

 

12-

أسلوب الهز: يُمسك المحقق بالأسير ويهزه بشكل منظّم، بقوة وسرعة كبيرة، من خلال الإمساك بملابسه، فيهتز العنق والصدر والكتفين، الأمر الذي يؤدي إلى إصابة الأسير بحالة إغماء، ناتجة عن ارتجاج في الدماغ.

 

13-

عرض الأسير على ما يُسمى "جهاز فحص الكذب".

 

14-

تعريض الأسير لموجات باردة شتاء، وموجات حارة صيفاً، أو كلاهما معاً.

 

15-

حرمان الأسير من قضاء الحاجة.

 

16-

إجبار الأسير على القيام بحركات رياضية صعبة ومؤلمة مثل: "وضع القرفصاء، وجلسة الضفدع، لفترة طويلة. وفي بعض الحالات يضع المحقق الكرسي، لضمان عدم تحرك السجين".
وقد أكد تقرير أعدته مؤسسة بتسليم الإسرائيلية في يونيه 1998، أن أكثر من 850 سجيناً فلسطينياً يتعرضون لأشكال متنوعة من التعذيب كل سنة، وأن محققي الشاباك يستخدمون، أثناء تحقيقهم واستجوابهم للأسرى الفلسطينيين، أكثر من مائة وخمسة وسائل من وسائل التعذيب.

ج. هدم المنازل

          في بداية الاحتلال أخليت قرى كاملة من الفلسطينيين، ثم أزيلت وأعيد بناؤها، إما في الموقع نفسه، أو في موقع مجاور، بحيث أصبحت مستوطنات يهودية. وكان عدد سكانها 4400 نسمة، ولكن السنوات اللاحقة شهدت التحول إلى هدم المنازل مفردة "إما لأسباب أمنيةأو كعقاب، أو لأسباب تتعلق "بالتنظيم" (مثل البناء دون ترخيص بحيث يعتبر مخالفاً للمخطط القائم)، ولكن هذه الأسباب لا تنفصل انفصالاً تاماً عن بعضها البعض، فهدف الإزالة بسبب "التنظيم" هو إخلاء الأرض للاستيطان، وهو الذي سبق تبريره لأسباب تتعلق "بالأمن".

          وفي هذا الإطار، قسمّت السّلطات الإسرائيلية الضفة الغربية إلى 18 منطقة، وعينت لكل منها "مفتشاً" خاصاً، يتنقل في شاحنة بيضاء ويكون مسؤولاً عن متابعة التطورات في منطقته. ولا يشار إلى هؤلاء المفتشين إلا بأسمائهم الأولى المبنية على أوامر الإزالة، والفلسطينيون يخشونهم لأنهم ـ في أحيان كثيرة ـ يقتحمون الممتلكات الخاصة.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة