الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

الفصل الثالث
وسائل الانتفاضة القوى المشاركة فيها

وسائل الانتفاضة

1. الشعارات:

لم يكن لدى عناصر الحركات والمنظمات الشعبية، في داخل الأراضي المحتلة، قدرات إعلامية واسعة؛ فلا محطات تلفزيون وإذاعة، ولا صحف، يعبرون من خلالها عن أفكارهم وعواطفهم، وإن كانت أجهزة الإعلام العربية والغربية والإسرائيلية، قد غطت الأحداث، ونشرت أخبار الانتفاضة، وحللتها بشكل واسع. ولكن أفكار الشباب المنتفض وعواطفهم، لم تجد لها ميداناً تُعبر فيه، أصرح وأبقى وأرخص، من كتابة الشّعارات على الجدران. فقد تحولت جدران البيوت والحوانيت المطلة على الشوارع، صحفاً تحمل العناوين المؤثرة، وبالخط العريض. وصارت المنظمات تتبارى في هذا الميدان. وقد رصد باحثان شعارات الانتفاضة، وأصدرا كتاباً عنوانه "شعارات الانتفاضة" رصدا فيه أكثر من 800 شعار، نشرتها حماس على جدران منازل فلسطين، وأكثر من 350 شعاراً لفتح، و250 شعاراً للجبهة الشعبية، وحوالي 100 شعار للجبهة الديموقراطية، وأكثر من 50 شعاراً للقيادة الوطنية الموحدة "قاوم"، و50 شعاراً لحركة الجهاد الإسلامي، وحوالي 80 شعاراً للحزب الشيوعي.

ومن خلال هذه الشّعارات، يخاطب أصحابها جنود الأعداء مباشرة، عندما يمرون في هذه الشوارع، ويقرؤون هذه الشعارات، وفيهم العرب ومن عاش في بلاد عربية، ومن تعلموا العربية، ويفهمون مضمون الشعارات. وقد تأثر الجيش الإسرائيلي نفسياً من هذا الشعارات، لذلك لجأ جنوده إلى محاربتها بطرق شتى. وبعض هذه الشعارات آيات قرآنية، أو أبيات شعرية أو هتافات يرددها المتظاهرون، أو آراء توجهها بعض المنظمات إلى بعض، أو أوامر لأصحاب المحلات. ومن أمثلة ذلك ما يلي:

"سنمسح من الوجود من يمسح الشعارات، دون ضغوط من اليهود"، "واعتصموا بحبل الله جميعاً" ومن أعمق هذه الشعارات معناً: "48+67= أرض فلسطين" و"عرب + إسلام = كل شيء" و"حماس × يهود= فلسطين سوف تعود. و"فلسطين عدو فردي، لا يقبل القسمة على اثنين" وفلسطين رقم صعب لا يقبل القسمة على 242 و338"، و"فتح + جد + حشف = قاوم"

2. التظاهرات:

بها بدأت الانتفاضة، وهي أبرز المظاهر الشعبية لها، ففيها تُشارك كل الفئات والمنظمات، وتلتهب الحناجر بالهتافات، وترتفع الرايات واللافتات، معبرة عن آراء ومطالب المنظمات التي ترفعها. وتتجاور جماهير المنظمات، وتتداخل، وتختلط فتتوحد بالعمل والحركة. وهي تظاهرات تتكرر كل يوم، بل عدة مرات في اليوم الواحد، وفي أماكن متعددة، تعدد المدن والقرى والمخيمات. وقد بلغت هذه التظاهرات "في نهاية الشهر الثامن من الانتفاضة، 6463 تظاهرة"، وهي قد تدوم لساعات طويلة، وتتوجه معظم هذه المظاهرات إلى مراكز الإدارة اليهودية، أو مواقع الجيش الإسرائيلي والشرطة، وتنتهي بالاشتباك المسلّح، "حجر مقابل رصاص"، مع الجنود وعناصر الشّاباك والمستوطنين، ويقع نتيجة ذلك قتلى وجرحى ومعتقلون. "وكان المتظاهرون يلجأون إلى تحطيم، أو حرق السيارات، والآليات الإسرائيلية، حتى بلغ ما حطموه ـ بعد أربعة أشهر من عمر الانتفاضة ـ 174 سيارة عسكرية أو مدنية أو حافلات نقل. كما أن سلاحهم الحارق "الزجاجات الحارقة"، تمكنت خلال هذه الفترة، من إحراق جزئي أو كامل) لحوالي مائتي سيارة".

3. تشييع الجنازات:

إذا كان مشيعو الجنازات العادية يسيرون بصمت وخشوع، أو يرددون في سرهم أو جهرهم ذكر الله، فإن تشييع جنازات الشهداء يختلف تماماً، فهذه الجنازات في الأرض المحتلة، وفي الانتفاضة، تتحول إلى تظاهرات سياسية وطنية إسلامية، ترفرف فيها الأعلام والرايات، وتتعالى الهتافات التي تتوعد الصهاينة بالثأر والانتقام، وتتغنى ببطولة الشهداء. ويستمر الأمر كذلك من بيت الشهيد، أو المستشفى، إلى المسجد حيث تحتشد الجماهير، ثم تخرج بعد الصلاة، إلى مقابر الشهداء.

وهناك أسلوب آخر مرتبط بسقوط الشهداء، وإقامة سرادق عزاء أو حفل تأبين، بعد أيام من الاستشهاد. فيحتشد الآلاف في ساحة عامة، أو في ملعب، وتتلى آيات من القرآن الكريم، ثم تتوالى الخطب، من تنظيم الشهيد ومن التنظيمات الأخرى ومن ذوي الشهيد. ويكون الحفل مظهراً وطنياً، يندد فيه الخطباء بالعدو الصهيوني، ويجددون رفضهم للاحتلال، وتصميم الأمة على اقتلاع الاحتلال من البلاد، مهما طال الزمن، وكلّف من تضحيات.

4. المنشورات:

وهي بيانات تصدرها التنظيمات وتوزع سراً، أو علناً، حسب المكان والزمان. وهي تحدد المطالب، التي يتقدم بها التنظيم، أو تُبيّن فيها المواقف تجاه حدث من الأحداث، أو يتبنى فيها التنظيم إحدى العمليات العسكرية. وقد تكون البيانات شبه نشرة دورية، تلخص ما حدث في فترة محددة، وتخطط لما ينبغي أن يحدث. وقد بدأت البيانات تترى بعد بدء الانتفاضة، وكان أول بيان حول غزة وأحداثها، بتاريخ 14 ديسمبر 1987، أي بعد خمسة أيام، ووزع في الضفة الغربية في اليوم التالي 15 ديسمبر 1987، وقد أصدرته حركة المقاومة الإسلامية، وهو أول بيان أطلق على هذا التحرك الجماهيري مسمى "انتفاضة". وقد جاء فيه: "يا جماهيرنا المرابطة المسلمة، أنتم اليوم على موعد مع قدر الله، سبحانه، النافذ في اليهود... لقد جاءت انتفاضة شعبنا المرابط في الأرض المحتلة رفضاً لكل الاحتلال وضغوطاته. وليعلم الصهاينة أن العنف لا يولّد إلا العنف "أنا الغريق فما خوفي من البلل"". وصدر بيانها الدوري 32 بعد سنة، بتاريخ 25 نوفمبر 1988، وبيانها 110 في 2 أبريل 1994. كما صدر أول بيان للقيادة الوطنية الموحدة "قاوم"، في 1 أبريل 1988، وصدر نداؤها 29 بتاريخ 20 نوفمبر 1988.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة