الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

الفصل الرابع
مراحل الانتفاضة وتطورها

          مرت الانتفاضة بعدة مراحل:

المرحلة الأولى:

بدأت برمي الحجارة في منطقة جباليا، في 8 ديسمبر 1987، وانتهت في يناير 1988.

المرحلة الثانية:

استمرت حتى مارس 1988، حيث اتسعت الانتفاضة لتشمل كل المناطق المحتلة، وتستخدم العصيان المدني.

المرحلة الثالثة:

منذ نهاية مارس 1988م حتى يونيه 1990، حين بدأت الجهات التنظيمية والاجتماعية والإدارية والسياسية، تقوم بعملها.

المرحلة الرابعة:

استمرت حتى دخول السلطة الوطنية في 1994.

          في خلال العامين الأولين من الانتفاضة، تولت القيادة الموحدة توظيف آليات شبه سلمية، مثل إنشاء أشكال موازية للمؤسسات الإسرائيلية، في الإدارة والشؤون الحياتية والاجتماعية والاقتصادية. ولم يغب عن الانتفاضة بعض أعمال العنف، لكنها كانت محدودة في البداية، ثم زادت منذ عام 1990م، حيث برزت تسللات الفدائيين عبر الحدود، لتنفيذ عمليات فدائية.

          ولم يكن الغرض من كل ذلك القضاء على دولة إسرائيل، كما ادعت بعض القيادات في إسرائيل وقتذاك، بل كانت أهم الأهداف الفلسطينية، من تلك الحركات هو محاولة بناء الدولة الفلسطينية، وممارسة حق تقرير المصير، من جانب، وتهديد الحكم العسكري الإسرائيلي للأراضي المحتلة، وإظهار ثقل تبعة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة، بحيث تصير إسرائيل غير قادرة على تحمل أعبائه النفسية والاقتصادية والسياسية، وصولاً في النهاية إلى الهدف الاسمي وهو إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو أمر ورد في كل البيانات التي صدرت عن الانتفاضة.

أحداث الانتفاضة

1. الشرارة:

في مساء الثلاثاء 8 ديسمبر 1987، وأثناء عودة العمال الفلسطينيين من أعمالهم، في داخل الخط الأخضر "الأرض المحتلة "1948" في السيارات، انحرف سائق يهودي يقود شاحنة متطورة، خارجة من مستوطنة مجاورة لنقطة العبور "إيرز"، بصورة مفاجئة نحو اليسار، باتجاه السيارات، التي تقل هؤلاء العمال، وحطم سيارتين. فسقط ركابها قتلى وجرحى "قتل أربعة وجرح تسعة آخرون". وكان جوار الحادث سيارة ذات لوحة صفراء، شبيهة بسيارات المخابرات، فركبها سائق المقطورة وانطلقت به". وهذا يدل على أن الحادث متعمد ومخطط له. ويزيد هذا الرأي تأكيداً، أن مؤلفي كتاب "انتفاضة" الإسرائيليين قالا: "راجت إشاعات مفادها أن هذا الحادث لم يكن حادث طرق طارئاً، بل هو عمل انتقامي مدبر، وأن السائق هو قريب الإسرائيلي، الذي طعن قبل يومين، فأُردي قتيلاً في السوق المركزية لمدينة غزة. وقد صدر منشور، يبدو أنه طبع على آلة كاتبة بأيدي طلبة الكلية الإسلامية في غزة، يستنكر حادث قتل الفلسطينيين الأربعة". وكان يهودياً من مستعمرة بيت يام قد طعن فعلاً في ساحة التاكسيات "ميدان فلسطين" في غزة، قبيل العصر من يوم الأحد 6 ديسمبر 1987. واحتجزت قوة من الجيش الإسرائيلي حوالي خمسمائة شخص، أُطلق سراحهم بعد قليل، وطوقت المنطقة، ثم أُنهي الطوق يوم الثلاثاء السادسة مساء، قبل وقوع حادث الصدّم".

ومما يدل على تواطؤ المخابرات مع السائق، ما يقوله زئيف شيف: "وبالمناسبة، فإن محاكمة السائق لم تبدأ إلا بعد عشرين شهراً!! من وقوع الحادث، ولكن لم يبق لهذه المحاكمة أهمية عند الرأي العام".

وفي مخيم جباليا القريب من مكان الحادث، وكان ثلاثة من القتلى من أهالي المخيم، اشتعلت نيران الغضب، أثناء تشييع الشهداء في جنازة ضخمة بهتافات: "لا إله إلا الله.." وبعد الدّفن، اشتبك المشيعون مع قوات الاحتلال بالحجارة والعصي والقنابل الحارقة. فمنع العدو التجول، واستمر هذا الهجوم حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً.

وفي اليوم التالي، الأربعاء 9 ديسمبر 1987، ولدت الانتفاضة. وبدأت المدن والمخيمات في القطاع تغلي، وتشتعل بالثورة. ولأهمية هذه الأيام الأولى من الانتفاضة، فقد سّجل كتاب "الانتفاضة" لنسان دوغر، أحداث الشهر الأول يوماً فيوماً، وساعة فساعة، وقد جاء فيما سجله، ما يلي:

الأربعاء 9 ديسمبر 1987

          بدأت التظاهرات العارمة بعد صلاة الفجر، من مسجد مخيم جباليا. واتجه المصلّون إلى مقر الحاكم العسكري وانضم إليهم آخرون. فسارعت القوات الإسرائيلية إلى محاصرة المتظاهرين، الذي واجهوا الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، بالحجارة وقنابل البنزين الحارقة. وسقط الشهيد حاتم أبو سيس وأصيب سبعة وعشرون بجراح. واشتعلت النيران بسيارة جيب إسرائيلية. ثم خرجت الجنازة من بيت الشهيد. وسيطر الطلاب في الجامعة الإسلامية على بدالة الهاتف في الجامعة، وأخذوا يتصلون بكل جهة في القطاع؛ لتنادي عبر مكبرات الصوت في المساجد بصوت "الله أكبر"، لتكون إشارة البدء في الانتفاضة. واحتل الطلاب "مستشفى الشفاء"، ودارت معارك بين الطلاب. وقوات العدو حتى ساعات بعد الظهر. وجرت اعتقالات للعشرات من الطلاب وقد استشهد أحد الطلاب "رائد شحادة"، كما حطمت سيارة عسكرية، وأحرقت أخرى.

          أما في الشجاعية، فقد أغلق الشباب الإسلامي الطرق، ومنعوا سيارات العمال من التوجه إلى المستعمرات الإسرائيلية، فرجع 90% من العمال.

          وفي رفح ظهرت المتاريس في كثير من الشوارع، كما أغلقت المحلات التجارية أبوابها، وامتنع بعض العمال عن الذهاب إلى أعمالهم، وتحركت مظاهرة باتجاه السّلك الحدودي مع مصر.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة