الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

السبت 12 ديسمبر 1987

          بلغت الانتفاضة في هذا اليوم أوجها. فقد شملت جميع المدن والقرى والمخيمات، استجابة لنداء حركة المقاومة الإسلامية، الذي وزّع في القطاع صباح ذلك اليوم. كما تحدى الشّباب نظام منع التجول في مخيم جباليا، وخرجوا يهتفون ضد اليهود. ومن بيت لاهيا، خرجت مظاهرة نسائية توجهت إلى مخيم جباليا المحاصر، متحدية الطوق، والنساء يحملن المؤن والغذاء، وقمن بتوزيع المؤن، على سكان المخيم.

          واعترف الناطق العسكري الإسرائيلي، أنّ أعنف المواجهات وقعت في خان يونس ورفح والمعسكرات الوسطى، وحول مستشفى الشفاء. فقد تجمّع الشباب في مساجد خان يونس، وكانت مكبرات مسجد بلال تُذيع الأناشيد الإسلامية، والشباب ملثمون في الشوارع. ولجأت القوات إلى محاصرة المسجد واقتحامه، وتعالت الهتافات من مكبرات المسجد، فخرجت كل خان يونس، رجالاً ونساء وأطفال، وتجمهرت عند المسجد، واشتبكت مع الجنود، مما اضطرهم إلى الانسحاب. وطافت المسيرة الحاشدة شوارع المدينة، تردد الشّعارات الإسلامية والوطنية، واستمرت حتى الواحدة ظهراً،. واكتشف بعض المتظاهرين عميلاً إسرائيلياً، وآخر في المستشفى، فأشبعوهما ضرباً، وكسّروا زجاج عدة سيارات المستوطنين وحرقوا سيارة عسكرية، وإصابوا اثنين من جنودها.

          وفي رفح أغلق المتظاهرون الشوارع، واشتبكوا مع قوات الاحتلال، مما أدى إلى حدوث إصابات. ثم اعتقل تسعون شاباً، ومع ذلك استمرت حالة الغليان.

          وفي غزة، حاولت القوات الإسرائيلية اقتحام مستشفى الشفاء، ولم تفلح. فوضعت الحواجز حول المستشفى، لمنع الجرحى من الوصول إليه. وفي حي الدرج، تحرك الشّباب واصطدموا بالجيش الإسرائيلي. وعلت النداءات من مكبرات الصوت في مساجد المنطقة، تدعو إلى التبرع بالدم؛ لأن المستشفى الأهلي العربي غُصّ بالجرحى من مختلف المناطق. وعلقت الدراسة، وأغلقت المحلات التجارية أبوابها في حي النّصر، والشيخ رضوان، وشارع عمر المختار. وتركزت المواجهات حول المساجد الرئيسة الثلاثة، وتظاهر طلاب المدارس في الشجاعية، وأغلقوا الشوارع ورفعوا الأعلام الفلسطينية. وأغلقت طالبات مدرسة الزهراء الثانوية الشارع، ورشقن السيارات العسكرية الإسرائيلية بالحجارة.

          وفي مخيم البريج، هاجم القوات ومنعوها من دخول المخيم. وأُغلقت المحلات التجارية والمدارس. وفي مخيمي الشعيرات والمغازي، تظاهر الطلاب وأغلقوا الشوارع، ورشقوا حافلة إسرائيلية. وكذلك تظاهر الناس في دير البلح ومخيم الشاطئ.

          ولم تكن المواجهات في الضفة الغربية، أقل عنفاً من معارك القطاع. فقد شهدت نابلس ورام الله والخليل والقدس، إضراباً تجارياً شاملاً، على الرغم من تهديد الجيش الإسرائيلي باستخدام لحام الأوكسجين، لإغلاق المحلات المضربة. ولكن لم يستجب أحدٌ لهذه التهديدات.

          وتحولت أزمة المخيمات "بلاطة والفارعة وعسكر وعين بيت إلما"، إلى مظاهرات صاخبة، واشتباكات عنيفة مع الجيش. وفرض الجيش منع التجول على نابلس القديمة، بعد هجوم شنه أحد المجاهدين مستخدماً بلطة، فأصاب ثلاث جنود بجراح، لكنه جُرح برصاص الجيش في بطنه وصدره وساقه. وتظاهر طلاب المدرسة الصناعية، وأهالي بيت قوريك. وفي مدينة الخليل، وقعت اشتباكات عنيفة في الجامعة الإسلامية، بين الطلبة والجنود، ثم أضربت المدينة، وانطلقت مظاهرة في حارة الشيخ. وأصدرت السلطات الإسرائيلية أمراً بإغلاق مدرسة "رابطة الجامعيين الثانوية" لمدة شهر، في أعقاب مظاهرة طلاب المدرسة.أما مدينة القدس، فشهدت إضراباً تجارياً شاملاً، وتظاهر طلبة الكلية الإبراهيمية، وأقاموا حواجز في الطريق الرئيسي ورشقوا اليهود بالحجارة.

          وفي رام الله، أُغلقت المحلات التجارية، وأغلق المجاهدون الطُرق، وجابت تظاهرات طلاب وطالبات معاهد المعلمين، وكلية التمريض، الشوارع، ورشقت القوات بالحجارة والزجاجات.

          وهكذا استمرت التظاهرات والاشتباكات والاضرابات، في المدن والمخيمات والقرى، تخبوا هنا وتشتد هناك، ويسقط قتلى وجرحى أسبوعاً بعد أسبوع، وشهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة، حتى توقفت الانتفاضة عند دخول السلطة الوطنية في مايو 1994.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة