الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

الفصل السادس
أسباب توقف الانتفاضة

الأسباب والدوافع

         كانت للانتفاضة تأثير كبير على المجتمع الإسرائيلي، في كافة مجالات حياته، أدت إلى وقوعه في الضيق والحرج، مما أجبر الحكومة الإسرائيلية على البحث عن وسائل وأساليب فعالة لإيقافها وإخماد نارها، والتخلص من تبعاتها.

         ونظراً للطابع الإسلامي للانتفاضة، ونتيجة لظهور العمليات العسكرية الضخمة، والتفجيرات المذهلة، في وسط وعمق الكيان الصهيوني، ولأن الخسائر، التي لحقت بدولتهم كانت كبيرة، لجأ الإسرائيليون إلى مشروع التسوية والتفاوض مع منظمة التحرير، كخيار لا بديل عنه في ظل الصراع، الذي ظهر أنه يأخذ منحى دينياً يخشاه الإسرائيليون.

         وإزاء هذا لم تجد إسرائيل افضل من الخروج من غزة، وأجزاء من الضفة الغربية، وتسليم ذلك لمن يمكنه القيام بمهمة حماية المستوطنين، وضمان أمن الحدود.

         ولم يجد الإسرائيليون بداً من الجلوس على مائدة المفاوضات، أمام قيادة منظمة التحرير، ممثلة برئيسها ياسر عرفات، للتباحث حول اتفاقية سلام، تحت شعار: "الأرض مقابل السلام".

         يقول ريتشارد أرمنج ـ مساعد وزير الدفاع الأمريكي ـ: "إن الانتفاضة الفلسطينية ونمو التيار الأصولي الإسلامي في الأراضي المحتلة، كانا السبب الرئيسي وراء موافقة إسرائيل على منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً محدوداً".

         ولهذا رضيت سلطات الاحتلال الإسرائيلية، بإدارة منظمة التحرير لمنطقة القطاع، وجزء من الضفة، مقابل إيقاف الانتفاضة وإخمادها، ومنع العمليات العسكرية، وحماية حدود الدولة الإسرائيلية.

         وكان لهذا التحول أثره على الانتفاضة، حيث شهدت السّاحة معطيات جديدة، لا بد من الوقوف عندها، لسبر أغوارها، وتمحيص أهدافها، والكشف عن حقيقتها.

         وبناءً على ما سبق، نجمل أسباب توقف الانتفاضة فيما يلي:

أولاً: تجنب حرب أهلية

         كان من أهداف إسرائيل من وراء عملية السّلام، وجلب منظمة التحرير إلى غزة والضفة، إشعال نار حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس، وذلك بإلقاء نار المنظمة في وجوه الحركات الإسلامية ـ حماس والجهاد الإسلامي ـ لتحصل الاشتباكات، ولترتد سهام المقاومة إلى الصدور الفلسطينية، مما يحقق هدف التخلص من عدوين في آن واحد.

         ولكن ذلك لم يتحقق بفضل الله عز وجل، وبفضل وعي وحنكة قيادات الحركة الإسلامية، حيث استطاعوا أن يفوتوا على العدو حيلته.

         عملت السّلطة الفلسطينية بعد تسلمها للسلطة، في مايو 1994، على تنفيذ بنود الاتفاقية، التي وقعتها في مؤتمر مدريد، في 28 يونيه 1989، والاتفاقية التي وقعتها في أوسلو، في 13 سبتمبر 1993.

         وكان من أهم ما ورد في الاتفاقيتين: العمل على إخماد الانتفاضة، وإيقاف العمل المسلح، وحماية أمن المستوطنات والحدود الإسرائيلية.

         فقد عالج الاتفاق مختلف الجوانب، المتعلقة بأمن إسرائيل وجيشها ومواطنيها، سواء داخل مناطق الحكم الذاتي المحدود أو خارجها. غير أنه لم يتطرق إلى الأمن الفلسطيني إلاَّ في شق واحد، يتعلق بالنظرية الإسرائيلية القائلة بأن فئات المعارضة الفلسطينية، تشكل خطراً على الفلسطينيين. وقد عبّر عن هذا الفهم شيمون بيريز، وزير خارجية إسرائيل، عند توقيع الاتفاق بقوله: "إن إسرائيل ستوفر السلاح اللازم لسلطة الحكم الذاتي، لمواجهة الأخطار الأمنية من المنظمات الإرهابية".

         وفي الإطار نفسه، صرّح رئيس الوزراء السابق، إسحاق شامير، قائلاً: "إن الفلسطينيين أكفأ منا في حفظ الأمن داخل مناطقهم، وقمع الإرهابيين".

وينقسم موضوع الأمن، حسب الاتفاق، إلى قسمين: داخلي وخارجي.

  1. الأمن الخارجي: وهو الشق الذي يُعد من مقومات السيادة الأساسية، فقد أقر الاتفاق بأنه حق كامل للدولة العربية، بما في ذلك أمن المعابر والحدود والجسور.
  2. الأمن الداخلي: وينقسم إلى ثلاثة أقسام:

 

أ.

أمن الإسرائيليين المدنيين والعسكريين، وتضطلع به القوات الإسرائيلية، في مناطق الحكم الذاتي وخارجها، على حد سواء.

 

ب.

أمن الفلسطينيين المتعلق بالخلافات فيما بينهم، وتضطلع به السلطة الذاتية، في الضفة الغربية والقطاع، عدا القدس.

 

ج.

الأمن المشترك: الذي يقع في مناطق التشابك السكاني، بين العرب واليهود، كما في الخليل، حيث تقوم دوريات عسكرية مشتركة في مثل هذه المناطق، حسب اتفاق طابا "أوسلو2".

         ويظهر من خلال ذلك أن المهمات الأمنية، التي أوكلت إلى الشرطة الفلسطينية إنما ترفع العبء الفلسطيني عن كاهل الإسرائيليين، إضافة إلى مساهمة هذه الشرطة في معالجة الهجمات، التي يتعرض لها الإسرائيليون في الضفة والقطاع، وقد عجزت أجهزة الأمن الإسرائيلية عن معالجتها طوال السنوات، التي سبقت الاتفاق.

         كان هذا الجانب الأمني وحده كفيلاً بإشعال حرب أهلية ضروس، لذلك رأت قيادة الانتفاضة ـ المعارضة لاتفاقيات السلام ـ عدم الاصطدام مع السلطة الفلسطينية، لتفشل مخطط اليهود في إشعال نار الصراع بين أبناء الوطن الواحد. وبناء عليه، خفت حدة المواجهات، وخبأ وهج الانتفاضة، وبدأت تنحسر شيئاً فشيئاً، حتى توقفت كمواجهات شعبية عارمة، مع استمرار العمليات الاستشهادية والمسلحة.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة