الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

دور المستوطنين في مواجهة الانتفاضة

         نشطت حركة المستوطنين، في الأراضي المحتلة، طيلة فترة الانتفاضة، وقامت بأعمال عدوانية ضد الفلسطينيين. فلقد أثارت تصريحات قادة "المفدال" حماسة المستوطنين، وتنوعت اعتداءاتهم تنوعاً كبيراً، من اقتحام القرى وتحطيم السيارات، إلى إتلاف المحاصيل، أو جرف الحقول. ولجؤوا، خلال الآونة الأخيرة، إلى القتل، والخطف، وقذف السيارات بالحجارة، وإنشاء التنظيمات الإرهابية الجديدة.

         وأقدم مستوطن على إطلاق النار على فلسطينيين، بالقرب من تل أبيب، في 20 يونيه 1989م، فأصابهما بجروح. كما أدت عمليات قذف الحجارة على سيارات الفلسطينيين، إلى انقلاب إحداها واستشهاد مواطن وجرح ثلاثة، قرب عوفاكيم. وفى 8/7/1989م استشهد فلسطيني، وجرح فلسطينيان في 10ـ11/7/1989م، وتعرض فلسطينيان للطعن في حيفا، في 11/7/1989م، وقد قتل المستوطنون، حتى أغسطس 1989م، حوالي 23 فلسطينياً، علماً بأن الإحصاءات الأردنية تدل على استشهاد 65 مواطناً، بنيران المستوطنين.

         لم يتوقف المستوطنون، عند ذلك الحد، بل لجؤوا، أيضاً، إلى خطف المواطنين، كما حدث عند اختفاء فتى من القدس، في السابع من يولية، واختفاء آخر من مخيم العزة في 12/7/1989، ولعل ذلك مؤشر واضح، على بناء المستوطنين لتنظيمات سرية، تدير هذه الأعمال. وقد ظهرت، بالفعل، بيانات بأسماء شبكات إرهابية مختلفة، وتضمن بعض هذه البيانات، دعوة الجنود إلى التمرد على القيادة الخائنة. وقد كُشف النقاب، خلال تلك الفترة، عن تنظيم جديد، تحت اسم "حيرف جدعون" أو "سيف جدعون" في 11/7/1989م،الأمر الذي أخاف رئيس الوزراء شامير، في ذلك الوقت، من إمكانية نشوب حرب أهلية بين المستوطنين والجيش، خاصة بعد قيام عدد من المستوطنين بالاعتداء على بعض الضباط، علماً بأنه عاد واقترح دمج ميليشيا المستوطنين، في جهاز الدفاع الإسرائيلي.

         وقد أعطت السّلطات الإسرائيلية الفرصة للمستوطنين، لزيادة نشاطاتهم في الأراضي المحتلة، وذلك عن طريق وسائل عديدة، أهمها هدم بيوت عائلات فلسطينية، شاركت في الانتفاضة. وفرضت السلطات الإسرائيلية تعقيدات هائلة، أمام محاولات الفلسطينيين لإعادة البناء، أو الحصول على رخصة بناء. وانخفض، تبعاً لذلك، عدد الرخص الممنوحة، فقد تبين من المعطيات، التي حصلت عليها بعض المصادر، خلال الفترة من 1/1/1988م إلى 1/9/1988م، أن عدد الطلبات المقدمة بلغ 994 طلباً فقط، أما عدد الرخص، التي منحت، فلم تتجاوز 220 رخصة)، وتركت بقية المنازل المهدمة كي يستولوا عليها المستوطنون.

         وقد زاد التنسيق بين المستوطنين والحكومة في عام 1990م، مع تولى موشي أرينز وزارة الدفاع. فقد زاد اعتماد الحكومة على المستوطنين في القيام بمهام الأمن، والتخفيف من الاحتكاك مع الفلسطينيين، من خلال تعزيز الدوريات والحراسة على محاور الطرق الرئيسية، وشق طرق دائرية، تبعد عن المراكز السكنية العربية. واستغل أرينز المستوطنين في القيام بتحرك سياسي، من أجل إيجاد قيادة بديلة، تقبل بالمبادرة الإسرائيلية، بشأن الانتخابات في المناطق المحتلة.

         وفي هذا السياق، كان التوجيه الأول، الذي أصدره أرينز، بوصفه وزير الدفاع، هو الطلب من هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، إعداد خطة للدفاع عن المستوطنات اليهودية في المناطق المحتلة. وفى اليوم التالي لتوليه مهام منصبة، زار مستوطنتي إريئيل، ومعاليه أودميم في الضفة الغربية، للتعرف على مشاكل المستوطنين، بشكل مباشر، ودرس فكرة إقامة حرس مدني، في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، مع قادة الجيش الإسرائيلي.

         وليس هذا التنسيق، بين الحكومة الليكودية، بزعامة شامير، من جانب، والمستوطنين من جانب آخر؛ بجديد على السياسة الإسرائيلية. فعندما تولى مناحم بيجين رئاسة الوزراء، لأول مرة عام 1977، قام بأول زيارة لمستوطنة كريات أربع، التي أنشأتها حركة جوش أيمونيم المتطرفة، ولعل هذا التقارب بين حركات الاستيطان، والليكود له تفسير أيديولوجي، يتمثل في إيمان كل منهما بأهمية الاستيطان، في عقيدة أرض إسرائيل الكبرى.

         وعلى الجانب الآخر، ليس ذلك بغريب على حزب العمل، مبدع فكرة الاستيطان، قبيل إنشاء الدولة، وإذا كانت الإيديولوجية هي أرضية اللقاء، بين المستوطنين من جانب، والليكود من جانب آخر، فإن اعتبارات الأمن هي أرضية اللقاء، بين المستوطنين من جانب، والمعراخ (حزب العمل)، من جانب آخر.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة