الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

الفصل السابع
أثر الانتفاضة على الفلسطينيين واليهود والمجتمع الدولي

          شكلت انتفاضة الشعب الفلسطيني عام 1987 منعطفاً تاريخياً مهماً، وتحولاً جذرياً، شمل مجمل النواحي والأطر السياسية والعسكرية والثقافية والفكرية والاجتماعية، للشعب الفلسطيني على الخصوص، ممتداً إلى الأمة العربية والإسلامية، بشكل عام. ومن هنا جاء حصاد الانتفاضة مشتملاً على نتائج وانعكاسات ملموسة يمكن تصنيفها تحت مستويات أربعة، هي: المستوى الفلسطيني، والمستوى العربي والإسلامي، والمستوى الصهيوني الإسرائيلي، والمستوى العالمي.

في المستوى الفلسطيني

 

1.

هدمت حاجز الخوف لدى الفلسطينيين، بعد أن ظن اليهود أن الشعب الفلسطيني أمسى يتجرع ذكريات مجازر اليهود المروعة، ومآسيهم، في ظل الحصار المفروض عليه داخل وخارج فلسطين، ويحسب ألف حساب لأي مواجهة مع جيش الاحتلال، الذي يملك جيشاً وترسانة من الأسلحة، لا يمكن مجابهتها بحال.
وكان لبطولات الانتفاضة، التي صنعها الشعب في مواجهاته اليومية، الأثر الأكبر في بعث الهمم، وشحذها، بحب الشهادة والإقبال بشجاعة والإقدام والاستبسال، خاصة أن المساجد أدت دوراً بارزاً، في دفع الانتفاضة وتوجيهها.

 

2.

أعادت الاعتبار للشعب الفلسطيني في الداخل، بعد ركود في العمل الجهادي دام فترة من الزمن، وبعد أن اقتصر العمل العسكري على المنظمات المقيمة في الشتات، التي ظن اليهود أنهم قضوا عليها بتهجيرها من لبنان، إلى دول عربية متفرقة بعيدة عن الحدود الفلسطينية.

 

3.

وجهت ضربة قوية لمظاهر الاحتلال ومؤسساته المختلفة، خاصة أجهزة التجسس الأمنية المرتبطة بالمخابرات الصهيونية، حيث قتل عدد كبير من العملاء والخونة، وتمت تصفيتهم جسدياً أو طردهم إلى عمق الكيان الصهيوني، ليشكلوا بدورهم عالة وهماً، يتضجر منه المجتمع الإسرائيلي نفسه.
كما كان لاستقالة رجال الشرطة العرب من وظائفهم، وكذلك موظفي الضرائب، أكبر الأثر في توجيه ضربة للإدارة الإسرائيلية المدنية، في الضفة والقطاع.

 

4.

صقل قيادة قوية للعمل الجهادي المسلح، وذلك بظهور فئة من الشباب تتسم بالشجاعة والإقدام، وتملك عزيمة قوية، مستعدة لتحمل مشاق وتبعات المواجهة.

 

5.

أبرزت الدور المتميز للحركة الإسلامية، في تحريك ودفع وتوجيه الشارع الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، بصورة لم يعهدها من قبل، وبشجاعة منقطعة النظير، خاصة بعد تعرض العمل الإسلامي لتغييب مدروس عن ساحة المواجهة، في الداخل والخارج، خلال العقود الماضية.

 

6.

وحّدت الشعب الفلسطيني، بعد أن تعرض لعملية تفتيت مدروسة، وذلك بتقطيع أوصاله تحت مسميات "الضفة الغربية، وقطاع غزة، والنقب، وعرب 48"، فظهر التلاحم جلياً من خلال المواجهات المنظمة، التي شارك فيها الجميع، ولعبت منطقة عرب 1948 دوراً حيوياً في الإسناد المادي والمعنوي، حيث غطت جانباً مهماً، كان له كبير أثر في دفع الانتفاضة واستمرارها، وهو الجانب الإنساني الخيري، الذي شمل كفالات الأيتام وأسر الشهداء والمعتقلين، وغير ذلك.

 

7.

وفرت للشعب الفلسطيني رصيداً جهادياً، وخبرة نوعية، وقدوة حية ناجحة في المواجهة، يمكن تطويرها مستقبلاً، لتحقق الأهداف التي لم تحققها هذه الانتفاضة، وهذا ما شهدته في الانتفاضة الثانية، في عام 2000.

 

8.

أظهرت الثقل الشعبي في التأثير على منحى القضية، وما يتعلق بها من مسائل سياسية واقتصادية وثقافية، وشكلت منه قوة لا يستهان بها في وجه المخططات الإسرائيلية، الرامية لتقويض القضية والتلاعب بها.

 

9.

أفرزت قيادات ميدانية عسكرية، وخبرات جهادية مؤثرة، وعناصر نموذجية في المقاومة، مثل "صلاح شحادة، عماد عقل، يحيى عياش، كمال كحيل...". وغيرهم.

 

10.

استطاعت بلورة الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وانتمائه الحضاري والعقائدي للأمة العربية والإسلامية، وبذرت فيه روح الاستقلال، والانفكاك عن المؤسسات الصهيونية في معظم المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، وأضعفت ارتباط الاقتصاد الفلسطيني، بمؤسسات الاحتلال الصهيوني.

 

11.

عملت على تمتين عرى التكافل والتعاون والتآزر، حيث برزت مواقف رائعة، وصور مشرقة للتكافل الشعبي، والتعاون الاجتماعي، وتقاسم لقمة العيش، والإيثار، والتضحية، والفداء، وغير ذلك من النماذج الأخلاقية العالية.

 

12.

أدت إلى اختفاء مظاهر العصيان والفسوق، مثل الخمارات ودور اللهو والحانات والخمارات، وغيرها من البؤر العفنة، التي روج لها الاحتلال وساعد على انتشارها، وذلك بعد تعرضها لهجمات من المتظاهرين، الذين حرصوا على إزالتها.

 

13.

رفعت من شأن العلماء والدعاة في فلسطين، خاصة بعد وقوفهم ردءاً لها، وتأييدهم لفعالياتها باليد واللسان والجنان، وكان من إفرازاتها "رابطة علماء فلسطين"، التي كان لها نشاط بارز في توجيه الانتفاضة وتنظيم فاعالياتها.

 

14.

استعادت الكبرياء الفلسطيني، الذي حطمته عشرون عاماً من الاحتلال الإسرائيلي، وأجبرت إسرائيل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

          هذه هي بعض ثمار الانتفاضة في الجانب الفلسطيني، الذي اكتسب رصيداً وتجربة فريدة في مواجهة المحتل، وأضاف إلى سجله الجهادي صفحة ناصعة، وأسس لمراحل قادمة، ومواجهات متطورة مستقبلاً.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة