الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
بطاريات صواريخ أرض/جو
مواقع بطاريات الصواريخ
 
بيروت خلال حرب الجليل
عمليةالسلام من أجل الجليل
مراحل وتطور أعمال القتال
الحجم والأوضاع الإبتدائية
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

الفصل الرابع
الانسحاب الإسرائيلي من لبنان
وتحليل الحرب

تطور الأوضاع على الساحة السياسية، عقب فوز بشير الجميل بالرئاسة

فوز بشير الجميل برئاسة الجمهورية، ورد الفعل، الإسرائيلي والأمريكي

         في الثالث والعشرين من أغسطس 1982، انتخب مجلس النواب اللبناني الشيخ بشير الجميل ، رئيساً للجمهورية اللبنانية. وهو الرئيس السابع منذ استقلال لبنان ، وذلك بأكثرية 57 صوتاً، نالها في الدورة الثانية للاقتراع. وكان لهذه الانتخابات رد فعل سلبي داخل لبنان، إذ أُطلقت النيران على منازل بعض النواب، الذين شاركوا في انتخاب هذا الرئيس. وذكر التليفزيون الإسرائيلي، أن الرئيس المنتخب، بشير الجميل، قال: "أنوي حل الحكومة الحالية في لبنان، وتشكيل حكومة جديدة، يكون أحد أهدافها الأولى إمكان توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل"، وأضاف التليفزيون الإسرائيلي: "إن الرئيس المنتخب طلب من سورية إقامة علاقة بلبنان، على أساس المساواة بين البلدين. وإن على سورية أن تعتبر لبنان، من الآن فصاعداً، بلداً حراً وسيداً. أما المقاتلون الفلسطينيون، فعليهم مغادرة لبنان حتى آخرهم " . كما توقع مناحم بيجن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزير دفاعه، أرييل شارون، أن يوقع الرئيس المنتخب، بشير الجميل، معاهدة سلام مع الدولة العبرية. وأشارت جريدة "معاريف" الإسرائيلية إلى أن الجميل، أشار، سراً، إلى أنه يعتزم توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، خلال ستة أو سبعة أشهر.

         وأكّد بيجن أن إسرائيل ستنسحب من لبنان لدى انسحاب القوات السورية منه، وأن بلاده على استعداد لمساعدة الرئيس اللبناني المنتخب، بشير الجميل، على بناء جيش ممتاز، منضبط، ومسلح تسليحاً جيداً. واستطرد قائلاً: "آمل أن نتبادل الزيارات، يأتي هو إلى القدس، وأذهب أنا إلى بيروت. كما آمل توقيع معاهدة سلام مع لبنان في القريب العاجل".

         كما أرسل بيجن رسالة شخصية إلى بشير الجميل، جاء فيها: "تفضلوا بقبول أحر تحياتي في مناسبة انتخابكم. ليكن الله في عونكم، يا صديقي العزيز، ويوفقكم في تنفيذ مهمتكم التاريخية، من أجل تحرير لبنان واستقلاله" .

         وفي لقاء بشير الجميل رئيس الأركان الإسرائيلي، رفائيل إيتان، كان الأول مهتماً بما سيستتبعه انسحاب الفلسطينيين. وذكر أن السوريين يقلقونه في الدرجة الأولى. إلاّ أن إيتان طمأنه، بأن جيش الدفاع الإسرائيلي، سينتشر في البقاع، في مواجهة السوريين، وهو على أهبة لضرب كل تحرك.

         وبدأت إسرائيل تُحضِّر لمشروع اتفاق سلام مع لبنان. وبسبب طبيعته السرية، رفض واضعوه كشف النقاب عن مضمونه، حتى أمام خبراء وزارة الخارجية، أو أعضاء الحكومة.

         وفي ذلك الوقت، كانت واشنطن تحتفل بنتيجة أخرى ـ في الأول من سبتمبر ـ وهي انتهاء جلاء الفلسطينيين عن بيروت، وأصبح فيليب حبيب بطلاً وطنياً. وطلب الرئيس ريجان من مشاة البحرية الأمريكية، الذين أرسلوا إلى بيروت في إطار قوات الفصل المتعددة الجنسيات، مراقبة وقف إطلاق النار، دون الاهتمام بإسرائيل وبجيش الدفاع الإسرائيلي. وثار غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقال: يتولد الانطباع لدى سماع الرئيس ريجان، أن كل ما حصل هو نتيجة لوجود بعض جنود البحرية، الذين تكرمت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسالهم إلى لبنان، بعد أن وعد الإرهابيون فيليب حبيب بالمغادرة. أليس في هذا ما يدعو إلى الدهشة؟

         وكانت واشنطن مهتمة بإعلان مبادرة سياسية جديدة، تحمل اسم الرئيس ريجان. فخلال أشهر عديدة، وبسرية تامة، أعدت وزارة الخارجية الأمريكية، بمشاركة مجلس الأمن القومي والبنتاجون، مشروعاً هدفه دفع العملية السياسية إلى الأمام. وكان بيجن أول من اطلع على مبادرة ريجان، وقد سارع إلى القول للسفير الأمريكي، لويس: "يا له من يوم صعب، بالنسبة إلينا نحن الاثنين، بالنسبة إليكم، وبالنسبة إِليّ حتى وصلنا إلى هنا!". كان يرى، بوضوح تام، أن الأمريكيين لن يتركوا ثمار بيروت تنضج، وقد أعرب بيجن عن هذا الشعور، في الأيام التالية، حين قرر رفض المشروع الأمريكي، وقال: "إنه مشروع ولد ميتاً". ثم أصدر أمراً بعقد اجتماع طارئ لحكومته، لتأكيد هذا الرفض.

لقاء بيجن وبشير الجميل

         كان بيجن قد وعد شعبه بالهدوء لمدة أربعين عاماً، وبعقد اتفاق سلام مع لبنان، وبتحالف ثلاثي بين لبنان وإسرائيل ومصر. وقرر بيجن أن يناقش بشير الجميل في مستقبل العلاقات بين لبنان وإسرائيل، من خلال لقاء يُعقد بينهما. وحاول مستشارو بشير الجميل إقناع مندوبي الموساد وشارون، بتأجيل هذا الاتفاق، قائلين: "يجب أن تختاروا بين السلام مع بشير وبين عملية السلام مع لبنان". ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان مصرّاً على اللقاء. واختير مبنى في كارلتون نهاريا، وهي مدينة اصطياف صغيرة، شمالي إسرائيل. وبالفعل، تم اللقاء، وتصافح بيجن والجميل، ثم تعانقا، وتبادلا النكات. وبدأ بيجن حديثه إلى ضيفه بشير الجميل، بالقول : "عزيزي الرئيس بشير الجميل، أعزائي الزملاء، عزيزي شامير وشارون، أعزائي حضرات المدعوين. اسمحوا لي أن أتكلم كما كنت أفعل دائماً. يا بنَي، سأكلمك كأب. لقد فكرت دائماً في أنك ستصبح رئيساً للبنان، وأنك ستعيد بلادك إلى الاستقلال، والسيادة على كل أرضها، وإلى تحقيق الديموقراطية والسلام مع جيرانك. ... وإن العلاقات المتينة، القائمة بيننا، لن تنقطع. أمّا الآن، وقد رُسمت الطريق، وأزيلت عنها كل العوائق لإقامة لبنان مستقل، فقد حان الوقت لبناء مستقبل مشترك لشعبينا، يرتكز على السلام وعلاقات حسن الجوار". ورداً على كلمة بيجن، شكر الجميل رئيس الوزراء الإسرائيلي مساعدته، التي حصل عليها هو ورجاله، وتوفيره ظروف انتخابه رئيساً للجمهورية.

         وواصل بيجن حديثه قائلاً: "لقد ارتكز تعاوننا معكم على واقع أن اتفاقاً للسلام، سيجري توقيعه فوراً، بعد الحرب". وحدق بيجن إلى بشير، الذي بدا شاحب اللون. فشرح بشير مشاكله قائلاً: "أتريدون دولة مسيحية صغيرة، تسيطر على قسم ضئيل من لبنان، وترغب في توقيع اتفاق سلام معكم، وكذلك معاهدة دفاع مشترك؟ أم تريدون أن تفسحوا لي المجال للاستفادة من الظروف الجديدة الناشئة في لبنان، وتشكيل حكومة تمثل قسماً كبيراً من السكان المسلمين؟ أمامي فرصة فريدة، بالفعل، لتوحيد لبنان تحت سلطتي، وتشكيل حكومة ترتكز على كل العناصر، التي يعز عليها مستقبل لبنان واستقلاله. أعطوني مهلة من ستة إلى تسعة أشهر، من أجل تحقيق الإجماع الوطني وتوطيده. عندها نستطيع أن نوقع معاهدة سلام معكم، تحقق علاقات طبيعية ومباشرة بين إسرائيل ولبنان، وكذلك ضمان أمن إسرائيل على حدودها الشمالية ".

         حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، دون جدوى، إقناع بشير الجميل بتغيير موقفه، وقال: "يجب ضرب الحديد، وهو ساخن. فمع الزمن، تبرز تعقيدات ناجمة عن الحرب، يمكن أن تشكل خطراً على العلاقات الإيجابية، التي طورناها". ومن ثمّ، تقرر تكوين لجنة، تضم ممثلين عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارتَي الدفاع والخارجية، وكبار القادة في إدارة بشير الجميل، من أجل مناقشة مستقبل العلاقات الإسرائيلية ـ اللبنانية.

         وغادر بشير الجميل هذا الاجتماع مكتئباً ومُحَرَّجاً من اللهجة القاسية، التي استخدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي. وبعد وقت قصير، عندما أُذيع من صوت إسرائيل، تقرير مفصّل عن هذا اللقاء، اغتاظ بشير، لأنه كان على اقتناع بأن تسريب هذا التقرير، كان مغرضاً، وأن المقصود هو إرباكه، وحرمانه من فرصة المناورة تجاه العناصر الإسلامية في لبنان، والمعادية للعلاقات بإسرائيل.

اغتيال بشير الجميل، واقتحام إسرائيل العاصمة اللبنانية

         في الرابع عشر من سبتمبر 1982، وقبل تولّي بشير الجميل السلطة في لبنان، الذي كان مقرراً يوم 23 سبتمبر، وعندما كان يدير اجتماعاً في قيادة الميليشيات في بيروت، نُسف المبنى بقنبلة زنة 200 كجم، وعُثر على الجميل ميتاً وسط الأنقاض. وبموته مات التفكير في إقامة علاقات طبيعية بإسرائيل.

         وفي الساعة السابعة، صباح يوم 15 سبتمبر 1982، أعلنت إذاعة صوت إسرائيل اقتحام جيش الدفاع الإسرائيلي بيروت الغربية. والواقع، أن بيجن، عندما سمع نبأ مقتل بشير الجميل، أمر قواته باحتلال بيروت الغربية. وفي الساعة الثامنة صباحاً، وصل وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون إلى بيروت، فأطلعه رئيس الأركان رفائيل إيتان، على الاتفاقات، التي تمت مع "الكتائب اللبنانية"، حيث تنص على التعبئة العامة، ومنع التجول، ودخول "الكتائب" إلى مخيمات اللاجئين. فوافق شارون، ثم اتصل برئيس الوزراء، وأبلغه بعدم وجود مقاومة، وأن كل شيء يسير كما كان متوقعاً.

         وفي الساعة الحادية عشرة، أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي اقتحام بيروت الغربية، من أجل حفظ النظام، ومنع حدوث اضطرابات خطيرة" . وفي التوقيت نفسه، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي المبعوث الأمريكي، موريس درايبر، الذي احتج بشدة على دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية. فأبلغ بيجن المبعوث الأمريكي، أن هذه العملية، حدثت لاستباق بعض الأحداث. ثم أضاف: إننا نتخوف من أن تُسفك الدماء، أثناء الليل. واستطرد قائلاً: الكتائبيون يتصرفون بشكل صحيح، وقائدهم يسيطر جيداً على قواته. لكننا لا نستطيع قول الشيء نفسه عن القوى الأخرى. فهدفنا هو المحافظة على الأمن، وعدم حدوث مجازر".

         وفي ظهر اليوم عينه، اجتمع وزير الدفاع الإسرائيلي مع قادة "الكتائب" في بيت الكتائب المركزي ببيروت. وقال شارون في هذا الاجتماع: "إن الوضع حرِج، ويجب علينا الآن اتخاذ قرارات. إننا معكم، وسنقدم إليكم كل مساندة ضرورية". وردّ زاهي بستاني، أحد زعماء "الكتائب" مطالباً شارون أن يحتل كل بيروت. فرد شارون قائلاً: "سنفعل ذلك، لكننا سنحتاج إلى مساعدتكم. سنحتل بعض الجسور الإستراتيجية، ومفارق الطرق. لكن يجب على "الكتائب" أن تفعل هي أيضاً ذلك. ابقوا على اتصال مع الجنرال دروري، وقرروا ما يجب فعله" .

         وفي السادسة مساءً، استمر تقدم القوات الإسرائيلية داخل بيروت، دون أي مقاومة. وفي التاسعة من صباح اليوم التالي، التقى السفير الأمريكي، موريس درايبر، وزير الدفاع الإسرائيلي، وطالبه بسحب قواته من بيروت الغربية، وذكر له "إن إسرائيل وضعت الولايات المتحدة الأمريكية في وضع صعب، لأنه من الممكن اتهامنا بالتواطؤ معكم، وأنه يجب توفير الفرصة أمام الجيش اللبناني لتسوية القضية". وأعلن درايبر، بحزم، أن إسرائيل لم تفِ بوعد، قطعه رئيس الوزراء، بعدم دخول الإسرائيليين إلى بيروت. ورد شارون: "عندما قطعنا هذا الوعد، كانت الأمور مختلفة، أما الآن، فإن الوضع صعب جداً. فإذا ما انتُهك الاتفاق، فإن الخطأ يقع على الفلسطينيين، لأنهم خدعوكم وخدعونا. اليوم، هناك عنصر واحد يستطيع تلافي الانفجار الشامل، هذا العنصر هو نحن".

          وفي الساعة العاشرة، قدم إيتان تقريره التالي إلى وزير الدفاع: "المدينة كلها أصبحت بين أيدينا. الهدوء تام. والمخيمات معزولة ومحاصرة. سيدخل إليها الكتائبيون حوالي الساعة الحادية عشرة، أو عند الظهر". وبذلك، نجح شارون في تسيير "الكتائب" نحو مخيمَي اللاجئين، صبرا وشاتيلا، للقضاء على الفلسطينيين في هذين المخيمَين.

          وفي ظهر يوم 15 سبتمبر، وصل القادة الكتائبيون إلى اجتماع مع قيادة الجيش الإسرائيلي في لبنان، قبل الدخول إلى مخيمَي صبرا وشاتيلا. وطبقاً للخطة، اتفق على دخول 150 كتائبياً مسلحاً إلى المخيمين. وكان الهدف المعلن هو القضاء على باقي أفراد منظمة التحرير الفلسطينية، المعتقد وجودهم في المخيمات.

          وفي الساعة السابعة مساءً، التقط الملازم علول، مسؤول قوات القيادة العامة في بيروت، على جهازه، محادثة بين ضابط كتائبي، يحتجز النساء والأطفال والشيوخ، يستفسر إيلي حبيقة عما يجب أن يفعل بهم، فأجابه الأخير: "للمرة الأخيرة تطرح عليَّ مثل هذا السؤال. إنك تعرف جيداً ما يجب أن تفعل". وانفجر الكتائبيون ضاحكين، فأدرك علول أن هؤلاء النساء والأطفال والشيوخ سيقتلون، فأبلغ قائد القوة مضمون الحديث. وعلى الفور، ظهرت صورة بشعة فقد نفذت ميليشيات "الكتائب" مجزرة، قُتل فيها مئات الشيوخ والنساء والأطفال.

          وفي الساعة السابعة والنصف مساءً، عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً طارئاً، كشف خلاله وزير الدفاع الإسرائيلي النقاب عن أنه أجرى، في 12 سبتمبر، أي قبل يومين من اغتيال بشير، محادثات مع الرئيس الراحل، وأنهما توصلا إلى قرارات مهمة، حول طبيعة العلاقات الإسرائيلية ـ اللبنانية. كما وضعا خططاً تفصيلية، تنص على دخول الجيش اللبناني إلى بيروت الغربية، والقضاء، في غضون شهر واحد، على كل نشاط إرهابي في المدينة. وبرر شارون دخول قواته إلى بيروت الغربية، بالقول: حتى لا يتكرر القتال مرة أخرى حول بيروت الغربية. وخلال الاجتماع قال شارون للوزراء: "لقد أُبلغنا الآن بدخول فرقة كتائبية كبيرة إلى مخيمَي صبرا وشاتيلا، وهي تقوم بتمشيطه الآن". وفي نهاية الاجتماع، قال ديفيد ليفي: "إن الأمور الآن ليست بتبرير الحجج لدخول جيش الدفاع إلى بيروت، فإن هذه الحجج سريعة العطب، وتعرضنا لخسارة مصداقيتنا. فعندما نسمع أن الكتائبيين دخلوا إلى بعض الأحياء، ونحن نعرف إلى أي درجة يريدون الثأر، فإني هنا أتخوّف من مجزرة. فلن يصدق أحد أننا دخلنا بيروت الغربية لإحلال النظام، بل سنكون موضع اتهام. ومن ثم، أعتقد أننا متورطون بعملية، سنُلام عليها، ولن تنفعنا الحجج أبداً". والواقع أن هذه الكلمات، تبخرت في الفراغ، ولم يتحرك أي وزير.

          وفي نهاية الاجتماع، اتُّفق على أن تصدر الحكومة البيان التالي: "بعد اغتيال بشير الجميل، احتل جيش الدفاع مواقع في بيروت الغربية من أجل تلافي أعمال العنف وسفك الدماء، إذ لا يزال في هذه المدينة ألفا إرهابي مزودين بأسلحة ثقيلة حديثة، مما يشكل انتهاكاً فاضحاً لاتفاقية الجلاء". وبطبيعة الحال، كان هذا البيان أكذوبة واضحة من أجل تبرير هذا التدخل. وفي الوقت عينه، ممارسة للضغط على أي حكومة لبنانية، من أجل أن توقع مع إسرائيل اتفاق سلام، طبقاً لشروط الأخيرة.

          وفي الساعة السادسة من صباح يوم 17 سبتمبر، تلقّى رئيس مكتب الاستخبارات الإسرائيلية تقريراً بأن المعلومات الأولية، تفيد أن قوات "الكتائب" قتلت نحو 300 شخص في مخيمَي صبرا وشاتيلا. وفي الساعة التاسعة من صباح اليوم نفسه، بعث فادي فرام، قائد "القوات اللبنانية"، رسالة إلى إسرائيل، بعد حديث مع أمين الجميل ، جاء فيها أن أميناً وافق على عقد اتفاق سلام مع القدس، كما كان يتمنى أخوه الرئيس الراحل، بشير.

          وفي ظهر هذا اليوم، تم الاجتماع بين شارون وشامير والمبعوث الأمريكي، درايبر، الذي طالب بسحب القوات الإسرائيلية من بيروت، ولكن شارون رفض هذا المطلب. وبعد الظهر، اجتمع رئيس الأركان الإسرائيلي مع قادة "الكتائب"، وعبّر لهم عن ارتياحه لتصرفهم في عملية التنظيف، التي تمت في مخيمَي صبرا وشاتيلا، وطالبهم بمواصلة هذه العملية في المخيمات، التي انسحب منها الإرهابيون ـ كما يطلق عليهم ـ إلى جنوب منطقة الفاكهاني، على أن يتم ذلك قبل صباح اليوم التالي، استجابة للضغط الأمريكي. وطلب زعماء "الكتائب" جرافات لهدم الأبنية الفلسطينية في المخيمين، فقبِل إيتان مطلبهم. وفي الساعة التاسعة مساءً، وخلال مكالمة هاتفية بين وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الأركان، أبلغ الأخير الأول، أن "الكتائب" قتلوا من المدنيين أكثر مما هو متوقع، وأضاف إيتان أنه طالب بإنهاء هذه العملية قبل الساعة الخامسة صباح اليوم التالي.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة