الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
بطاريات صواريخ أرض/جو
مواقع بطاريات الصواريخ
 
بيروت خلال حرب الجليل
عمليةالسلام من أجل الجليل
مراحل وتطور أعمال القتال
الحجم والأوضاع الإبتدائية
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

ثانياً: الأبعاد الاقتصادية للغزو الإسرائيلي

          يمكن، من خلال رصد معطيات الهيكل الاقتصادي الإسرائيلي، عشية غزو لبنان في يونيه 1982، اكتشاف إلى أي مدى كان قرار الحرب، هذه المرة، يعتمد على حسابات اقتصادية، كمرتكز أساسي في إدارة الصراع. ومن ثم، كان من المهم التعرض لهذه المعطيات، كبعد أساسي في عملية الغزو.

المعطيات الاقتصادية الإسرائيلية

          اتسمت الأزمة الاقتصادية في إسرائيل، خلال النصف الثاني من عقد السبعينيات، بسمات خاصة وفريدة من نوعها، تميزها عن غيرها من الأزمات الدورية، التي مر بها الكيان الإسرائيلي (1955/1956 ـ 1965/1966). والحقيقة التي ينبغي الإشارة إليها أن الأزمة التي ظهرت في سياسات "الليكود" من مايو 1977، هي وليدة لعدة أزمات، أوضحها بنحاس سابير، وزير المالية العمالي، حينما قدم ميزانية عام 1974/1975، وربطها بالأزمة العامة التي يمر بها النظام الرأسمالي الدولي، وبأزمة أسعار الطاقة وتقلب أسـعار صرف العملات، وكذا حرب أكتوبر. ومن هنا، فالحديث حول مظاهر الأزمة والتضخم مثلاً، ومن ثم، التركيز على بحث السياسات المتبعة خلال تلك الفترة، يعد جزءاً مهماً .

القطـاع الزراعــي

          لعل الاقتصاد الإسرائيلي هو الاقتصاد الرأسمالي الوحيد ـ على حّد عِلمنا ـ الذي تسيطر فيه الملكية الجماعية والتعاونية (الموشاف ـ الكيبوتزات) على القطاع الزراعي (95%). بينما يسيطر الرأسمال الفردي على القطـاع الصناعي (80%). ومرجع ذلك إلى الطابع الاستيطاني الخاص للدولة العبرية. ففي المراحل الأولى من الاستيطان، ركزت الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية على امتلاك الأرض، لعدة أسباب، بعضها اقتصادي (إعاشة أعداد المهاجرين المتزايدة)، وبعضها الآخر سيكولوجي، يتعلق بالظرف التاريخي الخاص لليهودي.  ومثلت الأرض التجسيد الحي للحلم اليهودي الأسطوري لمفهوم "العودة إلى أرض الميعاد"، وتوارى إلى الخلف قليلاً هدف التصنيع اليهودي، الذي حكمته الشروط التاريخية نفسها المحددة للعلاقات بين المراكز الرأسمالية الإمبريالية القديمة وهوامش النظام الرأسمالي. ولذا، ظلت حركة الصناعة اليهودية قاصرة عن تلبية الحاجات الخاصة بالمهاجرين الجدد إلى أرض فلسطين.

          وهكـذا، جاءت المعطيات الجغرافية لتمثل تحدياً أساسياً وقيداً حقيقياً للحكم الصهيوني، باستيعاب أكبر عدد ممكن من يهود الشتات، "الدياسبورا".

          فالأرض، بالنسبة إلى إسرائيل هي التمهيد المناسب لنجاح المشروع الاستثماري الأكبر. وقد تنبهت لذلك الدولة الصهيونية، بعد إعلان قيام إسرائيل في مايو 1948. فأصدرت قانون أملاك الغائب في 31 مارس 1950، ثم قانون تأميم كل مصادر المياه (عام 1959). ووكلت إلى شركة "ميكوروت" الحكومية مهمة السيطرة على مصادر المياه والإشراف على عمليات التوزيع، بالتعاون مع وزير الزراعة والمجلس المائي القومي.  وحتى عام 1967، كانت محصلة المصادرة الإسرائيلية للأراضي العربية منذ عام 1948، نحو 1.9 مليون فدان، لم يتعدَ المزروع منها 50% تقريباً، بسـبب ندرة مصـادر المياه، ومحدودية مياه الأمطار . فعلى سبيل المثال، كان لضآلة المياه دور في الأضرار التي لحقت بمحصول القمح في جنوب إسرائيل، عام 1978، إذ لم يتجاوز 175 ألف طن.  ولهذا، كثفت إسرائيل من حركة البحث عن مصادر جديدة للمياه، مثل تحلية مياه البحر المتوسط والبحر الميت، باستخدام الطاقة النووية. وبالتوازي، اشتدت قبضة الحكومة الإسرائيلية على المصادر المتاحة ، وأصدرت تعليماتها بالاستيلاء على 7 مشـروعات للمياه، كانت تزود مختلف المزارع العربية بالضفة الغربية بالمياه. ووكلت إلى شركة "مكوروت" مهمة القيام بالتطوير اللازم لتدعيم حركة الاسـتيطان، وهي مشاريع مياه (قباطية / عرابة ـ بيت أيبا / نابلس ـ الزاوية / نابلس ـ أبو عمود / شـبتين في رام الله ـ بطن الفـول في بيت لحـم ـ دير شعر / الخليل ـ السموع / الخليل).

          وتقدر كمية المياه المتوافرة في هذه الآبار بنحو 1300 متر مكعب/ساعة، وهو ما يتيح لإسرائيل تدعيم حركة الاستيطان في مدن الضفة الغربية وقراها، واستكمال حلقة الحزام الأمني على الحدود الشمالية والشرقية.  كما أن الأزمة لم تقتصر على العملية الإنتاجية الزراعية فحسب، وإنما تعدتها إلى مشكلة تسويق الناتج من بعض الزراعات، وبخاصة الحمضيات.  فالمعروف أن السوق المفضلة للمنتجات الإسرائيلية، ظلت، لسنوات طويلة، السوق الأوروبية المشتركة. إلا أن الأزمة التي حلت بمجموعة السوق المشتركة، منذ عام 1974، والتي جاء في صدارتها تخبط السياسات الزراعية في دول المجموعة، والخلافات القائمة حول تسعير الحاصلات الزراعية لدى السوق، قد ألقت بظلالها على علاقة إسرائيل بالسوق الأوروبية. وفي عام 1982 بالتحديد، تعرض موسم قطف الحمضيات لكارثة، بسبب انخفاض الأسعار، مما دفع الكثيرين إلى ترك المحصول على الأشجار، وقدرت الكميات المتروكة بنحو 10 آلاف طن.

          وهكذا باتت أزمة القطاع الزراعي الإسرائيلي، تتركز في ندرة المياه للتوسع الأفقي، الضروري لاستمرار معدل استيعاب المهاجرين على مستواه، إلى جانب ضعف القدرة التصديرية للأسواق التقليدية لإسرائيل .

القطــاع الصــناعي

          أدّت الظروف غير المواتية، التي أفرزتها حرب أكتوبر1973، وارتفاع أسعار النفط والطاقة، وتزايد حدّة مشاكل النظم الرأسمالية في أوروبا وأمريكا، إلى إلقاء ظلال كثيفة من الشك على قدرة الاقتصاد الإسرائيلي واستمراره في حالة من الانتعاش. وتأثر، بالطبع، القطاع الصناعي، فانخفض معدل النمو الناتج فيه إلى 4% عام 1974، ثم عاد ليسجل أسوأ مستوى للنـمو عام 1975 (2%)، حتى اضـطر حاييم بارليف Haim Bar Lev ، وزير الصناعة والتجارة، وقتئذٍ، إلى أن يصرح لجريدة "معاريف" : "بأن إسرائيل قد تضطر إلى إعلان سياسة طوارئ اقتصادية".

          كما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية، وبخاصة الناتج الصناعي، تولّى كتلة "الليكود" اليمينية السلطة في إسرائيل، في مايو 1977، والتي شرعت في تنفيذ برنامجها الاقتصادي، الذي ركز، بالأساس، على عملية التخصيص النسبي للموارد وعوامل الإنتاج، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل لم يسبق أن شهده التاريخ الاقتصادي لإسرائيل. وكان لتعاقب ثلاثة وزراء مالية في حكومة "الليكود" دلالة واضحة على مدى عمق الأزمة الاقتصادية والمالية في إسرائيل.

التجــارة الخارجــية

          حاول المسؤولون الإسرائيليون خفض العجز في الميزان التجاري، وتخفيض الواردات من الخارج، وزيادة الصادرات إلى العالم الخارجي، إلا إن معظم هذه المحاولات قد باءت بالفشل. فبينما استهدفت ميزانية عام 1980 زيادة الصادرات بمعدل 8.5%، فإن الممارسة العملية لم تسفر إلا عن زيادة لا تتعدى 3.7%، على الرغم من السياسة التقشفية التي مارستها الحكومة، والتي أدت إلى تقليص حجم الواردات بنسبة 7.5%، إلا أن الفجوة استمرت في التزايد، حتى دنت عام 1981، من 1.8 مليار دولار، بسبب ارتفاع أسعار الواردات، بفعل الموجة التضخمية العالمية .

          ومن الواضح أن المساعدات الأمريكية، كان لها دور كبير في تعويض إسرائيل عن العجز في الميزان التجاري. فخلال السنوات الخمس (1977ـ1981)، قدّر المتوسط السنوي للمساعدات الأمريكية (منح ـ قروض ميسرة ـ برامج تدريب ـ مساعدات عسكرية واقتصادية. إلخ)، بنحو ملياري دولار. وبعد غزو لبنان، ارتفع إلى 3مليارات دولار. هذا فضلاً عن تبرعات الجاليات اليهودية في الخارج، والتي تتراوح ما بين 200و220 مليون دولار سنوياً. ومن ثم، يمكننا القول إن جزءاً كبيراً من مستوى الطلب الفعلي والمعيشة في إسرائيل، يتم تحويله من الخارج، وإن حجم هذه المساعدات يمثل 18ـ20% من الناتج القومـي .  علاوة على ذلك، فإن المساعدات اليهودية لإسرائيل، في صورة تشجيع حركة السياحة إلى إسرائيل، والتي قفزت عائداتها من أقلّ من 500 مليون دولار، عام 1976، إلى نحو مليار دولار، عام 1981، هذه المساعدات تدهورت بشكل واضح، عام 1982، بنسبة 30ـ40%، وبهذا، تكتمل لدينا صورة التحويلات الخارجية، التي تؤدي دوراً مهماً في دورة التشغيل والدخل في إسرائيل.

المديونية الخارجية، وخدمة الدين

          مثّل النصف الثاني من عقد السبعينيات نقطة بارزة في تاريخ الأزمات الاقتصادية الدورية، التي شهدها النظام الرأسمالي العالمي. وإذا كانت إحدى ملامح هذه الأزمة، هو تفاقم المديونية الخارجية للدول الرأسمالية المتخلفة تجاه الرأسماليات المتقدمة، بصورة انفجارية، فإن إسـرائيل لم تُسـتَثنَ من هذه القاعدة، إذ ارتفع حجم مديونيتـها من10 مليارات دولار، عام 1976، إلى 16 مليار دولار، عام 1979. ثم ما أن حل ربيع عام 1982، حتى كانت مديونيتها قد تجاوزت 18.4مليار دولار .

          وقد أقلق هذا الوضع المختل لميزان المدفوعات الإسرائيلي، والمديونية الخارجية، بعض المتخصصين من اليهود في المجال الاقتصادي. وهذا ما دفع البعض منهم، مثل "الساف رازينا" و"دافيد هورفيتز" و"يعقوب لافي"، إلى الإسراع بتقديم المشورة، والدعوة إلى تخفيض معدلات الاستثمار، وخفض معدل نمو الاستهلاك، لتحقيق انخفاض ملموس في عجز ميزان المدفوعات، وتقليص المديونية تجاه العالم الخارجي.  ومن ثم، كانت مطالبة بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي للرئيس ريجان بإعفاء إسرائيل من دفع بعض ديونها، خاصة أن خدمة الدين، خلال السنوات الثلاث الماضية، كانت تلتهم جزءاً لا يستهان به من حصيلة صادراتها.

نفقات عملية الغزو

          قدّر بعض الأوساط المسؤولة في إسرائيل النفقات المباشرة لعملية "سلام الجليل" بنحو 1.5 مليار دولار، وذلك خلال الثلاثة أشهر الأولى من المعارك (50 مليون دولار في اليوم الواحد). هذا في الوقت الذي أشار فيه بعض التقديرات، إلى أن نفقات الغزو غير المباشرة، من جراء انخفاض الناتج الصناعي، وتدهور الصادرات إلى العالم الخارجي، وانخفاض الدخل السياحي في موسم الصيف، قدّرت بنحو 1.5 مليار دولار أخرى، كما قُدرت نفقات بقاء الجيش الإسرائيلي في لبنان، خلال الفترة التالية، وحتى انقضاء فصل الشتاء، بنحو مليار دولار. وبهذا، فإن نفقات الغزو المالية، تزيد على 4 مليارات دولار أمريكي.

          والتساؤل الآن: إلى أي مدى أثّرت هذه النفقات في الهيكل الاقتصادي الإسرائيلي ؟

          أوضح بعض الكتاب الإسرائيليين مدى خطر انخفاض صادرات إسرائيل إلى دول العالم، أثناء الغزو، على الاقتصاد الإسرائيلي. إذ سجلت صادرات يوليه 1982 تراجعاً ملحوظاً، قياساً بيوليه عام 1981 (من 407 مليون دولار إلى 340 مليوناً من الدولارات) . وعزا بعضهم ذلك إلى تدهور سمعة إسرائيل على المستوى الدولي، من جـراء القصف الجوي للأهداف المدنية في لبنان. ومن جهة أخرى، عمّقت ظروف الغزو، وتدهور سمعة إسرائيل لدى قطاعات واسعة من الرأي العام الأوروبي، تدهور النشاط السياحي في إسرائيل، فانخفض عدد السائحين في يوليه 1982 إلى 76 ألف سائح (مقابل 96 ألفاً في يوليه 1981)، بنسبة انخفاض 21% .

          وعلى المدى القصير، فإن ارتفاع نسبة التضخم، وارتفاع الأسعار، وزيادة الاعتماد على المعونة الأمريكية، وتدهور قيمة العملة الإسرائيلية، "الشيكل" Shekel ، أمام العمـلات الأجنبية (5% تقريباً)، أفقد المتعاملين في أسواق المال الثقة بالعملة الإسرائيلية، مما حدا ببعضهم على المطالبة بإعلان يوم للدولار، لتخفيف الضغوط على "الشيكل"، ومن ثم، خفض معدلات التضخم. كما أدت الحرب إلى ازدياد نسبة البطالة بنحو 3%، إذ قُدّر عدد المتعطلين في إسرائيل بنحو 31.7 ألف مواطن.

تمويل عمليات الغزو

          من الحقائق، التي تبدو محل اتفاق عام لدى المتخصصين في الشؤون الإسرائيلية، أن معدل ما تنفقه إسرائيل على الجيش والأمن، يُعد من أعلى المعدلات في العالم، بالنسبة إلى الناتج القومي الإجمالي، وإلى حجم السكان (25% في المتوسط سنوياً). بل إن كل مواطن في إسرائيل، يدفع للأمن والدفاع نحو 30 ألف شـيكل سـنوياً (ما يعادل 1083 دولاراً)، طبقاً لتقدير عام 1979 . ومن ثم، فإن نفقات الدفاع، تنتزع من كل أسرة نحو خُمس دخلها الشهري. ولكن، إذا أخذنا في الحسبان حجم الدعم الأمريكي المكثف، لأمكن فهْم الطابع الاستمراري لهذا المعدل المرتفع للإنفاق الحربي. فالولايات المتحدة الأمريكية، تقدم سنوياً ما يعادل 750 دولاراً إلى كل إسرائيلي، وكل أسرة في إسرائيل( من 4 إلى 5 أفراد)، وفقاً لذلك، تحصل من أمريكا على 100 ألف شيكل تقريباً.

1. التمويل من الداخل

باندلاع الحرب على أرض لبنـان، في يونيه 1982، أخذت وزارة المالـية الإسرائيلية في تنفيذ خطة الطوارئ المالية، التي سبق أن عرضها يورام أريدور على الحكومة الإسرائيلية منذ عدة شـهور سابقة للحرب. وبمقتضاها، تم رفع نسبة الضرائب غير المباشرة، ورسوم الإنتاج على العديد من السلع والخدمات معاً، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تراوح ما بين 12% و15%. وكانت خطة أريدور، في جزء منها، تقضي باقتطاع 5مليارات شيكل (حوالي 190 مليون دولار) لمصلحة وزارة الدفاع الإسرائيلية، مع اللجوء إلى الاقتراض من الجهاز المصرفي (التمويل بالعجز) بمقدار 5.5 مليارات شيكل أخرى. وهو ما حدث بالفعل، عندما بلغت نفقات الحكومة في شهر أغسطس (ذروة المعارك) نحو 6.4 مليارات شيكل. كما أقر الكنيست قانون القروض لتمويل عملية الغزو، على أن يفرض هذا القرض بواقع 2% من الدخل الشهري حتى مبلغ 7500 شيكل، و4% حتى مبلغ 30 ألف شيكل، و5% على ما زاد على ذلك.

كما رفعت السلطات الإسرائيلية الضرائب غير المباشرة، المفروضة على العديد من السلع والخدمات، ولم تقصرها على الإسرائيليين وحدهم، وإنما فرضتها على العرب سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. وهكذا، شهدت إسرائيل، خلال يوليه 1982، أعلى نسبة تضخم في تاريخها الاقتصادي.

2. المساعدات والمعونات الأمريكية

خلال الفترة الممتدة من عام 1948 حتى عام 1981، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات، لا تُردّ، إلى إسرائيل بلغت قيمتها 25 مليار دولار (15 ملياراً من الدولارات في صورة مساعدات عسكرية، 10 ملياراً من الدولارات مساعدات اقتصادية). هذا بخلاف التعويضات الألمانية، التي بلغت 20 ملياراً من الدولارات. وخلال أشهر الغزو الثلاثة، لم تتوقف المساعدة الأمريكية لإسرائيل، بل على العكس، فبينما ارتفعت أصوات بعض أعضاء الكونجرس، مطالبين بتخفيض المعونات الممنوحة لمصر في خلال ذلك العام، ازدادت الأصوات المطالبة بزيادة الدعم العسكري والاقتصـادي لإسرائيل، ليصل إلى 3 مليارات دولار، خلال ميزانية عام 1983، مقابل مليارين ومئتي مليون دولار عن عام 1982. كما صاحب هذه الدعوة الحديث حول اعتزام إدارة الرئيس الأمريكي، رونالد ريجان، تقديم مشروع قانون بإعفاء إسرائيل من بعض ديونها العسكرية، التي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات، وذلك تحت حجة تشجيع إسرائيل على قبول مبادرة ريجان للتسوية. ولم يقتصر الدعم الأمريكي لإسرائيل على ما سبق، وإنما جاء في صورة دعم تكنولوجي وتطوير فعّال للصناعة الحربية الإسـرائيلية، إذ سمحت الولايات المتحدة الأمريكية للشركات الإسرائيلية بالدخول في مناقصات وعقود التوريد للبنتاجون والمؤسسات الدفاعية الأمريكية، وذلك بهدف حفز الصناعة الحربية الإسرائيلية.

3. تمويل يهــود الشــتات، "الدياسبورا"

ظلت إسرائيل، منذ إنشائها، تعتمد بشكل واضح على المساعدات والتبرعات، التي تقدمها الجاليات اليهودية في الخارج. وقد أسهمت الحكومات الغربية في ذلك، بتسهيل عمليات التحويل المالية المطلوبة، من دون فرض قيود أو ضرائب. وكان اعتماد إسرائيل يركن إلى تناسب المتوسط العام لهذه التحويلات بنحو (220 مليون دولار سنوياً)، وهي مساعدات غـير مردودة. ومنذ عام 1967، ازدادت هذه المساعدات، لتستقر عند مستوى 25% من إجمالي التدفقات المالية السنوية إلى إسرائيل، وارتفعت في المقابل، المساعدات الأمريكية إلى 60% من إجمالي انتقال رؤوس الأموال إلى إسرائيل. ومن الواضح أن فترات اشتعال الصراع المسلح، كانت تشهد فترة استثنائية في مساعدات الدياسبورا لإسرائيل، وهذا ما حدث عام 1973، حين ارتفع المبلغ من متوسط 250 مليون دولار في الأعـوام السـابقة إلى 500 مليون ومليوني دولار أثناء حرب "يوم الغفران"، كما وصل أثناء غزو لبنان، عام 1982، إلى حوالي 550 مليوناً من الدولارات. وهو ما يعني أن إسرائيل حققت أكبر مبلغ جمعته في تاريخها من المنظمات اليهودية في الخارج.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة