الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
بطاريات صواريخ أرض/جو
مواقع بطاريات الصواريخ
 
بيروت خلال حرب الجليل
عمليةالسلام من أجل الجليل
مراحل وتطور أعمال القتال
الحجم والأوضاع الإبتدائية
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

الأطماع الإسرائيلية في لبنان

          من دراسة قام بها معهد دافيد هوروفيتز، التابع لجامعة تل أبيب، حول تطور الاقتصاد اللبناني، تناول خلالها بالمسح التفصيلي مختلف القطاعات الرئيسية (الزراعة ـ الصناعة ـ الخدمات المالية ـ السياحة)، وكذلك مستويات التركيب الاجتماعي والعرقي، يتبين، من خلال تمحيص التناول الصهيوني لهذه المتغيرات، أبعاد الأطماع الإسرائيلية في لبنان. فالإسرائيليون يهتمون بالفائض المتاح من مياه نهر الليطاني (نحو 400 مليون م3 من المياه سنوياً). كما يتركز اهتمامهم أيضاً على أهمية توسـيع هامش التعاون الزراعي المشترك (على الحدود الشمالية لإسرائيل) مع لبنان، بما يزيد من حجم الصادرات الإسرائيلية، علاوة على كونه إحدى دعامات الأمن والدفاع في مواجهة غارات الفدائيين، كما يوفر شروطاً أفضل، على المدى البعيد، لابتلاع السوق اللبنانية ، خاصة أن وجود الضابط اللبناني المنشق، سعد حداد، في الجنوب أو في موقع قيادي بالدولة اللبنانية، سيمثل دعامة أساسية لاستكمال المخطط. أما بالنسبة إلى القطاع الصناعي، فإن الدراسة المشار إليها، أكدت أن البناء الاقتصادي اللبناني، يتجه بشكل مكثف إلى التجارة والخدمات ويخصص اعتمادات محدودة للقطاع الصناعي، ومن هنا يمكن السيطرة على هذا القطاع الهام، ومنع أي اتجاهات لتنميته.

ولذا، ينظر الإسرائيليون إلى السوق اللبنانية من زوايا ثلاث:

  • فهي، من جهة أولى، سوق لتصريف الإنتاج الصناعي الإسرائيلي، خاصة أن الصناعات الإسرائيلية كانت تعاني أزمة تصدير.
  • وهي من جهة ثانية، منفذ ونقطـة وثوب لتسلل البضائع الإسرائيلية، إلى بقية الأسواق العربية، التي تطبق قوانين مقاطعة إسرائيل. ويقرر يهوشاع تدمور وزير التجارة الإسرائيلي، أن البضائع الإسرائيلية تجد، بواسطة التجار اللبنانيين، طريقها إلى الدول العربية، من دون علامات تجارية .
  • ومن جهة ثالـثة، ربط فئات اجتماعية وطنية لبنانية محددة (تجار ـ وكلاء ـ سماسرة ـ مكاتب سياحة...) بمصالح الاقتصاد الإسرائيلي، عبْر عمليات التسويق والتوزيع، وهو ما يسمح بتدعيم مرتكزات ثابتة للاحتلال الإسرائيلي في لبنان. ومما لا شك فيه أن تحقيق ذلك، يمثّل خطوة نحـو تحطيم أسُس المقاطعة العربية، ويمكّن، بالضرورة، من انهيار الخط الدفاعي الأخير، وهو ما يعدّ في المحصلة النهائية تدعيماً طويل الأجل للمشروع الإسرائيلي في المنطقة. أمّا بالنسبة إلى القطاع السياحي والخدمات المالية، فعلى الرغم من تفوق اللبنانيين على اليهود، في هذا المجال، إلاّ أن التطلع الإسرائيلي للتعاون في مجال الصيرفة، يتأتى من كون لبنان هو أحد المستودعات الصغيرة للأرصدة البترودولارية. ومن ثم، كانت المناداة في إسرائيل بضرورة إقامة جسور التعاون مع لبنان، من أجل زيادة قدرة إسرائيل على اختراق الأسواق العربية والاشتراك في مشروعاتها التنموية .

ثالثاً: الأبعاد الاجتماعية للغزو

          يتكون المجتمع الإسرائيلي من عناصر شرقية وغربية، إضافة إلى طوائف درزية ومسيحية، فضلاً عن عرب إسرائيل. ولفترة غير قصيرة، احتلت العناصر الغربية "الأشكناز" أعلى الهرم الاجتماعي، تليها العناصر الشرقية اليهودية "السفارديم" كفئة أدنى تعليماً وثقافة ومراكز، ثم تحتل الطوائف الأخرى، من دروز وعرب قاعدة الهرم، كمواطنين من الدرجتين الثالثة والرابعة. ولكن هذا الترتيب خضع لبعض المتغيرات، بعد تولّي "الليكود" الحكم. فقد استطاع بيجن الوصـول إلى الحكم، عندما نجح في تحويل أصوات "السـفارديم" من حزب العمل إلى حزب الليكود، حتى أصبح 70% من أصـوات بيجن تقريبـاً من العناصر الشرقية. ويمكن إرجاع هذا التأييد إلى أسباب دينية وتقليدية. فعلى حين تهتم العناصر الغربية بقضايا الديموقراطية والاشتراكية، لا تطالب العناصر الشرقية إلا بقوة الحكومة وقدرتها على إرهاب جيرانها. فهذه العناصر الأخيرة، تتفق مع بيجن في تعريفه "للعدو"، وتؤيده في كل سياساته المتبعة داخلياً وخارجياً، خاصة سياساته إزاء العرب. فالسلام في نظر العناصر الشرقية لا يهم إلاّ إذا قام على سيطرة إسرائيل وهيمنتها على أراضي المنطقة وشعوبها، وهـي، من ثم، لا تبالي كثيراً بأهمية التعايش السلمي، الذي تنادي به العناصر الغربية. لذا، يُعدّ الغزو الإسرائيلي للبنان أحد المحكات الأساسية في تأييد وازدياد أهمية العناصر الشرقية وفاعليتها. ففي حين هاجمت معظـم العناصـر الغربية الحرب، وصوتت ضد الحكومة في استطلاعات الرأي، نجد أن السفارديم وحدهم هم الذين اهتموا بتأييد الحكومة أثناء الحرب، والأدهى من هذا أنهم أيدوا الأعمال الإسرائيلية في مخيمَي صبرا وشاتيلا، ولم ينتقدوها، على خلاف سائر طوائف المجتمع، بل أوجدوا لها المبررات، وأكدوا استمرار تأييدهم لبيجن مهما حدث في لبنـان. وأغلب الظن أنهم وجدوا في هذه الحرب دافعاً أقوى لهذا التأييد .

          أمّا عرب إسرائيل، فلم يتوانـوا عن إعلان رفضهم وإدانتهم للحرب، منذ بداية اجتياح لبنان، وقتل المدنيين في بيروت ومخيمات اللاجئين، وسفك دماء العزل في صبرا وشاتيلا. فقد خرجت التظاهرات داخل قرى عرب إسرائيل احتجاجاً على الحرب، وعلى المجازر الجماعية. وخلال تلك التظاهرات التي اعتقل أثنائها ما يقرب من 80 شخصاً، رفع المتظاهرون علم فلسطين، وهتفوا مؤيدين لمنظمة التحرير على أساس أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من اختلاف توجهات هذه الجماعات، إلا أن السمة المشتركة التي تجمعها، هي الانتماء إلى الوطن العربي، وآمالها في تحرير فلسطين، وتأييدها لمنظمة التحرير الفلسطينية. ومن الواضح أن هذه العناصر، بدأت تستعيد علاقاتها بسكان الضفة الغربية، وتنظم معهم التظاهرات والإضرابات المشتركة، وتؤيد العناصر الوطنية المعزولة، والمعتقلة من الضفة. هذا، على الرغم من الحصار الذي تضربه الإدارة المدنية حول الأرض المحتلة، لتحول دون هذا الارتباط الذي أخذ في الازدياد، خاصة خلال تلك الفترة.

          أمّا الدروز، فكان دورهم يختلف عن موقف عرب إسرائيل اختلافاً جذرياً، ذلك أنّ الدروز الإسرائيليين لم يحركوا ساكناً إزاء ما يجري، من تشريد وتعذيب وقتل لدروز لبنان في جبل الشوف. وقد انحصرت اهتماماتهم في تحسين أوضاعهم داخل إسرائيل، وبينما يتمثل مطلبهم الرئيسي في إعفائهم من أداء الخدمة العسكرية الإجبارية، التي يخضعون لأدائها دون باقي العرب المقيمين في إسرائيل. وعلى ذلك فالدروز، الإسرائيليون مسـتعدون لتأييد أي حاكم يحسّن أوضاعهم، ويستطيع انتزاع مكاسب جديدة لهم، خاصة أنهم يتمتعون بحق التصويت في الكنيست الإسرائيلي، مما يجعل عقد صفقة بينهم وبين الحكومة أمراً مفيداً لكلا الطرفين.

          مما سبق ومن خلال رصد البناء الاجتماعي الإسرائيلي وتطوره، في ما يختص بعملية غزو لبنان، يتضح ما يلي:

  1. وجود قاعدة معارضة للحرب من العناصر الغربية، التي تدين سياسات الحكومة وتَصِمُها بالفاشية، لاعتمادها على الغوغائيين " Demagogic" من السفارديم. وهذه المعارضة، لا تأخذ دائماً أشكالاً إيجابية، وإنما قد تقتصر على الشعور بالإحباط، واللجوء إلى العزلة.
  2. ارتفاع أسهم العناصر الشرقية، بشكل لم يسبق له مثيل، منذ هجرتهم إثر إعلان قيام دولة إسرائيل، وازدياد قوتهم، ومن ثمّ، قدرتهم على التأثير في منظومة القِيم السياسية والاجتماعية، السائدة في المجتمع.
  3. ازدياد نشاط الحركات الثورية (الراديكالية) في أوساط عرب إسرائيل، مع أهمية الإشارة إلى تنوع اتجاهاتها ما بين اليسار والإسلاميين، وتدعيم علاقاتها بسكان الضفة الغربية.
  4. موقف الدروز، الذين يسعون إلى تحسين أوضاعهم، ويضعون مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية فوق كل اعتبار.

------------------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة