الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
بطاريات صواريخ أرض/جو
مواقع بطاريات الصواريخ
 
بيروت خلال حرب الجليل
عمليةالسلام من أجل الجليل
مراحل وتطور أعمال القتال
الحجم والأوضاع الإبتدائية
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

الفصــل الثاني
الخطوات الأخيرة، وتخطيط الحرب

خلفــية الأزمــة

         في عام 1979، أعلن عيزرا وايزمان Ezar Weizman ، وزير الدفاع الإسرائيلي، آنذاك، سياسة جديدة لإسرائيل في لبنان، أسماها "الهجوم الوقائي". فباتت إسرائيل لا تنتظر عملاً فلسطينياً، تبرر به هجماتها، بل أصبحت الحكـومة الإسرائيلية تؤكد حقها في شن الغارات، وقتما تشـاء. وفي بداية عـام 1981، قدمت الحكومة الإسرائيلية إحصـاءات، من شـأنها تأكيد أن سـياسة "الهجوم الوقائي" قد نجحت. واسـتناداً إلى هذه الإحصائيات، فإن 7, 7% فقط من جميع "الحوادث الإرهابية" في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، كان مصدرها لبنان، بينما انطلق 92% من هذه الحوادث، طبقاً للبيانات الإسرائيلية، من الضفة الغربية وقطاع غزة .

         ومع حلول ربيع 1981، كانت لهجة المسؤولين الإسرائيليين أكثر شراسة من قبل. فلقد أعلن يعقوب إيفن، الناطق باسم الجيش الإسرائيلي : "نحن الآن في طور الهجوم، إننا نتغلغل داخل الحدود المزعومة لدولة لبنان، ونطاردهم (أي الفلسطينيين) في كل مكان يختبئون فيه".

         وكان النقاش في ما يختص بالتحركات العسكرية الكبرى في لبنان، مدار بحث علني في الصحافة الإسرائيلية. كما كانت المناظرة في شأن رد فعل الولايات المتحدة الأمريكية المحتمل تجاه عملية الاجتياح، محل النقاش. ويقول زئيف شيف، المحلل العسكري لصحيفة هاآرتس : "كان للتدخل الإسرائيلي في لبنان هدفان: ليس إلحاق الضرر بالقوات السورية فحسب، بل القضاء على بنْية المنظمة التحتية في لبنان، خصوصاً في جميع المناطق الواقعة جنوبي بيروت. إن نجاح مثل هذه العملية قد يسدد ضربة قاتلة لمنظمة التحرير. وفوق هذا وذاك، فمن المرجح أن تتفهم إدارة ريجان سياسة إسرائيل في هذا المضمار. إن واشنطن تسعى إلى ردع أي حليف للسوفيت، فلماذا تعترض، إذاً، على إلحاق الضـرر بأكثر حلفاء موسكو أهمية، أي سورية والمنظمة؟". ويستطرد زئيف شيف قائلاً: "إن إدارة الرئيس ريجان لن تعترض على أي ضرر يلحق بدمشق والمنظمة. ولكنها ليست مهتمة، في الوقت الحاضر، بالتركيز على حرب، ليست مستعدة لها على الإطلاق. إن الأمريكيين لم يعززوا مكانتهم حتى الآن بما فيه الكفاية، للرد على مثل هذا التحدي، خصوصاً إذا قرر السوفيت، مثلاً، أن يمنحوا دمشق مساعدات هائلة، في حالة نشوب حرب. إن اندلاع الحرب من شـأنه أن يعرقل خطوات أمريكا نحو إنشاء حلف معادٍ للسوفيت في المنطقة. لذا، فمن الخطأ الاعتقاد أن إدارة ريجان، ستساند مثل هذه الخطوة الإسرائيلية في الوقت الحاضر" .

         ومن الواضح أن هناك تغيراً قد حدث في السياسة الأمريكية، بعد تولّي ألكسندر هيج الخارجية الأمريكية. ففي خلال زيارته إلى القدس، في أبريل عام 1981، وبعد اجتماعه مع رئيس الوزراء، بيجن، قال هيج للصحفيين : "إن الاجتماعيْن، اللذيْن عقدهما مع بيجن، أسفرا عن تطابق في وجهتي نظـر الجانبين، بالنسـبة إلى الخطر السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط. وإن هذا يشمل التهديدات العسكرية التقليدية، الصادرة عن دول عظـمى غير صديقة. ويشمل تقويم الأعمال التي يقوم بها الوكلاء، وعدداً من القضايا المهمة في شأن موضوع الإرهاب الدولي عامة".

         كما أعلن بيجن، في خطابه أمام الكنيست، عقب زيارة هيج إلى إسرائيل، أن هناك نقاط وفاق عديدة بين حكومة إسرائيل والإدارة الأمريكية، تتمثل في الآتي :

  1. الدولتان حليفـتان، وهناك آراء متفقة بينهما على الموقف تجاه المنظمات الإرهابية. وإن هناك معارضة شديدة لهذه المنظمات الدموية.
  2. موقفهما المتطابق من الدور السوري في لبنان، وأنّ سورية لم تعد قوة ردع لتثبيت السلام، ولا هي جيش يجلب الاستقرار .
  3. معارضتهما لتوسيع السوفيت نشاطهم في أجزاء عديدة من العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط.

         ويبدو أن نقاط الاتفاق هذه، كانت ضوءاً أخضر للعمليات الإسرائيلية في لبنان. فقد كتب ديفيد شيبلر، مراسل صحيفة نيويورك تايمز، في القدس، ما يلي : "يبدو أن التغيير الأساسي في موقف الولايات المتحدة الأمريكية من العمل العسكري الإسرائيلي في لبنـان، قد منح مرونة جديدة لجيش إسرائيل في الهجمات على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في الأراضي اللبنانية".

         تلك هي العلاقة بين أمريكا وإسرائيل حيال الأزمة اللبنانية، والتي سادت في الأسابيع التي سبقت القصف الإسرائيلي الكثيف لبيروت، في يوليه 1981. و كان رد الفعل الأمريكي، في جوهره، مسانداً تماماً لإسرائيل، في وجه موجة الغضب التي عمت الأوساط الدولية. كما أسهمت واشنطن في صياغة قرار وقف إطلاق النار، الذي ظل صامداً أحد عشر شهراً، حتى الاجتياح. كما فرضت حظراً مؤقتاً على بعض الشحنات العسكرية. ولم يبدُ قط أن حكومة بيجن انزعجت من هذا القرار، بل إن أحد المسؤولين الإسرائيليين بادر إلى القول: "نحن نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية، لا تبيعنا الطائرات للاستعمال في عرض عيد الاستقلال فقط. إنها تبيعها إلينا بسبب المصالح الإسـتراتيجية المشتركة بين بلدينـا. وفي اعتقادي، أن الطائرات سيتم تسليمها". في حين لم تنزعج حكومة إسرائيل قط للتأخر المؤقت في تسليم الطائرات الأمريكية. ولكنها كانت ساخطة على صفقة طائرات "الأواكس" للمملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها حكومة إسرائيل وأنصارها، من أجل إحباط هذه الصفقة، إلاّ أن الكونجرس صادق عليها. وأصبحت إسرائيل في غاية القلق، بسبب تطور العلاقات العسكرية الأمريكية بعدد من الأنظمة العربيـة، لأن هذه الدول أصبحت، طبقاً للزعم الإسرائيلي، أكثر قوة، من الناحية العسكرية، نتيجة لهذه الترتيبات.

         وبذلت الإدارة الأمريكية جهوداً حثيثة، لكن بلا جدوى، لطمأنة حكومة بيجن، وأنصارها في أمريكا، بالتنسيق مع اللجنة الأمريكية ـ الإسرائيلية للشؤون العامة. فزعمت أن "الأواكس"، لن تعزز موقف السعودية العسكري تجاه إسرائيل. وكان ينبغي لإسرائيل أن تجد في ذلك مصدراً للاطمئنان، غير أن بيجن لم يجد فيه أي اطمئنان، لأن مشروع الإدارة الأمريكية، كان يقتضي جهوداً واسعة النطاق، على مستوى "اللوبي"، بذلها السعوديون والشركات الأمريكية الكبرى، التي لها مصالح في هذه الصفقة، بما فيها تلك الشركات التي لها مصالح تجـارية في الشرق الأوسط، أو في صناعة الأسلحة . وعلى هذا، بقيت إسرائيل حليفاً قلقاً، تنتابه نوبات طارئة من جنـون الارتياب، خوفاً من أن تلجأ إدارة ريجان، في سعيها لكسب ود حلفائها العرب، إلى الضغط على إسرائيل، كي تعتدل في صراعها مع العرب.

         ولعل هذا الخوف هو أحد الأسباب، التي حدت بالمسؤولين الإسرائيليين على تركيز الاهتمام الجدي في تهيئة الرأي العام الأمريكي للاجتياح القادم. ففي فبراير 1982، أبلغ السفير الإسرائيلي الجديد لدى الولايات المتحدة الأمريكية، موشي أرينز Moshe Arens ، الصحافة بأن الاجتياح الإسرائيلي للبنان، هو "مجرد مسألة وقت" . وكانت الحجة التي تذرع بها، أن إسرائيل قد أصبحت "في مرمى مدافع المنظمة" من الشمال، وأنها تواجه احتمال فقدان "تفوّقها النوعي"العسكري"، لأن الولايات المتحدة تمدّ بعض الأنظمة العربية بأسلحة متطورة. ولذا، فقد تضطر إسرائيل إلى اللجوء إلى عمل عسكري وقائي.

         كما أمدّ رئيس الاستخبارات العسكرية في إسرائيل، يهو شواعي ساغي، الصحافة الإسرائيلية بقدر وافرٍ من المعلومات، التي يراد بها الإعلان أن منظمة التحرير الفلسطينية، تتلقى إمدادات كبيرة وجديدة من الأسلحة السوفيتية. وعلى الرغم من أن الخارجـية الأمريكية تلقت هذه المزاعم بحذر، وقللت من شـأنها، إلاّ أن وزير الخارجية، هيج، أعارها أذناً صاغـية، بل صرّح بأن الولايات المتحدة الأمريكية، تملك تقارير تفيد أن القوات الفلسطينية في الجنوب اللبناني، تتلقى صواريخ ومدفعية سوفيتية. وهذا تطور قد يعرض للخطر جهود الولايات المتحدة الأمريكية، الرامية إلى منع اندلاع قتال جديد في تلك المنطـقة المضطربة . وأوضح هيج أن الولايات المتحدة الأمريكية، تنظر باهتمام إلى "شـحنات الأسـلحة" هذه، وترى أنها تمثل "خـطراً محـتملاً" على وقف إطلاق النار.

         وخلال ربيع 1982، نشرت جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية العديد من التقارير الصريحة، التي أكدت احتمال حدوث اجتياح إسرائيلي كبير للبنان. وبينما كان احتمال شن إسرائيل عدواناً كبيراً، يلقى تغطية صحفية واسعة، في داخل إسرائيل وخارجها، لم يصدر عن الصحف الأمريكية، مثل "نيويورك تايمز" و"الواشنطن بوست" و"لوس أنجلوس تايمز"، أي احتجاج على هذا الاجتيـاح، الذي قُرعت له الطـبول. ولا نجد أي نداء لكي تعمل واشنطن على منـعه. بل كان هناك غياب بارز لأي تقارير صحفية في ما يتعلق بالحقيقة، العسكرية والسياسية، لأهداف هذا الاجتياح المحتملة. وقد نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، في شـهر فبراير 1982، ست فقرات، تصف شعور الناس في مدينة صور تجاه الاجتياح المرتقب، وكان ذلك الخبر فريداً من نوعه .

         وجاءت زيارة الجنرال شارون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في نوفمبر 1981، قبل الهجوم بفترة، من أجل تبرير نوايا إسرائيل وأهدافها، بعد الاجتياح. وقد حرص على الاجتماع بالصحفيين، وأكّد أن الاجتياح القادم، عمل مشروع للدفاع عن النفس، إزاء الخطر الأحمر في الشمال. وخص شارون مراسلي صحيفة "وول ستريت جورنال" ورؤساء تحريرها، بلقاء صحفي، استمر ساعتين ونصف الساعة، استخدم خلاله الخرائط والبيانات الإيضاحية، لشرح أوجُه الخطر السوفيتي. وأوضـح أن "الإرهاب الفلسطيني، كان ولا يزال من أهم الوسائل، التي يستخدمها السوفييت لخلق الظروف الملائمة لتوسيع نفوذهم في الشرق الأوسط" .

         وقد أثـمرت جهود شارون. إذ صدر مقال افتتاحي في صحيفة "وول ستريت جورنال"، قبل الاجتياح بثلاثة أيام، كاد يبلغ حد تشجيع إسرائيل علناً على القيام بالاجتياح. فبعد أن أعلمت الصحيفة قراءها، أن "للحلف القائم بين سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، شريكاً أكبر، وهو الاتحاد السوفيتي"، مضى المقال يقول : "إن المسـألة الأكثر إلحـاحاً في الشرق الأوسط الآن، هي الطريقة التي ينبغي أن يُعالج بها الموقف السوفيتي ـ السوري ـ الفلسطيني، المركز فـي لبنان، والخطر الذي يمثله بالنسبة إلى السلام. وفي السعي إلى حل هذه المعضـلة، من الملائـم أن يستمع صانعو السياسة الأمريكية والأوروبية، باهتمام أكبر، إلى آراء الإسرائيليين، الذين لهم بعض الخبرة بموضوع البقاء على قيد الحياة في الشرق الأوسط".



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة