الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
بطاريات صواريخ أرض/جو
مواقع بطاريات الصواريخ
 
بيروت خلال حرب الجليل
عمليةالسلام من أجل الجليل
مراحل وتطور أعمال القتال
الحجم والأوضاع الإبتدائية
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

الخطوات الأخيرة قُبَيْل الاجتياح

         وخلال الأشهر التي سبقت الاجتياح، كانت إدارة الرئيس الأمريكي ريجان، تعي تماماً الاندفاع الإسرائيلي نحو الهجوم. ولا يمكن تفسير حصيلة الأعمال التي قامت بها الإدارة، خلال تلك الفترة، إلاّ وصفها بأنها منحت إسرائيل موافقة إستراتيجية على الهجوم، بينما عمدت، من وقت إلى آخر، إلى كبح جماحها تكتيكياً.

         ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية، رفضت اتخاذ أي إجراء لكبح جماح إسرائيل. ففي فبراير 1982، وحين بدا كأن العملية العسكرية الكبرى توشك أن تبدأ، قدمت هيئة رؤساء الأركان المشتركة Joint Chiefs of Staff ، خطة طارئة إلى فريق طوارئ خاص بلبنان، يرأسه نائب وزير الخارجية، وولتر ستوسِلْ. وقد رفضت الخطة أن يكون لإسرائيل اهتمام "دفاعي مشروع"، يمتد إلى الأراضي اللبنانية، كما توقعت أن يؤدي العمل العسكري الإسرائيلي في لبنان إلى التعرض لسورية، مما قد يُشعل حرباً شاملة، تؤدي إلى خطوات معادية لأمريكا، تتخذها دول عربية غاضبة.

         وقد اقترحت تلك الخطة الطارئة تقديم مبادرة أمريكية ـ سوفيتية مشتركة تجاه لبنان. والأمر الأكثر غرابة، هو أن الخطة توحي بأن الولايات المتحدة الأمريكية، قـد تتورط في قتال جوي إلى جانب إسرائيل، في أثناء محاولتها تأمين غطاء جوي فوق لبنان "في جو معادٍ"، كجزء من محاولة لإجلاء الرعايا الأمريكيين عن ساحة القتال. والشيء المثير للاهتمام في هذه الخطـة، هو أنها "رُفضت رفضاً قاطعاً". وقـد أعلن بعض المسؤولين الأمريكيين ـ الخائفين من نتائج الاجتياح ـ لمجلة "ميدل إيست بوليسي سيرفي"، أن الخطة رفضت كلياً .

         واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية عدة خطوات، للتخفيف من الضرر، الذي قد يلحقه الاجتياح الإسرائيلي الوشيك بعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالدول العربية. كما سربت الإدارة إلى الصحافة بعض التقارير، التي تفيد أنها هددت، سراً، بالانتقام في حال حدوث اجتياح، وذلك من طريق تقليص تدفق المساعدات إلى إسرائيل . كما أنها سـربت أخباراً مفادها، أن الإدارة طلبت أن تبلَّغ مسبقاً بموعد الاجتياح .

         وخلال شهرَي فبراير ومارس، بدا كأنه قد برز تعارض داخل الحكومة الإسرائيلية، بين القوى المؤيدة لشارون، الذي كان يرغب في شن الهجوم العسكري الكبير على لبنان، قبل الموعد المحدد لانسحاب إسرائيل من الأجزاء الباقية من سيناء، في 25 أبريل 1982، وبين الذين كانوا، على ما يبدو، أكثر حذراً، مثل بيجن . وكان دافع شارون إلى شن الهجوم قبل 25 أبريل، هو إعاقة الانسحاب من سيناء. وكان من شأن مثل هذا الاجتياح، أن يشكل ضغطاً لا يُحتمل على مصـر، للرد بصورة معادية، وهذا ما كان يأمله المسؤولون الإسرائيليون، وتخشاه الإدارة الأمريكية، فيعطي إسرائيل الذريعة للبقاء في سـيناء. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية، بذلت الجهود من أجل تأجيل الاجتياح إلى ما بعد 25 أبريل، كـي تحافظ على مصالحها، في ضمان استمرار تنفيذ المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية.

         وفي الأسابيع التي سبقت زيارة الجنرال شارون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كانت الدلائل على الاستعدادات الإسرائيلية للهجوم، قد أصبحت أكثر وضوحاً وإثارة للقلق من أي وقت مضى. ففي 10 مايو 1982، أقرت الحكومة الإسرائيلية، رسمياً، العمل العسكري المنفرد في لبنان، وليس الانتقام فقط. وقد أوردت صحافة إسرائيل هذا النبأ . واعترف رئيس الأركان رفائيل إيتان، وللمرة الأولى، بأن الجيش الإسرائيلي قد وضع في حالة تأهب، وأن الجنود قد حشدواً على طول الحدود الشمالية. وكانت ملاحظاته، التي وردت في حديث صحافي، تنم على أن القتال أصبح وشيكاً. فقد استطرد قائلاً: "بما أنني قد صرفت مليارات من الدولارات لإنشاء نظام فريد في نوعه، فإنني قادر، بل مرغم على استخدامه" .

         وبعد أن أُحيطت الحكومة الأمريكية علماً بِنِية إسرائيل اجتياح لبنان، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية، سلسلة من الإجراءات، خلال وجود شارون في واشنطن، كان من شأنها أن تطمئنه إلى أن تدفّق العتاد سيزداد أكثر مما مضى. وقبل أن تحط طائرة شارون في واشنطن، أبلغت إدارة الرئيس ريجان الكونجرس الأمريكي، بصورة غير رسمية، أنها تنوي بيع إسرائيل 75 طائرة إضافية، من طراز " F-16" . وفي الوقت نفسه، تقريباً، صوتت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على جعل شروط المساعدة لإسرائيل، أكثر ملاءمة، حتى من تلك التي افترضتها الإدارة. ففي تعديل اقترحه السيناتور آلان كرانستون، زادت لجنة العلاقات الخارجية المساعدة الاقتصادية المقترحة بـ 125 مليون دولار، حتى أصبحت توازي مدفوعات إسرائيل المبرمجة لديونها للولايات المتحدة الأمريكية، والبالغة 910 ملايين دولار عام 1983. وقال السيناتور تشارلز بيرسي، معلقاً علي ذلك: "إنه من أغرب الاقتراحات، التي سمعتها في حياتي، إنه نقطة تحوُّل تاريخية ، فللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكـية، يجَعل هذا الاقتراح المجتمع الأمريكي مسؤولاً عن ديون إسرائيل كافة، وعن ديونها أيضاً في المستقبل" .

         وفي هذه الأجواء، ألقى وزير الخارجية الأمريكي، ألكسندر هيج، خطاباً، في 20 مايو 1982، أمام مجلس العلاقات الدولية الأمريكية، في شيكاغو (Chicago)، قال فيه: "إن تدهور الأوضاع في لبنان، خلال العام الماضي، تطلب جهوداً غير عادية، لتجنب الحرب. وفي أبريل 1981، نجح المبعوث الخاص، فيليب حبيب، في قمع المواجهة العسكرية في لبنان. ولكن، لا يمكن السيطرة على النزاع سيطرة دائمة، ما دامت المشكلات، التي هي في أساسه، مستمرة ولا يمكن العالم أن يقف جانباً، ليشاهد هذه الدولة الصغيرة، تتدهور أكثر فأكثر، إلى هاوية العنف والفوضى. لقد حان الوقت للنهوض بعمل منسق، يدعم سيادة لبنان على أراضيه، داخل حدوده المعترف بها دولياً، ويدعم حكومة مركزية قوية، قادرة على إنشاء مجتمع مفتوح، ديموقراطي وتعددي".

         وعَدّ شارون هذا الكلام كضوء أخضر لبدء حربه، التي كان قد تفاهم على خطوطها العريضة، مع ألكسندر هيج نفسه. وكان واضحاً، أن الانفجار بات وشيكاً، بعد أن تأخر مرات عدة، خلال النصف الأول من عام 1982؛ وأن إسرائيل تفتش عن أي ذريعة لتنفيذ هجومها.

         لا ريب أن هذه الكلمات أثلجت قلب شارون، وشجعت "الكتائب". فقد استقبلت النشرة، التي يصدرها ممثل القوات اللبنانية اليمينية في واشنطن، دعوة هيج إلى "الإجراء الجماعي" بسرور بالغ.

         ومما يؤكد عِلم الولايات المتحدة الأمريكية بتوقيت الهجوم الإسرائيلي، هو تحرك السفينة " U.S.S. Kennedy" من قاعدتها بالمحيط الهندي إلى الشاطئ اللبناني في أول يونيه 1982. وكذلك تحرك السفينة " U.S.S. Eisenhower" من قاعدتها في نابولي إلى جزيرة كريت. وهاتان السفينتان كُلفتا بمراقبة التحركات البحرية السوفيتية، خاصة في حالة تصاعد القتال في لبنان.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة