الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
بطاريات صواريخ أرض/جو
مواقع بطاريات الصواريخ
 
بيروت خلال حرب الجليل
عمليةالسلام من أجل الجليل
مراحل وتطور أعمال القتال
الحجم والأوضاع الإبتدائية
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

التعاون الإسرائيلي مع القوى اليمينية في لبنان، قبْل الغزو

         توجه شارون في زيارة سرية إلى بيروت، يومَي 12 ، 13 يناير 1982. وكان في صحبته مساعد وزير الدفاع، إبراهام تامير، وقائد قوات الكوماندوز، عاموس يارون، ومن رئاسة الأركان الجنرال يوري ساغي، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، يهو شواعي ساغي، إضافة إلى ممثلي الموساد وجهاز الأمن، والدكتور بوريسلاف جولدمان. أقلت الجميع طائرة عمودية، في رحلة ليلية، اتجهت شمالاً نحو جونيه.

         كان شارون غير مقتنع بالعمليات الوقائية والانتقامية، التي جرت من قَبْلُ في عهد وزير الدفاع السابق، عيزرا وايزمان، وكذلك ما فعله عام 1978، في "عملية الليطاني"، التي كان هدفها إبعاد الفلسطينيين عدة كيلومترات عن حدود إسرائيل. كما كان يرى أن إسحاق رابين، رئيس الوزراء السابق، هو المسؤول عن تعزيز سيطرة سورية على لبنان، واحتلالها العسكري له.

         وكان شارون يرى ضرورة انسحاب السوريين والفلسطينيين من لبنان. وقبل سفره، أكد لرئيس الوزراء بيجن، أنه سيعمل على إقناع بشير الجميل بالتعاون مع إسرائيل. وبذلك، يمكن تحقيق النصر للمسيحيين.

         وأُعدّ لهذا اللقاء بواسطة الموساد وبالتعاون مع "الكتائب"، من أجل اجتماع شارون وبشير الجميل. وكان شارون يرى أن الوقت قد حان، لإشراك مسيحيي شمالي لبنان، في عملية غزو إسرائيلية، تعالج الأوجه الثلاثة للمشكلة اللبنانية. وتعانق الجميل و شارون بحرارة، وتبادلا بعض الفكاهات .

         والواقع، أن قلّة من الأشخاص كانوا يعلمون أن ركائز حرب لبنان ستُرسَى في هذه الزيارة، تلك الحرب التي سميت، فيما بعد، عملية "سلام الجليل" . وكان الكتائبيون، وعلى رأسهم بيار الجميل وبشير الجميل ورئيس حزب "الوطنيين الأحرار"، الرئيس اللبناني الأسبق، كميل شمعون، يؤيدون التعاون بين "الكتائب" المارونية وجيش الدفاع الإسرائيلي، من أجل صد الأخطار المحدِقة بالسلام داخل لبنان، خاصة من جانب سورية ومنظمة التحرير. وفي هذا اللقاء، عرض شارون، بقناعة شديدة، العديد من أفكاره وخططه أمـام الحاضرين. وأكد أن إسرائيل تريد حل المشاكل، التي تواجهها، جنباً إلى جنب، مع المسيحيين اللبنانيين، على أن تكون الولايات المتحــدة الأمريكية مشاركة في هذا الحل، لأن ذلك من شأنه أن يلزم السوريين والفلسطينيين بالخروج من لبنان.

         وقال شارون، لبشير الجميل: "إن تطور الأوضاع في المنطـقة، إضافة إلى استمرار النشاط الإرهابي ضد إسرائيل، وضد المصالح الإسرائيلية في العالم، يشكل خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، المعقود منذ أشهر، تحت إشراف المندوب الأمريكي فيليب حبيب. وقد يؤدي هذا الخرق، في القريب العاجل، وربما مع بداية صيف عام 1982، إلى حالة تكون فيها إسرائيل مضطرة إلى تدمير البنية التحتية للمنظمات الإرهابية في لبنان" .

         وأكّد شارون في حديثه، أن هدف هذه الزيارة، هو تكثيف التعاون مع "الكتائب"، من أجل تحرير لبنان من أيدي السوريين والفلسـطينيين، وأن قَدَر الطرفين بات مشتركاً، وأصبحا إخوة في السلاح، وعليهما تنسيق مواقفهما وتحضير أنفسهما لكل الاحتمالات.

         وكرّر شارون وعد بيجن، بقوله: "لن ندع السوريين يقضون على المسيحيين في لبنان"، وأضاف قائلاً: "عليكم أن تنفذوا وحدكم بعض العمليات، ومن دون مشاركتنا المباشرة. ومن جانبنا، سنقدم إليكم العون المادي، وسندرب قواتكم. كما سنقدم إليكم مساعدتنا في مجالات أخرى".

         وردّ بشير الجميل، أنه يرى أن من أَولى الأمور، تحرير سكان شمال جونيه، وعددهم نصف مليون نسمة، من السوريين وأصدقائهم، وأن تحرير هذه المنطقة سيُرسي أسُس لبنان مسيحي. وكما تعلمون، إن من يسيطر على جبل لبنان، يستطيع أن يفرض سلطانه على البلاد كلها. وأكدّ الجميل أنه في حالة قيام قواته بالهجوم على بيروت، كما اقترح شارون، فإن السوريين يمكن أن يردوا في منطقة بيروت، وأن قواته ليست كافية لمواجهة السوريين. وبما أن الإسرائيليين سيكونون منشغلين بالقتال ضد الإرهابيين ، فإن منطقة جونيه، تُصبح لقمة سائغة للسوريين، ويجب أن تتنبهوا ـ موجهاً حديثه إلى شارون ـ إلى أن دخول عناصرنا إلى بيروت، سيجبركم على الالتقاء بنا للدفاع عن وحدة الأراضي المسيحية في شمالي لبنان.

         وبعد انتهاء الاجتماع الموسع، بين شارون وقيادته وبشير الجميل وقيادته ، قاد بشير المجموعة الإسرائيلية إلى بيروت، لكي يوضح لها، على الطبيعة، أوضاع الجانبين المتصارعين في بيروت، والخط الفاصل بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية. كما زار الإسرائيليون مراكز المراقبة، حيث يطل المرء على المدينة وخط التماس ومواقع القوات. وأخذ شارون يتأمل المدينة بواسطة جهاز مراقـبة، وكان تفكيره يتركز في التكتيك الواجب اتباعه عند الهجوم الإسرائيلي على بيروت. وقرر شارون أن الوقت قد حان للتدخل من أجل تغيير الواقع اللبناني، وإيجاد نظام جديد في البلاد. وأكّد شارون للجميل: "أنه عندما يحين الوقت، لن نتوقف لا عند الليطاني، ولا عند الزهراني، بل سنواصل تقدمنا شمالاً على طول الخط الساحلي حتى مشارف بيروت. وبذلك، سيصبح لديكم الفرصة التاريخية لاستعادة المدينة. وقد علمتني هذه الزيارة، أنه من أجل السيطرة على بيروت، يكفي الاستيلاء على منطقة القصر الجمهوري ووزارة الدفاع، المسيطرة على طريق بيروت - دمشق. وطبقاً لرأيي، لن تكون أمامكم أي صعوبة للاستيلاء على هذه المنطقة، وقطع محور بيروت ـ دمشق، منذ بداية المعارك. وستكون بيروت، عندها، مطوقة. وستتمكنون من إفراغ المدينة من المخربين وأعوانهم". ووافق بشير الجميل على مقترحات أرييل شارون.

         وبعد الانتهاء من زيارة مواقع بيروت، توجه الإسرائيليون إلى منطقة جبل صنين الإستراتيجية، والتي بالسيطرة عليها، يمكن السيطرة على بيروت، ثم زحلة وشتوره. وقال بشير لشارون، وهو يشير إلى محور "ضهر البيدر": "هذه هي المنطقة الحيوية، التي تسيطر على طريق بـيروت ـ دمشـق. فلو بلغتم هذه المنطقة، تَوَجّبَ عليكم الاستمرار في عمليتكم للاستيلاء على زحلة وشتوره. وبذلك يمكن تحقيق سيطرة مسيحية موحدة على معظم الأراضي اللبنانية".

         وأثناء اللقاء بين شارون وبشير الجميل، في حي الأشرفية ببيروت الشرقية، في حضور بيار الجميل وكميل شمعون، توجه بيار الجميل بالشكر إلى الإسرائيليين، لجهودهم من أجل مساعدة مسيحيي لبنان . وأكد الجمـيل أن الحرب الأهلية هي السبب الرئيسي لكارثة لبنان الحالية، وأن مصير المسيحيين ومستقبلهم مرتبطان بالتعاون مع إسرائيل. وأكد بيار الجميل أن سورية هي مصدر الخطر الأعظم. وأنه في إمكان لبنان، تحت حكم المارونـيين، أن يشكل جسراً بين إسرائيل والبلاد العربية. أما كميل شمعون، الرئيس اللبناني الأسبق، فقد أشاد بالروابط بين إسرائيل ولبنان، والتي توثقت منذ بدء الحرب الأهلية، وامتدح مناحم بيجن، واصفاً إياه بأنه: "رجل ثقة".

         أمّا شارون، فقد أفهم مضيفيه بشكل واضح، أن المسيحيين سيحصلون، قريباً جداً، على الوسائل الكفيلة بتغيير الأوضاع ، وسيتمكنون من تشكيل حكومة انتقالية، إلى أن يصبح في الإمكان تنظيم انتخابات حرة. وخلال هذه الفترة الانتقالية، يمكن أن يشغل بشير الجميل منصباً مهماً.

         شعر الإسرائيليون، بعد هذا اللقاء ، أنهم توصلوا أخيراً إلى إيجاد طرف، يمكن الاعتماد عليه ، وأن المسيحيين سيدخلون حلبة الصراع، بالتفاهم مع إسرائيل. وفي الليلة نفسها، اتصل شارون بأحد المسؤولين الإسرائيليين، وقال له: "وضعت حداً للعبة القط والفأر مع المسيحيين. نسـتطيع الآن أن نمضي قُدُماً. لقد استطعت أن أُقيد أرجلهم ومعاصمهم".



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة