الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
بطاريات صواريخ أرض/جو
مواقع بطاريات الصواريخ
 
بيروت خلال حرب الجليل
عمليةالسلام من أجل الجليل
مراحل وتطور أعمال القتال
الحجم والأوضاع الإبتدائية
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

رابعاً: المرحلة الثالثة، تشديد الحصار حول بيروت (14 يونيه ـ 31 يوليه)

          تُعدّ هذه المرحلة أطول مراحل القتال، إذ استمرت نحو شهر ونصف الشهر، شدّدت إسرائيل خلالها الحصار حول بيروت من أجل تحقيق مكاسب سياسية. وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار، إلاّ أن هذه المرحلة شهدت نماذج متعددة من القتال. وعلى الساحة السياسية، بدأ الحديث يدور حول خروج المنظمات الفلسطينية من لبنان، كما استمرت الجهود السياسية من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة. وفي الوقت نفسه، كانت إسرائيل تخطط لمرحلة جديدة للقتال، تقتحم خلالها العاصمة اللبنانية، من أجل تحقيق المكاسب السياسية التي خططت لها.

أعمال القتال، يوم 14 يونيه

الموقف العسكري

          وسّعت إسرائيل نطاق احتلالها لمشارف بيروت، في محاولة لعزل العاصمة عن الضواحي والجبل. وتقدمت قواتها حتى وصلت، في منتصف الليل، إلى "عين سعادة" في الجزء الشمالي، وفي اتجاه المنطقة الشرقية، من بيروت. كما تحركت بعض القوات الإسرائيلية المتمركزة في بعبدا، في ثلاثة اتجاهات، لاستكمال إحكام الطوق حول بيروت، وتم تمركزها دون مقاومة.

  1. المجموعة الأولى: تقدمت إلى ضهور الشويفات ومفترق عرمون، وقطعت جسراً يصل مفترق عرمون بمفترق بشامون. وعززت قواتها على طريق المعروفية ـ بسابا.
  1. المجموعة الثانية: عبرت طريق الشام، وتحركت من الحازمية إلى الفياضية واليزرة. وأقامت مراكز ثابتة لها في أماكن عدة، منها مركز قبالة ثكنة الجيش اللبناني في الفياضية، وآخر قرب منزل قائد الجيش اللبناني، العماد فيكتور خوري.
  1. المجموعة الثالثة: سلكت طريق الحازمية ـ جسر الباشا، وتوجهت إلى المكلِّس فمنصورية المتن. ثم تمركزت على الطريق، الذي يربط المتن الشمالي بالمتن الأعلى.

كما دفعت القيادة الإسرائيلية لواءً مدرعاً لتعزيز منطقة بعبدا، حيث تمركز أمام المبنى الجديد لوزارة الخارجية اللبنانية، قبالة القصر الجمهوري اللبناني.

وفي الجنوب اللبناني، واصلت القوات الإسرائيلية محاصرتها مخيم عين الحلوة. كما بدأ الجيش الإسرائيلي حملة مطاردة للفلسطينيين في المناطق التي احتلها بالجنوب، واحتجز نحو 12 ألف لبناني وفلسطيني، كانوا قد لجأوا إلى مركز الصليب الأحمر الدولي. ثم أُخلي سبيل اللبنانيين، واحتفظ بالفلسطينيين الذي نُقلوا إلى مركزين، في منطقة جنوب صور.

وعن الخسائر الإسرائيلية، صرح رئيس الأركان الإسرائيلي، بأن خسائر الجيش الإسرائيلي، في معارك لبنان، حتى ذلك اليوم، بلغت 170 قتيلاً و700 جريح.

الموقف السياسي، اللبناني والعربي

الموقف اللبناني

          شهد الوضع السياسي حدثين: الأول، إعلان إنشاء هيئة الإنقاذ الوطني، برئاسة رئيس الجمهورية، إلياس سركيس، لتعاونه على مواجهة الظروف الحاضرة. والآخر، وصول السفير فيليب حبيب، المبعوث الشخصي للرئيس الأمريكي، إلى بيروت، آتياً من دمشق، وبدء محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين.

الموقف العربي

          ذكرت وكالة "وفا" الفلسطينية ، أن ياسر عرفات تلقى برقية من الملك فهد، رداً على برقية بعث بها القائد الفلسطيني إلى العاهل السعودي. وجاء في برقية الملك فهد: "علمنا مما أوضحتموه استمرار العدو في عملياته العسكرية الصهيونية على بيروت وضواحيها ومطارها، ومخيمات الإخوة الفلسطينيين. وكما سبق أن أخبرناكم وأكدنا لكم، أننا معكم بكل قلوبنا وجوارحنا، وإننا مستمرون في بذل الجهد الدائم والحثيث، على كل الأصعدة والمجالات العربية والدولية. ولن نتوانى عن القيام بكل ما نستطيع، في سبيل العمل على إرغام هؤلاء الصهاينة الغادرين على سحب قواتهم إلى الحدود الدولية".

أعمال القتال، يوم 15 يونيه

الموقف العسكري

          واصل الإسرائيليون تقدمهم في ضواحي بيروت وعلى مشارفها. واحتلوا بيت مري، في المتن الشمالي، ودير القلعة. كما عززوا مواقعهم على طريق الجسر، الذي يربط المتنَين، الشمالي والأعلى.

          وفي بعبدا، انتشرت القوات الإسرائيلية في البلدة، وفي "الحدث" والحازمية. واقتحمت القوات الإسرائيلية، ليلاً، بلدة الشويفات، وقامت بقصف صحراء الشويفات، امتداداً من خلدة حتى محيط المطار.

          وفي المقابل، قطعت القوات الإسرائيلية طريق بيروت ـ دمشق الدولي، في محلة الجمـهور، إضافة إلى عدة طرق في قرى قضاء عاليه. ووجّه الإسرائيليون رسالة، طالبوا فيها القوات السورية، المنتشرة في بيروت والضواحي، بإخلاء مواقعها، فرفضت القوات السورية ذلك الطلب، مؤكدة استمرار وجودها دفاعاً عن الأراضي اللبنانية والشعب اللبناني.

          (أذاع راديو دمشق بياناً رسمياً أعلن فيه: أن قوات الردع السورية تلقت إنذارا من قوات الغزو الإسرائيلية، بإجلاء مدينة بيروت وما جاورها، من القوات السورية، التي يبلغ عددها 1000 جندي. وإن السلطات السورية رفضت هذا الإنذار، وأبلغت العميد سامي الخطيب، قائد هذه القوة، أنها موجودة هناك بطلب من السلطة الشرعية في لبنان) .

          كما تجدد القتال بين القوات السورية (قوة الردع) والقوات المشتركة، من جهة، والقوات الإسرائيلية، من جهة أخرى، على محور خلدة ـ صحراء الشويفات. واستخدم فيه نيران الدبابات والمدفعية.

          وفي صيدا، تمكنت القوات المشتركة من صدّ هجوم إسرائيلي على مخيم عين الحلوة. ومن ثم، قصفت القوات الإسرائيلية المنطقة، من البر والبحر والجو، من دون أن تتمكن من اقتحام المخيم.

          وأصبح من الواضح، أن القوات الإسرائيلية ماضية في توسيع رقعة احتلالها وتصعيد الموقف. فقد بدأت بتعزيز مواقعها شرق وشمال شرق بيروت، على نحو يمكنها من تحقيق السيطرة على المخيمات الفلسطينية من الخلف، واستمرار مهاجمتها من الجنوب، مع تطويق المواقع السورية المدافعة على طـريق دمشـق، فضلاً عن الاقتراب من مرتفعات صنين، بما يسمح لها بالسيطرة على البقاع. كما وضح من الإجراءات الإسرائيلية، أن الإسرائيليين ينوون البقاء لفترة طويلة، إذ حولوا منطقة الشوف إلى مركز تجمع عسكري كبير، يضم مستودعات ومستشفيات وأراضٍ لهبوط الطائرات العمودية.

الموقف السياسي

          وترافقت التطورات العسكرية مع تحرك سياسي، واهتمام دولي بمعالجة الوضع الخطير، تمثلا في المفاوضات، التي أجراها المبعوث الأمريكي إلى منطقة الشرق الأوسط، السفير فيليب حبيب، والمبعوث الفرنسي، السيد فرنسيس جوتمان، الأمين العام لوزارة العلاقات الخارجية الفرنسية، الذي اجتمع مع الرئيس إلياس سركيس، إضافة إلى اجتماعات هيئة الإنقاذ الوطني، التي شُكلت لمعاونة رئيس الجمهورية على مواجهة ظروف الحرب.

وفي العواصم الأوروبية والعربية، بدأ العالم يدين الأعمال الوحشية الإسرائيلية، ورأى فيها انتهاكاً فاضحاً لحق الشعوب .

أعمال القتال، أيام 16، 17، 18 يونيه

الموقف العسكري

          اقتصرت العمليات العسكرية في الضاحية الجنوبية لبيروت، على عدة اشتباكات، وقعت بين القوات السـورية، العاملة في قوات الردع، والقـوات المشـتركة، من جهة، والقوات الإسـرائيلية، من جهة أخرى. أما في الجنوب فقد ركزت القوات المشتركة نشاطها في بعض العمليات خلف الخطوط، ضد المواقع الإسرائيلية في صور وصيدا.

          وفي غضون مآسي الحرب، كان انقطاع الماء والكهرباء عن بيروت عاملاً من عوامل إرهاق الشعب اللبناني الصامد. وقد عانى المواطنون في بيروت المحاصرة أشد العناء من هذا السلاح، الذي استعمل ضدهم بقسوة. كما قصفت القوات الإسرائيلية الضاحية الجنوبية في بيروت، موقعة العديد من الإصابات في برج البراجنة وحي السلّم، فضلاً عن إحراق عدة طائرات لبنانية مدنية على أرض المطار.

          وواقع الأمر، أن وقف إطلاق النار، الذي وافقت عليه إسرائيل، بناء على طلب المبعوث الأمريكي، فيليب حبيب، لم يستمر، إذ استأنفت المدفعية الإسرائيلية قصف الضاحية الجنوبية، على طول المحور الممتد من الأوزاعي إلى مطار بيروت، ومخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا وصحراء الشويفات.

          وفي 16 يونيه 1982، انضمت، وبصفة رسمية وعلنية، ميليشيات حزب "الكتائب" اليميني اللبناني، إلى قوات الغزو الإسرائيلي في المعارك الدائرة ضد معاقل المقاومة الفلسطينية المحاصرة داخل القطاع الغربي من بيروت. وقالت وكالات الأنباء: "إن قوات الغزو والقوات المناوئة استولت على المعقل الفلسطيني في "كلية العلوم" بضاحية كفار شيما جنوب شرقي بيروت. وذكر ضابط كتائبي أن ميليشياته تلقت أمراً بمهاجمة المواقع الفلسطينية، في الوقت نفسه، الذي وجه فيه بشير الجميل، قائد الميليشيات "الكتائبية" نداءً لإنقاذ بيروت، من التعرض للمصير الذي تعرضت له صيدا وصور". وذكرت الأنباء أن مدفعية الكتائب ظلت تقصف "كلية العلوم" لمدة ساعتين قبل أن تقتحمها قوات الغزو. وأن سقوط "كلية العلوم" يجعل المدرعات الإسرائيلية على المداخل الجنوبية لمخيم اللاجئين في برج البراجنة، وعلى حافة ممر الإقلاع الرئيسي في مطار بيروت.

وعن الخسائر الإسرائيلية، حتى 17 يونيه 1982، ذكر رئيس شعبة الطاقة البشرية في الجيش الإسرائيلي، اللواء موشيه ناتينف، أن خسائر الجيش الإسرائيلي، في معارك لبنان، بلغت 214 قتيلاً و1114 جريحاً. وأن لدى الجيش الإسرائيلي 149 أسيراً سورياً ونحو 5 آلاف مخرب.

التمديد للقوات الدولية في لبنان

دُعي مجلس الأمن إلى الانعقاد، للنظر في التمديد للقوات الدولية، في 15 يونيه 1982، وهو الموعد الأقصى لانتهاء ولايتها. واقترحت الولايات المتحدة الأمريكية، أن يكون التمديد لفترة ثلاثة أشهر. واتفق الجانبان اللبناني والأمريكي، على مشروع قرار، يؤكد القرارَين 508 و509. أمّا الاتحاد السوفيتي، فكان يوافق على التمديد المؤقت.(الملحقان الرقم 22، 23).

الموقف السياسي

موقف المملكة العربية السعودية

رأى صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على إرغام إسرائيل على الانسحاب من لبنان، إذا قطعت عنها المساعدات العسكرية.  وقال: "إن ربط الانسحاب الإسرائيلي بسحب جميع القوات غير اللبنانية من لبنان، أمرٌ متروك للحكومة اللبنانية، على أساس أنها صاحبة القرار. وليس من حق إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكية أو أي دولة أخرى، أن تشترط هذا على لبنان". وحذر من أنه إذا امتنعت إسرائيل عن الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية، فسنضطر إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة، لإجبارها على ذلك، معرباً عن أمله أن تمارس الولايات المتحدة الأمريكية قوة إقناعها، لإجبار إسرائيل على الانسحاب.

          وعن الموقف الذي يمكن أن تتخذه بلاده لمعالجة الموقف، قال سموّه: "إن السعودية تترقب ما يمكن أن يحققه العمل الدبلوماسي الدولي على هذا الصعيد، وأنها تواصل اتصالاتها مع الحكومة اللبنانية، للبحث في العمل العربي الجماعي، الذي يمكن القيام به في مواجهة الغزو الإسرائيلي، والموقف المتفاقم في لبنان". وحذّر من أن عدم التدخل الأمريكي، لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، سيؤثر سلباً، بشكل أو بآخر، في العلاقات بين الرياض وواشنطن.

          كما صدر عن الديوان الملكي في الطائف بيان مهم، وزعت نصه وكالة الأنباء السعودية الرسمية، جاء فيه: "بناء على ما صدر على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، من تهديدات مستمرة باجتياح عاصمة لبنان الشقيق ، تحذر المملكة العربية السعودية من إقدام إسرائيل على هذه الخطوة، وتعلن أن اجتياح عاصمة دولة عربية مستقلة، ذات سيادة وكيان، سيبطل كل الجهود السياسية والمساعي العربية، المبذولة على كل ساحات العمل، السياسي والعسكري والاقتصادي، ..الخ، بما فيها ميدان المعركة نفسه. وسيضع الأمة العربية أمام مسؤولياتها التاريخية، وهي ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن أراضيها ومقدساتها، بكل الطاقات والإمكانات. وإن المملكة ستكون أول من يلبي نداء الواجب".

موقف إسرائيل

          وعن العاصمة اللبنانية المحاصرة، يقول زئيف شيف، المحرر العسكري الإسرائيلي لجريدة هاآرتس :

"يعتقد الكثيرون منّا أن الذي يحدث الآن في بيروت الغربية، سيؤدي إلى إحراج رجال المنظمات وقياداتهم. ويبدو أن هذا الاعتـقاد خاطـئ، لأن رجال المنظمات، في استطاعتهم الصمود طويلاً، ولأشهر عديدة. وفي ظل الظروف الحالية، فإن ما تعانيـه إسرائيل، سياسياً وإعلامياً، يفوق النتائج السلبية العسكرية التي يُعاني منها رجال المنظمات. إن الحصار، الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على بيروت، هو حصار جزئي، يسبب عدم ارتياح السكان. ولكن لا يمكن عدّه حصاراً جدياً، من الناحية العسكرية.

          فرجال المنظمة، يمتلكون مخازن ضخمة للأسلحة، ومواقع تحت الأرض. كما يوجد لديهم مخزون من المواد الغذائية، تكفي ستة أشهر. وفي ظل الاعتبارات العسكرية، والحصار الحالي، يستطيع رجال المنظمات والسكان، العيش في بيروت المحاصرة لفترة طويلة، وغير محددة. كما يعلم رجال المنظمات الوضع الغريب، الذي وضعت إسرائيل نفسها فيه، فهم يسمعون عن التحذيرات الأمريكية لإسرائيل، بضرورة عدم الدخول إلى بيروت الغربيـة، وأن واشنطن لا تسمح بفرض حصار تامٍ على المدينة.

          إن أهداف رجال المنظمات، الآن، تكمن في الصمود. وهذا سيفسح أمامهم المجال لإدارة مفاوضات ناجحة، يستطيعون خلالها، على الأقل، تحقيق جزء من مطالبهم.

          ويُعد هذا الموقف ورطة، وجدت إسرائيل نفسها فيها. فمن ناحية، هو حصار جزئي، وغير حاسم، من الناحية العسكرية. ومن ناحية ثانية، نحن ندفع ثمناً غالياً مقابل كل الأعمال العسكرية، التي نقوم بها. فكل العالم أصبح ينظر بازدراء إلى إسرائيل وآلتها العسكرية، التي تُدمر عاصمة دولة مجاورة على رؤوس سكانها، لا لشيء، إلا لوجود عدة آلاف من رجال المنظمات فيها. فواقع الأمر أن بيروت أصبحت فخّاً لإسرائيل. وحتى من الناحية المنطقية، لا يوجد حدود للأعمال العسكرية، التي تقوم بها. وسيجيء الحل السياسي، الذي يختلف تماماً عما تعرضه إسرائيل الآن".

          وهكذا أصبح الموقف أمام إسرائيل، بعد أن وضعت نفسها في ورطة، لا تستطيع الخروج منها، وأصبحت بيروت تشكل فخّاً للقوات الإسرائيلية.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة