أعمال القتال، خلال الفترة من 19 إلى 22 يونيه
الموقف العسكري
تجددت الاشتباكات، خلال تلك الفترة، في الجزء الجنوبي الغربي من بيروت. كما نفذت إسرائيل عملية إبرار جوي بالطائرات العمودية ـ بقوة غير معلومة الحجم ـ على قمة جبل ظهر القضيب بالقرب من بلدة الأرز، شمال شرق بيروت، بالقرب من الطريق الذي يربط بين طرابلس، عاصمة شمال لبنان، بسهل البقاع شرقي لبنان. وبهذا العمل تتضح النية الإسرائيلية في مواصلة الزحف صوب الشمال من طريق محور جبل لبنـان. وبذلك يمكن إسرائيل تهديد مدينة طرابلس، التي تعَدّ المنفذ إلى الشمال وإلى سورية، مع إمكان تهديد الخطوط الخلفية للقوات السورية في سهل البقاع.
ووجّه الجنرال أمير دوري، قائد المنطقة الشـمالية في إسرائيل، تحذيراً إلى سورية، من إذاعة القوات المسلحة الإسرائيلية، قال فيـه : "إنه إذا لم تعِ سورية الدرس، الذي تلقته في المعارك السـابقة، فسنكون مضطرين إلى القيام بعمل واسع النطاق".
ومن ناحية أخرى، عززت القوات الإسرائيلية، خلال تلك الفترة، مواقعها في منطقة الشوف، ومنطقة خلدة، والمطـار. كما قصفت ضواحي العاصمة اللبنانية قصفاً مدفعياً مكثفاً، شمل مختلف ضواحي بيروت الغربية. فقصفت البحرية الإسرائيلية الجزء الساحلي من بيروت الغربية، وكذلك المشارف الجنوبية للعاصمة. فضلاً عن أن وحدات مدرعة إسرائيلية حاولت التقدم نحو بلدتَي بحمدون والمنصورية في الجبال القريبة من شرق بيروت، حيث تقدمت على ثلاث محاور في منطقة عاليه، وذلك بهدف احتلال المنصورية وتطويق منطقة عاليه، ومحاصرة القوات السورية فيها، وقطع طريق بيروت ـ دمشق. وتمكنت تلك القوات، وسط تغطية من نيران المدفعية الكثيفة، من احتلال بلدة منصورية بحمدون، كما نشب قتال بالدبابات بين الإسرائيليين والقوات السورية، تدخلت فيه الطائرات الإسرائيلية، التي قصفت ضهور عاليه، وتلال سوق الغرب، وبحمدون، والعبادية، والجمهور. وردت القوات السورية بقصف مواقع الإسرائيليين في بعض قرى قضاءَي عاليه والشوف. كذلك تزايدت حدة الاشتباكات بين سورية وإسرائيل، بهدف السيطرة على طريق بيروت ـ دمشق الدولي. وبعد قصف مركز من الطيران والمدفعية الإسرائيليين، استطاعت القوات الإسرائيلية أن تحتل مراكز مهمة في عاليه، وبحمدون، على مسافة 16 كم من بيروت .
التمديد للقوات الدولية
في 19 يونيه 1982، أصدر مجلس الأمن الدولي، بالإجماع، القرار الرقم (512)، الذي يمدد للقوات الدولية، ويؤكد استمرار منظمة الأمم المتحدة، والوكالات المتفرع منها، بالاضطلاع بمهامها الإنسانية. كذلك، أكد القرار، في مقدمته، القرارَين (508) و(509).
الموقف السياسي، العربي والأمريكي
الموقف العربي
عقدت المجموعة العربية في الأمم المتحدة، اجتماعاً، بعد ظهر يوم 21 يونيه 1982، بناءً على طلب منظمة التحرير الفلسطينية، من أجل طلب استئناف الدورة الطارئة السابقة، الخاصة بقضية فلسطين. ولكن بعض الدول العربية، اعترضت على مقترح المنظمة؛ إذ رأت أن لا فائدة كبرى من هذه الدورة. وتقرر، في نهاية الجلسة، تأجيل بت هذا الموضوع.(الملحقان الرقم 25، 26).
موقف المملكة العربية السعودية: صرح الدكتور محمد عبده يماني، وزير الإعلام السعودي ، "أن أي هجوم إسرائيلي على بيروت، يُعَدّ مؤامرة أكبر مما يمكن أن تصوره إسرائيل، لأنها تهدف إلى إبادة شعب، هو الشعب الفلسطيني، وانتهاك حقوق الشعب اللبناني واستقراره وأمنه". وقال: "إن الرياض أبلغت البلدان العربية بضرورة العمل المشترك، في إطار جامعة الدول العربية"، معتبراً أن الخلافات العربية، أيّاً كانت، هي عابرة، وأن الأمة العربية قادرة على توحيد صفوفها في مواجهة العدوان الإسرائيلي". وكان الديوان الملكي السعودي، قد أعلن أن الملك فهداً، أمر بصرف 20 مليون ريـال، من أجل إعانة المواطنين، اللبنانيين والفلسطينيين.
موقف مصر: انتقد الرئيس محمد حسني مبارك الموقف الأمريكي في لبنان. ورحب بتشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة في المنفى في القاهرة ـ وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها مبارك عن مثل هذه الحكومة ـ وحذّر الرئيس المصري من لُعبة، تقضي بنقل الفلسطينيين إلى الأردن.
موقف الكويت: أعلنت الحكومة أنها وضعت مبلغ مليون دولار تحت تصرف مركز الغوث، في لندن، المكلف بإرسال المساعدات الطبية والغذائية إلى لبنان، بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي.
موقف لبنان: في برقية إلى سفير لبنان إلى الأمم المتحدة، في 21 يونيه 1982، أكد وزير الخارجية اللبناني، على أهمية:
- تنفيذ قرارَي مجلس الأمن (508) و(509)، مع الإشارة إلى أن لبنان لا يزال يَعُدّ اتفاق الهدنة، هو الذي يرعى الوضع بينه وبين إسرائيل؛ وأن وقف إطلاق النار، ما هو إلا جزء من أحكام الهدنة.
- السعي إلى إنقاذ مدينة بيروت من الدمار والاحتلال.
- إعادة السيادة اللبنانية على كافة أراضي لبنان.
موقف الولايات المتحدة الأمريكية
انتقد وزير الدفاع الأمريكي، واينبرجر، الغزو الإسرائيلي للبنان. وأعلن أن هدف الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الحالي، هو انسحاب كل القوات الأجنبية من لبنان، وتعزيز قدرات الحكومة اللبنانية، لتكون حكومة قوية ومستقرة. وادعى ألاّ سيطرة لواشنطن على أعمال إسرائيل، بل لم تكن على علم بها.
أعمال القتال، خلال الفترة من 23 إلى 25 يونيه
الموقف العسكري
على الرغم من وقف إطلاق النار، إلا أن تلك الفترة شهدت نماذج متعددة من القتال:
- ففـي محور الجبل، تجدد القتال بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية، واستخدم الجانبين نيران الدبابات والمدفعية. كما شمل القتال بين الجانبين محاور عاليه ومنصورية بحمدون في اتجـاه حمدون ـ الضيعة. وكذلك منطقة البقاع، شرقي بحيرة القرعون. كما استمرت القوات الإسرائيلية في تدعيم قواتها في الجبل ومنطقة الدامور، وعلى امتداد الطريق الساحلي من الجيَّة حتى خلدة، وأعلن ناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، أنه خلال المعارك التي دارت بين قواته والقوات السورية، سقط له ثلاثة قتلى وثمانية وأربعون جريحاً.
- وفي منطقة بحمدون، تمكنت القوات الإسرائيلية من الاستيلاء على جزء من طريق بيروت ـ دمشق عند بلدة بحمدون، الواقعة على مسافة 16 ميلاً شرق بيروت، بعد قصف مدفعي وجوي للمواقع السورية والفلسطينية. ووقعـت معركة جوية بين السوريين والإسرائيليين، أُسقطت خلالها طائرتان سوريتان، من طراز (ميج). وخلال هذه المعركة، تمكنت القوات السورية والفلسطينية من تدمير 17 دبابة إسرائيلية وحاملة جند، وقُتل وجُرح 85 جندياً إسرائيلياً، طبقاً لِمَا أذاعته المصادر الفلسطينية، في 24 يونيه 1982. أما المصادر الإسرائيلية، فقد أعلنت أنخسائرها، بلغت 28 قتيلاً و160 جريحاً
. كما أنها دمرت بطاريتَي صواريخ مضادّة للطائرات، من نوع (S.I 6) ، كان السوريون قد دفعوا بها إلى جبهة القتال.
- وفي بيروت، تعرض الجزء الغربي من بيروت لقصف مركز بالطائرات والزوارق البحرية، مما ألحق به دماراً هائلاً، وأدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى من المدنيين. كما هاجم الطيران الإسرائيلي الضواحي المحيطة ببيروت، والقرى شرقيها.
- وفي إسرائيل، ذكـرت الإذاعة الإسرائيلية
، أن قوات ميليشيات "الكتائب" استولت على بلدة "الجمهور"، على بعد خمسة كيلومترات شـرق بيروت. وأن القوات السـورية انسحبت من منطقة عاليه، بعد الخسائر التي مُنيت بها، مما يتيح للقوات الإسرائيلية السيطرة، بلا منازع، على الطريق الدولي بين دمشق وبيروت. وأوضحت إذاعة إسرائيل، أن سيطرة قوات "الكتائب" على "الجمـهور"، يُعدّ نقطة تحول في المعارك، لأنها أول مرة، تشترك فيها "الكتائب" بشكل مباشر في المعارك، إلى جانب القوات الإسرائيلية.
الموقف السياسي
الموقف اللبناني
على الساحة السياسية اللبنانية، وفي ضوء موقف "الكتائب" وتعاونها مع القوات الإسرائيلية، أعلن وليد جنبلاط انسحابه من هيئة الإنقاذ الوطني، وعقد مؤتمراً صحفياً، اتهم فيه المسؤولين اللبنانيين "بالتضلع من المؤامرة" . كما استقال رئيس الوزراء واثنان من الوزراء المسلمين.
الموقف الأمريكي
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، قدّم وزير الخارجية الأمريكي، ألكسندر هيج، استقالته إلى الرئيس الأمريكي. وعلى الفور، تم تعيين جورج شولتز George Pratt Shultz خلفاً له. وهو دليل واضح على الخلافات، التي تصاعدت داخل الإدارة الأمريكية، خاصة بين وزيرَي الدفاع والخارجية، حول الوضع في لبنـان. كما أنه دليل واضح على فشل سياسة ألكسندر هيج. وباستقالة هيج، فقدت إسرائيل صديقاً لها في واشنطن، ومؤيداً شجّع الحكومة الأمريكية على اتخاذ قرارات لمصلحة إسرائيل في لبنان.
ومع استقالة هيج، انتهى عصر من السياسة الأمريكية، بالنسبة إلى الأنشطة الإسرائيلية في لبنان . وبالفعل، دفع البيت الأبيض هيج إلى الاستقالة بسبب دوره في حرب لبنان. إذ إنه لم يستطع السيطرة على التقارير، التي تصل إلى الرئيس، فهناك تقارير ترسل إلى البيت الأبيض، تعطي صورة قاتمة لعملية لبنان، بل أن بعض التقارير وصفت ما يحدث في لبنان بأنه مأساة. وفي لقاء هيج والسفير الإسرائيلي في واشنطن، موشى أرينز، بعد استقالة وزير الخارجية الأمريكي مباشرة، قال هيج للسفير: أنه "استطاع منع تنفيذ مشروع اقترحه حبيب، كان بموجبه سيوجه ريجان إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي رسالة قاسية، يهدده فيها بفرض عقوبات علـى إسرائيل". ثم ألقى بعض الأضواء على ظروف استقالته، شاكياً بمرارة، أن مستشاري الرئيس، هم الذين وجـهوا إليه هذه الضربة، ونسفوا سياسته" .
|