أعمال القتال، خلال الفترة من 26 إلى 30 يونيه
الموقف العسكري
أعلنت إسرائيل موافقتها على وقف إطلاق النار الرابع، بناء على طلب المبعوث الأمريكي، فيليب حبيب. لكن هذا الموقف لم يُحل دون توسيع الإسرائيليين رقعة غزوهم في اليوم الثالث والعشرين للاجتياح. فقد تقدمت آليات إسرائيلية من بحمدون، واحتلت عاليه وسوق الغرب والقماطية، محققة بذلك اتصالاً مع قواتها في القرى الساحلية لقضاء عاليه. كما تمكن الإسرائيليون من قطع طريق بيروت ـ دمشق الدولي في أول "صوفر". وواصل الإسرائيليون تعزيز مواقعهم في عاليه وبحمدون وصوفر والقرى التي احتلوها. وذكرت المصادر الإسرائيلية، أن خسائرها، بلغت، حتى 27 يونيه 1982، 271 قتيلاً، و15 مفقوداً، بخلاف الجرحى .
الموقف السياسي
موقف الأمم المتحدة
- المشروع الفرنسي في مجلس الأمن: أجرت فرنسا العديد من الاتصالات، على المستوى العربي عامة، واللبناني خاصة، وعلى المستوى الإسرائيلي، من خلال زيارة الرئيس الفرنسي، فرانسوا ميتران، إلى إسرائيل. واقترحت التقدم بمشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن، في 24 يونيه 1982، بهدف حماية بيروت ولبنان من الأخطار المحدقة، وضرورة احترام وقف إطلاق النار، وأهمية إرسال مراقبين.
وإزاء بعض التحفظات اللبنانية من المشروع الفرنسي، عدَّلت فرنسا مشروعها، في اليوم التالي. وفي 25 يونيه، عقد مجلس الأمن جلسة مشاورات رسمية، استمع، خلالها، إلى بيان من السفير الفرنسي، في صدد مشروع القرار المقدم من بلاده. وقد أثار المشروع جدلاً كبيراً في المجلس.
وفي 26 يونيه، اجتمع مجلس الأمن، للمرة الثانية، لمناقشة المشروع الفرنسي. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية، استخدمت ضده حق النقض (الفيتو)، بسبب اعتراضها على إحدى فقراته. واقترح السفير الفرنسي تعديلاً، وضعه وزير الخارجية نفسه، شيسون، ويتعلق بوضع العاصمة، بيروت، دون سواها، تحت السلطة اللبنانية، وإحلال الجيش اللبناني. وحاول السفيران، اللبناني والمصري، إقناع واشنطن بقبول هذا التعديل، ولكنها أصرت على النقض. وقد اقترع إلى جانب المشروع، أربعة عشر عضواً. ونددت فرنسا والاتحاد السوفيتي والمملكة العربية السعودية ومصر بالنقض الأمريكي.
- وفي الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في 26 يونيه 1982، اقتُرع على مشروع القرار، الذي صدر بالأغلبية الساحقة (127 مؤيداً). ولم تعارض سوى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ولم يمتنع أحد. وقد أصرت الجمعية العامة، في قرارها، على المطالبة بتنفيذ القرارَين 508، 509، وتأكيد سيادة لبنان المطلقة على كل أراضيه.
الموقف الأمريكي
أوضح ألكسندر هيج، في رسالة، بعث بها إلى الحكومة الإسرائيلية، أهداف بلده، المباشرة، التي تتلخص في الآتي :
- خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، من بيروت.
- تسليم سلاح المنظمة إلى الجيش اللبناني.
- سيطرة القوات الشرعية اللبنانية على بيروت الغربية.
- تأليف حكومة مركزية قوية، في لبنان.
- خروج جميع القوات الأجنبية، من الأراضي اللبنانية.
الموقف الأوروبي
في بروكسل، دعت القمة الأوروبية، التي اختتمت أعمالها يوم 29يونيه 1982، إلى انسحاب فوري للقوات الإسرائيلية من مواقعها حول العاصمة اللبنانية، على أن يرافقه انسحاب للقوات الفلسطينية من بيروت الغربية .
الموقف العربي
على المستوى العربي، بعث الملك فهد والرئيس حسني مبارك برسالتين إلى الرئيس الأمريكي، رونالد ريجان، يدعوانه فيها إلى القيام بعمل عاجل من أجل وقف الغزو الإسرائيلي للبنان. وأبلغ العاهل السعودي ريجان: "أن ما تقوم به إسرائيل، سيؤدي إلى عواقب خطيرة على السلام، في العالم كله. وأنه من الضروري وقف الغزو، وانسحاب إسرائيل الفوري من لبنان".
وفي لبنان، وجّه الرئيس إلياس سركيس نداء إلى الملوك والرؤساء العرب، أذيع عبْر التليفزيون اللبناني، في 28 يونيه 1982، جاء فيه: "في أحلك الأوقات من سنوات المأساة الطويلة، التي يعيشها لبنان منذ أكثر من سبع سنوات، وفي الساعات الصعبة، التي يحبس فيها اللبنانيون أنفاسهم، مترقبين المخاطر، التي باتت تنذر مدينة بيروت بخراب شامل، أوجّه إليكم هذا النداء، الذي يعبّر عن صرخة نابعة من ضمير شعب معذب، أصبح مهدداً بأعز ما يرمز إلى علة وجوده … ورغبة مني في المحافظة على أرواح مئات الألوف من المدنيين الأبرياء، وعلى ما تحتويه مدينة بيروت من معالم إنسانية وحضارية، جئت أوجّه إليكم نداء عاجلاً، كي تساهموا معنا في إنقاذ بيروت من الكارثة الأكيدة المحدقة بها. وإنني إذ أرجو من صميم القلب، أن يَلقَى ندائي هذا لديكم الاستجابة الفورية، أعرب لكم عن أسمى مشاعر اعتباري".
وفي لبنان، أيضاً، دعا التجمع الإسلامي والجبهة الوطنية، رئيس الوزراء، شفيق الوزان، إلى الاستمرار في تحمل مسؤولياته الوطنية، حرصاً على الوطن والمصير، مع تقديرهما وتفهمها للدوافع التي أدت إلى استقالته. وتراوحت ردود الفعل، الرسمية والشعبية، بين الدعوة إلى الصمود ودعوة رئيس الحكومة والعدول عن استقالته.
في تونس، اجتمع مؤتمر وزراء الخارجية العرب، يومي السبت والأحد الموافقَين 26 و27 يونيه 1982، لبحث الموقف في لبنان. وتقدم لبنان بورقة عمل إلى المؤتمر اقترح فيها: "إدانة العدوان الإسرائيلي على شعب لبنان وأرضه، ودعم لبنان في كل ما يؤول إلى تنفيذ قرارَي مجلس الأمن، الرقمَين 508 و509، ووقف العمل العسكري الفلسطيني في لبنان، تقديم المساعدة الاجتماعية إلى الشعب اللبناني".
الموقف الإسرائيلي
في القدس، حدد رئيس الحكومة الإسرائيلية مناحم بيجن، خلال جلسة مناقشات في الكنيست، في 29 يونيه1982، رفضه إعطاء أي تعهد، يُلزم الجيش الإسرائيلي عدم دخول بيروت الغربية. ودعا المدنيين المقيمين في بيروت إلى مغادرتها فوراً، مطالباً بدخول الجيش اللبناني، وخروج الفلسطينيين "براً وبحراً". وقال إنه بعد رحيل المنظمة، تبدأ مفاوضات لضمان سلامة الأراضي اللبنانية، وانسحاب الجيوش الأجنبية. وسنجلس مع الحكومة اللبنانية ونوقع معاهدة سلام .
في نهاية الشهر الأول من الاجتياح، كان الموقف الإسرائيلي، داخلياً وعسكرياً وسياسياً، كما يلي :
- داخلياً: تجلي، بصورة واضحة، وخصوصاً في معارك الجبل، تفرد الثنائي بيجين ـ شارون باتخاذ القرارات الخاصة بسير العمليات وتوجيهها. ورافق ذلك تطبيق متشدد للرقابة العسكرية على الجرائد ووكالات الأنباء.
- عسكرياً، على الرغم من الاندفاعة السريعة، التي سجلها الجيش الإسرائيلي، في أيام الحرب الأولى، بهدف الوصول إلى أقرب نقطة ممكنة من العاصمة، بيروت، فقد اضطر هذا الجيش إلى خوض معارك ضارية، بالسلاح الأبيض، أحياناً، ضد القوات الفلسطينية ـ اللبنانية المشتركة. وهو ما دفع شارون إلى اتّباع سياسة الحصار الطويل، والقصف المتواصل لبيروت.
- سياسياً: استفادت إسرائيل من انخفاض مستوى النشاط السياسي للإدارة الأمريكية، خلال العطلة السنوية، في الأسبوعَين، الأول والثاني، من يوليه 1982.
موقف المنظمات الفلسطينية
حدث تقدم طفيف في الحوار اللبناني ـ الفلسطيني، والذي يهدف إلى خروج فدائيي المنظمات الفلسطينية بأسلحتهم الشخصية من بيروت، حتى يتجنّب لبنان معركة دموية في بيروت الغربيـة. وعلى الرغم من ذلك، كان هناك عقبات كبرى في طريق التوصل إلى تسوية، تمثلت إحداها في طـلب الفلسطينيين إبقاء وحدة رمـزية من قواتهم في لبنان، تكون خاضعة لقيادة الجيش اللبناني.
وقال بيار الجميل، في لقائه وفداً من الصحافة الغربية: "ليس في استطاعة لبنان أن يتحمل 700ألف فلسطيني. كما أن القضية الفلسطينية تخطت إطارها الإقليمي وأصبحت قضية دولـية، وإذا كان لا بد من حل لها، فليكن، ولكن ليس على حساب لبنان".
|