أهم أحداث النصف الثاني من شهر يوليه
الموقف العسكري
موقف بيروت: خلال الأسبوع الثالث من شهر يوليه، استمرت الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على عدة أحياء في المنطقة الغربية من بيروت. وشاركت القطع البحرية الإسرائيلية في هذا القصف. في حين شهدت الضاحية الجنوبية عدة اشتباكات بالمدفعية، شملت أيضاً المناطق الواقعة قرب خطوط التماس. كما استمر تشديد الحصار الإسرائيلي لمنع الإمدادات الغذائية إلى بيروت الغربية، مع دخول أعداد محدودة من سيارات الصليب الأحمر، المحملة بكميات محددة من الأدوية والدقيق والأرز.
وخلال الأسبوع الرابع من شهر يوليه، اتسع نطاق القصف الإسرائيلي لبيروت، ليشمل المناطق الجنوبية والغربية، وكذلك المنطقة الشرقية وضواحيها، وساحل المتن الشمالي. واستمر هذا القصف يومَي 28،29، حتى تم إيقاف إطلاق النار ـ للمرة الثامنة. وأدى هذا القصف إلى تدمير 250 منزلاً في بيروت الغربية، كما وصل حجم الخسائر إلى نحو 554 قتيلاً وجريحاً من المدنيين .
موقف مدينة صيدا: استمرت القوات الإسرائيلية في عزل مدينة صيدا عن العالم، بمنع التجـول فيها أو الخروج منها أو الدخول إليها. كما أفاد الصحفيون الذين زاروا المدينة، أن مخيم عين الحلوة، أصبح مهدماً بنسبة 90%، وأن عدد المنازل التي دُمرت تماماً في صيدا وصل إلى 1450 منزلاً، علاوة على تصدع 2350 منزلاً. وأفادت الوكالة المركزية للصليب الأحمر أن 1100 فرد، لبناني وفلسطيني، أصبحوا في عداد المفقودين.
وفي القطاع الشرقي: اشتبكت القوات الإسرائيلية والقوات السورية، في 22 يوليه 1982، في قطاع، عرضه 40 كم. واستمر القتال أكثر من ساعتَين، بالطائرات والمدفعية والمدرعات. وانتهى الاشتباك بتدمير 72 دبابة سورية، وعدد من مركبات الجيش السوري ومدفعيته . وخلال يوم 24 يوليه 1982، تكرر الاشتباك، وتمكنت القوات الإسرائيلية من تدمير ثلاث مركبات سورية، حاملة صواريخ مضادّة للطائرات، من نوع (SS8) أُدخلت، ليلاً، إلى سهل البقاع اللبناني.
الموقف القتالي على باقي المحاور: في منطقة الأوزاعي، حاولت كتيبة مدرعة إسرائيلية التقدم في اتجاه منطقة الأوزاعي، حيث اشتبكت معها "القوات المشتركة" ودمرت لها عدداً من المركبات المدرعة، وقتلت وجرحت نحو100 جندي إسرائيلي.
كما نشطت مجموعات "القوات المشتركة" في الجنوب اللبناني، خلف الخطوط الإسرائيلية، حيث أغارت على مقر القيادة الإسرائيلية في مدينة صور، وقتلت عدداً من الضباط في ذلك الهجوم. كما أغارت على المنطقة الواقعة بين بحمدون وعاليه، حيث دمرت عدد من المركبات المدرعة الإسرائيلية. ونصبت عدة كمائن في البقاع الغربي، وزرعت الألغام على محاور التحرك الإسرائيلية، الأمـر الذي زاد من حجم الخسائر الإسرائيلية ، على نحوٍ أزعج قيادتها.
الموقف السياسي
الموقف الأمريكي
عُقد اجتماع يوم 20 يوليه في البيت الأبيض، بين الرئيس الأمريكي، ريجان، ووزيرَي خارجية المملكة العربية السعودية وسورية، من أجل إيجاد حل وسط للأزمة اللبنانية. وصرح وزير الخارجية السعودي، إثر اجتماعه ونظيره السوري بالرئيس ريجان، أنهما أبلغا الرئيس الأمريكي : "بضرورة تنفيذ قرارَي مجلس الأمن رقمَي 508، 509 اللذين يدعوان إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، وأن هذين القرارين قد وافقت عليهما الولايات المتحدة الأمريكية". وأكد سعود الفيصل أنه نقل إلى الرئيس الأمريكي رغبة الدول العربيـة وجدّيتها، في تحمل مسؤوليتها في مساعدة الحكومة اللبنانية على المحافظة على استقلال لبنان وسلامة أراضيه، والمحافظـة، في الوقت نفسه، على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وأكد أن منظمة التحرير الفلسطينية وافقت على الانسحاب من بيروت ومن لبنان. وأن ما يجب ضمانه هو الخطوات الضرورية، المطلوب اتخاذها من أجل الانسحاب الإسرائيلي من لبنان.
موقف مجلس الأمن
في 27 يوليه 1982، استأنفت البعثتان، المصرية والفرنسية، تحركهما في مجلس الأمن، لوضع صيغة معدلة لمشروع القرار الفرنسي ـ المصري، تمهيداً لتقديمه، رسمياً، إلى مجلس الأمن. واجتمع السفيران، المصري والفرنسي، إلى مجلس الأمن، وطلبا إليه، رسمياً، عقد اجتماع، يوم الخميس، الموافق 29 يوليه 1982.
كما أكدت السفيرة الأمريكية إلى الأمم المتحدة، كير كباتريك، لسفير مصر إلى الأمم المتحدة، عمرو موسى، أن تعديلاً طرأ على الموقف الأمريكي، إذ إنها ستعرب، في المشاورات، عن ترحيبها، من حيث المبدأ، بالمشروع المصري ـ الفرنسي، وستتحفظ من بعض بنوده؛ إلا أنها لن تشترك في المناقشة الرسمية.(الملحق الرقم 40).
وفي 29 يوليه 1982، عُرض القرار، وصدر عن مجلس الأمن القرار الرقم (515)، في 29 يوليه 1982، الداعي إلى رفع الحصار عن مدينة بيروت، بغية السماح بإرسال المؤن، وتأمين الحاجات الملحّة للسكان المدنيين. وصوّت في مصلحة المشروع 14 دولة، بينما امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت.
الموقف السعودي
اجتمعت في جدة، يومَي 28، 29 يوليه 1982، اللجنة السداسية، المنبثقة من مجلس الجامعة العربية في دورته الطارئة. وعقدت اللجنة سلسلة من الجلسات، برئاسة وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، وشارك في الاجتماعات وزراء خارجية الكويت وسورية ولبنان، ورئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وسفير الجزائر، وأمين عام جامعة الدول العربية، الشاذلي القليبي. وانتهت اللجنة إلى إصدار قرارات ستة، عُدّت خطوة إيجابية في سبيل حل الوضع في بيروت. كما وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة قواتها المسلحة بيروت، مع المطالبة بتوفير ضمانات تؤمن هذا الانتقال، وكذا ضمانات أمن المخيمات، بالاتفاق بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأكدت اللجنة ضرورة مشاركة القوات الدولية في عملية ضمان الأمن والسلامة لبيروت وضواحيها .
الموقف اللبناني
جرت مباحثات، يوم 25 يوليه 1982، بين ياسر عرفات ووفد يمثل مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيين، وانتهى الاجتماع بتوقيع عرفات على وثيقة، جاء فيها: "أنه يوافق على كل قرارات الأمم المتحدة، المتعلقة بالمسألة الفلسطينية، بما فيها قرارَا مجلس الأمن الرقمان 242، 338" .
كما اجتمع السفير فيليب حبيب مع الرئيس اللبناني، إلياس سركيس، ورئيس الوزراء اللبناني، شفيق الوزان، وأطلعهما على المحادثات التي أجراها مع زعماء مصر والمملكة العربية السعودية وسورية والأردن وإسرائيل، في شأن مشكلة بيروت والقضية الفلسطينية. وتبع ذلك اجتماع بين ياسر عرفات ورئيس الوزراء اللبناني، للبحث في سُبُل تنفيذ قرارات اللجنة السداسية العربية، المنعقدة في جدة. وتقدم ياسر عرفات إلى الحكومة اللبنانية بخطة تفصيلية لأسلوب انسحاب القوات الفلسطينية من لبنان.
وفي وسط هذه الحرب الدامية، رشح بشير الجميل نفسه لرئاسة الجمهورية، وأكد تمسكه بوحدة لبنان. وجاءت ردود الفعل سلبية، إزاء هذا الترشيح، على مستوى الجبهات السياسية اللبنانية، إذ عُدّ أنه مسؤول عما يجري في لبنان، وأن حزب "الكتائب" رفض إدانة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، بل قدّم العديد من التسهيلات للقوات الإسرائيلية.
الموقف المصري
بعث الرئيس حسني مبارك رسالة عاجلة إلى الشيخ بشير الجميل، أوضح فيها، رأي مصر في ما يجري داخل لبنان، معرباً عن قلقه البالغ إزاء المواقف، التي يمكن أن تتورط فيها "الكتائب" بالمشاركة في المخطط الإسرائيلي. وتضمنت الرسالة النقاط الآتية :
- إن مصر ترى، أن تصفية منظمة التحرير الفلسطينية من طريق اقتحام بيروت، لن يؤدي إلى استقرار الأوضاع في لبنان، خاصة مع وجود نصف مليون فلسطيني، يعيشون داخل لبنان، بل سيترتب على ذلك موجة من الإرهاب لن ينجو منه لبنان.
- أن "الكتائب"، ستقع في خطأ تاريخي، يصعب محوُه، إذا ما تأكدت صورتها في العالم العربي، خلال هذه المحنة، كوجه حليف، يساند مخططات إسرائيل، التي تهدف إلى تدمير الشعب الفلسطيني.
- أن "الكتائب"، إذا لم تراجـع، بروح موضوعية، مواقفها السابقة، فستجد نفسها، في المستقبل القريب، في عزلة عربية، بل سوف تواجه أيضاً خطر استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتوغّل نفوذه في لبنان.
- إن الموقف يفرض على "الكتائب"، أن ترتفع فوق الحزازات القديمة، وألاّ تعوق أي جهود إيجابية، تهدف إلى الحفاظ على كرامة المنظمة. وأن وحدة لبنان واستقراره وقدرته على إعادة بناء ما دمرته الحرب، سوف يتوقف على المسلك الراهن لـ "الكتائب".
كذلك، أكد الرئيس حسني مبارك، خلال خطابه بذكرى مرور ثلاثين عاماً على ثورة يوليه 1952، أن مصر ستقف ضد أي محاولة لتقسيم لبنان، أو فرض سيطرة فئة على الفئات الأخرى، مكرراً دعوته إلى تبادل الاعتراف بين إسرائيل والفلسطينيين. ودعا الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبنّي حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
|