الموقفان، العسكري والسياسي، يومَي 6 و 7 أغسطس
الموقف العسكري
وفي السادس من أغسطس، واصلت القوات الإسرائيلية هجومها الواسع النطاق، ضد مواقع القوات الفلسطينية، بهدف إسقاطها، واجتياح بيروت الغربية. وعلى الرغم من استخدام إسرائيل لكافة أنواع الأسلحة، فإن المقاومة الفلسطينية، حالت دون تنفيذ القوات الإسرائيلية لمخططها، واعترفت إسرائيل بأنها دفعت ثمناً باهظاً لكي تتقدم بضعة كيلومترات، شمال مطار بيروت، للاستيلاء على حي الأوزاعي. كما دارت معارك عنيفة بين قوات المقاومة الفلسطينية وقوات الغزو الإسرائيلية، في منطقة ميدان سباق الخيل، التي تبعد 200م غربي ممر المتحف، وتحت ستر تمهيد نيراني، بدأ في الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه، حيث حاولت القوات الإسرائيلية التقدم نحو المواقع الفلسطينية، ولكن أمكن صدّها. كما قصف الإسرائيليون حرج الصنوبر بالقرب من منطقة أرض سباق الخليل، الأمر الذي أدى إلى اشتعال النيران فيه . علاوة على قصفهم مبنى برج المرّ، وهو مرصد وموقع مهم قرب الميناء، ويمثل مركزاً مهماً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتمكنوا من تدمير هذا البرج، فتحول إلى ركام من الأنقاض. وبنهاية هذا اليوم، أُعلن عن وقف إطلاق النيران العاشر. وأعلنت إذاعة جيش الدفاع الإسرائيلي، أن إسرائيل خسرت في هذه المعارك 21 دبابة و18 ناقلة جند مدرعة و5 جرافات و3 دقاقات ألغام، وقتل وجرح 64 جندياً. كما أعلنت مصادر إسرائيلية أخرى، أن خسائر إسرائيل، منذ بداية العملية وحتى 7 أغسطس 1982، بلغت 323 قتيلاً، و11 مفقوداً، بخلاف الجرحى، إضافة إلى ثلاثة أسرى .
الموقف السياسي
كما أذاعت وكالة الأنباء السعودية، أن الملك فهداً، اتصل هاتفياً بالرئيس الأمريكي رونالد ريجان، داعياً إياه إلى العمل بسرعة على وقف الهجوم الإسرائيلي على بيروت. ودعا الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف تدهور الوضـع. ونقلت الوكالة عن الملك فهد: "أن الهجوم الوحشي يشكل تهديداً خطيراً للبنان والشرق الأوسط، وأنه يعيق كل الجهود لإيجاد حل للمشكلة اللبنانية، وجميع جهود السلام في المنطــقة" .
وفي السابع من أغسطس 1982، ذكرت إذاعة بيروت، نقلاً عن مصادر سياسية، أن احتمالات التسوية السياسية تتزايد الآن، نتيجة لتطور مواقف أطراف الأزمة، إذ سلم شفيق الوزان، رئيس الوزراء اللبناني، وثيقة الخطة، التي تم الاتفاق عليها مع منظمة التحرير الفلسطينية، إلى فيليب حبيب. وتتضمن هذه الخطة ما يلي :
- تغادر الوحدة الأولى من المقاومة بيروت، بحراً، إلى ميناء العقبة الأردني، على أن تتخذ الوحدة الفرنسية، التي ستشكل جزءاً من القوة الدولية، مواقعها في بيروت الغربية، بعد يوم واحد من مغادرة الوحدة الفلسطينية الأولى.
- تُسلم المنظمة أسلحتها الثقيلة إلى الجيش اللبناني في بيروت، بدلاً من تسليمها عند بلدة صوفر، على طريق بيروت ـ دمشق الدولي، على أن يتم التسليم في اليوم الرابع عشر لتنفيذ الخطة، وهو الموعد الذي ستكون فيه عملية مغادرة الفلسطينيين لبيروت قد استكملت.
- توافق المنظمة على أن يجري إجلاء بقية الفلسطينيين، من طريق بيروت ـ دمشق الدولي، وفي ظل ضمانات أمريكية.
- يشترك الجيش النظامي اللبناني في توفير الضمانات لسلامة الانتقال على الطريق البري.
- توافق المنظمة على تسليم قائمة، تضم أسماء أفراد المقاومة الفلسطينية، الذين سيرحّلون وفقاً للخطة، إلى الجيش اللبناني وليس إلى إسرائيل.
الموقف العسكري، يوم 9 أغسطس
قصفت المدفعية الإسرائيلية الأحياء والمواقع في برج البراجنة وحتى المتن الأعلى، كما قصف الطيران الإسرائيلي أماكن تمركز القوات السورية، والمخيمات الفلسطينية، ومواقع "القوات المشتركة".
الموقف العسكري، يوم 10 أغسطس
استأنفت الطائرات الإسرائيلية قصفها لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضواحي الجنوبية لبيروت، أي في الوقـت الذي دخلت فيه مساعي المبعوث الأمريكي فيليب حبيب، لتحقيق الانسحاب السلمي للمقاومة الفلسطينية من بيروت، مرحلة حاسمة، إثر إعلان الحكومة الإسرائيلية، ذلك اليوم، موافقتها من حيث المبدأ على مشروع فيليب حبيب للانسحاب، الذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ولكن إسرائيل وضعت شرطين جديدين، وهما: أن تحصل الحكومة الإسرائيلية على قائمة محددة بأسماء الدول المستعدة لاستقبال المقاومة الفلسطينية، وأن تتسـلم إسرائيل قائمة عددية بالمقاتلين الذين ستستقبلهم كل دولة، مع ضرورة أن يغادر الفلسطينيون بيروت قبل أن تتخـذ القوة الدولية مواقعها داخل المدينة. كما واصلت القوات الإسرائيلية عملياتها العسكرية في بيروت وضاحـيتها الجنوبية، ودفعت، بصورة مفاجئة، قوة تتكون من 40 دبابة إلى منطقة جبيل، ثم غزّزتها بوحدات من المشاة الآلية، في خطوة تحمل معنى التحرك عسكرياً، في اتجاه الشمال، وفرض وجود أمر واقع هناك، قبل وصول القوات الدولية إلى بيروت، وفي الوقت عينه، وضع العراقيل أمام عملية التفاوض.
وأعلنت المصادر الإسرائيلية، أن خسائر هذا اليوم، هي إصابة ثلاثة جنود، ومقتل اثنَين، نتيجة إصابة سيارتهما بلغم، في القطاع الأوسط، بالقرب من عين زحلتا .
الموقفان، العسكري والسياسي، يوم 11 أغسطس
الموقف العسكري
استأنفت الطائرات الإسرائيلية قصفها المكثف للمواقع الفلسطينية، في بيروت الغربية، والذي اشتركت فيه السفن الحربية والدبابات والمدفعية. وقد استهدف القصف الإسرائيلي مخيم برج البراجنة وضاحيتي شاتيلا والفكهاني. ثم أوقفت إسرائيل إطلاق النيران، عند حلول المساء، للمرة الحادية عشرة، بعد أن شجب العالم بأسْره الغارات الانتقامية الإسرائيلية على بيروت طوال الأيام الماضية. وأعلنت المصادر الإسرائيلية مقتل جندي، وإصابة تسعة آخرين، نتيجة إطلاق النار بين الجانبَين .
الموقف السياسي داخل إسرائيل
أذاعت وكالة الأنباء الإسرائيلية، "إيتيم"، عريضة تحمل توقيع ألفين من الجنود والضباط الاحتياطيين يعارضون حرب لبنان، ويطالبون باستقالة وزير الدفاع الإسرائيلي، أرييل شارون، الذي ظهر ممتعضاً، أثناء لقائه فيليب حبيب، حيث قال له أن الرأي العام الإسرائيلي، أخذ يندد، أكثر فأكثر، بهذه الحرب، التي لم تنتهِ بعد. وكانت التهمة موجهة إلى شارون شخصياً، حتى إن وحدة الجيش بدأت تتفتت، وأخذت الشكوك تتولد، على كل مستويات القيادة، وبدأ الاحتياطيون يجاهرون بها. وتوقع بعض المراقبين أن ساعات شارون أصبحت معدودة، وإن الإدارة الأمريكية أصبحت لا تريده، كمتحدث معها . وفي الوقت نفسه، أعلن حبيب، بعد عودته من مباحثات القدس، أن مباحثاته كانت جيدة، وأن الحل الدبلوماسي لأزمة بيروت أصبح وشيكاً.
الموقفان، العسكري والسياسي، يوم 12 أغسطس
الموقف العسكري
وفـي الثانـي عشـر من أغسطس1982، وعلى مدى إحـدى عشـرة ساعـة كاملة، ومن خـلال 220 غارة جوية و44 ألف قذيفة، حـاولت إسرائيـل تدمير مبانـي بيروت الغربية. وأدت هذه الغارات إلى مقتل وجرح أكثر من 500 مواطن، فلسطيني ولبناني، وتدمير 800 منزل .
الموقف السياسي
في ضوء تقدُّم القوات الإسرائيلية، لا سيما في جبل لبنان، نحو الشمال، خارقة قرارات الأمم المتحدة، وموسعة رقعة انتشارها في الأراضي اللبنانية، إذ وصل إلى شمال جبيل ـ وجّه الاتحاد السوفيتي، في 12 أغسطس، دعوة ملحّة لعقد جلسة علنية لمجلس الأمن، من الفور، للنظر في الوضع المتدهور. وبناءً على طلب الاتحاد السوفيتي، دعي مجلس الأمن إلى الانعقاد للنظر في الوضع المتدهور في لبنان. وتقدمت مجموعة عدم الانحياز بمشروع قرار إلى مجلس الأمن، وبعد إجراء بعض التعديلات، ووفق عليه، بالإجماع، تحت الرقم (518)، في 12 أغسطس 1982.(الملحق الرقم 48).
وعلق المندوب اللبناني على القرار، بقوله: "إن ما ورد في القرار، يمثل الحدّ الأدنى". كما بعث الأمين العام للأمم المتحدة، برسالة إلى وزير الخارجية اللبناني، حول القرار (518)، طالب فيها بإبلاغه جميع المعلومات، التي تتعلق بتطبيق القرار الرقم (518).
|