الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
نيقوسيا والخط الأخضر
الاقتراح التركي
بحر إيجه
قبرص - التقسيم الفعلي
اُنظــــر كـــذلك
 
جمهورية تركيا
جمهورية اليونان
جمهورية قبرص

الفصل الثالث
اتفاقات زيورخ ولندن، وإعلان الجمهورية

1.  اتفاقات زيورخ ولندن (19 فبراير 1959)

        أدّى التجاء اليونان إلى الأمم المتحدة، إلى صدور قرار من الجمعية العامة، بالرغبة في رؤية الأطراف المعنية، تستمر في  بذل جهودها، من أجل الوصول إلى حل سلمي، وديموقراطي، وعادل، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن الحالة في قبرص، ظلت في منتهى الخطر، بشكل جعل كل البناء الدفاعي لحلف شمال الأطلسي، مهدداً بالخطر، بسبب سوء العلاقات بين اليونان وتركيا .

        وفي ذلك الوقت، قررت الولايات المتحدة الأمريكية ضرورة العمل على التقارب بين اليونان وتركيا. وتحت ضغط منها، وبنية البحث عن حل لمشكلة قبرص، قام المندوبون اليونانيون، والمندوبون الأتراك، في ديسمبر 1958، بأول اتصالات دبلوماسية، بعد تبادل وجهات النظر الأولية، على أساس استقلال جزيرة قبرص، واستبعاد أمر اتحادها مع اليونان، وكذلك استبعاد أمر تقسيمها بين اليونانيين والأتراك.

        واتفق وزيرا خارجية اليونان وتركيا، على استمرار محادثاتهما في أثينا وأنقرة. وفي 6 فبراير 1959، تقابل رئيس الوزراء التركي، عدنان مندريس Adnan Menderes (انظر الملحق رقم 14)، ووزير خارجيته، فطين رشدي زورلو Fatin  Rustu Zorlu  مع رئيس الوزراء اليوناني، قسطنطين كرامنليس Constantine  Karamanlis (انظر الملحق رقم 14)، ووزير خارجيته، أفيروف  Evangelos Averoff، في  زيورخ، من أجل الوصول إلى تسوية المشكلة. وبعد جلسات طويلة، ومضنية، استمرت ستة أيام، اتفقوا، في 11 فبراير 1959، ووقعوا الوثائق، التي تنشئ البنيان الأساسي لجمهورية قبرص، وتقسم الوظائف، الإدارية والحكومة، بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين في  الجزيرة . واتفقوا على أن تحتفظ بريطانيا بالقواعد العسكرية في قبرص. ووقعوا اتفاقية ثانية، باسم "معاهدة الضمان"، ومعاهدة ثالثة، باسم "معاهدة التحالف" .

        وعرض الاتفاق على الحكومة البريطانية، فأقرته، ووافقت عليه. وأعلن أفيروف، وزير خارجية اليونان أنه عقد، يسوي الخلافات بين حكومتَي أثينا وأنقرة بشكل نهائي، يقوم على أساس التوافق، والحل الوسط، وتُوُصِّل إليه على الرغم من الصعوبات الضخمة. ووجدت الحكومة البريطانية نفسها أمام الأمر الواقع، فلم تتمكن من التراجع، وأبدت بعض التحفظات، في شأن القواعد البريطانية، والتسهيلات في  أمور المواصلات داخل الجزيرة، واستخدام مطارَي نيقوسيا وفاماجوستا .

        وفي 15 فبراير 1959، دعا هارولد ماكميلان Maurice Harold Macmillan، رئيس الوزراء البريطاني، زميليه، اليوناني والتركي للحضور إلى لندن، للمشاركة في المؤتمر، الذي سيقرر التسوية النهائية لمشكلة قبرص. ومن جانبهما، قامت اليونان وتركيا بدعوة رئيس الأساقفة، مكاريوس، وفاضل كوجك (تلفظ كوتشوك) Fazil Kucuk (انظر الملحق رقم 14)، ومستشاريهما، لكي يوقعوا الاتفاق باسم طائفتيهما. وفي 19 فبراير 1959، وُقعت الوثائق الخاصة بميلاد الدولة الجديدة، في قصر"لانكستر هاوس Lancaster  House "، من جانب رؤساء وزراء بريطانيا وتركيا واليونان. وقبلها "مكاريوس"، بطريرك قبرص، نيابة عن القبارصة اليونانيين، وفاضل كوجك، نيابة عن القبارصة الأتراك.

        وكانت الاتفاقات، التي وُقعت، تشتمل على :

أ.  وثيقة أساسية، في شأن جمهورية قبرص Treaty of  Establishment (الملحق الرقم ـ 2).

ب. معاهدة ضمانات Treaty of Guarantee، بين قبرص من ناحية، واليونان والمملكة المتحدة  وتركيا من ناحية أخرى (الملحق الرقم ـ 3).

ج. معاهدة تحالف Treaty of Alliance  ، بين قبرص واليونان وتركيا (الملحق الرقم ـ 4).

د.  إعلان من جانب الحكومة البريطانية، في شأن القواعد العسكرية، وضمان سلامتها، من جانب اليونان وتركيا وجمهورية قبرص.

هـ. تشكيل ثلاث لجان، تكلف بإعداد:

(1) دستور الجمهورية.

(2) شروط نقل السلطات.

(3) الاحتفاظ بالسيادة البريطانية على القاعدتين العسكريتين البريطــانيتين في قبرص.

        وقد استبعدت اتفاقات زيورخ ولندن حَلَّي الوحدة مع اليونان والتقسيم. ونصت على إنشاء دولة مستقلة، ينتمي رئيسها إلى الجالية اليونانية، فينتخب من قِبلها، ونائب الرئيس ينتمي إلى الجالية التركية، فيُنتخب من قِبل هذه الجالية. ويتمتع كل منهما بحق النقض، في شؤون السياسة الخارجية والدفاع والأمن. كما نصت هذه الاتفاقات على أن يتكون مجلس للوزراء من عشرة أعضاء، وأقرت إعطاء الجالية التركية (30%) من مقاعده، وفي المجلس النيابي 35 مقعداً لليونانيين، و15 مقعداً للأتراك، وفي الوظائف الإدارية العامة، 70% لليونانيين، و30% للأتراك. وكذلك في جهاز الأمن. أمّا في الجيش (الحرس الوطني)، فالنسبة 60% لليونانيين، و40% للأتراك. وعلاوة على ذلك، تحتفظ كل جالية بجمعية عمومية خاصة بها. وتحتفظ كل من تركيا واليونان بقوة عسكرية على الأراضي القبرصية (900 جندي يوناني، 650 جندياً تركياً). والقوة الثالثة الضامنة، بريطانيا العظمى، تحتفظ بسلتطها كاملة على قاعدتين عسكريتين كبيرتين، "دخلياDhekelia "في الجنوب الشرقي، و" أكروتيرى Akrotiri "، في الجنوب الغربي .

        ونصت هذه التسوية على أنه، لا يجوز، في أي حال من الأحوال، أن تزيد الفترة الانتقالية، الخاصة بنقل السلطات، بما في ذلك وضع الدستور وتطبيقه، على إثني عشر شهراً، ابتداءً من 19 فبراير 1959 . ونصت الاتفاقات على أنه، لا يجوز أن يعدل المجلس النيابي أياً من القوانين الأساسية في الدستور.

        وعاد الأسقف إلى قبرص، بعد غياب في المنفى، استمر ثلاث سنوات وعشرة أيام. وغادر الجنرال جريفاس قبرص، إلى اليونان .

2.  إعلان الجمهورية

        إن الفترة الانتقالية، لم تكن أقل صعوبة من عملية ميلاد جمهورية قبرص. فقد تبع اتفاقات لندن مفاوضات طويلة، في شأن امتداد نطاق القواعد العسكرية البريطانية، على الساحل الجنوبي للجزيرة. وحُدد يوم 16 فبراير 1960، لانتخاب رئيس الأساقفة، مكاريوس، رئيساً للجمهورية، وكوجك نائباً للرئيس. واستمرت المفاوضات بين الرئيس المنتخب والإنجليز حتى مايو 1960، حين تمت الموافقة على الدستور، وسوّيت مسألة امتداد نطاق القواعد العسكرية البريطانية .

        وبعد انتخاب أعضاء مجلس النواب، في 31 يوليه 1960، تحدد موعد إعلان الجمهورية، يوم 16 أغسطس 1960. وانتهى الحكم البريطاني لجزيرة قبرص عند منتصف ليل 15 أغسطس، واستلم رئيس الأساقفة، مكاريوس، رسمياً، وأمام ممثلي الشعب، سلطاته، كأول رئيس للجمهورية. وفي سبتمبر 1960، أصبحت قبرص عضواً في الأمم المتحدة، ثم انضمت في مارس 1961، إلى مجموعة الكومنولث البريطاني .

        من الواضح، أن الدستور، كان مبنياً على أساس فيدرالي بين الطائفتين، وأنه جاء كحلّ وسط بين دعاة الإينوسيس، من القبارصة اليونانيين، ودعاة التقسيم، من القبارصة الأتراك . وقضى ذلك الدستور بإنشاء محاكم منفصلة لكل طائفة، وأخرى مشتركة .

3.  نظرة سكان الجزيرة القبرصية في اتفاقيات الاستقلال

        اشتمل الدستور، في نصوصه، على "اتفاق الضمان"، الذي يمنح تركيا حق التدخل لحماية القبارصة الأتراك، في  حالة تعرضهم للاعتداء من جانب القبارصة اليونانيين، شريطة أن تدعو تركيا الطرفين الضامنين الآخرين، للتدخل جماعياً، فإذا رفضا، يكون لها حق التدخل المنفرد. وينطبق الشرط نفسه على اليونان، بالنسبة إلى حماية القبارصة اليونانيين. إضافة إلى ذلك، يمنع "اتفاق الضمان" قبرص من الانضمام إلى أي منظمة دولية، لا تتمتع فيها بريطانيا وتركيا واليونان بالوضع عينه .

        إن إقامة الجمهورية في  قبرص، في أغسطس 1960، كان معناها، عملياً، أن عدداً من القبارصة اليونانيين، الذين قادوا الكفاح لتحقيق الوحدة مع اليونان (الإينوسيس)، وعدداً من القبارصة الأتراك، الذين قادوا مقاومة هذا الإينوسيس، سيجلسون معاً، للتعاون على إدارة شؤون الدولة.

        إن التعاون، لم يكن ممكناً، في ظل العداء القريب، بين منظمة إيوكا EOKAومنظمة المقاومة التركية TMT، وبشكل أكثر عمومية، في ظل العلاقة بين الطائفتين، اليونانية والتركية. إذ كانت الأولى، تتعامل وكأنها هي وحدها صاحبة الحق في السيادة وتقرير مصير الجزيرة، وأن الطائفة الثانية، لا تتجاوز كونها أقلية، وليس لها، من ثمّ، أي حق يتجاوز حقوق الأقليات في البلدان الأخرى. في  حين كانت الطائفة التركية تتعامل من موقع الشريك، وأنها وإن كانت لا تطالب باقتسام الجزيرة مناصفة مع الطائفة الأخرى، لا تقبل بأن يتقرر مصير الجزيرة بمعزل عنها .

4.  نظرة اليونانيين القبارصة إلى اتفاقات زيورخ ولندن

        يرى اليونانيون القبارصة أن الاتفاقات، قد أجحفت بحقوقهم لمصلحة الأتراك القبارصة. فبينما تبلغ نسبة هؤلاء 18% من السكان، إلا أنهم حصلوا على نسبة لا تعادل حجمهم، ألا وهي 30% من الخدمات، وعلى النسبة عينها من المقاعد البرلمانية، إضافة إلى 40% في الجيش والشرطة، وتعيين نائب رئيس الجمهورية من الأتراك، مع تمتعه بحق الاعتراض، مثل رئيس الجمهورية، على أي قانون أو إقرار يتعلق بالشؤون الخارجية، أو الدفاع، أو الأمن.

        إن هذه الاتفاقات، قد فُرضت على القبارصة، وإنهم لم يشتركوا في وضعها. ومن ثم، يمتد انتقادهم إلى الدستور، الذي وضع طبقاً للاتفاقات، خاصة ما يتعلق بمعاهدة الحماية، الموقعة بين قبرص وكل من بريطانيا واليونان وتركيا. وقد عبّر الرئيس مكاريوس عن هذا المعنى، في تصريحات عديدة، منها ما أدلى به في يوليه 1963، فأوضح أن جمهورية قبرص، نشأت عن اتفاقات زيورخ ولندن، لكن مستقبلها، يجب أن يتحدد طبقاً لإرادة شعبها، ومن ثمّ، يجب أن يعدل الدستور، لتلغى المواد، التي لا يمكن تنفيذها .

5.  نظرة الأتراك القبارصة إلى اتفاقات زيورخ ولندن  

        تركزت وجهة نظر الأتراك القبارصة في أن هذه الاتفاقات، تمثل الأساس الملائم، والسليم، لتنظيم العلاقة بين الطرفين .

        إن اتفاقية زيورخ، قد نصت، صراحة، على استبعاد اتحاد قبرص، الكلي أو الجزئي، مع أي دولة أخرى، أو انقسامها إلى دولتين. لذا، يرى القبارصة الأتراك، أن من حقهم المطالبة بالانفصال والاستقلال الذاتي، في مواجهة رفع القبارصة اليونانيين لشعار الاتحاد مع اليونان.

        إن معاهدة الحماية، الموقعة طبقاً لهذه الاتفاقات، تمثل ضماناً لهم، من جانب تركيا، في  مواجهة أي عدوان، من جانب القبارصة اليونانيين، أو اليونان نفسها .

-----------------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة