الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
نيقوسيا والخط الأخضر
الاقتراح التركي
بحر إيجه
قبرص - التقسيم الفعلي
اُنظــــر كـــذلك
 
جمهورية تركيا
جمهورية اليونان
جمهورية قبرص

الفصل الثامن
الموقف الدولي من مشكلة قبرص والغزو التركي لها

1. موقف الولايات المتحدة الأمريكية

هناك محوران رئيسيان، تدور حولهما السياسة الأمريكية تجاه قبرص، وهما:

أ.

الحيلولة دون وقوع الجزيرة في دائرة النفوذ السوفيتي، لموقع الجزيرة الفريد في شرق البحر الأبيض المتوسط.

ب.

الحرص على حلف شمال الأطلسي، وتحصينه ضد أي تصدّع، قد ينجم عن الصراع العسكري التركي  ـ اليوناني في قبرص. فتركيا، بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومصالحها السياسية والإستراتيجية والاقتصادية في منطقة شرق البحر المتوسط ـ هي الحليف الأقوى كثيراً من الحليف الآخر في المنطقة نفسها (اليونان)؛ وسيطرة الحليف الأقوى على زمام الأمور في الجزيرة، كفيل بتحقيق المصالح والأهداف الأمريكية في ذلك الجزء الحيوي من العالم .

        وأيدت واشنطن وجهة نظر بريطانيا الرسمية، التي ترى حل مشكلة قبرص على النمط السويسري، بإنشاء مقاطعات يونانية وتركية منفصلة، تحت رئاسة حكومة فيدرالية .

        وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ عام 1967، إيجاد تسوية سلمية لمشكلة قبرص. فجرت مباحثات أمريكية ـ يونانية في يونيه 1971، لبحث المشكلة القبرصية، ولإيجاد مقر دائم للأسطول السادس الأمريكي، يسمح بإقامة ثلاثة آلاف من الرعايا الأمريكيين وعائلاتهم. وأسفرت هذه المباحثات عن توقيع اتفاق بين الطرفين.

        وتَطور الموقف الأمريكي حسب تطورات المشكلة نفسها. فعندما حدث الانقلاب العسكري في قبرص، دلت التقارير، التي تسربت من وزارة الدفاع الأمريكية، على أن أمريكا، كان لها اليد الطولى في الانقلاب، رغبة منها في الإطاحة بحكم مكاريوس، لانتهاجه سياسة عدم الانحياز، وإقامته علاقات بدول المعسكر الاشتراكي، كما أنه رفض إقامة قاعدة بحرية لأمريكا في الجزيرة، ووقف ضد المخططات الإستراتيجية الأمريكية في شرق البحر الأبيض المتوسط .

2.  معالجة الولايات المتحدة الأمريكية للأزمة

        إن أهمية القطاع الجنوبي من حلف شمال الأطلسي، لم تغب أبداً عن أذهان صانعي السياسة الأمريكية، واستأثرت اليونان باهتمام الولايات المتحدة الأمريكية . وازداد النفوذ الأمريكي في اليونان، وامتد إلى السياسة وجماعات الضغط ورجال الجيش، وتلاحمت الاستخبارات في الدولتين. وهذا التعاون، تعود جذوره التاريخية إلى ما قبل وصول الضباط اليونانيين إلى الحكم، ولقد عمل الجنرال جورج بابادوبولوس، في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "C.I.A." لفترة طويلة .

        وأكد هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي، أهمية اليونان، لأنها تخدم المصالح الإستراتيجية الأمريكية، خاصة أن هناك قاعدة عسكرية أمريكية، تعد مقراً للأسطول السادس الأمريكي. وتخلّي أمريكا، من وجهة نظر كيسنجر، عن النظام العسكري في اليونان، يعنى معاداة اليونان لأمريكا، ومن ثم تعريض المصالح الأمريكية في اليونان للخطر. وأكد كيسنجر الدور الأمريكي في منع المواجهة العسكرية بين تركيا واليونان، في شأن قبرص، خوفاً من انهيار الجناح الجنوبي الشرقي لحلف شمال الأطلسي.

        كانت الغاية من العملية الانقلابية في قبرص، هي الإطاحة بحكم مكاريوس، ثم العمل على ضم قبرص إلى حلف شمال الأطلسي. ويتحقق ذلك بطريقتين، إمّا بتوحيد قبرص مع اليونان، تحت سياسة الأمر الواقع، وضمها إلى منطقة الدفاع الأمريكية، وإمّا بتقسيم الجزيرة، وهو ما يقود إلى النتيجة عينها، فالجزيرة، بقسميها، في هذه الحالة، ستخضع لتركيا واليونان. وكل من هاتين الدولتين، تُعدّ ركيزة لحلف شمال الأطلسي في شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم ستحصلان على القواعد، التي كان مكاريوس يرفضها، بحجة حياد قبرص، ولن تبخل الولايات المتحدة الأمريكية على الدولتين، بالتعويض المطلوب في المجالات العسكرية والاقتصادية. وهكذا، يكون الخلاف الطائفي، الذي عصف بالجزيرة (منذ سنوات)، قد انتهى بتقسيم الجزيرة والقضاء على استقلالها .

        كانت وجهة النظر الرسمية، قد انعكست على تصريح الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، الذي جاء فيه: "نحن نطالب تركيا، بصفة خاصة، بوقف إطلاق النار، إذ إن استخدام القوة، فضلاً عن أنه يعرض العلاقات بين تركيا واليونان للخطر، فإنه يؤدي أيضاً إلى تعريض المنطقة كلها للخطر. وإن حل القضية القبرصية، لا يمكن أن يكون من طريق استخدام سياسة القوة" .

        وكان في إمكان الولايات المتحدة الأمريكية منع تركيا من التدخل في الشؤون الداخلية لقبرص، كما فعلت عام 1964، في عهد الرئيس الأمريكي جونسون .

3.  موقف بريطانيا من الانقلاب العسكري اليوناني، والإنزال التركي في قبرص

        يكمن سبب اهتمام بريطانيا بالأوضاع القبرصية، في كونها من الدول الضامنة لاستقلال الجزيرة، إذ إنها وقعت معاهدة الضمان مع كل من تركيا واليونان، عام 1960. وبموجب هذه المعاهدة، فإن كل طرف ملزم بالدفاع عن الجزيرة، في حالة الاعتداء عليها، أو انتهاك سيادتها. وتتشبث بريطانيا بقواعدها العسكرية في قبرص، مؤكدة أهميتها، خاصة بعد فقْد قواعدها في مالطة .

        وبعد الغزو التركي  للجزيرة، ونتيجة لتردّي الأوضاع فيها، عقد هارولد ويلسون، رئيس الوزراء البريطاني، اجتماعاً طارئاً مع أعضاء حكومته، أسفر عن إرسال الحكومة البريطانية 400 من قوات الكوماندوز، لتعزيز القوات البريطانية في قاعدتَي أكروتيري ودخليا، في قبرص. وكان حوالي سبعة عشر ألف مهاجر يوناني، وعشرة آلاف مهاجر تركي، قد لجأوا إلى القواعد البريطانية في الجزيرة، بعد سيطرة القوات التركية على الجزء الشمالي منها. وطالبت تركيا بريطانيا بتسليمها اللاجئين الأتراك، لتوطينهم في الجزء الشمالي من قبرص، فرفضت، ولم تسمح لهؤلاء اللاجئين بمغادرة قواعدها في الجزيرة، إلاّ بعد تسوية مشكلة المهاجرين بصفة عامة، الأمر الذي أدى إلى ردود فعل قوية في الأوساط الرسمية التركية .

        وفي مؤتمر جنيف، الذي عقد بين بريطانيا وتركيا واليونان، في يوليه 1974، أكّدت بريطانيا ضرورة اتّباع الوسائل السلمية في حل القضية القبرصية.

        وسرعان ما توترت العلاقات بين تركيا وبريطانيا، في الفترة اللاحقة. ففي مؤتمر جنيف الثاني،  كان هناك تصلب في الرأي، من جانب بريطانيا تجاه تركيا، وأثيرت مناقشات حادة بين مندوبي الدولتين، حتى إن وزير خارجية بريطانيا، جيمس كالاهان، صرح قائلاً: "إن قبرص، اليوم، هي أسيرة الجيش التركي، وسيكون الأخير أسيراً من قبل قبرص غداً" .

        وكانت حكومتا الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، قد بعثتا بمندوبيهما إلى مؤتمر جنيف، وهو ما حال دون وصول العلاقات بين بريطانيا وتركيا إلى نقطة حاسمة، إذ كان هناك إهمال من قبل بريطانيا للاقتراح السوفيتي، الذي يرى أن قضية قبرص، يجب ألاّ تحل بين القوى الثلاث الضامنة للجزيرة فحسب، بل يجب حلها في مؤتمر موسع، يشترك فيه أعضاء مجلس الأمن، بهدف إيجاد التقارب بين الدولتين .

4.  بريطانيا ومكاريوس

        أكدت بريطانيا شرعية حكم مكاريوس، وهي التي نقلته بطائرة بريطانية خاصة من إحدى قاعدتيها، إلى جزيرة مالطة. ويعد دور المندوب البريطاني في مجلس الأمن الأمن، السير إيفور ريتشارد Sir Ivor Richard ، في صياغة قرار وقف إطلاق النار، وبهذه السرعة، تأييداً لمكاريوس وحكومته .

5.  موقف فرنسا

        حذت اليونان حذو فرنسا، في الانسحاب من الجهاز العسكري لحلف شمال الأطلسي، بعد الغزو التركي لقبرص، للابتعاد عن النفوذ الأمريكي، وساندتها فرنسا في هذا المفهوم تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. ويؤكد ذلك أن توطد العلاقات، في ذاك الوقت، بين الرئيسين، الفرنسي فالاري جيسكار ديستانValery Giscard d'Estaing، واليوناني كرامنليس، المنفي إلى باريس، باختياره، قد فتح الباب أمام فرنسا، كي تقوم بدورها في منافسة الولايات المتحدة الأمريكية، في شأن توسيع نفوذها في أوروبا.

        لم تستفد فرنسا من اليونان سياسياً فحسب، بل إن البضائع والسلع الفرنسية أيضاً، قد غزت الأسواق اليونانية. وبنت فرنسا موقفها من مشكلة قبرص على الاعتبارات السابقة، ثم زودت اليونان بطائرات الميراج المقاتلة، وبالقوارب الحربية المتطورة، والمدفعية بأنواعها. وكان الهدف الفرنسي كسر الاحتكار الأمريكي لتجهيز اليونان بالطائرات والمعدات الحربية .

        جاء رد الفعل الفرنسي المباشر لانقلاب 15 يوليه 1974، بإعلان رئيس الوزراء الفرنسي، جاك شيراك Jacques Chirac: "إن فرنسا قلقة جداً من الوضع المتدهور في جزيرة قبرص، وتخشى من إمكان حدوث مواجهة عسكرية بين تركيا واليونان، حليفتَي فرنسا في حلف شمال الأطلسي، ومن احتمال توسع نطاق هذا النـزاع" .

        وأثناء مناقشة مشكلة قبرص في مجلس الأمن، بعد الغزو التركي، قدّمت فرنسا بياناً، أكّدت فيه ضرورة انسحاب القوات التركية من الجزيرة القبرصية. ونتيجة لذلك، عمّ الأوساط السياسية في أنقرة الاستغراب والمرارة. وعلى الرغم من رفض أجيفيت، رئيس وزراء تركيا، للموقف الفرنسي بصورة رسمية، فإنه أبدى أسفه تجاه عدم التزام فرنسا الصمت، كما سبق أن فعلت إبّان الانقلاب العسكري في اليونان. وقد وصفت إحدى الصحف التركية السياسة الخارجية الفرنسية بأنها: "مستمدة من سياسة الاتجار بالمدافع"، وهي تعني بذلك صفقة الأسلحة المبرمة بين فرنسا واليونان.

6.  الموقف السوفيتي من قبرص والغزو التركي لها

        ساند السوفيت حكم مكاريوس في قبرص، في الفترة الواقعة بين عامي 1963 و1964، وذلك بسبب معارضة مكاريوس الانضمام إلى الأحلاف العسكرية، واتباعه سياسة عدم الانحياز. في حين خسر الأتراك المساندة السوفيتية، بسبب ارتباطهم بالأحلاف العسكرية الغربية.

        وإزاء احتمالات فرض تسوية لمشكلة قبرص، من جانب حلف شمال الأطلسي، أكّد السوفيت مساندتهم لقبرص، من أجل المحافظة على استقلال أراضيها ووحدتها. كما زار الرئيس مكاريوس الاتحاد السوفيتي، في يوليه 1971، وصدر عقب الزيارة بيان مشترك، تضمّن تأكيد الجانبين حق قبرص في السيادة التامة والاستقلال الكامل، كونها عضواً في الأمم المتحدة. وأوضح البيان تأكيد الاتحاد السوفيتي معارضته الإيجابية لأي تدخل أو غزو، أو استخدام للقوة، أو التهديد بها في مواجهة قبرص.

        وقد توافقت إعادة انتخاب مكاريوس، عام 1973، مع اهتمامات الاتحاد السوفيتي ومصالحه، لأن سياسته تحول دون وضع قبرص تحت سيطرة حلف الأطلسي . وكان للاتحاد السوفيتي مواقفه، المؤيدة لسيادة قبرص، منذ إعلان استقلالها في عام 1960.

        وخلال اندلاع القتال في قبرص، عام 1963، أعلن الأسقف مكاريوس، في حديث، وجّهه إلى الشعب القبرصي، دعوته لمقاومة التدخل الأجنبي، وأوضح عدم استعداده للتسليم إزاء أي تهديد أو ابتزاز، لأن الشعب القبرصي، ليس بمفرده، لكنه يملك تعاطف القوى الأخرى وتأيديها في كفاحه. وعُدَّت هذه التلميحات تحذيراً لحلف الأطلسي، في شأن تهديده لقبرص، وما يترتب عليه من رد فعل سوفيتي.

        وبالفعل، أصدرت وكالة الأنباء السوفيتية "تاس Tass"، في أعقاب ذلك، بياناً رسمياً، حذّرت فيه الغرب من التدخل في الشؤون الداخلية لقبرص. وتأكد الموقف السوفيتي من خلال سلسلة المذكرات والخطابات، التي أرسلتها الحكومة السوفيتية إلى حكومات كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وتركيا واليونان، خلال الفترات الحرجة للمشكلة القبرصية، تطالبهم بالامتناع عن التدخل في شؤون قبرص، لأن مثل هذه المحاولة، سيكون مصدراً لتعقيدات دولية، وذا نتائج مشحونة بالخطر. ويضاف إلى ذلك كله مساندة الاتحاد السوفيتي للشعب القبرصي داخل الأمم المتحدة، والاتفاق الموقع بين الطرفين في 30 سبتمبر1964، لتقديم المساعدة العسكرية السوفيتية، من أجل سلامة قبرص ووحدتها، وفي مواجهة بعض دول حلف الأطلسي، التي تحاول فرض حلول سياسية، غير مقبولة من جانب الشعب القبرصي، بما في ذلك إقامة قواعد عسكرية أجنبية .

        تعرضت العلاقات بين الاتحاد السوفيتي وقبرص لهزات خفيفة، عام 1965، نتيجة تصريحات، أدلى بها أندريه جروميكو Andrei Gromyko، وزير الخارجية السوفيتي، لصحيفة إزفستيا، أشار فيها إلى ضرورة احترام حقوق الطائفتين في الجزيرة القبرصية، مع إمكانية إقامة حكومة فيدرالية. كما تعرضت تلك العلاقات لهزة أخرى، عام 1967، نتيجة استبعاد قنصل السفارة السوفيتية في قبرص، بتهمة التجسس .

        وعندما وقع الانقلاب العسكري في اليونان، عام 1967، لم يؤيده السوفيت، لأنه ضرب الحركات اليسارية وأخمدها بشدة. كما اقترب هذا النظام من الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ذلك، رفض السوفيت رفضاً قاطعاً سياسة الإينوسيس، التي أعلنها النظام العسكري في اليونـان في شأن قبرص .

        ساد العلاقات السوفيتية ـ التركية نوع من الفتور، في أعقاب التدخل التركي في قبرص، في 20 يوليه 1974 . وطالبت موسكو، في بيان رسمي، بتطبيق قرار مجلس الأمن، الذي ينص على إعادة حكومة مكاريوس الشرعية. كذلك، اتهمت موسكو أوساط حلف شمال الأطلسي، بجعلها موضوع وحدة أراضى قبرص المستقلة مادة للمساومة، رغبة في تعزيز المواقع الإستراتيجية للحلف المذكور، شرق البحر الأبيض المتوسط. وطالبت بانسحاب كل القوات الأجنبية، التركية واليونانية والبريطانية، من الجزيرة .

        وفور عرض المشكلة على الأمم المتحدة، اضطلع المندوب السوفيتي، جاكوب ماليك Jacob Malik، بدور مهم، في صياغة قرار وقف إطلاق النار بين الطرفين المتنازعين. واستخدام حق النقض (Veto) في مجلس الأمن، ضد اقتراح، يدعو إلى تفويض الأمين العام للأمم المتحدة اتخاذ الإجراءات المناسبة، التي تمكّن القوات الدولية في قبرص من تنفيذ اتفاقية جنيف، المتعلقة بوقف إطلاق النار في الجزيرة.

        كما عبّر المندوب السوفيتي عن عدم ارتياحه إلى تورط العالم الغربي، وحلوله الانفرادية في حل هذه الأزمة. كما أوضح السوفيت موقفهم من التطورات الأخيرة في قبرص، في البيان الذي أصدرته الحكومة السوفيتية، في 22 أغسطس 1974، والذي احتوى النقاط التالية :

أ.

وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 353 (انظر الملحق رقم 14)، فإنه يجب على القوات العسكرية الأجنبية الانسحاب من جزيرة قبرص، فوراً.

ب.

إن ما يسمى بمعاهدات الضمان، التي فُرضت على الجزيرة، هي معاهدات عاجزة تماماً عن توفير الاستقلال الكامل للجزيرة. وبمعنى آخر، فإنه وفقاً لوجهة النظر السوفيتية، فإن هذه المعاهدات لا تُعدّ قائمة، ومن ثَمّ، لا يحق لتركيا أو اليونان أو بريطانيا، التدخل في الجزيرة.

ج.

إن عدم انسحاب القوات الغازية من قبرص، لا بد أن يؤدي في المستقبل إلى التوتر في العلاقات بين الدول الكبرى .

        وقد أثار هذا البيان ردود فعل قوية، في مختلف الأوساط التركية، الرسمية والشعبية. وردّت تركيا، بصورة رسمية، على البيان السوفيتي في 28 أغسطس 1974، بما مضمونه:

أ.

إن احترام سيادة قبرص واستقلالها التام يكون من طريق الدول الضامنة للمعاهدة. ولا يحق لغير هذه الدول ـ مشيرة بذلك إلى الاتحاد السوفيتي ـ التدخل في الشؤون الداخلية لقبرص.

ب.

إن الحكومة التركية قررت تخفيض قواتها في جزيرة قبرص، على مراحل زمنية.

ج.

إن تورط أي دولة في الأزمة القبرصية، لا بد أن يؤدي إلى أن يقرر الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن السياسات والأوضاع الراهنة للأقطار الأخرى، كما هي الحالة عليه الآن. وقد برهنت تجارب الماضي القريب أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لا يعملون بصورة حيادية في فض المنازعات الدولية.

د.

ترى تركيا أنه في الإمكان حل أزمة قبرص، من طريق المفاوضات بين الأطراف المعنية، أو بالشكل الذي يؤكده قرار مجلس الأمن الرقم 353، وإعلان جنيف في 30 يوليه 1974 .

        وعندما أبرمت اتفاقية جنيف لإقرار السلام، في قبرص، كان هناك استياء سوفيتي، يستدل عليه من البيان، الذي أصدرته الحكومة السوفيتية، والذي تضمن النقاط التالية:

أ.

إن قرار مجلس الأمن الرقم 353، نص على انسحاب القوات العسكرية الأجنبية، فوراً، من جزيرة قبرص. في حين أن إعلان جنيف، أشار إلى تخفيض عدد القوات الأجنبية فيها.

ب.

اعترف إعلان جنيف بوجود إدارتين مستقلتين، يتمتع كل منهما بالحكم الذاتي، إلاّ أن هذا الاعتراف الذي كان مطلباً أساسياً للحكومة التركية، مرفوض، أساساً، من قِبل الاتحاد السوفيتي. ويؤكد ذلك عودة مكاريوس إلى الجزيرة، ووقوف السوفيت إلى جانب سيادة أراضى قبرص ووحدتها واستقلالها .

        أكّد السوفيت ضرورة إعادة المهاجرين اليونانيين إلى أماكنهم. ويعكس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 3212، في أول نوفمبر 1974، وجهة النظر السوفيتية. وبعد هذا القرار، بدأت دلائل التقارب السوفيتي ـ اليوناني في الظهور. وبعد أن قررت حكومة كرامنليس الانسحاب من الجهاز العسكري للحلف، رحّب الاتحاد السوفيتي بقرار الحكومة اليونانية، لأن ذلك سيؤدى إلى انهيار الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي .

------------------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة