إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / حركة الإخوان، في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود (1910 ـ 1930)






معركة أم رَضَمَة
معركة الجهراء (الجهري)
معركة السَّبَلَة
معركة تربة (حَوْقَان)
معركة تربة الكبرى
فتح الطائف



الخلاف بين الإخوان والملك عبدالعزيز

الخلاف بين الإخوان والملك عبدالعزيز

1. بداية الخلاف

على الرغم من بسالة الإخوان وشجاعتهم وصبرهم، إلاّ أنهم أورثوا الدولة مُشْكلاً مُعقّداً كاد يُفسد المشروع الإصلاحي العظيم. فقد طغى الإخوان وتجبروا، وأخذوا يحاربون من لم يتحضر من البدو فيكفِّرون، وينهبون، ويقتلون. "أنت يا بدوي مشرك، والمشرك حلال الدم والمال. أنت يا أبا العقال من الكفار، أنا أخو من طاع (أطاع) الله، وأنت أخو من طاع (أطاع) الشيطان".

كما أصبح كل "أخٍ" متعصب بالعصابة البيضاء يستطيع أن يسطو على غيره فيُعيّر، ويشتم، ويسفك الدماء. وقد انتشرت من جراء ذلك الفوضى في البلاد، وكاد يُقْطع حبل الأمن والسلام، وضج الناس منهم.

عقد الملك عبدالعزيز، في سنة 1337هـ/1919م، مؤتمراً، في الرياض، للنظر في هذه الأمور، حضره كبار الرؤساء والعلماء، وقرروا بعد البحث ما يأتي:

أ. الكفر لا يُطلق على بادية المسلمين الثابتين على دينهم.

ب. لا تفاوت بين لابس العقال ولابس العمامة، إذا كان معتقدهما واحداً.

ج. لا فرق بين الحضر الأولين والمهاجرين الآخرين.

د. لا فرق بين ذبيحة البدوي، الذي في ولاية المسلمين، ودربه دربهم، ومعتقده معتقدهم، وبين ذبيحة الحضر الأولين والمهاجرين.

هـ. لا حق للمهاجرين أن يعتدوا على الناس، الذين لم يهاجروا كأن يضربوهم، أو يتهددوهم، أو يلزموهم الهجرة.

و. لا حق لأحد أن يهجر أحداً، بدوياً كان أو حضرياً، بغير أمر واضح، وكفر صريح، ومن دون أذن من ولي الأمر أو الحاكم الشرعي.

وقد ضُمِنّت هذه القرارات منشوراً صدر عن الملك عبدالعزيز والعلماء، في شأن مخالفة الإخوان للشرع (انظر ملحق فتوى علماء نجد، في شأن تعصُب الإخوان ومخالفتهم الشرع).

2. المواجهة

عقب انتصار الإخوان على جيش الشريف حسين، في معركة تربة (انظر ملحق معارك الإخوان)، في 25 شعبان 1337هـ/ 25 مايو 1919م، وجد الإخوان أنفسهم محط الأنظار وفي دائرة الضوء. فالظروف السياسية التي أدّت إلى تلك الأحداث، والمواجهة العسكرية التي أسفرت عنها، دفعت بحركة الإخوان إلى الساحة الدّولية. فقد كان البريطانيون ينظرون إلى حركة الإخوان، أول أمرها، على أنها ظاهرة دينية داخلية، لا تهدد المجتمع الدولي أو المصالح البريطانية، على الرغم من سمعتها المرعبة في النفوس. ولكن عقب انتصار الإخوان العسكري على قوات الشريف حسين النظامية، واجه العالم الخارجي خطراً عسكرياً وعقائدياً حقيقياً.

وبينما الملك عبدالعزيز يسعى جاهداً للإبقاء على خياراته السياسية والعسكرية مفتوحة، في مختلف المجالات والأصعدة، كان الإخوان يدفعون بالأحداث إلى مجاري الأزمات والتصعيد. فوقفوا موقفاً معادياً من حاكم الكويت، انتهى بمنع الإخوان جميع المسلمين من التعامل بالبيع والشراء مع الكويت أو حتى زيارتها إلى أن تثوب إلى رشدها، وتتخلى عن تراخيها في الأمور الدينية والأخلاقية، وترجع إلى المسار الإسلامي الصحيح (انظر ملحق مناصحة الملك عبدالعزيز لفيصل الدّويش).

وبعد معركة تربة، ضد شريف مكة، في 25 شعبان 1337هـ/ 25 مايو 1919م، ومعركة الجهراء (انظر ملحق معارك الإخوان)، ضد سالم بن مبارك الصباح، في 26 محرم 1339هـ/10 أكتوبر 1920م، خاض الإخوان معركتهم الأخيرة ضد ابن رشيد، في حائل، في 1340هـ/ 1921م، وأصبح لهم شأن عسكري، ووزن سياسي.

وبدأ الإخوان في الثورة العسكرية، فقادوا حملات، عقب سقوط حائل، 1340هـ/1921م، أدّت إلى فتح كل من الجوف ووادي السّرحان، في الشمال. وبعد أن سيطر الإخوان على الأطراف الشمالية لشبه الجزيرة، بدأوا يتطلعون إلى السيطرة على فلسطين وسورية. وكذلك، لم يترك الإخوان حدود شرق الأردن تنعم بالهدوء، فأغاروا على المدن القريبة من عمّان، وقتلوا من قاومهم، بلا هوادة أو رحمة، وطاردهم البريطانيون بالطائرات، وقتلوا عدداً كبيراً منهم.

وقد أدّت الهجمات، التي قادها الإخوان على جيرانهم في الشمال، إلى اتفاق إنجليزي ـ نجدي، في شـأن الحدود بين نجـد والعراق، عُقد في مؤتمر "العُقير"، في 12 ربيع الثاني 1341هـ/ 2 ديسمبر 1922م. وكان هذا الاتفاق مُقيداً لحركة الإخوان، وعلى حساب طموحاتهم.

بدأ التوتر يزداد بين الإخوان والملك عبدالعزيز، عندما غاب عن الإخوان البُعد السياسي، الذي كان يرمي إليه الملك، من اتفاقية العُقير مع البريطانيين. فقد رأى الإخوان فيها ضرباً من موالاة الكفار، على حين كان الملك عبدالعزيز يسعى، من طريقها، إلى تحييد الإنجليز، في صراعه مع الشريف حسين، في الحجاز. فكان أن ترأس الملك عبدالعزيز، في أواخر عام 1342هـ/ يونيه 1924، مؤتمراً، في الرياض، حضره علماء نجد، ورؤساء القبائل والقرى، وزعماء الإخوان. وكان محور المؤتمر شكوى الإخوان، من أن الشريف حسين منعهم من أداء فريضة الحج.

وفي هذا المؤتمر، تحدث زعماء الأخوان، وفي مقدمتهم سلطان بن بجاد المُلقب بسلطان الدين، وقالوا: إنهم كانوا على استعداد للذهاب إلى مكة، لأداء الفريضة، بالقوة إن استدعى الأمر ذلك. وطالب الإخوان الملك عبدالعزيز بقيادتهم، لمواجهة الشريف حسين وجهاده. وبذلك حصل الملك عبدالعزيز على فتوى شرعية، لشن الحرب على الشريف حسين، لضمان حرية أداء فريضة الحج. وهكذا، صدر، عن مؤتمر الرياض، قرار بغزو الحجاز.

فصدرت الأوامر إلى قوات الإخوان، المتمركزة، بالفعل، في تربة والخرمة بالاستعداد. كما صدرت الأوامر إلى قائديها الشريف خالد بن منصور بن لؤي، وسلطان بن بجاد، بالتحرك نحو الطائف. وزُوِّدت القوات بأمر الهجوم على الطائف، عقب انتهاء موسم حج عام 1342هـ.

وفي صفر 1343هـ/ سبتمبر من عام 1924م، هاجمت قوات الإخوان، بقيادة الشريف خالد بن لؤي، بعض القرى الصغيرة، حول مدينة الطائف (انظر ملحق معارك الإخوان). وقُدِّر عدد المقاتلين بنحو ثلاثة آلاف مقاتل. فدمروا القوات الهاشمية، التي كانت تفوقهم عدداً وعتاداً وتدريباً، وهرب قادتها تَارِكين المدينة وسُكانها، لمواجهة مصيرهم.

وعلى كل، فقد استولى الإخوان على الطائف، وفعلوا ما يفعله، عادة، الجند المنتصرون، حين يستبيحون البلدة، فيقتلون وينهبون. فاضطر أهلها إلى الفرار منها. وقد بلغت أنباء مذبحة الطائف أسماع الملك عبدالعزيز، وهو ما يزال في الرياض، فأصدر أوامره، من الفور، بإيقاف أعمال العنف.

وإن كان الإخوان قد ارتكبوا أعمالاً من العنف في الطائف، إلاّ أنها كانت كافية لسقوط مكة والمدينة، بعد شهر من ذلك، من دون إراقة للدماء. فقد سبقت صور العنف والبطش الإخواني، المبالغ في روايتها، إلى أهل الحجاز، الذين باتوا يأملون في التسليم، حفاظاً على أرواحهم. وبعد أن أذن الملك عبدالعزيز لقائديه بالتقدم نحو مكة، التي خرج منها الشريف حسين وأخلاها، دخل أربعة آلاف من الإخوان مكة، محرمين خاشعين، ولكنهم يحملون السلاح، في 18 من ربيع الأول عام 1343هـ/ 18 أكتوبر 1924م. ولم يواجهوا أي مقاومة، ولم يطلقوا رصاصة واحدة، ولم يسلبوا أو ينهبوا، ولكنهم هدموا القِباب.

وهكذا، أدّى سقوط الطائف ومكة ـ بجهد الإخوان ـ إلى تحديد مصير الحجاز، وإنهاء حكم الأسرة الهاشمية، في شبه الجزيرة العربية.

وعندما أحكم الإخوان سيطرتهم على مكة، كان الملك عبدالعزيز وقوّاته في طريقهم من الرياض إلى الحجاز، لم يبلغوا بعد منتصف الطريق.

وخلال هذه الفترة، كان القائدان، الشريف خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد، قد حسما الأمر، في مكة، مع القناصل الأجانب في جدة، ومع أعيان الحجاز وممثلي الدول الكبرى، قبل وصول الملك عبدالعزيز إلى الحجاز.

استسلمت المدينة المنورة، في 19 جمادى الأولى 1344هـ/ 5 ديسمبر 1925م، بعد حصار دام عشرة أشهر. واستسلمت جدة، بعد ذلك بشهر، عقب حصار دام عاماً كاملاً. ولكن، لم يكن للإخوان دور عسكري في استسلام هاتين المدينتين، بل منعوا من دخولهما. وعندما بدأ الإخوان يسببون حرجاً للملك عبدالعزيز، كان أفضل قرار يتخذه هو أن يعيدهم إلى نجد، معززين مُكَرّمين، معهم غنائم الحرب.

3. تصاعد الأحداث

كان الإخوان يريدون مواصلة المسيرة الدينية الظافرة، وقد أحسوا أنهم عنصرٌ غير مرغوب وجوده في الحجاز، وأنهم عمليا منعوا من دخول المدينة المنورة وجدة، وأن علماء نجد الوهابيين أخذوا مكانهم، وأنهم ـ أي الإخوان ـ لم يعد لهم مكان في مجتمع الحجاز المتحضر.

وفي عام 1343هـ/ 1925م، أعلن فيصل الدّويش ومجموعة من الإخوان، الخطوط العريضة لخلافهم مع الملك عبدالعزيز. كان ذلك خلال أول احتفال لهم بأواخر شهر رمضان في مكة المكرمة، وقد حضر الاجتماع الشريف خالد بن لؤي، وبعض كبار قادة الإخوان البارزين.

وبدأ تطرفهم الديني يُسَببُ حرجاً للملك عبدالعزيز. مثال ذلك، أنهم عارضوا أبواق المحمل المصري، لأن عزف الموسيقى في المشاعر المقدسة، في أيام الحج، حرام. فهجموا على المحمل، مما حدا بحراس المحمل أن يدافعوا عن أنفسهم، ويفتحوا عليهم النار، وذلك في موسم حج عام 1344هـ/1926م. وأدّى الحادث إلى توتر في العلاقات بين مصر والملك عبدالعزيز، قطعت على أثره، العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مدة عشر سنوات.

وهكذا، أُعيد الإخوان إلى نجد مُستائين من الملك عبدالعزيز، ومن البريطانيين الكفار، ومن أهل الحجاز (الكفار) أيضاً، ومن (كفار) العراق والأردن. رجعوا إلى قواعدهم، في نجد، يحملون في أنفسهم قنابل موقوته تستعد للانفجار. فقد شعروا أنهم، تحت قيادة فيصل الدّويش وسلطان بن بجاد، حققوا للملك عبدالعزيز حلمه في فتح الحجاز، وأنه بسيوفهم وصل إلى ما هو فيه، من مجد واستقرار.

وأحس قادة الإخوان الثلاثة: فيصل الدّويش، وسلطان بن بجاد، وضيدان بن حثلين، أن ظلماً وحيفاً حاقا بهم. وكان الدّويش قد تحول إلى أسطورة، بين الإخوان والقبائل الرعوية، الرحل والمستقرة. وكذلك، كان ابن بجاد، يٌعد بطلاً يخشاه الناس، كما يخشون أتباعه من الإخوان. وقد عُرف ابن بجاد بين اتباعه مسلماً مخلصاً، وأميناً لمبادئ الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب. وبالمثل، كان ابن حثلين لا يُخفي عدم ارتياحه من الملك عبدالعزيز، الذي قمع قبيلته العجمان، في الأحساء.

كانوا ثلاثتهم يعارضون الملك عبدالعزيز، ويتخذون لتلك المعارضة سبباً ظاهراً، هو أنه أدخل الاختراعات الحديثة والبدع إلى البلاد، وأنه حرّم الغزو، الداخلي والخارجي.

وفي نهاية عام 1344هـ/ 1926م أصبحت مطالب الإخوان أكثر تحديداً. ففي المؤتمر، الذي عُقِد في الأرطاوية، وحضره زعماء الإخوان، من مطير وعتيبة والعجمان، حصروا خلافهم مع الملك عبدالعزيز في الآتي:

أ. عدم قبولهم إرسال الملك عبدالعزيز ولده الأمير سعود إلى مصر، التي يحتلها الإنجليز النصارى، ويسكنها مسلمون كفار. وكان قد سافر إليها لتطبيب عينيه، ولتحسين العلاقات المتوترة معها.

ب. عدم قبولهم إرسال الملك عبدالعزيز ولده الأمير فيصل، إلى لندن، في مهمة سياسية، بلد الشِّرك.

ج. رفضهم استخدام السّيارات والبرق (التلغرافات) والهواتف (التليفونات). ورأوا أنها بدع نصرانية، من عمل الشيطان.

د. رفض مبدأ المكوس (الضرائب)، التي يأخذها الملك عبدالعزيز من التجار والجمارك، في الحجاز ونجد.

هـ. الاحتجاج على سماح الملك عبدالعزيز لعشائر شرق الأردن، بالرعي في أراضي المسلمين (شبه الجزيرة العربية).

و. الاحتجاج على منع المتاجرة مع الكويت؛ لأن أهل الكويت إن كانوا كفاراً حوربوا، وإن كانوا مسلمين فلماذا المقاطعة[1]؟

وكان المخاطب بإظهار هذه المخالفات هُمْ السُّذج من أتباعهم، يوغرون بها صدورهم على الملك. وتعاهد الزعماء على أن يكونوا يداً واحدة في محاربة الكفر. فانتشروا يبثون دعاويهم بين الناس.

ورداً على انتقادات الإخوان ومطالبهم، التي طرحوها، عاد الملك عبدالعزيز من الحجاز إلى نجد، ليعقد اجتماعاً، في الرياض، مع زعماء الإخوان ورؤساء القبائل. وقد حضر هذا المؤتمر نحو ثلاثة آلاف شخص[2]، وفي ذلك الاجتماع، الذي جرى في 25 رجب 1345هـ/ آخر يناير عام 1927، أكد الملك عبدالعزيز من جديد ولاءه للشريعة، وأنه لم ينحرف عن مبادئها، وكرر أنه لا يزال قائدهم، الذي يعرفونه. وانتهى الاجتماع بإصدار فتوى من علماء نجد، ردّوا فيها على اعتراضات الإخوان، التي أثاروها، وكانت ترمي، في حقيقة الأمر، إلى إثارة الرأي العام، باسم الدين، ضد الملك عبدالعزيز.

وفيما يلي بعض ما جاء في الفتوى، التي أصدرها خمسة عشر من العلماء:

"أمّا مسألة البرق (التلغراف اللاسلكي)، فهو أمر حادث في آخر هذا الزمان. ولا نعلم حقيقته، ولا رأينا فيه كلاماً لأحد من أهل العلم، فتوقفنا في مسألته، ولا نقول على الله ورسوله بغير علم، والجزم بالإباحة والتحريم يحتاج إلى الوقوف على حقيقته. وأمّا مسجد حمزة وأبي رشيد، فأفتينا الإمام ـ وفقه الله ـ بهدمهما من الفور. وأمّا القوانين، فإن كان موجوداً منها شيء، في الحجاز، فيزال فوراً. ولا يُحْكم إلاّ بالشرع المُطَهَّر. وأمّا دخول الحاج المصري بالسلاح والقوة في بلد الله الحرام، فأفتينا الإمام بمنعهم من الدخول، بالسلاح، بالقوة، ومن إظهارهم الشِّرك وجميع المنكرات. وأمّا المحمل، فأفْتَيْنا بمنعه من دخول المسجد الحرام، ومن تمكين أحد أن يتمسح به أو يُقَبّله ...." (انظر ملحق فتوى العلماء في بعض القضايا، التي أثارها الإخوان).

نفّذ الملك عبدالعزيز التوصيات، التي أصدرها العلماء في الفتوى. فحرّم استعمال الراديو والتلغراف، في أجزاء محددة، في المملكة، مع أن العلماء لم يحرّموا استعمالها، بصورة قاطعة.

وكان الملك عبدالعزيز يأمل إزالة توتر الإخوان واعتراضهم على سياسته، أو على الأقل، تأجيل المواجهة معهم حتى حين.

وعقب انتهاء الاجتماع، تعاهد الإخوان، مرة أخرى، على نصرة الملك عبدالعزيز، وبايعوه قائداً وإماماً.

ولكن الأحداث عادت إلى سيرتها الأولى. فَعَقِبَ انفضاض المؤتمر، رجع الإخوان إلى مسلكهم الأول، وواصلوا غزو القبائل على حدود العراق. وكانت قبائل من شمر قد هربت بعد غزو حائل، من نجد إلى العراق، ثم انضمت إليها جماعات من الإخوان النجديين، وأُطلق على هذه المجموعة "الإخوان اللاجئون". وكانت هذه المجموعة شوكة في ظهر الملك عبدالعزيز، نتيجة لغزواتهم المتصلة ضد القبائل على الحدود العراقية.

ولمّا وجد الإخوان أنفسهم في فراغ من الجهاد والحرب، بدأوا يتطلعون إلى العراق كأقرب الأهداف المشروعة، التي تستحق الغزو. وسبب ذلك، أنّ قبائل العراق، في نظرهم، "كافرة"، والإخوان المساعدون لها (اللاجئون) خونة. وعندما بدأت غزوات الإخوان تأخذ طابع العنف، قررت حكومة العراق إنشاء مركز للشرطة، عند آبار "بُصَيّه"[3]،على حدودها مع نجد، لمنع الغزو على جانبيّ الحدود. ولكن الملك عبدالعزيز رأى أن إقامة هذا المركز وأمثاله، مخالف للمادة الثالثة من بروتوكول العقير، التي تنص على أن: "تتعهد الحكومتان النجدية والعراقية، كل من قبلها، ألاّ تستخدم الآبار الموجودة على أطراف الحدود لأي غرض حربي، كوضع قلاع عليها، وألاّ تعبيء جنداً في أطرافها". وسعى الملك للتفاوض مع البريطانيين، أصحاب الانتداب على العراق، حول إزالة هذه المخافر. ورأى الإخوان في إقامة تلك المخافر عملاً استفزازياً جديداً، من قِبل البريطانيين. وكان ذلك مبرراً كافياً للهجوم عليها. وقرر البريطانيون مطاردة المُعتدين، داخل أراضي نجد، فاحتج الملك عبدالعزيز على ذلك، كما أنه عاتب الإخوان على قيامهم بالغزو من دون إذن منه، وإن كان منطق الأحداث يجعل هذا الغزو، يُحقق للملك عبدالعزيز المعادلة المتوازنة في تجنب المواجهة المباشرة مع البريطانيين، الذين كانوا يأملون في كفه أذى الإخوان عنهم.

وبينما الإخوان يركزون هجومهم، بصفة أساسية، على "الكفار"، كانوا يتهمون الملك عبدالعزيز بأنه باع نفسه للنصارى الإنجليز، وأنه تحالف معهم، ضد التزامه مع الأخوان على نشر الإسلام ومحاربة الكافرين. وحتى يتجنب الملك عبدالعزيز تصعيد الأحداث، وافق على الاجتماع إلى رؤساء الإخوان الثلاثة، في مدينة بريدة. ولكن عندما حان موعد اللقاء، تخوّف الطرفان من لقاء بعضهم بعضاً؛ فقد كان كل جانب يتشكك في الآخر. وتم الاتفاق على تأجيل الاجتماع، حتى يتمكن الملك عبدالعزيز من التباحث مع البريطانيين، في شأن خلافاتهم مع الإخوان. وبعد فشل المفاوضات، التي جرت بين الملك عبدالعزيز والسير جلبرت كلايتون، في جدة، تزايد تهديد الإخوان، بما أحرج موقف الملك عبدالعزيز. وأصبح مقتنعاً أن الدافع الرئيسي وراء تصرفات قادة الإخوان الثلاثة لم يكن غيرتهم على الدين، وإنما تطلعاتهم الشخصية إلى السلطة، وإرضاء شهوتهم للغزو. وكان يُقدر أنهم قد اتفقوا، فيما بينهم، على اقتسام الأسلاب بعد التخلص منه: يصبح فيصل الدّويش حاكماً لنجد، ويتولى سلطان بن بجاد حكم الحجاز، ويصبح ضيدان بن حثلين حاكماً للأحساء. وهذا التوزيع كان متوافقاً مع توزيع القبائل، ونفوذ كل شيخ من الشيوخ في المنطقة التي تخصه. ومع ذلك، وعلى الرغم من ازدياد الموقف حرجاً في نجد، لم يعد إليها الملك عبدالعزيز، من الحجاز، إلاّ في شهر جمادى الأولى من عام 1347هـ/ نوفمبر 1928م. وفي ذلك التاريخ، ساد التمرد العام بين الإخوان. فقد بدأوا يمارسون الغزو على هواهم، مما أدّى إلى شل حركة الملك عبدالعزيز في اتخاذ أي إجراء، داخلي أو خارجي. ولم يكن بوسعه الاعتراف أنّ الإخوان إنما يغزون من دون إذن أو تصريح منه، لأن ذلك سيكون اعترافاً صريحاً منه بعدم قدرته على السيطرة عليهم. ومع ذلك، لم يستكن الملك عبدالعزيز للهجمات الشرسة القاسية، التي كان الإخوان يشنونها على القبائل، تلك القبائل التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها. ولم يرض عن الانتهاكات الصارخة، التي قام بها الإخوان، للاتفاقات التي أبرمها مع الحكومة البريطانية.

وكان منطقياً أن ينفد صبر الملك عبدالعزيز عند هذا الحد من تصرفات الإخوان، خاصة بعد أن استجاب لمطلبهم، وحرّم استعمال الراديو، واللاسلكي والسيارات، واختراعات أخرى حديثه، في الرياض. ومن الواضح أن أياً من تلك الاستجابات لم تكن لتُرضي الإخوان. كما أدرك الملك عبدالعزيز أن قادة الإخوان يتمتعون بشعبية بين كثير من رعاياه، نظراً لنجاح كل من فيصل الدّويش وابن بجاد في الحملة التي قاما بها بين القبائل. فأذاعا أنهما يمثلان مصالح الإسلام الشرعية، وأنهما يدافعان عن قضية الدين، في حين أن الملك عبدالعزيز بعد أن استولى، بفضل شجاعتهم، على الحجاز، باع نفسه للإنجليز وللنصارى.

ومما لا شك فيه، أن مواجهة الإخوان أصبحت أمراً لا مفر منه. ومع ذلك، كان الملك عبدالعزيز يأمل، عندما يحين موعد هذه المواجهة، أن يحظى بمساندة أكبر عدد من رعاياه، وأن تكون قضيته واضحة لهم، تماماً.

 



[1] يذكر الزركلي ص 472 نقلاً عن خالد الفرج سبب مقاطعة التجارة مع الكويت أن الكويت كانت تمون نجداً بالبضائع إلى سنة 1340هـ/1922م. ولم يكن يرد إلى نجد عن طريق موانيء العقير والقطيف والجبيل إلا الشيء القليل. ولما انتشرت هجر الإخوان لم يتيسر إنشاء دوائر لاستيفاء الرسوم على ما يرد من البضائع، فطلب الملك عبدالعزيز من حكومة الكويت أن توافق على إقامة نقطة في حدودها لهذه الغاية، فأبت لظنها أن ذلك يمس بسيادتها. فاضطر إلى منع المتاجرة مع الكويت، وتحويلها إلى موانيء نجد.

[2] حضر فيصل الدّويش وابن بجاد، وكل مشايخ قبيلة مطير، وعتيبة، وقحطان وشمر، وحرب، والعجمان، ومرة، وعنزة نجد، والدّواسر وسبيع، والسهول، وبني هاجر، وبني خالد، والعوازم.

[3] موقع قريب من الناصرية بجنوب العراق، به ماء.