إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / النزاع بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة، حول الجزر الثلاث






موقع الجزر الثلاث



الفصل الثالث

المبحث الأول

الاحتلال الإيراني وجذور الخلاف

أولاً: التغييرات التي أدخلها الاحتلال الإيراني

ما أن احتلت القوات الإيرانية جزيرة طنب الكبرى، بادرت إلى تمركز عناصر من المدفعية بعيدة المدى ومدفعية مضادة للسفن البحرية ومدفعية مضادة للطائرات، وأقامت عدة استحكامات عسكرية في عدد من التلال الجبلية التي تشرف على الخليج وكذا على أراضي الجزيرة وسهولها.

وحوَّلت مركز الشرطة بالجزيرة إلى محطة كهرباء، وحولت مبنى المدرسة القاسمية الجديدة إلى مستودع للأسلحة والمؤن، وأقامت على أحد الأبنية المشرفة على ساحل الخليج مركزاً للإرسال اللاسلكي، واتخذت من الدار المجاورة لها مركزاً للقيادة. كما أنشأت بعد ذلك مطاراً عسكرياً لطائراتها النفاثة (المقاتلة) والطائرات العمودية.

وشجعت الحكومة الإيرانية النساء الإيرانيات على الاستقرار في الجزيرة (حوالي 150 امرأة) فخصصت لكل منهن مكافأة شهرية قدرها 700 تومانا كحافز للإقامة في الجزيرة، وبذلك تم إحلال السكان الجدد محل أهالي طنب الكبرى العرب المهجرين.

أما عن جزيرة أبو موسى فقد شهدت هي الأخرى تغييرات كثيرة في جانبها الشرقي حيث تحولت إلى قاعدة عسكرية متطورة، أقامت فيها إيران موانئ (أرصفة) للسفن الحربية وزوارق الطوربيد البحرية السريعة، وأنشأت مطاراً عسكرياً متطوراً امتّد مدّرجه عدة كيلومترات فوق أرض الجزيرة، في القسم التابع لدولة الإمارات بدعوى أن حربها القائمة مع العراق استدعت اتخاذ مثل هذا الإجراء. ويضاف إلى ذلك، إنشاؤها ميناءً لاستقبال المراكب والسفن القادمة إلى الجزيرة، حيث أخذ سكان الجزيرة يستخدمونه في قدومهم ورحيلهم مما أتاح لسلطات الميناء الإيرانية فرصة الرقابة والتحكم على القادمين إلى الجزيرة والمغادرين لها.

فرضت السلطات الإيرانية فيما بعد إجراءات رسمية متشّددة على القادمين إلى الجزيرة ووضعت القيود على دخول أبناء الجنسيات الأخرى إلى الجزيرة. وأقدمت إيران بعد ذلك على انتهاك آخر لسيادة دولة الإمارات بتسّييرها خطاً جوياً يربط بين مدينة بندر عباس الإيرانية وجزيرة أبو موسى، تشجيعاً للمواطنين الإيرانيين على الاستيطان في الجزيرة التي لم يكن يسكنها من قبل أي مواطن إيراني.

عزّزت إيران قاعدتها العسكرية في جزيرة أبو موسى بعد أن منحت نفسها مسؤولية الأمن في الجزيرة، وزادت أعداد العسكريين الإيرانيين من (120) إلى (500) جندي، وأقامت قواعد صواريخ سلك وورم. أما عن الموقف في جزيرتي طنب الكبرى والصغرى، فلا أحد يعلم شيئاً لأن الجزيرتين محتلتان تماماً منذ اقتحام القوات الإيرانية لهما يوم 29 نوفمبر 1971، وطردت سكانها بعد أن قُتلت عدداً منهم.

·   في 28/8/1996 أكدت دولة الإمارات في رسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي، رفضها لادعاء إيران أن المجال الجوي لجزيرة أبو موسى تابع لإيران، واعتبرت دولة الإمارات هذا الادعاء انتهاكاً صارخاً لسيادتها على جزيرة أبو موسى.

·   في 4/9/1996 أبلغت دولة الإمارات الأمم المتحدة، عدم اعترافها بأحكام قانون المناطق البحرية للجمهورية الإيرانية لعام 1993، وبأي حكم في القانون يمسّ سيادتها على جزرها الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى والمياه الإقليمية التابعة لها.

·   في 1/10/1996 أوضح راشد عبدالله وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة أمام الدورة الواحدة والخمسين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، أن إيران عمدت إلى إقامة تجهيزات ومنشآت فوق هذه الجزر ليست كلها ذات طابع مدني، فشيدت محطة للكهرباء في جزيرة طنب الكبرى في إبريل 1996، ومطاراً ومستودعاً للتبريد ومصنعاً لتجهيز الأسماك في جزيرة أبو موسى، كما لجأت إلى توطين أعداد كبيرة من المواطنين الإيرانيين وخاصة فئة العسكريين منهم، لتغير المعالم الديموغرافية لهذه الجزر الثلاث وفرض سياسة الأمر الواقع إمعاناً في تكريس احتلالها.

·   في نوفمبر 1996 قدمت دولة الإمارات مذكرة احتجاج رسمية إلى الحكومة الإيرانية، احتجاجاً على افتتاح فرع لإحدى الجامعات الإيرانية في جزيرة أبو موسى وأكدت دولة الإمارات أن إيران تحاول فرض الأمر الواقع بإقامة مشاريع على الجزر التي تحتلها.

·   في 4/1/1997 سلمت البعثة الدائمة لدولة الإمارات الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، نصّ مذكرة وزارة الخارجية التي سلمتها للسفارة الإيرانية في أبو ظبي احتجاجاً على انتهاك إحدى القطع البحرية الإيرانية للمياه الإقليمية يوم الأول من يناير 1997 دون الحصول على إذن مسبق من السلطات المختصة في الدولة.

·   في 8/1/1997 سلمت البعثة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة الأمين العام للمنظمة الدولية ورئيس مجلس الأمن، نصّ المذكرة التي وجهتها وزارة الخارجية إلى سفارة إيران في أبو ظبي احتجاجاً على إعلان الحكومة الإيرانية تنظيم دورة لكرة القدم في جزيرة أبو موسى.

·   في 21/6/1997 سلمت البعثة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، الأمين العام للمنظمة الدولية ورئيس مجلس الأمن نص مذكرة الاحتجاج التي وجهتها وزارة الخارجية إلى السفارة الإيرانية في أبو ظبي على قيام إيران ببناء رصيف بحري في جزيرة طنب الكبرى.

·   في 2/3/1999 تقدمت دولة الإمارات بمذكرة احتجاج رسمية للأمين العام لجامعة الدول العربية، تجاه ما قام به وزير الداخلية الإيراني بافتتاح مقر جديد للبلدية ومجمعاً طبياً في جزيرة أبو موسى في الخامس من فبراير 1999، مما يعّد انتهاكاً من إيران لمذكرة التفاهم حول هذه الجزيرة.

ثانياً: نبذة تاريخية عن جذور الخلاف بين إيران والإمارات حول الجزر

تمتد جذور النزاع إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وكان دائماً بين مدّ وجذر طبقاً للظروف التي كانت تحكم المنطقة في ذلك الحين، وتبعاً للمتغيرات الدولية والإقليمية التي تؤثر عليها. وقد رفضت حكومة إيران منذ البداية إعادة الجزر إلى أصحابها وتمسكت بقرار احتلالها.

بعد انهيار دولة اليعاربه في عُمان، بدأ يسطع نجم قوة دولة القواسم وأسطولها البحري، في الساحل الجنوبي للخليج العربي حيث كانت من أبرز مناطقهم رأس الخيمة والشارقة، ثم امتد هذا النفوذ في القرن الثامن عشر إلى الساحل الشمالي حيث استقر بعض "القواسم"، ووضعوا الجزر والساحل المحاذي للخليج تحت سيطرتهم. ثم حدث تقسيم عُرفي عام 1835م بين "القواسم" لملكية جزر الخليج، بحيث أصبحت جزيرتا سرى وهنجعام تابعة لقواسم لنجه، وجزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى وصّير بو نعير تابعه لقواسم ساحل عُمان، أي رأس الخيمة والشارقة، وهذا ما تؤيده وثيقة لدى السلطات البريطانية من عام 1864م عبارة عن رسالة رسمية من حاكم قواسم الساحل تؤكد بموجبها تبعية جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى وصّير بو نعير له منذ أجداده الأوائل.

تعد هذه الوثيقة أول مستند رسمي يؤكد السيادة العربية على هذه الجزر، بالإضافة إلى أن حاكم الشارقة رفض عام 1898م منح امتياز لشركة أجنبية للتنقيب عن بعض أنواع المعادن الموجودة في باطن أرض جزيرة أبو موسى. مما أزعج إيران في ذلك الحين، وجعل قواتها تغزو "لنجة" وتطرد حكامها "القواسم" عام 1887م بعد أن حكموا هذه المنطقة زهاء ربع قرن، ثم احتلت جزيرة سرى.

في القرن التاسع عشر كانت هذه الجزر غير مأهولة بالسكان الدائمين، وكان القواسم يستخدمونها للرعي الموسمي، وحينما طالبت إيران عام 1887م بهذه الجزر، كانت السلطات البريطانية تستعد لإعلان ملكيتها عليها، وفي ذلك الوقت أظهر المندوب البريطاني في الشارقة نسخاً من خمسة رسائل، من بينها رسالة من الشيخ خليفة بن سعيد من "لنجة" تؤكد بشكل واضح أن جزر طنب هي من أملاك الشيخ حميد بن عبدالله من رأس الخيمة.

وكما يبدو أن هذه الرسائل كانت حاسّمة في إقناع البريطانيين بأن أيّاً كان المسؤول عن إدارة "لنجه" قبل عام 1887م، فإن هذه الجزيرة كانت من ممتلكات الفرع الأكبر لأسرة القواسم وليس من ممتلكات الفرع الأصغر في "لنجه"، وفي الوقت الذي كان البريطانيون يعدون العدة لمساندة الشارقة في مطالبتها لجزيرة "سير"، علموا أن إيران تطالب بالجزيرة نفسها لكنهم لم يعارضوا الأمر، وأصبحوا على استعداد للقبول باحتلال إيران للجزيرة، وبعد ذلك اكتشف البريطانيون وثائق مؤرّخة بين أعوام 1884، 1908م، تظهر بوضوح أن جزيرة أبو موسى تابعة للشارقة.

ومن ناحية أخرى، ادعى الإيرانيون أن جزر أبو موسى وطنب كانت ـ على غرار جزيرة سير ـ تحت إدارة شيخ "لنجة" في الفترة التي سبقت عام 1887م، وأشاروا إلى خرائط أعدّها البريطانيون في الفترة التي تمتد بين 1886 وبداية عام 1900م، والتي تشير إلى أن البريطانيين يعتقدون أن هذه الجزر فارسية، ومن ثم برز خلاف بين الحكومة الإيرانية في طهران من جهة وبين القواسم والبريطانيين من جهة أخرى حول وضع هذه الجزر.

في عام 1904 احتلت إيران جزيرة أبو موسى واعترف قائد الحملة الإيرانية آنذاك في تقرير له عام 1887م، أن القواسم يستوطنون أبو موسى ويتخذون منها قاعدة لهم. كان الهدف من هذا الاحتلال هو منح امتياز لإحدى الشركات الأجنبية للتنقيب على ثروات وخيرات الجزيرة.

ولإضفاء الشرعية على هذا الاحتلال، رفعت إيران العلم الإيراني على الجزيرة، مما جعل حاكم الشارقة يحتج على هذه التجاوزات، وسانده في ذلك ممثل بريطانيا في المنطقة في ذلك الوقت، الذي طالب طهران بتقديم ما يؤيد سيادتها على الجزيرة. فما كان من إيران إلا أن انسحبت من الجزيرة عندما عجزت عن تقديم أية وثائق تثبت ادعاءاتها.

في عام 1912 قرر البريطانيون إنشاء "مناره" على أرض جزيرة طنب الكبرى، وفي فبراير 1913، أثارت وزارة الخارجية الإيرانية مع البريطانيين مسألة "المناره" وقضية ملكية القواسم للجزيرة. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تحولت الأنظار عن المنطقة وتجمّدت العلاقات بين القواسم والإيرانيين حتى عام 1923 عندما تولت أسرة بهلوي مقاليد الحكم في إيران.

في عام 1923، فوجئ المندوب البريطاني في طهران برسالة من وزارة الخارجية الإيرانية تطالب فيها بجزر طنب وأبو موسى، ورد المندوب البريطاني بمذكرة مفادها، أنه في عام 1904 رفضت الحكومة الإيرانية رفع أعلامها على الجزر، وتوصل الطرفان إلى اتفاق شفوي مفاده أن جزيرة "سير" هي ملك للإيرانيين وأن جزيرة أبو موسى وجزر طنب ملك للعرب.

ثم توترت العلاقات فيما بعد بين بريطانيا وإيران، ومع ذلك، حاول الجانبان البحث عن حّل لإشكالية هذه الجزر عامي 1929، 1930، وكادت هذه المباحثات أن تسّفر عن معاهدة بريطانية إيرانية، إلا أن المباحثات توقفت وتقدمت إيران بطلب استئجار جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى من رأس الخيمة لمدة خمسين عاماً، ورفضت بريطانيا، ثم مع بداية عام 1935، احتج الإيرانيون حين منح حاكم الشارقة لشركة بريطانية حق امتياز تصدير الأكسيد من جزيرة أبو موسى. وعلى الرغم من ذلك فقد خفت حدة الخلاف كثيراً، وبدأت بعض العائلات العربية والفارسية تقطن هذه الجزر، قدّر حجمها بخمسّ عائلات إيرانية وخمسّة عشر عائلة عربية، وفي عام 1941 صرّح الإيرانيون أن شقيق حاكم رأس الخيمة يحصل على ضرائب من العائلات الإيرانية والعربية التي تقيم في هذه الجزر. وخلال الخمس والعشرين عاماً التي تلّت الحرب العالمية الثانية، وقعت عدة أحداث بسيطة، وقدم المندوبان البريطاني والإيراني اقتراحات عديدة لتسوية الخلاف حول الجزر، إلا أن هذه الاقتراحات لم تؤخذ بعين الاعتبار.

ثالثا: أبعاد إعلان بريطانيا عن عزمها الانسحاب من الخليج

حين أعلن البريطانيون عام 1968 عن عزمهم الانسحاب من الخليج بنهاية عام 1971، عادت إشكالية الجزر لتتصّدر قائمة الاهتمامات في المنطقة، أما بشأن قضية البحرين ومطالبة الإيرانيين بها فقد تم التوصل إلى حلّ لها بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة، بدعم ومساندة شاه إيران والذي أظهر براعة سياسية فقد طالب الشاه بإعادة سلطته على جزيرة أبو موسى وجزيرتي الطنب، وأعلن بوضوح أن إيران تتوقع أن تُكافئ بامتلاك هذه الجزر بعد جلاء القوات البريطانية عن منطقة الخليج. وبادر الممثل الخاص لوزارة الخارجية البريطانية في الخليج (وليم لوسي) إلى تأييّد قيام اتحاد بين الدول العربية التي ستنسحب القوات البريطانية عنها، كما حاول إيجاد حل للخلاف حول جزيرتي الطنب وأبو موسى. صرّح الشاه بأنه سوف يقف بوجه أي اتحاد بين الدول العربية في الخليج الجنوبي ما لم ينّل مأربه، مؤكداً أنه على استعداد لأخذ هذه الجزر بالقوة المسلحة إذا لزم الأمر.

كان ذلك إيذاناً ببدء مفاوضات غير متكافئة بوساطة بريطانية حتى تم التوصل إلى اتفاق فيما بعد في شهر نوفمبر 1971 بما عرف بمذكرة التفاهم.

رابعاً: احتلال إيران للجزر العربية الثلاث

في 29 نوفمبر 1971، زحفت قوات عسكرية كبيرة من الجيش الإيراني يساندها بعض القطع البحرية إلى جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، واحتلتهما بعد مقاومة محدودة بين عناصر الشرطة التابعة لإمارة رأس الخيمة والقوات الإيرانية المتفوقة عدداً وعدّة، وقُتل ثلاثة إيرانيين وفرد من قوة الشرطة التابعة لرأس الخيمة، أما باقي عناصر الشرطة فقد أصيبوا واعتقلتهم القوات الإيرانية.

وأُجبر سكان الجزيرة التي يقدر عددهم بـ180 على مغادرة الجزيرة إلى رأس الخيمة، تاركين ورائهم منازلهم وممتلكاتهم.

وكان الموقف في جزيرة أبو موسى مختلفاً تماماً، حيث قصد مندوب شاه إيران إلى الجزيرة مرافقاً للقوات الإيرانية في اليوم التالي مباشرة (30 نوفمبر 1971)، وكان في استقباله في الجزيرة نائب حاكم الشارقة الشيخ صقر بن محمد بن صقر القاسمي، وممثل عن الحكومة البريطانية، وسكان الجزيرة الذي يبلغ تعدادهم نحو 800 نسمة. وانتشرت القوات الإيرانية في الجزء المخصص لها في الجزيرة وفقاً لمذكرة التفاهم. وهكذا قبل 48 ساعة من إعلان قيام دولة الإمارات الجديدة، سقطت جزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى التابعتين لإمارة رأس الخيمة فـي أيدي القوات الإيرانيـة يوم 29/11/1971. كمـا تمركزت القوات الإيرانية فـي جزيرة أبو موسى يـوم 30/11/1971 وفقاً لاتفاق غير عادل بين إيران وإمارة الشارقة، وبذلك حققت إيران ما كانت تخطط له قبلاً باحتلالها للجزر الثلاث دون خسائر تذكر.

قدمت إمارة رأس الخيمة احتجاجاً شديد اللهجة للحكومة البريطانية المسؤولة عن حماية الجزيرتين (طنب الكبرى والصغرى)، تطبيقاً للاتفاقيات المبرمة بينهما والتي كانت سارية المفعول آنذاك، ولم تكن بريطانيا قد استكملت انسحاب قواتها العسكرية بعد. ولكنها لم تكترث لموضوع الاحتلال الإيراني للجزر، واكتفت ببيان أصدرته وزارة الخارجية البريطانية أعربت فيه عن خيبة الأمل لما حدث ولسقوط الضحايا فوق الجزر.

تم الإعداد والتخطيط الجيد لاحتلال إيران للجزر، وكان للشاه رؤية إستراتيجية منسّقة ومتكاملة اعتمدت على عدة ركائز أساسية وهي:

·   الاختيار الدقيق والمناسب لتوقيت تنفيذ عملية احتلال الجزر، في يومي 29، 30 نوفمبر 1971، وهو اليوم السابق لانتهاء اتفاقية الحماية البريطانية للمحميات والإمارات، حيث تنتهي المعاهدة المبرمة مع بريطانيا يوم الأول من ديسمبر 1971. وكان اختيار هذا التوقيت بعد أن تكون القوات العسكرية البريطانية الرئيسية قد غادرت بالفعل منطقة الخليج، وليس من منطق الأمور أن تقاتل بريطانيا صديقها وحليفها الشاه لاسترداد جزيرتي طنب ثم تنسحب في اليوم التالي من المنطقة.

·   تنفيذ عملية الاحتلال قبل 48 ساعة فقط من إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة اتحادية مستقلة ذات سيادة تتكون من سبع إمارات (أبو ظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القوين، الفجيرة، ورأس الخيمة) اعتباراً من 2 ديسمبر 1971.

·   ادعاء إيران أن احتلالها للجزر قبل ساعات من إعلان قيام الدولة الجديدة (دولة الإمارات العربية المتحدة)، لا ينافي إمكانية التعايش السلمي مع الدولة الجديدة بدعوى أن مشكلة الجزر هي مسألة بين إيران والقواسم منذ فترة زمنية بعيدة ولا علاقة لدولة الإمارات بها، وأن الأمن والاستقرار في الخليج يتحقق من خلال التعاون بين الإيرانيين والعرب.

خامساً: مفاوضات الوساطة البريطانية ـ الإيرانية مع حاكم الشارقة

ارتبط الموقف البريطاني بمقتضيات المصالح البريطانية الإيرانية المشتركة، فكان على بريطانيا انطلاقاً من هذا الموقف تكليف أحد دبلوماسيها المخضرمين (وليم لوسي) ليقوم بدور التسوية والضغط للتوصّل إلى حّل يتوافق مع أهداف وسياسات إيران.

كان على الشارقة أمام هذا الموقف أن تواجه الأمور وحدها، وأن تقرر ما تراه مناسباً تجاه تلك الضغوط والتهديدات المتواصلة باحتلال جزيرة أبو موسى، وبعد مفاوضات طويلة طرح الممثل الخاص لوزارة الخارجية البريطانية في الخليج وليم روس، مشروع اتفاق على إمارة الشارقة يتضمن نقطتين أساسيتين:

·   اقتسّام الجزيرة بين إيران والشارقة في مقابل مبلغ من المال يُتفق عليه فيما بعد، على ألاّ تدّعي الشارقة السيادة على الجزيرة كما لا تدّعي إيران السيادة عليها لمدة سنتين بعدها يتقرر مصيرها.

·   تأجير إيران للجزيرة لمدة 99 عاماً قابلة للزيادة، لقاء مبلغ من المال يتفق عليه، على أن يبقى علم الشارقة مرفوعاً فوق المخفر الوحيد هناك، ويحق لحكومة طهران إقامة قواعد في المناطق التي تختارها.

وفي كلمة ألقاها الشيخ خالد بن محمد بن صقر القاسمي حاكم الشارقة في نهاية أكتوبر 1971، أمام جمع كبير من أبناء الشارقة، عقب اجتماعه بالمفاوض البريطاني وليم لوسي قال:

"إن الشارقة ترفض رفضاً قاطعاً الشروط التي عرضها (لوسي) بخصوص جزيرة أبو موسى، ونعتبرها شروطاً تمسّ سيادة الشارقة التي لا يمكننا التنازل عنها أو عن أي شبر واحد من التراب العربي الذي هو ملك للأمة العربية جمعاء". وناشد حاكم الشارقة في حينها الدول العربية، أن تتخذ موقفاً موحداً إزاء هذه القضية.

تواصلت الضغوط البريطانية ـ الإيرانية على الشارقة، تخيرها بين الرضوخ للمطالب الإيرانية مع التوصل إلى تفاهم ودي يبقى للشارقة وجوداً في الجزيرة، أو الاحتلال الإيراني الكامل لجزيرة أبو موسى.

رأت الشارقة أن تتوصل إلى اتفاق يعتمد على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إزاء الوعيد والتهديد الإيراني باحتلال جزيرة أبو موسى المتلازم مع الضغوط التفاوضية البريطانية. ومن ثم في 29 نوفمبر 1971، أعلن الشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة من إذاعة صوت الساحل في معسكر المرقاب التابع لقوة ساحل عُمان بإمارة الشارقة، بياناً قال فيه:

"إنه اضّطر إلى التوصل إلى ترتيب مع إيران للتشارك في السيادة على جزيرة أبو موسى، في مواجهة التهديد الصريح بالاستيلاء على الجزيرة بالقوة في حالة عدم قبوله، إضافة إلى أن بريطانيا سبق أن أوضحت موقفها بصراحة من أنها عاجزة عن الدفاع عن الجزر إذا لم يتم التوصل لترتيبات محددة قبل حلول موعد رحيلها عن الخليج".

وهكذا إزاء التهديدات الإيرانية، وافق حاكم الشارقة آنذاك على اقتسّام السلطة في جزيرة أبو موسى مع إيران دون التخلي عن سيادته أو الاعتراف بالسيادة الإيرانية، وذلك في إطار اتفاقية أطلق عليها اسم مذكرة تفاهم، تم التوصل إليها بالإكراه وهو ما يلغي شرعية هذه المذكرة وذلك بموجب المادة (52)، من قانون المعاهدات بين الدول والتي تنص على ما يلي:

"تُعد لاغية الاتفاقية التي يتم التوصل إليها بالتهديد أو باستخدام القوة وانتهاك مبادئ القانون الدولي كما يتضمنه ميثاق الأمم المتحدة".

تم توقيع مذكرة التفاهم هذه بين إيران والشارقة بضمان الحكومة البريطانية، بين الشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، وعباس حلقبري وزير الخارجية الإيراني، ودوجلاس هيوم وزير خارجية بريطانيا.

انقسّم الرأي العام الإقليمي والعربي حول مذكرة التفاهم والإقرار لإيران باحتلال نصف جزيرة أبو موسى بين مؤيد ومعارض، فقد رأى البعض أن ذلك الإجراء يعد تفريطاً في أرض الجزيرة ومياهها، ورضوخاً للوعيد والتهديد العدواني الإيراني وتسليماً للضغوط التفاوضية البريطانية، وأن ما حدث يمنح إيران قاعدة متقدمة للقفز على المزيد من الأراضي العربية تحقيقاً لأهداف شاه إيران في التوسع والسيطرة على منطقة الخليج العربي بأسرها. في حين رأى البعض الآخر أن التفريط بالجزء أفضل من ضياع الكلّ، وأنه ليس لإمارة الشارقة القدرة على مواجهة التهديدات الإيرانية والضغوط البريطانية، كما أن المستقبل كفيل باستعادة ما سّلب من الجزيرة، عندما تتهيأ الظروف العربية والسياسية المواتية لتحقيق هذه الغاية، حيث أن الشارقة لم تسلم بموجب مذكرة التفاهم لإيران الحق أو الشرعية بالسيادة على الجزيرة.

سادساً: التكييف القانوني لمذكرة التفاهم بين إيران وإمارة الشارقة

لا تعدو هذه الاتفاقية كونها مجرد ترتيبات إدارية مؤقتة قُصد منها إتاحة الفرصة للطرفين لإدارة الجزيرة واستثمار بعض ما بها من ثروات إلى أن يحسّم موضوع السيادة عليها.

وعلى ذلك يمكن إجمال مضمون مذكرة التفاهم في النقاط التالية:

·   إن إمارة الشارقة لم تتنازل عن سيادتها على جزيرة أبو موسى أو على أي جزء منها.

·   إن مذكرة التفاهم لم تنقل لإيران السيادة على جزيرة أبو موسى أو على أي جزء منها.

·   إن وجود القوات الإيرانية في قسم الجزيرة المحدد في الخريطة المرفقة بمذكرة التفاهم، لا سّند له سوى مذكرة التفاهم ومن ثم فإن أثره مقيّد ببنودها.

·   إن مذكرة التفاهم تسبغ على إيران ولاية كاملة فقط في حدود المنطقة المتفق على احتلالها من قبل القوات الإيرانية والمحددة بموجب الخريطة المرفقة بمذكرة التفاهم.

·   إن مذكرة التفاهم لا تعطي إيران الحق في التدخل بأي طريقة وتحت أي ظروف في جزء الجزيرة الذي قضت مذكرة التفاهم بأنه يخضع للولاية الكاملة لإمارة الشارقة.

سابعاً: محتويات مذكرة التفاهم:

تتضمن مذكرة التفاهم مقدمة وسّتة بنود، تؤكد المقدمة أن كلاً من إيران والشارقة لن يتخلّيا عن المطالبة بأبي موسى ولن تعترف أيٌ منهما بمطالب الأخرى، أما البنود السّتة فهي كالتالي:

·   المادة الأولى، تنصّ على وصول قوات إيرانية لجزيرة أبو موسى واحتلال مناطق ضمن الحدود المتفق عليها في خريطة مرفقة بالاتفاق.

·   المادة الثانية، أن يكون لإيران صلاحيات كاملة على المناطق المتفق عليها والمحتلة بالقوات الإيرانية، وفي المقابل تمارس الشارقة صلاحيات كاملة على سائر المناطق الأخرى من الجزيرة.

·   المادة الثالثة، تعترف كل من إيران والشارقة بامتداد المياه الإقليمية للجزيرة لمسافة 12 ميلاً بحرياً.

·   المادة الرابعة، يصرح لشركتّي نفط (تم تحديدهما في الاتفاق) باستغلال الثروات النفطية للجزيرة، على أن يقسّم العائد مناصّفة بين إيران والشارقة.

·   المادة الخامسة، المساواة في الحقوق بين المواطنين في كل من إيران والشارقة فيما يتعلق بالصّيد في المياه الإقليمية للجزيرة.

·   المادة السادسة، يتم التوقيع على اتفاق تعاون اقتصادي بين إيران والشارقة.

(اُنظر ملحق مذكرة التفاهم الموقعة بين إيران وإمارة الشارقة بشأن جزيرة أبو موسى نوفمبر 1971)

(اُنظر ملحق بيان صادر عن ديوان حاكم الشارقة في 30/11/1971 بشأن الاتفاق بين الشارقة وإيران حول جزيرة أبو موسى)

وعلى الرغم من أن مذكرة التفاهم بنصّها الصريح لا تمسّ إدعاء الطرفين بالسيادة على الجزيرة، ولا تتجاوز كونها مجرد ترتيبات لإدارة الجزيرة بصفة مؤقتة، إلا أنها وقعت دون رغبة حقيقية من جانب إمارة الشارقة في ظل ظروف قاهرة وملحّة تمثلت في التالي:

·   تصميم بريطانيا على الانسحاب من المنطقة في الموعد المحدد وسحب الحماية عن الإمارات.

·   تهديد إيران بأنها سوف تحتل الجزر الثلاث بالقوة المسلحة ما لم يتم التوصل إلى تسوية بشأنها قبل قيام الدولة الاتحادية المقترحة.

·   تهديد إيران بعدم الاعتراف بالدولة الاتحادية المقترحة بل ومعارضتها لقيام هذه الدولة، ما لم يتم التوصل إلى تسّوية حول الجزر تتلاءم مع رغبات طهران.

·   حققت إيران هدفها العسكري والسياسي باحتلالها للجزر العربية الثلاث معتمدة في ذلك على قدراتها العسكرية والبشرية والاقتصادية، وبالتعاون والتنسيق الكامل مع بريطانيا التي أصبحت إيران حليفتها الاستراتيجية في المنطقة، التي تضمن لها وجوداً استعمارياً غير مباشر في المنطقة، وتصون مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتلعب دور الشرطي لقمع أي بادرّة لمحاولة تمرد على النفوذ البريطاني في المنطقة.

بذلت دولة الإمارات العربية المتحدة جهوداً سلمية متعددة منذ وقوع العدوان الإيراني على الجزر العربية الثلاث في مختلف المحافل الدولية والإقليمية للمطالبة باستعادة سيادتها على جزرها المحتلة، وبقدر ما كانت التصريحات الصادرة عن المسؤولين في دولة الإمارات بالليونة والدعوة إلى حل هذه القضية بالطرق السلمية، كانت تصريحات المسؤولون في طهران تتسّم بالشّدة وبالتهديد وبالوعيد، ومثال ذلك تصرح شاه إيران "نحن نؤكد موقفنا بأن الجزيرة كلها ملكيتها إلينا"، وما ذكره رئيس وزراء إيران "أن إيران لن تتنازل مطلقاً عن سيادتها غير القابلة للتحكيم عن مجّمل جزيرة أبو موسى".

في مقابل ذلك أكد المجلس الأعلى للاتحاد، في أول بيان له بعد إعلان قيام دولة الإمارات يوم 2 ديسمبر 1971، جاء فيه: "يستنكر الاتحاد مبدأ استخدام القوة ويأسف لما اتخذته إيران أخيراً من احتلال جزء من الوطن العربي العزيز، ويرى ضرورة احترام الحقوق المشروعة ومناقشة ما قد ينشأ من خلافات بين الدول بالطرق المتعارف عليها دولياً".

وتحركت دولة الإمارات منذ قيامها في 2/12/1971 على جميع الأصّعدة والمستويات العربية والدولية، مؤكدة تمسكها بالسيادة المطلقة على الجزر، ومناشدة المجتمع الدولي حث إيران على إنهاء العدوان بسحب قواتها من الجزر، على النحو التالي:

·   في 6/12/1971 طلبت دولة الإمارات ودولة عربية أخرى من الأمين العام لجامعة الدول العربية، الاتصال بإيران على أعلى المستويات لإقناعها بإعادة النظر في إجراءاتها بشأن الجزر.

·   في 9/12/1971 عقد مجلس الأمن الدولي جلسة للنظر في النزاع بناءً على طلب دولة الإمارات وعدد من الدول العربية، وقد عبرت دولة الإمارات عن رفضها لاحتلال الجزر وأكدت سيادتها عليها. (الوثيقة رقم 161، S / PV بتاريخ 9/12/1971).

·   في 17/7/1972 تقدمت دولة الإمارات مع دول أخرى برسالة إلى رئيس مجلس الأمن، تؤكد فيها عروبة الجزر وأنها جزء لا يتجزأ من الإمارات العربية المتحدة ومن الوطن العربي. (الوثيقة رقم S / 10740 بتاريخ 18/7/1972).

·   في 5/10/1972 أكدت دولة الإمارات في بيان لها في الجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة رقم (27)، أنها لا تعترف بأية سيادة على تلك الجزر باستثناء سيادة الإمارات. (الوثيقة رقم S / PV / 2055 بتاريخ 5/10/1972).

·   في 20/2/1974 أكدت دولة الإمارات في بيان لها في مجلس الأمن، بأنها لا تعترف بأية سيادة على تلك الجزر سوى سيادة دولة الإمارات، وأكدت على أن الاستقرار في منطقة الخليج يستلزم التعاون فيما بين دولها واحترام كل دولة لسيادة الدولة الأخرى ووحدة ترابها، وبأن تسوية أية خلافات بينها يجب أن تتم بالطرق السلمية. (الوثيقة رقم S / PV / 1763 بتاريخ 20/2/1974).

·   في 19/11/1975 أكدت في بيان لها في الأمم المتحدة، أمام اللجنة السياسية الخاصة، موقفها من أنها لا تعترف بأية سيادة على الجزر سوى سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة. (الوثيقة رقم A / C.I / PV / 2092 بتاريخ 19/11/1975).

ثامناً: قيام الجمهورية الإسلامية في إيران وتطور الخلاف حول الجزر

بنجاح الثورة الإسلامية في الإطاحة بنظام الشاه واستلام مقاليد الحكم وإعلان قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في الحادي عشر من فبراير 1979، توقعت كافة المحافل الدولية والإقليمية من القيادات الإسلامية الإيرانية الجديدة خيراً، لتصحيح الأخطاء التي ارتكبها نظام الشاه في حق الدول التي تجاوره وفتح صفحة جديدة في العلاقات معها، بأسلوب منطقي وعقلاني في إطار مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء، بدءاً بإعادة الجزر العربية الثلاث إلى أصحابها الشرعيين.

توافق مع هذا المناخ، أن كافة التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إيرانيون في الحكومة الإسلامية الجديدة، أجمعت على أن الاتجاه لدى الحكومة الجديدة في طهران هو إسقاط سياسة التوسع التي انتهجها النظام السابق، وأن نظام الحكم الإسلامي الجديد سوف يجري في أقرب فرصة مراجعة شاملة لجميع الإجراءات والاتفاقيات التي أبرمّت في العهد السابق.

وتأكيداً لهذا التوّجه، زار رئيس المحاكم الثورية في طهران آية الله خلخالي دولة الإمارات العربية المتحدة يومي 28، 29 مايو 1979، وأجرى مع المسؤولين في دولة الإمارات عدّة لقاءات ومشاورات بشأن قضية الجزر العربية الثلاث، في محاولة لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، وفي نهاية الزيارة صرّح بقوله: "أن الخليج ليس فارسياً ولا عربياً بل إسلامي، ويتوافق ذلك مع التعريف الذي أعلن عنه سابقاً آية الله الخميني".

بعد انتهاء زيارة آية الله خلخالي لدولة الإمارات وعودته إلى طهران، صدرت فجأة تصريحات رسمية عن حكومة الدكتور بازركان الإيرانية تقول: "إن خلخالي غير مسؤول في الدولة، وبياناته التي أصدرها أثناء زيارته لدول الخليج لا تمثل وجهة نظر الحكومة الإيرانية".

وبذلك تكون الثورة الإسلامية في إيران قد حدّدت طبيعة سياستها مع جيرانها وحسّمت أمر الجزر لصالحها استمراراً لسياسة الشاه، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد بل عمدت إيران عام 1987 إلى احتلال الجزء الجنوبي من جزيرة أبو موسى الواقعة تحت ولاية إمارة الشارقة، وتبعت ذلك بإنشاء مدرج للطائرات الحربية تمتّد أطرافه إلى الجزء الجنوبي من الجزيرة، بدعوى أن حربها الطويلة مع العراق استدعت اتخاذ مثل هذا الإجراء.

وهكذا باءت بالفشل جهود دولة الإمارات ومساعيها مع النظام الإيراني الجديد لاستعادة حقوقها المسلوبة في الجزر، إزاء التعنت الإيراني.

لم تلق هذه التطورات اهتمام المجتمع الدولي الذي كان مشغولاً لعدة سنوات في متابعة تطورات وآثار الحرب العراقية ـ الإيرانية، وكان لتلك الأحداث آثار سلبية على الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في منطقة الخليج، فقد وجدت طهران أن الظروف الدولية والإقليمية تشكل حافزاً لها على اتباع سياسة "الضم" التي انتهجتها فيما يتعلق بجزيرة أبو موسى.

لم تتوقف دولة الإمارات العربية المتحدة عن مطالبتها بحقوقها المشروعة في الجزر الثلاث بعد قيام الثورة الإيرانية، واتخذت الإجراءات التالية:

·   في 6/8/1980 بعث وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أكد فيها سيادة دولة الإمارات على الجزر الثلاث وصدرت الرسالة كوثيقة رسمية من وثائق الجمعية العامة ومجلس الأمن.

·   في 1/12/1980 بعثت دولة الإمارات رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أكدت فيها موقفها الثابت وتمسكها بسيادتها الكاملة على الجزر الثلاث.

·   في 3/12/1980 أصدرت البعثة الدبلوماسية الدائمة لدولة الإمارات في نيويورك، بياناً أكدت فيه من جديد على سيادة دولة الإمارات على جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى الواقعة في عرض الخليج العربي، وجاء في هذا البيان أن دولة الإمارات العربية المتحدة ترفض بصورة قطعية كل ما يقال عن سيادة أخرى على هذه الجزر.

تاسعاً: تجدد النزاع وإعادة فتح ملف الأزمة

منذ مطلع الثمانينات أقدمت إيران على العديد من الإجراءات التي تشكل انتهاكاً صارخاً لمذكرة التفاهم، ومن أمثلة هذه الإجراءات ما يلي:

·   التعّدي على الأراضي التابعة لدولة الإمارات والتي تقع خارج حدود جزء الجزيرة المخصص للوجود العسكري الإيراني، وذلك بإنشاء مطار وشق طرق وإقامة منشآت عسكرية ومدنية.

·   التدخل في الحياة اليومية لمواطني دولة الإمارات المقيمين في الجزيرة، وذلك بمنعهم من إقامة مبان جديدة أو ترميم المباني القائمة وإغلاق المحال التجارية وعدم السماح بإعادة فتحها إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من السلطات الإيرانية.

·   اعتراض السفن الإيرانية العسكرية لقوارب الصيد التابعة لمواطني دولة الإمارات في المياه الإقليمية للدولة وإجراء التحقيق معهم ومصادرة قواربهم.

·   تمركز عناصر من أنظمة الصواريخ الإيرانية في القسم التابع لدولة الإمارات.

·   إنشاء بلدية في جزيرة أبو موسى تابعة لمحافظة بندر عباس الإيرانية، ومحاولة ربط الخدمات البلدية للسكان مع الخدمات البلدية للجزء المخصص لإيران في الجزيرة.

·   عرّقلة عمل شرطة دولة الإمارات وذلك للنشاط الزائد للدوريات العسكرية الإيرانية التي تجوب الأسواق والطرقات.

·   إلزام سكان الجزيرة بالقدوم إليها ومغادرتها عن طريق مركز إيراني.

·   فرض الحصول على إذن مسّبق عند قدوم الموظفين الجدد للجزيرة وعند استبدالهم.

اعتباراً من عام 1991، أقدمت إيران على فرض إجراءات أكثر تشدداً ضد السكان العرب في جزيرة أبو موسى، ثم قامت في الأسبوع الأخير من مارس 1992 باعتقال وإبعاد عدد من العاملين الأجانب في القسم التابع لإمارة الشارقة، وتم إغلاق المحال التجارية والاشتراط على الصيادين بضرورة تجديد تراخيص الصيد كل خمسة أيام، ومراجعة الهويات التي يحملها المواطنون والمقيمون على الجزيرة، ومنع بناء روضة للأطفال، ورفضت فصل الطلاب عن الطالبات.

وصعّدت إيران سلسلة إجراءاتها التعسفية في إبريل 1992، بتوسيع نطاق سيطرتها على جزيرة أبو موسى في انتهاك صارخ للشروط المتفق عليها في مذكرة التفاهم، وذلك بتمركزها لقوات عسكرية إيرانية على بقية أجزاء الجزيرة، ومنعت رفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنعت كافة أنواع السيارات التي تحمل لوحات إماراتية من دخول الجزيرة، وفرضت الحصول على تأشيرة إيرانية لمن يرغب الدخول إلى الجزيرة.

وعلى الرغم من الدبلوماسية الهادئة التي أتبعتها دولة الإمارات لإيجاد حل سلمي للأزمة، إلا أنها فشلت في حث إيران على إلغاء تلك الإجراءات الإيرانية الأخيرة التي لا مبرر لها، والتي أدت إلى احتلالها الكامل وفرض سيادتها بالقوة المسلحة على جزيرة أبو موسى، الأمر الذي جدد النزاع بين الدولتين مرة أخرى بعد 21 عاماً.

عاشراً: الجهود السلمية لدولة الإمارات تجاه الأزمة

قام راشد عبدالله وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة بزيارة عمل إلى طهران يومي 22، 23 إبريل 1992، سلم خلالها رسالة من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني.

أكد مصدر دبلوماسي في حكومة دولة الإمارات، تمسك بلاده بحقها الكامل على كافة أراضيها، وقال المصدر في تصريحه لصحيفة الأنباء الكويتية في إبريل 1992، أن دولة الإمارات تنتظر النتائج التي ستسفر عنها زيارة مبعوث رئيس الدولة للتفاوض مع المسؤولين الإيرانيين حول استيلاء القوات العسكرية الإيرانية على جزيرة أبو موسى.

وفي أبو ظبي قرّر المجلس الأعلى للاتحاد في دولة الإمارات العربية المتحدة في اجتماعه بتاريخ 11/5/1992 برئاسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، اعتبار الاتفاقيات المعقودة بين أي إمارة ـ من الإمارات السبع ـ والدول المجاورة، هي اتفاقيات بين اتحاد دولة الإمارات وهذه الدول، وذلك تأسيساً على أنه في الاتحادات الفيدرالية ـ كاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة ـ تعد الشؤون والأمور المتعلقة بأعمال السيادة من اختصاص الدولة الاتحادية التي تُمارسّ وتُدافعّ عن حقوق كافة الإمارات المكونة في مجموعها لها، طبقاً لقواعد القانون الدستوري الذي يؤكد أن الإدارة المركزية في الدولة الاتحادية هي التي تكفل الدفاع عن سيادة إقليمها من أي اعتداء خارجي.

أوضح المراقبون السياسيون أن هذا القرار الذي أصدرته أعلى سلطة سياسية في اتحاد دولة الإمارات، هو أول مبادرة سياسية وخطوة علنية للتعامل مع مشكلة جزيرة أبو موسى والتي فرّضت إيران سيطرتها الكاملة عليها من جانب واحد مع بداية إبريل عام 1992، ومخّلة ـ بذلك ـ بمذكرة التفاهم التي وقعتها مع إمارة الشارقة عام 1971 (قبل إعلان قيام دولة الإمارات) والذي يعطي إيران وحكومة الشارقة المسؤولية المشتركة عن شؤون الجزيرة ورعاية سكانها من العرب والإيرانيين.

أشارت مصادر سياسية أن هذا القرار، يعد رداً إيجابياً على منطق إيران، التي تحاول بعد استكمال سيطرتها على جزيرة أبو موسى، اعتبار أن هذه الأزمة من الشؤون الخاصة بينها وبين إمارة الشارقة وحدها، وترفض بطريقة تدعو إلى القلق التعامل مع دولة الإمارات بشأن هذه القضية.

واستمرت وسائل الإعلام الإيرانية تردد أن القضية محصورة فقط بين إيران وإمارة الشارقة.

حادي عشر: نتائج المباحثات الإماراتية مع الجانب الإيراني

أثار الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني خلال مباحثاته مع وزير خارجية دولة الإمارات في طهران يومي 22، 23 إبريل 1992، وجهات نظر جديدة ومطالب ومواقف يمكن أن تؤثر سلباً في العلاقات بين الدولتين، منها ما يلي:

·   استياء إيران من وجود عمال أجانب في الجزيرة، وتعّتقد بعض المصادر الخليجية أن إيران تسّعى إلى إحّلال عمال نفط إيرانيين بدلاً من العمال الذين أخرجتهم إيران مؤخراً من جزيرة أبو موسى.

·   ترى إيران أن دولة الإمارات العربية المتحدة ينبّغي أن تدفع لها تعويضات مالية، تعتقد إيران أنها تستحقها بسبب الخسائر الكبيرة التي منيّت بها خلال حربها الطويلة مع العراق.

·   ترى إيران أنها غير ملزمة قانوناً ببحث وضع الجزيرة مع دولة الإمارات، ويتمسّك المسؤولون في الحكومة الإيرانية بمقّولة ثابتة ومحدّدة، هي أن الاتفاق المتعلق بجزيرة أبو موسى أبرّم أصلاً بين إيران وإمارة الشارقة.

ثاني عشر: تصاعد الأحداث وإعادة فتح ملف الأزمة

في تصعيد مفاجئ رفضت السلطات الإيرانية في جزيرة أبو موسى السماح لسفينة نقل الركاب الإماراتية "خاطر" القادمة من الشارقة بإنزال ركابها في الجزيرة يوم 24/8/1992. وهم أكثر من مائة من المدرسين والمدرسات وأفراد عائلاتهم والعاملين من المواطنين والمقيمين في الجزيرة، وأبقّت السلطات الإيرانية السفينة "خاطر" في عرض الخليج ثلاثة أيام، ولم تسمح للركاب بالوصول إلى مراكز عملهم وأماكن سكنهم في الجزيرة، وأرغمت السفينة إلى العودة إلى الشارقة.

صّرح مرتضى سّرمدي الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية في اليوم التالي للأزمة 25/8/1992، أن إيران والشارقة اتفقتا على أن المواطنين والأجانب الذين يرغبون في الذهاب إلى جزيرة أبو موسى يجب عليهم الحصول على تصاريح دخول من إدارة الموانئ الإيرانية، وحين طلبت السلطات الإيرانية من العمال والموظفين على متن السفينة "خاطر" تنفيذ ذلك، سلمت إمارة الشارقة ملف جزيرة أبو موسى إلى وزارة خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، فانتقلت المسألة إلى الإطار الاتحادي لدولة الإمارات.

في الأول من سبتمبر 1992، صّرح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية لدولة الإمارات بشأن ما قامت به إيران يوم 24/8/1992 في جزيرة أبو موسى بأنه: "لا يتفق مع العلاقات التي ربطت بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية وينعكس سلباً على التعاون بين البلدين، في الوقت الذي ترغب فيه دولة الإمارات العربية المتحدة إقامة علاقات حسن الجوار والتعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودولة الإمارات العربية المتحدة ليّحدوها الأمل بأن تبقى العلاقات التاريخية والودّية كما عهدناها قائمة بين البلدين".

وفي الثاني من سبتمبر 1992، أعلن كمال خرازي مندوب إيران في الأمم المتحدة، أن منع الشرطة الإيرانية ركاب السفينة الإماراتية من النزول إلى الجزيرة ينبع من مسؤولية إيران عن أمن الجزيرة، وبموجب اتفاق عام 1971 فإن الجزيرة مملوكة لإيران وإمارة الشارقة، لكن مسؤولية الأمن تقع على عاتق جمهورية إيران الإسلامية.

تبع ذلك إعلان أحد المصادر الرسمية في أبو ظبي يوم 2/9/1992، أن إيران قد عززت قاعدتها العسكرية في جزيرة أبو موسى بزيادة أعداد العناصر العسكرية من 120 إلى ما يقرب من 500 من الضباط والرتب الأخرى، وأقامت قواعد لعناصر من الصواريخ من طراز سلك وورم صينية الصنع، كما بدأ الإيرانيون إقامة إنشاءات عسكرية في الجزيرة وتعزيز وجودهم العسكري عليها، وتسّيير دوريات عسكرية في أرجاءها، وأصّروا على ضرورة حصول كل من يرغب في الدخول إلى الجزيرة الحصول على إذن إيراني مسّبق بذلك.

رفضت السلطات الإيرانية مجرد استلام مذكرة دبلوماسية من وزارة الخارجية لدولة الإمارات حول هذا الموضوع.

زار وفد إماراتي برئاسة وزير الخارجية طهران يومي 22، 23 إبريل 1992. والتقى الوفد بكبار المسؤولين الإيرانيين للتباحث معهم بشأن الإجراءات التي اتخذت ضد مواطني وموظفي دولة الإمارات في جزيرة أبو موسى. بعد هذه الزيارة، صعّدت إيران الأحداث ومنّعت ركاب السفينة "خاطر" من النزول إلى الجزيرة، بعد أن اتبعتهم في عرض الخليج عدة أيام، وأعلنت بعد عدّة أيام مسؤوليتها عن أمن جزيرة أبو موسى.

ولكي تعطي إيران موضوع الأمن -الذي يتسّم بحساسية بالغة في منطقة الخليج- بعداً خاصاً، فقد أعلن الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني عن اكتشاف إيران شبكة مسلحة داخل الجزيرة. وبتقصّي الحقائق اتضحّ أن هذه الشبكة لم تكن سوى خبير هولندي من العاملين في تطهير مياه الخليج من الألغام البحرية التي زُرعت خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، والذي لم يكن يحمل معه عند إلقاء القبض عليه، سوى سلاح شخصي للدفاع عن النفس.

أثار راشد عبدالله وزير الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، هذا الموضوع في خطابه أمام الأمم المتحدة في 30 سبتمبر 1992 جاء فيه:

"لقد قامت السلطات الإيرانية باتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير غير القانونية بشأن جزيرة أبو موسى انتهاكاً لمذكرة التفاهم لعام 1971. ولقد عبرت بلادي عن رفضها لهذه الإجراءات لما تمثله من انتهاك صارخ لسيادة ووحدة أراضي دولة الإمارات ومبدأ حسن الجوار، إلى جانب تعارضها مع نصوص وروح مذكرة التفاهم التي تفتقر إلى العدالة والتكافؤ أصلاً، والتي تم فرضها في ظروف التهديد باستعمال القوة والإكراه.

وتستهدف الإجراءات الإيرانية الأخيرة السيطرة على جزيرة أبو موسى وضمها إليها أسّوه بما فعلته حكومة إيران في 29 نوفمبر 1971 في احتلالها العسكري لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى التابعتين لدولة الإمارات. ومن الطبيعي أن هذه الإجراءات ستزيد التوتر وتزعزع الاستقرار والأمن في المنطقة بما يتنافى مع مفهوم التعايش السلمي وحسن الجوار والعلاقات التقليدية القائمة بين البلدين" (اُنظر ملحق بيان وزارة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة بشأن الممارسات الإيرانية في جزيرة أبو موسى في 24 أغسطس 1992) و (ملحق بيان دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن المحادثات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية حول موضوع الجزر الثلاث) و (ملحق البيان الصادر عن وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن المباحثات مع دولة لإمارات العربية المتحدة حول جزيرة أبو موسى)