إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / اليمن... الثورة والحرب (1962 ـ 1970)، حرب اليمن من وجهة النظر المصرية





ميناء الحديدة
ميناء صليف
إجراءات تأمين قاعدة الحديدة
أعمال المقاومة الملكية
أعمال قتال الجانبين على المحور الشرقي
أعمال قتال الجانبين في المنطقة الشمالية
أعمال قتال الجانبين، يوليه 1967
أعمال قتال الجانبين، يونيه 1967
التوزيع الجغرافي للقبائل
السيطرة على المحور الساحلي
العملية نسر
العملية اكتساح
العملية صقر
العملية قادر
القوات المصرية والجمهورية، يوليه 1967
القوات المصرية والجمهورية، يونيه 1967
القوات المصرية، نهاية أبريل 1966
القوات الجمهورية، مايو 1967
توزيع قوات الجمهوريين بمنطقة الجوف
تطهير صحن العقبة
تضاريس اليمن
عمليات الجانبين للسيطرة على المحور
عملية جبل اللوز
فتح وتطهير طريق السر
فتح طريق المطمة ـ الحميدات
قتال المنطقة الشمالية
قتال الجمهوريين لتأمين منطقة أرحب
قتال الجانبين للسيطرة على منطقة السوده
قتال الجانبين للسيطرة على المحور الأوسط
قتال الجانبين للسيطرة على المحور الشمالي
قتال الجانبين للسيطرة على طريق الحديدة
قتال الجانبين للسيطرة على ذيبين
قتال الجانبين بمنطقة الجوف
قتال الجانبين بالمنطقة الشمالية
قتال الجانبين بالمنطقة الشرقية
قتال الجانبين على المحور الأوسط
قتال الجانبين على المحور الشرقي
قتال الجانبين على المحور الشرقي 1962
قتال الجانبين في المنطقة المركزية
قتال الجانبين في المنطقة الغربية
قتال الجانبين في جبلي حرم ورازح
قتال الجانبين في قطاع جبل رازح
قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على مأرب
قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على الحزم

منطقة العمليات البحرية
مسرح الحرب اليمنية
المسرح اليمني
الجمهورية العربية اليمنية
القصف الجوي 1963
القصف الجوي 1964
القصف الجوي 1965
القصف الجوي يناير ـ مايو 1967
القصف الجوي يونيه ـ ديسمبر 1967
طرق التسلل



الفصل الثاني

تطور موقف مصر (الجمهورية العربية المتحدة) من الثورة

أولاً: قرار التدخل العسكري لمساندة الثورة

1.    الظروف المحيطة بالنظام المصري، عند اتخاذ القرار

عندما تفجّرت الثورة اليمنية، في سبتمبر عام 1962، كان النظام المصري في شبه عزلة عن محيطه العربي، منذ أحداث الانفصال السوري، وتفكك دولة الوحدة.  فقد سدد ذلك الانفصال ضربة قوية إلى وضع القيادة المصرية في العالم العربي، وهو ما كان يَعِيه الرئيس عبدالناصر.

وزادت حملة التشهير السورية، خلال اجتماعات مجلس الجامعة العربية، في "شتورة"، صيف عام 1962، من الأبعاد السلبية، التي أحاطت بالنظام الناصري بعد الانفصال، خاصة بعد هروب الملحق العسكري المصري في بيروت، وانضمامه إلى تلك الحملة.

وكان أكثر ما أزعج الرئيس المصري، في ذلك الوقت، هو الهجوم الحادّ، الذي شنته النظُم العربية المحافظة على نظامه واشتراكيته، بعد الانفصال، واتخاذها من اجتماعات "شتورة" منبراً للتشهير بالنظام المصري والهجوم عليه. لذلك وصف عبدالناصر تلك الاجتماعات، فيما بعد، "بأن القوى الانفصالية في سورية، اتخذتها، مؤيدة بواسطة كل القوى الرجعية والانعزالية الانهزامية في العالم العربي، فرصة لشن حملة نفسية عنيفة ضد القوى الثورية في العالم العربي".

ومن ذلك، نرى أن المناخ العام في المنطقة العربية، بعد الانفصال السوري، وحتى قيام الثورة اليمنية، كان يمثل البيئة المناسبة للاستقطاب السياسي والأيديولوجي الحادّ، بين النظُم الثورية والمحافظة، الأمر الذي ساعد عليه الحملات الإعلامية، وتبادل الاتهامات، التي أضفت قدراً كبيراً من المرارة على العلاقات بين الفريقين، فضلاً عن قناعة الرئيس عبدالناصر، بأن الانفصال، كان مؤامرة استعمارية رجعية، تمثل خطوة أولى في ثورة مضادة، تستهدف النظام المصري نفسه. ولمّا كان الملك سعود، قد اُتهم في محاولة ضرب الوحدة، في أولى أيامها، فقد اعتقد الرئيس عبدالناصر، أن الملك ليس بريئاً من أحداث ذلك الانفصال.

ولم يكن ذلك الرأي، رأي الرئيس عبدالناصر وحده، بل كان هناك قناعة كاملة به، بين القيادة المصرية، في ذلك الوقت. وعلى ذلك، اتجه النظام المصري إلى التخلي عن سياسة المهادنة، واتّباع سياسة أكثر تشدداً تجاه النظُم المحافظة، خاصة في المملكة العربية السعودية والأردن، اللتين اتهمهما النظام المصري بالتعاون مع الاستعمار، لضرب حركة الثورة والوحدة في الوطن العربي، مما وسّع هوّة الخلاف بين النظُم الحاكمة في البلاد الثلاثة.

2.    اتخاذ قرار التدخل

حُدّد، طبقاً لرواية الدكتور عبدالرحمن البيضاني، أكثر من موعد لتفجير الثورة، خلال أشهر يوليه وأغسطس وسبتمبر، قبل وفاة الإمام أحمد. وأُبلغت القاهرة قبل كل موعد منها بأسبوعين، حتى يتسنى للقيادة المصرية فترة تحضير ملائمة. ولكن لم يحدث التفجير المنتظر في أي من هذه المواعيد، حتى وفاة الإمام، الأمر الذي أقنع الرئيس عبدالناصر، أن الثوار ليسوا قادرين على التحرك، وأن الدكتور البيضاني وفصائل المعارضة، التي تنادي بالثورة على الإمامة، قد ضلّلاه، بالنسبة إلى حقيقة قوة الثوار[1].

وعلى ذلك، قرّر الرئيس المصري وقف الهجمات الإعلامية على الإمام البدر، على أمل أن ينجح البدر في إرساء قواعد الإصلاح المنشود. وأرسل إليه برقية تعزية على وفاة أبيه، تمنى له فيها أعظم التوفيق في خدمة شعب اليمن العظيم. (نشرت جريدة "الأهرام"، الصادرة في 22 سبتمبر 1962، نص البرقية، التي بعثها الرئيس جمال عبدالناصر إلى جلالة الملك محمد بن أحمد حميدالدين، ملك اليمن، رداً على برقيته: "تلقيت برقيتكم، التي حملت إلىّ إعلانكم الرسمي لوفاة المغفور له والدكم، ومبايعتكم بعده إماماً لليمن. وإني إذ أبعث إليكم بالعزاء القلبي لفقد والدكم الراحل، أتمنى لكم في هذا الوقت الخطير، الذي تبدأون فيه تحمل مسؤولياتكم، أعظم التوفيق في خدمة شعبكم العظيم، وفي ملاقاة أحلامه وأمانيه، من أجل مستقبل عزيز يحقق للإنسان كرامته، التي شرفه بها الله، جلّ عُلاه").

وفي الوقت الذي أخذت فيه السياسة المصرية تجاه اليمن هذا المنعطف الجديد، كان تنظيم الضباط، الذي انقسم على نفسه، بعد تولّي البدر الإمامة، يحسم موقفه من الخلاف، حول توقيت الثورة، حتى يسبق الإمام، الذي بلغته أنباء  التحضير للانقلاب، وأصدر أوامره، فعلاً، بالقبض على بعض ضباط التنظيم.

وفي ليلة 25/26 سبتمبر، تلقّى الرئيس جمال عبدالناصر، من طريق السفارة المصرية في صنعاء، خبر تحرك الضباط لتفجير الثورة في الليلة نفسها. ولم يطل انتظار الرئيس المصري هذه المرة، ففي صباح 26 سبتمبر، أذاع راديو صنعاء نجاح الثورة، وإعلان الجمهورية.

وقد اختلف معظم المصادر، التي تناولت الثورة اليمنية، في تحديد توقيت اتخاذ القرار السياسي المصري بالتدخل العسكري لمساندة الثورة اليمنية، إما لعدم معرفة اتصالات الثوار بالرئيس عبدالناصر، ووعده لهم بالمساندة، السياسية والعسكرية الرمزية، بعد قيام الثورة، أو نتيجة للخلط بين الدعم العسكري الرمزي، الذي كان هناك قرار ابتدائي متخذ في شأنه منذ صيف عام 1962، وقرار زيادة حجم الدعم العسكري والتدخل المصري، بعد أن ظهرت أبعاد الأخطار المحيطة بالثورة اليمنية.

فبالنسبة إلى قرار الدعم العسكري الرمزي، تشير رواية البيضاني، أنه اتخذ يوم 6 يونيه، بعد مناقشة محدودة بين بعض أقطاب القيادة المصرية، الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر وأنور السادات وصلاح نصر (مدير المخابرات العامة). وبذا، لم يعرف  ذلك القرار خارج هذه الدائرة، حتى تفجّر الثورة اليمنية.

وما أن أدى الضباط دورهم في تفجير الثورة، حتى حل الوفاء بالدعم المصري، وهو قرار لا يمكن تنفيذه من دون عرضه على مجلس الرئاسة المصري([2])، الذي صَدر تشكيله في اليوم التالي للثورة اليمنية، أو المؤسسة العسكرية، التي كانت ستقوم بتنفيذ ذلك الدعم.

كان التدخل المصري في اليمن، هو أول الموضوعات، التي بحثها المجلس في أولى جلساته، يوم 29 سبتمبر. وعند عرض الموضوع، أوضح الرئيس جمال عبدالناصر تخوفه من تدخل السعودية ضد النظام اليمني الجديد، وأنه إذا أرسلت مصر قوة رمزية، فإن ذلك سوف يجعلهم يفكرون مرتين، قبل الإقدام على أي تحرك مضاد. وانتهى المجلس إلى موافقة جماعية على قرار إرسال القوات إلى اليمن. إلاّ أنه من أقوال بعض أعضاء مجلس الرئاسة، فيما بعد، يتضح أن المجلس وافق على ذلك القرار بناء على معلومات خاطئة عن الأوضاع اليمنية، سبق تقديمها إلى الرئيس جمال عبدالناصر.

أما بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية، التي كان يرأسها المشير عبدالحكيم عامر، فإنها أيّدت القرار، ولم تشكل أي قيد على تحرك القيادة السياسية، بل إن المشير عبدالحكيم عامر نفسه، كان مشاركاً في صنع القرار، الابتدائي والنهائي، لإرسال القوات المصرية إلى اليمن.

3.    تنفيذ قرار التدخل

بدأ التحرك المصري يأخذ غير مسار، وفاءً بما التزم به الرئيس جمال عبدالناصر تجاه الثورة اليمنية (الدعم السياسي والمعنوي، الشامليْن، والدعم العسكري الرمزي)[3].

فعلى المسار السياسي، كان أول رد فعل مصري علني، هو البيان الذي أذاعته القاهرة، في الساعات الأولى من صباح 27 سبتمبر، أي بعد 24 ساعة من قيام الثورة، تحسباً لردود الفعل السعودية، تحذر فيه من التدخل الخارجي في شؤون اليمن، وترى ضرورة ترك الشعب اليمني حراً في إعمال إرادته وصياغتها، على النحو الذي يريده.

ومع الإعلان السابق، أرسل الرئيس عبدالناصر برقية إلى العميد عبدالله السلال، رئيس مجلس قيادة الثورة اليمنية، يهنئه فيها بنجاح الثورة، ويطمئنه بمساندة مصر للجمهورية اليمنية الوليدة، ويبلغه قرار الاعتراف بها (انظر ملحق برقية الرئيس جمال عبدالناصر إلى الزعيم عبدالله السلال، رئيس مجلس قيادة الثورة اليمنية).

وفي مساء يوم 28 سبتمبر، أعلنت مصر اعترافها بالنظام الجمهوري في اليمن. وأعربت عن استعدادها لمساعدة اليمن وشعبه، ليلحق بركب الحضارة الحديثة، بعد أن عطّل الاستبداد مسيرة اليمن، وحرمته العزلة من الإطلال على مشارف العصر الحديث.

وفي مساء ذلك اليوم نفسه، جُهزت طائرة الركاب العسكرية، التي كانت القيادة السياسة المصرية، قد أمرت بإعدادها لنقل الدكتور البيضاني ورفاقه، من أقطاب المعارضة اليمنية في مصر، إلى صنعاء، ومعهم فريق صغير من الضباط المصريين، برئاسة العميد علي عبدالخبير، مدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر في ذلك الوقت، وبعض أجهزة الاتصال مع القاهرة، لاستطلاع الموقف على الطبيعة، وإبلاغ مطالب قيادة الثورة إلى القيادة المصرية[4].

وعلى المسار العسكري، وبعد أقلّ من يومين على قيام الثورة، وقبل أن يوافق مجلس الرئاسة على قرار التدخل، كان المشير عبدالحكيم عامر، يصدر توجيهاته إلى أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة، بتجهيز إحدى السفن المدنية، لنقل سرية صاعقة، وطائرتَي "ياك 11"، وبعض الأسلحة الخفيفة والذخائر والمعدات إلى اليمن.

وبعد إتمام عملية التجهيز، أبحرت الباخرة "السودان"، مساء 2 أكتوبر، من ميناء الأدبية، وعليها الدعم العسكري الرمزي الموعود، إلى ميناء الحديدة، الذي وصلته يوم 5 من الشهر نفسه. وحتى ذلك الوقت، كانت الأمور تمضي كما قدِّر لها، مساندة سياسية، ودعم عسكري رمزي.

إلاّ أن الأمر لم يستمر طويلاً على ذلك الحال. ففي اليوم نفسه، الذي أبحرت فيه الباخرة "السودان"، في طريقها إلى ميناء الحديدة، كانت تهبط في مطار ألماظة إحدى طائرات النقل العسكري السعودي، وطلب طاقمها حق اللجوء السياسي إلى مصر. وأوضح الطاقم أن الطائرة محملة بالأسلحة والذخائر، وأن الأوامر الصادرة إليهم، كانت تقضي بتوصيلها إلى نجران، والعودة إلى جدة لتكرار عملية النقل، ثلاث مرات في اليوم عينه. إلاّ أنهم بعد أن أصبحوا في الجو، شعروا أن واجبهم القومي، لا يسمح لهم بأداء ما كُلِّفوا به، بعد أن أدركوا أن هذه الشحنة من الأسلحة، وما يليها، موجهة ضد الثورة اليمنية. فقرروا، من ثم، اللجوء إلى القاهرة، ليقدموا الدليل على المحاولة السعودية لضرب الثورة اليمنية، ويحُولوا دون وصول هذه الأسلحة إلى حيث تستخدم ضد تلك الثورة.

وإزاء الأخطار، التي بدأت تحدق بالثورة اليمنية، منذ أيامها الأولى، وتفكك الجيش اليمني، أرسلت الحكومة اليمنية برقية إلى الرئيس جمال عبدالناصر، يوم 3 أكتوبر، تؤكد فيها تمسكها باتفاقية الدفاع المشترك (التي سبق أن وقعها كل من مصر والمملكة العربية السعودية واليمن، عام 1956). وهو ما يعني أن الجمهورية الوليدة، تطلب من مصر دعماً عسكرياً، يتجاوز الدعم العسكري الرمزي، الذي كان لا يزال مبحراً في طريقه إلى الحديدة، تنفيذاً للمادة الثانية من الاتفاقية، التي تقضي بقيام الدول موقعة الاتفاقية بالمعاونة على صد الاعتداء على أي من هذه الدول، "وأن تُتخذ، على الفور، جميع التدابير، وتستخدم جميع ما لديها من وسائل، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لردّ الاعتداء، ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما" (انظر ملحق اتفاقية الدفاع المشترك بين حكومة جمهورية مصر والمملكة العربية السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية).

لذا، كان على القيادة المصرية، أن تعيد حساباتها، بالنسبة إلى حجم الدعم العسكري، اللازم لتأمين الثورة اليمنية، بعد أن حدث ما كانت تخشاه، وهو التدخل السعودي ضد تلك الثورة، والذي بدأ مبكراً، قبل وصول قوة الدعم الرمزي إلى الحديدة.

ثانياً: الانزلاق نحو تعميق التدخل

1.    ردود الفعل الأولية للجانبين

في ضوء تطورات الموقف، في ذلك الوقت، والتقارير التي كان يرسلها العميد علي عبدالخبير من صنعاء، بدأ المشير عبدالحكيم عامر سلسلة من المؤتمرات مع قادة القوات المسلحة، لمتابعة الموقف، واتخاذ القرارات اللازمة في شأنها. وإزاء ردود الفعل، التي بدأت تتضح، قدّرت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، أن الموقف سيزداد حدة في اليمن، بدءاً من يوم 6 أكتوبر (اليوم التالي لوصول الدعم الرمزي إلى الحديدة).

وعلى ذلك، رأت القيادة المصرية، يوم 4  أكتوبر، ضرورة استكمال القوات المرسلة إلى اليمن، للوصول بها إلى ما يقرب من قوة لواء (كتيبتَي مظلات، وكتيبتَي صاعقة، والعناصر المعاونة)، وزيادة رحلات النقل الجوي بين القاهرة وصنعاء، لتصل إلى رحلتين أو ثلاث رحلات يومياً، لنقل قوة الصاعقة جواً[5].

وطبقاً لتصورها الموقف في اليمن، في ذلك الوقت، رأت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، ضرورة بناء خطة عمل القوات المصرية في اليمن، مع حكومة الثورة، على مرحلتين، كما يلي[6]:

المرحلة الأولى

ويتم فيها تأمين صنعاء ومأرب وعمران وصعدة، إضافة إلى حجة والحديدة، وطرق المحور الساحلي، من "ميدي" شمالاً قرب الحدود السعودية، حتى الحديدة جنوباً.

المرحلة الثانية

ويتم فيها تنظيم إغارات على مناطق تجمّع الملكيين في نجران، والقبائل التي تساندهم، في منطقة صعدة، بواسطة اليمنيين أنفسهم، لانتزاع المبادأة، مع تأمين صعدة، من الجنوب، كخطوة أولى، ثم عزلها عن الشمال، كخطوة تالية، مع استمرار الاستطلاع الجوي لمناطق نجران وجيزان وميدي.

ولكن قبل أن تصل قوات الدعم المصرية، كان نشاط الملكيين، المعادي للثورة، قد مضى قُدُماً على الأطراف الشمالية والشرقية لليمن، بواسطة القبائل، التي نجح أمراء أسرة حميدالدين في كسب ولائها، وإثارتها ضد النظام الجمهوري. فسقطت مأرب وحريب، في الشرق، في أيدى قبيلة عبيدة، بقيادة الأمير حسن الحسن. كما سقطت حرض في يد الأمير محمد إسماعيل. وهددت صعدة بواسطة قبائل المنطقة الشمالية[7].

وقد ساعد على هذه النجاحات الأولية للملكيين، ضعف حاميات المدن التي سقطت، وعدم وجود قوات احتياطية لدى القيادة اليمنية، لدفعها إلى المناطق المهددة، بعد أن تفكك جزء كبير من الجيش اليمني، فضلاً عن اعتماد القيادة اليمنية على قوات الدعم المصرية في تأمين ثورتها، ولم يكن قد وصل من تلك القوات إلى اليمن، حتى منتصف أكتوبر، سوى كتيبتَي صاعقة وكتيبة مظلات، دُعمت ببعض الدبابات والمدفعية اليمنية، التي طُقمت بأطقم مصرية. وكانت تلك الوحدات مكلفة، أساساً، بتأمين منطقتَي صنعاء والحديدة، كأسبقية أولى[8]، وعلى ذلك، قامت، فور وصولها، بتأمين المنطقتَيْن، واحتلال المناطق المحيطة بصنعاء (رايدة ـ عمران ـ جيحانة)، خلال الأسبوع الثاني من أكتوبر، بينما دُفعت بعض وحدات الدعم الإضافية، التي وصلت في النصف الثاني من أكتوبر، لتأمين السهل الساحلي، فور وصولها.

ولم يكن الدعم، الجوي والبحري، حتى ذلك التاريخ، أفضل حالاً. فبالنسبة إلى الدعم الجوي، كان قد وصل إلى المسرح اليمني 8 طائرات "ياك 11"، إلاّ أن نصفها، كان لا يزال تحت التركيب[9].  فدعمت تلك القوة بثلاث طائرات نقل، من نوع "أليوشن 14"، جُهزت لقذف القنابل. في الوقت الذي رفضت فيه الأطقم السوفيتية والتشيكية، العاملة على طائرات النقل والطائرات العمودية اليمنية، التي كانت تتبع الإمام، قبل الثورة، العمل في مناطق القبائل، التي انقلبت ضد النظام الجمهوري. أمّا الدعم البحري، فلم تكن قد وصلت أي من وحداته بعد[10] (اُنظر تطور موقف الفتح الإستراتيجي للقوات المصرية باليمن خلال شهر أكتوبر في ملحق الفتح الإستراتيجي للقوات المصرية باليمن)

ويبدو أن أنباء تطورات الموقف العسكري على الحدود اليمنية، الشرقية والشمالية، التي كان يبعث بها العميد علي عبدالخبير، قد أقلقت الرئيس عبدالناصر. فبعث إلى اليمن، يوم 13 أكتوبر، اثنين من أعضاء مجلس الرئاسة، هما أنور السادات وكمال رفعت، لتأكيد وتقنين المساندة العسكرية المصرية للثورة. فوقّع السادات، نيابة عن مصر، اتفاقية للتعاون المشترك مع الحكومة اليمنية[11].

ولمواجهة الموقف المتدهور على الحدود اليمنية الشرقية، إلى حين وصول باقي قوات الدعم، دُفعت مجموعة الكتيبة 13 صاعقة، المدعمة ببعض العربات المدرعة والمدافع ذاتية الحركة، يوم 14 أكتوبر، لتأمين المنطقة، بالتعاون مع قبيلة "جهم". إلاّ أن هذه القبيلة، التي سبق أن أعدم أحد مشايخها بواسطة بعض ضباط الثورة، رفضت التعاون مع قوة الصاعقة المصرية، فاضطرت الكتيبة إلى التقدم، وحدها، من صرواح، يوم 22 أكتوبر، في اتجاه مأرب، في الوقت الذي تم فيه إسقاط سرية من الكتيبة 75 مظلات، شرق صرواح،  لتأمين ظهر تلك القوة، بعد تحركها. كما دُفعت مجموعة الكتيبة 23 صاعقة، براً، للاتصال بقوة المظلات. ولكن الفشل كان من نصيب كل هذه القوات، نتيجة لعدم دقة المعلومات والخرائط المعطاة لها[12]، إذ اصطدمت قوة الصاعقة بكمين قبَلي قرب مأرب، فتوقفت، على إثر تكبدها بعض الخسائر، ثم ارتدت إلى صرواح، للسيطرة على المدينة، التي تتحكم في طرق المواصلات في المنطقة، بعد أن تكشفت النوايا العدائية لقبائل هذا المحور إزاء الثورة[13].

ووصلت قوة الصاعقة إلى صرواح يوم 24 أكتوبر، حيث تعرضت للعديد من الهجمات والحصار، بواسطة بعض قبائل المنطقة، التي انضمت إلى صفوف الملكيين. ولكن قوة الصاعقة، نجحت في صد الهجمات، وتكبيد المهاجمين خسائر كبيرة. وظلت محتفظة بمواقعها في المنطقة، على الرغم من الخسائر التي منيت بها[14].

أمّا سرية المظلات، التي أسقطت شرق صرواح، فجاء إسقاطها في منطقة قبيلة "جهم"، التي تمردت على النظام الجمهوري، وهو أمرٌ لم تكن تعرفه قيادة القوات العربية المشتركة، في ذلك الوقت، فحاصرت القبيلة قوة المظلات، وفتحت النيران على أفرادها وأسرت بعضهم، مما أوقع بالسرية خسائر كبيرة، وأجبرها على الانسحاب إلى صنعاء، سيراً على الأقدام.

 ولم يكن حظ مجموعة الكتيبة 23 صاعقة، بأحسن حالاً من سابقتيها، إذ اصطدمت تلك القوة بكمين، في منطقة رأس العرقوب، ظهر يوم 23 أكتوبر، فارتدت إلي جيجانة، في اليوم التالي، بعد أن تعذر عليها التقدم عبر رأس العرقوب، التي يسيطر عليها مقاتلو قبيلة "الأعروش"، المعادية للثورة[15]. وعاودت القوة تقدمها، بعد تدعيمها ببعض قوات الحرس الوطني اليمني ومقاتلي قبائل البيضاء، فنجحت في اقتحام رأس العرقوب واحتلالها، في أول نوفمبر، بعد قتال عنيف ضد مقاتلي "الأعروش"[16].

وخلال العشرة أيام الأولى من نوفمبر، استمر ضغط القبائل الموالية للملكيين على مواقع القوات المصرية، في رأس العرقوب وصرواح. وتكررت الهجمات على المواقع الدفاعية لمجموعة الكتيبة 13 صاعقة. إلاّ أن الفشل كان من نصيب تلك الهجمات[17].

2.    بدء التصعيد نحو العمليات التعرضية المحدودة

    ‌أ.    تخصيص المهام الجديدة للقوات المصرية في المسرح

إزاء التطورات السابقة، قَدِم إلى اليمن المشير عبدالحكيم عامر وبعض معاونيه، يوم 27 أكتوبر، في أول زيارة لهم إلى اليمن، بعد الثورة، لدراسة الموقف على الطبيعة مع القيادة السياسية اليمنية، وقيادة القوات العربية بالمسرح[18]، واتخاذ الإجراءات اللازمة، لمواجهة التطورات المحتملة في اليمن. وخلال لقاءاته القيادات، اليمنية والمصرية، أوضح لهم المشير عامر رأي الرئيس عبدالناصر، في ضرورة حسم الموقف العسكري في أسرع وقت، حتى لا يستفحل خطره، ونصيحته بالحرص على القبائل الموالية للثورة، وتعبئة جهودها للمشاركة الحاسمة في المعارك، بعد أن كادت ساحات القتال تخلو من الجيش اليمني النظامي، ولم يبقَ فيها سوى قبائل حاشد، التي يقودها الشيخ عبدالله بن حسن الأحمر، ومجموعات الحرس الوطني، من أبناء الجنوب.

وفي ضوء دراسته للموقف، أصدر المشير عامر توجيهاته، في 9 نوفمبر، إلى قائد القوات العربية باليمن، لتنفيذ عمليات تعرضية ضد القبائل المتمردة، وتأمين الثورة اليمنية من أي اعتداء، يوجه ضدها، من الداخل أو الخارج، بالتعاون مع القوات اليمنية. وحدّد فترة شهر واحد، بدءاً من 11 نوفمبر 1962، للانتهاء من هذه العمليات.

وبناء على التوجيهات السابقة، كان على القوات المصرية، بالتعاون مع قوات الجمهورية اليمنية، تنفيذ المهام التالية[19]:

(1)    تأمين المحور الساحلي (ميدي ـ الحديدة)، وتدمير أي قوة معادية للنظام الجمهوري، تتقدم على هذا المحور، مع جعْل مواقعها الدفاعية قاعدة للقيام بالعمليات التعرضية، ضد أي قوى معادية في المناطق اليمنية، المتاخمة للحدود السعودية، وجنوباً حتى منطقة وشحة.

(2)    اتخاذ قواعد وطيدة على المحاور الأخرى (مأرب والجوف وصعدة) لإغلاق الطرق المؤدية إلى صنعاء، ولخروج الإغارات والدوريات والكمائن.

(3)    التمسك بصرواح وصعدة، حتى لا تسقطا في أيدى الملكيين.

(4)    تأمين طرق المواصلات داخل اليمن، خاصة طريق الحديدة ـ صنعاء، بالتعاون مع القوات اليمنية، والقبائل الموالية للثورة.

ولتنفيذ تلك المهام، قررت القيادتان المصريتان، السياسية والعسكرية، دعم القوات المرسلة إلى اليمن مرة أخرى، لتصل إلى ما يقرب من لواءَي مشاة، وثلاث كتائب صاعقة، وكتيبتَي مظلات، وسرية مشاة آلية، مع دعم تلك القوات بالمدفعية والمدرعات اليمنية، التي يتم تطقيمها بأطقم مصرية[20].

كما تقرر زيادة حجم القوّتين، الجوية والبحرية، المرسلتين إلى اليمن، لتصل القوة الجوية إلى 14 طائرة "ياك11" وسبع طائرات "أليوشن 14" وأربع طائرات عمودية "مي 4"، إضافة إلى ما يقرب من كتيبتَي مدفعية مضادة للطائرات، للدفاع عن مطار صنعاء الحربي، الذي كان سيتمركز فيه كل الطائرات السابقة. ولتصل القوة البحرية إلى ثلاث مدمرات، وكاسحة ألغام،  إضافة إلى ناقلة نفط وسريتَي صاعقة بحرية[21].

وخلال شهر نوفمبر، نظّمت القوات الجوية جسراً جوياً ضخماً، بواسطة طائرات النقل الجديدة، من نوع "أنتونوف 12"، لنقل وحدات الصاعقة والمظلات وبعض وحدات المشاة الأخرى إلى صنعاء. كما نظّمت القوات البحرية جسراً بحرياً ضخماً، لمعاونة الأسطول التجاري، لنقل باقي قوات الدعم المصرية إلى ميناء الحديدة. وبذلك، نجحت القوات المصرية في تعزيز أوضاعها داخل اليمن، تدريجياً، خلال ذلك الشهر. إلاّ أنه كان على القوات الموجودة في اليمن، في أوائل نوفمبر، وإلى حين وصول قوات الدعم المنقولة بالجسرين، الجوي والبحري، القيام بعمليات تعرضية محدودة، وإغارات برية وجوية، لتصفية الجيوب المعادية للثورة، قرب صنعاء، وإيقاف تقدُّم القبائل، التي انضمت إلى الملكيين، صوب العاصمة اليمنية، أو القواعد والمواقع الحيوية[22].

    ‌ب.   تطورات الموقف العسكري على المحور الشرقي

في الوقت الذي كانت فيه قيادة القوات العربية في اليمن، تُعدّ خططها، لتنفيذ هذه المهام، كان بعض القبائل الملكية، تضغط على قوة الصاعقة المصرية، المحاصرة في صرواح. كما كانت الحامية اليمنية الصغيرة، في صعدة، تعاني شتى أنواع المتاعب، نتيجة الهجمات المتتالية عليها من قبيلة همدان[23]، التي تحاصرها.

وبالنسبة إلى صرواح، كانت قيادة الملكيين في المنطقة، قد حشدت ما يقرب من 1200 من مقاتلي القبائل، للهجوم على مواقع قوة الصاعقة، يوم 13 نوفمبر، من أربعة اتجاهات، بعد قصفها بالهاونات والقواذف الصاروخية. بيد أن هذا الهجوم مني بالفشل، إذ اصطدمت قوة القبائل، التي هاجمت من اتجاه الأرض المفتوحة، شرق صرواح، بستارة من عناصر الصاعقة المصرية، التي أوقعت بها بعض الخسائر، وأجبرتها على التوقف والارتداد. وكذلك فشل الهجوم من اتجاه الغرب، لكثافة نيران الهاونات والمدافع ذاتية الحركة للقوة المدافعة، في ذلك الاتجاه. أمّا الهجوم الثالث على مواقع قوات الجيش الجمهوري في المباني الأثرية في المنطقة، فقد تمكنت القوة المهاجمة من دخول تلك المواقع، إلاّ أنها رُدّت بواسطة الهجوم المضاد لقوة الصاعقة، التي تم معاونتها بنيران الهاونات والمدافع ذاتية الحركة. كما لم يكن صعباً صد الهجوم المخادع من الاتجاه الرابع، خلف مواقع قوة الصاعقة[24] (انظر شكل أعمال قتال الجانبين على المحور الشرقي (15 ـ 22 أكتوبر 1962)).

وحاولت قوات الملكيين تكرار الهجوم على صرواح، فجر 14 نوفمبر، غير أنها منيت بالفشل مرة أخرى. وإزاء صمود مجموعة الكتيبة 13، نقلت قيادة الملكيين جهودها الرئيسية، في هذا المحور، ضد مجموعة القتال، المشكّلة من مجموعة الكتيبة 23 صاعقة، والكتيبة 14 مشاة (عدا سرية)، بقيادة المقدم حسن عبدالغني. وكانت مجموعة الكتيبة 13، قد بدأت تشق طريقها من رأس العرقوب، خلال الأسبوع الثالث من نوفمبر، للاتصال بقوة صرواح، بالتعاون مع بعض قوات الحرس الوطني، وبعض المقاتلين من قبائل البيضاء. ولكن اشتباك بعض قبائل خولان، التي انضمت إلى صفوف الملكيين، مع تلك القوات، عطّل تحركها، وأعاق تقدُّمها، فلم تصل إلى منطقة رأس الوتدة (آخر المواقع قبل صرواح)، إلاّ يوم 25 نوفمبر[25]. وبنهاية ذلك الشهر، كانت أوضاع القوات المصرية، في ذلك المحور، كما يلي[26] (انظر شكل أعمال قتال الجانبين على المحور الشرقي (23 أكتوبر ـ 31 ديسمبر 1962)):

·    الكتيبة 14 مشاة (عدا سرية)، ومعها بعض عناصر الحرس الوطني، ومقاتلون من قبائل البيضاء: قائمة بتأمين منطقة جيحانة وطريق جيحانة ـ رأس العرقوب.

·    مجموعة الكتيبة 23 صاعقة، ومعها بعض عناصر من الحرس الوطني، ومقاتلون من قبائل البيضاء: قائمة بتأمين رأس العرقوب والوتدة، وبني صليح وبني هبيرة، على الطريق بينهما.

·    مجموعة الكتيبة 13 صاعقة: قائمة بتأمين منطقة صرواح.

ولم تبقَ مجموعة الكتيبـة 23، في أوضاعها السابقـة طويلاً، فسرعان ما هاجـم الملكيون موقـع الوتـدة، يوم 2 ديسمبر، بما يقرب من 500 مقاتل من قبائل خولان وبني ظبيان، التي انضمت، هي الأخرى، إلى صفوف الملكيين، فوقع الموقع في أيدى المهاجمين، بعد أن سقطت قوة الصاعقة المدافعة عنه (50 فرداً) بين قتيل وأسير وجريح. في الوقت الذي امتنعت فيه قوة الحرس الوطني وقبائل البيضاء، عن مواصلة التقدم لفتح الطريق إلى صرواح[27].

وإزاء هذا الموقف، وللحيلولة دون تطويق قوات الصاعقة، المنتشرة بين رأس العرقوب والوتدة، أصدرت قيادة القوات العربية أوامرها، يوم 6 ديسمبر، بارتداد تلك القوات إلى رأس العرقوب، وترْك نقاط قتال خارجية في بني صليح، على أن تدعّم قوة الصاعقة في رأس العرقوب بالكتيبة 53 صاعقة، في 12 ديسمبر. وهكذا، انتهت الجهود السابقة لمد سيطرة الجمهورية في المحور الشرقي، والاتصال بقوات صرواح، بالفشل. ولكن صرواح ظلت صامدة، نتيجة عمليات الإمداد الجوي، والمعاونة النيرانية، من القوة الجوية المحدودة، التي بدأت تتشكل في المسرح اليمني، في ذلك الوقت[28].

وفي 8 ديسمبر، أصدر المشير عبدالحكيم عامر توجيهاته إلى قائد القوات العربية في اليمن، بتجميع القوات، التي دفعت إلى فتح الطريق إلى صرواح بمنطقتَي جيحانة ورأس العرقوب، لتكون كل منهما قاعدة وطيدة، تندفع منهما وحدات الصاعقة إلى القيام بأعمال الإغارة على الملكيين، لتأمين المنطقة، مع تقوية المحور الشرقي، ليكون في قوة المحور الأوسط.

ومع استمرار تدفق الأموال والأسلحة إلى قبائل خولان (الأعروش، جروا، بني سحام، بني جبر)، استمرت هجماتها على القوات المصرية في جيحانة ورأس العرقوب، خلال الأسبوع الثاني من ديسمبر، على الرغم من الخسائر الكبيرة، التي كانت تتكبدها نتيجة لنيران القوات البرية في المنطقة، وهجمات القوة الجوية، التي تعاونها. وفي النهاية، فقدت هذه القبائل الأمل في تحقيق أي مكاسب إضافية لها في هذا المحور، فتوقف القتال، وساد الهدوء في المنطقة بعض الوقت.

    ‌ج.   تطورات الموقف العسكري على المحور الأوسط

إزاء ضغط الملكيين، في منطقة أرحب، على مقاتلي قبيلة حاشد في "ذيبين"، دفعت قيادة القوات العربية إليها الكتيبة 77 مظلات، من رايدة، يوم 15 نوفمبر، للدفاع عن المنطقة وتأمينها، بالتعاون مع مقاتلي قبيلة حاشد، كما دفعت الكتيبة 7 مشاة من صنعاء إلى عمران ورايدة، لتحل محلها[29].

وخلال النصف الثاني من نوفمبر، أحبطت قوات الكتيبة 77 مظلات عدة محاولات للسيطرة على مضيق، "ذيبين"، بواسطة القوات الملكية، وظلت متمسكة بمواقعها طوال هذه المرحلة.

    ‌د.    تطورات الموقف العسكري على المحور الأوسط/الشمالي

منذ وصول بعض قوات الجيش الجمهوري إلى صعدة، في 14 أكتوبر، ظلت تلك القوة تعاني شتى أنواع المتاعب، نتيجة حصارها بواسطة قبائل المنطقة الشمالية، التي انضمت إلى صفوف الملكيين. وفي ضوء توجيهات المشير عامر، قرر قائد القوات العربية في اليمن استغلال أرض الهبوط بجوار المدينة، لدعم قوة الحامية اليمنية جواً، بواسطة الكتيبة 75 مظلات، إلى حين استكمال وصول اللواء 18 مشاة، الذي كان سيدفع، فور وصوله وتجميعه، إلى فك الحصار عن المدينة، وتأمين المنطقة الشمالية[30].

ولتخفيف الضغط على تلك الحامية، إلى حين دعمها بالكتيبة 75 مظلات، لجأت قيادة القوات العربية في اليمن إلى أعمال القصف الجوي لمعاقل قبيلة همدان، التي تحاصر المدينة. ولمّا كانت كميات الوقود المتيسرة، وقوة النيران المحدودة لطائرات "ياك 11"، التي تم تركيبها، حتى ذلك الوقت، لا تسمحان بتقديم المعاونة الجوية، بالكثافة المطلوبة، إلى قوّتَي صرواح وصعدة في آن واحد، فقد وافقت القيادتان، السياسية والعسكرية، المصريتان، على استخدام القاذفات الإستراتيجية، من نوع "تي يو 16"، من قواعد تمركزها في مصر، لدكِّ معاقل الملكيين حول المدينة المحاصرة، خلال النصف الأول من نوفمبر[31].

وبعد الاستطلاع الجوي لمنطقة صعدة، بواسطة قائد القوات العربية، وقائد القوة الجوية بالمسرح، بدأت عملية الإبرار الجوي للكتيبة 75 مظلات بالمدينة المحاصرة، صباح 12 نوفمبر. فبعد التمهيد الجوي، بدأت عملية إسقاط إحدى سرايا الكتيبة، بواسطة سرب النقل الجوي، لتأمين أرض الهبوط. ولدى انتهاء عملية التأمين، بدأ باقي طائرات السرب في الهبوط، لإنزال باقي قوة الكتيبة، تحت حماية سرب "ياك 11"، الذي كانت طائراته تقوم بتفتيش المنطقة، وإسكات مصادر النيران، التي تهدد عملية الإبرار الجوي. وفور نزولها وتجميعها، استطاعت الكتيبة 75 مظلات السيطرة على معظم الهيئات المحيطة بالمدينة، وطرق التقدم إليها[32].

وفي محاولة لاستكمال حصار القوات المصرية واليمنية في منطقة صعدة، وحرمانها من إمدادها الجوي المفتوح، بعد قطع الطريق البري، شنت قيادة الملكيين عدة هجمات للسيطرة على أرض الهبوط، إلاّ أنها باءت جميعها بالفشل. وإزاء استمرار قطع الطريق إلى صعدة، دفعت قيادة القوات العربية اللواء 18 مشاة، فور وصوله وتجميعه، إلى فتح ذلك الطريق، وتأمين محور صنعاء ـ صعدة[33] (انظر شكل أعمال قتال الجانبين للسيطرة على المحور الشمالي (خلال شهر نوفمبر 1962)).

بدأ اللواء 18 مشاة يشق طريقه من "الحرف" في اتجاه صعدة، يوم 27 نوفمبر، تحت مظلة القوات الجوية. بينما واصلت القاذفات الإستراتيجية دك معاقل الملكيين حول المدينة المحاصرة. كان سرب "ياك 11"، يقوم بالاستطلاع المسلح على أجناب طريق تقدم اللواء. وفي مساء يوم 27 نوفمبر، اصطدمت قوة المقدمة بكمين، عند مضيق "قفلة عذر"،  فتوقف اللواء. ومع أول ضوء، يوم 28 نوفمبر، شنّت عناصر من اللواء، تحت ستر نيران الهاونات 82 و120 مم، هجوماً على ذلك المضيق لاحتلاله وإزالة الألغام والمتاريس من داخله[34].

وتابعت قوات اللواء 18 تقدُّمها شمالاً، تجاه "الصفراء"، تحت ستر نيران القوة الجوية، التي واصلت تأمين التقدم طوال اليوم. بيد أن مجموعة الاستطلاع، اصطدمت، ليلاً، مرة أخرى، بنحو 500 من مقاتلي القبائل الملكية، كانوا يحتلون مضيق "العمشية"، بطول 5, 4 كم. وبعد معركة فاشلة، نهاراً، هجم بعض قوات اللواء على المضيق، واحتل كتفيه، في منتصف ليلة 28/29 نوفمبر. وبعد إزالة الموانع والألغام، تقدمت قوات اللواء، واحتلت قلعة الصفراء، ظهر يوم 29 نوفمبر، بعد انسحاب الملكيين، الذين كانوا يحاصرونها، على عجَل تاركين أسلحتهم الثقيلة في المنطقة.

 وفي طريقها إلى صعدة، كان على قوات اللواء 18 مشاة، أن تشق طريقها عبر مضيق "سنارة"، الذي كان يحتله نحو 1500 من مقاتلي قبائل المنطقة، المسلحين بالبنادق والرشاشات وبعض المدافع المضادة للدبابات والهاونات. وكما حدث عند مضيق "العمشية"، اضطرت قوات اللواء إلى التوقف، على إثر اصطدام عناصر استطلاع اللواء بالقوات المدافعة. ومع حلول الليل، واصلت قوات اللواء هجومها، للسيطرة على المضيق، في الوقت الذي شنّ فيه بعض الوحدات الفرعية من الكتيبة 75 مظلات، هجوماً آخر على القوة المدافعة عن المضيق، من اتجاه صعدة. وبحلول فجر يوم 30 نوفمبر، كان قد تم الاستيلاء على مضيق "سنارة"، وأُجبرت القوات المدافعة على الانسحاب، بعد تكبدها خسائر جسيمة، وتمكنت طلائع اللواء 18 من دخول صعدة، صباح يوم 30 نوفمبر[35].

وخلال الأيام الأولى من شهر ديسمبر، أمّنت قوات اللواء 18، بالتعاون مع القوة الجوية في المسرح، منطقة صعدة، ووسّعت نطاق الأمن حول المدينة، بالسيطرة على بلدة "مجز" والجبال الغربية، التي كانت تهدّد المطار، وبذا، بلغ عمق نطاق الأمن حول المدينة 30 كم. وقد أدى وجود هذه القوات في مدينة صعدة والمناطق المحيطة بها، إلى استقرار الموقف في المنطقة الشمالية، وانضمام قبيلتَي "جماعة" و"سحار" إلى صفوف الجمهورية[36].

هـ. تطورات الموقف العسكري على المحور الساحلي

سقطت "حرض" في أيدى الملكيين، قبل أن تصل القوات المصرية إلى أرض اليمن. وإزاء قلة أعداد القوات، التي وصلت إلى المسرح، وتفكك معظم وحدات الجيش اليمني، خلال شهر أكتوبر، من جهة، وتطورات الموقف العسكري على المحور الشرقي، خلال ذلك الشهر، من جهة أخرى، لم يتيسر للقيادة اليمنية أي قوات لاسترداد تلك البلدة. وبوصول الصاعقة البحرية، وبعض القوات البرية الإضافية، دفعت قيادة القوات العربية بالمسرح، في الأول من نوفمبر، سريتين، إحداهما من الصاعقة البحرية، والأخرى مشاة آلية، إلى "عبس"، لتأمينها. وفي ضوء المعلومات، التي وردت عن نوايا الملكيين التحرك للاستيلاء على "ميدي"، واصلت السريتان تقدمهما شمالاً، واشتبكتا مع قوة الملكيين في حرض، وطردتاها من البلدة[37].

 وبوصول اللواء الخامس مشاة إلى اليمن، خلال شهر نوفمبر، قررت القيادة العربية بالمسرح تمركز اللواء (عدا كتيبتين) في "عبس"، لإقامة نطاق دفاعي، لتأمين المحور الساحلي، مع الاحتفاظ بقوة احتياطية للهجمات المضادة، ودفع الكتيبة 52، يوم 26 نوفمبر، إلى تأمين "حجة"، والكتيبة 5 مشاة إلى تأمين "وشحة". وفي الوقت الذي نجحت فيه الكتيبة 52 في تأمين مدينة "حجة"، فإن الكتيبة 5 مشاة، فشلت في تحقيق مهمتها، نتيجة لوعورة الأرض، مما أعطى الفرصة للملكيين للسيطرة على "وشحة"، وطرد قوة الحرس الوطني منهـا، يوم 15 ديسمبـر. وبذلك، تأمَّن للملكيين طريق إمداد من السعودية إلى داخل اليمن، من طريق وادي "مسور"[38] (انظر شكل السيطرة على المحور الساحلي بواسطة قوات الجمهوريين (نوفمبر ـ ديسمبر 1962)).

    ‌و.   أوضاع القوات المصرية، في نهاية عام 1962[39]

في نهاية ديسمبر، كانت أوضاع القوات المصرية بالمسرح اليمني كما يلي:

(1)    منطقة صنعاء

·    الدفاع عن العاصمة وما حولها، بواسطة  كتيبتَي أمن وحراسة (منهما واحدة جوية، لتأمين المطار)، وسرية مدفعية عيار 76 مم، إضافة إلى أربع سرايا مدفعية مضادة للطائرات، منها ثلاث للدفاع عن المطار.

·    احتياطي عام: كتيبتا مظلات وصاعقة، لتأمين صنعاء، أو العمل في اتجاه صعدة أو صرواح، طبقاً للموقف القتالي.

(2)    المحور الشرقي

·    الدفاع عن منطقة صرواح وتأمينها، بواسطة مجموعة الكتيبة 13 صاعقة (الكتيبة 13، سرية/ الكتيبة 33 صاعقة، فصيلة هاون 82 مم، سرية دبابات ومدافع اقتحام).

·    الدفاع عن منطقة جيحانة وتأمينها، بواسطة الكتيبة 14 مشاة (عدا سرية).

·    تأمين طريق جيحانة ـ صرواح، بواسطة مجموعة الكتيبة 23 صاعقة (الكتيبة 23 صاعقة، سرية دبابات ومدافع اقتحام، فصيلة هاون 82 مم).

(3)    المحور الأوسط

·    الدفاع عن منطقة ذيبين وتأمينها، بواسطة الكتيبة 77 مظلات، وسرية دبابات ومدافع اقتحام.

·    الدفاع عن منطقتَي رايدة وعمران وتأمينهما، بواسطة الكتيبة 7 مشاة (كتيبة عدا سرية في رايدة، وسرية في عمران).

(4)    المحور الأوسط/الشمالي

·    الدفاع عن منطقة صعدة وتأمينها، بواسطة اللواء 18 مشاة (عدا كتيبة)، إضافة إلى الكتيبة 75 مظلات، وسريتَي دبابات.

(5)    المحور الساحلي

·    الدفاع عن منطقة الحديدة وتأمينها، بواسطة كتيبة مشاة، وعناصر الدفاع للوحدات الإدارية في المنطقة.

·    الدفاع عن المحور الساحلي وتأمين مناطق حرض، ميدي، حيران، عبس، المحبشة، وادي مور، والزيدية،  بواسطة اللواء الخامس المشاة، وسريتَي صاعقة ومشاة آلية.

3.    دور القوات الجوية المصرية في دعم الثورة اليمنية، في خريف عام 1962[40]

وقع على عاتق القوة الجوية المصرية، منذ وصولها إلى المسرح اليمني، عدة مهام حيوية. إذ كان عليها تركيز جهودها، خلال النصف الثاني من أكتوبر، لتأمين تقدم المجموعة 13 صاعقة في المحور الشرقي. كما كان عليها، إسقاط سرية المظلات في منطقة صرواح، يوم 22 أكتوبر.

وبعد ارتداد المجموعة 13 صاعقة، واتخاذها أوضاعاً دفاعية في صرواح، ركزت القوة الجوية جهودها في تقديم المعاونة النيرانية إلى قوة الصاعقة، لكسر حدّة هجمات القبائل المتكررة عليها، مع الإمداد الجوي لتلك القوة، من طريق الإسقاط الجوي، في البداية، ثم بالطائرات العمودية، بعد تأمين منطقة هبوط لها في صرواح. كما خصصت القوة الجوية جزءاً من مجهودها، لأعمال الاستطلاع الجوي المسلح لمحاور إمداد الملكيين، للبحث عن مركبات وقوافل الإمداد المتجهة إلى القبائل، التي تساندهم، لقصفها وتدميرها.

وإزاء تزايد النشاط العسكري للملكيين، الذين اتخذوا في نجران قواعد للحشد والتدريب والإمداد، قررت القيادة السياسية المصرية قصف تلك القواعد. فبدأت القاذفات الإستراتيجية المصرية، من نوع "تي يو 16"، أولى غاراتها على تلك القواعد يوم 25 أكتوبر.

وكان على القوة الجوية المصرية بالمسرح اليمني، المزودة بطائرات "ياك 11" و "أليوشن14"، أن تنقل جهودها الرئيسية إلى المحور الأوسط / الشمالي، بدءاً من 12 نوفمبر، لتأمين وإبرار الكتيبة 75 مظلات، في منطقة صعدة، ثم معاونة هذه الكتيبة وإمدادها بعد الإبرار. كما كان عليها أيضاً تأمين ومعاونة تقدّم اللواء 18 مشاة، لفك الحصار عن مدينة صعدة. وبجزء من مجهودها، كان على القوة الجوية الاستمرار في تقديم المعاونة النيرانية والإمداد الجوي إلى قوة الصاعقة، المعزولة في صرواح.

وبدأت أعمال القوة الجوية، في منطقة صعدة، خلال النصف الأول من نوفمبر، بواسطة القاذفات الإستراتيجية، لتخفيف الضغط على حامية الجيش الجمهوري، التي ظلت صامدة. وبعد التمهيد الجوي، بواسطة سرب الـ "ياك11"، الذي قام بعض طائراته بتفتيش منطقة الإبرار، وإسكات مصادر النيران، التي تهددها، يوم 12 نوفمبر، أسقط سرب النقل إحدى سرايا الكتيبة 75 مظلات، جواً، لتأمين أرض هبوط في صعدة. ومع انتهاء عملية التأمين، بدأت طائرات سرب النقل، التي شكلت جسراً جوياً صغيراً بين صعدة والعاصمة اليمنية، في إنزال باقي قوة الكتيبة في أرض الهبوط، تحت ستر طائرات "ياك 11"، التي كانت تنقض على أي مصدر للنيران، يهدد المنطقة، فور اكتشافه.

وفي أول ديسمبر، أصدر المشير عبدالحكيم عامر توجيهاته إلى قائد القوات العربية في اليمن، بمواصلة العمل لتأمين المحور الشرقي، واتصال القوات المتقدمة عليه بقوة صرواح، مع إجراء الاستطلاع والتخطيط التفصيلي، للتقدم إلى مأرب والجوف، وإنهاء سيطرة الملكيين على هاتين المنطقتين. ولكن، قبل أن تبدأ مجموعة الكتيبة 23 صاعقة تحركها من الوتدة ورأس العرقوب، لفتح الطريق إلى صرواح، تعرضت عناصر الكتيبة في الوتدة لهجوم كبير من قبائل خولان (الأعروش وبني جبر)، بعد انضمام الأخيرة إلى صفوف الملكيين.

وعلى الرغم من تركيز القوة الجوية جهودها الرئيسية في اتجاه المحور الشرقي، خلال الأسبوع الأول من ديسمبر، إلاّ أن المجموعة 23 صاعقة، كانت غير قادرة على فتح الطريق إلى صرواح، نتيجة لوعورة الطريق، وضغط قبائل خولان، وتخاذل مقاتلي قبائل البيضاء.

وخلال  الأسبوع الثاني من ديسمبر، استمر تركيز جهود القوة الجوية في المحور الشرقي، لمعاونة قوات رأس العرقوب وجيحانة على صد الهجمات المتكررة لقبائل خولان على تلك القوات، حتى توقفت هجمات هذه القبائل، بدءاً من النصف الثاني من ديسمبر.

وفي الوقت الذي ساد فيه الهدوء النسبي المحور الشرقي، استمرت عمليات تكديس الأسلحة والذخائر في نجران، ومنها تنقل إلى أمراء أسرة حميدالدين، المنتشرين في المنطقتَين، الشمالية والشرقية، من اليمن، لتوزيعها على القبائل، التي انضمت إلى صفوف الملكيين. ولمّا كانت المخابرات المصرية، التي نجحت في كسر شفرة المراسلات السعودية، قد رصدت عمليات تكديس الأسلحة والذخائر، المشتراة من بلجيكا، ونقلها إلى الطائف، ومنها إلى نجران وجيزان، خلال النصف الثاني من ديسمبر 1962، بدأ الرئيس عبدالناصر يشك في مصداقية الوساطة الأمريكية لفض الاشتباك بين القوات المتحاربة، التي تقدَّم بها الرئيس الأمريكي في 17 نوفمبر  (انظر ملحق خطاب الرئيس جون كنيدي إلى الرئيس جمال عبدالناصر)، و(ملحق خطاب الرئيس جمال عبدالناصر إلى الرئيس جون كنيدي)، ورأى في تلك الوساطة خدعة، لتخفيف الاندفاع المصري في اليمن، ومنع قصف قواعد الملكيين في السعودية. وعلى ذلك، أصبح الرئيس عبدالناصر أكثر قناعة بضرورة استمرار الهجمات الجوية على نجران وجيزان، والتحول من وضع الدفاع إلى الهجوم. ومن ثمّ، أرسل إلى المشير عبدالحكيم عامر، الذي كان موجوداً في اليمن، خطاباً، بتاريخ 17 ديسمبر، يبلغه فيه بما رصدته المخابرات المصرية، ورأيه في الموقف الأمريكي، وما يجب اتّباعه حيال الموقف السعودي  (انظر ملحق خطاب الرئيس جمال عبدالناصر إلى المشير عبدالحكيم عامر 17( ديسمبر 1962)).

ولكن الرئيس عبدالناصر سرعان ما أبلغ المشير عبدالحكيم عامر، في اليوم التالي، أنه في ضوء اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعلان اعترافها بالنظام الجمهوري، مساء 19 ديسمبر، فإن ما جاء في خطابه الأخير، يصبح سابقاً لأوانه، وأنه يجب إعطاء الفرصة للأمريكيين، الذين وعدوا بالضغط على الحكومة السعودية لإيقاف نشاط إمداد الملكيين، لخلق المناخ الملائم لعملية فض الاشتباك ... "فإذا لم يتحقق ذلك، تكون الخطوة التالية إنذاراً بهدم قواعد العدوان" (انظر ملحق خطاب الرئيس جمال عبدالناصر إلى المشير عبدالحكيم عامر (18 ديسمبر 1962)).

وإزاء استمرار عمليات تكديس الأسلحة والذخائر في نجران وجيزان، وتدفقهما منهما إلى القبائل، التي انضمت إلى صفوف الملكيين داخل اليمن، قررت القيادتان، السياسية والعسكرية، المصريتان، في أواخر ديسمبر، استئناف عمليات قصف قواعد الملكيين في هاتين المدينتَيْن.

وباستثناء أعمال الاستطلاع والنقل والإمداد الجوي، فقد ساد المسرح اليمني فترة من الهدوء النسبي، امتدت حتى أوائل فبراير 1963. وهو أمرٌ يعود، في جانب كبير منه، إلى الأحوال الجوية وأمطار الشتاء، من ناحية، وتحضير الجانبين للجولة الثانية بينهما، من ناحية أخرى. وخلال المرحلة السابقة من الحرب اليمنية (أكتوبر ـ ديسمبر 1962)، نفّذت القوات الجوية المصرية ما يزيد على 1450 طلعة / طائرة، في المسرح اليمني، موزعة على مهام مختلفة، توضحها النسب المئوية التالية:

15%

          مهام الاستطلاع المسلح.

8  %

          مهام المعاونة النيرانية للقوات البرية، المصرية واليمنية الجمهورية.

35%

             قصف تجمعات ومواقع الملكيين ومعسكراتهم ومراكز تكديسهم الأسلحة (داخل اليمن وخارجه).

16%

          النقل والإمداد والإبرار الجوي، داخل المسرح اليمني.

26%

          النقل الجوي بين مصر واليمن (الجسر الجوي).

 

وقد بلغ وزن الاحتياجات والأفراد، الذين تم نقلهم جواً، خلال المرحلة السابقة، 5250 طناً، منها 4450 طناً بواسطة طائرات الجسر الجوي وحدها.

4.    دور القوات البحرية المصرية في دعم الثورة اليمنية، خلال خريف عام 1962[41]

    ‌أ.    مهام القوات البحرية

إزاء تطورات الموقف العسكري في المسرح اليمني، خلال خريف عام 1962، وقع على عاتق القوات البحرية المصرية عدة مهام، كان أبرزها:

(1)    المشاركة في أعمال النقل الجوي.

(2)    حماية خطوط المواصلات البحرية بين مصر والجمهورية العربية اليمنية.

(3)    تأمين موانئ رحيل واستقبال جسر النقل البحري.

(4)    تأمين الساحل اليمني، ومنع عمليات تهريب الأسلحة والتسلل عبْره.

(5)    مساندة القوات البرية العاملة بمحاذاة الساحل.

    ‌ب.   أنشطة القوات البحرية لتنفيذ المهام السابقة

(1)    المشاركة في أعمال النقل البحري

على الرغم من وقوع عبء النقل البحري على عاتق الأسطول التجاري المصري أساساً[42]، إلاّ أن القوات البحرية، كان عليها تنفيذ عدة مهام في مجال النقل البحري، أبرزها ما يلي:

·    الاشتراك مع أجهزة القيادة العامة في تخطيط أعمال النقل البحري، والإشراف على تنفيذها.

·    معاينة السفن التجارية المطلوبة، وتحديد صلاحيتها للنقل، والإشراف على تحميلها.

·    تجهيز ميناء "الأدبية" وإعداده لعملية نقل القوات.

·    توفير معسكرات انتظار للقوات المنقولة بحراً، في ميناء التحميل.

·    استطلاع ميناء الحديدة وتحديد الاحتياجات اللازمة لتدفق القوات إلى المسرح اليمني، وتأمينها، بحراً، في ذلك المسرح.

·    إنشاء قاعدة بحرية في ميناء الحديدة، لتنفيذ المهام البحرية في المسرح اليمني.

(2)    حماية خطوط المواصلات البحرية بين مصر والجمهورية العربية اليمنية

لمّا كان الجسر البحري يعمل بنظام السفن المنفردة بين مصر واليمن، فقد كانت تلك المهمة من أصعب المهام، التي ألقيت على عاتق البحرية المصرية، خلال تلك المرحلة، بسبب طول الرحلة وإبحار ثلاث سفن نقل في اليوم الواحد. ولتنفيذ المهمة، لجأت القوات البحرية إلى إعادة تمركز عدد كبير من وحداتها في المراسي، على طول الساحلين، المصري واليمني، على البحر الأحمر، والقيام بالدوريات البحرية لاستطلاع خطوط سير سفن النقل، فضلاً عن مصاحبة المدمرات والفرقاطات لتلك السفن، في أوقات متفرقة، كان معظمها في رحلات غيار (تبديل) تلك الوحدات.

(3)    تأمين موانئ رحيل واستقبال جسر النقل البحري

أمّنت القوات البحرية المصرية ميناء "الأدبية"، في إطار خطتها للدفاع عن ساحل البحر الأحمر، مع تعزيز الوحدات البحرية، المخصصة لقاعدة السويس البحرية، وتحريك زوارق الصواريخ وكاسحات الألغام، إلى القواعد البحرية ونقاط التمركز الجنوبية.

أما بالنسبة إلى ميناء الحديدة، فقد نظّمت القوات البحرية، فور إنشاء القاعدة البحرية، الدفاع عن الميناء وتأمينه، بالشكل التالي  (انظر شكل إجراءات تأمين قاعدة الحديدة البحرية (أكتوبر ـ ديسمبر 1962)):

·    الكسح الدائم للممر الملاحي بالميناء، وفرض منطقة تفتيش، شمال الممر.

·    القيام بدوريات المرور، القريب والبعيد، بواسطة سفن السطح، لتأمين الممر الملاحي، وتأمين الإنذار المبكر للقوة الضاربة من المدمرات.

·    قيام الضفادع البشرية بدوريات حول غاطس السفن، في منطقة رسوِّها بالميناء.

·    التأمين الساحلي، بواسطة المدفعية الساحلية.

(4)    تأمين الساحل اليمني

لتأمين الساحل اليمني، نظّمت المدمرات وكاسحات الألغام، فور وصولها إلى المسرح اليمني، دوريات الاستطلاع بشكل مستمر، على طول الساحل، من المخا جنوباً، حتى ميدي شمالاً.

(5)    مساندة القوات البرية العاملة بمحاذاة الساحل

إزاء الهدوء النسبي، الذي ساد المحور الساحلي، خلال خريف 1962، اقتصرت مساندة القوات البحرية للقوات العاملة بمحاذاة الساحل اليمني، خلال تلك الفترة، على أعمال القصف البحري لقواعد الملكيين في جيزان، يوم 10 نوفمبر، وأعمال قتال سرية الصاعقة البحرية لاسترداد "حرض" وتأمينها.

ثالثاً: محصلة الجهود المصرية لدعم الثورة اليمنية، خلال أولى مراحل الحرب[43]

زاد حجم القوات المصرية، التي دفعت إلى اليمن، خلال الأشهر الثلاثة الأولى للثورة، على 20 ألف مقاتل، مُشَكّلة في ثلاثة ألوية مشاة (عدا كتيبة)، وخمس كتائب صاعقة، وكتيبتَي مظلات، وبعض الوحدات المعاونة، تدعمها قوة جوية مشكلة في ثلاثة أسراب، منهـا سرب معاونة جويـة (20 طائرة ياك 11)، وسـرب نقل (9 طائرات أليوشن 14)، فضلاً عن سرب طائرات عمودية (8 طائرات مي 4)، وقوة بحرية تتكون من مدمرة وكاسحتَي ألغام وزورقَي إنزال وناقلة نفط.

وفي نهاية عام 1962، كانت قوات الدعم المصري، قد ثبتت النظام الجمهوري في النصف الجنوبي من اليمن، ومدت سيطرته على جزء كبير من نصفه الشمالي، شمل العاصمة اليمنية والمناطق المحيطة بها، حتى رأس العرقوب شرقاً، ورايدة وذيبين شمالاً، والمحور الأوسط / الشمالي حتى منطقة صعدة وتخومها شمالاً. كما غطت سيطرة الجمهورية كل سهل تهامة (المحور الساحلي) حتى الحدود مع المملكة العربية السعودية، وبعض مناطق المرتفعات الغربية.

 



[1]   تأخر تفجير الثورة قبل وفاة الإمام وبعده، نتيجة لعدم استكمال الذخائر الخاصة بالدبابات والمدفعية التي كانت ستشارك في الثورة، فضلاً عن انقسام تنظيم الضباط حول الموعد المناسب للتحرك.

([2])   صدر الإعلان الدستوري لنظام الحكم الجديد، الذي ينظم سلطات الدولة العليا وينشئ إلى جانب رئيس الجمهورية، مجلساً للرئاسة ومجلساً تنفيذياً، في 27 سبتمبر 1962. وتشكل المجلس برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر، وعضوية كل من: عبداللطيف البغدادي، والمشير عبدالحكيم عامر، وزكريا محيي الدين، وحسين الشافعي، وكمال الدين حسين، وأنور السادات، وحسن إبراهيم، وعلي صبري، وأحمد عبده الشرباصي، والدكتور نور الدين طراف، وكمال الدين رفعت. أي أن المجلس تشكل من 7 من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين كانوا لا يزالون يشاركون في الحكم، فضلاً عن اثنين من العسكريين من رجال الصف الثاني للثورة واثنين من المدنيين المعروفين بتأييدهم لخطّها.

[3]   كان الدعم العسكري الرمزي الموعود الذي تم الإتفاق عليه بين القيادة السياسية المصرية والثوار يتمثل في سرية صاعقة لا يتجاوز عددها 100 فرد بكامل أسلحتها وعتادها واحتياجاتها الإدارية، فضلاً عن ثلاث طائرات تدريب مسلحة بالرشاشات من طراز ياك 11 بطياريها وأطقم صياتها.

[4]   أوضح اللواء علي عبدالخبير في لقاء معه أنه تلقى تعليمات المشير عبدالحكيم عامر قبل ظهر يوم 28 سبتمبر للسفر إلى اليمن الساعة 11 مساء في اليوم نفسه، على طائرة خاصة ومعه مجموعة إتصال لاسلكي، حيث وصل إلى صنعاء صباح يوم 29، والتقى فور وصوله بالعميد عبدالله السلال وبعض ضباط الثورة، فأبلغهم تهنئة القيادة المصرية واستمع إلى مطالبهم، التي قام بإبلاغها إلى المشير عبدالحكيم عامر بواسطة مجموعة الإتصال اللاسلكي التي كانت برفقته.

[5]   المصادر الرسمية المصرية.

[6]   المصادر الرسمية المصرية.

[7]   المصادر الرسمية المصرية.

[8]   المصادر الرسمية المصرية.

[9]   كانت الطائرات الصغيرة قصيرة المدى مثل طائرات "ياك 11" تنقل إلى اليمن على ظهر السفن (أو في داخل طائرات الأنتونوف 12 فيما بعد) بعد تفكيك اجنحتها وعربتها السفلي (الجزء المتحرك المركب فيه العجل).

[10]   المصادر الرسمية المصرية.

[11]   كانت هذه الإتفاقية تسمح لمصر بمساندة النظام الجمهوري ضد أي أخطار خارجية أو داخلية تهدد ذلك النظام.

[12]   المصادر الرسميةالمصرية. لم يكن لدى القوات المسلحة المصرية أو اليمنية أي خرائط دقيقة عن اليمن خلال الشهور الأولى للثورة، مما استدعى من المساحة العسكرية المصرية عمل خرائط جديدة لليمن على أُسُس علمية بعد ذلك.

[13]   المصادر الرسمية المصرية.

[14]   المصادر الرسمية المصرية.

[15]   رفض الشيخ عليى بن ناجي الغادر الولاء للثورة منذ البداية، إذ اعتبر اختيار السلال رئيساً للجمهورية ـ وهو ابن حداد ـ تقليلاً من شأن مشايخ القبائل. وعلى ذلك كان استقطابه سهلاً في صفوف الملكيين.

[16]   المصادر الرسمية المصرية.

[17]   المصادر الرسمية المصرية.

[18]   بدأ تشكيل قيادة للقوات العربية (المصرية) في اليمن مع بدء تدفق تلك القوات، وقد تكونت في البداية من طاقم صغير تحت قيادة اللواء علي عبدالخبير ثم بدأت تتوسع تحت قيادة اللواء أنور القاضي بدءاً من نوفمبر 1962، مع تزايد أعداد القوات بالمسرح.

[19]   المصادر الرسمية المصرية.

[20]   المصادر الرسمية المصرية.

[21]   المصادر الرسمية المصرية.

[22]   المصادر الرسمية المصرية.

[23]   لم تعلن قبيلة همدان ولاءها للجمهورية وانضمت إلى صفوف الملكيين منذ البداية.

[24]   المصادر الرسمية المصرية.

[25]   المصادر الرسمية المصرية.

[26]   المصادر الرسمية المصرية.

[27]   المصادر الرسمية المصرية. تعللت قوات الحرس الوطني وقبائل البيضاء بعدم ملائمة اسلحتها للقتال.

[28]   المصادر الرسمية المصرية.

[29]   المصادر الرسمية المصرية. دفعت الكتيبة 7 مشاة (عدا سرية) إلي ريدة وسرية إلى عمران. 

[30]   المصادر الرسمية المصرية.

نظراً إلى أهمية صعدة، دفعت قيادة القوات العربية في أواخر أكتوبر ـ قبل إتمام حصار المدينة ـ بفصيلة مظليين ومثلها من المهندسين العسكريين لإعداد أرض الهبوط في صعدة لاستقبال طائرات النقل وسد المسالك المؤدية إلى المدينة بوساطة الألغام لمنع قوات الملكيين من دخولها.

[31]   المصادر الرسمية المصرية.

[32]   المصادر الرسمية المصرية.

[33]   المصادر الرسمية المصرية.

[34]   المصادر الرسمية المصرية.

[35]   المصادر الرسمية المصرية.

[36]   المصادر الرسمية المصرية.

[37]   المصادر الرسمية المصرية.

[38]   المصادر الرسمية المصرية.

[39]   المصادر الرسمية المصرية.

[40]   المصادر الرسمية المصرية.

[41]   المصادر الرسمية المصرية.

[42]   شاركت 14 سفينة من الأسطول التجاري المصري، في نقل القوات والإحتياجات، إلى المسرح اليمني، خلال شهر أكتوبر وحده.

[43]   المصادر الرسمية المصرية.