إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي






إندونيسيا
ليبيا
مدينة أريحا
إيطاليا
مشروع التقسيم
المملكة الأردنية الهاشمية
الأماكن المقدسة
الهند
الباكستان
الجمهورية اللبنانية
الجمهورية العربية السورية
الجزائر
الشرق الأوسط
العراق
القدس القديمة
تونس
تركيا
جمهورية مصر العربية
دولة الكويت
Jerusalem's Holy places
فرنسا



القسم الخامس

ثالثاً: رد فعل الأردن

       ونشرت جريدة "الجهاد"، في عددها الصادر في 24 أبريل 1965، أول ردود فعل أردنية رسمية، حول تصريحات الرئيس بورقيبة، إذ ذكر رئيس الوزراء، وصفي التل، أنه لا جواب لديه على تلك التصريحات وأنصاف الحلول "سوى الإصرار على الاستماتة، وبذل الغالي والرخيص في دعم الخطة العربية الجماعية، التي لم تستهدف مطلقاً أنصاف الحلول. وإنما استهدفت استعادة الحق السليب كاملاً إلى أهله.

       وقال السيد قدري طوقان، وزير خارجية الأردن السابق، إن في تصريحات بورقيبة "انحرافاً عن الخط الوطني السليم" وإنه "من الجناية مجاملته"، وإنه "يجب ألا تشغل تصريحاته العرب، ويجب أن تقابل بالإهمال والازدراء". وقد نشرت "الجهاد"، كذلك، نصوص برقيات عديدة، بعث بها المواطنون إلى القصر الملكي، احتجاجاً على تصريحات بورقيبة هذه.

رابعاً: رد فعل العراق

       قال الدكتور فؤاد الركابي، السكرتير المساعد للاتحاد الاشتراكي العربي في العراق، يوم 24 أبريل 1965، في مناسبة تصريحات الرئيس الحبيب بورقيبة ، "إن هذه التصريحات من الطعنات، التي وجهت، حتى الآن، إلى القضية الفلسطينية، سواء من القوى الاستعمارية أو من القوى الرجعية العربية". وأضاف أن الإيمان العربي، الذي ظل ثابتاً منذ عام 1948، لن يهتز أو يتزعزع، بمثل هذه التصريحات. وأعلن طاهر يحيى، رئيس الحكومة العراقية، أن شعب العراق، لا يمكن أن يقبل أي مساومة، أو حلول وسط للمشكلة الفلسطينية. ودعا جميع الدول العربية إلى الالتزام بمقررات مؤتمرَي القمة.

       وفى الأول من مايو 1965، وصف الرئيس العراقي، عبد السلام عارف، في مهرجان أقيم في مناسبة افتتاح مقر منظمة التحرير الفلسطينية في بغداد، مقترحات الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بأنها "خروج على مقررات مؤتمرَي القمة، فضلاً عن أنها غير مقبولة، وأنها مردودة جملة وتفصيلاً" (انظر ملحق مقتطفات من خطاب الرئيس العراقي عبد السلام عارف).

خامساً: رد فعل سورية

       في السادس عشر من مارس 1965، خرجت تظاهرات كبرى صاخبة في دمشق، استنكاراً لتصريحات الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، في شأن قضية فلسطين. وأعلن في دمشق، يوم 26 أبريل، استدعاء القائم بالأعمال السوري في تونس، للتشاور، في مناسبة تصريحات الرئيس الحبيب بورقيبة، في شأن قضية فلسطين. وقامت، في اليوم عينه، مظاهرات عديدة، في دمشق وبقية المحافظات السورية، شجبت فيها الجماهير موقف بورقيبة، وهتفت بسقوطه. وألقى الفريق أمين الحافظ خطاباً في حمص، هاجم فيه الرئيس بورقيبة، وقال إن الشعب العربي قادر، ومصمم على القضاء "على كل مؤامرة تستهدف تصفية فلسطين".

       وأذاعت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، الحاكم في سورية، بياناً (انظر ملحق بيان القيادة القومية لحزب البعث، حول القضية الفلسطينية)، في مناسبة تصريحات بورقيبة، التي اشتمت منها رائحة التواطؤ مع الاستعمار والصهيونية، قالت فيه: "إن بورقيبة، لم يكن ليجرؤ على هذا الموقف الخائن لشعب فلسطين، لو لم يجد أن الموقف العربي الرسمي مليء بالثغرات، التي تفتح المجال أمام هذه التطورات". وأضاف البيان "أن الموقف العربي الرسمي، منذ عام 1948 حتى اليوم، ينطلق من القبول بقرارات التقسيم، التي صوتت عليها هيئة الأمم المتحدة، في عام 1947، بتأثير الضغط الأنجلو أمريكي، والتأييد السوفيتي". وقال: "إن القبول بقرارات التقسيم يعني الاعتراف الضمني بشرعية الكيان الإسرائيلي وتنحصر القضية، عندئذ، في خلاف حول المساحة والحدود". وأضاف أن التبريرات التكتيكية لا يجوز في حال من الأحوال "أن تكون مناقضة لأهداف العرب القومية، التي تبني عليها أي شرعية". وإن قرار التقسيم، هو "إجهاض لحرية الشعوب، وحقها في تحديد مستقبلها وصياغة كيانها، السياسي والاقتصادي والاجتماعي".

       وقال البيان إن الرد على تصريحات بورقيبة، يكون، أولاً، بقيام الحكومات العربية "بتصحيح طرح القضية دولياً، واتّباع منطق المصارحة والتصميم، مكان المراوغة والاختباء وراء الاعتبارات التكتيكية التي تجر، تدريجياً، إلى الاستسلام للواقع".

سادساً: رد فعل الكويت

       ونشرت "الأهرام"، في عددها الصادر في 15مارس 1965، أن تظاهرات كثيرة، خرجت في الكويت، واعترضت موكب الرئيس التونسي، في كل مكان ذهب إليه، احتجاجاً على تصريحاته "في موضوع فلسطين، وفي موضوع أزمة العلاقات العربية الألمانية".

        وعقد مجلس الأمة الكويتي اجتماعاً طارئاً، في 24 أبريل، أصدر في أثره بياناً جماعياً، استنكر فيه ما ورد على لسان الرئيس بورقيبة من تصريحات، تدعو إلى التفاهم مع الصهاينة، على حساب قضية العرب الأولى، فلسطين. وقال البيان إن العرب، لا يمكن أن يقبلوا غير عودة الفلسطينيين إلى فلسطين، العربية، الحرة، مهما كلفهم ذلك من تضحيات. وإن "منطق الحلول الوسطى في قضية العرب الأولى، هو منطق استعماري صهيوني، لا يمكن أن يقبل به أي عربي مخلص".

       ونشرت "الأهرام"، في عددها الصادر في 27 مايو، تصريحاً للشيخ جابر الأحمد الصباح، نائب رئيس وزراء الكويت، قال فيه إن حكومته، ستعيد النظر في سياسة تقديم القروض، حتى "لا تقدم الكويت قرضاً إلى دولة تنحرف عن الخط العربي، خاصة إذا كان هذا الانحراف يتطور على خط، يهدد قضية فلسطين ومصير شعبها". وأضاف "أنه مما يؤسف له، أن القروض، التي قررت، قد خرجت من صندوق التنمية الكويتي، ولم يبقَ أي جزء منها، حتى يمكن وقفه".

       ونشرت "الأهرام"، في عددها الصادر في 28 مايو، تصريحاً خاصاً، أدلى به إليها الشيخ جابر الأحمد، أعلن فيه أن حكومة، الكويت قد اتخذت قراراً بوقف قرضها لتونس، نتيجة لموقف الرئيس بورقيبة من قضية فلسطين. وقال إن الإيقاف يسري على مبلغ ستة ملايين جنيه إسترليني، من أصل عشرة ملايين، كان من المقرر إقراضها لتونس. أمّا الأربعة الأخرى، فقد سبق لتونس أن تسلمتها بالفعل. وأضاف "أنه لا يصح أن نقدِّم قروضاً إلى حكومة تعمل ضد قضية العرب الكبرى". وطالب الدول العربية بالارتفاع إلى مستوى مسؤولياتها، وتحمّل تبعاتها دون قيود. وقال إن في البلاد العربية أكبر طاقة، يمكن أن تهز العالم، إذا استعملت في جدية وإخلاص. وضرب مثلاً على ذلك النفط، وقال: "لو وقفت الدول المنتجة للنفط، والمتمثلة في الكويت والسعودية والعراق وليبيا والجزائر، موقفاً واحداً، ووجهت إنذاراً عملياً إلى الدول، التي تحتضن إسرائيل، وتدعم وجودها، لأحدث ذلك هزة في العالم، وأجبرت تلك الدول على التراجع عن موقفها. وتساءل قائلاً: "هل كان قطع العلاقات السياسية مع ألمانيا الغربية هو كل شئ في الرد على اعترافها بإسرائيل؟ إننا لا بد أن نُتْبِع هذه الخطوة بخطوات، تؤثر في الاقتصاد الألماني، "إذ إن الاقتصار على قطع التمثيل السياسي، قد يشجع دولاً أخرى على اتخاذ  الموقف نفسه، وبذلك يفقد الشعب الفلسطيني ثقته بالأمة العربية". ثم قال: "لنتصور، مثلاً، أن العرب قرروا توجيه إنذار موقوت، بأن نفطهم، الذي يمثل نصف الاستهلاك العالمي، سيُمنع عن الدول، التي تقف إلى جانب إسرائيل، وتمدها بالسلاح. ونُفذ هذا القرار بطريقة جماعية مخلصة، فكيف يكون مركز التجارة الدولية؟ وكيف يكون حال الشركات العالمية، التي تتحكم، من طريق النفط، في الاقتصاد العالمي؟".

       وفي 7 ديسمبر 1965، قال الشيخ جابر الأحمد، في بيانه الوزاري، الذي ألقاه إثر تشكيله الحكومة الجديدة، في أعقاب وفاة أمير الكويت، الشيخ عبدالله السالم الصباح، إن سياسة الكويت الثابتة، تقوم، في المجال العربي، على "التضامن الوثيق مع شقيقاتنا العربيات، في كل القضايا، التي تهم العروبة، وفي مقدمها الوطن السليب فلسطين".

سابعاً: رد فعل لبنان

       وفى 11 مارس، صدر في بيروت البيان المشترك عن زيارة الرئيس بورقيبة إلى لبنان. وفيه أكد رئيسا البلدين عزمهما على "بذل المزيد من الجهد، في الدفاع عن القضايا العربية المشتركة، وفي طليعتها قضية فلسطين، وتوفير جميع الوسائل، للسير في تنفيذ مقررات مؤتمرَي الملوك والرؤساء العرب".

تصريح حركة القوميين العرب

وفى 12 مارس 1965، صرحت حركة القوميين العرب تصريحات شديدة وخطيرة، حول مقترحات الرئيس بورقيبة، المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وفي ما يلي فقرات من تصريح الحركة:

        "أثارت تصريحات بورقيبة، في مؤتمره الصحفي، في بيروت، يوم أمس الخميس، والتي جاءت لتوضح وتؤكد تصريحات مماثلة، أدلى بها في أريحا والقدس، خلال الأسبوع الماضي، موجة من الاستياء في صفوف الجماهير العربية عامة، والفلسطينية خاصة، لما احتوت عليه من طعن في آمال الأمة العربية، ومناقضة لأبسط حقوقها الطبيعية، وتفكيك لموقفها الموحد، في لحظة من أخطر لحظات نضالها ضد الاستعمار والصهيونية.

       إن الجماهير العربية، وشعب فلسطين بشكل خاص، قد رفضت على الدوام، وفي أقسى أيام الهزيمة والنكبة، كافة المؤامرات الاستعمارية، التي اتخذ إعلانها أشكالاً مختلفة، في محاولة لتمييع القضية الفلسطينية، وطرح الحقوق التاريخية والقومية للأمة العربية، للمساواة السياسية. وأصرت الجماهير العربية، ليس على الرفض المطلق لكافة أشكال هذه المؤامرات فقط، ولكن على كشف القوى، التي تكمن وراءها أيضاً، وفضحها أمام التاريخ.

       إن حركة القوميين العرب، ترى أن تصريحات الرئيس التونسي، المناوئة لآمال الجماهير العربية، جاءت في فترة حاسمة، تتجمع فيها القوى العربية المختلفة، تمهيداً لمواجهة معركة فلسطين بصورة موحدة. ولذلك، فإن هذه التصريحات، إضافة إلى أنها توجِّه طعنة من الخلف إلى هذا التجمع في صميم المعركة، فإنها تخدم أهدافاً استعمارية واضحة، ترمي إلى تهديم وحدة الموقف العربي، حيال ألمانيا الغربية وتواطئها، مع إسرائيل من الداخل.

       إن الطريق الوحيد إلى خدمة الجماهير العربية، ليس في الدعوة إلى التنازلات الوطنية، والمساومات مع المستعمر والغاصب، والتشكيك في طاقة الأمة العربية وصلابتها، وتنفيذ المخططات الاستعمارية، التي تهدف إلى تفكيك وحدة الموقف العربي، ولكن في الاعتراف بالحقوق المشروعة للأمة العربية والعمل الدائب على إقرارها عبر نضال حقيقي حر، لا يرضخ أمام أي نوع من أنواع الضغط والإغراء الاستعماريين، ولا يتوقف قبل أن يعطي الجماهير العربية حقها المشروع في أرضها وكرامتها ومستقبلها، وإن التجربة الرائعة، التي خاضها شعبنا العربي في الجزائر، لهي أفضل مثل على ذلك.

       إن حركة القوميين العرب، تعد تصريحات بورقيبة واجتهاداته، في شأن ما أسماه حل القضية الفلسطينية، مناقضة، جملة وتفصيلاً، لمطامح وآمال شعبنا في فلسطين. وهي تستنكر بشدة الطعنة. التي توجهها هذه التصريحات إلى الموقف العربي، في معركته الحاسمة ضد الاستعمار العالمي، والتي تمر بمرحلة خطيرة، كانت تستدعي أن يصرح الرئيس التونسي تصريحات، تدفعها إلى الأمام، وليس تصريحات تخدم طموح بون والصهيونية، في افتعال التناقض والصدام داخل الموقف العربي.

       وفى الوقت نفسه، لا يَسَعُ حركة القوميين العرب، إلا استنكار الأصوات المشبوهة، التي وجدت في تصريحات بورقيبة فرصتها الذهبية، للانضمام إلى تأييد المطالب الاستعمارية، هذه الأصوات، التي كانت عاجزة، أمام صلابة الموقف الجماهيري، عن إعلان موقفها الخائن.

       وإن حركة القوميين العرب، تطالب كل الثوريين العرب، وأبناء فلسطين بشكل خاص، أن يشجبوا هذه التصريحات، ويعملوا في كل مكان على قطع الطريق على كل محاولة من هذا النوع، مهما كان الشكل الذي تتخذه، وأنّى كان مصدرها".

       وقامت، في 16مارس، مظاهرات شعبية كبرى، في كل من بيروت وطرابلس وصيدا، نددت بالسياسة الألمانية الغربية وبموقف كل من ليبيا وتونس والمغرب، في اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة. كما هتف المتظاهرون، طويلاً، ضد الرئيس بورقيبة. وخطب رئيس الحكومة، الحاج حسين العويني، بالمتظاهرين في بيروت، معلناً أن قضية فلسطين هي، بالنسبة إلى لبنان "قضية مصير، وقضية بقاء". وأعلن أن لبنان سيقاطع ألمانيا، إذا اعترفت بإسرائيل. وأصدرت الهيئات الطلابية في لبنان بياناً، أكدت فيه "الإيمان المطلق بحق شعب فلسطين بالعودة الكاملة"، وشجب السياستين، الأمريكية والألمانية، من قضية فلسطين. كما استنكرت "الدعوات الانهزامية وسياسة أنصاف الحلول"، وعدتها جزءاً من مؤامرة استعمارية ضد الشعب العربي.

       وفي 19 مارس، أذاع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، كمال جنبلاط، بياناً شجب فيه تصريحات بورقيبة الخاصة بفلسطين. كما هاجم المواقف المتحفظة، لكل من تونس والمغرب وليبيا، بالنسبة إلى موضوع قطع العلاقات العربية بألمانيا الغربية عند اعترافها بإسرائيل.

بيان كمال جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، في لبنان حول مقترحات الرئيس بورقيبة

       "إن مقررات مؤتمر وزراء الخارجية الأخير، تشكل، إلى حد معين، تخطيطاً مبدئياً لبعض الخطوات العملية، التي يجب أن تقوم بها الدول العربية في مواجهة ألمانيا الغربية، وموقفها العدواني والاستفزازي من العرب.

       سحب السفراء العرب فوراً، ثم قطع العلاقات الدبلوماسية، في حال اعتراف بون بإسرائيل، وأخيراً قطع العلاقات الاقتصادية بألمانيا الغربية، في حال إصرارها على اتخاذ موقف عدائي من أي دولة عربية.

       إن ما يؤسف له، هي تحفظات بعض الحكومات العربية، أي المغرب وليبيا وتونس، التي لم تقرر بعد مسؤولياتها تجاه شعوبها، وإبراز النضال المشترك والقضية العربية الكبرى ومن ثم، فإن هذه الحكومات، لا تمثل إرادة  شعوبها في هذا الموقف السياسي الخطير. ويؤسف أيضاً لموقف هذه الدول ولبنان، في شأن الاعتراف بألمانيا الشرقية.

       والذي يؤسف له، أن تصريحات الرئيس بورقيبة، قد أسهمت في هذا التضليل العام، لأن إخوة حنيكر لبسوا لبوس المسوح، وانتظروا هذا الكلام، كنعمة أنزلت عليهم من السماوات. وأغلب الظن، أن الرئيس التونسي، لم يدرك التفاصيل الرئيسية للقضية الفلسطينية، ولم يستوعب أهميتها، بالنسبة إلى المصير العربي الكبير، وإلى النضال في وجه الاستعمار والنفوذ الأجنبي.

       فالقول إننا لم نستخدم "نهج خذ وطالب"، سهل إعلانه. ولكن نتحدى من يشاء، أن يعلمنا ما هو الحل الوحيد، الذي اقترحته دول أوروبا وأمريكا المجرمة بحقنا، والذي كان في استطاعتنا أن نقبل به، على أساس مبدأ الأخذ ثم المطالبة.

       انهم لم يعرضوا علينا حلاً، سوى بقاء إسرائيل، ودفع تعويض مالي للمليون ومائتي ألف لاجئ، بغية قطع صلتهم بالوطن الأم، وتحويلهم عن العودة إليه، وإسكانهم في العالم العربي. فهل يستطيع عربي واحد، أن يقبل بهذا الحل؟ وبماذا نعود لنطالب به، إذا ارتضينا بتكريس الاغتصاب الواقع؟

       لقد تبنَّت الحكومات العربية، في مرحلة من نضالها، العودة إلى التقسيم، وطالبت بتنفيذ مقررات الأمم المتحدة. وحتى هذا المطلب الجائر، رفضته الدول الكبرى الغربية. وقد تعدى اليوم نضال العرب هذا المطلب الجائر في حقهم، إلى تحقيق العودة إلى الوطن المغتصب بأسره، وتحويل وجهه من الداخل إلى ما كانت عليه فلسطين العربية.

       وعندما يتهيأ العرب لممارسة سياسة "الأخذ ثم المطالبة"، وهي من نهج الحياد الإيجابي نفسه، لا الانحياز الغربي ـ التونسي الرسمي، فسيفعلون ذلك، كما حصل في قضية تحويل روافد الأردن. إنما هي مرحلة من مراحل العمل، لأجل تحرير الوطن السليب، ومنع الاغتصاب من أن يتقوى ويزدهر.

       إن سياسة الأخذ ثم المطالبة، هي نهج بديهي في النضال، طالما استخدمه العرب في العمل القومي والسياسي على السواء. ولولا ذلك لما أتيح لهم أن يحصلوا، في النهاية، على هذا اللون من الاستقلال التام الناجز، في مصر والسودان وسورية ولبنان والعراق واليمن والجزائر... إلخ، حيث انعدم كل أثر للارتباط والقواعد الأجنبية.

       إننا نأمل أن يطلع بعض قادة العرب على الظروف والأوضاع، الخاصة لقضية الوطن الفلسطيني، ولنضال شعبه العربي العظيم، فلا يلمحوا إلى حلول أو نهج لا يستطيعون هم أنفسهم أن يوضحوها، حتى لو طلب منهم، فلا يفيد من تصاريحهم العامة المرتجلة، إلاّ أعداء العرب في كل مكان، وبعض الانهزاميين والعملاء من مواطنينا غير المتحررين. فأوضاع فلسطين وظروفها، هي غير أوضاع تونس، مثلاً، وظروف شعبها. ولو بقي العرب في فلسطين وطنهم من الداخل، لما كانت قامت إسرائيل أو لكانت انهارت بعد قيامها. أمّا وقد حصل ما حصل، فلا بد من الإسهام من الخارج في تحرير فلسطين، على أن يدخلها أبناؤها الأبطال في الوقت المناسب، لكي يضرموا في أحشائها نيران العصيان والثورة.

       وكنا نرجو موقفاً متفهماً إيجابياً من قادة مراكش وتونس، في مرحلة صراعنا هذه ضد الصهيونية، وفي مواجهة عدوان ألمانيا الغربية. وأن يتقدموا من حدود إسرائيل بخمسين أو بمائة ألف من هذه الفرق العربية العسكرية البطلة المدهشة، التي لا تقف عقبة في وجهها، ولا يردها انكسار إلى الوراء فعلا في سياسة فرض الأخذ على إسرائيل وحليفاتها من دول الاستعمار، ثم المطالبة من جديد. وإذاً، لتفهموا معنى القومية الجامعية، المتقدمة نحو أهدافها ولأدركوا مثلنا شرف النضال المباشر لأجل فلسطين العربية.

       مرحى بالجزائر ورئيسها الكبير وبموطن المليون شهيد بيننا، في هذا الصراع حتى النهاية.        كلمة أخيرة نقولها: كان على لبنان أن يتظاهر في جميع مدنه وقراه وسواحله وجباله وجروده، وأن يخرج شعبه ليشجب موقف ألمانيا الغربية العدائي، وليعلن تأييده لقضية فلسطين، التي هي قضية لبنان وقضية العرب الأولى. وكان على لبنان الشعب، أن يتظاهر لِيَمْحُوَ آثار بعض التصريحات المؤسفة. فإن لم يتظاهر شعب لبنان، لأجل تمرسه بمبادئ السيادة الكاملة، ولرد العدوان، ولنصرة فلسطين والعرب، وتأييد قادتهم الأبرار فلأجل من سيتظاهر يا ترى؟".

       وأثارت تصريحات بورقيبة، في 22 أبريل،  والتي دعا فيها إلى إجراء المفاوضات مع إسرائيل، موجة عارمة من السخط في لبنان، تميزت بالتصريحات، التي أدلى بها رئيس الوزراء، الحاج حسين العويني، ورئيس المجلس النيابي، صبري حمادة والنواب: أديب الفرزلي، وصائب سلام، واللواء جميل لحود، ورشيد الصلح، ومنير أبو فاضل، وعبد الله الغطيمي، وناظم القادري، وغيرهم. وفي 24 أبريل،  استنكر وزير الداخلية، تقي الدين الصلح تصريح الرئيس بورقيبة المذكور، ووصف الحلول، التي اقترحها لقضية فلسطين، بأنها "محاولة فاشلة لضرب النضال العربي في فلسطين، وانقلاب من بورقيبة نفسه على ما سبق ووقعه في مؤتمرَي القمة العربيين". وأعلن رفض لبنان "أنصاف الحلول، والتهاون والمساومة"، بالنسبة إلى  هذه القضية. وأضاف أن "ضمير أي عربي، لا يقبل إلا باقتلاع العدوان الصهيوني من جذوره".

بيان كميل شمعون حول مقترحات بورقيبة (انظر ملحق بيان كميل شمعون، حول مقترحات بورقيبة)

أصدر كميل شمعون، رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق، بياناً اشتمل على النقاط الرئيسية التالية:

1.  عدم تقدير الرئيس التونسي لردة الفعل الشديدة المتوقعة لتصريحاته التي تدعو إلى الصلح مع إسرائيل والتعايش السلمي معها.

2. ارتكاب الرئيس التونسي لخطأين: ا.  تقديم هذا العرض علنًا، دون مشاورة زملائه من الملوك والرؤساء. ب. إهمال تعاليم التاريخ وعِبره، إذ إن التمسك المستميت بالأهداف الوطنية، وملاحقتها بأي وسيلة، كانا الكفيل دائما ببلوغ هذه الأهداف.

3. اتهام الرئيس التونسي بالجهل ببعض نواحي كارثة فلسطين، لانعزاله عنها، وعدم إحساسه باليأس والقنوط الشديدين، اللذين أحدثهما استيلاء شعب غريب على أرض باتت مجزأة، بغية إشباع مطمع الصهيونية الغادرة.

1.   إلقاء الضوء على أسباب فشل مؤتمر القاهرة، وأسباب فشل أي مؤتمر في الماضي أو في المستقبل، وأعاد ذلك إلى الأسباب الثلاثة التالية:

أ. عدم صراحة الدول، في ما يتعلق بمستقبل فلسطين، بالطريقة التي تبدد كل تأويل وتفسير.

ب. استغلال القضية بغية كسب تأييد القوى الفلسطينية، لتنفيذ أغراض، لا تمتّ بصِلة إلى مستقبل وطنهم.

ج. وجود جو من الريبة والشك والخوف، بسبب سياسة الأطماع وحب السيطرة، وتدخّل بعض الدول العربية في شؤون دول عربية أخرى بمختلف أساليب الدس والتآمر، مما حال دون قيام تعاون صحيح طويل المدى.

5. حدّد تصورًا لحل المشاكل، التي تعترض سبيل حل قضية فلسطين، منها:

ا.  تنقية العلاقات العربية، في ضوء ميثاق جامعة الدول العربية، وتحديد المسؤوليات والواجبات.

ب. عرض قضية فلسطين بصورة واضحة، تضمن للعرب كرامتهم في العالم وسلامة مصالحهم.

ج. مساهمة دول جامعة الدول العربية في تنفيذ مخطط واضح، بغية تجنب أي خلاف ينشأ.

ثامناً: رد فعل الجزائر

       وفي عددها الصادر في 15مارس، نشرت جريدة "الشعب" الجزائرية، للمرة الأولى، ردود الفعل، التي أحدثتها تصريحات الرئيس بورقيبة، في مؤتمره الصحافي ببيروت، والذي أعلن فيه معارضة تونس لمقاطعة ألمانيا الغربية، إذا ما أقدمت على إقامة علاقات دبلوماسية بإسرائيل. وأشارت إلى تعليقات الصحافة العربية، التي وصفت تصريحات بورقيبة "بأنها جزء من مخطط استعماري يراد به منع العرب من اتخاذ قرار حاسم ضد بون.

       وفى محاضرة لعلال الفاسي، رئيس حزب الاستقلال، ألقيت في تطوان، ونشرت في "العلم"، في عددها الصادر في 28 سبتمبر، قال إن الرؤساء والملوك العرب، اقتنعوا، أخيراً، بأن استعادة فلسطين، لا تكون بوسائل سلمية، وهو أمر كانت الشعوب العربية دوماً تقول به، وتطالب بتحقيقه فوراً، ودون انتظار سبعين سنة، كما فعل أجدادنا قبل إخراج الصليبيين. وقال إنه على كل حال، فإن أجدادنا لم ينتظروا سبعين سنة "ولكنهم حاربوا سبعين سنة، قبل أن ينتصروا الانتصار النهائي". ورفض دعوة بورقيبة إلى التفاوض مع إسرائيل، لأن ذلك يعنى الاعتراف بها، وهو أمر غير مقبول من العرب، "لأنه لا يقنعهم إلا استرجاع فلسطين برمتها". وطالب بكيان ثوري فلسطيني، يضطلع بمسؤولية التحرير، وهو أمر لا تتصف به منظمة التحرير الفلسطينية، التي تأسست في ظل الجامعة العربية ومؤتمر القمة. وأشاد بمنظمة "العاصفة"، وما تقوم به من أعمال.

تاسعاً : رد فعل إسرائيل

       رداً على مقترحات الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، تقدَّم "ليفي أشكول Levi Eshkol " رئيس الوزراء الإسرائيلي، بتاريخ 17 مايو 1965، بمشروع، بعد أن وضع التزامين، انطلق منهما مشروعه:

أ .  الواجب العام، الذي تخضع له جميع الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، في العيش بسلام مع بعضها.

ب. الالتزام باتفاقات الهدنة لعام 1948، والتي تنص في جملة ما نصت عليه: "أن الهدنة هي مرحلة انتقالية نحو السلام العادل".

وينص مشروع أشكول على ما يلي :

أولاً: تقترح إسرائيل إجراء مفاوضات مباشرة، بينها وبين البلدان التي وقعت اتفاقات الهدنة، من أجل إحلال اتفاقية السلام محل اتفاقات الهدنة.

ثانياً: تتم التسوية السلمية على أساس وضع إسرائيل القائم، باستثناء بعض التعديلات الطفيفة - المتبادلة والمتفق عليها - عند نقاط معينة على الحدود، بهدف تسهيل الحياة اليومية للسكان.

ثالثاً: يعني السلام حرية الدول العربية وإسرائيل، في الاستفادة من نتائجه، مثل النقل البري، والجوي والاتصالات البريدية، والراديو، والتليفزيون، وحرية الملاحة، الوصول إلى الموانئ البحرية.


 



[1]  أُنشئت هذه القيادة بين العراق و الجمهورية العربية المتحدة بموجب الاتفاق المعقود بين البلدين في 16 أكتوبر 1964. والبيان المذكور صدر إثر الاجتماعات الأولى لهذه القيادة، التي عقدت في القاهرة، في الفترة من 19 حتى 25 مايو 1965، في حضور وفد الجمهورية العربية المتحدة، برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر ووفد الجمهورية العراقية، برئاسة المشير عبد السلام عارف.