إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مصالح جمهورية الصين الشعبية وأهدافها في منطقة الشرق الأوسط، والرؤية المستقبلية لدورها حتى عام 2030






منطقة الشرق الأوسط



الفصل الأول

المبحث الخامس

رؤية لدور جمهورية الصين الإقليمي والدولي

تهدف السياسة الخارجية الصينية إلى صيانة السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة، وتدعو الصين إلى بناء عالم متناغم يسوده السلام الدائم والرخاء المشترك، وتعمل مع الدول الأخرى على تحقيق ذلك بوصفه هدفاً طويل المدى ومهمة ملحة في آن واحد. ومن أجل بناء عالم متناغم، يجب أن نبذل جهودا على الأصعدة التالية:

1. سياسيا

يجب على دول العالم معاملة بعضها بعضاً على أساس الاحترام المتبادل والتشاور المتكافئ، وأن تعمل معاً على تعزيز الديمقراطية في العلاقات الدولية، وأن جميع دول العالم، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، قوية أم ضعيفة، غنية أم فقيرة، أعضاء متساوون في المجتمع الدولي وتستحق منه الاحترام. ويجب على جميع الدول دعم الدور المركزي للأمم المتحدة في الشؤون الدولية، والتمسك بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، والالتزام بالقانون الدولي والقواعد المعترف بها في العلاقات الدولية، وترسيخ روح الديمقراطية والتعاون المشترك في العلاقات الدولية. ويجب ترك شعوب العالم تقرر شؤون بلدانها، في حين يجب معالجة الشؤون الدولية من خلال التشاور المتكافئ بين جميع دول العالم، ويجب حماية حق الدول واحترامها في المشاركة في الشؤون الدولية على قدم المساواة.

2. اقتصادياً

يجب على دول العالم أن تعمل على تعزيز التعاون وتحقيق التكامل لمزاياها النسبية، ودفع العولمة الاقتصادية في اتجاه التنمية المتوازنة والمنافع المتبادلة والفوز المشترك. كما يجب على جميع الدول العمل على إقامة نظام تجاري متعدد الأطراف منفتح وعادل ومنصف وغير تمييزي، لكي تستفيد جميع الدول من العولمة الاقتصادية. فيجب أن تبذل جميع الدول جهودا متضافرة من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة، وتمكين جميع الناس من الاستفادة من فوائد التنمية في القرن الحادي والعشرين.

3. ثقافياً

يجب على دول العالم أن تحقق الاستفادة المتبادلة وتسعى إلى رؤى مشتركة مع ترك الخلافات جانباً، وتحترم تنوع العالم، وتعمل سوياً على تحقيق الازدهار والتقدم للحضارة البشرية. وذلك بترسيخ لغة الحوار والتواصل بين مختلف حضارات العالم لإزالة التعصب الأيديولوجي وعدم الثقة، بما يجعل المجتمع البشري أكثر تناغما والعالم أكثر تنوعاً.

4. أمنياً

يجب على دول العالم أن يثق بعضها ببعض، وتُعزز التعاون فيما بينها، وتتمسك بحل النزاعات الدولية عبر طرق سلمية بدلاً من الحروب، وتعمل معاً على حماية السلام والاستقرار في العالم؛ كما يجب اعتماد أسلوب التشاور والحوار لتعزيز الثقة المتبادلة، وتقليل الخلافات وتسوية النزاعات، بدلاً من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.

5. في مجال حماية البيئة

يجب على دول العالم مساعدة بعضها بعضاً والتنسيق والتعاون، من أجل حماية كوكب الأرض. في هذا الصدد، يجب التشجيع على ابتكار نمط جديد للتنمية، واتباع طريق التنمية المستدامة، وتعزيز الانسجام بين الإنسان والطبيعة. ويجب على دول العالم الالتزام بمبدأ المسؤولية المشتركة، وتعزيز التعاون الدولي في مجال حماية البيئة، ومواجهة التغير المناخي.

أولاً: دور جمهورية الصين إقليمياً

1. الدور الاقتصادي للصين إقليمياً

تتبع الصين إستراتيجية حذرة، سماها بعض الدارسين الإستراتيجية المحسوبة، أي أنها إستراتيجية تهدف إلى حماية الصين من التهديدات الخارجية، في الوقت الذي تواصل فيه صعودها الاقتصادي والحصول على عناصر القوة.

وفي هذا الإطار سعت الصين إلى تجنب الاصطدام المباشر بالقوة الإقليمية، أو على الأقل وضع سقف لهذا الاصطدام، بما في ذلك أي صدام محتمل مع تايوان. وفي الوقت ذاته سعت إلى بناء علاقات إستراتيجية مع دول جنوب شرق آسيا، من خلال دخول التجمع الاقتصادي لشرقي آسيا، الذي يضم دول الآسيان بالإضافة إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية.

2. العلاقات الاقتصادية بين الصين والآسيان

بلغ حجم التجارة 136.5 مليار دولار، في النصف الأول لعام 2010، بزيادة 55% عن عام 2009، ما أنقذ الاقتصادات الآسيانية من أعباء الركود الذي يمر به الاقتصاد الأمريكي والأوروبي، وازدادت واردات الصين من الآسيان بنسبة 64%، عام 2010، كما ازدادت صادراتها إلى الآسيان بنسبة 45%.

لجأت دول الآسيان، في محاولة لموازنة تصاعد النفوذ الصيني، إلى دعوة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا إلى قمة شرق آسيا، في العاصمة الفيتنامية، في أكتوبر 2010، حيث دعت وزيرة الخارجية الأمريكية لتسوية نزاعات بحر الصين الجنوبي، وكفالة حرية المرور فيه. بينما نشط الآسيان في تفعيل صيغة "الآسيان +3"، لتدخل معها إلى جانب الصين كوريا الجنوبية واليابان، بما يوجد توازناً في علاقتها الاقتصادية الخارجية.

لجأت الصين إلى تهدئة مخاوف الآسيان من خلال زيادة تعاونها معها عبر التجارة الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة، عبر الحدود وعبر بحر الصين الجنوبي وبين دول نهر الميكونج.

في عام 2010، أصبحت سبعة آلاف سلعة يجري تداولها بين الصين ودول الآسيان (المرحلة الأولى) بدون جمارك، لتنشأ بذلك أكبر منطقة تجارة حرة في العالم النامي، تضم 1,9 مليار نسمة، بناتج محلى إجمالي قدره ستة تريليونات دولار.

تتخوف دول الآسيان من تهديد الصادرات الصينية لبعض قطاعاتها الاقتصادية، ولكن من المنتظر أن تتم إعادة تخصيص الموارد في اتجاه القطاعات الأكثر تنافسية في كل من هذه الدول، وأثبتت الصين تاريخياً مساندتها لدول الآسيان، خاصة أثناء الأزمة المالية الأسيوية، عام 1997.

3. منظمة شنغهاي للتعاون الدولي

أنشئت منظمة شنغهاي للتعاون في ختام سلسلة من المجهودات التي بذلتها روسيا والصين، للتعامل مع ما سمى القضايا الأمنية الجديدة، وسعيهم إلى بناء نظام عالمي متعدد القطبية. وبناءً على مبادرة صينية اجتمع قادة الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، في شنغهاي، في أبريل 1996، حيث جرى توقيع اتفاقية إنشاء مجموعة شنغهاي من الدول الخمس.

حددت الاتفاقية أن الدول الأعضاء تتعهد بإقامة منطقة منزوعة السلاح على طول الحدود بين الصين وباقي الدول الأعضاء، وعدم مهاجمتها بعضها بعضاً، أو إجراء مناورات عسكرية تستهدف الدول الأخرى، مع إبلاغها بتلك المناورات مسبقاً، كما اتفق على عقد اجتماع دوري بين الدول الأعضاء.

في القمة الرابعة، التي عُقدت في بيكشيك عاصمة قيرغيزستان، اتفق على توسيع نطاق الاهتمامات لتشمل قضايا مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والحركات الانفصالية غير الشرعية، وتجارة المخدرات والسلاح، وغيرها. كما أبرم الاتفاق على إبعاد القوات المسلحة لكل دولة إلى مسافة 300 كم من حدودها مع الدول الأخرى.

في القمة التي عُقدت في شنغهاي، في يونيه 2001، وُقِّع إعلان إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون، بدلاً من المسمى السابق، وانضمت أوزباكستان إلى المنظمة في هذا الاجتماع، ووضح من سير المناقشات اتجاه المنظمة إلى التعامل مع القضايا الأمنية الجديدة، مثل الإرهاب والتطرف الديني، والحركات الانفصالية، والاتفاق على مفهوم جديد، هو أن أمن آسيا الوسطى يشكل جوهر أمن أورآسيا كلها.

في القمة المنعقدة في سان بطرسبرج في روسيا، في يونيه 2002، وُقِّع ميثاق المنظمة، وإنشاء مركز إقليمي لمكافحة الإرهاب، وإنشاء أمانة عامة في بكين. وتعقد المنظمة مؤتمر قمة سنوياً بالتناوب بين الدول الأعضاء، ومؤتمر وزراء خارجية يسبق القمة، بالإضافة إلى مجلس للتنسيق القومي بين أنشطة الوزارات المختلفة في الدول الأعضاء، والمركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب، ومقره في بيشكيك.

في أكتوبر 2007، وقعت منظمة شنغهاي للتعاون معاهدة للأمن الجماعي، في مدينة دوشنيه، تقضى بتوسيع نطاق التعاون في مجال الأمن والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات.

ثانياً: الدور السياسي والأمني للصين إقليمياً

سعت الصين إلى حل المشكلات الإقليمية مع الهند، دون التنازل عن الأراضي الهندية التي تحت سيطرتها، وتمثل ذلك في عقد صفقة إقليمية مع الهند، تعترف بها الصين بضم الهند لإقليم سيكيم، مقابل اعتراف الهند بأن التبت جزء من الصين. كذلك سعت الصين إلى بناء ترتيبات إقليمية أسيوية لمقاومة الحركات الإسلامية، والتي تسمى حركات الإرهاب الإسلامي في الأدبيات الصينية، ومن ذلك، المشاركة الفعالة في إنشاء مؤتمر إجراءات التفاعل وبناء الثقة في آسيا، عام 2002، مع 18 دولة أسيوية أخرى ومنظمة شنغهاي للتعاون، بالتعاون مع روسيا ودول آسيا الوسطى الخمس، عدا تركمانستان بوصف ذلك تجمعاً مضاداً للإرهاب.

حرصت الصين وروسيا على الاحتفاظ بكل البدائل مفتوحة، ما يؤدى بنا إلى القول إن تحالفات ما بعد الحرب الباردة في أورآسيا هي تحالفات في طور التكوين، تجسدت الظواهر التي أشرنا إليها، عام 2010، في التحرك الغربي في اليمن، بدعوى أن الحركات المساه بالإرهابية تتخذ من هذه الدولة ملاذاً، وهو التحرك الذي وصفه السفير الهندي السابق "بادرا كومار" بأنه يستهدف الصين وليس تنظيم القاعدة.

تمثل هذا التحرك في عقد مؤتمر دولي حول اليمن في بريطانيا، ويمكن القول أن التحرك الغربي تجاه اليمن هو جزء من الصراع، وبالتحديد في مجال التنافس العالمي للسيطرة على المحيط الهندي، واتجاه القوى الأسيوية الناشئة إلى التحول نحو امتلاك القوى البحرية التي تمكنها من تحقيق تلك السيطرة.

يدور التنافس الصامت بين الولايات المتحدة الأمريكية، مدعومة من الهند واليابان، من ناحية وبين الصين، مدعومة من باكستان وميانمار من ناحية أخرى. وفي هذا السياق نفهم اهتمام الهند والصين وباكستان بتطوير قواتها البحرية، حيث اتسع نطاق عمل الأسطولين الهندي والصيني ليشمل المحيط الهندي بأكمله، ويشبه هذا التنافس المباراة الكبرى بين روسيا وبريطانيا للسيطرة على آسيا الوسطى وأفغانستان، في القرن التاسع عشر، والمباراة الكبرى الجديدة، في العقد الأخير من القرن العشرين، بين إيران وتركيا للسيطرة على المنطقة ذاتها.

الجديد في الصراع الراهن أنه صراع بحري أكثر منه صراعاً برياً، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين هما أهم أعمدة هذا الصراع. فجاء إعلان الصين، في ديسمبر 2009، عزمها إقامة قاعدة بحرية في خليج عدن لحماية سفنها من القرصنة الصومالية، ليشكل جرس إنذار للقوى الغربية، وكانت الصين أرسلت عدة مدمرات حربية إلى الخليج في أكبر وجود بحري صيني في المنطقة. أتى الإعلان في سياق جهد صيني لتطوير القوى البحرية الصينية، بما يمكنها لأول مرة في تاريخها من نشر أسطولها في المحيطات البعيدة، بما يمكن معه حماية خطوط نقل النفط المستورد من أفريقيا ومنطقة الخليج العربي.

لعل أهم تلك المحيطات التي يعبرها النفط الذي تستورده الصين، هو المحيط الهندي، حيث ينقل النفط من منطقة الخليج العربي وأفريقيا إلى الصين، وهو النفط الذي يُعد عماد الصعود الصيني، بعد أن تحولت الصين، عام 1993، لأول مرة لدولة مستوردة للنفط.

كان إعلان الصين عزمها إقامة قاعدة عسكرية في خليج عدن، على الأرجح في ميناء عدن، بمنزلة إنذار مبكر أن الصين تسعى إلى إكمال سلسلة نقاط الارتكاز البحرية لها في المحيط الهندي، امتدادا من سواحل ميانمار إلى خليج عدن على طول سواحل المحيط الهندي، إذ أقامت الصين نقاط ارتكاز لأسطولها في المحيط الهندي في ميانمار وسريلانكا وباكستان.

هذه النقاط ليست قواعد عسكرية دائمة، ولكنها توفر للأساطيل الصينية تسهيلات بحرية، من خلال المنشآت البحرية التي أنشأتها الصين في تلك البلاد. ولهذا جاء الإعلان الأنجلو ــ أمريكي تجاه اليمن لقطع الطريق أمام التحرك الصيني، وإحكام السيطرة الغربية على الممرات البحرية لنقل النفط، بحيث يسهل قطعها في حالة حدوث تصادم بين القوى الغربية والصين.

استكمالا لهذا المخطط، عملت الهند على مد نطاق عمل أسطولها إلى مضيق ملقا، حيث يضطلع الأسطول الهندي بحماية السفن اليابانية العابرة للمضيق من القرصنة. كما أنها مدت نطاق عمل أسطولها إلى الخليج العربي.

كما سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرمان الصين من نقاط ارتكازها في المحيط الهندي، من طريق فتح باب الحوار مع المجموعة العسكرية الحاكمة في ميانمار، وتخيير باكستان بين الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية. ومساعدة حكومة سريلانكا على تصفية حركة التمرد التاميلية.

في هذا السياق، نفهم التعاون النووي الهندي ــ الأمريكي لجعل الهند قوة نووية أمام القوة الصينية، ونفهم التعاون الهندي ــ الأمريكي لهزيمة حركة طالبان في أفغانستان، ونفهم زيارة "مانموهان سينج" رئيس الوزراء الهندي، للولايات المتحدة الأمريكية، في نوفمبر 2009، وزيارة "روبرت جيتس" وزير الدفاع الأمريكي للهند، في يناير 2010، إذ بدا أن جيتس يتحدث باسم الهند، في تهديد باكستان أن الهند قد لا تطيق صبراً على هجوم "إرهابي" جديد عليها من باكستان، بقوله "لا يمكن ضمان رد فعل محسوب من قِبل الهند إذا ما تعرضت لهجوم جديد". كما نفهم الإعلان الأمريكي بتزويد تايوان بصفقة أسلحة حجمها ستة مليارات دولار، وهي صفقة مُتفق عليها منذ فترة، لكن الإعلان عنها مرة أخرى كان رسالة للصين فهمت دلالتها. وأخيراً نفهم في هذا السياق التحول الدرامي في سياسة حكومة "هاتوياما" اليابانية السابقة، نحو التراجع عن تعهداتها السابقة بإتباع سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية، في 19 يناير 2010.

أضاف السفير الهندي السابق "كومار"، أن إسرائيل ليست بعيدة عن هذه التحالفات، مشيراً إلى تفاهم أمريكي ــ هندي ــ إسرائيلي في المحيط الهندي، كما أضاف أن إسرائيل تعمل الآن في اليمن بالفعل في إطار هذا التنافس، وهي كلها حلقات متكاملة يؤدي كل طرف فيها دوره الذي يكمل دور الآخر، بيد أن إسرائيل حريصة على عدم الإفصاح عن دورها، حتى لا تغضب الصين بعد أن نجحت في تحقيق اختراقات مهمة في تلك الدولة.

من ناحيتها احتفظت الصين ببدائلها مفتوحة، رغم ارتباطها بمنظمة شنغهاي للتعاون، فإنها حرصت على الاحتفاظ بمسافة معينة مع روسيا، هذه المسافة لا تسمح بوصف العلاقة الروسية ــ الصينية بأنها علاقة تحالف إستراتيجى، بدليل رفض الصين دعم روسيا في الحرب الروسية الجورجية. كما أتبعت روسيا سياسة مماثلة خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع الهند، فروسيا تراهن إستراتيجياً على الهند في مواجهة باكستان، التي تعدها مصدر للتهديد الأمني.

ثالثاً: السياسة الصينية تجاه آسيا الوسطى

منذ نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق إلى عدد من الجمهوريات المستقلة، منها جمهوريات آسيا الوسطى الخمس، اتجهت الصين في سياساتها إلى البحث عن موطئ قدم لها في هذه الجمهوريات، في إطار ما أطلق عليه اللعبة الكبرى في آسيا الوسطى.

تنحصر دوافع الاهتمام الصيني بهذه المنطقة في التوصل إلى مواردها الطبيعية، وفي مقدمتها النفط والغاز الطبيعي، والقلق من تنامى الوجود الأمريكي في هذه المنطقة، التي تُعد الجبهة الغربية للصين، والرغبة في ترويج مفهومها الجيد للأمن في المنطقة، والحاجة الملحة لمنع مظاهر عدم الاستقرار، التي تشمل لإرهاب، والحركات الانفصالية ذات التوجهات الإسلامية من الامتداد من هذه المنطقة، إلى التأثير في مقاطعة إكسجيانج الإسلامية المطالبة بالاستقلال عن الصين.

1. اقتصادياً

على الرغم من ضآلة معدلات التبادل التجاري الصيني مع هذه الدول، التي بلغت نحو 12 مليار دولار، عام 2005، زادت إلى 15 مليار دولار، عام 2006، وقفزت إلى نحو ملياري دولار، عام 2007، تستأثر جمهورية كازاخستان بنحو 78% منها. إلا أن الصين تطمح بزيادة هذه المعدلات لتصل إلى قرابة ستة مليارات دولار سنوياً، في نهاية عام 2012، بعد التدبير وفتح اعتمادات مالية للشركات الصينية من البنك الصيني للتنمية، للعمل في هذه المنطقة، وكذلك بعد حصول الشركة الوطنية للنفط في الصين على حقوق التنقيب والبحث واستخراج النفط والغاز الطبيعي في جمهوريات كازاخستان وقرغيزستان وأوزباكستان، وتنفيذ خط أنابيب لنقل النفط من أتاسو "Atasu" في وسط كازاخستان إلى منطقة إشنكايو – Aashanku في غرب الصين، ودخوله حيز العمل، أوائل عام 2007، بالإضافة إلى وجود خطط لنقل نفط منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين على هذا الخط.

2. على الصعيد السياسي والأمني

اتجهت الصين، في إطار إستراتيجيتها للوجود في هذه المنطقة، إلى تسوية خلافاتها ونزعاتها الحدودية مع أغلب دول المنطقة بروح المودة وحسن الجوار والنوايا الطيبة بينهما، كما عملت على توظيف خطوة تسوية النزاعات الحدودية، في دعوة دول المنطقة إلى تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون Shanghai Cooperation Organization (SCO)، وذلك لمواجهة ما أطلق عليه الشرور الثلاثة، التي تشمل الإرهاب، والتطرف الديني، والانفصال. علاوة على تشجيع التكامل الاقتصادي والتنمية فيما بينهم، وتستخدم الصين منظمة شانغهاي آلية لتطبيق مفهومها أو سياستها الجديدة للأمن، وتأكيد دعوتها لخلق عالم متعدد الأقطاب، وعلى الرغم من التزام الصين الصمت إزاء إقامة الولايات المتحدة الأمريكية قواعد عسكرية لها في أوزباكستان وقرغيزستان، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بزعم محاربة تنظيم القاعدة في أفغانستان؛ إلا أنها بمرور الوقت، بدأت في الإعراب عن عدم ارتياحها تجاه البقاء العسكري طويل الأجل للولايات المتحدة الأمريكية على حدودها الغربية، وأصبحت على قناعة بأن الوجود العسكري الأمريكي على حدودها الغربية يستهدف احتواء الصين والتهديدات المستقبلية القادمة منها، علاوة على خلق وضع إستراتيجى طويل الأمد يمنع الصين من مد نفوذها إلى جنوب آسيا.

سعت الصين إلى استغلال بعض الخلافات مع بعض دول آسيا الوسطى لتقليل الوجود الأمريكي، في دول مثل أوزباكستان، حيث استضافت الصين الرئيس "إسلام كاريموف" رئيس أوزباكستان، بعد أسبوعين فقط من ارتكاب أجهزة الأمن مذبحة إنديجان، وإدانة الولايات المتحدة الأمريكية الشديدة له، ولم يمر وقت طويل حتى أمر الرئيس "كاريموف" الولايات المتحدة الأمريكية بسحب قواتها وعتادها العسكري، من قاعدة كارشى كان أباد Karshi – Khanabad (K2)، في غضون ستة أشهر، كما دعمت الصين الرئيس "كاريموف" في مواجهة ما يُعرف بالثورات الملونة التي اندلعت في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، عامي 2004 و2005.

يؤكد بعض المسؤولين الصينيين أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم العديد من الحركات الانفصالية المطالبة بالاستقلال في هذه الجمهوريات، ويأتي الدعم الصيني للنظم الحاكمة في هذه الجمهوريات، خشية قيام الولايات المتحدة الأمريكية على تمويل عدد من الحركات الانفصالية الصينية المشابهة ودعمها، وكذلك خوف الصين من تأثير الحركات الانفصالية في كازاخستان وقيرغيزستان، حيث توجد لديها حدود مشتركة مع هاتين الدولتين، على الأمن الاجتماعي في الصين.

رابعاً: دور جمهورية الصين دولياً

1. العلاقات الصينية بالدول النامية

ترى القيادات الصينية أن مصطلح ومفهوم الدول النامية يستوعب الدول كافة التي لا تندرج تقليدياً في مصاف الدول الكبرى والمتقدمة، التي تنحصر في دول الاتحاد الأوروبي، واليابان، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وروسيا، وهو المعيار نفسه الذي تعتمده هيئات ومنظمات دولية، مثل البنك الدولي التابع للأمم المتحدة. ووفقاً لهذا التصور الصيني، فإن مفهوم الدول النامية كافة يشمل الدول التي لا تندرج تحت مصطلح الدول المتقدمة في آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية.

ترى الصين في الدول النامية ميداناً حيوياً لتحقيق الطموح الاستراتيجي لها في طرح مفهوم جديد للأمن، الذي يؤمن الصعود السلمي للصين قوة عالمية، ويمنحها صك الشرعية من المجتمع الدولي، بالإضافة إلى تحقيق هدفها طويل المدى بإقامة نظام دولي ديمقراطي متعدد الأقطاب، ويحقق العدالة والمساواة بين أطرافه.

لذا فإن هناك مصالح قومية واحتياجات إستراتيجية ملحة تقف وراء الاهتمام الصيني بالدول النامية، تتعلق بقدرتها على الحفاظ على استدامة تنميتها الاقتصادية، ومن ثم استقرارها السياسي. إن الصين تحتاج إلى هذه الدول لإمدادها بالموارد الضرورية لأهداف التنمية الصينية، كما أن الأسواق الهائلة لهذه الدول تلعب دوراً مهماً في استدامة نمو اقتصادها.

تعتقد القيادات الصينية أن لدى الصين خبرة تاريخية ونموذجاً في التنمية، يمكن أن يكون مدخلاً للتعاون الاستراتيجي مع الشركاء في الدول النامية، وهو ما يخلق ميزة مهمة للسياسة الصينية، مقارنة بنظيرتها الغربية، إذ تمكنت الصين من الخروج من قبضة الاستعمار، وتجنبت الفوضى الداخلية، وحققت نمواً اقتصادياً متواصلاً، وتنمية شاملة في البنية التحتية، دون اللجوء إلى القروض الغربية وما يرتبط بها من شروط سياسية تنتقص من السيادة الوطنية. وتروج الصين لهذا النموذج بين الدول النامية على انه أقل إيلاماً في تكلفته السياسية والاقتصادية، مقارنة بالنموذج الغربي.

كما تحرص على تقديم المساعدات والمعونات الفنية والتكنولوجية والاقتصادية لعدد كبير من هذه الدول، دون اشتراطات أو مطالب سياسية، مع التأكيد فقط على الاستقرار السياسي والتنمية اقتصادية في الدول المتلقية لهذه المساعدات، وتفخر الصين بأنها على مدى الأعوام الخمسين الماضية أسست تراثاً كبيراً من المشاركة الإستراتيجية مع الدول النامية، ترتكز على التضامن السياسي والتعاون التنموي فيما بينها، في الوقت الذي كانت الصين فيه معزولة دولياً وفقيرة ومحاصرة بالضغوط والتحديات الداخلية الكبرى، إيمانا منها بمبادئ مؤتمر باندونج.

في عام 1955، قامت الصين بمساندة الدول النامية في الحفاظ على سيادتها، مع عدم التدخل في شؤونها الداخلية، والاعتراف بحاجة الدول النامية حديثة الاستقلال إلى الحماية من إرهاب الدول الكبرى وهيمنتها عليها.

تعتقد الصين أن هذا التاريخ المشرف لها أفضل مما خلفته سياسات السباق والتنافس بين الدول العظمى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق) من تراث سياسي وأمني خطير لدى جانب كبير من الدول النامية، ومنها أنجولا، وموزنبيق، وإثيوبيا، في أفريقيا. وفيتنام، وكوريا، والهند، وباكستان، وأفغانستان، والعراق، وإيران في آسيا. وكولومبيا، وبيرو، وتشيلي، وفنزويلا، والسلفادور في أمريكا اللاتينية، وتحالفها في قيادات سياسية فاسدة لضمان هيمنتها على هذه الدول.

كما يدرك القادة الصينيون أن علاقاتهم مع عدد كبير من الدول النامية، أمدت الصين بدعم دبلوماسي هائل في المحن والأزمات الدولية التي تعرضت لها السياسات الصينية، ومن أهمها الدعم الحيوي الذي قدمته الدول النامية للصين، في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، لاستعادة مقعدها في الأمم المتحدة. كما تعول الصين حالياً على هذه الدول في رفض الاعتراف بتايوان، وهو ما يعزز الجهود والسياسات الصينية لعزل تايوان في الساحة الدولية.

علاوة على توظيفها للأعداد الكبيرة للدول النامية في منظمة التجارة العالمية، في عرقلة جولات تحرير التجارة الدولية الخاصة بضوابط استخدام الأيدي العاملة في الأنشطة الزراعية والصناعية، وتحرير تجارة السلع الزراعية، وفرض عقوبات خاصة ضد إغراق المنتجات الصينية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

يرى العديد من الخبراء والمتخصصين الصينيين أن جانباً كبيراً من الدول النامية التي عبرت فترات تاريخية صعبة وأصبح لها مستقبل مشترك، تستطيع الصين أن تلعب فيه دوراً نشطاً وإيجابياً، وتعي القيادات الصينية أن هناك نزاعات وصراعات لا تزال مستمرة في بعض الدول تستدعى من الصين التدخل، لتهدئة هذه النزاعات وتسويتها من خلال تقديم المساعدات التنموية، وإرسال مبعوثين خاصين لها يحملون حلولاً وأطروحات جديدة لتحقيق السلام والاستقرار في هذه الدول، وتهدف الصين من ذلك إلى الحصول على مكاسب تنموية لها في مرحلة ما بعد التسويات، ولذلك أوفدت مبعوثين لتحقيق السلام والاستقرار في دارفور بالسودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وساحل العاج، والصومال، وكوريا الشمالية، والفيليبين، وآسيا الوسطى، وكولومبيا، وفنزويلا، وغيرها.

تعي الصين أن هناك مصالح وعلاقات حيوية تربط بين بعض الدول النامية والدول الكبرى والدول الإقليمية المحورية، لذا تحرص على طمأنة هذه الدول أن العلاقات الصينية مع الدول النامية لن تكون على حساب مصالح هذه الدول وعلاقاتها.

سعت الصين إلى خلق تشكيل لجان تنسيق وتشاور صينية مع دول، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، واليابان، وفرنسا، بشأن قضايا النزاع والصراع في أفريقيا وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية، غير أن هذه اللجان، ناهيك عن ضعف مستوى التمثيل فيها، لم تعقد اجتماعات مكثفة، بل اقتصر أغلب أعمالها على إخطار كل جانب للآخر بما يقوم به من جهود وسياسات بشأن الأزمات والصراعات محل النقاش، دون طرح خطط وبرامج وسياسات مشتركة لتسوية هذه النزاعات.

تحرص الصين على التزام الجانب الرسمي في علاقاتها مع الدول النامية، على الرغم أن هناك أحزاب وقوى سياسية وجامعات ومصالح بازغة في العديد من الدول، وتصر الصين على عدم التعاون والتعامل مع هذه المجتمعات والقوى السياسية والمجتمعية، والتعامل فقط مع جهاز الدولة ومؤسساته الإدارية الرسمية، انطلاقا من أن غالبية هذه الجماعات والقوى لا تزال في طور النمو والتشكيل، وتتسم بالضعف وعدم القدرة على التأثير في السياسات الرسمية التي تعتمدها غالبية الدول النامية.

من ناحية أخرى ترى الصين أن جانباً كبيراً من هذه الجماعات والقوى نشأ بدعم وتمويل صريح أو غير معلن من الدول الغربية، سواء ممثلة في دول أوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما ينعكس سلبياً في أفكارها وبرامجها عن الصين وسياستها الخارجية، فضلاً عن أن جانباً كبيرا ًمن هذه القوى والجماعات مصدر عدم ارتياح وعدم قبول من الأنظمة الحاكمة في الدول النامية، نظراً لاتباعها سياسات ومواقف معادية أو غير مرحبة بالتوجهات الرسمية للدولة خاصة، فيما يتعلق ببرنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى منع الصين إنشاء علاقات تعاون وتنسيق بين هذه الجماعات والقوى ونظيرتها الصينية، خوفاً من اختراق السياسات الرسمية الصينية.

تعتمد الصين على الشركات الصينية المملوكة للدولة أو الشركات التابعة والخاضعة لنفوذ الدولة، في تنفيذ المشروعات المشتركة في الدول النامية، وتدفعها لاقتراح وتخطيط مشروعات التعاون المستقبلية مع هذه الدول، كما تعمل على اصطحاب رؤساء هذه الشركات في الزيارات الخارجية للمسؤولين الصينيين للدول النامية.

2. السياسة الصينية في أفريقيا

على الرغم من سعي الصين، بعد تأسيس نظامها السياسي، عام 1949، للحفاظ على علاقات طيبة مع الدول النامية عموماً، والدول الأفريقية على وجه الخصوص، إلا أن العلاقات بين الطرفين لم تكتسب حيويتها وأهميتها إلا بعد زيارة الرئيس الصيني السابق "جيانج زيمين"، للقارة الأفريقية عام 1996، وطرحه خطة الاقتراحات الخمسة لإقامة علاقات صداقة صينية أفريقية مستقرة وأكثر تعاوناً في القرن الحادي والعشرين. وتشمل هذه المقترحات إقامة علاقة صداقة متينة، وتحقيق المساواة بين الطرفين في التجارة البينية، والوحدة والتعاون والتنمية المشتركة، والنظرة الواحدة للمستقبل. وأصبحت هذه المقترحات الخمسة الركائز الأساسية للسياسة الصينية تجاه أفريقيا، التي ارتكزت على تنفيذ المبادرات الصينية في مجال تدعيم الوجود السياسي والاقتصادي بالقارة الأفريقية، كالآتي:

أ. إعادة هيكلة صنع السياسة الصينية تجاه أفريقيا، حيث أنشأت الحكومة الصينية، بدءاً من عام 1997، عدداً من الإدارات الخاصة في وزارات التجارة والخارجية والتعليم والصحة والزراعة والدفاع الوطني، وتيسير إنشاء عدد من المراكز والمعاهد البحثية والتعليمية المختصة بالدراسات والشؤون الأفريقية، بهدف تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الصينية مع الدول الأفريقية.

ب. تشكيل منتدى التعاون الصيني ــ الأفريقي، حيث توصلت الحكومة الصينية مع عدد من الدول الأفريقية، في منتصف عام 2000، إلى اتفاق مشترك بشأن تأسيس منتدى لتعزيز التعاون الصيني الأفريقي، أطلق عليه منتدى التعاون الصيني ــ الأفريقي The China- Africa- Cooperation- From (CACF)، بهدف العمل على التشاور الثنائي، وتعميق التفاهم وزيادة التوافق وتمتين أواصر الصداقة، وتشجيع التعاون المشترك، ومجابهة التغيرات في البيئة الدولية، وتلبية احتياجات العولمة الاقتصادية، والسعي نحو توطين التنمية المشتركة من خلال التفاوض والتعاون.

ج. طرح رؤية صينية للتعامل بين الدول المتقدمة والدول الأفريقية، حيث يتخوف العديد من قيادات الكونجرس والبرلمان الأوروبي من بزوغ الصين وطرحها رؤية إستراتيجية في مجال تعامل الدول المتقدمة والنظام الدولي مع الدول الأفريقية، أطلق عليها "اتفاق بكين"، وهو اتفاق جديد يتناقض مع "اتفاق واشنطن"، تعمل الصين بموجبه على تشجيع الدول الأفريقية والآسيوية (المارقة) أو غير الديمقراطية، على رفض الانصياع للمطالب الغربية والدولية الخاصة بالإصلاح السياسي والاقتصادي لصالح القطاع الخاص، والسماح بالتعددية الحزبية والسياسية وتداول السلطة من خلال انتخابات حرة نزيهة

ج. تعزز الصين من خلال طرحها لاتفاق بكين سياسات الدول الأفريقية في مجال استمرار هيمنة جهاز الدولة على إدارة التنمية بمفهومها الاقتصادي والسياسي، ومساعدتها عدداً من الدول الأفريقية، مثل السودان ونيجيريا والكونغو وإثيوبيا، للإفلات من قرارات العقوبات التجارية والاقتصادية التي فرضتها عدة منظمات ومؤسسات دولية، من قبيل مجلس الأمن، فضلاً عن رفض الصين ممارسة أية ضغوط على هذه الدول للقبول بالقرارات الدولية الخاصة بتسوية الصراعات العرقية والمذهبية والدينية، المندلعة في مناطق مثل دارفور بالسودان، وكتنيجا في الكونغو. (اُنظر ملحق الصين والأبعاد الإستراتيجية لعلاقاتها مع أفريقيا).

3. السياسة الصينية في أمريكا اللاتينية

لا تختلف توجهات السياسة الصينية وأهدافها في أمريكا اللاتينية عن توجهاتها تجاه الدول النامية عموماً، حيث يحكمها عاملان هما:

·   الدخول للمصادر الطبيعية والاستحواذ عليها، والحصول على أسواق جديدة لتصريف صادراتها الخارجية.

·   حجب الاعتراف الدولي عن دولة تايوان، التي تعدها الصين جزءاً من الصين الأم، والعمل على إعادته إليها.

وانطلاقا من حدوث طفرات كبرى في تجارة الصين العالمية، تمكنت الصين من توسيع علاقتها الاقتصادية مع دول أمريكا اللاتينية، ما ساعد في حدوث عمليات تنمية اقتصادية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، إذ أصبحت الصين، منذ عام 2005، ثالث أهم شريك تجارى لدول المنطقة.

مع ذلك تتطلع الصين إلى زيادة معدلات تجارتها الخارجية مع دول هذه المنطقة، خاصة في مجالات استخراج وشراء الخامات الأولية التي تحتاج إليها الصين بشكل حيوي، لدعم استمرار النمو الصناعي لديها، ومنها البوكسايت والفحم والحديد والمنجنيز والتبغ. وتُعد الصين حالياً من أكبر مستهلكي الفحم المستخرج من أمريكا اللاتينية، حيث تستورد نحو 20% من احتياجاتها من الفحم من تشيلي. وعلى الرغم من ضعف واردات الصين من النفط المستخرج من دول المنطقة، والذي لا يزيد نسبته على 3% من إجمالي الواردات الخارجية الصينية من النفط، إلا أن هذه النسبة مرشحة للزيادة بعد توقيع الصين اتفاقات للتنقيب والكشف عن النفط مع البرازيل وكوبا وفنزويلا، وسعيها لإبرام اتفاقات مماثلة مع كل من الأرجنتين وبيرو وبوليفيا وكولومبيا والأكوادور.

على الرغم من تعاظم الروابط الاقتصادية للصين مع أمريكا اللاتينية ونموها، إلا أن هناك عدة مخاوف لدى بعض دول المنطقة من مخاطر النمو الاقتصادي الصيني على اقتصاداتها، ومن أبرز هذه الدول المكسيك، التي فقد قطاع صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة فيها 20 ألف فرصة عمل، خلال الفترة من عامي 2000 – 2004، نتيجة سياسة الإغراق التي اتبعتها الصين في مجال صناعة الملابس الجاهزة.

كما تضررت البرازيل والأرجنتين من مخالفة الصادرات الصناعية الصينية لقواعد وضوابط المنافسة الاقتصادية النزيهة داخل أسواقها، ما عرض صناعتها الوطنية للانهيار والإفلاس، ولم يخفف من حدة مخاوف هذه الدول التصريحات المنسوبة للرئيس الصيني "هو جينتاو"، برغبته في ضخ استثمارات صينية في المنطقة، تقدر بنحو 100 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة، وينبغي تأكيد أن هناك مصالح اقتصادية مشتركة تجمع بين كل من الصين ودول أمريكا اللاتينية، قوامها الحاجة الصينية للموارد والمواد الخام الموجودة لدى دول المنطقة، التي تحتاج بدورها للسلع الصينية المصنعة زهيدة الثمن.

أما العلاقات السياسية بين الصين وغالبية هذه الدول، فتُعد متقدمة جداً عن مثيلاتها الاقتصادية، نظراً لقيام القيادات الصينية على اختلاف درجاتها وتسلسلها داخل منظومة الحكم الصيني بزيارات متزايدة ومتواترة لدول المنطقة، بدأت في أبريل 2002، بجولة خارجية للرئيس الصيني السابق "جيانج زيمين" في دول أمريكا اللاتينية، استغرقت 13 يوما، وزيارة الرئيس الحالي "هو جينتاو" لأربع دول في المنطقة، في نوفمبر 2004، على هامش مشاركته في قمة الأبيك التي عقدت بتشيلي في هذا التوقيت. وفي عام 2005، زار كل من السيد "زينج كونهونج" نائب الرئيس الصيني و"جيا كونلان" رئيس الحزب الشيوعي الصيني والرئيس الصيني جينتاو، دول المنطقة. وأعلن أثناء زياراته للمنطقة عن مبادرته الجديدة لتنمية العلاقات السياسية الصينية مع دول أمريكا اللاتينية، والتي ترتكز على تأكيد سياسة الصين الواحدة في العلاقات الخارجية، وتحقيق اقتصاد السوق الذي يتفق مع قواعد منظمة التجارة العالمية وضوابطها، وما تفرضه من إجراءات حمائية في مجال مكافحة إغراق الصادرات الخارجية.

على مستوى العلاقات الثنائية مع دول المنطقة، تحتفظ الصين بعلاقات متميزة مع البرازيل، التي تتوافق مع الصين في التطلع لممارسة دور قيادي في الشؤون العالمية، وتقليص النفوذ والقوة الأمريكية. وتستند علاقات البلدين إلى اتفاق المشاركة الإستراتيجية بينهما، عام 1994، وهو ما يدعم فرص تنمية هده العلاقات في المستقبل. وفي السنوات الأخيرة تعاون الجانبان في مجالات تكنولوجيا البث الفضائي، والطاقة، وتصنيع الطائرات، وتصنيع السيارات، وفي مجال التجارة الدولية تشترك الدولتان في عضوية مجموعة العشرين، وهو تجمع أسس على هامش اجتماع منظمة التجارة العالمية في جولة الدوحة بقطر، للمطالبة بحماية المنتجات الزراعية للدول الأقل فقراً. ورغم هذا التعاون الوثيق بين الدولتين، إلا أن الصين لم تؤيد مطلب البرازيل في الحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن عن منطقة أمريكا اللاتينية.

عقدت الصين اتفاقات لتعزيز التجارة البينية والاستثمار مع الأرجنتين، وبالرغم من ذلك فإن لدى الأخيرة مخاوف من غزو المنتجات الصينية الرخيصة لأسواقها، خاصة في مجالات صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة والأحذية والأجهزة المنزلية وألعاب الأطفال، ما يسهم في إفلاس العديد من الشركات الصناعية الأرجنتينية. لذا قدمت الأرجنتين، خلال الفترة من عام 1995 – 2004، نحو عشر قضايا إغراق، رفعتها ضد الصين في منظمة التجارة العالمية.

على الرغم من تزايد حجم التجارة الخارجية الصينية مع المكسيك، التي تُعد ثاني أهم شريك تجارى للصين في منطقة أمريكا اللاتينية، وكذلك حدوث نوع من التوافق السياسي بينهما فيما يخص قضايا النظام الدولي، إلا أن هناك نوعاً من الاختلافات والتباينات والنزاعات التي تثور بين البلدين من آن لآخر، بسبب تزايد الفائض في الميزان التجاري بين البلدين لصالح الصين، بالإضافة إلى تزايد حدة المنافسة بينهما في الاستحواذ على السوق الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بصناعة المنسوجات والملابس الجاهزة والسلع المصنعة، حيث تمكنت الصين من تبوء المرتبة الثانية في واردات السوق الأمريكية من هذه السلع بدلاً من المكسيك.

أما فنزويلا، فإن العلاقات الاقتصادية الصينية معها تُعد ضعيفة للغاية، مقارنة بالعلاقات السياسية. ويعزى ذلك إلى ارتفاع تكاليف نقل السلع والمنتجات المصنعة من الصين إلى فنزويلا، والعكس نظراً لطول المسافة الفاصلة بينهما مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، التي رغب الرئيس الفنزويلي الراحل "هوجو شافيز" في خفض الاعتماد الاقتصادي عليها، كما أن الصين لا تتحمس كثيرا لدعم التوجيهات الثورية للرئيس "شافيز" في سياسته الخارجية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، حتى لا تُتهم بدعم النظم اليسارية والثورية المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر نفسه الذي تتجنبه الصين في علاقاتها المحدودة للغاية مع كوبا، التي تُعد أقل دول المنطقة في علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الصين، بعكس دول مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي، التي برمت اتفاقية إقامة منطقة تجارة حرة مع الصين، في نوفمبر 2005.

استخدمت الصين تنامي علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة في عزل تايوان، وإجبار 12 دولة من الـ 26 دولة في المنطقة، على الاعتراف بسياسة الصين الواحدة، وإنهاء الاعتراف بتايوان. وتشمل قائمة هذه الدول كلا من بليز، وكوستاريكا، والدومنيكان، والسلفادور، وجواتيمالا، وهايتي، وهندوراس، ونيكاراجوا، وبنما، وباراجواي، وسانت كيتس ونيفيس، وسانت فينيسنت.

تستخدم كل من الصين وتايوان دبلوماسية الدولار وتقديم المساعدات الاقتصادية، لمنع دول المنطقة أو تشجيعها على الاعتراف بالصين الواحدة، ومن ثم قطع العلاقات الدبلوماسية مع تايوان، أو الاعتراف بتايوان دولة مستقلة عن الصين. واستخدمت الصين عضويتها ما تتمتع به من صفة عضو مراقب في منظمة الدول الأمريكية Organization OF American States (OAS)، لمنع تايوان من الحصول على وضع العضو المراقب بالمنظمة، ودعوة الدول الأعضاء في المنظمة لرفض الاعترافات بتايوان.

مما سبق يتضح أن السياسة الصينية قد ركزت في إطار توجهها صوب منطقة أمريكا اللاتينية على تقديم نفسها دولة رائدة في الدول النامية، تبغي المشاركة في صياغة السياسات العالمية، من خلال إطار نظام دولي متعدد الأقطاب، يشملها مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وتعتمد الصين في إطار سياستها بالمنطقة على البرامج والأدوات الاقتصادية، أكثر من اعتمادها على الأدوات السياسية، ودفع دول المنطقة للتجاوب مع أهدافها الاقتصادية والتجارية المتعددة، وتحجيم العلاقات الدبلوماسية لتايوان مع دول أمريكا اللاتينية، بوصف ذلك أحد أهداف سياستها الخارجية الرامية لتنفيذ سياسة الصين الواحدة عالمياً.

4. التأثير الصيني في العالم العربي

ما يشهده العالم العربي اليوم من أحداث داخلية مهمة، ليس معزولا عما يجري على المستويين الإقليمي والدولي. وسرعان ما توزعت القوى العربية المنتفضة على محاور الدول الكبرى، التي تهيمن على الاقتصاد العالمي. فالتحالف الأمريكي ــ الأوروبي يعمل على تغيير بعض الأنظمة العربية بالقوة، في حين يرفض التحالف الصيني ــ الروسي التدخل العسكري الغربي، من خلال استخدام الفيتو في مجلس الأمن. ورغم المظاهر الخادعة لنجاح تدخل قوات حلف الناتو في ليبيا، فإن أسلوب تغيير الأنظمة العربية عبر التدخل الخارجي أثبت فشله في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان وغيرها. وتركز الدول الكبرى التي تعتمد خيار التصالح الداخلي على مساندة الانتفاضات العربية، لتصبح قادرة على تعزيز مواقعها دون تدخل خارجي.

رفضت روسيا والصين مبدأ استخدام القوة لتغيير أنظمة سياسية في دول عربية مستقلة وأعضاء في الأمم المتحدة، وطالبت الصين الأمم المتحدة، في 23 مايو 2011، بوضع "إستراتيجية شاملة لمنع النزاعات الدموية والحفاظ على السلام العالمي". وأكد الموقف الصيني على رفض الحرب أسلوباً لحل النزاعات الدولية، مهما كانت الذرائع، ودعت الصين المجتمع الدولي إلى مساعدة الدول التي تشهد نزاعات دموية، من أجل الحفاظ على وحدة الشعب والأرض، وبناء القدرة الوطنية، وتوظيف الشباب، ونشر التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعاون المؤسسات الدولية والمنظمات الإقليمية مع الدول المنتفضة، لمساعدتها على تسريع الإصلاحات ووقف الحرب الأهلية، ما يستوجب رؤية جديدة لمستقبل الانتفاضات العربية.

بالنسبة لروسيا والصين، تتمحور القضية الملحة في زمن الانتفاضات حول استعادة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وحل النزاعات القائمة من طريق الحوار والمفاوضات. علما أن "أوباما" نفسه أعلن دعمه لقيام دولة فلسطينية تعبّر عن حق مشروع للشعب الفلسطيني، وعودة إسرائيل إلى حدود عام 1967. ورغم تراجعه عن موقفه تحت ضغط اللوبي الصهيوني الأمريكي، كررت الصين مطالبة إسرائيل بتطبيق قرارات الأمم المتحدة، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، ودعت إلى تسوية مشكلة الحدود وغيرها عبر الحوار السياسي، وصولا إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، وتحقيق تعايش سلمي في منطقة الشرق الأوسط، ودعت المجتمع الدولي للضغط على الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل استئناف محادثات السلام، على أن تلعب المنظمات الدولية دوراً بنّاء في تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

أثبت الفيتو المزدوج الصيني ــ الروسي، الذي أسقط مشروع قرار في مجلس الأمن بإدانة سورية، أن المنظمة الدولية يمكن أن تلعب دوراً بارزاً في إعادة هيكلة النظام العالمي الجديد، ليكون متعدد الأقطاب. وأكد عجز الأمريكيين عن فرض إرادتهم على المجتمع الدولي. فبات مجلس الأمن المكان الملائم لصنع القرارات الدولية التي تحمي الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، وتجنب شعوبه مخاطر حرب مدمرة. والتحالف الجديد، في حال استمراره، يمكن أن يعيد التوازن إلى المنظمة الدولية.

الصين تمسكت بمبادئ الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وتبنّت سياسة نشر الاستثمارات على نطاق واسع، وتعزيز التبادل التجاري المتنامي، ودعت انتفاضات الربيع العربي إلى الحوار السلمي، ونبذ العنف، وإيجاد تسوية سلمية شاملة لأزمة الشرق الأوسط، وشددت على تنفيذ إصلاحات شاملة وفق ظروف كل دولة. على أن يساعد المجتمع الدولي في تقديم الدعم المالي والتقني لها، وإيجاد المناخ الملائم لحوار بناء بين القوى المعارضة والموالاة، وهي تأمل في أن يلعب مجلس الأمن دوراً فاعلاً في تخفيف حدة التوتر في الشرق الأوسط، وتعزيز الحوار السياسي لحل النزاعات بالطرق السلمية بدل تأجيج الصدامات الدموية في منطقة ملتهبة كالشرق الأوسط.

التقت إستراتيجية كل من الصين وروسيا على ضرورة منع الأمريكيين والأوروبيين من السيطرة التامة على النفط العربي، والتحكم بالانتفاضات العربية وإلزامها بالتعاون مع إسرائيل، التي ترفض تقديم أي تنازلات للفلسطينيين. وأثبت الصراع في مجلس الأمن أن المنظمة الدولية يمكن أن تسهم في ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. يتوقع بعض المحللين السياسيين أن يلعب مجلس الأمن دوراً فاعلاً في حل الأزمات الدولية المتفجرة، وأن يعمل على إيجاد حل سلمي لمشكلات الشرق الأوسط. فشعوب هذه المنطقة بحاجة ماسة إلى دور فاعل للأمم المتحدة لجمع أطراف النزاع تحت رعايتها، وإيجاد حلول عادلة ودائمة لأزماتها. وذلك يتطلب حث المجتمع الدولي على تنفيذ ميثاق الأمم المتحدة القاضي بإلزام جميع دولها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ودعوة القوى المتناحرة إلى تجنب العنف لمنع وقوع المزيد من النزاعات الدموية. (اُنظر ملحق التعاون الاستراتيجي بين الصين وإسرائيل) و(ملحق العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية)

خامساً: الرؤية للدور الصيني اتجاه أهم المشكلات الدولية

إن المتابع الدقيق لنبض السياسة الخارجية الصينية في الشهور الأخيرة، يستطيع بوضوح شديد أن يلحظ نهجاً جديداً في سياسة الصين الخارجية، وأن تعديلاً أو إصلاحاً في الرؤية التقليدية الصينية للعالم الخارجي قد تم، ذلك لصالح رؤية التيار الإصلاحي المنادي بالتعاون والتقارب مع الغرب في القضايا الدولية الملحة.

بين أيدينا عدد من المؤشرات لسياسة صينية جديدة تدل على أن هذا التيار نجح بالفعل في تعديل بعض سمات سياسة الصين الخارجية، لصالح مزيد من الانخراط في قضايا الكوكب، والتنسيق والتعاون مع الغرب والقوى الدولية الأخرى، وفي تحمل عبء إدارة هذا العالم، والنظر برؤية جديدة للقضايا الإقليمية والدولية التي تقلق الغرب. ويمكن ملاحظة هذا التغير في تعامل الصين خلال الشهور الأخيرة مع قضايا أربع تؤرق مضاجع الغرب، وهي المسألتان النوويتان الكورية والإيرانية، والوضع في إقليم دارفور في غرب السودان، وسورية.

من المعروف أن بعض الباحثين الصينيين، وخصوصاً في الورش المغلقة، يعبرون عن قلقهم عن نتائج سياسات بعض الدول (إيران والسودان وكوريا الشمالية وسورية)، ويصفون سياستها الإقليمية والدولية بأنها تتسم بعدم الوضوح والتشدد، وأنها لا تتماشي مع مبادئ التعايش السلمي التي بنت عليها الصين سياستها الخارجية، مطالبين القيادة الصينية بأن لا تُحمل الدبلوماسية الصينية تبعات أزمات الأصدقاء، وألا ترسل إشارات خاطئة لمثل هذه الدول تشجعها على الاستمرار في مواجهة الغرب، ونادوا بوجود قدر من التنسيق مع الغرب حول ملفات، مثل دارفور، والملفين النوويين الكوري الشمالي والإيراني، كما دعوا إلى ضرورة إرسال رسائل واضحة لكل من إيران والسودان بضرورة الفصل بين التجارة والاستثمار والسياسة.

استجابت مراكز صناعة القرار إلى هذا الطلب بالتحديد، حيث دعا مساعد وزير الخارجية "زاي جون"، في 26 أكتوبر 2006، إلى عدم ربط الاستثمارات بشروط سياسية. وكانت الحكومة السودانية قد مارست في تلك الفترة ضغوطاً على بكين لدعمها في مجلس الأمن لتعطيل القرارات الغربية ضدها.

1. ردود الفعل الدولية على هذه السياسة

أهم ردود الفعل جاءت من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، إذ أعلنت واشنطن عدة مرات عن ترحيبها بسياسة الصين الجديدة تجاه ملفات الأزمات في دارفور وكوريا الشمالية، بل أحياناً ونتيجة للتنسيق الجيد بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، تعلن واشنطن عن بعض السياسات الصينية، حتى قبل أن تعلن عنها بكين رسمياً، مثال ذلك إعلان واشنطن بأن بكين سترسل قوات لحفظ السلام في دارفور للمشاركة في بناء القوات الدولية، في وقت لم تكن الصين قد أعلنت بعد رسمياً عن هذا الخطوة المهمة.

إن سياسة الصين الجديدة أسهمت في اعتراف الغرب، ولأول مرة منذ نصف القرن، بأهمية الصين ودورها الحيوي في التنمية والسلام في العالم، ونلاحظ إن الرئيس الفرنسي "نيكولاس ساركوزي" لم يشر فقط إلى أهمية الدور الصيني في الوصول إلى حلول للنزاعات الإقليمية والدولية، بل أكد بوضوح "أن المشاكل الدولية الرئيسة لا يمكن حلها بدون تعاون، وإسهام الصين مجدداً في عدد من الأزمات الدولية كالملفين النوويين الكوري الشمالي والإيراني، بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية في دارفور".

2. رؤية لمستقبل هذه السياسة

كثيراً ما رفضت الصين الضغوط والمطالب الأمريكية والروسية واليابانية للإفصاح والشفافية عن سياساتها وبرامجها وخططها السياسية والاقتصادية في أفريقيا وآسيا الوسطى وشبه الجزيرة الكورية، وهو ما يعكس استمرار المخاوف الصينية من السعي الأمريكي والروسي المشترك لكبح التطلعات الصينية في الوصول إلى مصاف القوى العالمية الكاملة، لذا فإن ما تطرحه الصين من تنسيق مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ينبغي أن يستمر وينهض وفقاً للشروط الصينية، التي تتضمن البطء والمشروطية والتحفظ الشديد، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والأطروحات والمشاورات السياسية الصينية مع الدول النامية.

من الواضح إن سياسة الصين الخارجية المعدلة لا تزال في بدايتها، ولم تنجذب بعد في تربة السياسة الخارجية الصينية المنكفئة على ذاتها لعقود طويلة، إن لم يكن لقرون طويلة. والتيار الذي قاد الإصلاحات الجديدة في رؤية الصين للعالم الخارجي والمعني في هذه الدراسة، سبق وأن مُني بهزائم ونكسات، أشدها قسوة تلك التي حدثت بعد أحداث "تيان آن مين" (ميدان السلام السماوي) من الطلاب، ولا يزال رموز هذا التيار يخشون ويتحسبون لانتكاسات جديدة.

إن استمرار الاتجاه الراهن في سياسة الصين الخارجية، الذي يدفع باتجاه دمج الصين في المجتمع الدولي رهينة بتفهم الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية لهذه السياسة واحترامها للصين وثقلها الدولي والإقليمي وأمنها القومي.

فالصين بالرغم من حاجتها لبناء علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ودفعها بإخلاص في اتجاه بناء هذه الشراكة وتعميقها، فإنها لن تقبل الضغوط الأمريكية التي لا مسوِّغ لها أو تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية.

إن استمرار توجه الصين للتعامل على أنها دولة عظمى ومسهمة في حل مشكلات العالم، وإطفاء بؤر التوتر، ابتداءً من الأزمات الدولية والإقليمية إلى التغيرات المناخية والنضال ضد الفقر في العالم، رهين إلى حد كبير بتجاوب الولايات المتحدة الأمريكية والغرب مع سياسة الصين الخارجية الجديدة، واحترام خصوصية الصين التاريخية والثقافية والاقتصادية، ووزنها الجديد في العالم، وإيجاد صيغة إستراتيجية مرنة للتعاون بين دولة عظمى راسخة الجذور، وقوى عظمى ناهضة وجديدة.

إن تفهم الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الخصوصية، والتعامل باحترام مع الصين، يشجعها على المضي في هذا الخط الجديد الذي يفيد الصين والغرب والعالم قاطبة بالطبع. أما إذا فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في التقاط وتفهم الرسائل والتغييرات الصينية الحاصلة تفهماً إيجابياً، وتعاملت مع الصين تعاملاً لا يحترم كيان هذه الأمة الناهضة ولا دورها الجديدة على الساحة الدولية، وواصلت ضغوطها عليها وسياسات الاحتواء والمنافسة، وليس الشراكة والتعاون، فإن الصين مستعدة للتراجع عن المسار الحالي، الذي كسبت منه الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، مهما كلفها الأمر، وستدفع حينها الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً ثمناً غالياً، بل قد يدفع العالم كله ثمناً باهظاً أيضاً.